ما الذي أنكره على عدنان إبراهيم؟

ما الذي أنكره على عدنان إبراهيم؟

يتصور البعض أننا عندما ننتقد شخصا، أو ننكر على جهة، أننا ننكر كل شيء فيها، وننتقد كل ما يصدر منها، وهذا وهم كبير، فليس هناك باطل مجرد، بل الحق يختلط مع الباطل، ونحن نحتاج إلى التمييز بينهما، وقد نضطر في بعض الأحيان إلى ذكر الأسماء حتى يحصل ذلك التمييز، وحتى يزول الالتباس.

وقد فعلنا ذلك مع عدنان إبراهيم في الفترة الحالية بعد أن كنا ننكر عليه تلميحا لا تصريحا.. لكن بعد تحوله إلى قيادة اجتماعية، أو ـ يتعبير مالك بن نبي ـ [صنم فكري]، أصبح من الضرورة ذكر اسمه، للتنبيه والنصح إلى أن يؤخذ كلامه في المسائل العلمية أو السياسية باحتراز شديد، حتى لا يقع محبوه ضحية التقديس لشخصه.. وحتى لا يكونوا كالذين هربوا من وثنية قديمة إلى وثنية جديدة.

بناء على هذا، فإن الذي أنكره على عدنان إبراهيم أربعة أمور:

أولها ـ الجرأة على الحديث على مسائل كبيرة في العلم والدين من غير تحقيق كبير، بل نراه يلقي رأيه أمام وسائل الإعلام، ثم يدعمه ببعض الأدلة الخطابية، لا العلمية، ولا العقلية، لأنه يعلم أن جمهوره سيقبل منه ذلك بسهولة، بل سيبني عليه أحكاما كثيرة، لأنه يريد أن يسمع كل مرة جديدا، ولا يهمه البحث المفصل فيه، ولا في أدلته.

وهذا منهج غير صحيح في طرح القضايا العلمية، ذلك أنها تحتاج طرحا مفصلا للأدلة، ومناقشة علمية هادئة لأدلة المخالفين، وكل ذلك بطريقة علمية ممتلئة بالهدوء.

والمشكلة الأكبر ليس في تلك الطروحات، وإنما في إثارة عامة الناس ممن لم تكتمل لهم أدوات الاجتهاد والبحث ليتحدثوا في كل شيء، ويناقشوا كل شيء من غير بذل جهد في البحث والمراجع، ومطالعة المطولات.. فقد عودهم على الوجبات السريعة، والحديث في القضايا الكبرى في أقل وقت ممكن.

ثانيها ـ أنه يعيش في أوروبا، ويخطب من على منابرها، ولديه الكثير من الفرص الإعلامية التي تتيح له الحديث عن قضايا الأمة التي لا ينبغي السكوت عليها، لكنه لم يفعل.. وقد ذكرنا أنه في الوقت الذي حصل فيه العدوان الثلاثي على سورية، كانت خطبته حول الترحم على هوكينغ، بل كانت صفحته كلها دعاية لهوكينغ..

ومثل ذلك موقفه من اليمن الذي يُقتل أطفاله، وتُدمر بيوته ومؤسساته، ويلقى من الظلم ما لم يلقه بلد في التاريخ.. ومع ذلك لم نجده يتكلم كلمة واحدة في نصرة ذلك الشعب المظلوم، مع أن مؤسسات حقوقية كبرى تحدثت عنه، ومع أنه في بلد يتيح له أن يتكلم في كل شيء بحرية كبيرة.

ثالثها ـ أنه مع عدم كلامه في السياسة ـ كما يقول أتباعه ـ الذين يريدون تبرير مواقفه من السكوت عن الاعتداءات على سورية واليمن نراه يمجد كاذبا السعودية، ويزعم أنها تسير الآن في الطريق الصحيح.. ويثني ثناء عطرا على أمرائها.

ولسنا ندري سر هذا.. ولا مدى علميته.. وهل يكون دفع مئات الملايير من الدولارات لأمريكا وفرنسا وغيرهما تحضرا؟.. وهل جلب المطربين والممثلين والمهرجين، وفتح دور السينما هي الحداثة التي يريد أن نسير عليها؟

ومثل ذلك موقفه من حكام آخرين للخليج هو يعلم تماما أنهم لم يقدموا لا لشعوبهم، ولا لأمتهم شيئا، بل لم يقدموا لها إلا الخراب.. ومع ذلك يثني عليهم، ويذم أعداءهم لا الإسرائيليين، وإنما أعداءهم من المسلمين.

ولهذا صرت أخاف أن يخرج علينا في يوم من الأيام بخرجة جديدة يقول فيها: (بعد البحث الطويل تبين لي أن عداوتنا لإسرائيل لا مبرر لها.. بل يمكننا أن نتحول إلى أصدقاء، فنستفيد من خبرتها وتجربتها.. والأدلة على ذلك..)، ثم يسوق من الأدلة ما تعود أن يسوقه.

ولا أقول هذا مجازفة.. ولكن كل شيء يدل عليه، لأن الأرضية أصبحت مهيأة من الناحية النفسية، كما ذكرت ذلك بتفصيل في المقالات الكثيرة التي ترد على تلك السماحة الزائدة التي خرجت عن حدودها الشرعية، والتي أصبح أتباعه فيها يترحمون، ويثنون ويقدسون ملاحدة العالم في نفس الوقت الذي يلعنون فيه علماءهم وتراثهم وكل شيء ينتمون إليه.

رابعها ـ أن الاهتمام الزائد به، والذي يوليه جمهوره له حجبهم عن كثير من الشخصيات العلمية، وهو ما يحرمهم من العلم والتحقيق وفهم الإسلام بصورته الشاملة.. ذلك أن الإسلام أعظم من أن يحيط به شخص واحد.

ولهذا عندما كنت أكتب أي شيء في الرد على بعض أطروحاته تقوم قيامة أتباعه، مع أنهم يعلمون أني باحث لا أقل عنه، بل أنا متخصص، وأكثر تفرغا ودراسة ومطالعة بحكم ظروفي، ولكنهم يتصورون أن الإعلام هو الذي يصنع الأعلام، وهو الذي يقرر من يكون باحثا ومجددا وعالما.

وعندما ضربت المثال بشخصي الضعيف، لم أقصد شخصي الضعيف، فهناك الكثير من العلماء المحققين المجهولين الذين لم يصلوا إلى الناس، لأنهم لم يمدوا يدهم لمصافحة الوليد بن طلال، ولا غيره من مجرمي العالم.. ولذلك لم تكن هناك كاميرات تسلط الضوء عليهم، أو جهات تتبناهم، فهُجروا لا لقلة علمهم، وإنما لأن العيون لا تهفو إلا لمن يظهرون على وسائل الإعلام.

القسم الثالث

التنويريون.. وهدم القيم

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *