التعرض للنفحات

التعرض للنفحات

كتبت إلي ـ أيها المريد الصادق ـ تسألني عن معنى التعرض للنفحات الذي وردت الإشارة إليه في الحديث الذي يقول: (إن لله في أيام دهركم نفحات ألا فترصدوا لها) ([1])، وكيف يكون ذلك التعرض، وما هي محاله ومواقيته؟

وجوابا على سؤالك الوجيه أذكر لك أن هذا الحديث ـ صح أو لم يصح ـ أصل من أصول السير إلى الله، ذلك أن كل النصوص المقدسة تدل عليه، وكل السالكين في طريق التزكية والترقية حثوا عليه وعلى معناه.

فقوله تعالى في سورة القدر: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 1 – 5]، يدل على أن تلك الليلة المباركة تتشرف بمضاعفة أعمال العاملين فيها، وأن ذلك بسبب تنزلات خاصة من الملائكة عليهم السلام، وأنه يحصل فيها من الخير ما لا يحصل في غيرها.

وكل ذلك يجعل السالكين إلى الله مثل أولئك الذين يسمعون بأن هناك مواعيد تُخفض فيها الأسعار، أو توضع فيها التحفيزات المشجعة على الشراء؛ فلذلك قد يؤجلون شراء بعض احتياجاتهم لتلك الأيام، حرصا عليها، وعلى النفحات الخاصة بها.

وهكذا السائرون في طريق الله يبحثون عن كل مناسبة تتحقق فيها أمثال تلك النفحات الإلهية، والتي لا تتعلق بالأجور فقط، وإنما تتعلق بالفتوح أيضا؛ فقد يفتح الله على من صدق في التعرض لها بأنواع من الفتح لم يكن ليصل إليها بجهده وكسبه لمدد طويلة.

وبما أنك ـ أيها المريد الصادق ـ سألت عن كيفية التعرض لها، فسأورد لك من النصوص المقدسة ما يدلك على محالها، والأعمال المرتبطة بها، والتي يحرص الصادقون عليها حرصا شديدا؛ فهي أعيادهم الحقيقية، ذلك أن كل نفحة منها قد تكون سببا لسعادة الأبد.

وبما أن مصدر تلك النفحات ومنبعها هي رحمة الله الواسعة، وفضله العظيم، فقد أتاح لذلك نوعين من المحال: المكانية والزمانية.. فمن فاته المكان أو عجز عن الوصول إليه، يمكنه أن يستدرك بالزمان.. ومن فاته الزمان يمكنه أن يستدرك بالمكان.

وقد أشار إلى هذا المعنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة) ([2])

وفي رواية أخرى: (من قعد في مصلاه الذي صلى فيه الفجر يذكر الله حتى تطلع الشمس، كان له حج بيت الله) ([3])

فهذا الحديث ـ برواياته المختلفة التي اتفقت عليها جميع الأمة ـ يدل على أن المواقيت الزمانية يمكنها أن تعوض المواقيت المكانية، وخاصة لمن عجز عليها.. حتى لا يكون في ذلك أي عذر أو حجة للمقصرين.

النفحات الزمانية:

إذا عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ وعلمت الفضل العظيم الذي أناطه الله تعالى بالمواقيت الزمنية، والتي تتيسر لكل الخلق؛ فهي لا تحتاج مالا ولا جهدا، بل يكفي أن يعرف المجتهد فيها التواريخ والأزمنة؛ فاجتهد لأن تبحث عنها، وعن الأعمال المرتبطة بها، ولا يضرك أن يشكك البعض في صحة بعض ما ورد فيها ما دام لا يتعارض مع ما ورد في القرآن الكريم من الحقائق والقيم.

وقد أشار إلى مجامع تلك المواقيت القرآن الكريم في مواضع متعددة منه.. وأولها ليلة القدر التي ذكر أنها خير من ألف شهر، ووصفها في موضع آخر بالبركة، وبأنه يفرق فيها كل أمر حكيم، فقال: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الدخان: 1 – 6]

ومنها الليالي العشر التي أقسم الله تعالى بها في قوله: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ } [الفجر: 1، 2]

ومنها شهر رمضان الذي وصفه الله تعالى، فقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [البقرة: 185]، وقد جاء بعد هذه الآية قوله تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة: 186]، وهو ما يدل على الإجابة للدعاء فيه أسرع.

