المراقبة المشددة

المراقبة المشددة
كتبت إلي ـ أيها المريد الصادق ـ تسألني عن المراقبة التي يذكرها علماء التزكية، وحقيقتها، ودوافعها، ومراتبها، وكيفية التحقق بها، وهل نصت عليها النصوص المقدسة، أم أنها اجتهاد مبني على التجربة؟
وجوابا على سؤالك الوجيه أذكر لك أن الأصل الشرعي في المراقبة هو ما ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والذي ورد بصيغ مختلفة، أو في مواضع مختلفة، منها ما قاله صلى الله عليه وآله وسلم لبعض أصحابه عندما طلب منه الوصية، فقال له صلى الله عليه وآله وسلم: (اعبد الله كأنّك تراه، واعدد نفسك من الموتى)([1])
بل اعتبر صلى الله عليه وآله وسلم مراقبة الله درجة من درجات الإحسان، ففي الحديث عندما سأله جبريل u عن الإحسان، قال: (أن تعبد اللّه كأنّك تراه فإنّك إن لا تراه فإنّه يراك)([2])
وهو يعني (دوام علم العبد وتيقّنه باطّلاع الحقّ سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه)([3])، أو (دوام علم القلب بعلم الله عزّ وجلّ في السّكون والحركة علما لازما مقترنا بصفاء اليقين)([4])
وهو يدل على أن المراقب لا يتصرف بحسب ما تملي عليه نفسه، وإنما بحسب ما يملي عليه الرقيب الذي يعلم علم اليقين أنه يلاحظه، ويراقب تصرفاته، ولا تغيب عنه منها شاردة ولا واردة، بل إنه يعلم السر وأخفى.
والمراقبة بذلك ترتبط بالإيمان، فبقدر الحضور مع الله، وبقدر استشعار ما ورد في معيته مع عباده، بقدر ما تكون المراقبة أتم.
ولذلك كان لكثرة ذكر الله مع حضور القلب دوره الكبير في تحويل المراقبة لله تعالى إلى ملكة في نفس صاحبها لا يستطيع أن يتجاوزها، وذلك ما يردعه عن نزغات نفسه الأمارة، كما يروى أنه قيل لبعضهم: متى يهشّ الرّاعي غنمه بعصاه عن مراتع الهلكة؟ فقال: (إذا علم أنّ عليه رقيبا)
وقد قال الشّاعر معبرا عن ذلك:
إذا ما خلوت الدّهر يوما فلا تقل … خلوت ولكن قل عليّ رقيب
ولا تحسبنّ الله يغفل ساعة … ولا أنّ ما تخفيه عنه يغيب
ألم تر أنّ اليوم أسرع ذاهب … وأنّ غدا للنّاظرين قريب
ولهذا نجد القرآن الكريم يعمق معاني المراقبة بذكره لحضور الله تعالى الدائم مع خلقه، بحيث لا يغيب عنهم أبدا، وكونه يراهم ويسمعهم ويعلم كل تصرفاتهم، قال تعالى: ﴿ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (المجادلة،7)
وقال:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)﴾ (ق)،
وقال :﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) ﴾ (الملك)
وقال :﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)﴾ (يونس)
وقال:﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60)﴾ (الأنعام)
وقال مخبرا عن موعظة لقمان u لابنه:﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)﴾ (لقمان)
وغيرها من الآيات الكريمة التي تعمق في نفس المؤمن كل المعارف التي تؤدبه على مراقبة الله تعالى، والشعور بحضوره الدائم.
ومما يعين على المراقبة أيضا استشعار رؤية الملائكة للعمل، وتسجيلهم له، وشهادتهم عليه، كما قال تعالى: { إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 17، 18]، وقال: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 10 – 12]
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل عن العبد كم معه من ملك؟ فقال: (ملكٌ على يمينك على حسناتك، وواحدٌ على الشمال، فإذا عملت حسنةً كتب عشرا، وإذا عملت سيئةً قال الذي على الشمال للذي على اليمين: أكتب ؟.. قال: لعله يستغفر ويتوب، فإذا قال ثلاثا قال: نعم اكتب، أراحنا الله منه فبئس القرين، ما أقلّ مراقبته لله عزّ وجلّ.. وما أقلّ استحياؤه منه.. يقول الله: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق: 18]، ومَلَكان بين يديك ومن خلفك يقول الله سبحانه: { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } [الرعد: 11]، وملكٌ قابضٌ على ناصيتك، فإذا تواضعت لله رفعك، وإذا تجبّرت على الله وضعك وفضحك، وملكان على شفتيك، ليس يحفظان إلا الصلاة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وملكٌ قائمٌ على فيك، لا يدع أن تدخل الحية في فيك، وملكان على عينيك.. فهذه عشرة أملاك على كل آدمي، وملائكة الليل سوى ملائكة النهار، فهؤلاء عشرون ملكا على كل آدمي، وإبليس بالنهار وولده بالليل، قال الله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ } [الانفطار: 10]، وقال عزّ وجلّ: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ} [ق: 17])([5])
وعبر الإمام علي عن ذلك بقوله: (اعلموا عباد الله أنّ عليكم رصدا من أنفسكم، وعيونا من جوارحكم، وحفّاظ صدق يحفظون أعمالكم وعدد أنفاسكم، لا تستركم منهم ظلمة ليل داج (أي حالك)، ولا يكنّكم منهم باب ذو رتاج (أي أغلاق)([6])
وقال: (لا يزال الرجل المسلم يُكتب محسنا ما دام ساكتا، فإذا تكلّم كتب إما محسنا أو مسيئا)([7])
وروي أنه مرّ برجل وهو يتكلم بفضول الكلام، فقال: (يا هذا..إنك تملي على كاتبيك كتابا إلى ربك، فتكلّم بما يعنيك، ودع ما لا يعنيك)([8])
وقال الإمام الصادق معاتبا بعض أصحابه الذين قصروا في زيارة بعض المؤمنين: (أما علمت أنّ المؤمنَين إذا التقيا فتصافحا أنزل الله بين إبهاميهما مائة رحمة: تسعة وتسعين لأشدّهما حبا، فإذا اعتنقا غمرتهما الرحمة، فإذا لبثا لا يريدان بذلك إلا وجه الله تعالى، قيل لهما: غُفر لكما، فإذا جلسا يتساءلان قالت الحفظة بعضها لبعض: اعتزلوا بنا عنهما، فإنّ لهما سرا قد ستره الله عليهما)، فقال الرجل: (جعلت فداك.. فلا تسمع الحفظة قولهما ولا تكتبه) وقد قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق: 18]، فنكس رأسه طويلا ثم رفعه وقد فاضت دموعه على لحيته، وقال: (إن كانت الحفظة لا تسمعه ولا تكتبه فقد سمعه عالم السرّ وأخفى، يا إسحاق.. خف الله كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه يراك، فإن شككت أنه يراك فقد كفرت، وإن أيقنت أنه يراك ثم بارزته بالمعصية فقد جعلته أهون الناظرين إليك)([9])
وقرب الإمام الكاظم كيفية تعرف الملائكة عليهم السلام على هم العبد بالطاعة أو المعصية، فقال: (إنّ العبد إذا همّ بالحسنة خرج نفَسه طيب الريح، فقال صاحب اليمين لصاحب الشمال: قم.. فإنه قد همّ بالحسنة، فإذا فعلها كان لسانه قلمه، وريقه مداده، فأثبتها له، وإذا همّ بالسيئة خرج نفسه منتن الريح، فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين: قف.. فإنه قد همّ بالسيئة، فإذا هو فعلها كان لسانه قلمه، وريقه مداده، فأثبتها عليه)([10])
ومما يعين على المراقبة أيضا استشعار ما ورد في قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105] .. فهذه الآية الكريمة تصور الواقع بكل دقة .. فنحن والخلق جميعا جالسون على خشبة المسرح .. وكل من ذكرهم الله تعالى يشاهدنا ويرانا .. ونحن مخيرون بأن نرضي الله ورسوله والمؤمنين، حين نؤدي أجمل الأدوار، أو أن نكتفي برؤية أولئك الأصدقاء الذين نخشى أن نخسرهم، فلذلك نضحي بالحقيقة في سبيلهم، وحينها نكون أسوأ الممثلين، أولئك الذين يؤدون أقذر الأدوار في أخطر فلم سينمائي يرتبط به مصيرنا الأبدي.
إذا عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ فاعلم أن المراقبة وإن كانت دائمة مستمرة، إلا أنها تشتد في حالين:
أولاهما: قبل العمل بالحرص على مشروعيته وإذن الله فيه.
وثانيهما: أثناء العمل بأدائه بالصورة التي طلبها الشرع، والحفاظ على المحبطات التي تفسده.
مراقبة المشروعية:
أما المراقبة الأولى، فقد أشار إليها قوله تعالى:﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)﴾ (الإسراء)
وفي الحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من النّاس. فمن اتّقى الشّبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشّبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإنّ لكلّ ملك حمى ألا وإنّ حمى اللّه في أرضه محارمه ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب)([11])
وقال الإمام علي: (الهوى شريك العمى، ومن التوفيق التوقف عند الحيرة، ونعم طارد الهم اليقين، وعاقبة الكذب الندم، وفي الصدق السلامة، رب بعيد أقرب من قريب، وغريب من لم يكن له حبـيب، والصديق من صدق غيبه، ولا يعدمك من حبـيب سوء ظن، نعم الخلق التكرم، والحياء سبب إلى كل جميل، وأوثق العرى التقوى، وأوثق سبب أخذت به سبب بـينك وبـين الله تعالى إنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك، والرزق رزقان: رزق تطلبه ورزق يطلبك فإن لم تأته أتاك، وإن كنت جازعاً على ما أصيب مما في يديك فلا تجزع على ما لم يصل إليك، واستدل على ما لم يكن بما كان فإنما الأمور أشباه، والمرء يسره درك ما لم يكن ليفوته ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه، فما نالك من دنياك فلا تكثرن به فرحاً وما فاتك منها فلا تتبعه نفسك أسفاً، وليكن سرورك بما قدمت وأسفك على ما خلفت وشغلك لآخرتك وهمك فيما بعد الموت)
فهذه النصوص المقدسة تدعونا إلى نوعين من المراقبة قبل العمل:
أما أولاهما، فالمراقبة المرتبطة بمدى موافقة العمل للشريعة.. فلا يطاع الله إلا بما شرع.
وأما الثانية، فتدعونا إلى النظر في دافعنا للعمل، أهو لله خاصة أو هو هوى النفس ومتابعة الشيطان؟
ولذلك؛ فإن المراقب لله تعالى يتوقف قبل أي عمل يريد أن يقوم به، ويتثبت؛ فإن كان لله تعالى أمضاه، وإن كان لغير الله استحيا عنه، ثم لام نفسه على رغبته فيه وهمه به وميله إليه وعرّفها سوء فعلها وسعيها في فضيحتها وأنها عدوّة نفسها إن لم يتداركها الله بعصمته([12]).
ومما يروى في هذا من الآثار أنه (ينشر للعبد في كل حركة من حركاته وإن صغرت ثلاثة دواوين: الديوان الأوّل: لم؟ والثاني: كيف؟ والثالث: لمن؟ ومعنى (لمَ) أي لم فعلت هذا أكان عليك أن تفعله لمولاك أو ملت إليه بشهوتك وهواك؟ فإن سلم منه بأن كان عليه أن يعمل ذلك لمولاه سئل عن الديوان الثاني فقيل له: كيف فعلت هذا، فإن لله في كل عمل شرطاً وحكماً لا يدرك قدره ووقته وصفته إلا بعلم فيقال له: كيف فعلت أبعلم محقق أم بجهل وظنّ؟ فإن سلم من هذا نشر الديوان الثالث وهو المطالبة بالإخلاص فيقال له: لمن عملت ألوجه الله خالصاً وفاء بقولك: (لا إله إلا الله) فيكون أجرك على الله؟ أو لمراءاة خلق مثلك فخذ أجرك منه؟ أم عملته لتنال عاجل دنياك فقد وفيناك نصيبك من الدنيا؟ أم عملته بسهو وغفلة فقد سقط أجرك وحبط عملك وخاب سعيك؟)([13])
وكل هذا يدعو إلى (المعرفة الحقيقية بأسرار الأعمال وأغوار النفس ومكايد الشيطان، فمتى لم يعرف نفسه وربه وعدوّه إبليس ولم يعرف ما يوافق هواه ولم يميز بـينه وبـين ما يحبه الله ويرضاه في نيته وهمته وفكرته وسكونه وحركته، فلا يسلم في هذه المراقبة.. بل الأكثرون يرتكبون الجهل فيما يكرهه الله تعالى وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.. بل يجسبون أنهم يعذرون بذلك، وهيهات بل طلب العلم فريضة على كل مسلم.. ولهذا كانت ركعتان من عالم أفضل من ألف ركعة من غير عالم، لأنه يعلم آفات النفوس ومكايد الشيطان ومواضع الغرور فيتقي ذلك، والجاهل لا يعرفه فكيف يحترز منه؟ فلا يزال الجاهل في تعب والشيطان منه في فرح وشماتة) ([14])
ولهذا فإن المراقب لنفسه ليس عجولا، وإنما يتوقف عن الهم وعن السعي حتى ينكشف له بنور العلم أنه لله تعالى فيمضيه، أو هو لهوى النفس فيتقيه ويزجر القلب عن الفكر فيه والهم به.
ذلك أن الخطوة الأولى في الباطل إذا لم تدفع أورثت الرغبة، والرغبة تورث الهم، والهم يورث جزم القصد، والقصد يورث الفعل، والفعل يورث البوار والمقت.. فلهذا على العاقل أن يحسم مادة الشر من منبعه الأوّل وهو الخاطر فإن جميع ما وراءه يتبعه.
فإن أشكل عليه، فلم ينكشف له فليتفكر بنور العلم، وليستعذ بالله من مكر الشيطان بواسطة الهوى.. فإن عجز عن الاجتهاد والفكر بنفسه فليستضئ بنور علماء الدين، وليفرّ جهده من العلماء المضلين المقبلين على الدنيا فراره من الشيطان بل أشدّ، فقد روي أن الله تعالى أوحى إلى داود u: (لا تسأل عني عالماً أسكره حب الدنيا فيقطعك عن محبتي.. أولئك قطاع الطريق على عبادي)
فالقلوب المظلمة بحب الدنيا وشدّة الشره والتكالب عليها محجوبة عن نور الله تعالى، فإن مستضاء أنوار القلوب حضرة الربوبـية فكيف يستضيء بها من استدبرها وأقبل على عدوّها وعشق بغيضها ومقيتها وهي شهوات الدنيا؟
مراقبة القبول:
أما المراقبة الثانية، فقد أشار إليها قول الإمام علي: ( كونوا على قبول العمل، أشدّ عناية منكم على العمل)([15])
وقد روي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (مرّ موسى عليه السلام برجلٍ من أصحابه وهو ساجدٌ، وانصرف من حاجته وهو ساجدٌ، فقال: لو كانت حاجتك بيدي لقضيتها لك فأوحى الله إليه: (لو سجد حتّى ينقطع عنقه ما قبلته، أو يتحوّل عمّا أكره إلى ما أُحبُّ)([16])
فهذا الرجل حرص على أداء العمل، ولكنه لم يحرص على توفير القابلية له، ولذلك ضاع جهده هدرا.
وهذا ما يجعل العاقل مراقبا لعمله في كل لحظة، وهل ما زال محافظا على شرعيته، أم طرأ عليه ما يخرجه عن الشرعية؛ فليس كل ما بدأ شرعيا يظل كذلك، ذلك أن الشيطان لا ييأس من العامل حين يبدأ العمل، بل يظل يتابعه إلى أن يفسده عليه.
وقد ذكر بعض الحكماء أنواع المراقبة المرتبطة بالأعمال المختلفة، فقال: (لا يخلو العبد إما أن يكون في طاعة، أو في معصية، أو في مباح: فمراقبته في الطاعة بالإخلاص والإكمال ومراعاة الأدب وحراستها عن الآفات.. ومراقبته في المعصية بالتوبة والندم والإقلاع والحياء والاشتغال بالتفكر.. ومراقبته في المباح بمراعاة الأدب، ثم بشهود المنعم في النعمة وبالشكر عليها.. وبما أن العبد لا يخلو في جملة أحواله عن بلية لا بدّ له من الصبر عليها ونعمة لا بدّ له من الشكر عليها فعليه بمراقبة نفسه في تلك الأحوال.. بل لا ينفك العبد في كل حال من فرض لله تعالى عليه: إما فعل يلزمه مباشرته، أو محظور يلزمه تركه، أو ندب حث عليه ليسارع به إلى مغفرة الله تعالى ويسابق به عباد الله، أو مباح فيه صلاح جسمه وقلبه وفيه عون له على طاعته.. ولكل واحد من ذلك حدود لا بدّ من مراعاتها بدوام المراقبة)
بل إن الورع ـ أيها المريد الصادق ـ يراقب نفسه حتى في الساعات التي هو فيها مشغول الجوارح بالمطعم والمشرب، فإنه مع هذا الاشتغال لا يخلو عن عمل هو أفضل الأعمال وهو الذكر والفكر، فإن الطعام الذي يتناوله مثلاً فيه من العجائب ما لو تفكر فيه وفطن له كان ذلك أفضل من كثير من أعمال الجوارح.
ومما ييسر لك ذلك ـ أيها المريد الصادق ـ علمك أن (ساعات الإنسان ثلاثة: ساعة مضت لا تعب فيها على العبد كيفما انقضت في مشقة أو رفاهية.. وساعة مستقبلة لم تأت بعد لا يدري العبد أيعيش إليها أم لا، ولا يدري ما يقضي الله فيها.. وساعة راهنة ينبغي أن يجاهد فيها نفسه ويراقب فيها ربه.. فإن لم تأته الساعة الثانية لم يتحسر على فوات هذه الساعة، وإن أتته الساعة الثانية استوفى حقه منها كما استوفى من الأولى.. ولا يطول أمله خمسين سنة فيطول عليه العزم على المراقبة فيها، بل يكون ابن وقته، وكأنه في آخر أنفاسه، فلعله آخر أنفاسه وهو لا يدري، وإذا أمكن أن يكون آخر أنفاسه، فينبغي أن يكون على وجه لا يكره أن يدركه الموت وهو على تلك الحالة)
ولا تستهن بهذه المراقبة ـ أيها المريد الصادق ـ ذلك أن تضييعها يعني ضياع كل شيء، ذلك أن الله تعالى كما وفر الأجور العظيمة على الأعمال، وضع القوانين لقبولها؛ والتقصير في النظر في تلك القوانين قد يعرض الأعمال للإحباط والفساد، كما قال تعالى في تحذير الذين يسيئون الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]
ومثل ذلك ما ورد في إجابة الدعاء.. فالعبرة ليست بالدعاء فقط، وإنما بتوفير قابلية الإجابة.
ومن ذلك ترك الحرام، ذلك أن الله تعالى لا يجيب من يأكل الحرام، وقد روي أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (ادع الله أن يستجيب دعائي، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا أردت ذلك فأطبْ كسبك)([17])
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المتقين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيهَا الرسُلُ كُلُوا مِنَ الطيبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِني بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]، وقال: {يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] )، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر: (يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذِّي بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك؟!)([18])
وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن عدم استجابة الله تعالى للساكتين عن الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر، فقال: (لتأمرُنّ بالمعروف، ولتنهنّ عن المنكر، أو ليسلّطن الله شراركم على خياركم، فيدعو خياركم فلا يُستجاب لهم)([19])
وأخبر عن عدم استجابة الله تعالى للمسيئين للأدب معه، كذلك الذي دعا الله أن لا يغفر لفلان من الناس، فقال الله له: (من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان)([20])
وأخبر عن عدم استجابة الله تعالى سؤال ما لا يجوز سؤاله؛ كأن يدعو بإثم أو قطيعة رحم؛ فقال: (لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل) قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول: (قد دعوت وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء) ([21])
وأخبر عن عدم استجابة الله تعالى سؤال من يعلق الدعاء بمشيئة الله تعالى؛ كأن يقول: اللهم اغفر لي إن شئت، فقال: (لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة؛ فإنه لا مستكره له) ([22])
وأخبر عن عدم استجابة الله تعالى سؤال من يدعو بتعجيل العقوبة، فقد روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم رجلًا من المسلمين قد ضعف حتى صار مثل الفرخ فقال له: (هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟) قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فافعله في الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (سبحان الله! لا تطيقه ـ أو: لا تستطيعه ـ أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار؟!) فدعا الله له فشفاه([23]).
ومثل ذلك ما ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم)([24])
وهكذا ورد في الروايات والأخبار الكثيرة ما يبين أن الإجابة والقبول تتوقفان على شروط كثيرة من لم يؤدها لا تتحقق له الإجابة، ولا القبول، ومنها ما روي في أخبار الأنبياء أن موسى عليه السلام رأى رجلاً يتضرّع تضرّعا عظيماً، ويدعو رافعاً يديه ويبتهل، فأوحى الله إلى موسى: (لو فعل كذا وكذا لما استجبت دعاءه، لأنّ في بطنه حراماً، وعلى ظهره حراماً، وفي بيته حراماً)([25])
وروي أن الله تعالى أوحى للمسيح عليه السلام: (يا عيسى.. قل لظلمة بني إسرائيل: غسلتم وجوهكم، ودنّستم قلوبكم، أَبي تغترّون ؟.. أم عليّ تجترؤن ؟.. تتطيّبون الطيب لأهل الدنيا، وأجوافكم عندي بمنزلة الجيف المنتنة، كأنّكم أقومٌ ميّتون.. يا عيسى.. قل لهم: قلّموا أظفاركم من كسب الحرام، وأصمّوا أسماعكم عن ذكر الخنا، وأقبلوا عليّ بقلوبكم فإنّي لست أريد صوركم.. يا عيسى.. قل لظلمة بني إسرائيل: لا تدعوني والسحت تحت أقدامكم، والأصنام في بيوتكم، فإنّي آليت أن أجيب مَن دعاني، وإنّ إجابتي إيّاهم لعنٌ لهم حتّى يتفرّقوا)([26])
وروي أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام: (أن أبلغ قومك أنّه ليس من عبدٍ منهم آمره بطاعتي فيطيعني، إلاّ كان حقّا عليّ أن أطيعه وأعينه على طاعتي، وإن سألني أعطيته، وإن دعاني أجبته، وإن اعتصم بي عصمته، وإن استكفاني كفيته، وإن توكّل عليّ حفظته من وراء عورته، وإن كاده جميع خلقي كنت دونه)([27])
وروي أن الله تعالى أوحى له: (قل للجبّارين: (لا يذكروني فإنه لا يذكرني عبدٌ إلاّ ذكرته، وإن ذكروني ذكرتهم فلعنتهم)([28])
وروي أنّ رجلاً كان في بني إسرائيل قد دعا الله أن يرزقه غلاماً يدعو ثلاثاً وثلاثين سنة، فلمّا رأى أنّ الله تعالى لا يجيبه قال: (يا ربّ.. أَبعيدٌ أنا منك فلا تسمع منّي ؟.. أم قريبٌ أنت فلا تجيبني ؟).. فأتاه آتٍ في منامه فقال له: (إنّك تدعو الله بلسانٍ بذيّ، وقلبٍ غلقٍ عاتٍ غير نقيٍّ، وبنيّةٍ غير صادقة، فاقلع من بذائك، وليتّق الله قلبك، ولتحسن نيّتك)، ففعل الرجل ذلك فدعا الله عزّ وجلّ فولد له غلامٌ([29]).
ومنها ما روي أن سائلا سأل الإمام علي، فقال: إنّ الله يقول: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60]، ونحن ندعو فلا يُستجاب لنا، فقال له الإمام علي: (إنّ قلوبكم خانت بثمان خصالٍ: أوّلها: أنّكم عرفتم الله فلم تؤدّوا حقّه كما أوجب عليكم، فما أغنت عنكم معرفتكم شيئاً.. والثاني: (أنكم آمنتم برسوله ثمّ خالفتم سنته وأمتّم شريعته، فأين ثمرة إيمانكم ؟.. والثالثة: أنّكم قرأتم كتابه المنزل عليكم فلم تعملوا به، وقلتم: سمعنا وأطعنا ثمّ خالفتم.. والرابعة: أنكم قلتم أنكم تخافون من النار، وأنتم في كلّ وقت تقدمون إليها بمعاصيكم فأين خوفكم ؟.. والخامسة: أنكم قلتم أنكم ترغبون في الجنّة، وأنتم في كلّ وقتٍ تفعلون ما يباعدكم منها، فأين رغبتكم فيها ؟.. والسادسة: أنكم أكلتم نعمة المولى ولم تشكروا عليها.. والسابعة: أن الله أمركم بعداوة الشيطان وقال: { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6] فعاديتموه بالقول، وواليتموه بلا مخالفة.. والثامنة: أنكم جعلتم عيوب الناس نصب عيونكم، وعيوبكم وراء ظهوركم، تلومون مَن أنتم أحقّ باللوم منه، فأيّ دعاء يُستجاب لكم مع هذا ؟.. وقد سددتم أبوابه وطرقه ؟.. فاتّقوا الله، وأصلحوا أعمالكم، وأخلصوا سرائركم، وأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، فيستجيب الله لكم دعاءكم)([30])
وروي أن الإمام الصادق سئل نفس السؤال، فقال: (لأنّكم لا تفون لله بعهده، وإنّ الله يقول: { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40]، والله لو وفيتم له لوفى الله لكم)([31])
وقال له آخر: (ندعو فلا يُستجاب لنا)، فقال لهم: (لأنّكم تدعون مَن لا تعرفونه)([32])
هذا جوابي ـ أيها المريد الصادق ـ على أسئلتك، فاسع
لأن تستعمل هذه الوسيلة في تزكية نفسها وتربيتها لتصبح أهلا للمراتب الرفيعة التي
هيأها الله لها.
([1]) قال المنذري في الترغيب والترهيب(3/ 532): رواه ابن أبي الدنيا بإسناد جيد.
([2]) رواه البخاري ومسلم.
([3]) مدارج السالكين(2/ 68)
([4]) الوصايا للمحاسبى(313) بتصرف واختصار.
([5]) بحار الأنوار: 5/324، وسعد السعود .
([6]) بحار الأنوار: 5/322، ونهج البلاغة .
([7]) بحار الأنوار: 5/327، والعقائد ص86 .
([8]) بحار الأنوار: 5/327، والعقائد ص86 .
([9]) بحار الأنوار: 5/324، وكتاب قضاء الحقوق، ثواب الأعمال، الكشي .
([10]) الكافي 2/429 .
([11]) رواه البخاري ومسلم.
([12] ) المحجة البيضاء فى تهذيب الاحياء، ج 8، ص: 158
([13] ) المحجة البيضاء فى تهذيب الاحياء، ج 8، ص: 158
([14] ) المحجة البيضاء فى تهذيب الاحياء، ج 8، ص: 159
([15]) بحار الأنوار: 68/173، والخصال 1/11 .
([16]) بحار الأنوار: 90/341، عن: عدة الداعي ص125.
([17]) بحار الأنوار: 90/ 372، ودعوات الراوندي .
([18] ) رواه مسلم (1015).
([19]) بحار الأنوار: 90/378، وفلاح السائل .
([20] ) رواه مسلم (2621).
([21] ) رواه البخاري (684)، ومسلم (2735)
([22] ) رواه البخاري (6339)، ومسلم (2679).
([23] ) رواه مسلم (1688).
([24] ) رواه مسلم (3009).
([25]) بحار الأنوار: 90/ 372، ودعوات الراوندي .
([26]) بحار الأنوار: 90/ 373، وعدة الداعي ص102 .
([27]) بحار الأنوار: 90/376، وعدة الداعي .
([28]) بحار الأنوار: 90/320، وفلاح السائل ص37 .
([29]) بحار الأنوار: 90/370 ، وقصص الأنبياء .
([30]) بحار الأنوار: 90/377 ، ودعائم الدين .
([31]) بحار الأنوار: 90/368 ، وتفسير القمي ص38 .
([32]) بحار الأنوار: 90/ 368، والتوحيد ص209 .