المروءة والفتوة

كتبت إلي ـ أيها المريد الصادق ـ تسألني عن المروءة والفتوة، والمكارم المرتبطة بها، وعلاقتها بالنفس المطمئنة، وسر ارتباطها بها.
وجوابا على سؤالك الوجيه أذكر لك أن ما ذكرته من المكارم من الخصال الضرورية للنفس المطمئنة التي لن تكون مطمئنة إلا بها.. ذلك أنها نفس تستمد قيمها من معرفتها بربها، ويستحيل على من عرف ربه، وأسماءه الحسنى، وصفاته العليا ألا يكون ذا مروءة وفتوة.
ومثل ذلك؛ فإن النفس المطمئنة تستمد أحوالها وصفاتها من صحبتها للصالحين إما في عالم الشهادة أو عالم الغيب.. فهي تتخلق بأخلاق الأنبياء والأولياء، وتسعى للحاق بهم، ولذلك تسري إليها أخلاقهم وصفاتهم.. فإن لم تظهر عليها؛ فذلك علامة على كونها نفس مشوبة، لم تتخلص بعد من مثالبها.
إذا عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ فاعلم أن الفتوة([1])، وهي صفة من الصفات العظيمة التي تجتمع فيها المروءة والنبل والشهامة وغيرها من المكارم، من المصطلحات التي أسس لها القرآن الكريم، وذلك عند ذكره لأولئك الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل الحق الذي يحملونه، وتمثلت فيهم به أجمل الأوصاف والأخلاق.
ومنهم إبراهيم عليه السلام الذي وصفه قومه بقولهم: ﴿سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ [الأنبياء: 60]
ومثله أصحاب الكهف الذي وصفهم ربهم بقوله: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ [الكهف: 13]، وقال: ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ [الكهف: 10]
ثم أصبح بعد ذلك كلمة تدل على المكارم الأخلاقية الكثيرة، وكان من أسبق المتحدثين عنها الإمام الصادق، فقد روي عن بعض أصحابه أنه قال: تذاكرنا أمر الفتوة عنده فقال: (أتظنون أن الفتوة بالفسق والفجور؟ إنما الفتوة طعام موضوع، ونائل مبذول، وبشر معروف، وأذى مكفوف، فأما تلك فشارة وفسق) ([2])
وهذا النص يدل على أن هذا المصطلح كان معروفا، لكنه كان منصرفا للفسقة وغيرهم، فحوله الإمام إلى محله الصحيح.. والذي أصبح بعد ذلك علامة على المكارم الكثيرة.
ومن تلك المكارم ما عبر عنه الإمام الصادق عندما سئل عن الفتوة، فقال للسائل:(ما تقول أنت؟) فقال:(إن أعطيت شكرت وإن منعت صبرت)، فقال:(الكلاب عندنا كذلك)، فقال السائل:(يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما الفتوة عندكم؟)، فقال:(إن أعطينا آثرنا، وإن منعنا شكرنا) ([3])
وهكذا تحدث كل الحكماء عنها، وعن صفاتها، وقد قال بعضهم في ذلك: (الفتوة: هي الصبر على المكاره، ألم تر إلى إبراهيم عليه السلام حين صبر على كل بلية فصارت نعمة وعطية، وصبر على إلقائه إلى النار، فصارت برداً وسلاماً، وصبر على ذبح ولده ففدى بذبح عظيم، وصبر يوسف عليه السلام على الجب والسجن فنال ملك مصر وقال له أخوته: ﴿لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا﴾)([4])
وقال آخر:(حقيقتها هي منزلة الإحسان إلى الناس، وكف الأذى عنهم، واحتمال أذاهم، فهي استعمال حسن الخلق معهم، فهي في الحقيقة نتيجة حسن الخلق واستعماله)([5])
وقال آخر:(الفتوة من أعظم خصال الخير جامعة كمال المروءة وحسن الخلق والإيثار على النفس واحتمال الأذى وبذل الندى وطلاقة الوجه والقوة على ذلك، حتى تكون فتوته على ذلك فتوة الفتيان والصفح عن العثرات ويكون خصما لربه على نفسه وينصف من نفسه ولا ينتصف ولا ينازع فقيرا ولا غنيا ويستوي عنده المدح والذم والدعاء والطرد ولا يحتجب ولا يدخر ولا يعتذر ويظهر النعمة ويحقق المحبة سرا وعلنا فإذا قوي على ذلك فهو الفتى وإذا اجتمع قوم على ذلك وتعاهدوا عليه فنعم ما هو)([6])
وهكذا وردت الكثير من التعريفات التي تربطها ببعض جوانب المروءة والأخلاق الحسنة، ومنها قول بعضهم: (الفتوة: هي العفو عن زلل الإخوان)([7])
وقال آخر: (الفتوة: هي الإيثار مع الاضطرار ولو بالطاعات يوم القيامة)([8])
وقال آخر: (الفتوة: هي أن تنظر الخلق كلهم بعين الأولياء، ولا تستقبح منهم إلا ما خالف الشرع)([9])
وقال آخر: (الفتوة عندي: هي أداء الإنصاف وترك مطالبة الإنصاف)([10])
وقال آخر: (الفتوة: هي ترك ما تهوى لما تخشى)([11])
وقال آخر: (الفتوة: هي أن تنصف وتنتصف)([12])
وقال آخر: (الفتوة: هي ترك دنياك لأخراك، ومخالفة هواك، والانفراد بمولاك)([13])
وقال آخر: (الفتوة: أن تكون خصم نفسك لربك)([14])
وقال آخر: (الفتوة: هي تصديق الله فيما وعد وأوعد، وهو الإيمان على الحقيقة، وأن لا يخالف ظاهرك باطنك ولا باطنك ظاهرك)([15])
وقال آخر: (الفتوة: أن يستوي عندك الطاريء والمقيم، وكذا تكون بيوت الفتيان، من نزل فيها فقد توسل بأجل ذريعة وأعظم حرمة، ألا ترى الله تعالى كيف وصف بيته فقال: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾)([16])
وقال آخر: (الفتوة: هي رؤية أعذار الخلق وتقصيرك، وتمامهم ونقصانك، والشفقة على الخلق كلهم، برّهم وفاجرهم)([17])
وقال آخر: (الفتوة: هي اليأس من الخلق، وترك السؤال بالتفويض، وكتمان الفقر، وإظهار الغنى والتعفف)([18])
وقال آخر: (الفتوة: هي كف الأذى، وبذل الندى، وترك الشكوى)([19])
وقال آخر: (الفتوة: هي أن لا تنافر فقيراً ولا تعارض غنياً)([20])
وقال آخر: (الفتوة: هي اتباع الشرع والاهتداء بالسنن وسعة الصدر وحسن الخلق)([21])
وقال آخر: (الفتوة: وهو الإعراض عن الكونين والأنفة)([22])
وقال آخر: (الفتوة: هي أن تعذر إخوانك في زللهم، ولا تعاملهم بما يحوجك إلى الاعتذار منهم)([23])
وقال آخر: (الفتوة الصدق عند الامتحان، والرفق عند الجفاء، والبذل عند الفاقة)([24])
وقال آخر: (الفتوة: هي حفظ السر مع الله على الموافقة، وحفظ الظاهر مع الخلق بحسن العشرة واستعمال الخُلُق)([25])
وقال آخر: ([ الفتوة ]: هي حسن المراعاة، ودوام المراقبة، وألا تُرِي من نفسك ظاهراً يخالفه باطنك)([26])
وقال آخر: (الفتوة: هي احتقار النفس، وتعظيم حرمة المسلمين)([27])
وقال آخر: (الفتوة: حسن الخلق وبذل المعروف)([28])
وقال آخر: (الفتوة: هي حسن الخلق مع من تبغضه، وبذل المال لمن تكرهه، وحسن الصحبة مع من ينفر قلبك منه)([29])
وقال آخر: (الفتوة: هي الشجاعة، واللطافة، والظرافة تنبت في بستان الهمة، وفي بستان الهمة تكون الصلوات الطويلة والصوم والجوع وقيام الليل والصدقة الكثيرة، وكل ما يثبت الهمة يصل إلى الفناء)([30])
وقال آخر: (الفتوة الوفاء والحفاظ.. وقيل: الفتوة فضيلة تأتيها ولا ترى نفسك فيها.. وقيل: الفتوة أن لا تهرب إذا أقبل السائل.. وقيل: أن لا تحتجب من القاصدين.. وقيل: أن لا تدخر ولا تعتذر.. وقيل: إظهار النعمة وإسرار المحنة.. وقيل: أن تدعو عشرة أنفس فلا تتغير إن جاء تسعة أو أحد عشر.. وقيل: الفتوة ترك التمييز)([31])
وقال آخر: (الفتوة: هي سيف مسلول، وطبق مبذول، ولسان سؤول)([32])
وقال آخر: (الفتوة: إظهار الطلاقة مع أخوته في الحال.. وقيل: الفتوة أن تأتيها ولا ترى نفسك فيها.. وقيل: فتوة الخاص حفظ الخواطر، وفتوة العام امتثال الأوامر.. وقيل: من الفتوة حسن الخلق وترك التميز في العطاء وأن تستر عيب عدوك كما تستر عيب نفسك)([33])
وقال آخر: (الفتوة: هي تعاضد، وأخوة، وصدق، ومروة، وهي شرع من النبوة، فليست بأكل الحرام وارتكاب الآثام، بل عبادة الرحمن، ومخالفة الشيطان، وترك العدوان، والعمل بالقرآن) ([34])
وقال آخر: (الفتوة، هي أن لا تشهد لنفسك فضلاً ولا ترى لك حقاً، وهي فوق التواضع، لأن صاحبه يرى لنفسه حقاً يضعه وفضلاً يتواضع دونه، وصاحب الفتوة لا يرى له على أحد حقاً فضلاً عن أن يرى له فضلاً، بل يعتقد أن الحقوق تجب عليه، لا أنها تجب له)([35])
وقال آخر: (الفتوة: هي التجافي عن مطالبة الخلق بالإحسان إليه ولو أحسن إليهم لعلمه بأن إحسانه إليهم وإساءتهم إليه كل ذلك مخلوق له تعالى ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ فلم ير لنفسه إحساناً حتى يطلب عليه جزاء، ولم ير لهم إساءة حتى يذمهم عليها، اللهم إلا أن يكون الشرع هو الذي أمر بذمهم أو معاقبتهم فيفعل حينئذٍ ما أمر به الشرع ليقوم بوظيفة التعبد فقط)([36])
وقال آخر: (الفتوة: هي إيثار الخلق بنفسك بعد أن تؤثرهم في الدنيا والآخرة، وذلك بأن تبذل نفسك لكل نفيس وخسيس فيما يرد وتمكنهما من التصرف فيك.. وقيل: هي الصفاء والسخاء والوفاء.. وقيل: هي أن لا ترى لشيء خطراً ولا قدراً.. وقيل: هي أن تضع المعروف مع أهله ومع غير أهله، فإن لم تكن أهله فكن أنت أهله.. وقيل: أن لا ترى لنفسك فضلاً على غيرك.. وقيل: إظهار النعمة وكتمان المحبة)([37])
وقال آخر: (الفتوة: طهارة القلب عن غواش النشأة والرجوع إلى صفاء الفطرة حتى يتصف بالعدالة التي هي جماع الفضائل الخلقية وظل الوحدة الحقيقية ويتنـزه عن الرذائل النفسية والألواث الطبيعية)([38])
وسئل بعضهم من يستحق اسم الفتوة، فقال: (من كان فيه اعتذار آدم، وصلاح نوح، ووفاء إبراهيم، وصدق إسماعيل، وإخلاص موسى، وصبر أيوب، وبكاء داود، وسخاء محمد.. ثم مع هذا كله يزدري نفسه، ويحتقر ما هو فيه، ولا يقع بقلبه خاطر مما هو فيه أنه شيء، ولا أنه حال مرضي، يرى عيوب نفسه ونقصان أفعاله وفضل إخوانه عليه في جميع الأحوال)([39])
وغيرها من التعريفات الكثيرة التي عبر فيها كل واحد منهم عن رؤيته للفتوة، وليس هناك من تعارض بينها، ذلك أنها تشملها جميعا، وتشمل غيرها أيضا.
وقد جمع بعضهم أصولها الكبرى، وذكر أنها ستة، وهي([40]):
الأول: ترك الخصومة، لأن الخصومة إنما تكون على حق يطلب، والفتى لا يرى لنفسه حقاً ليخاصم عليه، وبهذا يعرف بأن المراد بترك الخصومة ترك اعتقاد استحقاقها، بحيث لا يكون الترك لها باللسان فقط بل ومن القلب أيضاً، بحيث لا يخطر على الخاطر لارتفاع ما يوجبها وهو اعتقاد أن ثم حقا يُخاصم عليه.
الثاني: التغافل عن الزلة، فإن الفتى من إذا تحقق من أحد وجود زلة أو رآها فيه، فإنه كما أنه يسترها عليه فهو أيضاً يظهر منه أنه ما رآها منه ولا علم بوجودها له، وذلك ليزيل عن صاحبها بهذا التغافل وحشة المنقصة ويريحه من الاستحياء والمعذرة، ولئلا يرى ذلك الشخص أن لهذا الفتى عليه حقا يستره له عند تلك الزلة.
الثالث: نسيان الأذية، فإن الفتى يتناسى أذية من آذاه ليصفو قلبه، ولأن سره مشغول بالحق عن تصفح الزلات، فهو لا يزال في صفح، لا في تصفح.
الرابع: أن يقرب من تعصه بباطنه لا بظاهره فقط، بل بحيث يلزم نفسه معاشرة ضده والإحسان إليه ليتحقق بالتخلق بالفتوة.
الخامس: أن يكرم من يؤذيه وإلا لم يتحقق بالفتوة، بل كان من أهل الاحتمال وكذا متى لم يكرمه باطنه ـ كما أكرمه بالظاهر ـ لم يعد من الفتيان بل من الكاظمين الغيظ الذين هم دون العارفين، الذين هم دون الفتيان، الذين وصفهم الله تعالى بالإحسان في قوله: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾
السادس: أن يعتذر إلى من يجني عليه.
وبما أن الفتوة مثل كل المنازل تبدأ بسيطة دنية، وترتقي في سلم الكمال الذي لا نهاية له؛ فقد تحدث الحكماء عن مراتبها المختلفة، مع إقرارهم بأنه لا نهاية لمنازلها، ولا لمجالاتها، لأنها لا تشمل العلاقة مع الخلق فقط، وإنما تشمل العلاقة مع الله، ومع كل الوجود.
ومن أقوالهم في درجات الفتوة: (الفتوة على ثلاث درجات: الدرجة الأولى: ترك الخصومة والتغافل عن الزلة ونسيان الأذية.. والدرجة الثانية: أن تقرب من يقصيك، وتكرم من يؤذيك، وتعتذر إلى من يجنى عليك سماحاً لا كظماً وبراحاً لا مصابرة.. والدرجة الثالثة: أن لا تتعلق في المسير بدليل، ولا تشوب إجابتك بعوض، ولا تقف في شهودك على رسم)([41])
والحكماء يذكرون الكثير من الحكايات في تنافس الفتيان في المكارم ودرجاتها، وهي كلها تدخل ضمن قوله تعالى: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26]؛ فتنافس معهم فيها ـ أيها المريد الصادق ـ حتى لا يسبقك أحد إلى ربك، وإلى المنازل العظيمة التي أعدها للسابقين.
وعلى رأس تلك الحكايات ما يروى عن الإمام الصادق، أنه كان بالمدينة قائما يصلي في المسجد النبوي، وكان رجل أمامه نائما، ثم انتبه، فظن أن الإمام ذهب بحزامه الذي وضع فيه أمواله، فتعلق به فقال له الإمام: ما شأنك؟ فقال: همياني سرق وليس عندي سواك.. فقال له الإمام: كم كان في هميانك؟.. فقال: ألف دينار.. فقال له الإمام: تعال معي إلى البيت حتى أعطيك ألف دينار؛ فانطلق معه، فأعطاه ألف دينار خيراً من ذهبه، فلما جاء الرجل إلى رفقته أخبرهم بقصته، فقالوا: هميانك عندنا، فسأل الرجل عن الإمام، فأخبروه بأنه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجاء الرجل إليه، ووقع يقبل قدميه ويعتذر إليه، ورد ألف الدينار عليه فلم يقبلها وقال: ما أخرجناه لله فلا يرجع)([42])
ومن تلك الحكايات، وهي متعلقة بجانب من الفتوة، وهو التغافل عن عيوب الغير وأخطائهم، أن رجلا من الفتيان تزوج امرأة، فلما دخلت عليه رأى بها الجدري، فقال: اشتكيت عيني، ثم قال: عميت، فبعد عشرين سنة ماتت، ولم تعلم أنه بصير، فقيل له في ذلك، فقال:(كرهت أن يحزنها رؤيتي لما بها)، فقيل له:(سبقت الفتيان) ([43])
ومثل ذلك ما روي أن رجلا استضاف جماعة من الفتيان، فلما فرغوا من الطعام خرجت جارية تصب الماء على أيديهم، فانقبض واحد منهم، وقال:(ليس من الفتوة أن تصب النسوان الماء على أيدي الرجال) فقال آخر منهم:(أنا منذ سنين أدخل إلى هذه الدار، ولم أعلم أن امرأة تصب الماء على أيدينا أو رجلا) ([44])
وروي أن جماعة فتيان قدموا لزيارة صديق لهم، فقال الرجل:(يا غلام قدم السفرة)، فلم يقدم، فقالها ثانياوثالثا فلم يقدم، فنظر بعضهم إلى بعض، وقالوا:(ليس من الفتوة أن يستخدم الرجل من يتعاصى عليه في تقديم السفرة كل هذا)، فقال الرجل:(لم أبطأت بالسفرة)، فقال الغلام:(كان عليها نمل، فلم يكن من الأدب تقديم السفرة إلى الفتيان مع النمل، ولم يكن من الفتوة إلقاء النمل وطردهم عن الزاد، فلبثت حتى دب النمل)، فقالوا:(يا غلام مثلك يخدم الفتيان) ([45])
هذه بعض الحكايات الواردة في هذا؛ فاحرص ـ أيها المريد الصادق ـ أن تكون من السابقين إلى المروءة والخلال النبيلة، ولا ترتضي بدرجاتها الدنيا، فتكون من المخلفين.
واعلم أن دينك
أعز وأعظم من أن تأخذه ممن لم تؤمر بأخذه منه؛ فلذلك لا تأخذ بكل ما ورد في تلك
الحكايات، ولا كل ما ورد عن الفتيان، فهم بشر يخطئون ويصيبون، وقد يضعون في الفتوة
ما لا علاقة له بها؛ فاحذر من كيد الشيطان، ومن الدخن الذي وضعه في الخيرات حتى
يلبس عليها وعلى أهلها. ..
([1]) اتفق المتحدثون على الفتوة على أن أصلها من الفتى، وهو الشاب الحديث السن، قال الله تعالى عن أهل الكهف: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً﴾ (الكهف:13)، وقال عن قوم إبراهيم عليه السلام إنهم قالوا: ﴿ سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ (الانبياء:60)، وقال تعالى عن يوسف عليه السلام: ﴿ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾ (يوسف:36)، وقال: ﴿ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ﴾ (يوسف:62)
([2]) معاني الاخبار ص 119
([3]) أحمد الكمشخانوي النقشبندي، جامع الأصول في الأولياء، ج 2 ص 303.
([4]) ابن المعمار البغدادي، كتاب الفتوة، ص 137، 138.
([5]) مدارج السالكين:2/340.
([6]) فتاوى السبكي: 2/548.
([7]) أبو عبد الرحمن السلمي، المقدمة في التصوف وحقيقته، ص 39.
0
([8]) ابن المعمار البغدادي، كتاب الفتوة، ص 155، 156.
([9]) أبو عبد الرحمن السلمي، حقائق التفسير، ص 753.
([10]) أبو عبد الرحمن السلمي، طبقات الصوفية، ص 118.
0
([11]) أحمد الكمشخانوي النقشبندي، جامع الأصول في الأولياء، ج 2 ص 303.
([12])القشيري، الرسالة القشيرية، ص 177.
([13]) ابن المعمار البغدادي، كتاب الفتوة، ص 155.
([14]) كتاب الفتوة، ص 152، 153.
([15]) أبو عبد الرحمن السلمي، حقائق التفسير، ص 753.
([16]) أبو عبد الرحمن السلمي، حقائق التفسير، ص 869.
([17]) أبو عبد الرحمن السلمي، طبقات الصوفية، ص 255.
0
([18]) أبو عبد الرحمن السلمي، المقدمة في التصوف وحقيقته، ص 57.
([19]) ابن المعمار البغدادي، كتاب الفتوة، ص 153.
([20]) القشيري، الرسالة القشيرية، ص 177.
([21]) أبو عبد الرحمن السلمي، حقائق التفسير، ص 753.
([22]) القشيري، الرسالة القشيرية، ص 177.
([23]) أبو نعيم الأصفهاني، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء – ج 10 ص 296.
([24]) ابن المعمار البغدادي، كتاب الفتوة، ص 153.
([25]) أبو عبد الرحمن السلمي، طبقات الصوفية، ص 216.
0
([26]) المصدر نفسه، ص 461.
0
([27]) أبو نعيم الأصفهاني، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، ج10 ص 381.
([28]) أبو عبد الرحمن السلمي، طبقات الصوفية، ص 506.
0
([29]) طبقات الصوفية، ص 511.
0
([30]) طبقات الصوفية، ص 358، 359.
([31]) القشيري، الرسالة القشيرية، ص 177، 178.
([32]) ابن المعمار البغدادي، كتاب الفتوة، ص 154.
([33]) ابن المعمار البغدادي، كتاب الفتوة، ص 154، 155.
([34]) كتاب الفتوة، ص 156، 157.
([35]) كمال الدين القاشاني، لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام، ص 450.
([36]) محمد بن يوسف السنوسي، شرح عقائد التوحيد، ص 80.
([37]) أحمد الكمشخانوي النقشبندي، جامع الأصول في الأولياء، ج 2 ص 302.
([38]) جامع الأصول في الأولياء، ج 3 ص 241.
([39])د. أبو العلا عفيفي، الملامتية والصوفية وأهل الفتوة، ص 92، 93.
([40]) لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام، ص 451 -452.
([41]) عبد الله الهروي، منازل السائرين، ص 61، 62.
([42]) ابن المعمار البغدادي، كتاب الفتوة، ص 263 -264.
([43]) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 326)
([44]) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 327)
([45]) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 328)