الأذواق السامية

كتبت إلي ـ أيها المريد الصادق ـ تسألني عن تلك الأذواق السامية الرفيعة التي يذكر السالكون إلى الله، والتي تختلف باختلاف درجاتهم في التزكية، وعن علاقتها بالنفس المطمئنة، وكيفية تحققها بها.
وجوابا على سؤالك الوجيه أذكر لك أن الله تعالى بلطفه ورحمته بعباده، يملأ قلوب قاصديه والصادقين معه بحلاوة يجدونها في قلوبهم، تدفعهم لمواصلة السير، وتهون عليهم عقبات التزكية.
ولذلك يسخرون من أولئك الذين يتصورون أن تطهير النفس من رذائلها، يحول بينها وبين سرورها وسعادتها، ذلك أن السعادة التي وضعها الله في طاعته، لا يمكن أن يوجد غيرها في أي محل من المحال.
وقد عبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فقال: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد رسولا) ([1])
وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاثة من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود فى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى فى النار) ([2])
وقال الإمام الصادق مشيرا إلى الأثر الذي تحدثه معرفة الله تعالى في النفس: (من عرف الله تعالى صفا له العيش، وطابت له الحياة، وهابه كلّ شيء، وذهب عنه خوف المخلوقين، وأنس بالله) ([3])
وعندما رأى بعض الزهد في هذا النوع من المعرفة قال: (لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله عز وجل ما مدوا أعينهم إلى ما متع الله به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها، وكانت دنياهم أقلَّ عندهم مما يطوونه بأرجلهم، ولنَعِمُوا بمعرفة الله عز وجل وتلذذوا بها تلذذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء الله) ([4])
ثم فصل بعض آثار ذلك بقوله: (إن معرفة الله عز وجل أنْسٌ من كل وحشة، وصاحبٌ من كل وحدة، ونورٌ من كل ظلمة، وقوةُ من كل ضعف، وشفاءٌ من كل سقم)([5])
ثم بين دور تلك الأذواق الحلوة اللذيذة في الصبر على البلاء الذي يتعرض له المؤمنون، فقال: (قد كان قبلكم قوم يقتلون ويحرقون وينشرون بالمناشير، وتضيّق عليهم الأرض برحبها، فما يردّهم عما هم عليه شي ء مما هم فيه من غير ترة وتروا من فعل ذلك بهم، ولا أذى مما نقموا منهم إلاّ أن يؤمنوا باللَّه العزيز الحميد، فاسألوا ربّكم درجاتهم، واصبروا على نوائب دهركم تدركوا سعيهم) ([6])
وعلى هذا اتفق كل الصالحين والحكماء الذين جربوا أثر الإيمان في النفس، وذاقوا المشاعر الطيبة المرتبطة به، وقد قال بعضهم معبرا عن ذلك: (من عرف الله قرّت عينه بالله وقرّت به كلّ عين، ومن لم يعرف الله تقطّع قلبه على الدّنيا حسرات، ومن عرف الله لم يبق له رغبة فيما سواه) ([7])
وقال آخر: (ليس في الدّنيا ولا في الآخرة أطيب عيشا من العارفين بالله تعالى، فإنّ العارف به مستأنس به في خلوته، فإن عمّت نعمة علم من أهداها، وإن مرّ مرّ حلا مذاقه في فيه لمعرفته بالمبتلي، وإن سأل فتعوّق مقصوده، صار مراده ما جرى به القدر، علما منه بالمصلحة، بعد يقينه بالحكمة، وثقته بحسن التّدبير) ([8])
إذا عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ فاعلم أن لذلك الذوق الرفيع درجات كثيرة، تختلف باختلاف المرتبة التي وصل إليها السالك؛ فبقدر تعمقه في السير تكون لذته وفرحه وسروره.
أو بقدر درجته في السلوك وتفانيه فيه يكون نوع الطعام الروحي المقدم له، كما أشار إلى ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم عندما سئل عن سبب مواصلته للصوم، مع نهي غيره عنه، فقال: (إني لست مثلكم، إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني) ([9])
وقد رد بعضهم على الفهم الخاطئ لهذا الحديث، فقال: (وقد غلظ حجاب من ظن أن هذا طعام وشراب حسّي للفم، ولو كان كما ظنه هذا الظان لما كان صائما، فضلا عن أن يكون مواصلا. ولما صح جوابه بقوله (إني لست كهيئتكم)، فأجاب بالفرق بينه وبينهم.. ولو كان يأكل ويشرب بفيه الكريم حسا، لكان الجواب أن يقول: وأنا لست أواصل أيضا؛ فلما أقرهم على قولهم (إنك تواصل) علم أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يمسك عن الطعام والشراب، ويكتفي بذلك الطعام والشراب العالي الروحاني، الذي يغني عن الطعام والشراب المشترك الحسي)
ولهذا؛ فإن الواصل إلى تلك الدرجات الرفيعة التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد يغفل عن كل شيء، حتى عن أكله وشربه وحياته.. مثلما حصل لأولئك النسوة اللاتي أخبر الله تعالى عن تأثير نظرهن إلى يوسف عليه السلام فيهن، فقال: ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ (يوسف: 31)
وأول تلك الدرجات التي يجدها السالكون ذلك الفرح الذي يجدونه في نفوسهم عندما يطالعون الفضل الإلهي المرتبط بالأعمال الصالحة.. فيهون على جوارحهم تحمل مشقتها، انتظارا لثوابها وفضلها.
ومما يروى في هذا أن امرأة صالحة قطع أصبعها، فضحكت، فقيل لها: يقطع أصبعك فتضحكين، فقالت: (أحدثك على قدر عقلك: حلاوة أجرها أنستني مرارة قطعها)
وكانت أخرى تقول عندما تشاهد حالها وفقرها: (إلهي سلبتني، أجعتني وأجعت أولادي وأعريتني وأعريت أولادي، وقديماً كنت تفعل هذا بأنبيائك وأوليائك وعبادك الصالحين، فبأي خصلة من خصال الخير تقربت بها إليك يا مولاي فقبلتها مني حتى أداوم عليها؟)
وهذا يدل على أن ملاحظة الجزاء الذي أعده الله تعالى للمبتلين الصابرين هو الذي جعل تلك النفوس لا تكتفي فقط بالحسرة والجرع على ما حل بها، وإنما تستبدله بالفرح، لعلمها بالعوض الإلهي عن تلك الآلام، والذي لا يمكن مقارنته بأي عوض آخر.
ولهذا؛ فإن الصادقين من المريدين يشعرون بتلك النصوص المقدسة، وهي تشجعهم على السير في طريق الله، وتحمل كل المشاق في سبيلها.
وكيف لا يفعلون ذلك، وهم يرون أهل الدنيا، يمارسون كل أنواع المجاهدات من أجل الظفر ببعض الجوائز المحدودة البسيطة الفانية، والتي قد يخسرونها في آخر لحظة، ولا ينالون منها شيئا.
وكيف لا يفعلون ذلك، وهم يرون البشر يلهثون وراء ما يسمونه عملة صعبة.. وقد يضيعون في سبيل ذلك صحتهم وراحتهم وكل أنواع لذاتهم.. فلذلك بدل اللهث وراء تلك العملة الفانية، راحوا يلهثون في جمع الحسنات التي لا يمكن لأي عملة في الدنيا أن تعوضها.
وقد أشار إلى هؤلاء قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله) ([10])
وأشار إليهم الشاعر في قوله:
إن لله عبادا فطنا | طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا | |
نظروا فيها فلما علموا |
أنها ليست لحي وطنا | |
جعلوها لجة واتخذوا |
صالح الأعمال فيها سفنا |
وقد أعانهم على هذه الرؤية أمران: أولهما ذلك اليقين الذي ملأ قلوبهم بوعد الله ووعيده، حتى صاروا، وكأنهم يرونه رأي العين.
والثاني: ذلك اليقين الذي عرفوا به الدنيا وحقارتها وهوانها مقارنة بالآخرة، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام: 32]
وقال: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 131]
وقال: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60) أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾ [القصص: 60، 61]
وقال: ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64]
وقال: ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 16، 17]
وقال: ﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴾ [الضحى: 4]
وغيرها من الآيات الكريمة التي تدعو العقلاء إلى المقارنة بين ذلك النعيم الباقي الخالد الخالي من كل الغصص بنعيم الدنيا الفاني الممتلئ بكل أنواع الكدر، كما عبر عن ذلك بعضهم، فقال: (لو أن الدنيا من أولها إلى آخرها أوتيها رجل، ثم جاءه الموت: لكان بمنزلة من رأى في منامه ما يسره. ثم استيقظ فإذا ليس في يده شيء)
وقال آخر: (نعيم الدنيا بحذافيره في جنب نعيم الآخرة: أقل من ذرة في جنب جبال الدنيا)
فإذا استشعر المريد الصادق هذه المعاني، وامتلأ بها قلبه هان عليه بذل نفسه وجهده في سبيل تحصيل كل ذلك الجزاء العظيم الذي أعده الله تعالى للصالحين من عباده.
فإذا استمر على هذا الطريق، رزقه الله تعالى ـ بفضله وكرمه ـ لذة أعظم وأكبر، وهي لذة التواصل مع الله تعالى، والتي قد تشغله عن كل أنواع النعيم.. ذلك أن من عرف الله، وأحبه، وأنس به، لم يعد له شعور بأي شيء آخر.. وهل يمكن مقارنة الجنة بربها.. وهل يمكن مقارنة نعيم التواصل مع الله بأي نعيم آخر.
ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشتاق للصلاة، ويقول لبلال: (أرحنا بها يا بلال) ([11])، وكان يعتبر الصلاة قرة عينه([12]).
وقد روي أن رجلا سأل بعض الصالحين عن كثرة مجاهداته في الله، وقال له: (أخبرني أي شيء هاجك إلى العبادة والانقطاع عن الخلق؟) فسكت، فقال: ذكر الموت، فقال: وأي شيء الموت؟ فقال: ذكر القبر والبرزخ، فقال: وأي شيء القبر؟ فقال: خوف النار ورجاء الجنة، فقال: (وأي شيء هذا؟ إن ملكاً هذا كله بيده إن أحببته أنساك جميع ذلك وإن كانت بينك وبينه معرفة كفاك جميع هذا)
وقال آخر متأسفا على الغافلين وتفريطهم في جنب الله: (مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا ولم يذوقوا طيب نعيمها) فقيل له: (وما هو؟) فيقول: (محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه)
وإن شئت ـ أيها المريد الصادق ـ أن تعرف آثار هذا النوع السامي من الذوق على أصحابه؛ فطالع تلك الأشعار التي عبروا بها عن أحوالهم.
فقد عبر عن ذلك بعضهم، وهو يقارن بين تلك اللذات التي كان يجدها في نعيم الدنيا مع نعيم التواصل مع الله، فقال ـ مقارنا بين حاله قبل التعرف على الله وبعدهاـ:
كانت لقلبي أهواءٌ مفرّقة |
فاستجمعَتْ مذْ راءَتك العين أهوائي | |
فصار يحسدني من كنت احسده |
وصرتُ مولى الورى مُذْ صرتَ مولائي | |
ما لامني فيك أحبابي وأعدائي |
إلّا لغفلتهم عن عظم بلوائي | |
تركتُ للناس دنياهم ودينهم |
شغلاً بحبك يا ديني ودنيائي | |
أشعلتَ في كبدي نارين واحدة |
بين الضلوع وأخرى بين أحشائي |
وهكذا ذكر بعضهم ذلك عن نفسه عندما سئل عن سر مجاهداته:
تركت هوى ليلى وسعدى بمنزل |
وعدت
إلى مصحوب أول منزل | |
ونادتني الأشواق مهلا فهذه |
منازل
من تهوى رويدك فانزل |
وقال آخر معبرا عن ذلك بلغة رمزية([13]):
ومقعد قوم قد مشى من شرابنا |
وأعمى سقيناه ثلاثاً فأبصرا | |
وأخرسٌ لم ينطق ثمانين حجة |
أدرنا عليه الراح يوماًفاخبرا | |
وآخر بين الناس لا يعرف الهوى |
سقى قطرة من خمرنا فتحيرا | |
وميت دعا الساقي به فاجابه |
وسبح للصهباء طوعاً وكبرا | |
فلو عاين الرهبان سرعة بعثه |
لصلوا له مثل المسيح وأكثرا |
وإياك ـ أيها المريد الصادق ـ أن تفهم من هذه الكلمات ظواهرها؛ فهم لا يريدون بالخمرة تلك التي حرمتها الشريعة، وإنما يقصدون بها تلك النشوة الروحية التي لم يجدوا تعبيرا مقربا لائقا بها مثل هذه اللفظة، وكأنهم يقولون لمن سكروا بخمر الدنيا: (إن نشوة تلك الخمرة لا تساوي شيئا أما النشوة التي يجدها المتواصلون مع الله) ([14])
وقد قال بعضهم مشيرا إلى ذلك:
وقالوا: شربتَ الإثمَ! كلّا، وإنّما شربتُ الّتي، في تركها عنديَ الإثمُ
هذا جوابي على أسئلتك ـ أيها المريد الصادق ـ فاسع لأن تعيش هذه الأذواق، وتشرب من هذه الكؤوس الطاهرة المقدسة، فمن لم يشرب منها في الدنيا، لن يشرب منها في الآخرة.. فلن تلاقي في الآخرة إلا ما عملته في دنياك.
واعلم أنك لن تصل إلى تلك الدرجات إلا بعد تحمل آلام الصبر على
المجاهدات.. فالعسل لا يعطي حلاوته الحقيقية إلا بعد وضعه في الآنية الطاهرة..
وإلا فإن وضعه في الآنية الممتلئة بالقاذورات، سيجعل طعمه مشابها لها.. فاجتهد في
أن تزكي نفسك، ليصفو قلبك للعسل المنزل عليه من ربك.
([1]) مسلم (34)
([2]) البخارى (1/14، رقم 16)، ومسلم (1/66، رقم 43)
([3]) بصائر ذوي التمييز ج 4 ص 52.
([4]) الكافي:8/ 247.
([5]) الكافي:8/ 247.
([6]) الكافي: ج 8 ص 247.
([7]) بصائر ذوي التمييز ج 4 ص 52.
([8]) صيد الخاطر ص 158.
([9]) مسلم (1103) (58)
([10]) الترمذي (2577)
([11]) رواه أحمد وأبو داود.
([12]) أما تلك الزيادة الواردة: (حبب إلي من دنياكم النساء)، فأرى أنها موضوعة، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو سيد الزاهدين، وأعظم الزهد الزهد في هذا الجانب، وقد طبقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أحسن صوره كما شرحنا ذلك بتفصيل في كتاب [النبي المعصوم]
([13]) محمد أبو المواهب الشاذلي، قوانين حكم الإشراق، ص 92
([14]) وقد قال القشيري معبرا عن هذا المعنى: (من جملة ما يجري في كلامهم الذوق والشرب، ويعبرون بذلك عما يجدونه من ثمرات التجلي ونتائج الكشوف وبوادر الواردات.. وأول ذلك الذوق ثم الشرب ثم الري.. فصفاء معاملاتهم يوجب لهم ذوق المعاني ووفاء منازلاتهم يوجب لهم الشرب، ودوام مواصلاتهم يقتضي لهم الري.. فصاحب الذوق متساكر، وصاحب الشرب سكران، وصاحب الري صاح، ومن قوي حبه تسرمد شربه، فإذا دامت به تلك الصفة لم يورثه الشرب سكراً، فكان صاحياً بالحق فانياً عن كل حظ) [الرسالة القشيرية، ص 65]