الفصل الثالث: الحقوق الاقتصادية للزوجة

الفصل الثالث

الحقوق الاقتصادية للزوجة

ونريد بها حق الزوجة في التصرف في مالها بأنواع التصرفات المختلفة، ومدى حق الزوج في التصرف في مال زوجته، أو حق الزوجة في التصرف في مال زوجها، وسنتناول هذه المسائل في المباحث التالية:

أولا: حق الزوجة في التصرف في مالها

وهذا الحق إما أن يكون في المعاوضات أو التبرعات، وتفصيل ذلك فيما يلي:

1 ـ المعاوضات:

اتفق الفقهاء على أن للزوجة ذمة مالية مستقلة كالرجل، لأن حقها في التصرف في مالها مقرر في الشريعة ما دامت رشيدة، لقوله تعالى: { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ }(النساء:6) ولها أن تتصرف في مالها كله عن طريق المعاوضة بدون إذن من أحد.

2 ـ التبرعات:

اختلف الفقهاء في جواز تصرف المرأة في مالها عن طريق التبرع به وافتقارها في ذلك إلى استئذان زوجها أو توقفه على إذنه على قولين:

القول الأول: الحجر المطلق عل الزوجة، فلا يجوز هبة شيء من مالها، ولا الصدقة به، دون إذن زوجها، لا في الثلث ولا فيما دونه إلا في الشيء التافه، وقد روي عن أنس بن مالك، وهو قول الليث، ومن الأدلة على ذلك:

  1. قوله تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } (النساء:34)
  2. عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن امرأة أتته فقالت: ما حق الزوج على امرأته فقال: لا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب، ولا تعطي من بيته شيئا إلا بإذنه، فإن فعلت ذلك كان له الأجر، وعليها الوزر([1]).
  3. عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها)([2])في رواية:(لا يجوز للمرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها)
  4. عن عبد الله بن يحيى الأنصاري عن أبيه عن جده، أن جدته أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحلي لها فقالت: إني تصدقت بهذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(إنه لا يجوز للمرأة في مالها أمر، إلا بإذن زوجها، فهل استأذنت زوجك؟ فقالت: نعم. فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: هل أذنت لامرأتك أن تتصدق بحليها هذا فقال: نعم. فقبله منها، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)([3])

القول الثاني: عدم الحجر مطلقا، فأجازوا أمرها كله في مالها، وجعلوها في مالها، كزوجها في ماله، وهو قول سفيان الثوري، والحنفية والشافعية وابن المنذر ورواية عن الإمام أحمد، وأبي ثور وأبي سليمان، والظاهرية، وهو قول الإمامية مع كراهية عدم استئذانه([4])، ومن أدلتهم على ذلك:

  1. قول الله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا }(النساء:19)فبطل بهذا منعها من مالها طمعا في أن يحصل للمانع بالميراث أبا كان أو زوجا.
  2. قول الله تعالى: { وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ }(الأحزاب:35)، وقال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُون}(2البقرة:54)، فلم يفرق تعالى بين الرجال في الحض على الصدقة وبين امرأة ورجل، ولا بين ذات أب بكر، أو غير ذات أب ثيب، ولا بين ذات زوج، ولا أرملة.
  3. قول الله تعالى: { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا}(النساء: 4)، فأباح الله للزوج ما طابت له به نفس امرأته.
  4. قوله تعالى: { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ }(البقرة: 237)، فأجاز عفوهن عن مالهن، بعد طلاق زوجها إياها بغير استئمار من أحد.
  5. قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن)([5])وأنهن تصدقن فقبل صدقتهن، ولم يسأل ولم يستفصل، ولهذا جاز لها التصرف بدون إذن لزوجها في مالها، فلم يملك الحجر عليها في التصرف بجميعه.
  6. أن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: يا نبي الله، إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي لي، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه هو وولده أحق من تصدقت عليهم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم) ([6])، ووجه دلالة الحديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمرها باستئماره فيما تصدق به على أيتامه.
  7. عن عبد الله بن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم العيد، فصلى، ثم خطب، ثم أتى النساء مع بلال فوعظهن، فجعلت المرأة تهوي بيدها إلى رقبتها، والمرأة تهوي بيدها إلى أذنها، فتدفعه إلى بلال وبلال يجعله في ثوبه، ثم انطلق به مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى منزله([7]).
  8. أن العلماء لا يختلفون في جواز وصية المرأة بثلث مالها، لأن القرآن الكريم صرح به في قول الله تعالى { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (النساء:12)، فإذا كانت وصاياها في ثلث مالها، جائزة بعد وفاتها، فأفعالها في مالها في حياتها، أجوز من ذلك.
  9. أن حجة الزوج في مالها كحجة الولد، أو الوالد، أو الأخ، بل ميراث هؤلاء أكثر، لأن الزوج مع الولد ليس له إلا الربع، وللولد ثلاثة الأرباع، والوالد والولد كالزوج في أنهم لا يحجبهم أحد عن الميراث أصلا، وهذا يستدعي منعها من الولد، والوالد، من الصدقة بأكثر من الثلث بهذا الاحتياط، لا سيما وحق الأبوين فيما أوجب، لأن الأبوين إن افتقرا قضوا بنفقتهما وكسوتهما وإسكانهما وخدمتهما عليها في مالها أحبت أم كرهت – ولا يقضون للزوج في مالها بشيء – ولو مات جوعا وبردا – فكيف احتاطوا للأقل حقا ولم يحتاطوا للأكثر حقا.
  10. أن قياس المالكية المرأة على المريض قياس بعيد، وقد ذكر ابن حزم وجوه فساد هذا القياس من وجوه منها:

الوجه الأول: أن المرأة صحيحة، وقياس الصحيح على المريض باطل عند كل من يقول بالقياس، لأن الشيء يقاس على مثله لا على ضده.

الوجه الثاني: أنه لا علة تجمع بين المرأة الصحيحة وبين المريض ولا شبه بينهما أصلا، والعلة جامعة بين الحكمين، وإما على شبه بينهما.

الوجه الثالث: أنهم يمضون فعل المريض في الثلث، ويبطلون ما زاد على الثلث، وههنا يبطلون الثلث، وما زاد على الثلث، فقد أبطلوا قياسهم.

الوجه الرابع: أنهم يجيزون للمرأة ثلثا بعد ثلث، ولا يجيزون ذلك للمريض فجمعوا في هذا الوجه مناقضة القياس، وإبطال أصلهم في الحياطة للزوج، لأنها لا تزال تعطي ثلثا بعد ثلث حتى تذهب المال إلا ما لا قدر له.

القول الثالث: الحجر المقيد، وقد اختلفوا في نوع القيد الذي يمنعها من التصرف في مالها على رأيين:

الرأي الأول: يجوز لها التبرع في حدود الثلث، ولا يجوز لها التبرع بزيادة على الثلث إلا بإذن زوجها([8]) وللزوج الرد فيما لو زاد على الثلث([9]) وهو قول المالكية، وقول طاووس، ومن الأدلة على ذلك:

  1. أن كل حر حجر عليه في الصدقة بماله دون المعارضة فيه لحق غيره، فإنه يجوز تصرفه في ثلثه ولا تجوز له الزيادة على ذلك كالموصي.
  2. أنه لا خلاف أن لها أن تتصدق باليسير، وإذا احتجنا إلى الفرق بين اليسير والكثير فالحد في ذلك ما ورد به الشرع من الثلث وما زاد على ذلك فالمرأة ممنوعة منه لتعلق حق الزوج بمالها.
  3. أن الشرع اعتبر الزواج لمالها ولم ينفه قال صلى الله عليه وآله وسلم:(تنكح المرأة لمالها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يمينك)([10])فإذا كانت إنما تنكح لمالها لم يكن لها بعد أن زيد في صداقها من أجله أن تتلف جميعه وتهبه غيره.
  4. أنها إذا زادت على الثلث فهي متعدية في ذلك على الزوج، فيجب أن يرد تعديها وما كان من الثلث فأقل فليست بمتعدية فيه.
  5. عن الزهري قال: جعل عمر بن عبد العزيز للمرأة إذا قالت: أريد أن أصل ما أمر الله به؟ وقال زوجها: هي تضارني؟ فأجاز لها الثلث في حياتها([11]).

الرأي الثاني: الحجر على الزوجة إلى أن تلد أو تبقى في بيت زوجها حولا، وقد روي عن عمر وشريح، وهو قول قتادة، والشعبي، وقال إبراهيم: إذا ولدت الجارية أو ولد مثلها جازت هبتها، وهو قول الأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ومن الأدلة على ذلك([12]):

  • عن شريح قال: عهد إلي عمر بن الخطاب أن لا أجيز عطية جارية حتى تلد ولدا، أو تحول في بيتها حولا.
  • عن الشعبي قال: قرأت كتاب عمر إلى شريح بذلك، وذلك أن جارية من قريش قال لها أخوها وهي مملكة: تصدقي علي بميراثك من أبيك؟ ففعلت، ثم طلبت ميراثها فرده عليها.
  • كتب عمر بن الخطاب: لا تجيزوا نحل امرأة بكر حتى تحيل حولا في بيت زوجها أو تلد ولدا.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو ما دلت عليه النصوص الصحيحة الصريحة من القرآن والسنة، وهو أن للمرأة ذمة مالية مستقلة عن الرجل، يباح لها بموجبها أن تتصرف أي تصرف شرعي من المعاوضات والتبرعات من دون حجر عليها، إلا ما استثنته الأدلة الشرعية، قال الطحاوي معقبا على ذلك بعد ذكر الأحاديث السالفة:(فكيف يجوز لأحد ترك آيتين من كتاب الله عز وجل، وسنن ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، متفق على صحة مجيئها إلى حديث شاذ، ولا يثبت مثله؟)

ثم إن القول بالحجر يشبه رفع التكليف عن المرأة في حقوقها المالية، ويجعلها تابعة للرجل، وهو ما يتنافى مع التكاليف الشرعية الموجهة للرجال والنساء على السواء، فالنصوص النبوية الكثيرة التي تحث النساء على الصدقات، تلغى بهذا القول، أو تكاد تلغى، بل إن الأمر عند المالكية ليس قاصرا على التبرعات، فهم لا يبيحون للمرأة إذا نذرت نذرا ماليا إلا ثلثه، وهو يتنافى مع لزوم الوفاء بالنذر.

والأمر الأدهى من ذلك أن يصبح مال المرأة غرضا للرجل مع أن القرآن الكريم بالعبارة الصريحة لم يرخص فيه إلا بطيب النفس، وهو مرتبة فوق الإعطاء العادي، فعن قتادة قال في قوله تعالى:{ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}(النساء: 4):(ما طابت به نفسا كره أو هوان فقد أحل الله لك ذلك أن تأكله هنيئا مريئا([13])، وقال الشافعي:(فكان في هذه الآية إباحة أكله إذا طابت به نفسا، ودليل على أنها إذا لم تطب به نفسا لم يحل أكله، وقد قال الله تعالى:{ وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } (النساء:20)([14])

ثم إنه لو سلمنا جدلا أن للرجل حقا في مال المرأة، فلماذا يحجر على المرأة ولا يحجر على الرجل مع أن حقها في ماله لا خلاف فيه؟

وقد أشار ابن حزم إلى بعض هذه التناقضات التي يقع فيها من يذهب إلى الحجر سواء كان حجرا مطلقا أو حجرا مقيدا، فقال:(إن الله تعالى افترض في القرآن والسنة التي أجمع أهل الإسلام عليهما إجماعا مقطوعا به متيقنا أن على الأزواج نفقات الزوجات، وكسوتهن، وإسكانهن، وصدقاتهن، وجعل لهن الميراث من الرجال كما جعله للرجال منهن سواء بسواء فصار بيقين من كل ذي مسكة عقل حق المرأة في مال زوجها واجبا لازما، حلالا يوما بيوم، وشهرا بشهر، وعاما بعام، وفي كل ساعة، وكرة الطرف، لا تخلو ذمته من حق لها في ماله، بخلاف منعه من مالها جملة، وتحريمه عليه، إلا ما طابت له نفسها به، ثم ترجو من ميراثه بعد الموت كما يرجو الزوج في ميراثها ولا فرق، فإن كان ذلك موجبا للرجل منعها من مالها فهو للمرأة أوجب، وأحق في منعه من ماله إلا بإذنها، لأن لها شركا واجبا في ماله، وليس له في مالها إلا التب والزجر، فيا للعجب في عكس الأحكام. فإن لم يكن ذلك مطلقا لها منعه من ماله خوف أن يفتقر فيبطل حقها اللازم؟ فأبعد والله وأبطل أن يكون ذلك موجبا له منعها من مال لا حق له فيه، ولا حظ إلا حظ الفيل من الطيران. والعجب كل العجب من إطلاقهم له المنع من مالها أو من شيء منه وهو لو مات جوعا، أو جهدا، أو هزالا، أو بردا، لم يقضوا له في مالها بنواة يزدردها، ولا بجلد يستتر به، فكيف استجازوا هذا؟ إن هذا لعجب؟)([15])

ثانيا: حق الزوجة في التصرف في مال زوجها

لم تكتف الشريعة في هذا الجانب من حقوق المرأة بأن أباحت لها التصرف في مالها في حدود المصالح الشرعية، بل سمحت لها في نواح كثيرة بالتصرف في مال زوجها، ولهذا التصرف احتمالان، فهي إما أن تنفق من مال زوجها على نفسها، أو أن تنفق من مال زوجها على غيرها، وسنعرض لحدود هذين النوعين من التصرف فيما يلي:

1 ـ إنفاقها من مال زوجها على نفسها:

اتفق الفقهاء على أنه إذا لم يدفع الزوج إلى امرأته ما يجب لها عليه من النفقة والكسوة، أو دفع إليها أقل من كفايتها، فلها أن تأخذ من ماله الواجب أو تمامه، بإذنه وبغير إذنه واستدلوا على ذلك بما يلي:

  1. ([16])، والحديث دليل على أنه يجوز لمن وجبت له النفقة شرعا على شخص أن يأخذ من ماله ما يكفيه إذا لم يقع منه الامتثال وأصر على التمرد([17]).

2 ـ إنفاقها من مال زوجها على غيرها:

اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز للزوج أن يتصدق من مال زوجته بشيء أصلا إلا بإذنها، واختلفوا في حكم تصدق المرأة من مال زوجها من غير إذنه على الأقوال التالية:

القول الأول: أن لها أن تتصدق من ماله بغير إذنه، وهو قول ابن حزم، قال في المحلى:(للمرأة حق زائد، وهو أن لها أن تتصدق من مال زوجها أحب أم كره، وبغير إذنه غير مفسدة، وهي مأجورة بذلك، ولا يجوز له أن يتصدق من مالها بشيء أصلا إلا بإذنها) ([18])، واستدل على ذلك بما يلي:

  • قال صلى الله عليه وآله وسلم:(إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره فله نصف أجره ([19])) ([20])
  • قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا أنفقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا) ([21])
  • عن أسماء بنت أبي بكر قالت: يا رسول الله ليس لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير فهل علي جناح أن أرضخ مما يدخل علي؟ فقال:(ارضخي ما استطعت، ولا توعي فيوعي الله عليك) ([22])
  • وقد رد ما استدل به أصحاب القول الثاني، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(لا تنفق المرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها، قيل: يا رسول الله ولا الطعام؟ قال: ذلك أفضل أموالنا)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم عندما سألته امرأة ما يحل من أموال أزواجهن؟ قال: (الرطب تأكلينه وتهدينه) بأن كلا الحديثين ضعيفين بالإسال، وهما لا يقومان الأحاديث الصحيحة في المسألة، قال ابن حزم:(هذا نقل تواتر يوجب العلم في أعلام مشاهير فلا يقاوم بمثل هذا السقوط والضعف الذي لو انفرد عن معارض لم يحل الأخذ به، والآخران مرسلان)([23])

