المقدمة

يحاول هذا الكتاب التعرف على الخصال والمكارم التي تتصف بها النفس المطمئنة، والتي جرى التعبير عنها في الكتب المختصة بهذا الجانب بالمنازل والمقامات والأحوال، لأن النفس تنزل فيها، وتقيم عندها، وتتحلى بها، وتظهر علاماتها عليها.
وقد اخترنا منها أربعين صفة تجمع أكثر أو كل ما ذكره العلماء في منازل السائرين، وما يظهر أنه زائد عليها هو في الحقيقة مندرج ضمن بعضها؛ فهم مثلا يذكرون الكثير من المنازل المرتبطة بالحب.. وهي جميعا تؤول إليه، أو تنتج عنه، ولذلك كان الحديث عنه كافيا عن غيره من التفاصيل.. وهكذا في التوكل والتوبة والصبر والشكر والرضا وغيرها من المقامات والمنازل.
وقد حاولنا ـ كما في سائر السلسلة ـ ربط المعارف والقيم المتعلقة بهذا الجانب بالمصادر المقدسة من الكتاب والسنة، وما روي عن أئمة الهدى مما يؤكد ذلك، أو يفصله أو يبين كيفية تنفيذه، أو يساعد عليها.
كما أنا انتقينا من كلام العلماء والحكماء ما رأيناه متوافقا مع تلك المصادر المعصومة المقدسة.. وقد نبهنا إلى الدخن الموجود في بعض كلامهم حتى لا تتحول التزكية عن مقصودها الشرعي.
وكما تعودنا في هذه السلسلة من مزج الحقائق العلمية بالمواعظ والرقائق؛ فقد انتقينا ما نراه مناسبا لذلك من خلال حديث الشيخ مع مريده الصادق، ووصيته ونصحه له كل حين.
وتجنبنا الكثير من تفاصيل المسائل التي لا علاقة لها بالعمل، ولا دليل يدل عليها من العلم، وإنما هي مجرد اجتهادات، لا يضر جهلها، وقد لا ينفع العلم بها.
وننبه إلى أنا لم نرتب المنازل بترتيب خاص كما جرت به العادة في الكتب المتعلقة بهذا الجانب، لأنا رأينا أن في ذلك تكلفا كبيرا، بالإضافة إلى أن المنازل لا يلغي بعضها بعضا، وإنما تتكامل فيما بينها.
ومثل ذلك الحديث عن درجات كل منزلة، أشرنا إلى مجامعها ـ كما ذكره الحكماء ـ من غير تفصيل في ذلك لأن الدرجات لا نهاية لها.. ويمكن استنباط الكثير منها من خلال المظاهر التي تتعلق بها.
ومثل ذلك اجتنبنا الحديث عن تلك التعريفات الغريبة التي وردت في كتب الرقائق، والتي لا تزيد القارئ لها إلا بعدا عن حقيقتها.. ومثل ذلك تلك الشطحات والطامات التي ـ وإن أحسنا الظن بأهلها ـ إلا أننا لا نستطيع أن نوافقها، خاصة عند تعارضها في الظاهر مع النصوص المقدسة.
..