السكون والسكينة

السكون والسكينة

كتبت إلي ـ أيها المريد الصادق ـ تسألني عن السكون والسكينة النفسية التي تملأ نفوس الصالحين، ولو في أحلك الظروف وأشدها، وعن منابعها، ودرجاتها.

وجوابا على سؤالك الوجيه أذكر لك أن السكون والسكينة من نعم الله تعالى المفاضة على خلقه جميعا، ولذلك ترى الكون ممتلئا بالاستقرار والنظام والهدوء مع كونه في ذاته مليئا بكل أنواع الحركات.. فالحركة لا تنافي السكون، وإنما تنافي الاضطراب والقلق والانزعاج وغيرها.

وبما أن الصالحين مندمجين مع الكون جميعا في عبوديته وسجوده وقنوته لله؛ فإن تلك السكينة تتنزل عليهم كما تتنزل على كل شيء.. ذلك أنها مرتبطة بالخضوع لله ومد اليد إليه، فمن فعل ذلك، وتحقق منه، حظي لا محالة بالهدوء والسكون والسكينة والطمأنينة.

أما من خالف ذلك، وراح يسكن إلى أشياء أخرى؛ فإنه يصاب بالاضطراب، لكونه مد يده للمضطرب والمتزلزل والمتحرك، ولا يمكن لمن أمسك بالمتزلزل ألا يتزلزل معه.

ولهذا يخبر الله تعالى في القرآن الكريم عن كون السكينة جزاء لمن وفر لنفسه القابلية لذلك، كما قال تعالى عن المؤمنين في بعض مواضع الاضطراب التي تعرضوا لها: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾ [الفتح: 26]

وهذا يعني أن المؤمنين لم تصبهم تلك الحمية ولا العصبية التي أصابت الجاهلين، وإنما كانوا هادئين مطمئنين، وذلك ما جعلهم يقررون القرارات الصحيحة، ولا يخضعون لأي استفزاز، وهو ما وفر لهم النصر القريب، بخلاف ما لو استجابوا لتلك الحمية الجاهلية.

وهذا يدل على أن السكون والسكينة التي تملأ قلب صاحبها هي التي تحميه من فورة الغضب والعصبية والجهل، والتي تجعله يخرج عن طوره، وقد يخرج عن إنسانيته.

ومثل ذلك ذكر الله تعالى دور السكينة في الحماية من الخوف، وملأ القلب بالثبات، ولو في أحلك الظروف، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [الفتح: 4]

وقال ـ مشيرا إلى الاستعداد النفسي للمؤمنين لتلقي السكينة ـ: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18]

فقي قوله تعالى: ﴿ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ﴾، دليل على أن السكينة التي ينزلها الله تعالى قلوب الصالحين من عباده، هي التي تحميهم من ذلك التقلب والاضطراب الذي هو من خصائص القلوب.

ومثل ذلك ذكر الله تعالى تنزل السكينة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الغار، وفي أشد المواضع خطرا، ولم يذكرها لصاحبه الذي كان بجانبه، باعتبارها مرتبطة بالاستعداد والقابلية، والتي لم تكن حينها متوفرة في ذلك الصاحب، ولهذا قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: 40]، ثم عقب الله تعالى على ذلك بقوله: ﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا﴾ [التوبة: 40]

ومثل ذلك ذكر أن جيش المسلمين انهزم في غزوة حنين بسبب الاضطراب الذي حصل له، لكنه بعد سكونه وتنزل السكينة عليه، بتوفر قابليته لذلك، تحولت الهزيمة إلى نصر، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: 25، 26]

والآية واضحة في أن النصر في الحقيقة لم يحصل لكل الجيش، وإنما كان للمؤمنين فقط، أولئك الذين تنزلت عليهم السكينة، والتي جعلتهم أهلا للمدد الإلهي.

وهكذا يخبر القرآن الكريم على أن الانتصار في كل المعارك يحتاج إلى السكينة، ولهذا عندما طلب بنو إسرائيل أن يخرجوا من ضعفهم وذلهم، نزلت عليهم السكينة.. والتي لم يستقبلها منهم إلا أولئك الذين ثبتوا مع طالوت.. ومع ذلك تحقق النصر، لأن فضل الله تعالى يأبى أن يشترط تحقق السكينة في الجميع، قال تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: 248]

ولا نحب أن نخوض هنا في السكينة التي تنزلت على بني إسرائيل وحقيقتها، وصورتها، لأنها هي نفس السكينة المذكورة في القرآن الكريم جميعا.. لكن معناها وارتباطها بالتابوت، يعني أن بني إسرائيل عندما شاهدوا التابوت عادت إليهم ثقتهم في ربهم، وبعودة تلك الثقة تنزلت السكينة.

ولذلك فإن السكينة قد ترتبط بأي شيء.. لا لكون ذلك الشيء هو الذي سببها، وإنما لكونه ذكر صاحبها بالحقائق التي تعينه على تنزلها.. وذلك مثل من يقع في مهلك من المهالك، فيضطرب ويقلق، لكنه بمجرد أن يرى المنقذين الذين جاءوا لإنقاذه، تعود إليه سكينته وهدوءه، ثم يسلم نفسه لهم.

وهكذا الأمر بالنسبة للمؤمن؛ فمعارفه بالله تعالى، والتي تجعله يفوض كل شيء إليه، هي التي تحمي قلبه من الاضطراب.. لكن ذلك قد يفتر ويضعف، ويحول بين القلب وتنزل السكينة، فإذا ما ورد سبب من الأسباب أعاد المعرفة لمحلها، وصار القلب أهلا لعودة السكينة إليه.

ويشير إلى هذا ما ورد في الحديث أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ سورة الكهف، وعنده فرس مربوط، فتغشّته سحابة، فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينفر منها، فلمّا أصبح أتى النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك له، فقال (تلك السّكينة تنزّلت للقرآن)([1])

أي أن المعارف القرآنية التي بثها الله تعالى في نفس القارئ هي التي جعلته أهلا لتنزل السكينة عليه.

ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يردد مع أصحابه في أوقات الشدة الدعوات التي تطلب من الله تعالى تنزل السكينة، فقد حدث البراء، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الأحزاب ينقل التّراب وقد وارى التّراب بياض بطنه وهو يقول: (لولا أنت ما اهتدينا، ولا تصدّقنا ولا صلّينا، فأنزل السّكينة علينا، وثبّت الأقدام إن لاقينا، إنّ الألى قد بغوا علينا، إذا أرادوا فتنة أبينا) ([2])

وبناء على هذا كله؛ فإن الأوامر الواردة في النصوص المقدسة، والتي تدعو المؤمنين إلى التحلي بالسكينة، هي في الحقيقة تدعوهم إلى توفير القابلية الخاصة بها، ومن الأمثلة على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا أقيمت الصّلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون، عليكم السّكينة، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا)([3])

وقال: (يسّروا ولا تعسّروا، وسكّنوا ولا تنفّروا)([4]).

وقال: (لا تقوموا حتّى تروني وعليكم السّكينة)([5])

وعن الفضل بن عبّاس، وكان رديف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنّه قال، في عشيّة عرفة وغداة جمع، للنّاس حين دفعوا: (عليكم بالسّكينة)([6])

وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعض أسباب تنزل السكينة، وهي تدل على غيرها، فقال: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة وحفّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)([7])

وهكذا ورد عن أئمة الهدى تفسير السكينة بالإيمان، ذلك أنه سببها الأكبر، فقد روي عن الإمام الباقر أنه سئل عن قول الله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ [الفتح: 4]، فقال: هو الايمان، ثم سئل عن قول الله عز وجل ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ﴾ [المجادلة: 22]، فقال: هو الايمان([8]).

وفسر الإمام الصادق ذلك، فقال: (إن للقلب أذنين: روح الايمان يساره بالخير، والشيطان يساره بالشر، فأيهما ظهر على صاحبه غلبه.. فإذا زنى الرجل أخرج الله منه روح الايمان التي قال الله تبارك وتعالى فيها ﴿وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ﴾.. فلذلك لايزني الزاني وهو مؤمن، ولايسرق السارق وهو مؤمن، وإنما أعني مادام على بطنها، فاذا توضأ وتاب كان في حال غير ذلك) ([9])

وهذا يدل على أن الإيمان الكامل الذي لا يكتفي بالعقل، ولا القلب، وإنما يمتد إلى الجوارح والسلوك هو الذي يوفر للمؤمن القابلية لتنزل السكينة.. أو هي بالتعبير القرآني: روح جديدة للمؤمن تمكنه من ممارسة حياته وكل سلوكاته بهدوء وطمأنينة وعقلانية.

وقد اتفق على هذا المعنى كل الحكماء الذين اعتبروا السكون والسكينة فضلا إلهيا يتنزل على المحال القابلة له، ومن ذلك قول بعضهم: (من أراد أن يزداد سكينة فليصل إلى المعرفة، فإن المعرفة الإلهية توجب السكينة في القلب، كما أن القلب يوجب السكون)([10]

واعتبر آخر السكينة نوعا من البصيرة أو قريبة منها، فقال: (الفرق بين البصيرة والسكينة: هو أن البصيرة مكشوفة، والسكينة مستورة)([11]

وقال آخر: (البصيرة مكشوفة، والسكينة مستورة، ألا ترى إلى قوله: ﴿هُوَ الَّذي أَنْزَلَ السَّكينَةَ في قُلوبِ الْمُؤْمِنينَ﴾، فبالسكينة ظهرت البصيرة، والسكينة هداية، والبصيرة عناية، وإذا أكرم العبد بالسكينة يصير المفقود عنده موجوداً، والموجود مفقوداً)([12])

وهذا يدل على أن السكينة هي التي توفر البيئة المناسبة للبصيرة.. ذلك أنه لا يمكن لمن يريد مشاهدة الحقائق برأي العين أن يكون مضطربا، فهو يحول بينه وبين الرؤية الصحيحة.

وهكذا ترتبط السكينة باليقين، كما قال بعضهم: (السكينة.. هي نور اليقين، يسلكون به إلى عين اليقين. ونفس اليقين هي التي تدل على الحقائق، وهي حق اليقين)([13]

وقال آخر: (السكينة طمأنينة القلب بموعود الله وتصديقه)([14]

وقال آخر: (السكينة نور يقذف في القلب يبصر بها مواقع الصواب)([15]

وقال آخر: (السكينة هي نور يقذفه الله في قلوب أوليائه، لتسكن به نفوس أوليائه عن المعارضات)([16]

وقال آخر: (السكينة إقامته في مقام الدنو بحسن الأدب، ناظراً إلى الحق، مستمعاً منه، مثنيا به عليه بقوله (التحيات لله) والسكينة التي نزلت على المؤمنين هي سكون قلوبهم إلى ما يأتيهم به المصطفى من أمر ونهي ووعد ووعيد وبشارة وحكم.. وهي سكون القلب مع الله بلا علاقة.. وهي الطمأنينة عند ورود القضاء.. وهي المقام مع الله بفناء الحظوظ)([17]

وقال آخر: (السكينة سكون القلب إلى ما يبدو من مجاري الأقدار.. وهي التثبت، ولا يتم التثبت إلا بالقطع عما سواه)([18]

وقال آخر: (السكينة هي مزيد الإيمان، وفيها ارتقاء القلب إلى مقام الروح لما منح من حظ اليقين)([19])

وقال آخر: (السكينة ما يجده القلب من الطمأنيية عند تنـزل الغيب، وهي نور في القلب يسكن إلى شاهده، ويطمئن وهو مبادئ عين اليقين)([20]

وقال آخر: (السكينة والوقار نور في القلب، يوجب لصاحبه الطمأنينة بالله واعتماد العبد عليه، وصرف الحول والقوة إليه، وعدم مبالاته بغيره تعالى)([21])

وقال آخر: (السكينة هي ما يسكن إليه القلب من البصائر والحجج، فيرتقي القلب بوجودها عن حد الفكرة إلى روح اليقين، وثلج الفؤاد، فتصير العلوم ضرورية.. وهذا للخواص، فأما عوام المسلمين فالمراد منها السكون والطمأنينة واليقين)([22])

وقال آخر: (السكينة هي ثلج القلب عند جريان حكم الرب بنعت الطمأنينة، وخمود آثار البشرية بالكلية، والرضاء بالبادي من الغيب من غير معارضة اختيار.. ويقال السكينة القرار على بساط الشهود بشواهد الصحو، والتأدب بإقامة صفات العبودية من غير لحوق مشقة وبلا تحرك عِرقٍ لمعارضة حكم)([23]

وقال آخر: (السكينة من السكون الذي هو وقار، لا الذي هو فقد الحركة، وهي في هذا الطريق: عبارة عما تجده النفس من الطمأنينة عند تنـزل الغيب.. وقيل السكينة سكون النفس تحت ورود الهواجم.. وقيل السكينة كمال الطمأنينة بوعد الحق تعالى)([24])

وهي مثل سائر المنازل، تختلف باختلاف مرتبة صاحبها من السلوك، وقد قال بعضهم في مجامع درجاتها: (السكينة على ثلاث درجات: الدرجة الأولى سكينة الخشوع عند القيام بالخدمة، رعايةً، وتعظيماً، وحضوراً.. والدرجة الثانية السكينة عند المعاملة، بمحاسبة النفس، وملاطفة الخلق، ومراقبة الحق.. والدرجة الثالثة السكينة التي تُنبت الرضى بالقسم، وتمنع من الشطح الفاحش، وتقف صاحبها على حد الرتبة)([25])

ومثل ذلك تحدثوا عن السكون الذي هو ثمرة من ثمار السكينة، فقد قال بعضهم في تعريفه: (السكون هو عدم الطيش، أما عند الخصومات، وأما عند الحروب التي يذب بها عن الحريم، أو عن الشريعة، وهي قوة للنفس تعسر حركتها في هذه الأحوال لشدتها)([26])

وقال آخر: (السكون هو عين التوكل)([27])

وقال آخر: (السكون هو هدوء القلب، والاستبشار بوجود ما سكن إليه، والاضطراب والوحشة والحزن عند فقد المسكون إليه، ومن كان على هذا الحال مع غير الله تعالى وكل إلى ما سكن إليه وهلاكه محقق لا محالة، ولا مطمع له في درك الفلاح الكامل. ومن كان سكونه إلى الله تعالى وإنسه به دون شيء سواه وكلّه الله تعالى إلى تدبير ألوهيته واختياره، وتولاه بالعناية الأزلية ومنحه ما لا نهاية له من الأحوال العلية والمقامات السنية والأخلاق الزكية)([28])

وذكر بعضهم أقسامه وأنواعه ودواعيه، فقال: (سكون الناس في الليل على أقسام: أهل الغفلة يسكنون إلى غفلتهم، وأهل المحبة يسكنون بحكم وصلتهم، وشتان بين سكون الغفلة وسكون الوصلة.. قوم يسكنون إلى أمثالهم وأشكالهم.. وقوم يسكنون إلى حلاوة أعمالهم لبسطهم واستقلالهم.. وقوم يعدمون القرار في ليلهم ونهارهم، وأولئك أصحاب الاشتياق.. أبداً في الاحتراق)([29])

وذكر بعضهم درجاته ومجالاته، فقال: (السكون على ثلاث مقامات سكون الطبع، وسكون العاقبة، وسكون الحقيقة، فسكون الطبع: لأهل العقل والتميز.. وسكون العاقبة: لأهل السلامة، وأهل الإشارة.. وسكون الحقيقة: لأهل المعرفة البالغين)([30])

هذا جوابي على أسئلتك ـ أيها المريد الصادق ـ فاحرص على أن توفر لنفسك الاستعداد الذي يؤهلها لتنزل السكينة عليها؛ فلا يمكنك أن تعيش حياتك في الدنيا والآخرة بطمأنينة وهدوء وراحة ما لم تملأ قلبك بهذا الكنز الذي أفاضه الله لمن كان أهلا له.


([1]) البخاري [فتح الباري]، 9(5011)، ومسلم(795)

([2]) البخاري [فتح الباري]، 6(2836)، ومسلم(1803)

([3]) البخاري [فتح الباري]، 2(908)، ومسلم(602)

([4]) البخاري [فتح الباري]، 10(6125)، ومسلم(1734)

([5]) البخاري [فتح الباري]، 2(909)

([6]) مسلم(1282)

([7]) مسلم(2699)

([8]) الكافى ج 2: 15.

([9]) قرب الاسناد: 17.

([10]) إسماعيل حقي البروسوي، تفسير روح البيان، ج 1 ص 387.

([11]) بولس نويا اليسوعي، نصوص صوفية غير منشورة، ص 66.

([12]) أبو عبد الرحمن السلمي، حقائق التفسير، ص 1299.

([13]) أبو عبد الرحمن السلمي، زيادات حقائق التفسير، ص 178.

([14]) أبو عبد الرحمن السلمي، زيادات حقائق التفسير، ص 51.

([15]) بولس نويا اليسوعي، نصوص صوفية غير منشورة، ص 146.

([16]) أبو عبد الرحمن السلمي، زيادات حقائق التفسير، ص 178.

([17]) أبو عبد الرحمن السلمي، حقائق التفسير، ص 452.

([18]) حقائق التفسير، ص 457.

([19]) محمد بن أحمد البسطامي، تذكرة المريد الطالب المزيد، ص 114.

([20]) الشريف الجرجاني، التعريفات، ص 125.

0

([21]) أحمد بن المبارك، الإبريز، ص 59.

0

([22]) القشيري، تفسير لطائف الاشارات، ج 5 ص 419.

([23]) تفسير لطائف الاشارات، ج 2 ص 19.

([24]) كمال الدين القاشاني، لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام، ص 329.

([25]) عبد الله الهروي، منازل السائرين، ص 84، 85.

([26]) أحمد بن محمد بن مسكويه، تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، ص 28، 29.

([27]) محمد بن أحمد البسطامي، تذكرة المريد الطالب المزيد، ص 141.

([28]) علي حرازم بن العربي، جواهر المعاني وبلوغ الأماني، ج 2 ص 130.

([29])القشيري، تفسير لطائف الاشارات، ج 5 ص 313.

([30]) محمد بن زياد العليماني، نهج الخواص إلى جناب الخاص، ص 58.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *