ثانيا ـ تعظيم ابن تيمية للمشبهة والمجسمة: 1 ـ دعوة ابن تيمية إلى مطالعة الكتب المشحونة بالتجسيم والتشبيه

ثانيا ـ تعظيم ابن تيمية للمشبهة والمجسمة
بعد أن ساق الميلاني من الأدلة ما ساق مما ذكرته لكم قام الخليلي، وقال: بعد أن اتضح لكم – سيدي القاضي – ما ذكره ابن تيمية تصريحا أو تلميحا حول موقفه من التجسيم.. أريد أن أسوق لك الدليل الثاني إن إذنت لي في ذلك.
قال القاضي: قبل أن تسوقه اذكر لي وجه الاستدلال به..
قال الخليلي: وجه الاستدلال به – سيدي – واضح، وأنتم معشر القضاة أعرف الناس به.. ألست تعتبرون من يزكي المجرمين ويثني عليهم ويكتم جرائمهم مجرما؟
قال القاضي: بلى.. وهو ما يقتضيه العقل.. بل ما يقتضيه النقل، فقد قال تعالى: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ [البقرة: 283]، فكاتم الشهادة لم يكتمها إلا ليحمي جهة ما.
قال الخليلي: بورك فيك سيدي القاضي، وانطلاقا من هذا سأنتدب شاهدين عدلين يدلان على أن ابن تيمية يحصر الصالحين والربانيين بل والمهتدين من الأمة في المجسمة فحسب.. أما من عداهم، فكلهم يعتبره مبتدعا ضالا إن لم يكن زنديقا كافرا.
أما أولهما، فيبين لكم – سيدي القاضي – دعوات ابن تيمية الصريحة لقراءة كتب التجسيم، بل حصره العقيدة الصحيحة فيها.. وهو ما دعا الأجيال بعده إلى إحيائها وتحقيقها، بل وتدريسها لطلبة العلم.
وأما الثاني، فدفاعه المستميت عن المجسمة في وجه الذين ينتقدونهم أو يبدعونهم، وسكوته عن التشويهات الخطيرة التي شوهوا بها الدين والعقيدة.
1 ـ دعوة ابن تيمية إلى مطالعة الكتب المشحونة بالتجسيم والتشبيه:
قال القاضي: هات الشاهد الأول.
قال الخليلي: الدارس لكتب ابن تيمية – سيدي القاضي – يلاحظ أنه مع تحذيراته الكثيرة من كتب المنزهة في العقائد ككتب الأشاعرة والمعتزلة والإباضية والإمامية وتشنيعه عليها – كما سنبرهن لكم على ذلك في الأدلة التالية – نراه يدعو إلى مطالعة الكتب المشحونة بالتجسيم والتشبيه، ويعتبرها وحدها كتب التوحيد والسنة.. لقد قال في (مجموع الفتاوى) عند حديثه عن مذهب السلف في الأسماء والصفات: (وكلام السلف في هذا الباب موجود في كتب كثيرة لا يمكن أن نذكر هاهنا إلا قليلاً منه مثل كتاب (السنن) للالكائي، و(الإبانة) لابن بطة، و(السنة) لأبي ذر الهروي، و(الأصول) لأبي عمرو الطلمنكي، وكلام أبي عمر بن عبدالبر، و(الأسماء والصفات) للبيهقي، وقبل ذلك (السنة) للطبراني، ولأبي الشيخ الأصبهاني ولأبي عبدالله بن منده ولأبي أحمد العسّال الأصبهانيين، وقبل ذلك (السنة) للخلاّل، و(التوحيد) لابن خزيمة، وكلام أبي العباس بن سريج، و(الرد على الجهمية) لجماعة مثل: البخاري، وشيخه عبدالله بن محمد بن عبدالله الجعفي، وقبل ذلك (السنة) لعبدالله بن أحمد، و(السنة) لأبي بكر بن الأثرم، و(السنة) لحنبل، وللمروزي ولأبي داود السجستاني، ولابن أبي شيبة، و(السنة) لأبي بكر بن أبي عاصم، وكتاب (خلق أفعال العباد) للبخاري، وكتاب (الرد على الجهمية) لعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهم)([1])
قال القاضي: هل يمكنك أن تورد لنا بعض ما في هذه الكتب حتى نتبين صحة ما قلت.
قال الخليلي: سأورد لك سبعة أمثلة توضح لك هذا أتم توضيح.
قال القاضي: فهات المثال الأول.
قال الخليلي: المثال الأول كتابان لعثمان بن سعيد الدارمي.. يعتبرهما ابن تيمية من كتب السنة، وقد أكثر من النقل عنها في كتبه.. وهما كتاب (الرد على الجهمية) وكتاب (نقض عثمان بن سعيد على المريسي العنيد).. وقد قال ابن القيم تلميذ ابن تيمية يخبر عن اهتمام ابن تيمية بهما: (وكتاباه من أجل الكتب المصنفة في السنة وأنفعها، وينبغي لكل طالب سنة مراده الوقوف على ما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة أن يقرأ كتابيه. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يوصي بهذين الكتابين أشد الوصية ويعظمهما جداً. وفيهما من تقرير التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهما)([2])
إن هذين الكتابين – سيدي القاضي- من أهم كتب التجسيم.. فقد احتج فيهما بكثير من الأسانيد الواهية والمتون المنكرة التي تخالف التنزيه، وأثبت فيهما أن العرش يئط من ثقل الجبار فوقه، وأنه ينزل في الليل إلى جنة عدن وهي مسكنه يسكن معه فيها النبيون والصديقون والشهداء، وأنه يهبط من عرشه إلى كرسيه، ثم يرتفع عن كرسيه إلى عرشه، وفيهما إثباتَ الحركة لله عز وجل، وإثباتُ الحد، وأنه مس آدم مسيساً بيده، وأنه يقعد على العرش فما يفضل منه إلا قدر أربعة أصابع، وأنه قادر على الاستقرار على ظهر بعوضة، وأنه إذا غضب ثقل على حملة العرش، وأن رأس المنارة أقرب إليه من أسفلها، وغير ذلك مما هو مبسوط في موضعه ([3]).
وفوق ذلك كله عقد فيه باباً في تكفير الجهمية، وباباً في قتلهم واستتابتهم من الكفر.. ولا يخفى عليك – سيدي القاضي- أن الجهمية مصطلح تشنيع لا يراد به فرقة انتسبت إلى الجهم بن صفوان لأن الجهم مات، وماتت معه أفكاره إلا أن الدارمي ومن تابعه يعنون بالجهمية من خالفهم في صفات الله عز وجل فيدخل في هذا الوصف المعتزلة وأهل السنة من الأشاعرة والماتريدية.
التفت القاضي إلي، وقال: هل بحثت فيما قال؟
قلت: أجل – سيدي القاضي- والكتابان بين يدي في البرنامج الذي ذكرت لكم، وهو من المصادر التي يعتمد عليها التيميون.. وفيه كل ما ذكره الخليلي.. ولكن الذي ساءني منه أنه بعد أن ذكر كل تلك التجسيمات لله طالب بقتل كل من ينكرها باعتباره جهميا، فقد عقد فصلا مطولا لذلك حرض على قتلهم بكل صنوف القتل.. ومما جاء فيه قوله: (ولو لم يكن عندنا حجة في قتلهم وإكفارهم إلا قول حماد بن زيد، وسلام بن أبي مطيع، وابن المبارك، ووكيع، ويزيد بن هارون، وأبي توبة، ويحيى بن يحيى، وأحمد بن حنبل، ونظرائهم، رحمة الله عليهم أجمعين، لجبنا عن قتلهم وإكفارهم بقول هؤلاء، حتى نستبرئ ذلك عمن هو أعلم منه وأقدم، ولكنا نكفرهم بما تأولنا فيهم من كتاب الله عز وجل، وروينا فيهم من السنة، وبما حكينا عنهم من الكفر الواضح المشهور، الذي يعقله أكثر العوام، وبما ضاهوا مشركي الأمم قبلهم بقولهم في القرآن، فضلا على ما ردوا على الله ورسوله من تعطيل صفاته، وإنكار وحدانيته، ومعرفة مكانه، واستوائه على عرشه بتأويل ضلال، به هتك الله سترهم، وأبد سوءتهم، وعبر عن ضمائرهم، كلما أرادوا به احتجاجا ازدادت مذاهبهم اعوجاجا، وازداد أهل السنة بمخالفتهم ابتهاجا، ولما يخفون من خفايا زندقتهم استخراجا)([4])
التفت القاضي إلى الخليلي، وقال: وعيت هذا.. فهات المثال الثاني.
قال الخليلي: المثال الثاني(كتاب السنة) لابن أبي عاصم.. تأمل في التسمية – سيدي القاضي- لقد صارت السنة تساوي التجسيم.. هذا الكتاب التجسيمي ألفه أبو بكر بن أبي عاصم أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني من أهل البصرة ([5]).
وقد أثبت في كتابه هذا الكثير من الأخبار المنكرة، واعتبرها ظواهر لا يجوز تأويلها، ومنها أن الله خلق آدم على صورة وجهه، وعلى صورة الرحمن، وأنه تجلى للجبل منه مثل الخنصر، وأن العرش يئط به من ثقله، وأنه يقعد محمداً صلى الله عليه وآله وسلم معه على العرش، وأن المؤمنين يجالسون الله عز وجل في الجنة وغير ذلك.
التفت القاضي إلي، وقال: هل حقا ما ذكر؟
قلت: أجل – سيدي القاضي- وفيه أمور لا يستطيع لساني أن يذكرها.. إنه يتعامل مع الله، وكأنه شخص كسائر الأشخاص.. تصور أنه عقد بابا على أن الله يمكن أن يسمى شخصا أورد فيه هذا الحديث: (لا شخص أغير من الله تعالى، ولا شخص أحب إليه العذر من الله عز وجل، ومن أجل ذلك بعث الرسل مبشرين ومنذرين، ولا شخص أحب إليه المدح من الله تعالى، ومن أجل ذلك وعد الجنة)([6])
وعقد بابا ذكر فيه ثقل الله تعالى أورد فيه هذا الحديث: (إن عرشه فوق سبع سماوات، وإن له لأطيطا كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله)([7])
التفت القاضي إلى الخليلي، وقال: وعيت هذا.. فهات المثال الثالث.
قال الخليلي: المثال الثالث (كتاب السنة) المنسوب إلى عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل.. فلهذا الكتاب أهمية كبرى عند ابن تيمية وتلاميذه حتى أنهم بذلوا كل جهودهم في نسبة الكتاب إلى مؤلفه، وفي الرد على من ينزه الإمام أحمد وولده عن أن يخوض في مثل هذه المسائل.
ومما اشتمل عليه هذا الكتاب من التجسيم([8]): وصفُه الله تعالى بالجلوس على العرش، وإثبات صدر له وذراعين، وإثبات الثقل والصورة التي صور عليها آدم، وأنه على كرسي من ذهب تحمله أربعة من الملائكة، وأنه واضع رجليه على الكرسي، وأن الكرسي قد عاد كالنعل في قدميه، وأنه إذا أراد أن يخوف أحداً من عباده أبدى عن بعضه، وأنه قرَّب داودَ عليه السلام حتى مس بعضه وأخذ بقدمه وغير ذلك مما سيكشف عنه البحث.
ومما اشتمل عليه في حق الإمام أحمد أنه نقل عنه تصحيح الأخبار التي تثبت جلوسَه عز وجل على العرش وحصولَ الأطيط من هذا الجلوس، وأنه واضع رجليه على الكرسي وأن الكرسي موضع قدميه، وأنه يقعد على العرش فما يفضل منه إلا قيد أربعة أصابع. وغير ذلك.
التفت القاضي إلي، وقال: هل حقا ما ذكر؟
قلت: أجل – سيدي القاضي- وفيه أخطر من ذلك، وهو تكفير كل من ينكر أمثال تلك العقائد.. ومن أمثلة ذلك أنه اشتمل على مجموعة كبيرة من الاتهامات والشتائم التي وجهها السلف لأبي حنيفة من أمثال: (كافر، زنديق، مات جهمياً، ينقض الإسلام عروة عروة، ما ولد في الإسلام أشأم ولا أضر على الأمة منه، وأنه أبو الخطايا، وأنه يكيد الدين، وأن الخمارين خير من أتباع أبي حنيفة، وأن الحنفية أشد على المسلمين من اللصوص، وأن أصحاب أبي حنيفة مثل الذين يكشفون عوراتهم في المساجد، وأن أباحنيفة سيكبه الله في النار، وأنه أبو جيفة، وأن المسلم يؤجر على بغض أبي حنيفة وأصحابه، وأنه لا يسكن البلد الذي يذكر فيه أبو حنيفة، وأن استقضاء الحنفية على بلد أشد على الأمة من ظهور الدجال، وأنه من المرجئة، ويرى السيف على الأمة، وأنه أول من قال القرآن مخلوق، وأنه ضيع الأصول، ولو كان خطؤه موزعاً على الأمة لوسعهم خطأً، وأنه يترك الحديث إلى الرأي، وأنه يجب اعتزاله كالأجرب المعدي بجربه، وأنه ترك الدين، وأن أبا حنيفة وأصحابه شر الطوائف جميعاً، وأنه لم يؤت الرفق في دينه، وأنه ما أصاب قط، وأنه استتيب من الكفر مرتين أو ثلاثاً، واستتيب من كلام الزنادقة مراراً، وأن بعض فتاواه تشبه فتاوى اليهود، وأنه ما ولد أضر على الإسلام من أبي حنيفة، وأن الله ضرب على قبر أبي حنيفة طاقاً من النار، وأن بعض العلماء حمدوا الله عندما سمعوا بوفاة أبي حنيفة، وأنه من الداء العضال، وأن كثيراً من العلماء على جواز لعن أبي حنيفة، وأنه كان أجرأ الناس على دين الله)([9])
التفت القاضي إلى الخليلي، وقال: وعيت هذا.. فهات المثال الرابع.
قال الخليلي: المثال الرابع (كتاب السنة) لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد البغدادي الخلال، والذي قرر فيه قعود النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع الباري سبحانه على الفضلة التي تفضل من العرش. وحشر مع ذلك نقولاً عن بعض المحدثين في تكفير منكره ورميه بالبدعة والتجهم وغير ذلك.. وفيه أن الله عز وجل ينادي: يا داود اُدن مني فلا يزال يدنيه حتى يمس بعضه ويقول: كن أمامي فيقول رب ذنبي ذنبي، فيقول الله له كن خلفي خذ بقدمي.
التفت القاضي إلي، وقال: هل حقا ما ذكر؟
قلت: أجل – سيدي القاضي- بل إنه بعد كل ذلك الإطناب في التكفير والتبديع للمخالفين قال في آخر كتابه: (وبعد هذا أسعدكم الله فلو ذهبنا نكتب حكايات الشيوخ والأسانيد والروايات لطال الكتاب غير أنا نؤمل من الله عز وجل أن يكون في بعض ما كتبنا بلغةٌ لمن أراد الله به فثقوا بالله وبالنصر من عنده على مخالفيكم فإنكم بعين الله بقربه وتحت كنفه)([10])
التفت القاضي إلى الخليلي، وقال: وعيت هذا.. فهات المثال الخامس.
قال الخليلي: المثال الخامس (كتاب التوحيد) لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابورى.. والذي عقد فيه بابا بعنوان إثبات الأصابع لله عز وجل، وبابا في إثبات القدم، ونحو ذلك.. وقد أخرج فيه متوناً منكرة وأسانيدَ واهيةً، منها ما جاء في أن الكرسي موضع قدميه، وأن العرش يئط به، وأنه تجلى منه مثل طرف الخنصر، وأنه يهبط ثم يرتفع، وأنه ينزل إلى سماء الدنيا بروحه وملائكته فينتفض تعالى عن ذلك علواً كبيراً، وأن جنة عدن مسكنه، وأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب يحمله أربعة من الملائكة، وغير ذلك.
التفت القاضي إلي، وقال: هل حقا ما ذكر؟
قلت: أجل – سيدي القاضي- وهو مملوء بالتجسيمات والتشبيهات.. وهو عندما يريد أن ينزه الله تعالى يأتي بالغرائب.. وهذا مثال على باب من أبواب الكتاب هذا عنوانه: (باب من صفة تكلم الله عز وجل بالوحي والبيان أن كلام ربنا عز وجل لا يشبه كلام المخلوقين، لأن كلام الله كلام متواصل، لا سكت بينه، ولا سمت، لا ككلام الآدميين الذي يكون بين كلامهم سكت وسمت، لانقطاع النفس أو التذاكر، أو العي، منزه الله مقدس من ذلك أجمع تبارك وتعالى)([11]) ، فالتنزيه عنده هو تنزيه الله عن السكوت بين الكلمات والجمل..
وهكذا عنون بابا آخر بقوله: (باب ذكر سنة ثامنة تبين وتوضح: أن لخالقنا جل وعلا يدين كلتاهما يمينان، ولا يسار لخالقنا عز وجل، إذ اليسار من صفة المخلوقين، فجل ربنا عن أن يكون له يسار، مع الدليل على أن قوله عز وجل: ﴿بل يداه مبسوطتان﴾ [المائدة: 64] ، أراد عز ذكره باليدين، اليدين ، لا النعمتين كما ادعت الجهمية المعطلة)([12])
التفت القاضي إلى الخليلي، وقال: وعيت هذا.. فهات المثال السادس.
قال الخليلي: المثال السادس (كتاب العرش وماروي فيه) لمحمد بن عثمان بن أبي شيبة.. وقد ذكر في هذا الكتاب أن أقرب الخلق إلى الله جبريل وميكائيل وإسرافيل، بينهم وبين ربهم مسيرة خمسمائة عام، وأن السماء منفطرة من ثقل الله، وأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه في روضة خضراء وغير ذلك.
التفت القاضي إلي، وقال: هل حقا ما ذكر؟
قلت: أجل – سيدي القاضي- وهو كما ذكر مشحون بأدلة التجسيم والتشبيه.. والذي آلمني هو ما قاله محقق الكتاب في مقدمته تعظيما لشأنه.. لقد قال: (ولقد صنف كثير من السلف وبخاصة في القرنين الثالث والرابع الهجريين مؤلفات ورسائل كثيرة في مسائل أسماء الله وصفاته، فبينوا فيها ما يجب على المسلم تجاه هذا الأمر العظيم، وقد اعتمدوا في تصانيفهم تلك على نصوص القرآن والسنة، وقد كان من ضمن تلك المؤلفات كتاب (العرش) للحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وقد عالج المصنف- رحمه الله- في هذا الكتاب مسألة تعد من أهم مسائل الأسماء والصفات، بل ومن أهم مسائل العقيدة وأخطرها، ألا وهي: مسألة علو الله عز وجل على خلقه، واستوائه على عرشه)([13])
التفت القاضي إلى الخليلي، وقال: وعيت هذا.. فهات المثال السابع.
قال الخليلي: المثال السابع (كتاب الأربعين في دلائل التوحيد) لأبي إسماعيل عبد الله بن محمد الهروي.. وفيه من أمثلة التجسيم أن محمداًصلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه في صورة شاب أمرد في قدميه خضرة.. وفيه باب ذكر فيه أن الله عز وجل وضع قدمه على الكرسي، وباب في إثبات الجهات لله عز وجل، وباب في إثبات الحد، وباب في إثبات الخط، وباب في إثبات الصورة، وباب في إثبات العينين، وباب في إثبات الهرولة..
التفت القاضي إلي، وقال: هل حقا ما ذكر؟
قلت: أجل – سيدي القاضي- هو كما ذكر.. وأنا أعرف الرجل.. والذي آلمني هو
شدته على المخالفين.. وقد رأيت الكثير من السلفيين من المعاصرين يستدلون بكلامه في
تكفير غيرهم وتبديعه..
([1]) (مجموع الفتاوى) (5/ 24).
([2]) اجتماع الجيوش 143
([3]) انظر: الفكر التجسيمي.
([4]) الرد على الجهمية للدارمي (ص: 213).
([5]) انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 13/430
([6]) السنة لابن أبي عاصم (1/ 230)
([7]) السنة لابن أبي عاصم (1/ 252).
([8]) انظر: الفكر التجسيمي.
([9]) السنة، أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد من ص 180 -ص120.
([10]) السنة 1/265
([11]) التوحيد لابن خزيمة (1/ 349)
([12]) التوحيد لابن خزيمة (1/ 159).
([13]) العرش وما رُوِي فيه، أبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة العبسي، (ص: 6).