ولم يكتف كرم الله تعالى بهذه المواقيت.. بل جعل في كل يوم مواقيت خاصة ممتلئة بالبركة والنفحات، ومنها وقت السحر الذي أخبر الله عن الجزاء العظيم الذي أعده للمتعرضين لنفحاته، فقال: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 15 – 18]

ومنها المواقيت التي ترتبط بها الصلاة، والتي نص عليها قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 78، 79]

ومنها البكرة والأصيل، كما قال تعالى:{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } [الإنسان: 25]

وقد أخبر الله تعالى أن ذلك الفضل ليس خاصا بما ورد النص عليه في القرآن الكريم، بل إن كل أيام الله يمكن اعتبارها محالا للفضل الإلهي، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم: 5]

ولذلك كان على الساعي لإصلاح نفسه أو إجابة دعائه، أو الترقي في مدارج السالكين، أن يبحث عن المحال التي يمكنه أن يختصر فيها الطريق، وعن الأعمال التي عليه القيام بها فيها، حتى لا تضيع منه تلك الفرص العظيمة.

وبما أني ـ أيها المريد الصادق ـ لا أستطيع في هذه الرسالة المختصرة أن أذكر لك جميع تلك المحال، ولا جميع الأعمال التي تقوم بها فيها، فإني سأذكر لك نماذج عنها، لتعلم قيمة النفحات، والفضل العظيم الذي ينتظر المتعرضين لها.

فمن محالها، وأشرفها، ما ورد النص عليه في القرآن الكريم، من الليلة المسماة لشرفها، وعلاقتها بالأقدار [ليلة القدر]، تلك الليلة التي اعتبرها الله تعالى خيرا من ألف شهر، والتي وردت النصوص الكثيرة الدالة على فضلها، وعلى أنواع الأعمال التي يمكن أن يجتهد المؤمن في القيام بها فيها.

ومن تلك الأحاديث ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عند دخول شهر رمضان: (إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محرومٌ)([4]

ومن دلائل فضلها اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في البحث عنها، فقد حدث أبو سعيد، قال: (اعتكف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصيرٌ، فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة، ثم أطلع رأسه فكلم الناس، فدنوا منه، فقال: (إني اعتكفت العشر الأول، ألتمس هذه الليلة، ثم إني اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت، فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف، فاعتكف الناس معه، قال وإني رأيتها ليلة وتر، وإني أسجد في صبيحتها في طين وماء بنحوه)([5])

وقد شاء الله أن يخفيها، ولا يحددها بدقة، حتى تبقى نفوس الصادقين متلهفة على الظفر بها، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عنها، فقال: (لولا أن يترك الناس الصلاة إلا تلك الليلة لأخبرتك)([6])

وروي عن الإمام علي أنه سئل عنها، فقال: (ما أخلو من أن أكون أعلمها فأستر علمها، ولست أشك أن الله إنما يسترها عنكم نظرا لكم، لأنكم لو أعلمكموها عملتم فيها وتركتم غيرها، وأرجو أن لا تخطئكم إنشاء الله) ([7])

ولذلك لا تحصرها ـ أيها المريد الصادق ـ في أي ليلة من الليالي التي وقع فيها الخلاف، وإن قوي دليله، وعظمت حجته، فما أدراك لعلها في غيره؛ وما يضرك أن تتبع كل ليلة وقع فيها الاحتمال، لأنك إن كسبتها لن تكسب ليلة واحدة، وإنما ثلاثة وثمانين سنة.

وبما أن فضل الله أعظم من أن يحصر في ليلة واحدة في السنة؛ فقد جعل الله تعالى في كل يوم مواقيت خصها بفضله، ومنها ما عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (إن في الليل لساعة لا يوافقها رجلٌ مسلمٌ يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة)([8])

ومنها ما عبر عنه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله ـ جوابا لمن سأله: (أي الدعاء أسمع؟) ـ: (جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبة)([9])

ومنها ما عبر عنه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (الدعاء لا يُرَدُّ بين الأذان والإقامة فادعوا)([10])

ومنها ما عبر عنه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (ثنتان لا تردان، أو قلما تردان، الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضًا)([11])

ومنها ما عبر عنه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء، وتحت المطر)([12])

ومنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: (فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئًا إلا أعطاه إياه)([13])

ومنها ما عبر عنه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ فأكثروا من الدعاء)([14])

ومنها ما عبر عنه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة)([15])

ومنها ما عبر عنه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ـ إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)([16])

ومنها ما عبر عنه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (اغتنموا الدعاء عند الرقة؛ فإنها رحمة)([17])

ومنها ما عبر عنه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (من تعَارَّ ([18]) من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي ـ أو دعا ـ استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته)([19])

أما الأعمال المرتبطة بتلك المواقيت المباركة، فقد ترك لنا أئمة الهدى الكثير من السنن التي ورثوها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتي وثقتها كتب الحديث والسنن والسير.. ويمكنك الاستفادة منها، بشرط عرض معانيها على القرآن الكريم؛ فإن وافقته، فعليك بها، ولا تضيعها، ولا تلتفت لمن يشكك فيها؛ فالمعاني الصحيحة هي المطلوبة، ولا يضر بعد ذلك إن وقع الخلاف في صحتها.

ومن الأمثلة على ذلك ما روي عن الإمام الصادق أنه كان يدعو أصحابه إذا حضر شهر رمضان أن يقولوا في أوله مرحبين به: (اللهم قد حضر شهر رمضان، وقد افترضت علينا صيامه، وأنزلت فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، اللهم أعنا على صيامه، وتقبله منا، وسلمنا فيه، وسلمه منا، وسلمنا له في يسرمنك وعافية، إنك على كل شئ قدير يا أرحم الراحمين) ([20])

فأنت ترى ـ أيها المريد الصادق ـ أن هذه المعاني كلها صحيحة وشرعية، ومناسبة للزمان الذي تردد فيه، ذلك أن فيها تنبيها لقيمة شهر رمضان وفضله، ودعاء الله بالتوفيق فيه.. فأي ضرر في مناقشة السند، أو رد الحديث بسببه؟

ومثله ما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان، والأعمال الواردة فيها؛ فقد سئل عنها الإمام الباقر، فقال: (هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر، فيها يمنح الله تعالى العباد فضله، ويغفر لهم بمنه، فاجتهدوا في القربة إلى الله فيها فإنها ليلة آلى الله تعالى على نفسه أن لا يرد سائلا له فيها، ما لم يسأل معصية.. فاجتهدوا في الدعاء والثناء على الله تعالى عزوجل) ([21])

وقد سئل الإمام الصادق عن الادعية التي تقال فيها؟ فقال: (اللهم إني إليك فقير ومن عذابك خائف مستجير، اللهم لا تبدل اسمي، ولا تغير جسمي، ولا تجهد بلائي، ولا تشمت بي أعدائي، أعوذ بعفوك من عقابك. وأعوذ برحمتك من عذابك وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذبك منك، جل ثناؤك أنت كما أثنيت على نفسك وفوق ما يقول القائلون) ([22])

وروي عن الإمام علي أنه قال: (إن استطعت أن تحافظ على ليلة الفطر وليلة النحر، وأول ليلة من المحرم، وليلة عاشورا، وأول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان فافعل، وأكثر فيهن من الدعاء والصلاة وتلاوة القرآن) ([23])

ومما ورد من الأدعية في شهر رجب ما روي عن الإمام الصادق أنه كان إذا دخل رجب يدعو بهذا الدعاء في كل يوم من أيامه: (خاب الوافدون على غيرك، وخسر المعترضون إلا لك، وضاع الملمون إلا بك، وأجدب المنتجعون إلا من انتجع فضلك، بابك مفتوح للراغبين، وخيرك مبذول للطالبين، وفضلك مباح للسائلين، ونيلك متاح للآملين، ورزقك مبسوط لمن عصاك، وحلمك معترض لمن ناواك، عادتك الاحسان إلى المسيئين وسبيلك الابقاء على المعتدين، اللهم فاهدني هدى المهتدين، وارزقني اجتهاد المجتهدين، ولاتجعلني من الغافلين المبعدين، واغفر لي يوم الدين) ([24])

وسأله بعض أصحاب عن دعاء يدعو به في هذا الشهر، فقال: قل يا معلى: (اللهم إني أسئلك صبر الشاكرين لك، وعمل الخائفين منك، ويقين العابدين لك، اللهم أنت العلي العظيم، وأنا عبدك البائس الفقير، وأنت الغني الحميد، وأنا العبد الذليل، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وامنن بغناك على فقري، وبحلمك على جهلي، وبقوتك على ضعفي يا قوي يا عزيز، اللهم صل على محمد وآل محمد الاوصياء المرضيين، واكفني ما أهمني من أمر الدنيا والاخرة يا أرحم الراحمين)، ثم قال له: (يا معلى والله لقد جمع لك هذا الدعاء ما كان من لدن إبراهيم الخليل إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم)([25])

وغيرها من الأعمال والأدعية والأذكار التي تيسر على السائرين إلى الله التعرف على كيفية مناجاة ربهم ودعائه والتأدب بين يديه، وهي كلها تحوي من المعاني ما يملأ النفس والعقل والقلب وكل اللطائف بحقائق الدين الجميلة المنزهة عن تلك التحريفات التي ألصقت بالدين وشوهته.

النفحات المكانية:

أما النفحات المكانية ـ أيها المريد الصادق ـ فهي مرتبطة بتلك الأماكن الشريفة المقدسة التي أمر الله تعالى بتعظيمها، ونهى عن انتهاك حرمتها وقدسيتها، فقال: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]

والآية الكريمة لا تدعو إلى تعظيم أحكام الشريعة فقط، وإنما تدعو إلى تعظيم كل ما يرتبط بها من أشخاص أو أزمنة أو أمكنة، ذلك أن المتجرئ على انتهاك حرمتها ينتهك الشريعة من حيث لا يشعر.

ولذلك اعتبر الله تعالى الصفا والمروة من شعائر الله، فقال: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 158]

وسر ذلك يعود إلى ارتباطهما بتلك الأحداث العظيمة التي مثلت التضحية والاستسلام لله في أجلى وأجمل صوره، كما عبر عن ذلك بعضهم، فقال: (أصل السعي أن يتذكر الإنسان حال أم إسماعيل، فإنها لما خلَّفها إبراهيم عليه الصلاة والسلام هي وابنها في هذا المكان، وجعل عندها سقاءً من ماء، وجراباً من تمر، فجعلت الأم تأكل من التمر وتشرب من الماء، وتسقي اللبن لولدها، فنفدَ الماء ونفد التمر، فجاعت وعطشت، ويبس ثديها، جاع الصبي، وجعل يتلوى من الجوع، فأدركتها الشفقة، فرأت أقرب جبل إليها الصفا فذهبت إلى الصفا، وجعلت تتحسس لعلها تسمع أحداً، ولكنها لم تسمع، فنزلت إلى الاتجاه الثاني إلى جبل المروة، ولما هبطت في بطن الوادي نزلت عن مشاهدة ابنها، فجعلت تسعى سعياً شديداً، حتى تصعد لتتمكن من مشاهدة ابنها، ورقيت لتسمع وتتحسس على المروة، ولم تسمع شيئاً، حتى أتمت هذا سبع مرات ثم أحست بصوت، ولكن لا تدري ما هو، فإذا جبريل نزل بأمر الله عزّ وجل، فضرب بجناحه أو برجله الأرض مكان زمزم الآن) ([26])

ومثل ذلك نجد ما ورد في أحكام شعائر الحج من رمى الجمار، والمرتبط أيضا ـ حسبما هو متفق عليه بين الأمة جميعا ـ على ما فعله إبراهيم عليه السلام، ففي الرواية عن الإمام علي والإمام السجاد والإمام الكاظم أن علة رمي الجمرات هي مواجهة نبي الله إبراهيم عليه السلام الشيطان حينما أراد أن يذبح ولده إسماعيل عليه السلام([27]).

وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لما أتى إبراهيم خليل الله عليه السلام المناسك، عرض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبع حصيات، حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية، فرماه بسبع حصيات، حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له في الجمرة الثالثة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض. قال ابن عباس: الشيطان ترجمون، وملة أبيكم تتبعون) ([28])

ومثل ذلك ما ورد من الأحاديث والآثار الدالة على أن جماعة من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام مدفونون في المسجد الحرام ما بين زمزم والمقام، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن منهم نوحاً، وهوداً وصالحاً، وشعيباً، وأن قبورهم بين زمزم والحجر، وكذلك ورد في قبر إسماعيل أنه بالمسجد الحرام([29]).

وهذا كله يدل على أن كل محل يدفن فيه الصالحون، أو تحدث فيه أحداث مرتبطة بهم، يمكن اعتباره من الأماكن المباركة، مثله مثل الأزمنة المباركة التي شرفها الله تعالى بحصول أحداث عظيمة فيها.

ولهذا أخبر الله تعالى عن فهم إبراهيم عليه السلام لهذا المعنى، وإدراكه له، ولهذا سعى لبناء الكعبة، وسأل الله أن تظل الأفئدة تهوى لها، قال تعالى حاكيا دعاءه: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (إبراهيم:37)

وذكر بعض أسرار فضله وبركته، فقال: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ} (آل عمران:96)

ولهذا خص بتلك الشعائر الخاصة، قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (آل عمران: 97)

وقد ورد في الأحاديث الكثيرة ما يبين عظم أجر من انتهز فرصة وجوده في تلك الأماكن الممتلئة بالبركات والنفحات، ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) ([30])

وهذا يدل على أن الصادق في حجه، المتأثر به، المنفعل له، العازم على تصحيح كل ما وقع فيه من أخطاء، سيتخلص من ذنوبه وآفاته جميعا، سواء تلك التي سجلت في صحيفة سيئاته، أو تلك التي سجلت في نفسه.

وهكذا أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن مضاعفة الأجور لمن صلى في تلك الأماكن المباركة، وهو يدل على عظمة تأثيرها في النفس، وكون أدوارها فيها أكبر من أدوار غيرها، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه) ([31])

والنفحات لا ترتبط بالأجور، ولا بالنفحات فقط، وإنما بإجابة الدعاء، وقد ورد في الحديث في صفة حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيه: (فبدأ بالصفا فَرَقِيَ حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحد الله، وكبره، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا مرات)([32])

وفيه: (ثم نزل إلى المروة، حتى انصبَّتْ قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صَعِدَتا مشى، حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا) ([33])

وفيه: (ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعاه، وكبره، وهلله، ووحده، فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًا)([34])

وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وآله وسلم: (الغازي في سبيل الله، والحاج، والمعتمر ـ وفد الله،دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم)([35])

بل إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بما هو فوق ذلك كله، وهو أن تلك الأماكن المقدسة المباركة قطع من الجنة، ولذلك ينال كل من عظمها وقدسها وتأدب معها من بركات الجنة، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ما بين بيتي ومنبري روضةٌ من رياض الجنة، ومنبري على حوضي)([36])، وقال: (إن قوائم منبري هذا رواتب في الجنة) ([37])

وقال عن جبل أحد الذي حصلت فيه غزوة أحد، ودفن في جمع من الصحابة: (أحد ركن من أركان الجنة)([38])، وقال: (أحدٌ جبلٌ يحبنا ونحبه، فإذا جئتموه فكلوا من شجره، ولو من عضاهه) ([39])، وقال: (هذا جبل يحبنا ونحبه، على باب من أبواب الجنة، وهذا عير جبل يبغضنا ونبغضه على باب أبواب النار)([40])

وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن الأجور العظيمة التي ينالها من زار قبره، فقال: (من زار قبري وجبت له شفاعتي)([41])، وقال: (من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي، ومن مات بأحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة)([42])، وقال: (من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا وشهيدا)([43])

وهكذا روي عن أئمة الهدى الكثير من الروايات الدالة على الفضل العظيم الذي يناله من زارهم، أو زار الأماكن التي حصلت فيها الأحداث المرتبطة بهم، باعتبارها امتدادا للنبوة.

ومن تلك الأماكن كربلاء التي ارتبطت بأعظم ملحمة تاريخية وقف فيها الحق كله، في وجه الباطل كله، ولذلك كان لزيارتها وزيارة الإمام الحسين تأثيرها وبركاتها العظيمة على الزائرين، وقد روي في الحديث عن الإمام الصادق أنه قال: بينما الحسين بن عليّ في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ رفع رأسه فقال له: (يا أبة، ما لمن زارك بعد موتك، فقال: يا بنيّ، من أتاني زائرا بعد موتي فله الجنّة، ومن أتى أباك زائرا بعد موته فله الجنّة، ومن أتى أخاك زائرا بعد موته فله الجنّة، ومن أتاك زائرا بعد موتك فله الجنّة) ([44])

وعنه قال: قال الحسين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما جزاء من زارك؟ فقال: (يا بنيّ، من زارني حيّا أو ميّتا أو زار أباك أو زار أخاك أو زارك كان حقّا عليّ أن أزوره يوم القيامة حتّى أخلّصه من ذنوبه) ([45])

وبناء على هذه السنة النبوية نص أئمة الهدى على فضل زيارة الإمام الحسين وغيره من الأئمة، وكونها من أعظم القربات لله تعالى، لما لها من أدوار روحية وتربوية كبيرة، وأهمها إثبات صدق الولاء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولأهل بيته، وحفظ وصيته في حقهم، وقد ذكر ذلك الإمام الرضا، فقال: (إنّ لكلّ إمام عهدا في عنق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا لما رغبوا فيه كان أئمّتهم شفعائهم يوم القيامة) ([46])

وقال الإمام الصادق: (لو أنّ أحدكم حجّ دهره ثمّ لم يزر الحسين بن عليّ عليهما السّلام لكان تاركا حقّا من حقوق الله وحقوق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأنّ حقّ الحسين فريضة من الله واجبة على كلّ مسلم) ([47])

ومع ذلك كله، فإن الله تعالى برحمته ولطفه وكرمه لم يحرم العاجزين عن الرحلة لتلك الأماكن المقدسة من نيل ثواب النفحات المكانية، ذلك أنه جعل المساجد الموجودة في كل محل محالا للبركة والهداية بشرط إقامتها للتقوى، وعدم نشرها للفتن وتفريقها بين المسلمين.

وقد قال تعالى يذكر ذلك: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور: 36- 38]، وقال: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18]

ولهذا ورد في الأحاديث الكثيرة ما يبين فضل المساجد وعمارتها بالذكر والصلاة وغيرها، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)، وذكر منهم: (ورجلٌ قلبه معلقٌ في المساجد) ([48]) وفي: (ورجلٌ معلقٌ بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه).

وأخبر أن آثار الماشين إلى المساجد تحفظ لهم، فعن جابر قال: (أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد، قال: والبقاع خاليةٌ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم، فقالوا: ما كان يسرنا أنا كنا تحولنا) ([49])

 ولذلك روي عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان لا بيت أبعد من بيته عن المسجد، وكان لا تخطئه الصلاة مع الجماعة، ولا يرغب في أن يكون بيته إلى جوار المسجد، فقيل له: لو اشتريت حمارا تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، فقال: (ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي)، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (قد جمع الله لك ذلك كله) ([50])

وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن تأثير الذهاب إلى المساجد في محو الخطايا، لا من سجل السيئات فقط، وإنما من سجل النفس أيضا، فقال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات)، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط)([51])، وقال: (من راح إلى مسجد جماعة، فخطوتاه خطوةٌ تمحو سيئة، وخطوةٌ تكتب حسنة، ذاهبا وراجعا)([52])

وشبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذاهب إلى المسجد بالحاج، فقال: (من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم) ([53])

 وبشر الذاهب إلى المساجد بكونه في ضمانة الله تعالى، فقال: (ثلاثةٌ كلهم ضامنٌ على الله عز وجل: رجلٌ خرج غازيا في سبيل الله فهو ضامنٌ على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر وغنيمة، ورجلٌ راح إلى المسجد فهو ضامنٌ على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر وغنيمة، ورجلٌ دخل بيته بسلام فهو ضامنٌ على الله عز وجل) ([54])

 وأخبر أن السائر إلى المسجد يشبه المصلي، فلذلك دعا إلى مراعاة الآداب أثناء السير لها، فقال: (إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد، كان في صلاة حتى يرجع، فلا يقل هكذا: وشبك بين أصابعه) ([55])

 وأخبر عن الأجر العظيم الذي يناله السائرون للمساجد في الليل، فقال: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) ([56])

 وأخبر أن الذاهب إلى المسجد كالزائر لله تعالى، فقال: (من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد فهو زائر الله، وحقٌ على المزور أن يكرم الزائر) ([57])

وأخبر عن إكرام الله تعالى للزائرين للمساجد، باعتبارهم زوارا له، فقال: (من غدا إلى المسجد وراح أعد الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح) ([58])

وفوق ذلك، فإن من رحمة الله تعالى بعباده، ومراعاته لظروفهم المختلفة، تمكينهم من أن ينالوا نفحات الأماكن المباركة، وهم في بيوتهم، من غير أن يخرجوا منها، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } [يونس: 87]

وفي الحديث، أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل، وأنا رجلٌ ضرير البصر، فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أين تحب أن أصلي ؟ فأشار إلى مكان من البيت، فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ([59])

وروي عن الإمام الصادق أنه قال: (كان لعلي بيت ليس فيه شئ إلا فراش وسيف ومصحف وكان يصلي فيه) ([60])

هذا ـ أيها المريد الصادق ـ بعض ما ورد في المحال التي تتنزل فيها النفحات؛ فابحث عنها، واحرص عليها، واستفد من بركاتها، ولا تكتف بظاهرها، بل اعبر منها إلى حقائقها وبواطنها؛ فالله ما شرفها ذلك التشريف، ولا أنزل فيها تلك البركات إلا للحقائق التي تحويها، والمعاني التي تحملها.


([1]) بحار الأنوار (77/ 168)

([2]) رواه الترمذي (586)

([3]) دعائم الاسلام ج 1 ص 167.

([4]) ابن ماجة (1644)

([5]) مسلم (1167) 215.

([6]) ذكره الهيثمي 3/178، وقال: رواه الطبراني في (الكبير).

([7]) بحار الأنوار (97/ 5)

([8]) مسلم (757).

([9])  الترمذي (3499)، والنسائي في عمل اليوم والليلة(108)

([10])  رواه أبو داود (521)، والترمذي (212)

([11])  رواه أبو داود (2540)، والدارمي (1200)

([12]) الحاكم 2/114، وأبو داود (3540)

([13]) رواه البخاري(935)، ومسلم (852)

([14]) رواه مسلم(482)

([15]) رواه الترمذي(3585)، ومالك(500)

([16]) رواه مسلم(234)

([17]) الديلمي في مسند الفردوس، فيض القدير للمناوي 2/16 رقم(1211)

([18])  تعارّ: قيل: استيقظ، وقيل: انتبه، وقيل: تكلم، وقيل:تمطى.

([19])  رواه البخاري(1154)

([20]) تفسير العياشى ج 1 ص 80.

([21]) أمالى الطوسى ج 1 ص 302 ـ 303.

([22]) مصباح المتهجد: 577.

([23]) مصباح المتهجد: 593.

([24]) بحار الأنوار (98/ 389)

([25]) بحار الأنوار (98/ 390)

([26]) الشرح الممتع على زاد المستقنع، (7/ 269)

([27]) بحار الأنوار، ج 96، ص 39.

([28]) الحاكم (1/ 638)، وقال: (صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)

([29]) انظر: إحياء المقبور من أدلة جواز بناء المساجد والقباب على القبور، ص 11، وما بعدها، وصيانة الآثار الإسلاميّة، الشيخ جعفر السبحاني، ص 26، فما بعدها.

([30]) البخاري 3/382، ومسلم 1/984.

([31]) رواه أحمد 3/343، 397

 ([32]) رواه مسلم(1218)

 ([33]) رواه مسلم(1218)

([34])  رواه مسلم(1218)

([35])  رواه ابن ماجة(2893)

([36]) البخاري (1196)، ومسلم (1391).

([37]) النسائي 2/35..

([38]) أبو يعلى 13/427(7516)، والكبير 6/151 (5813)

([39]) البخاري (2889) ومسلم (1393).

([40]) البزَّار كما في (كشف الأستار) (1199)،والأوسط (6505)

([41]) سنن الدارقطني 2 / 278 / 194، السنن الكبرى للبيهقي 5 / 245، شعب الإيمان للبيهقي 3 / 49

([42]) الدارقطني في سننه (2/278)، البيهقي في شعب الإيمان (3/488)

([43])البيهقي في شعب الإيمان (3/488)

([44]) كامل الزيارات، ص 10.

([45]) كامل الزيارات، ص 11.

([46]) كامل الزيارات، ص 21.

([47]) كامل الزيارات، ص 122.

([48]) رواه البخاري ومسلم.

([49]) رواه مسلم.

([50]) رواه مسلم

([51]) رواه مسلم.

([52]) رواه ابن حبان

([53]) رواه أبو داود

([54]) رواه أبو داود

([55]) رواه ابن خزيمة

([56]) رواه الترمذي

([57]) رواه الطبراني

([58]) رواه البخاري.

([59]) رواه البخاري (667)، ومسلم (33)

([60]) المحاسن: 612.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *