ولكن اليمن لا بواكي لها

ولكن اليمن لا بواكي لها

كلما أرى تلك الصور الفضيعة لما يحصل في اليمن من دمار وأمراض وسفك للدماء مع التجاهل الإعلامي والديني لكل ذلك، والبكاء في نفس الوقت على تلك المسرحيات المزيفة التي يقوم بها الإرهاب العالمي كل حين في سورية أتذكر ما ورد في الحديث الشريف ‏أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ‏ ‏ لما رجع من ‏ ‏أحد؛ ‏فجعلت نساء ‏ ‏الأنصار ‏يبكين على من قتل من أزواجهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (‏ولكن ‏ ‏حمزة ‏ ‏لا ‏ ‏بواكي له) ([1])

وهذا ما يصدق تماما على اليمن الجريح المظلوم الذي يعيش الفقر والجوع والحصار مع كونه صاحب آبار بترول كثيرة نهبت منه منذ أكثر من قرن من الزمان، ونهب معها الكثير من ثرواته، وعندما نهض يطالب بحقوقه، ويسترجع سيادته على أرضه، رفعت شماعة علاقته بإيران ليُقتل أطفاله، وتُدمر مؤسساته بسببها.

مع أن القوانين الدولية تتيح لأي دولة أن تقيم علاقاتها مع من تشاء، وكيف تشاء.. لكن المجرمين الذين يقومون بالتطبيع مع إسرائيل كل حين، ويقومون بإمداد أمريكا بكل ما يجبونه من أموال الأرض والسماء، يرفضون ذلك، ويحاربون لأجل ذلك حفاظا على أمنهم القومي، متناسين إسرائيل التي هي المهدد الأكبر لأمن المنطقة، ومتناسين أمريكا أعظم دولة إمبريالية في التاريخ.

والمشكلة أن هذه الدولة العربية تضرب باسم الحفاظ على العربية، ولست أدري أي عربية يقصدون؟.. وهل كانت اليمن في يوم من الأيام دولة غير عربية؟.. وهل خرج العرب من غيرها؟.. وهل العروبة إلا تلك الشهامة والنخوة اليمنية؟.. وهل وجد في التاريخ حضارة عربية غير الحضارة اليمنية التي ذكرها القرآن الكريم وأشاد بها؟

لكن الأعراب الذين ذكرهم القرآن الكريم، واعتبرهم { أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ } [التوبة: 97]، راحوا يعتبرون أنفسهم الأوصياء على العرب، فيؤدبون من شاءوا، ويقربون من شاءوا، وينسون أنهم عبيد لأمريكا وأذنابها، وأنهم لا يفعلون شيئا من دون مشورتها.

وينسون أن اليمن هي مهد المقاومة العربية ضد الصهيونية وكل أشكال الاستعمار التابعة لها، ولا زال أنصار الله الذي هم جزء أساسي من اليمن يرفعون شعار الموت لأمريكا وإسرائيل.

لكن كل ذلك يتجاهله الإعلام المغرض، ويتجاهله أولئك الذين يزعمون لأنفسهم تمثيل الدين والنطق باسمه مع أنهم ليسوا سوى أدوات للصهيونية والامبريالية الأمريكية والغربية، لا يتحركون إلا وفق مشيئتها.

إن مسؤوليتنا عن اليمن عظيمة، فسنسأل جميعا عن كل صبي قتل، وعن كل امرأة ترملت أوثكلت بأبنائها.. وسنسأل عن تلك الأعراس التي تحولت إلى مآتم، وعن تلك الزهور التي حولها الطيران العربي إلى قبور.. وسنسأل عن جزيرة سقطرى ذلك الأرخبيل اليمني الموجود في المحيط الهندي، والذي يحاول الأعراب تحويله ـ مثل بلادهم ـ إلى وكر من أوكار الرذيلة، ويتصارعون من أجل ذلك.

سنسأل عن كل ما حصل ويحصل في اليمن.. ولم لم نبك عليها؟.. ولم لم نرفع أصواتنا استنكارا لما يحصل لها؟

إن اختبار اليمن لن ينجو منه إلا الصادقون الذين لا يخافون إلا الله، ولا يتوجهون بعبوديتهم ألا له.. لذلك أدعو كل صادق إلى نصرة اليمن.. ولو بكلمة أو بصورة معبرة.. أما السكوت، فهو علامة الرضا، والحياد في هذا الوقت ليس سوى اصطفاف مع الظلمة، وفي المواقف يتبين الرجال، ويتميز الأبطال.


([1])  تتمة الحديث: (فبلغ ذلك نساء الأنصار فبكين لحمزة، فنام رسول الله a ثم استيقظ وهن يبكين فقال : يا ويحهن ما زلنا يبكين منذ اليوم فليسكتن ولا يبكين على هالك بعد اليوم) رواه الحاكم (1407) وعلق عليه بقوله: (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وهو أشهر حديث بالمدينة فإن نساء المدينة لا يندبن موتاهن حتى يندبن حمزة وإلى يومنا هذا)

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *