محور المقاومة والصواريخ الصوتية

محور المقاومة والصواريخ الصوتية
بعد كل إطلالة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أو إطلالة لغيره من القادة في محور المقاومة، يظهر الكثير من المحللين الاستراتيجيين والعسكريين على القنوات العربية المطبعة مع إسرائيل تحت الطاولة أو فوق الطاولة، وهم يسخرون من تلك الكلمات القوية الموجهة للصهاينة، ويعتبرونها مجرد صواريخ صوتية لا قيمة لها.
وأنا أريد هنا أن أوافقهم في كونها صواريخ صوتية، ولكن ليس تهكما، ولا سخرية، وإنما من باب الحقائق التي دل عليها قياس آثار تلك الكلمات، أو تلك الصواريخ التي يطلقها سماحة الأمين العام أو غيره من القادة عند كل إطلالة.
وأول آثار تلك الصواريخ على الكيان الصهيوني نفسه؛ فهو يشعر بآثارها الخطيرة عليه، وعلى التركيبة الاجتماعية الهشة التي يتشكل منها.. فكل صهيوني يسمع خطابات التحدي التي يطلقها الأمين العام، يبدأ في الاستعداد للخروج من البلاد التي يحتلها بغير حق، والعودة إلى البلاد التي جاء منها.. أما غيره ممن يقيم خارج فلسطين، فإن تلك الخطابات أو الصواريخ الصوتية تدعوه لئلا يفكر أبدا في الذهاب إلى فلسطين، ولا الاستقرار فيها، على الرغم من عقيدته السياسية أو الدينية، وهذا ما يقوض المشروع الصهيوني الذي بدأ بفلسطين كمحطة أولى، لا كمحطة أخيرة.
وهذا الأثر ليس تحليلا، ولا تخمينا، ولا أمنية، ولا تفكيرا رغبويا، وإنما هو الحقيقة التي يقر بها الصهاينة أنفسهم، والذين وضعوا سماحة الأمين العام لحزب الله باعتباره العدو الأول والأكبر والأكثر تأثيرا؛ فكل خطاب من خطاباته التي يصدقها المجتمع الصهيوني، تحدث آثارها النفسية، والتي لها امتدادها المستقبلي الاستراتيجي.
لذلك فإن ما يتوهمه البعض من أن نبرات التحدي التي يطلقها الأمين العام، يقع فيها التكرار الكثير، مخطئون في ذلك، ذلك أن كل خطاب بمثابة الصاروخ الذي قد لا ينفجر في لحظات الإطلاق، ولكنه سينفجر بعد حين، وستكون له آثاره المدوية التي تساهم في تحرير الأراضي المحتلة.
وهذا ما يتفق عليه كل خبراء الحروب؛ فهم يذكرون أن الحرب النفسية أخطر من الحرب العسكرية، ذلك أنها تمتد إلى عقيدة الجيش؛ فتقضي عليها، والجيش الذي لا يحمل عقيدة يدافع عنها، يصبح جبانا رعديدا يفر من أي معركة، ولا يستطيع أن يواجه أي خصم.
وثاني تلك الآثار على الشعوب العربية والإسلامية، والتي حاول المطبعون والساخرون من حركات المقاومة أن يقضوا على كل آثار عزتها وكرامتها إلى الدرجة التي صار الرئيس الأمريكي فيها يتجرأ على ملوكها، وخدام حرمها، ومع ذلك لا ينبزون ببنت كلمة دفاعا عن أنفسهم، بل يستقبلونه بالأحضان، ويرقصون معه، ثم يسلمونه بعد ذلك كل خزائن الذهب والفضة التي حرموا منها شعوبهم.
في مقابل ذلك نرى خطابات محور المقاومة القوية، والتي لا تكتفي بالرد على النظام الأمريكي المستكبر، وإنما تسميه شيطانا أكبر، وتخاطبه بكل ندية وقوة، ولا ترضى أن تجلس معه، ولا أن تفاوضه، بل تتحداه في كل حين.
ومثله الموقف من الكيان الصهيوني؛ فقبل تلك الخطابات كان يبدو في أذهان العرب قوة عظمى، لا يفكرون ولو مجتمعين في غزوها، أو النيل منها، ولذلك يكتفون بالرضوخ للأمر الواقع، والذي مثله السادات حين افتتح التطبيع العلني مع إسرائيل.. إلى أن انطلق ذلك الصاروخ القوي الذي اعتبر فيه الأمين العام لحزب الله إسرائيل بيت عنكبوت، أو أنها أوهن من بيت العنكبوت، ثم توالت بعدها الخطابات الكثيرة التي تفسر سر تلك التسمية، والتي جعلت العرب يشعرون أنها حقيقة كذلك، وهو ما دل عليه الواقع في كل المواجهات التي حصلت بين العرب والصهاينة منذ ذلك الخطاب.. وذلك ما أزال الوهم الكبير الذي كان يصور إسرائيل قوة عظمى لا يمكن التغلب عليها.
بالإضافة إلى ذلك، فإنه لولا تلك الخطابات التي لا تزال تذكر كل عربي ومسلم أنه لا يوجد شيء اسمه إسرائيل، وإنما هي فلسطين المحتلة، والمستوطنون فيها هم محتلون غاشمون صهاينة.. لولا ذلك لما بقيت هذه المفردات، ولا معانيها، ولصارت إسرائيل دولة مثل سائر الدول العربية، بل ربما صار العرب يدفعون الأموال الكثيرة من أجل الحصول على تأشيرتها للتشرف بزيارتها.
وثالث تلك الآثار، والتي يستفيد منها المتأمل في خطابات السيد حسن نصر الله، أو غيره من قادة المقاومة، تلك المعاني التربوية والأخلاقية في التعامل مع الأعداء بمختلف أصنافهم؛ فالحرب التي يمارسها محور المقاومة ليست قذرة، وإنما هي طاهرة ممتلئة بكل المعاني الأخلاقية، ولذلك اشتهر الأمين العام لحزب الله عند الصهاينة أنفسهم بكونه الصادق، ووعوده صادقة؛ فهو لا يبرر لنفسه استعمال الوسائل اللامشروعة، أو اللا أخلاقية، وإنما يكتفي بالوسائل المشروعية والأخلاقية.
ولهذا تنضح تلك الخطابات بالبراهين العقلية، والحجج المنطقية، ومخاطبة الفطرة بكل الأساليب التي تفهمها.. وهي بذلك ليست خطابات عاطفية مجردة، وإنما هي مرافعات قضائية تبين الجور العظيم الذي يحكم القوانين الدولية التي أسسها المستكبرون ليحموا استكبارهم.
هذه بعض آثار الصواريخ الصوتية التي يطلقها كل حين قادة المقاومة، وهي جزء مهم من المعركة مع الأعداء، والتي لا يكفي فيها الصواريخ العسكرية، ذلك أن آثارها محدودة مؤقتة مرتبطة بالحروب الفعلية، بينما تأثير الصواريخ الصوتية باق في كل وقت، ويحدث آثاره في كل بيئة.