القول الثاني: يجوز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها للسائل وغيره بما أذن فيه صريحاً، وبما لم يأذن فيه ولم ينه عنه إذا علمت رضاه به، وإن لم تعلم رضاه به فهو حرام، وهو قول جمهور الفقهاء، وقريب منه قول الإمامية([24])، والإذن ضربان: أحدهما: الإذن الصريح في النفقة والصدقة، والثاني: الإذن المفهوم من اطراد العرف والعادة، كإعطاء السائل ونحوه مما جرت العادة به، واطرد العرف فيه، وعلم بالعرف رضا الزوج والمالك به، فإذنه في ذلك حاصل وإن لم يتكلم، قال ابن قدامة:(والإذن العرفي يقوم مقام الإذن الحقيقي، فصار كأنه قال لها: افعلي هذا. فإن منعها ذلك، وقال: لا تتصدقي بشيء، ولا تتبرعي من مالي بقليل، ولا كثير لم يجز لها ذلك، لأن المنع الصريح نفي للإذن العرفي([25])، ومن الأدلة على ذلك([26]):

  1. روي أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله إنا كل على أزواجنا وآبائنا، فما يحل لنا من أموالهم؟ قال: الرطب تأكلينه، وتهدينه([27]).
  2. أن العادة السماح بذلك، وطيب النفس، فجرى مجرى صريح الإذن، كما أن تقديم الطعام بين يدي الأكلة قام مقام صريح الإذن في أكله.

القول الثالث: لا يجوز أن تنفق شيئا من مال زوجها إلا بإذنه الصريح، وهو رواية عن أحمد، ومن الأدلة على ذلك:

  • قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تنفق المرأة شيئا من بيتها إلا بإذن زوجها. قيل: يا رسول الله ولا الطعام؟. قال: ذاك أفضل أموالنا([28]).
  • قوله صلى الله عليه وآله وسلم:لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه ([29])
  • قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(إن الله حرم بينكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا([30]).
  • أنه تبرع بمال غيره بغير إذنه، فلم يجز، كغير الزوجة.
  • أن المراد من الأحاديث السابقة نفقة المرأة على نفسها أو على عيال صاحب المال في مصالحه وليس ذلك بأن ينفقوا على الغرباء بغير إذن.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو أن لكل قول من الأقوال الثلاثة محله الخاص به، والذي يختلف باختلاف حال الزوج والزوجة والحاجة التي استدعت ذلك الإنفاق، وما يترتب عن ذلك كله من مصالح أو مفاسد.

فلو كان الزوج مثلا غنيا شحيحا، وكانت الحاجة الداعية للإنفاق ملحة، وكانت الزوجة مصلحة بذلك لا مفسدة، فإن لها في هذه الحالة أن تأخذ بالقول الأول فتنفق من مال زوجها عل وجوه الخير لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لأسماء:(ارضخي ما استطعت، ولا توعي فيوعي الله عليك)، إلا إذا ترتب على ذلك مفسدة، كأن تخاف من ضرر يصيبها أو يصيب استقرارها لو علم الزوج.

أما لو كان الزوج فقيرا، أو كانت الحاجة الداعية للإنفاق ليست ضرورية ولا ملحة، فإن الأولى في هذه الحالة، بل الأوجب استئذان الزوج، ويصلح في هذه الحالة الأخذ بالقول الثالث، للأحاديث الكثيرة الصحيحة الدالة عليه.

أما لو كان الزوج متوسط الحال، أو كانت الحاجة متوسطة، وهو الحالة العادية لأغلب الناس وفي أغلب الأوقات، فإن الأرجح هو الأخذ بالقول الثاني، فهو أوسط الأقوال، وأجمعها، فيخص ذلك إما بإذنه، أو بالإنفاق مما يخصها، قال ابن حجر: (والأولى أن يحمل على ما إذا أنفقت من الذي يخصها به إذا تصدقت به بغير استئذانه فإنه يصدق كونه من كسبه فيؤجر عليه، وكونه بغير أمره يحتمل أن يكون إذن لها بطريق الإجمال، لكن المنفى ما كان بطريق التفصيل ولا بد من الحمل على أحد هذين المعنيين وإلا فحيث كان من ماله بغير إذنه لا إجمالا ولا تفصيلا فهي مأزورة بذلك لا مأجورة) ([31]).

ونرى أنه بهذا التفصيل أمكن الجمع بين النصوص، فلم يقدم أحدها على الآخر، ولعل الروايات المختلفة في ذلك تنطلق من الحوادث المختلفة، فقد كان الزبير غنيا فلهذا أباح لأسماء أن ترضخ من ماله ما تشاء، بخلاف المرأة التي أذن لها في (الرطب تأكليه، وتهديه)

ولهذا قيد صلى الله عليه وآله وسلم إنفاق المرأة من مال زوجها لكونه (غير مفسدة)، قال ابن حزم:(يكفي من هذا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (غير مفسدة)، فهذا يجمع البيان كله)

والمفسدة إما أن تكون في صرف المال في غير مواضعه، أو في صرف المال المحتاج إليه، والأولى مع ذلك هو استئذان الزوج ليشملهما الأجر كاملا، إلا إذا حال دون ذلك بخله أو غيره من الحوائل.

ثالثا: حق تصرف الزوج في مال زوجته

لتصرف الزوج في مال زوجته أربعة أحوال، وذلك لأن الزوج إما أن يأخذ من مالها بإذنها، أو أن يأخذه بغير إذنها، أو يطالبها بأن تصرف مالها فيما يطالب به هو، أو ينتفع بمنافعها الخاصة بها، وتفصيل هذه الأحوال فيما يلي:

الحالة الأولى: أخذ الزوج مال الزوجة بإذنها:

ولهذا النوع من انتفاع الزوج بمال زوجته صورتان، فهو إما أن ينتفع به من باب التبرع صدقة أو هبة، أو من باب التبرع الواجب وهو الزكاة، أو إنفاق الزوجة على زوجها من مالها، وقد تقدم ذلك في فصل النفقة، وهذه بعض تفاصيل هذه الصور:

1 ـ الانتفاع التطوعي:

أجمع العلماء على أن للزوج الأخذ من مال زوجته إن سمحت له بذلك من غير إضرار منه لها، والدليل على ذلك قوله تعالى: { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}(النساء: 4)

قال مكارم الشيرزي:(أي لو تنازلت الزوجة عن شيء من المهر ووهبته للزوج عن طيب نفسها جاز للزوج أكل الموهوب له، وإِنّما أقرّ الإِسلام هذا المبدأ لكيلا تكون البيئه العائلية والحياة الزوجية ميداناً لسلسلة من القوانين والمقررات الجافة، بل يكون مسرحاً للتلاقي العاطفي الإِنساني، وتسود في هذه الحياة المحبّة جنباً إِلى جنب مع المقررات والأحكام الحقوقية المذكورة)([32])

وبهذا الحكم الشرعي،وهو توقف استفادة الرجل من مال الزوجة سواء كان مهرا أو غيره على إعطاء الزوجة وسماحها استبعد الإسلام ذلك الراسب من رواسب الجاهلية في شأن المرأة وصداقها، وحقها في نفسها وفي مالها، وكرامتها ومنزلتها، وفي الوقت ذاته لم يجفف ما بين المرأة ورجلها من صلات، ولم يقمها على مجرد الصرامة في القانون ؛ بل ترك للسماحة والتراضي والمودة أن تأخذ مجراها في هذه الحياة المشتركة، وأن تبلل بنداوتها جو هذه الحياة([33]).

وقد اشترط تعالى أن يكون ذلك عن طب نفس منها، فهو إذن نفسي مصدره المحبة والمودة القلبية، قبل أن يكون إذنا كلاميا، قد تختلف مصادره.

وقد كان السلف لأجل قوله تعالى: { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}(النساء: 4) تفاؤلا بهذا يتداوون بما تهديه الزوجة عن طيب نفس منها، وقد اتفق في رواية ذلك عن علي الشيعة والسنة على السواء، فمن روايات الشيعة أن رجلا جاء عليا فقال: يا أمير المؤمنين إن في بطني وجعا فقال: ألك زوجة قال: نعم قال: استوهب منها شيئا طيبة به نفسها من مالها ثم اشتر به عسلا، ثم أسكب عليه من ماء السماء، ثم اشربه فإني سمعت الله تعالى يقول في كتابه:{ وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا }(ق:9)وقال تعالى:{ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ }(النحل:69)، وقال تعالى:{ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}(النساء: 4)، فإذا أجتمعت البركة والشفاء والهنيء والمريء شفيت إن شاء الله تعالى، ففعل الرجل ذلك فشفى([34]).

ومما رواه أهل السنة من ذلك عن علي: إذا أشتكى أحدكم، فليسأل امرأته ثلاثة دراهم أو نحوها، فليشتر بها عسلا، وليأخذ من ماء السماء فيجمع هنيئا مريئا وشفاء ومباركا([35]).

وكانوا يتفاءلون به، ويدعو بعضهم بعضا له يسمونه الهنيء المريء، فعن إبراهيم قال دخل رجل على علقمة وهو يأكل من طعام بين يديه من شيء أعطته امرأته من صداقها أو غيره فقال له علقمة: ادن فكل من الهنيء المريء.

2 ـ انتفاع الزوج بزكاة زوجته:

اتفق الفقهاء على عدم جواز دفع الزوج الزكاة إلى زوجته، بل حكي الإجماع على ذلك، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة، واستدلوا على ذلك بأن نفقتها واجبة عليه، فتستغني بها عن أخذ الزكاة، فلم يجز دفعها إليها، كما لو دفعها إليها على سبيل الإنفاق عليها([36]).

وقد استثنى الإمامية من ذلك أن يكون إعطاؤه لها من (سهم الفقراء)، أما إعطاؤها من السهام الأخرى، كالغارمين، أو المؤلفة قلوبهم، أو سبيل الله مثلاً (إذا كانت تنطبق عليهم هذه العناوين) فلا بأس به([37]).

واختلفوا في جواز أخذ الزوج الزكاة من زوجته على قولين:

القول الأول: يجوز لها دفع زكاتها إلى زوجها، وهو قول الشافعي والثوري وصاحبي أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك وعن أحمد، وابن المنذر، ويرى الإمامية جواز ذلك، بل جواز (أن تعطي المرأة زكاتها لزوجها المستحق، ويجوز له أيضا أن ينفق عليها منها وإن كانت غنية)([38])، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ أن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: يا نبي الله، إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي لي، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه هو وولده أحق من تصدقت عليهم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم) ([39])، ووجه دلالة الحديث أن الصدقة الورادة في الحديث محمولة على الزكاة الواجبة لوجهين:

الوجه الأول: قولها: (أتجزئ عني)، لأن المصارف تتعلق بالزكاة، بخلاف الصدقة، فإنها تصح في أي مصرف.

الوجه الثاني: أن ترك الإستفصال منه صلى الله عليه وآله وسلم ينزل منزلة العموم، فلما ذكرت الصدقة، ولم يستفصلها عن تطوع ولا واجب، فكأنه قال: تجزئ عنك فرضا كان أو تطوعا، وأما ولدها فليس في الحديث أنها تعطي ولدها من زكاتها، بل معناه أنها إذا أعطت زوجها فأنفقه على ولدها كانوا أحق من الأجانب، فالإجزاء يقع بإعطاء للزوج والوصول إلى الولد بعد بلوغ الزكاة محلها([40]).

2 ـ أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم امرأة، فقالت: يا رسول الله، إن علي نذرا أن أتصدق بعشرين درهما، وإن لي زوجا فقيرا، أفيجزئ عني أن أعطيه؟ قال: نعم، لك كفلان من الأجر([41])، فلو صح الحديث فهو دليل على جواز إعطاء الزكاة للزوج قياسا على النذر، لأن كليهما واجب.

3 ـ أنه لا تجب عليها نفقته، وذلك لا يمنع من دفع الزكاة إليه، كالأجنبي، بخلاف الزوجة، فإن نفقتها واجبة عليه.

4 ـ أن الأصل جواز الدفع لدخول الزوج في عموم أصناف المسمين في الزكاة، وليس في المنع نص ولا إجماع، وقياسه على من ثبت المنع في حقه غير صحيح، لوضوح الفرق بينهما، فيبقى جواز الدفع ثابتا.

القول الثاني: لا يجوز دفعها إليه، وهو قول الحنفية، ورواية عند لحنابلة، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ أنها تنتفع بدفعها إليه، لأنه إن كان عاجزا عن الإنفاق عليها، تمكن بأخذ الزكاة من الإنفاق عليها منها، فيلزمه، وإن لم يكن عاجزا، ولكنه أيسر بها، لزمته نفقة الموسرين، فتنتفع بها في الحالين، فلم يجز لها ذلك، كما لو دفعتها في أجرة دارها.

2 ـ أن الشرع أعطاها الحق بالانتفاع بمال زوجها، فحق الزوجة في النفقة آكد من حق الغريم، بدليل أن نفقة المرأة مقدمة في مال المفلس على أداء دينه، وأنها تملك أخذها من ماله بغير علمه، إذا امتنع من أدائها، وهي تنبسط عادة في مال زوجها، ويعد مال كل واحد منهما مالا للآخر، ولهذا قال ابن مسعود في عبد سرق مرآة امرأة سيده: عبدكم سرق مالكم، ولم يقطعه، وذلك كله دليله على أن الزكاة لا تجزئ عنها لزوجها لإمكان انتفاعها بها.

3 ـ ضعف دلالة ما استدلوا به من نصوص فالحديث الذي ذكروه لا يصح الاستدلال به من الوجوه التالية:

الوجه الأول: أنه في صدقة التطوع، لقولها: أردت أن أتصدق بحلي لي، ولا تجب الصدقة بالحلي، قال ابن حجر معرض بيان حجتهم من الحديث:(قوله ولو من حليكن، وكون صدقتها كانت من صناعتها، يدلان على التطوع)([42]) وقد ورد من طريق رائطة امرأة بن مسعود أنها كانت امرأة صنعاء اليدين، فكانت تنفق عليه وعلى ولده، وذلك يدل على أنها صدقة تطوع.

الوجه الثاني: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم) دليل على أن الصدقة تطوع لأن الولد لا تدفع إليه الزكاة.

الوجه الثالث: قولها: أتجزئ عني، أي في الوقاية من النار كأنها خافت أن صدقتها على زوجها لا تحصل لها المقصود.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة أن الأدلة تحتمل كلا الوجهين، فلذلك يمكن الجمع بينها، والجمع بذلك بين القولين كما يلي:

  • أن الفقر تختلف درجاته، فإن كان الزوج فقيرا جدا، أو كان فقره شبيها بالفقير الذي تريد أن تدفع له زكاتها، أو كان غارما، فلها أن تدفع له زكاتها على أن تتعفف عنها.
  • أن يستغل الزوج زكاتها في النفقة الضرورية لهما، وأن لا يشتري لها من زكاتها إلا ما يجب عليه، والأولى انتفاعه هو بزكاتها، والإنفاق عليها من ماله.
  • أن تتلطف بالحيل الشرعية في إيصال الزكاة إليه، بحيث لا تعطيه الزكاة مباشرة، وأقترح في ذلك مثلا أن تدفع زكاتها لهيئة خيرية، على أن تخبرهم بحالة زوجها، فتتولى الجمعية إعطاءه الزكاة نيابة عنها، إن كان أهلا لأخذ الزكاة.

أما الحديث الذي استدل به أصحاب القول الأول، فالظاهر فيه، والله أعلم،أن المراد منه صدقة التطوع، كما رجح ذلك ابن حجر وغيره من العلماء، ونحب أن ننبه هنا إلى أن البعض يستغل استحباب الشرع لإعطاء الصدقات والزكوات للأقارب، فيقصرها عليهم، ولو كانوا في درجة من الفقر لا تسمح لهم بأخذ الزكاة، وهذا لا يجوز، لأنه نوع من الفرار من الزكاة.

الحالة الثانية: أخذ الزوج مالها بغير إذنها:

اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز للزوج أن يأخذ من مال زوجته من غير إذنها، وقد دل على ذلك قوله تعالى: { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}(النساء: 4)، فقد قيدت الآية الأخذ من مال الزوجات بشرط طيب النفس منهن، وهو فوق الإذن العادي كما ذكرنا، ودل على هذا كذلك قوله تعالى: { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}(النساء:20، 21)

وقد بحث الفقهاء هنا مسألة لها صلة بهذا لا نرى مناصا من ذكرها هنا، وهي:

حكم السرقة بين الزوجين:

اتفق الفقهاء([43]) على عدم إقامة الحد إذا سرق أحد الزوجين من مال الآخر وكانت السرقة من حرز قد اشتركا في سكناه، لاختلال شرط الحرز، وللانبساط بينهما في الأموال عادة، ولأن بينهما سببا يوجب التوارث بغير حجب، أما إذا كانت السرقة من حرز لم يشتركا في سكناه، أو اشتركا في سكناه ولكن أحدهما منع من الآخر مالا أو حجبه عنه، فقد اختلف الفقهاء في حكم السرقة منه على الأقوال التالية([44]):

القول الأول: لا قطع فيه، وهو قول أبي حنيفة، ورواية عن أحمد، وقول للشافعية، واستدلوا على ذلك بما يلي:

  1. قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولدها وهي مسئولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)([45]) ووجه الاستدلال أن كل واحد من الزوجين أمين في مال الآخر، فلا قطع عليه كالمودع.
  2. قول عمر لعبد الله بن عمرو بن الحضرمي، حين قال له: إن غلامي سرق مرآة امرأتي: أرسله، لا قطع عليه، خادمكم أخذ متاعكم([46])، فإذا لم يقطع عبده بسرقة مالها، فهو أولى.
  3. أن كل واحد منهما يرث صاحبه بغير حجب، ولا تقبل شهادته له، ويتبسط في مال الآخر عادة، فأشبه الوالد والولد.

القول الثاني: يقام عليه الحد، وهو قول الإمامية([47]) والمالكية([48])، وأبي ثور، وابن المنذر، وهو رواية عن أحمد، وقول للشافعية، وهو قول ابن حزم، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، فحكم بالقطع مطلقا ولو كان من غير حرز، قال: (القطع فرض واجب على الأب والأم إذا سرقا من مال ابنهما، وعلى الابن والبنت إذا سرقا من مال أبيهما، وأمهما، ما لم يبح لهما أخذه. وهكذا كل ذي رحم محرمة، أو غير محرمة، إذا سرق من مال ذي رحمه، أو من غير ذي رحمه، ما لم يبح له أخذه. فالقطع على كل واحد من الزوجين إذا سرقا من مال صاحبه ما لم يبح له أخذه كالأجنبي ولا فرق – إذا سرق ما لم يبح – وهو محسن إن أخذ ما أبيح له أخذه من حرز، أو من غير حرز) ([49])، ومن الأدلة التي ساقها ابن حزم لذلك:

  1. عدم صحة الاحتجاج بالخبر الذي استدل به المخالفون، لأنهم مسئولون عما استرعوا من ذلك، وذلك يدل على أنه لم تبح لهم السرقة، والخيانة، فيما استودعوه وأسلم إليهم، وأنهم في ذلك – إن لم يكونوا كالأجنبيين والأباعد ومن لم يسترع – فهم بلا شك أشد إثما، وأعظم جرما، وأسوأ حالة من الأجنبيين، وأن ذلك كذلك، فأقل أمورهم أن يكون عليهم ما على الأجنبيين ولا بد.
  2. أن المودع إذا سرق مما لم يودع عنده لكن من مال لمودع آخر في حرزه، وأن المأذون له في الدخول لو سرق من مال محرز عنه للمدخول عليه الإذن له في الدخول لوجب القطع عليهما عندهم بلا خلاف، فيلزمهم بهذا التشبيه بالضد أن لا يسقطوا القطع عن الزوجين فيما سرق أحدهما من الآخر إلا فيما اؤتمن عليه، ولم يحرز منه، وإن لم يجب القطع على كل واحد منهما فيما لم يأمنه صاحبه عليه، وأحرز عنه، كالمودع والمأذون له في الدخول ولا فرق.
  3. أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يطلق يدها على ما لا حق لها فيه من مال زوجها، ولا على أكثر من حقها.
  4. أن إباحة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم لأخذ الحق والمباح ليس فيه دليل أصلا على إسقاط حدود الله تعالى على من أخذ الحرام غير المباح.
  5. أنه لو جاز ذلك لكان شرب العصير الحلال مسقطا للحد عنه، إذا تعدى الحلال منه إلى المسكر الحرام، ولا فرق بين الأمرين، فإذ ذلك كذلك فلها ما أخذت بالحق، وعليها ما افترض الله تعالى من القطع فيما أخذت بوجه السرقة للحق الواجب حكمه، وللمباح حكمه، وللباطل المحرم حكمه { وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ }(الطلاق:1)
  6. أن الله تعالى لم يخص إذ أمر بقطع السارق والسارقة، لا أن تكون زوجة من مال زوجها، ولا يكون زوج من مال زوجته.

القول الثالث: أن الزوج يقطع بسرقة مال الزوجة، لأنه لا حق له فيه، ولا تقطع بسرقة ماله، لأن لها النفقة فيه، وهو قول للشافعية، واستدلوا على ذلك بما يلي:

  1. أن الرجل لا حق له في مال المرأة أصلا، فوجب القطع عليه إذا سرق منه شيئا، لأنه في ذلك كالأجنبي.
  2. أن المرأة لها في ماله حقوقا من: صداق، ونفقة، وكسوة، وإسكان، وخدمة، فكانت بذلك كالشريك.
  3. أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لهند بنت عتبة إذ أخبرته أن أبا سفيان لا يعطيها ما يكفيها وولدها، فقال لها صلى الله عليه وآله وسلم خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف([50])، فقد أطلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدها على مال زوجها تأخذ منه ما يكفيها وولدها، فهي مؤتمنة عليه كالمستودع، ولا فرق.
  4. أن الزوج بخلاف ذلك، لأن الله تعالى قال: { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا }(النساء:20) وقال تعالى: { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}(النساء: 4)، فبين الله تعالى تحريم القليل من مالها والكثير عليه.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو أن حصول السرقة بين الزوجين من الكبائر التي لا تقل في جرمها عن سرقة الأجانب إن لم تكن أشد منها، ولكن الحد مع ذلك يمكن أن يدرأ عنهما لوجود الشبهة، وقد ورد في درء الحدود بالشبهات الأدلة الكثيرة، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:(ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعا)([51])

وهو لا يعني عدم العقوبة، ولا تخفيفها، وإنما يعني تغييرها بحسب ما يراه الإمام، لأن عقوبة القطع في هذه الحالة لا يستضر بها الجاني فقط، بل يستضر بها المجني عليه أيضا، فالمرأة تتضرر بقطع يد زوجها، والزوج كذلك، وربما أدى ذلك إلى التفريق بينهما.

والشرع في أحكام القطع العادية لم يجعل الضرر إلا على الجاني فقط، فلذلك وجد الاختلاف بين الحالتين، فلا يصح تعميم الحالة، أما ما ورد من النصوص، فإن النصوص مخصصة بأحوال كثيرة.

لكن مع ذلك للإمام أن يقطع في بعض الأحوال إذا كان المبلغ المسروق عظيما وبدون حاجة، أو رأى التساهل في هذا الأمر بين الناس، فيحتاج إلى ردعهم بإقامة هذا الحد عليهم لأن المصلحة العامة تقدم على المصلحة الخاصة، والأولى كما ذكرنا سابقا الجمع بينهما، بتطبيق عقوبة أخرى رادعة.

الحالة الثالثة: تجهيز البيت من مال الزوجة:

يقصد بالتجهيز في عرف الفقهاء ما تزف به المرأة إلى بيت الزوجية من متاع، كفراش وغطاء، ولباس أو ما يملكها إياه زوجها، ويطلق عليه أيضا فقها وعرفا [الشورة([52])]، وقد اختلف الفقهاء في من يجب عليه هذا الجهاز، هل المرأة، أم وليها([53])، أم الزوج وبناء، فإن لهذا الاختلاف علاقة بهذه الحالة، لأنه تصرف في مال الزوجة عن طريق إلزامها بشراء شيء، وإلزام الغير بشيء نوع من التصرف فيه، وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: عدم إجبار المرأة على الجهاز، فلا تجبر هي ولا غيرها على التجهيز، وهو قول الشافعية والحنابلة والإمامية والظاهرية، قال ابن حزم:(ولا يجوز أن تجبر المرأة على أن تتجهز إليه بشيء أصلا، لا من صداقها الذي أصدقها، ولا من غيره من سائر مالها، والصداق كله لها تفعل فيه كله ما شاءت، لا إذن للزوج في ذلك، ولا اعتراض([54])، ومن الأدلة على ذلك:

  1. قول الله تعالى: { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}(النساء: 4)،فافترض الله عز وجل على الرجال أن يعطوا النساء صدقاتهن نحلة، ولم يبح للرجال منها شيئا إلا بطيب أنفس النساء.
  2. أن الله تعالى قد أوجب للمرأة حقوقا في مال زوجها – أحب أم كره – وهي الصداق، والنفقة، والكسوة، والإسكان، ما دامت في عصمته والمتعة إن طلقها، ولم يجعل للزوج في مالها حقا أصلا، لا ما قل ولا ما كثر.

القول الثاني: لزوم التجهيز، وهو قول المالكية والحنفية، وقد اختلفوا فيمن يلزم بالتجهيز، وفي ذلك بعض التفاصيل، نلخصها فيما يلي:

مذهب المالكية([55]): إذا قبضت الحال من صداقها قبل بناء الزوج بها، فإنه يلزمها أن تتجهز به على العادة من حضر أو بدو، حتى لو كان العرف شراء دار لزمها ذلك، ولا يلزمها أن تتجهز بأزيد منه. ومثل حال الصداق ما إذا عجل لها المؤجل وكان نقدا، وإن تأخر القبض عن البناء لم يلزمها التجهيز سواء أكان حالا أم حل، إلا لشرط أو عرف، والأب إذا زوج ابنته البكر وكان متسع الحال، فإنه لا يلزمه تجهيز ابنته من ماله،وإنما يجهزها من صداقها خاصة، كما قال ناظمهم:

والأب لا يقضي اتساع حاله    تجهيزه لابنته من ماله

أما إن كانت ثيبا فإن القاضي لا يلزمها أن تتجهز بغير صداقها، بل بصداقها خاصة، وأما بغيره، فلا يلزم لكن يستحب،وقد قال في ذلك الناظم:

وبسوى الصداق ليس يلزم  تجهز الثيب من يحكم

قال المتيطي: وإذا قبضت المرأة نقدها من زوجها أو قبضه وليها فمن حق الزوجة أن تتجهز به إليه هذا هو المشهور من مذهب مالك وجميع أصحابه حاشا ابن وهب.

وفي المذهب رواية أخرى أطلق عليها ميارة (شاذة غريبة)، وهي أنه ليس على المرأة تجهيز بصداقها، فأحرى بما سواه، ورواية أخرى أنها تتجهز بالصداق خاصة، قال ابن عرفة: المشهور وجوب تجهيز الحرة بنقدها العين.

ويشترى من الجهاز عندهم الآكد فالآكد عرفا من فرش ووسائد وثياب وطيب وخادم إن اتسع لها، وما أحله بعد البناء، فلا حق للزوجة في التجهيز به.

مذهب الحنفية([56]): أنه لو زفت الزوجة إلى الزوج بلا جهاز يليق به فله مطالبة الأب بالنقد، إلا إذا سكت طويلا فلا خصومة له، ولا يرجع على الأب بشيء، لأن المال في النكاح غير مقصود، وهذا يدل على أن الأب هو الذي يجهز، لكن هذا إذا كان هو الذي قبض المهر، فإن كانت الزوجة هي التي قبضته فهي التي تطالب به على القول بوجوب الجهاز، وهو بحسب العرف والعادة.

ومن الأدلة على ذلك([57]):

  1. قول الله تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } (النساء:34)
  2. أن الشرع اعتبر الزواج لمالها ولم ينفه قال صلى الله عليه وآله وسلم:(تنكح المرأة لمالها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يمينك ([58])
  3. أن رجلا خطب إلى رجل ابنته من امرأة عربية فأنكحها إياه فبعث إليه بابنة له أخرى أمها أعجمية، فلما دخل بها علم بعد ذلك فأتى معاوية فقص عليه؟ فقال: معضلة ولا أبا حسن – وكان علي حربا لمعاوية – فقال الرجل لمعاوية فأذن لي أن آتيه؟ فأذن له معاوية، فأتى الرجل علي بن أبي طالب فقال: السلام عليك يا علي، فرد عليه السلام، فقص عليه القصة؟ فقضى علي على أبي الجارية بأن يجهز ابنته التي أنكحها إياه بمثل الصداق الذي ساق منها لأختها بما أصاب من فرجها، وأمره أن لا يمس امرأته حتى تنقضي عدة أختها.
  4. عن إبراهيم النخعي أن رجلا تزوج جارية فأدخل عليه غيرها؟ فقال إبراهيم: للتي دخل بها الصداق الذي ساق، وعلى الذي غره أن يزف إليه امرأته بمثل صداقها.
  5. عن أنس في خطبة علي لفاطمة، أن عليا باع درعه بأربعمائة وثمانين قال: فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوضعتها في حجره فقبض منها قبضة فقال: يا بلال أبغنا بها طيبا، وأمرهم أن يجهزوها، قال: فجعل لنا سرير مشروط بالشرط ووسادة من أدم حشوها ليف وملء البيت كثيبا.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو أنه لا يجوز تكليف الزوجة في مالها بشيء، لصراحة النص القرآنية في ذلك، وهو ما تقدم من قوله تعالى: { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (النساء: 4)، فلا يجوز أن يؤخذ من مال الزوجة تحت أي اسم ما لم يكن بطيب نفسها، فلذلك تكليفها بما جرى عليه العرف من الجهاز ونحوه والتغالي فيه لا يصح، وهو مخالف للنص القرآني مخالفة ظاهرة، بل مخالف لكل النصوص التي تحرم أكل أموال الناس بالباطل.

والواجب في هذه الحالة أن لا يترك الأمر للعرف، لأن العرف ليس شرعا، وقد يرتكب باسم العرف ما يلغي الشرع، بل إن الكثير من الانتهاكات لحقوق المرأة لا تجري باسم الشرع بقدر ما تجري باسم العرف الذي أريد له أن يصير شرعا، فالشريعة رحمة كلها عدل كلها.

فإذا ما أريد لهذا العرف أن يؤسس تأسيسا صحيحا، فإن المرأة تعرف بحقها في مالها، وبأنه لا حق لأحد في التصرف فيه، وأن ما يسمى الجهاز مسؤولية زوجها، بسبب قوامته عليها، وأنه لا مسؤولية لها في ذلك، وأن مهرها لها، تشتري به ما تشاء، وتتصرف فيه كما تحب، فإذا ما أخبرت بذلك، ثم طابت نفسها، وتنازلت عن بعض مهرها لتشتري به جهازها دون أن ترغم على ذلك لا نفسيا ولا اجتماعيا، فحينذاك يمكن اعتبار جهازها من مالها من الحلال الصرف.

أما ما ستدل به بعض المالكية من قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(تنكح المرأة لأربع: لحسنها، ومالها، وجمالها، ودينها – فاظفر بذات الدين تربت يداك)([59])فإنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمر أن تنكح لمالها، ولا ندب إلى ذلك، ولا صوبه، بل إنما أورد ذلك إخبارا عن فعل الناس فقط، قال ابن حزم:(وهذه أفعال الطماعين المذموم فعلهم في ذلك بل في الخبر نفسه الإنكار لذلك بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (فاظفر بذات الدين)، فلم يأمر بأن تنكح بشيء من ذلك إلا للدين خاصة، لكن الواجب أن تنكح المرأة الزوج لماله، لأن الله تعالى أوجب لها الصداق عليه والنفقة والكسوة([60]).

الحالة الرابعة ـ انتفاع الزوج بجهاز الزوجة:

اختلف الفقهاء في حكم انتفاع الزوج بجهاز الزوجة على قولين:

القول الأول: ليس للزوج الانتفاع بما تملكه الزوجة من متاع كالفراش، والأواني، وغيرها بغير رضاها، سواء ملكها إياه هو، أم ملكته من طريق آخر، وسواء قبضت الصداق، أم لم تقبضه، ولها حق التصرف فيما تملكه بما أحبت من الصدقة، والهبة، والمعاوضة، ما لم يعد ذلك عليها بضرر، وهو قول جمهور الفقهاء، قال ابن نجيم:(إن كان لها أمتعة فلا يلزمها أن تلبس متاعها، ولا أن تنام على فراشها، فبالأولى أن لا يلزمها أن تفرش متاعها لينام عليه أو يجلس عليه، ومنها أن أدوات البيت كالأواني ونحوها على الرجل.. والحاصل أن المرأة ليس عليها إلا تسليم نفسها في بيته وعليه جميع ما يكفيها بحسب حالهما من أكل وشرب ولبس وفرش ولا يلزمها أن تستمتع بما هو ملكها ولا أن تفرش له شيئا من فراشها)([61])

ثم قال معقبا على هذا التشديد على الزوج: (وإنما أكثرنا من هذه المسائل تنبيها للأزواج لما نراه في زماننا من تقصيرهم في حقوقهن، حتى أنه يأمرها بفرش أمتعتها جبرا عليها،وكذلك لأضيافه وبعضهم لا يعطي لها كسوة حتى كانت عند الدخول غنية صارت فقيرة، وهذا كله حرام لا يجوز، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا)

القول الثاني: إن قبضت الزوجة صداقها فللزوج التمتع بشورتها فيلبس من الثياب ما يجوز له لبسه، وله النوم على فراشها، والانتفاع بسائر الأدوات التي تملكها، ولو بغير رضاها. سواء تمتع بالشورة معها أو وحده وتمتعه بشورتها حق له، فله منعها من التصرف بها بما يزيل الملك، كالمعاوضة، والهبة والصدقة، لأن ذلك من شأنه أن يفوت عليه حق التمتع بها، أما إذا لم تقبض صداقها، وإنما تجهزت من مالها فليس له عليها إلا الحجر عن التصرف بما يزيل الملك، فله أن يمنعها من بيعها، وهبتها، والتصدق بها، والتبرع بأكثر من الثلث، وهو قول المالكية، وقد سبقت الإشارة إلى نوع أدلتهم في مثل هذه المسائل، وهو أن للزوج نوعا من الحق في مال زوجته.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة ما ذكرناه سابقا من أنه لا يجوز للزوج الانتفاع بشيء من مال زوجته مهما كانت صورته إلا برضا نفسها من غير استشراف منه.

ونرى للزوجة من حسن العشرة أن تتيح لزوجها من متاعها، بحيث لا تفرق بينها وبينه في ذلك، فليس الزوجان إلا شخصا واحدا، ومن القبيح أن يكون لكل منهما متاعه الخاص، فالعشرة الزوجية لا تحكمها القوانين بقدر ما تحكمها المودة والرحمة.


([1])   انظر: البيهقي:7/292، فيض القدير:3/391.

([2])   قال الشوكاني: رواه الخمسة إلا الترمذي، والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري، وقد أخرجه البيهقي والحاكم في المستدرك وفي إسناده عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وحديثه من قسم الحسن، وقد صحح له الترمذي أحاديث، ومن دون عمرو بن شعيب هم رجال الصحيح عند أبي داود، نيل الأوطار: 6/125، وانظر: ابن ماجة: 2/798، البيهقي:6/60، المعجم الأوسط:3/84.

([3])   ابن ماجة:2/798، المعجم الأوسط: 8/293.

([4])     يقول الشيخ المفيد في [أحكام النساء، ص: 13]: (و يكره للمرأة أن تتبرع بشي ء من الصدقة إلا بإذن زوجها على ما قدمناه. ويكره لها أن تعتق بغير إذنه وتوقف وتنذر نذرا حتى تستأذنه فيه، فإن فعلت شيئا مما ذكرناه بغير إذن زوجها كانت مسيئة في ذلك، ومضى فعلها ولم يكن للزوج رده و فسخه)

([5])   مسلم: 2/694، ابن خزيمة:4/107، الحاكم: 2/207، الترمذي: 3/28، النسائي: 5/380، أحمد: 3/502.

([6])   البخاري: 2/531، ابن خزيمة:4/107، ابن حبان: 13/54.

([7])   مسلم: 2/602، البخاري: 1/49، أبو داود: 1/297.

([8])   اختلف المالكية في نوع الإذن هل هو إجازة أو رد على قولين:

القول الأول: هو على الإجازة حتى يرده،وهو قول أصبغ، لأن ذلك مال للزوجة وهي جائزة الأمر فما أوجبته في مالها فهو جائز.

القول الثاني: هو مردود حتى يجيزه الزوج، وهو قول مطرف وابن الماجشون، لأن ذلك ممنوع لحق الزوج فلم يجز منه شيء إلا بإجازته، المنتقى: 3/253، مواهب الجليل:5/97، المدونة الكبرى:7/224، المدونة:4/124.

([9])   اختلف المالكية في المقدار الذي يرد، في حال تبرع الزوجة بما زاد على الثلث على قولين:

القول الأول: أن له رد جميعه، وهو المشهور من مذهب مالك وهو قول ابن القاسم، ودليل هذا القول أن الزوجة إذا زادت في هبتها كانت متعدية ولم يختص التعدي بما زاد على الثلث بل اختص بالجميع فوجب أن يرد جميعه لأنها ممنوعة منه لحق الغير مع بقاء المال على ملكها كالمفلس وبهذا فارق الوصية فإن الموصي يمنع من الزيادة على الثلث مع خروج المال عن ملكه فلذلك رد إلى الثلث.

القول الثاني: إنما يرد ما زاد على الثلث إلا في العتق فإنه يرد جميعه لما فيه من عتق البعض من غير تقويم، وهو قول ابن الماجشون ودليله أن كل من له التصرف في ثلثه فإنه يرد ما زاد عليه كالموصي.

قال الباجي عن القول الثاني:» وهو أقيس وأجرى على الأصول « المنتقى:3/254

([10])   سبق تخريجه.

([11])   ذكره ابن حزم ضمن أدلة المالكية، المحلى:8/310.

([12])   ذكر هذه الآثار ابن حزم في المحلى:8/310.

([13])   تفسير الطبري:4/243.

([14])   أحكام القرآن للشافعي: 217.

([15])   المحلى:7/189.

([16])   البخاري:2/769، 5/2052، البيهقي:7/466، النسائي:5/378، المجتبى:8/246، ابن ماجة:2/769، أحمد:6/39.

([17])   نيل الأوطار:7/131، وفي الحديث فوائد كثيرة تتعلق بالنفقات، ولهذا سيكثر الاستدلال به في هذا الفصل، انظر في عد فوائده:فتح الباري:9/510، 13/139، تحفة الأحوذي:4/400.

([18])   المحلى: 7/192.

([19])   قال النووي: «اعلم أن المراد بما جاء في هذه الأحاديث من كون الأجر بينهما نصفين أنه قسمان لكل واحد منهما أجر ولا يلزم أن يكونا سواء فقد يكون أجر صاحب العطاء أكثر وقد يكون أجر المرأة والخازن والمملوك أكثر بحسب قدر الطعام وقدر التعب في إنفاذ الصدقة وإيصالها إلى المساكين» المجموع: 6/241.

([20])   البخاري:2/728،مسلم: 2/710، الترمذي:3/58، أبو داود: 2/131، النسائي: 2/35، أحمد: 6/44.

([21])   البخاري: 2/522، مسلم:2/710، البيهقي: 4/192، النسائي: 5/379، أحمد: 6/44.

([22])   البخاري: 2/520، مسلم: 714، النسائي: 2/38.

([23])   المحلى :7/194.

([24])     وإن كان قد ورد لهم رواية تفيد الجواز المطلق، قال المحقق النراقي: (اختلفت الروايتان في جواز تصدق المرأة عن بيت زوجها بغير إذنه.. ففي رواية جميل: (للمرأة أن تأكل وأن تتصدق، وللصديق أن يأكل من منزل أخيه ويتصدق) وفي رواية علي: المرأة لها أن تعطي من بيت زوجها بغير إذنه ؟ قال: (لا، إلا أن يحللها)، ويمكن الجمع بوجوه. والاولى في الجمع ما دلت عليه موثقة ابن بكير: عما يحل للمرأة أن تتصدق به من مال زوجها بغير إذنه، قال: (المأدوم)، فيخصص بالتصدق ومنه بالمأدوم، وعليه الفتوى. والظاهر الاختصاص بما إذا لم يقارب صريح النهي، أو العلم بالكراهة) (انظر: مستند الشيعة (15/ 29)

([25])   المغني:4/301.

([26])   المجموع:6/240، كشاف القناع:3/460، منار السبيل:1/363.

([27])   البزار:4/74، مسند عبد بن حميد: 79.

([28])   الدارقطني:3/40، أبو داود: 3/296، ابن ماجة:2/770، أحمد: 5/267.

([29])   الحاكم: 1/171، مجمع الزوائد: 10/246، البيهقي: 6/100، الدارقطني:3/26.

([30])   مسلم:2/889، البخاري:1/37، ابن خزيمة: 4/198، ابن حبان: 4/311، الحاكم: 3/533، الترمذي:4/461.

([31])   فتح الباري: 4/301.

([32])      تفسير الأمثل: 3/ 101..

([33])    في ظلال القرآن:1/585.

([34])    البحار ج 14 : 873.

([35])     قال ابن حجر: أخرجه بن أبي حاتم في التفسير بسند حسن، فتح الباري:10/170.

([36])   المغني :2/270.

([37])     جاء في (العروة الوثقى وتكملتها : 2/ 179): (الممنوع إعطاؤه لواجبى النفقة هو ما كان من سهم الفقراء ولاجل الفقر ، وأما من غيره من السهام كسهم العاملين إذا كان منهم او الغارمين أو المؤلفة قلوبهم أو سبيل الله أو ابن السبيل أو الرقاب إذا كان من أحد المذكورات فلامانع منه)

([38])     أحكام الشريعة (3/ 194)

([39])   البخاري: 2/531، ابن خزيمة:4/107، ابن حبان: 13/54.

([40])   انظر: فتح الباري:3/330.

([41])   رواه الجوزجاني، والحديث مرسل، انظر: المغني:2/270.

([42])   فتح الباري:3/330.

([43])   خلافا لابن حزم الذي يرى الحد مطلقا كما سنرى.

([44])   انظر: المبسوط: 9/188، الأم: 6/163، المحلى: 21/340، المنتقى: 7/184، أحكام القرآن لابن العربي 2/110، بدائع الصنائع: 7/75، المغني: 9/117.

([45])   مسلم:3/1459، أبو داود: 3/130، أحمد:2/54.

([46])   الموطأ: 2/839، مصنف عبد الرزاق:10/210.

([47])    مسالك الأفهام الشهيد الثاني (21/ 476)

([48])   وقد شرط المالكية لذلك أن لا يكون ذلك في بيتها، ففي المدونة: « أرأيت المرأة إذا سرقت من مال زوجها ، هل تقطع ؟ قال: نعم ، إذا سرقت من مال زوجها في غير بيتها الذي تسكن فيه »، المدونة:4/535.

([49])   المحلى:12/340.

([50])   سبق تخريجه.

([51])   ابن ماجة:2/850.

([52])        الشورة في اللغة : الحسن والجمال ، والهيئة ، واللباس . وقيل : الشورة بالضم : الهيئة والجمال ، والشورة بالفتح : اللباس ، ففي الحديث : » أنه أقبل رجل وعليه شورة حسنة « . قال ابن الأثير : الشورة بالضم : الجمال والحسن ، كأنه من الشور وهو عرض الشيء وإظهاره . ويقال لها أيضا : الشارة وهي الهيئة، انظر: النهاية في غريب الحديث:2/508، لسان العرب:4/435.

([53])   اختلف الفقهاء في تملك المرأة الجهاز، إذا كان الأب هو الذي قام بالتجهيز على قولين:

القول الأول: اعتبار الصيغة، وهو قول الشافعية، فلا تملك الزوجة الجهاز إلا بتمليك لها بصيغة ، كأن يقول: هذا جهاز بنتي فيكون إقرارا بالملك لها ، وإلا فهو عارية. ويصدق بيمينه إذا ادعاه في حياتها أو بعد موتها،

القول الثاني:: اعتبار العرف، فإذا جهز الأب ابنته من ماله دون أن يصرح أن هذا منه هبة لها أو عارية منه لها ، وادعى بعد نقل الجهاز إلى دار الزوج أنه كان عارية. وادعت أنه كان تمليكا بالهبة فالقول قولها إذا كان العرف يشهد بأن هذا الجهاز المتنازع عليه يقدمه الأب لابنته هبة منه. وإن كان العرف جاريا بأن الأب يقدمه عارية فالقول قول الأب. وإن كان العرف متضاربا فالقول قول الأب إذا كان الجهاز من ماله. أما إذا كان مما قبضه من مهرها فالقول قولها ; لأن الشراء وقع لها حيث كانت راضية بذلك ، وهو بمنزلة الإذن منها، وهو قول الحنفية، وقريب منه قول الحنابلة، فقد نصوا على أن تجهيز الأب ابنته أو أخته بجهاز إلى بيت زوجها تمليك، انظر: مواهب الجليل:3/523، تحفة المحتاج:8/319، مجمع الضمانات:342..

([54])   المحلى:9/108.

([55])   شرح ميارة:1/177، فتح العلي المالك:1/413، حاشية الدسوقي:2/322، منح الجليل:3/485، التاج والإكليل:3/425.

([56])   البحر الرائق:4/193.

([57])   هذه الأدلة ذكرها ابن حزم نقلا عن بعض المالكية، ولم نجدها في المصادر المعروفة، انظر: المحلى:9/508.

([58])   سبق تخريجه.

([59])   سبق تخريجه.

([60])   المحلى:9/508.

([61])   البحر الرائق:4/194.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *