الرغبة والطمع

الرغبة والطمع
كتبت إلي ـ أيها المريد الصادق ـ تسألني عن الرغبة والطمع في فضل الله، وعلاقته بالتزكية والترقية، وعلاقته قبل ذلك بالإخلاص والتجرد، وهل يتنافيان ويتناقضان معهما، أم لكل منهما محله الخاص به؟
وجوابا على سؤالك الوجيه أذكر لك أن الإخلاص والتجرد لا يتنافيان مع الرغبة والطمع في حد ذاتهما، وإنما باعتبار موقف المتحلي بهما؛ فإن كان قصده من العمل الرغبة والطمع المجردين، بحيث لو لم يُوفر له ما يرغب فيه يترك العمل؛ فإن ذلك قادح في الإخلاص ومؤثر فيه؛ فقصد العمل في الحقيقة ليس ذات الذي طلب منه العمل، وإنما تلك المطامع والأجور التي وفرها له.
وعلى هذا يحمل قول الإمام علي: (إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الاحرار)([1])
وقول الإمام الصادق: (العبّاد ثلاثه: قوم عبدوا اللّه عزّ وجلّ خوفا، فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا اللّه تبارك وتعالى طلبا للثّواب فتلك عبادة الأجراء، وقوم عبدوا اللّه عزّ وجلّ حبّا له فتلك عبادة الأحرار)([2])
وقول الإمام الباقر: (إنّ الناس يعبدون اللّه على ثلاثة أوجه، فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع، وآخرون يعبدونه خوفا من النار، فتلك عبادة العبيد وهي رهبة، ولكنّى أعبده حبّا له عزّ وجلّ فتلك عبادة الكرام) ([3])
ذلك أن هؤلاء الأئمة أنفسهم يذكرون الجنة ورغبة الصالحين وطمعهم في أن ينالهم فضل الله، فيدخلونها، وقد ورد عن الإمام في وصفهم قوله: (عظم الخالق في أنفسهم، فصغر ما دونه في أعينهم،، فهم والجنّة كمن قد رآها، فهم فيها منعّمون، وهم والنّار كمن قد رآها، فهم فيها معذّبون) ([4])
وقال في أول خطبة في خلافته: (الفرائض، الفرائض! أدّوها إلى اللّه تؤدّكم إلى الجنّة)([5])
ومنها قوله في بعض خطبه: (عباد اللّه، أوصيكم بتقوى اللّه، فإنّها حقّ اللّه عليكم، والموجبة على اللّه حقّكم، وأن تستعينوا عليها باللّه، وتستعينوا بها على اللّه، فإنّ التّقوى في اليوم الحرز والجنّة، وفي غد الطّريق إلى الجنّة) ([6])
بل إن الله تعالى وصف المؤمنين ذوي المراتب العالية بالطمع في فضل الله تعالى، فقال:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218]
وقال: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 104]
وقال: { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 57]
ومثل ذلك ما ورد في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكثيرة، والتي يذكر فيها الجزاء الذي أعده الله للمؤمنين أصحاب الأعمال الصالحة، ولو كان ذلك قادحا في الإخلاص لما ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
لذلك لا تصغ ـ أيها المريد الصادق ـ لمن يحتقرون الجنة ونعيمها، ويتوهمون أن ذلك من الكمال؛ فما كان للكامل أن يحقر ما عظم الله، أو يجحد فضل الله على عباده بما أعده لهم من النعيم.
والكامل هو الذي يتعامل مع كل صفة أو فعل إلهي بما يقتضيه؛ فإن ذكر النعم شكرها، وإن ذكر البلاء تعوذ منه، وصبر عليه إن نزل به، وإن ذكر الله أحبه وعبده وأخلص له..
وسأضرب لك مثالا يقرب لعقلك هذا.. أرأيت إن كان لك أستاذ تحبه وتحترمه كثيرا، وتشعر أنك تستفيد منه.. فكلفك بالقيام بحل مسألة من المسائل الصعبة، وأخبرك أن حلك لها سيفيدك كثيرا في مستقبلك العلمي.. وأخبرك أنك من خلالها يمكنك أن تنتقل إلى مركز من مراكز الأبحاث الكبرى، وقد تنال هناك الجوائز الكثيرة.
فرحت ـ بناء على ما ذكره ـ تقوم بحل تلك المسألة، وتفرح بتكليفه لك بها، وأنت تشعر أنك ستقوم بذلك، حتى لو لم يعدك بما وعدك به.. فيكفي عندك أن يطلب منك ذلك.. لكنك في نفس الوقت فرحت بطلبه، وزاد في تشجيعك، لأنه يتيح لك فرصا أخرى للعلم والبحث.. فهل ترى ذلك قادحا في إخلاصك لأستاذك؟
وهكذا الأمر بالنسبة للمؤمنين المخلصين الذين يشعرون أن عبادتهم لله ليست لطلب العوض، وإنما لكونه يستحق العبادة.. ولكن ذلك لا يعني احتقار الهدايا التي وعدهم بها، لأن في احتقارها إساءة لمن أهداها.. بالإضافة إلى أن طمع المؤمنين في الجنة ليس لما أتيح فيها من النعيم الحسي فقط، بل لما فيها من النعيم المعنوي، وأولها الظفر بالقرب الإلهي، ومعية الصالحين والأولياء.. فالجنة ليست مرقصا كما يتوهم الغافلون، بل هي مسجد لعبادة الله والتعرف عليه والتواصل معه.. ولذلك فإن حنين الصالحين إليها لا يختلف عن حنينهم للمساجد في الدنيا.. بل حنينهم لها أشد، لأنهم يلاقون فيها كل أنبياء الله وأئمة الهدى الذين امتلأت قلوبهم شوقا إليهم.
إذا عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ فاسمع لما سأورده لك من النصوص المقدسة التي تدل على دور الرغبة والطمع في التزكية والترقية.
الرغبة والتزكية:
أما دور الرغبة في فضل الله تعالى في التزكية؛ فيدل عليه ما ورد في النصوص المقدسة الكثيرة من الترغيب في التحلي بالأخلاق الطيبة، وترك ما ينافيها، والوعد على ذلك الترك بنيل فضل الله تعالى.
ومن أمثلتها قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الدعوة لمجموعة من الأخلاق الطيبة: (اضمنوا لي ستّا من أنفسكم أضمن لكم الجنّة: اصدقوا إذّا حدّثتم وأوفوا إذا وعدتم وأدّوا إذا اؤتمنتم واحفظوا فروجكم وغضّوا أبصاركم وكفّوا أيديكم) ([7])
ومنها قوله في الدعوة للتوحيد: (من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار)([8])
ومنها قوله في الدعوة لكفالة اليتيم، والترغيب فيها: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا)، وأشار بأصبعيه: السبابة والوسطى وفرج بينهما([9]).
ومنها قوله في الدعوة لخدمة المجتمع وإبعاد كل ما يؤذيه: (لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي الناس)([10])
ومنها قوله في الدعوة للعفاف وطهارة اللسان: (من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه، أضمن له الجنة)([11])
ومنها قوله في الدعوة لترك الغضب: (لا تغضب ولك الجنة)([12])
ومنها قوله في الدعوة لترك العقوق، والتحلي بالبر: (الوالد أَوْسَطُ أبواب الجنة، فإن شئت فَأضِعْ ذلك الباب أو احفظه)([13])، وقوله عن الأم لمن سأله، فقال: يا رسول الله أردت الغزو وجئتك استشيرك؟ فقال: (هل لك من أم؟) قال: نعم، فقال: (الزمها، فإن الجنة عند رجلها)([14])
ومنها قوله في الدعوة للصبر والرضا بقضاء الله: (يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة)([15])، وقوله: (إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسْتَرْجَعَ، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسموه: بيت الحمد)([16])
ومنها قوله في التنفير من الكبر والغلول والدين: (من مات وهو بريء من الكبر والغُلُول والدَّيْن دخل الجنة)([17]).
ومنها قوله في التنفير من الفرقة والدعوة إلى الوحدة: (عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوبة الجنة، فليلزم الجماعة)([18]).
ومنها قوله في الدعوة للتعايش مع المجتمع بحسب ما تقضيه الأخلاق الطيبة، والسلوك الاجتماعي الراقي: (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يُحب أن يُؤتى إليه)([19]).
ومنها قوله في الدعوة لزيارة المرضى: (من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله، ناداه مناد: أن طبت وطاب ممشاك، وتبوَّأت من الجنة منزلاً)([20]).
ومنها قوله في الدعوة للتقوى وحسن الخلق، والتنفير مما يضادها: (أكثر ما يدخل الناس الجنة: تقوى الله وحسن الخلق، وأكثر ما يدخل الناس النار: الفَم والفَرْج)([21])
وغيرها من الأحاديث الكثيرة التي ترغب في تطهير النفس وتزكيتها وتحليتها بكل القيم الطيبة، والوعد على ذلك بدخول الجنة.
الرغبة والترقية:
أما دور الرغبة في فضل الله تعالى في الترقية؛ فيدل عليه ما ورد في النصوص المقدسة الكثيرة من الترغيب في الأعمال الصالحة المرتبطة بها، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 82]
وقال: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 124].
وقال: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [العنكبوت: 58]
وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [هود: 23]
وقال: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32]
وقال: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} [مريم: 60].
وقال: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر: 74]
وقال: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72]
وقال: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} [مريم: 63]
وغيرها من الآيات الكثيرة التي تعتبر العمل الصالح شرطا من شروط دخول الجنة، وهو يطلق على كل المكارم التي تتحلى بها النفس المطمئنة، سواء كان القصد منها الترقي في درجات التحقق، أو درجات التخلق.
أما الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، فهي كثيرة جدا، فلا نكاد نجد عملا صالحا إلا وله الجزاء الخاص به؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمارس دوره التربوي في هذه الأمة من خلال التبشير والإنذار الذي اعتبره الله تعالى من وظائفه المكملة والمساعدة على وظيفة التزكية.
ومن الأمثلة على ذلك ما حدث بعض أصحابه عنه، قال: شهدتُ من النبي صلى الله عليه وآله وسلم مجلسًا وصفَ فيه الجنَّة حتى انتهى، ثم قال في آخر حديثه: (فيها ما لا عينٌ رأَتْ، ولا أُذُنٌ سمِعَت، ولا خطر على قلب بشر) ثم قرأ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16، 17])([22])
فهذا الحديث يبين منهج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في التزكية، وتوظيفه لنعيم الجنة في ترغيب المؤمنين في الأعمال الصالحة.
ومن الأمثلة على تلك الأعمال الصالحة التي لها دورها في الترقية، والتي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرغب في الجنة حين الدعوة إليها، ما ورد في قوله في الدعوة لتعميق الحقائق الإيمانية في النفس: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)([23])
ومثله ما روي أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: دلني على عمل أعمله، يدنيني من الجنة، ويباعدني من النار قال: (تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل ذا رحمك) فلما أدبر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن تمسك بما أمر به دخل الجنة)([24])
ومثله ما ورد في الدعوة لقراءة القرآن الكريم أو بعض آياته وسوره، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت)([25])
وقوله: (سورة من القرآن ما هي إلا ثلاثون آية، خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة، وهي سورة تبارك)([26])
وقوله: (القرآن شافع مشفع، وماحل مصدق، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار)([27])
ومثله ما ورد في الدعوة للسجود، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويلي، أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت، فلي النار)([28])
ومثله ما ورد في الدعوة للطهارة وإسباغها، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما منكم من مسلم يتوضَّأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء)([29])
ومثله ما ورد في الدعوة للاستغفار، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (سيد الاستغفار أن يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها من النهار موقنًا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة)([30])
ومثله ما ورد في الدعوة لبعض الأذكار، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة، هما يسير، ومن يعمل بهما قليل، يسبح في دبر كل صلاة عشرًا ويحمد عشرًا، ويكبر عشرًا، فذلك خمسون ومائة باللسان، وألف وخمس مائة في الميزان، ويكبر أربعًا وثلاثين إذا أخذ مضجعه، ويحمد ثلاثًا وثلاثين، ويسبح ثلاثًا وثلاثين، فذلك مائة باللسان وألف في الميزان) ([31])
ومثله ما ورد في الدعوة لذكر الله في محال الغفلة، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، وبنى له بيتًا في الجنة)([32])
ومثله ما ورد في الدعوة لطلب العلم، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا في الجنة)([33])
ومثله ما ورد في الترغيب الأذان، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أذن ثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة، وكتب له بتأذينه في كل يوم ستون حسنة، وبكل إقامة ثلاثون حسنة)([34])
ومثله ما ورد في الدعوة للصلاة، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من صلى البردين دخل الجنة)([35])
وقوله: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئًا استخفافًا بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة)([36])
وقوله: (ما من مسلم يتوضأ فيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثم يقوم، فيصلي ركعتين، مُقْبِلٌ عليهما بقلبه ووجهه، إلا وجبت له الجنة)([37])
وقوله: (ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعًا غير فريضة، إلا بنى الله له بيتًا في الجنة)([38])
ومثله ما ورد في الدعوة لبعض القيم الروحية والاجتماعية، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)([39])
ومثله ما ورد في الدعوة للصيام والترغيب فيه، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن في الجنة بابًا، يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق، فلم يدخل منه أحد)([40])
ومثله ما ورد في الدعوة للحج والعمرة، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلى الجنة)([41])
ومثله ما ورد في الدعوة للجهاد في سبيل الله، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (مثل المجاهد في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله كمثل الصائم القائم، وَتَوَكَّلَ الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالمًا مع أجر أو غنيمة)([42])
وغيرها من الأحاديث الكثيرة التي يقترن فيها العمل الصالح بالفضل الإلهي، ولولا تأثير ذلك الترغيب في النفس، ومساهمته في تزكيتها وترقيتها، ما استعمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فلذلك احذر ـ أيها المريد الصادق ـ من أولئك الذين يسخرون من مثل هذا، وهم في نفس الوقت قد يتصارعون على فتات الدنيا القليل.
والعجب ممن يزهد في جنة الله التي هي دار أنبيائه وأوليائه في نفس الوقت
الذي يتكالب فيه على الدنيا، ويتوهم أنه من العارفين الحكماء.
([1]) نهج البلاغة ج 2 ص 197.
([2]) اصول الكافي، ج 2، ص 84.
([3]) علل الشرائع، ج 1، ص 41.
([4]) نهج البلاغة: الخطبة رقم (193)
([5]) نهج البلاغة: الخطبة رقم (167)
([6]) نهج البلاغة: الخطبة رقم (191)
([7]) أحمد في المسند (5/ 323)، وابن حبان رقم (271)، والحاكم في المستدرك (4/ 359)
([8]) رواه مسلم (رقم (93)
([9]) رواه البخاري (رقم 5304)
([10]) رواه مسلم (رقم 1914)
([11]) رواه البخاري (رقم (6474)
([12]) رواه الطبراني في الأوسط (رقم (2374) وأبو يعلي في المسند (رقم (1593)
([13]) رواه الترمذي (رقم 1900) وابن حبان (رقم 2023) والحاكم (4/152)
([14]) رواه أحمد (3/429) والحاكم (4/151)
([15]) رواه البخاري (رقم 6424)
([16]) رواه الترمذي (رقم (1021)
([17]) رواه الترمذي (رقم 1572) وابن ماجه (رقم 2412) وابن حبان في صحيحه (رقم 198) والحاكم (2/26)
([18]) رواه الترمذي (رقم (2165)
([19]) رواه مسلم (رقم 1844)
([20]) رواه الترمذي (رقم 2008)
([21]) رواه الترمذي (رقم 2004)
([22]) البخاري (6/230)، و(8/396)، ومسلم (2824)
([23]) رواه البخاري (رقم 3435) ومسلم (رقم 28)
([24]) رواه مسلم (رقم 13)
([25]) رواه النسائي في سننه الكبرى (رقم 9848)
([26]) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/127): رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورجاله رجال الصحيح.
([27]) رواه ابن حبان (رقم 167) والطبراني في الكبير (9/132 رقم 8655)، (10/198 رقم 10450)
([28]) رواه مسلم (رقم: 81)
([29]) رواه مسلم (رقم: 234)
([30]) رواه البخاري (رقم 6306)
([31]) رواه أبو داود (رقم (5065) والنسائي (رقم (1347) والترمذي (رقم 3410)
([32]) رواه الترمذي (رقم 3428-3429) والحاكم (1/538-539)
([33]) رواه مسلم (رقم (2699)
([34]) رواه ابن ماجه (رقم 728) والبيهقي في سننه الكبرى (1/433) والطبراني في الكبير (رقم (345) وفي الأوسط (رقم (8728)
([35]) رواه البخاري (رقم 574) ومسلم (رقم 635)
([36]) رواه أبو داود (رقم (1420) وابن ماجه (رقم (1401) وابن حبان (رقم 1729) وأحمد (5/315) والبيهقي (1/361)
([37]) رواه مسلم (رقم 234)
([38]) رواه مسلم (رقم 728)
([39]) رواه الترمذي (رقم (2485) وابن ماجه (3251)
([40]) رواه البخاري (رقم (1896) ومسلم (رقم (1152)
([41]) رواه البخاري (رقم 1773) ومسلم (رقم 1349)
([42]) رواه البخاري (رقم 2787) ومسلم (رقم 1876)