هل من دموع على الفيزيائيين الذين اغتالهم الغرب؟

هل من دموع على الفيزيائيين الذين اغتالهم الغرب؟

أدعو الذين سالت دموعهم البارحة على ستيفن هو كينغ باعتباره فيزيائيا كبيرا ـ كما يذكرون ـ ألا ينسوا أولئك العلماء الفيزيائيين الكبار الذين لا يقلون عنه شأنا، بل قد يفوقونه، أولئك الذين أمضوا أعماهم في أبحاث الذرة والطاقة النووية السلمية، وراحوا يستثمرونها بطرق علمية منهجية تفيد بلادهم والبشرية جميعا.

أولئك العلماء الذين جمعوا بين البحث العلمي، واليقين العقائدي.. والذين تجاهلهم الإعلام الذي راح يعطي كل وقته وجهده لتلميع صورة ملاحدة الفيزيائيين، وتحقير المؤمنين منهم.

وأحب في هذه المناسبة أن أذكر بعضهم لعل الدموع التي سالت البارحة من أجل هوكينغ تسيل أيضا على هؤلاء العلماء الذين لم يكتف الغرب بتجاهلهم ولا تحقيرهم ولا غض الطرف عنهم، وإنما راح يغتالهم وهم في زهرة قوتهم العلمية.

ومن هؤلاء مجيد شهرياري، أحد المسؤولين عن برنامج إيران النووي، الذي قتل في يوم وقع فيه تفجيران، أحدهما كان يستهدف رئيس هيئة الطاقة الذرية السابق فريدون عباسي الذي نجا بحياته، والآخر أودى بحياة شهرياري شمالي العاصمة.

ومنهم أستاذ الفيزياء وخريج جامعة شريف الإيرانية مسعود علي محمدي الذي اغتيل عام 2010 إثر انفجار وقع بالقرب من منزله في العاصمة طهران.

ومنهم مصطفى أحمدي روشن آخر العلماء المستهدفين وأصغرهم، فقد اغتيل عن عمر يناهز اثنين وثلاثين عاما، وهو أحد المسؤولين عن موقع نتانز لتخصيب اليورانيوم والواقع بالقرب من أصفهان وسط البلاد، إذ ألصق مجهولون عبوة ناسفة على سيارته أودت بحياته وبحياة السائق الذي كان إلى جانبه.

وغيرهم كثير من الإيرانيين واللبنانيين والمصريين.. ومنهم سمير نجيب.. وهو عالم ذرة مصري، وأستاذ في جامعة ديترويت بالولايات المتحدة، والذي اغتيل عندما قرر العودة إلى بلاده بعد حرب 1967، وفي ليلة سفره وأثناء قيادته سيارته اصطدمت شاحنة كبيرة بها فتحطمت ولقي مصرعه على الفور، وانطلقت سيارة النقل بسائقها واختفت، وقيد الحادث ضد مجهول.

ومنهم رمال حسن رمال.. وهو عالم لبناني، الذي قتل عام 1991 في مختبر للأبحاث في فرنسا، والذي وصفته مجلة [لو بوان] الفرنسية بأنه (أحد أهم علماء العصر في مجال الفيزياء)، وقد تعرض للتهديد حين حاول الفرار إلى بلده الأصلي، ولم توجد آثار عضوية على جثته.

ومنهم نبيل فليفل.. وهو عالم فلسطيني من مخيم الأمعري بالضفة الغربية، درس الطبيعة النووية ولم يتجاوز ثلاثين سنة من عمره، رفض كل العروض التي انهالت عليه للعمل في الخارج، وفجأة اختفى ثم عثر على جثته في منطقة بيت عور غربي رام الله سنة 1984.

ومنهم إبراهيم الظاهر.. وهو عالم ذرة عراقي حاصل على دكتوراه في هذا الاختصاص من إحدى الجامعات الكندية.

ومنهم سميرة موسى، المولودة سنة 1917، وهي أول عالمة ذرة مصرية ولقبت باسم «ميس كوري الشرق»، وهي أول معيدة في كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول، جامعة القاهرة حاليا.. والتي حصلت على شهادة الماجستير في موضوع التواصل الحراري للغازات، وسافرت في بعثة إلى بريطانيا درست فيها الإشعاع النووي، وحصلت على الدكتوراة في الأشعة السينية وتأثيرها على المواد المختلفة.. وقد دعيت بعد شهرتها العلمية إلى السفر إلى أمريكا في عام 1952، حيث أتيحت لها فرصة إجراء بحوث في معامل جامعة سان لويس بولاية ميسوري الأمريكية، وتلقت عروضاً لكي تبقي في أمريكا لكنها رفضت وقبل عودتها بأيام استجابت لدعوة لزيارة معامل نووية في ضواحي كاليفورنيا، وفي طريق كاليفورنيا الوعر المرتفع ظهرت سيارة نقل فجأة؛ لتصطدم بسيارتها بقوة وتلقي بها في وادي عميق.

ومنهم [مصطفى مشرفة] عالم الفيزياء المصري، وأول عميد مصري لكلية العلوم، وقد دارت أبحاثه حول تطبيقه الشروط الكمية بصورة معدلة تسمح بإيجاد تفسير لظاهرتي شتارك وزيمان. كذلك، كان أول من قام ببحوث علمية حول إيجاد مقياس للفراغ، حيث كانت هندسة الفراغ المبنية على نظرية «أينشين» تتعرض فقط لحركة الجسيم المتحرك في مجال الجاذبية، كما أضاف نظريات جديدة في تفسير الإشعاع الصادر من الشمس، والتي تُعد من أهم نظرياته وسبباً في شهرته وعالميته؛ حيث أثبت د. مشرفة أن المادة إشعاع في أصلها، ويمكن اعتبارهما صورتين لشيء واحد يتحول إحداهما للآخر.. وقد قتل مسموما سنة 1950، ويقال بأنها أحدى عمليات جهاز الموساد الإسرائيلي.

ليت الذين تباكوا على هوكينع أيقونة الإلحاد الأكبر في الفيزياء الحديثة أن يذرفوا بعض الدموع على هؤلاء، وألا يكونوا ضحايا الإعلام الذي يزين ما يشاء، ويشوه ما يشاء، ويغفل عمن يشاء.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *