الركوع والسجود

الركوع والسجود
كتبت إلي ـ أيها المريد الصادق ـ تسألني عن الركوع والسجود، وسرهما، وعلاقة حركات الجسد المرتبطة بهما بالتزكية والترقية، وسر ما ورد قوله عندهما من أذكار وأدعية، وهل يمكن أن يؤتى بهما منفصلين عن الصلاة، مثلما يؤتى بالأذكار والأدعية والتلاوة؟
وجوابا على سؤالك الوجيه أذكر لك أن الله تعالى أخبر أن الركوع والسجود من المدارس الروحية التي فرضها على الملل جميعا، وذلك ما يدل على كونهما والأسرار التي يحملانها من ضرورات التزكية والترقية.
والعاقل هو الذي لا يكتفي بأدائهما المجرد عن معرفة المقاصد المرتبطة بهما، وإنما يسأل عن ذلك، ويبحث عنه، ويعلم أن الله تعالى ما كلفه بذلك إلا رحمة به، وتربية له.
وأول تلك المقاصد ـ أيها المريد الصادق ـ هي التسليم لله.. فالراكع والساجد يقول لربه: كما أن روحي ونفسي وعقلي بين يديك.. فمثل ذلك جسدي هو بين يديك.. يتحرك كما طلبت، حتى ولو لم يكن مدركا لسر الحركة؛ فيكفيه أن تكون أنت الذي طلبت منه أن يفعلها.
وهذا ما يحمي العاقل من ذلك الشغب والجدل الذي يتوهم به المتعالمون على الله أن بإمكان عقولهم المحدودة أن تدرك الحقائق جميعا.. وشتان بينهم وبين ذلك.
وثاني تلك المقاصد ـ أيها المريد الصادق ـ أن تعلم أن الله تعالى برحمته ولطفه بعباده أتاح لهم أن يصلحوا بواطنهم بحركات وأعمال يؤدونها بجوارحهم، ولذلك شرع من الحركات والأعمال المرتبطة بها ما ييسر على الباطن السير في طريق الصلاح.
ومن ذلك ـ مثلا ـ تشريعه للدعاء رفع اليدين، كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها فإذا فرغتم فامسحوا بهما وجوهكم) ([1])
وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما، والاستغفار أن تشير بإصبع واحدة، والابتهال أن تمد يديك جميعا، ورفع يديه وجعل ظهورهما مما يلي وجهه) ([2])
وقد روي فيما أوحي إلى موسى عليه السلام ما يدل على سر ذلك، فقد جاء فيه: (ألق كفيك ذلا بين يدي كفعل العبد المستصرخ إلى سيده، فاذا فعلت ذلك رحمت وأنا أكرم القادرين، يا موسى سلني من فضلي ورحمتي، فانهما بيدي لا يملكهما غيري، وانظر حين تسألني كيف رغبتك فيما عندي؟ لكل عامل جزاء وقد يجزى الكفور بما سعى) ([3])
ومثل ذلك ما روي عن الإمام علي، فقد سأله بعضهم، فقال: أليس الله في كل مكان؟ قال: بلى قال: فلم يرفع العبد يديه إلى السماء، فقال أما تقرأ {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } [الذاريات: 22]، فمن أين يطلب الرزق إلا من موضعه، وموضع الرزق، وما وعد الله عزوجل السماء) ([4])
وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرا آخر من أسرار ذلك، فقال: (إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين)([5])
ومثل ذلك ما روي أن رجلا كان يدعو بإصبعيه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(أحد أحد)، أي: إذا أشار الرجل بإصبعيه في الدعاء عند الشهادة فلا يشير إلا بإصبع واحدة([6]).
وهكذا يمكنك ـ أيها المريد الصادق ـ أن تبحث في جميع الحركات التي ورد الشرع بها في الشعائر التعبدية، وسترى أن لها من الأسرار ما يجعلها تؤثر في الباطن، وتصلحه، وإن كنا لا نعلم كل ما يرتبط بها من مقاصد وأسرار؛ فلذلك كان التسليم لله سيد المقاصد وسرها الأعظم.
الركوع والتزكية:
إذا عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ فاعلم أن الركوع من الشعائر التعبدية التي أمر الله تعالى بها في الأديان جميعا، كما قال تعالى في خطابه لبني إسرائيل: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]
وقال مخاطبا مريم عليها السلام: { يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43]
وذكر ركوع داود عليه السلام عند إدراكه للفتنة التي فتن بها، فقال: { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24]
وذكر أهل جهنم، وأن من أسباب دخولهم إليها عدم ركوعهم، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 48، 49]
وذلك ما يدل على أن للحركة المرتبطة به، والتي قد تختلف باختلاف الشرائع ما يثير في الباطن معاني خاصة، لا تتم له من دون تلك الحركة.
وقد أشار إلى بعضها ما ورد في سبب نزول قوله تعالى: { وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا} [الإسراء: 73]، فقد روي أنها نزلت في وفد ثقيف، حين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نبايعك على أن تعطينا ثلاث خصال، ومن بينها: لا ننحني في الصلاة، يقصدون الركوع والسجود؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود) ([7])
وهذا يدل على أن الانحناء في الركوع والسجود كان شديدا عليهم للكبر الذي طبعوا أنفسهم عليه، ولذلك كان لتلك الحركة دورها في إزالة ذلك الكبر، أو التخفيف منه.
ومما يروى عن الإمام علي في أسراره ما أجاب به بعضهم عندما قال له: يا ابن عم خير خلق الله ما معنى مد عنقك في الركوع؟ فقال له الإمام: (تأويله آمنت بوحدانيتك، ولوضربت عنقي) ([8])
وفسر الإمام الباقر بعض أسرار ذلك؛ فقال ـ لمن سأله عن العلة التي شرع لأجل أن يقال في الركوع: (سبحان ربي العظيم وبحمده)، ويقال في السجود: (سبحان ربي الأعلى وبحمده)، فقال: (إن الله تبارك وتعالى لما أسرى بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان كقاب قوسين أو أدنى، رفع له حجاب، فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعا حتى رفع له سبع حجب، فلما ذكر مارأى من عظمة الله ارتعدت فرائصه، فانبرك على ركبتيه، وأخذ يقول: (سبحان ربي العظيم وبحمده)؛ فلما اعتدل من ركوعه قائما، ونظر إليه في موضع أعلى من ذلك الموضع خر على وجهه، وجعل يقول: (سبحان ربي الأعلى وبحمده)، فلما قال سبع مرات سكن ذلك؛ فلذلك جرت به السنة)([9])
ولسنا ندري مدى صحة هذه الرواية، ولا دقة ما ورد فيها، ولكن معناها ليس مستبعدا، ذلك أن القارئ للقرآن الكريم أثناء قيامه للصلاة تنكشف له الحجب بتدبره له، ولذلك يهوي راكعا تعظيما لتلك التجليات التي حصلت له بالقراءة.
وهذا ما يشير إلى أن الصلاة معراج المؤمن، ولذلك شرفها الله تعالى بأنها شرعت أثناء المعراج، وفي تلك المحال المقدسة، لتبين أن بإمكان المؤمن أن يرتقي بروحه إلى تلك الدرجات في حال التزامه بها.
ومن المعاني التي ذكرت في أسرار الركوع ما روي عن الإمام الصادق أنه قال: (لا يركع عبد لله ركوعا على الحقيقة إلّا زيّنه الله تعالى بنور بهائه وأظلّه في ظلال كبريائه وكساه كسوة أصفيائه، والرّكوع أوّل والسجود ثان، فمن أتى بمعنى الأوّل صلح للثاني، وفي الرّكوع أدب وفي السجود قرب، ومن لا يحسن الأدب لا يصلح للقرب، فاركع ركوع خاضع لله عزّ وجلّ بقلبه متذلّل وجل تحت سلطانه، خافض له بجوارحه خفض خائف حزن على ما يفوته من فائدة الراكعين، وحكي أنّ ربيع بن خثيم كان يسهر باللّيل إلى الفجر في ركعة واحدة فإذا هو أصبح يزفر وقال: آه سبق المخلصون وقطع بنا. واستوف ركوعك باستواء ظهرك وانحطّ عن همّتك في القيام بخدمته إلّا بعونه، وفرّ بالقلب من وساوس الشيطان وخدائعه ومكايده، فإنّ الله تعالى يرفع عباده بقدر تواضعهم له، ويهديهم إلى أصول التواضع والخضوع والخشوع بقدر اطّلاع عظمته على سرائرهم) ([10])
ومن المعاني التي ذكرت في أسرار الركوع ما روي عن الإمام الرضا جوابا على من سأله عن سر كون التسبيح في الركوع والسجود دون القراءة، فقال: (لعلل منها أن يكون العبد مع خضوعه وخشوعه وتعبده وتورعه واستكانته وتذلله وتواضعه وتقربه إلى ربه مقدسا له ممجدا مسبحا معظما شاكرا لخالقه ورازقه، فلا يذهب به الفكر والأماني إلى غيرالله)، فقال السائل: فلم جعل ركعة وسجدتين؟ فقال الإمام: (لأن الركوع من فعل القيام، والسجود من فعل القعود، وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم، فضوعف السجود ليستوي بالركوع، فلايكون بينهما تفاوت لان الصلاة إنما هي ركوع وسجود) ([11])
ومن تلك الأسرار ما عبر عنه بعض الحكماء، فقال ـ مخاطبا مريدا له ـ: (وأمّا الركوع والسجود؛ فينبغي أن تجدّد عندهما ذكر كبرياء الله وترفع يديك مستجيرا بعفو الله من عقابه، ومتّبعا سنّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ تستأنف له ذلّا وتواضعا بركوعك، وتجتهد في ترقيق قلبك وتجديد خشوعك، وتستشعر ذلك عزّ مولاك واتّضاعك وعلوّ ربّك، وتستعين على تقرير ذلك في قلبك بلسانك، فتسبّح ربّك وتشهد له بالعظمة وأنّه أعظم من كلّ عظيم وتكرّر ذلك على قلبك لتؤكّده بالتكرار، ثمّ ترتفع من ركوعك راجيا أنّه راحم ذلّك وتؤكّد الرّجاء في نفسك بقولك: (سمع الله لمن حمده) أي أجاب الله لمن شكره، ثمّ تردف ذلك بالشكر المتقاضي للمزيد فتقول: (الحمد لله ربّ العالمين) ([12])
وذكر حكيم آخر الدرجات المختلفة في الركوع، والتي تختلف باختلاف منازل السائرين إلى الله، فقال: (الركوع ـ عند الخاصة ـ عبارة عن الخروج من منزل القيام بالأمر والاستقامة في الخدمة المستلزم للدعوى عند أهل المعرفة وللخيانة والجناية عند أهل المحبّة، والدخول في منزل الذّل والافتقار والاستكانة والتضرع منزل المتوسطين.. وعند أصحاب القلوب عبارة عن الخروج عن مقام القيام لله إلى مقام القيام بالله، وعن مشاهدة القيومية إلى مشاهدة أنوار العظمة، وعن مقام توحيد الأفعال إلى مقام توحيد الأسماء، وعن مقام التدلي إلى مقام قاب قوسين، كما أن السجود هو مقام (أو أدنى) ([13])
ثم فسر ذلك ـ بحسب الطريق التحققي الذي يسير فيه السالك إلى الله ـ فقال: (حقيقة القيام هي التدلّي إلى قيومية الحق والوصول إلى أفق المشيئة، وحقيقة الركوع إتمام قوس العبودية وإفنائه في نور عظمة الربوبية، وركوع الأولياء الكمّل التحقق بهذا المقام على حسب مراتبهم وحظّهم من حضرات الأسماء المحيطة والشاملة والذاتية والصفاتية على نحو يكون تفصيله خارجاً عن مجال هذه الأوراق؛ فالسالك إذا وصل منزل الركوع منزل الفناء الأسمائي يكبّر ويرفع يده كرفعها عند التكبيرات الافتتاحية بتلك الآداب، وهذا التكبير والرفع باطن إحدى التكبيرات الافتتاحية كما أن تكبير السجود أيضاً كذلك، وفي هذا المقام يكبّر الحق عن التوصيف وهو من المقامات الشاملة للعبد وملازم له إلى آخر السلوك ويرفع بيده ويرفض بها مقام التدلي والعبودية والتقوّم بالقيومية الذي لا يكون خالياً عن شائبة التجلّد والدعوى، ويتوجّه إلى منزل الركوع صفر اليد ويتجلى لقلبه نور عظمة عرش حضرة الوحدانية والواحدية في فناء منزل قاب قوسين فينزّه الحق ويسبّحه ويسقط نفسه عن لياقة التكبير، فبقلب وجل وحال خجل من القصور في أداء حق هذا المنزل الذي هو من أعظم منازل أهل التوحيد يشرع في أداء حقوقه وعمدتها توصيف الحق بالعظمة بعد التنزيه في جميع منازل الولاية. وبعده يشرع في التحميد وهو في مقام الذات إشارة إلى توحيد الصفات ولسان العبد في هذا المقام في التنزيه والتعظيم والتحميد لسان الحق) ([14])
ويدل لما ذكره هذا الحكيم ما روي في الحديث أنه لمّا نزل قوله تعالى: ﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾ [الواقعة: 74]، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اجعلوها في ركوعكم)، فلما نزلت ﴿ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الأعلى: 1] قال: (اجعلوها في سجودكم) ([15])
إذا عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ فاحرص على ما ورد في سنة نبيك صلى الله عليه وآله وسلم من أذكار تقولها في ركوعك، حتى تبعث في الحياة، فالركوع جسد روحه الذكر، وقد أشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى مجامع ذلك، فقال: (فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء) ([16])
ومن أذكاره صلى الله عليه وآله وسلم التي كان يقولها في الركوع: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) ([17])
وكان يضيف إلى ذلك أذكارا أخرى، منها ما روي عن الإمام علي أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان (إذا ركع قال: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي، وبصري، ومخي، وعظمي، وعصبي) ([18])
وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وآله وسلم (كان يقول في ركوعه وسجوده: سبوحٌ قدوسٌ رب الملائكة والروح) ([19])
وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال في ركوعه: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة) ([20])
وهذا كله يدل على أنه لا يشترط الاقتصار على التسبيح بـ (سبحان ربي العظيم)، أو (سبحان ربي الأعلى)، بل يمكن أن يضاف إليها غيرها من التسبيحات بشرط ألا تكون قرآنا([21]).
كما روي في ذلك عن الإمام علي أنه كتب إلى بعض عماله يقول له: (انظر ركوعك وسجودك، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أتم الناس صلاة وأحفظهم لها، وكان إذا ركع قال: (سبحان ربي العظيم) ثلاث مرات، وإذا رفع صلبه قال: (سمع الله لمن حمده. اللهم لك الحمد ملء سمواتك وملء أرضك وملء ماشئت من شئ) فإذا سجد قال: (سبحان ربي الأعلى وبحمده) ثلاث مرات([22]).
وعنه قال: (لاقراءة في ركوع ولاسجود، إنما فيهما المدحة لله عزوجل ثم المسألة فابتدئوا قبل المسألة بالمدحة لله عزوجل ثم اسألوا بعد) ([23])
وعن الإمام الباقر أنه قال: (من قال في ركوعه وسجوده وقيامه: اللهم صل على محمد وآل محمد، كتب الله له ذلك بمثل الركوع والسجود والقيام) ([24])
وعنه أنه كان يقول في ركوعه: (اللهم لك ركعت ولك خشعت وبك آمنت، ولك أسلمت وعليك توكلت وأنت ربي، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعصبي وعظامي وما أقلته قدماي لله رب العالمين)([25])
وفي رواية أخرى أنه كان يقول: (اللهم لك ركعت ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وأنت ربي خشع لك سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمى ومخي وعصبي وعظامي وما أقلته قدماي غير مستنكف ولامستكبر ولا مستحسر، سبحان ربي العظيم وبحمده ـ ثلاث مرات في ترسل.) ([26])
وقال الإمام الصادق: (ما من كلمة أخف على اللسان ولا أبلغ من (سبحان الله)، فقيل له: فيجزي أن أقول في الركوع والسجود مكان التسبيح لا إله إلا الله والحمدلله والله أكبر؟ قال: (نعم كل ذا ذكرالله)([27])
وروي أنه كان يقول في ركوعه: (اللهم لك ركعت ولك خشعت وبك آمنت وعليك توكلت وأنت ربي خشع لك سمعي وبصري وشعري وبشرى ولحمي ودمي ومخي وعصبي وعظامي وما أقلت قدماي غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر عن عبادتك والخشوع لك والتذلل لطاعتك سبحان ربي العظيم وبحمده ـ ثلاث مرات ـ) ([28])
وغيرها من التسبيحات والأذكار التي وردت عن أئمة الهدى، والتي تمثل التطبيق العملي لما ورد في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الدعوة إلى تسبيح الله تعالى في الركوع؛ فاحرص عليها ـ أيها المريد الصادق ـ وليس عليك أن تأتي بها جميعا، وفي جميع الأوقات، وإنما عليك أن تفهم مقاصدها؛ لتركع ركوع الصالحين؛ فيتحقق لك بذلك جزء من صلاتهم، ولعل الله أن يرفعك بذلك الجزء لتنال الكمال، وترقى في معارج العرفان والتحقق، كما عرج بهم.
أما السجود ـ أيها المريد الصادق ـ فاعلم أنه من العبادات العظيمة التي أخبر الله تعالى أنها ليست خاصة بالبشر فقط، وإنما هي عبادة الكون جميعا؛ فالكون بمفرداته جميعا يقيم شعائر السجود، كل بطريقته الخاصة، وبحسب قابليته، ومدى نيله لتجليات الأسماء الحسنى، كما قال تعالى:﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ (الحج:18)
بل إن القرآن الكريم يذكر أن سجود الأشياء شامل يشمل الشخوص والظلال، أو الجواهر والأعراض، قال تعالى:﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ (الرعد:15)
وقد صور القرآن الكريم شكلا من أشكال السجود بقوله تعالى:﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾ (النحل:48)
هذا ما ذكره ربنا، ولا ينبغي لعقولنا ومداركنا البسيطة أن تخوض في كيفية ذلك، أو تحاول تأويله؛ فالعقل لا يرفض ذلك، ومعارفنا المحدودة أدنى من أن تصل إلى حقيقة ذلك، أو تتوهمه وتتخيله.
ولذلك فإن هذه الأمور ومثيلاتها ـ أيها المريد الصادق ـ تؤخذ تعقلا وتذوقا، لا تخيلا وتصورا، فحس الإنسان لا يدرك إلا ما هو في دائرته المحدودة، وهي من المحدودية بحيث لا يصح الاعتماد عليها في تصوير ما غاب عن الحس.
ومن ذلك ما عبر به صلى الله عليه وآله وسلم عن ظاهرة الكسوف التي تكتفي عقولنا بتفسيرنا المادي لها، فقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم أن لها تفسيرا روحيا نص عليه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:(إن الشمس والقمر خلقان من خلق الله وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله عز وجل إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له)([29])
فمعرفتنا بالمواقيت الدقيقة المحددة للكسوف، ومعرفتنا بالأسباب الظاهرة لحصوله لا تنفي هذا، فقد يكون للشيء الواحد الأسباب الكثيرة، فلا ينبغي أن ننكر ما نجهل من الأسباب، ولا ينبغي أن نكون من ضيق الأفق، وقصور الهمة بحيث نكتفي بما لدينا من معارف([30]).
ولذلك فإن الصادقين مع الله يعرفون ضعفهم وقصورهم؛ فلذلك يسلمون لله تعالى، ولا يشاغبون ولا يجادلون، بل ينشغلون بتصفية مرآة قلوبهم، لتتجلى الحقائق التي لا تطيق العقول إدراكها، وقد روي في هذا أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال:(يا رسول الله إني رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة فسجدت، فسجدت الشجرة لسجودي فسمعتها، وهي تقول: (اللهم اكتب لي بها عندك أجرا، وضع عني بها وزرا، واجعلها لي عندك ذخرا، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود)، قال الراوي:(فقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سجدة ثم سجد فسمعته، وهو يقول مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة)([31])
أما سجود البشر؛ فقد أخبر الله تعالى أنه لم يخل منه دين من الأديان، حتى المحرفة منها، فقد قال على لسان هدهد سليمان عليه السلام: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 23 – 26]
وأخبر عن دعوته لبني إسرائيل في عهد موسى عليه السلام للسجود، فقال: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ } [البقرة: 58]، وقال: {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 154]
وقال عن مريم عليها السلام: { يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43]
وأخبر عن الصالحين من أهل الكتاب، فقال:{ليْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: 113]، وقال: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107]
وهكذا يرد في الآيات الكثيرة الحث على السجود، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [الحج: 77]
وأخبر عن الصالحين من هذه الأمة، فقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح: 29]، وقال في صفة عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 64]، وقال: { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } [السجدة: 15]
وهو يدل على منتهى الخضوع، لذلك كان أول شيء فعله السحرة بعد إيمانهم السجود، كما قال تعالى: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى } [طه: 70]
ولذلك أخبر عن إعراض المستكبرين عن السجود بسبب ما فيه من تواضع وذلة، قال تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا } [الفرقان: 60]
وقد ورد في الحديث ما يدل على ارتباط السجود بالقرب من الله تعالى، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19]، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه في سجوده) ([32])
ومن الحكم الواردة عن أئمة الهدى في بيان سره ما ذكره الإمام علي لمن سأله عنه وعن سر السجدتين في الصلاة: (السّجدة الأولى.. تأويلها اللّهم إنّك منها خلقتني ـ يعني من الأرض ـ ورفعُ رأسك: (ومنها أخرجتنا)، والسّجدة الثانية: (وإليها تعيدنا)، ورفعُ رأسك من الثانية: (ومنها تخرجنا تارة أخرى)([33])
وقال الإمام الصادق: (ما خسر والله مَن أتى بحقيقة السّجود، ولو كان في العمر مرّة واحدة، وما أفلح مَن خلا بربّه في مثل ذلك الحال شبيهاً بمخادع لنفسه، غافل لاه عمّا أعدّ الله للسّاجدين من أُنس العاجل، وراحة الآجل.. ولا بَعُد أبداً عن الله مَن أحسن تقرّبه في السّجود، ولا قرب إليه أبداً مَن أساء أدبه، وضيّع حرمته، بتعليق قلبه بسواه في حال سجوده، فاسجد سجود متواضع ذليل، علم أنّه خُلق من تراب يطأه الخلق، وأنّه رُكّب من نطفة يستقذرها كلّ أحد، وكُوّن ولم يكن.. وقد جعل الله معنى السّجود سبب التقرّب إليه بالقلب والسّر والرّوح، فمَن قَرُب منه بعد من غيره، ألا يرى في الظاهر أنّه لا يستوي حال السّجود إلاّ بالتّواري عن جميع الأشياء، والاحتجاب عن كلّ ما تراه العيون، كذلك أراد الله تعالى أمر الباطن، فمَن كان قلبه متعلّقاً في صلاته بشيء دون الله فهو قريبٌ من ذلك الشيء، بعيدٌ من حقيقة ما أراد الله منه في صلاته، قال الله عزّ وجل: { مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال الله عزّ وجل: (لا أطّلع على قلب عبدٍ، فأعلم منه حبّ الإخلاص لطاعتي لوجهي وابتغاء مرضاتي، إلا تولّيت تقويمه وسياسته، ومَن اشتغل في صلاته بغيري فهو من المستهزئين بنفسه، ومكتوبٌ اسمه في ديوان الخاسرين)([34])
وقد علق بعض الحكماء على هذا الحديث في رسالة كتبها لبعض مريديه، فقال: (تأمل في هذا الحديث، ولا تتصوّر صلاة أهل الله كصلاتنا. إن حقيقة الخلوة مع الحق ترك الغير حتى النفس التي هي من أعظم الأغيار وأضخم الحجب وما دام الإنسان مشغولاً بنفسه فهو غافل عن الحق فكيف يمكن له الخلوة مع الحق. ولو حصلت له الخلوة الحقيقية في سجدة واحدة في جميع العمر فإنه ليجبر الخسارات في بقية العمر وتساعده عناية الحق ويخرج عن دائرة دعوة الشيطان، ولو كان القلب في حال السجدة التي هي ترك إظهار الغيرية ورفض الأنانية مشغولاً بالغير فإنه لينسلك في زمرة المنافقين وأهل الخدعة أعوذ بالله تعالى من مكايد النفس والشيطان ومن الخسران والخذلان والفضيحة في المحضر الربوبي، وما أكرم به الساجدون هو حلاوة الأنس مع المحبوب في الدنيا الذي هو خير من الدنيا وما فيها عند أهله وكشف الحجب وبذل الألطاف الخاصة في الآخرة الذي هو قرة عين الأولياء) ([35])
وقال في بيان عظم أسرار السجود ودوره العظيم في التزكية والترقية: (هو عند أهل المعرفة سرّ كلّ الصلاة وكل سرّ الصلاة، وآخر منزل للقرب ومنتهى النهاية للوصول، بل الأولى ألاّ يُعَدّ هو من المقامات والمنازل ولأصحابه وقت وحال انقطعت عنه جميع الإشارات، وبكُمت عنه جميع الألسن وقصرت عن مقامه جميع البيانات وكل من أشار إليه فهو غير خبير به. فمن حصل عنده خبر لم يجئ عنه خبر وما ذكر أو يذكر في هذا المقام فمن أرباب الاحتجاب بل هو من أسباب الحجاب) ([36])
ثم ذكر بعض تلك المعاني التي يجدها العارفون المحققون في سجودهم، فقال: (السجدة عند أهل المعرفة وأصحاب القلوب هي غمض العين عن الغير، والهجرة عن جميع الكثرات حتى كثرة الأسماء والصفات والفناء في حضرة الذات.. وفي هذا المقام ليس من سمات العبودية خبر، ولا من سلطان الربوبية في قلوب الأولياء أثر، والحق تعالى بنفسه قائم بالأمر في وجود العبد (فهو سمعه وبصره بل لا سمع ولا بصر ولا سماع ولا بصيرة وإلى ذلك المقام تنقطع الإشارة) ([37])
وعبر حكيم آخر عن بعض أسرار السجود، فقال ـ مخاطبا مريده ـ: (ثمّ تهوي إلى السجود وهو أعلى درجات الاستكانة، فمكّن أعزّ أعضائك وهو الوجه من أذلّ الأشياء وهو التراب، وإن أمكنك أن لا تجعل بينهما حائلا فتسجد على الأرض فافعل فإنّه أجلب للخضوع وأدلّ على الذلّ، وإذا وضعت نفسك موضع الذلّ فاعلم أنّك وضعتها موضعها ورددت الفرع إلى أصله، فإنّك من التراب خلقت وإليه رددت، فعند هذا جدّد على قلبك عظمة الله وقل: (سبحان ربّي الأعلى) وأكّده بالتّكرار فإنّ المرّة الواحدة ضعيفة الآثار، فإذا رقّ قلبك وطهر لبّك فليصدق رجاؤك في رحمة ربّك، فإنّ رحمته تتسارع إلى الضعف والذّلّ لا إلى التكبّر والبطر فارفع رأسك مكبّرا وسائلا حاجتك ومستغفرا من ذنوبك، ثمّ أكّد التواضع بالتكرار وعد إلى السجود ثانيا كذلك) ([38])
إذا عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ فاعلم أن السجود من أعظم الوصفات العلاجية للنفس، وخاصة إن كانت متمردة مستكبرة ممتلئة بالذنوب والغفلة، وقد ورد في الحديث أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (يا رسول الله كثرت ذنوبي وضعف عملي)، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أكثر السّجود.. فإنه يحطّ الذنوب كما تحطّ الرّيح ورق الشجر)([39])
وفي حديث آخر أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (علّمني عملاً يحبّني الله عليه، ويحبنّي المخلوقون، ويثري الله مالي، ويصحّ بدني، ويطيل عمري، ويحشرني معك)، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (هذه ستّ خصال تحتاج إلى ستّ خصال: (إذا أردت أن يحبّك الله، فخفه واتّقه.. وإذا أردت أن يحبّك المخلوقون، فأحسن إليهم وارفض ما في أيديهم.. وإذا أردت أن يثري الله مالك فزكّه.. وإذا أردت أن يصحّ الله بدنك، فأكثر من الصّدقة.. وإذا أردت أن يطيل الله عمرك، فصل ذوي أرحامك.. وإذا أردت أن يحشرك الله معي، فأطل السّجود بين يدي الله الواحد القهار)([40])
وفي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر برجل وهو يعالج في بعض حجراته، فقال: (يا رسول الله، ألا أكفيك ؟).. قال: (شأنك)، فلمّا فرغ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حاجتك ؟).. قال: (الجنّة).. فأطرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ قال: (نعم)، فلمّا ولّى قال له: (يا عبدالله.. أعنّا بطول السّجود)([41])
وفي حديث آخر أن ربيعة بن كعب الأسلميّ خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فآتيه بوضوئه وحاجته فقال: (سلني)، قلت: أسألك مرافقتك في الجنّة، فقال: (أو غير ذلك؟) قلت: هو ذاك. قال: (فأعنّي على نفسك بكثرة السّجود) ([42])
ومن وصايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأسامة بن زيد: (يا أسامة، عليك بالسجود، فإنّه أقرب ما يكون العبد من ربّه إذا كان ساجداً، وما من عبد سجد لله سجدة، إلاّ كتب الله له بها حسنة، ومحا عنه بها سيئة، ورفع له بها درجة، وباهى به ملائكته) ([43])
وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن دور السجود في الحماية من العذاب، فقال: (حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة ان يُخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم، ويعرفونهم بآثار السجود، وحرّم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار إلاّ أثر السجود) ([44])
وأخبر عن دور السجود في الشهادة للعبد عند الله تعالى يوم القيامة، فقال في وصيته لأبي ذر: (يا أبا ذر، ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الاَرض إلاّ شهدت له بها يوم القيامة.. يا أبا ذر ما من صباح ولا رواح إلاّ وبقاع الاَرض ينادي بعضها بعضاً: يا جارة، هل مرَّ بكِ اليوم ذاكر لله عزَّ وجلَّ، أو عبد وضع جبهته عليك ساجداً لله تعالى؟ فمن قائلة لا، ومن قائلة نعم، فإذا قالت نعم، اهتزّت وانشرحت وترى أنّ لها فضلاً على جارتها) ([45])
ولهذا أوصى الاِمام الصادق بالصلاة في أماكن مختلفة حرصا على هذه الشهادة، فقال: (صلّوا في المساجد في بقاع مختلفة، فإن كل بقعة تشهد للمصلي عليها يوم القيامة) ([46])
وهذه الأحاديث تدل على عظم مرتبة السجود، وكونه من أحسن الأدوية المطهرة للنفس، والمزكية لها، ولهذا ورد الترغيب في إطالته وكثرته في الصلاة وغيرها، وقد روي عن الإمام علي أنه قال: (أطيلوا السّجود، فما من عمل أشدّ على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجداً، لأنّه أُمر بالسجود فعصى، وهذا أُمر بالسجود فأطاع ونجا)([47])
وقال الإمام الرضا: (إذا نام العبد وهو ساجدٌ، قال الله تبارك وتعالى: (عبدي قبضت روحه وهو في طاعتي)([48])
وقيل للإمام الصادق: (لِمَ اتّخذ الله عزّ وجلّ إبراهيم خليلاً ؟).. قال: (لكثرة سجوده على الأرض)([49])
وهكذا روي عن سيرهم العملية؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أكثر الناس سجودا لله تعالى، فقد روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان عند عائشة ذات ليلة فقام يتنفل، فاستيقظت عائشة، فقامت تطوف عليه، فوجدته، وهو ساجد باك، يقول: (سجد لك سوادي وخيالي وآمن بك فؤادي، أبوء إليك بالنعم، واعترف لك بالذنب العظيم، عملت سوءً وظلمت نفسي فاغفر لي إنّه لا يغفر الذنب العظيم إلاّ أنت، أعوذ بعفوك من عقوبتك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ برحمتك من نقمتك وأعوذ بك منك، لا أبلغ مدحك والثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك استغفرك واتوب إليك)([50])
وهكذا كان أئمة الهدى من بعده، فقد روى بعضهم أنه اتبع الإمام السجاد إلى الصحراء، فوجده ساجداً على حجارة خشنة فأحصى عليه ألف مرة: (لا إله إلا الله حقاً حقاً، لا إله إلا الله تعبداً ورقاً، لا إله إلا الله إيماناً وصدقاً، ثم رفع رأسه)([51])
وحدث الإمام الباقر عن كثرة سجود أبيه السجاد، فقال: (إنّ أبي ماذكر لله عزَّ وجلَّ نعمة عليه إلاّ سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله فيها سجدة إلاّ سجد، ولا دفع الله عنه شراً يخشاه أو كيد كائد إلاّ سجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلاّ سجد، ولا وفق لاصلاح بين اثنين إلاّ سجد، وكان كثير السجود، في جميع مواضع سجوده فسمي السجاد لذلك)([52])
وعنه قال: (كان أبي في موضع سجوده آثار نابتة فكان يقطعها في السنة مرتين، في كلِّ مرة خمس ثفنات، فسمي ذو الثفنات) ([53])
وقال الإمام الصادق: (كان علي بن الحسين إذا قام إلى الصلاة تغير لونه، فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقاً. ثم يرفع رأسه من السجدة الاُولى ويقول: اللهمَّ أعفُ عني واغفر لي، واجبرني، واهدني (إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير) ([54])
وهكذا كان الإمام الصادق، وقد حدث بعضهم قال: حججت فمررت بالمدينة، فأتيت قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلّمت عليه، ثمّ التفتّ فإذا أنا بالإمام الصادق ساجداً، فجلست حتّى مللت، ثمّ قلت: (لأسبّحنّ ما دام ساجداً فقلت: (سبحان ربّي العظيم وبحمده، أستغفر الله ربّي وأتوب إليه ـ ثلاثمائة مرّة ونيفاً وستّين مرّة ـ فرفع رأسه ثمّ نهض)([55])
وهكذا كان جميعهم، وكيف لا يكونون كذلك، وهم مثال العبودية لله تعالى، ولولا ذلك السجود، وتلك العبودية، وما معهما من التسليم لله تعالى، ما استحقوا تلك المراتب الرفيعة التي أنالهم الله إياها.
إذا عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ فاعلم أن السجود محل لأذكار وأدعية كثيرة، وردت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن أئمة الهدى من بعده، فالتزمها، وحاول أن تأتي بالقدر الذي أطقته منها، حتى تتحقق فيك معانيها؛ فالسجود جسد وهي روحها، وهو ظلمة وهي نورها.
فمن الأذكار والأدعية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السجود أنه كان يقول: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) ([56])
وكان يقول: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) ([57])
وكان يقول: (اللهم لك سجدت وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين) ([58])
وكان يقول: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة) ([59])
وكان يقول: (اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره) ([60])
وكان يقول: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) ([61])
ومن الأذكار والأدعية الواردة عن أئمة الهدى في السجود، ما روي عن الإمام الباقر أنه كان يقول في سجوده: (اسألك بحق حبيبك محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ بدّلت سيئاتي حسنات وحاسبتني حساباً يسيراً ـ ثم قال في الثانية ـ أسألك بحق حبيبك محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ كفيتني مؤونة الدنيا وكل هول دون الجنة ـ ثم قال في الثالثة ـ اسألك بحق حبيبك محمد صلى الله عليه وآله وسلم لما غفرت لي الكثير من الذنوب والقليل، وقبلت من عملي اليسير ـ ثم قال في الرابعة ـ اسألك بحق حبيبك محمد صلى الله عليه وآله وسلم لما ادخلتني الجنة، وجعلتني من سكانها، ولما نجيتني من سفعات النار برحمتك) ([62])
وكان الإمام الكاظم يقول في سجوده: (أعوذ بك من نار حرّها لا يطفأ، وأعوذ بك من نار جديدها لايبلى، وأعوذ بك من نار عطشانها لا يروى، وأعوذ بك من نار مسلوبها لايكسى) ([63])
وروى بعضهم أنه سمعه يقول في سجوده بصوت حزين، وتغرغر دموعه: (ربي عصيتك بلساني ولو شئت وعزّتك لاَخرستني، وعصيتك ببصري ولو شئت وعزتك لاَكمهتني، وعصيتك بسمعي ولو شئت وعزتك لاصممتني، وعصيتك بيدي ولو شئت وعزتك لكنعتني، وعصيتك برجلي ولو شئت وعزتك لجذمتني، وعصيتك بجميع جوارحي التي أنعمت بها علي وليس هذا جزاؤك مني)، ثم أحصى له ألف مرة وهو يقول: (العفو العفو)، ثم ألصق خده الاَيمن بالأَرض، وراح يقول بصوت حزين: (بؤتُ إليك بذنبي، عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي فانه لا يغفر الذنوب غيرك يا مولاي) ثلاث مرات، ثم ألصق خده الأيسر بالاَرض، وراح يقول: (ارحم من أساء واقترف واستكان واعترف) ثلاث مرات ثم رفع رأسه([64]).
ومن أدعية الإمام الصادق في سجوده قوله: (سبحانك اللهمَّ أنت ربي حقاً حقاً سجدت لك يا ربِّ تعبّداً ورقاً، اللهمَّ إنّ عملي ضعيف فضاعفه لي، اللهمَّ قني عذابك يوم تبعث عبادك وتب علي إنّك أنت التواب الرحيم) ([65])
وكان يقول: (اللهم اني اسألك الراحة عند الموت، والراحة عند الحساب ـ قال اسماعيل في حديثه ـ والاَمن عند الحساب) ([66])
وكان يقول: (سجد وجهي اللئيم، لوجه ربي الكريم) ([67])
وكان يقول: (أتراك معذّبي وقد أظمأت لك هواجري، أتراك معذّبي وقد عفّرت لك في التراب وجهي، أتراك معذّبي وقد اجتنبت لك المعاصي، أتراك معذّبي وقد أسهرت لك ليلي) ([68])
وروي أنه قال: (إذا سجدت فكبّر وقل: اللهمَّ لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت، وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره، الحمدُّ لله ربِّ العالمين تبارك الله أحسن الخالقين، ثم قل: سبحان ربي الاَعلى وبحمده، ثلاث مرات فإذا رفعت رأسك فقل بين السجدتين: اللهمَّ اغفر لي وارحمني واجرني وادفع عني، إنّي لما أنزلت إليَّ من خير فقير. تبارك الله رب العالمين) ([69])
وكان الاِمام الرضا يقول في سجود: (لك الحمد إن أطعتك، ولا حجة لي إن عصيتك، ولا صنع لي ولا لغيري في إحسانك، ولا عذر لي إن أسأت، ما أصابني من حسنة فمنك يا كريم، اغفر لمن في مشارق الاَرض ومغاربها من المؤمنين والمؤمنات) ([70])
وغيرها من الأذكار والأدعية الكثيرة التي يمكنك ـ أيها المريد الصادق ـ أن تتزود منها بالمعارف والآداب التي تقربك إلى ربك، واعلم أنه لا حرج عليك في أن تدعو في سجودك لشؤون دنياك، فقد روي عن الاِمام الباقر أنه قال: (ادعُ في طلب الرزق في المكتوبة وأنت ساجد: يا خير المسؤولين، ويا خير المعطين، ارزقني وارزق عيالي من فضلك، فإنّك ذو الفضل العظيم) ([71])
وروي أن بعضهم شكا للإمام الصادق مصيبة حلت به، فقال: (عليك بالدعاء وأنت ساجد، فإنَّ أقرب مايكون العبد إلى الله وهو ساجد)، فقال الرجل: فأدعو في الفريضة، وأسمي حاجتي؟ فقال: (نعم، قد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعا على قوم بأسمائهم وأسماء آبائهم، وفعله علي بعده) ([72])
وسأله آخر: أدعو وأنا ساجد؟ فقال: (نعم، فادعُ للدنيا والآخرة، فإنّه ربِّ الدنيا والآخرة) ([73])
وقال بعضهم للإمام الكاظم: علّمني دعاء، فإني قد بليت بشيء ـ وكان قد حُبِس ببغداد حيث أتُّهم بأموالهم ـ فكتب إليه: (إذا صلّيت فأطل السجود ثم قُل: (يا أحد من لا أحد له) حتى ينقطع النفس، ثُم قُل: (يا من لا يزيده كثرة الدعاء إلاّ جوداً وكرماً) حتى تنقطع نفسك، ثم قل (يا رب أنت أنت أنت الذي انقطع الرجاء إلاّ منك، يا علي يا عظيم)، قال الرجل: فدعوت به ففرّج الله عني وخلّي سبيلي([74]).
هذا جوابي ـ
أيها المريد الصادق ـ عن أسئلتك؛ فاحرص على أن تمتطي هذه الوسيلة العظيمة، لتزكي نفسك
وتطهرها، وترتقي بها إلى تلك العوالم الجميلة التي سار إليها رسل الله وأئمة الهدى
والصالحون السائرون على دربهم.
([1]) أبو داود (1485)، وابن ماجه (1181)
([2]) أبو داود (1489)
([3] ) عدة الداعى ص 139.
([4] ) الخصال ج 2 ص 165.
([5]) أبو داود (1488)، والترمذي (3556)
([6]) الترمذي (3557) ، والنسائي (3 / 88)
([7] ) أبو داود (3026) ، وأحمد (4/ 218)
([8] ) علل الشرايع ج 2 ص 10.
([9] ) علل الشرايع ج 2 ص 22.
([10] ) مصباح الشريعة ص 12.
([11] ) عيون الاخبار ج 2 ص 108.
([12] ) المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء، ج1، ص: 391
([13] ) سر الصلاة أو صلاة العارفين (ص: 94)
([14] ) سر الصلاة أو صلاة العارفين (ص: 95)
([15] ) الدارمي (1305)، وأبو يعلى (1738) ، وابن خزيمة (600) و (670)
([16] ) رواه مسلم (479)
([17] ) رواه البخاري (794) ومسلم (484)
([18] ) رواه مسلم (771)
([19] ) رواه مسلم (487)
([20] ) رواه أبوداود (873)
([21] ) وهذا ما نص عليه الفقهاء، فقد قال ابن الهمام الحنفي: (لو قرأ التشهد في الركوع أو السجود لا سهو عليه؛ لأنه ثناء، وهما محله) [فتح القدير (1/504)]، وقال البجيرمي الشافعي: (تكره القراءة في الركوع، أي: بقصدها؛ لأن الركوع محل الذكر، فيكون صارفا عن القرآنية، بخلاف ما إذا قصد الدعاء، أو أطلق) [حاشية البجيرمي على الخطيب (2/71)]، وقال النووي: ( ولكن الأفضل أن يجمع بين هذه الأذكار كلها إن تمكن من ذلك بحيث لا يشق على غيره، ويقدم التسبيح منها، فإن أراد الاقتصار فيستحب التسبيح. وأدنى الكمال منه ثلاث تسبيحات، ولو اقتصر على مرة كان فاعلا لأصل التسبيح. ويستحب إذا اقتصر على البعض أن يفعل في بعض الأوقات بعضها، وفي وقت آخر بعضا آخر، وهكذا يفعل في الأوقات حتى يكون فاعلا لجميعها) [الأذكار (ص 86)]
([22] ) مجالس المفيد ص 152. وأمالى الشيخ ج 1 ص 24.
([23] ) قرب الاسناد ص 66
([24] ) ثواب الاعمال ص 32.
([25] ) فلاح السائل ص 132.
([26] ) الكافى ج 3 ص 319، التهذيب ج 1 ص 156.
([27] ) السرائر ص 475.
([28] ) دعائم الاسلام ج 1 ص 163.
([29]) رواه البخاري ومسلم.
([30]) انظر ما يرتبط بهذا من تفاصيل علمية، ومن دلائل الإعجاز العلمي: رسالة (معجزات علمية)
([31]) الترمذي: 2/472.
([32] ) رواه الترمذي رقم (3574)
([33]) العلل 2/25 .
([34]) مصباح الشريعة ص12 .
([35] ) سر الصلاة أو صلاة العارفين (ص: 104)
([36] ) سر الصلاة أو صلاة العارفين (ص: 99)
([37] ) سر الصلاة أو صلاة العارفين (ص: 100)
([38] ) المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء، ج1، ص: 392
([39]) بحار الأنوار: 82/ 163، عن: أمالي الصدوق ص299 .
([40]) بحار الأنوار: 82/ 164، عن: أعلام الدين .
([41]) بحار الأنوار: 82/ 165، عن: أربعين الشهيد .
([42] ) رواه مسلم برقم (489)
([43] ) مستدرك الوسائل 4: 475
([44] ) البخاري- الفتح 2 (806) واللفظ له، مسلم (182)
([45] ) أمالي الشيخ الطوسي: 534.
([46] ) وسائل الشيعة 3: 474
([47]) العلل 2/29، الخصال 1/281 .
([48]) بحار الأنوار: 82/ 161، عن: العيون 1/281 .
([49]) بحار الأنوار: 82/ 163، عن: العلل 1/32 .
([50] ) الكافي 3: 324
([51]) بحار الأنوار: 82/166، عن: الملهوف ص174 .
([52]) بحار الأنوار: 82/ 171، عن: العلل 1/222 .
([53] ) مستدرك الوسائل 4: 466
([54] ) فلاح السائل، ابن طاووس: 133
([55]) بحار الأنوار: 82/ 165، عن: الخرائج .
([56] ) رواه البخاري ومسلم.
([57] ) رواه مسلم
([58] ) رواه مسلم
([59] ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
([60] ) رواه مسلم
([61] ) رواه مسلم
([62] ) فلاح السائل، ابن طاووس: 243
([63] ) الكافي 3: 328
([64] ) التهذيب 2: 111
([65] ) الكافي 3: 323
([66] ) مستدرك الوسائل 4: 463
([67] ) مستدرك الوسائل 4: 463
([68] ) اُصول الكافي 1: 227
([69] ) الكافي 3: 321
([70] ) عيون أخبار الرضا 2: 205
([71] ) وسائل الشيعة، 6: 372
([72] ) الكافي 3: 324
([73] ) الكافي 3: 323
([74] ) الكافي 3: 328