الغدر والخيانة

كتبت إلي ـ أيها المريد الصادق ـ تسألني عن الغدر والخيانة، وسر كونهما من صفات المنافقين، والمنابع التي ينبعان منها، والثمار التي يثمرانها، وكيفية التخلص منهما.
وجوابا على سؤالك الوجيه أذكر لك أن كلا المثلبين اللذين سألت عنهما، من أخطر المثالب، وأكثرهما تدميرا للفطرة، وتنكيسا للإنسان، ذلك أنهما ينطلقان من منبع الكذب والبهتان والزور.. وهو منبع يتعارض مع الصدق والأمانة، اللتين يتأسس عليهما الإيمان والإسلام وكل مقامات الدين.. فالدين كله صدق وأمانة.. ومن لا صدق ولا أمانة له لا حظ له من الدين.
ولذلك سمى الله تعالى كل التكاليف التي كلف بها خلقه [أمانة]، فقال: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: 72]
وبذلك؛ فإن كل الدين وقيمه الرفيعة أمانة من الله تعالى لعباده، والتقصير في تنفيذ أي جزء منه خيانة لهذه الأمانة العظيمة..
والدين كذلك عقد بين العبد وربه، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، فالعقود التي يجب الوفاء بها لا تتوقف على عقود البيع والشراء، بل تعم جميع العقود التي يعقدها العبد مع ربه، كما عبر عن ذلك ابن عباس بقوله: (العهود ما أحل اللّه وما حرم، وما فرض وما حد في القرآن كله، ولا تغدروا ولا تنكثوا)
ولهذا كتب رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً لعمرو ابن حزم، حين بعثه إلى اليمن يفقه أهلها ويعلمهم السنّة، ويأخذ صدقاتهم، فكتب له كتاباً وعهداً، وأمره فيه بأمره، فكتب: (بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب من اللّه ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، عهد من محمد رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن، أمره بتقوى اللّه في أمره كلهن فإن اللّه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) ([1])
وهكذا يقرن القرآن الكريم بين التكاليف الشرعية المختلفة والعقود والعهود والمواثيق، كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 34]
ولذلك كان الغدر هو مخالفة تلك العقود والمعاهدات والمواثيق، وهو يتفق في ذلك مع الخيانة، فكلاهما يتناقضان لا مع العقود البسيطة فقط، وإنما مع جميع التكاليف الشرعية، بل مع غيرها أيضا.
فالله تعالى أودع عباده الكثير من الأمانات، كالصحة والعافية والوقت والأسرة والمجتمع وغيرها.. فكل تفريط في التكاليف المرتبطة بهذه الأمانات خيانة.. وكل مخالفة للعقود المرتبطة بها غدر..
ولذلك كانا من صفات المنافقين، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق حتّى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)([2])
وقال في الحديث القدسي: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثمّ غدر، ورجل باع حرّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره)([3])
وسر ذلك هو اتفاق الخائن والمنافق في المواقف والصفات؛ فكلاهما يظهر القبول والموافقة، وكلاهما يقبل الأمانات، ويوقع على العهود والمواثيق، وكلاهما يغدر بمن تعاقد معهم، ويخون الأمانات التي كلف بها.
ولذلك يحتاج كل سالك لطريق الله إلى مجاهدة نفسه لتطهيرها من كل أثر للغدر والخيانة، حتى لا يتسع الخرق على الراتق، وحينها قد تصبح النفس في الدرك الأسفل من النار، لتأكد هذه الصفات فيها، وحينها يصعب إخراجها منها.
فاسمع ـ أيها المريد الصادق ـ لهذه التحذيرات الإلهية، ولا تغتر بما لديك من الصدق والأمانة؛ فالشيطان يتلاعب بالإنسان، حتى يجد نفسه خائنا وغادرا من حيث لا يشعر، وقد ورد في الحديث عن حذيفة قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثين، قد رأينا أحدهما وأنا انتظر الاخر، حدثنا أن الامانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة، قال: (ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل كجمر، دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا، وليس فيه شئ فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلا أمينا، حتى يقال للرجل: ما أجلده، ما أكرمه ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان) ([4])
وفي حديث آخر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أول ما تفقدون من دينكم الامانة)([5])
وفي حديث آخر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أول ما يرفع من الناس الأمانة، وآخر ما يبقى من دينهم الصلاة، ورب مصل لا خلاق له عند الله)([6])
وفي حديث آخر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أول ما يرفع من هذه الأمة الحياء والأمانة)([7])
وفي حديث آخر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(إذا اتخذ الفيء دولا، والأمانة مغنما، والزكاة مغرما، وتعلم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته وعق أمه، وأدنى صديقه، وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف، وشربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها، فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة، وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه، فتتابع)([8])
إذا عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ وعزمت على مراقبة نفسك وتطهيرها؛ فاسمع لما سأورده لك من هذه الأدوية الربانية التي تحميك من هذين المثلبين الخطيرين وثمارهما السامة.
أما الغدر؛ فعلاجه ـ أيها المريد الصادق ـ في تدبرك لقانون العقوبات الإلهية المرتبط به، والذي وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ باعتباره المعبر عن هذا القانون ـ بقوله: (لكلّ غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامّة)([9])
وقال: (من أمّن رجلا على دمه فقتله فإنّه يحمل لواء غدر يوم القيامة)([10])
وقال: (ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه، أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة)([11])
وقال: (ألا من قتل نفسا معاهدا له ذمّة اللّه وذمّة رسوله فقد أخفر بذمّة اللّه فلا يرح رائحة الجنّة، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا)([12])
فاعتبر بهذه العقوبات ـ أيها المريد الصادق ـ واحذر منها، واعلم أن الغدر قد يبدأ بموقف بسيط، وحادثة هينة، لكنه يتحول إلى صفة راسخة في النفس، لذلك عالج الداء قبل استفحاله، وراقب أي موقف من مواقفك، أو معاهدة من معاهداتك، وهل وفيت بها أم غدرت، وهل نفذتها كما ذكرت، أم خالفت ذلك، حتى لا يحصل لك ما حصل لذلك الذي غدر بربه ونبيه، والذي حكى الله تعالى قصته، فقال: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: 75 – 77]
وانظر إلى أولئك الذين ذكر الله تعالى وفاءهم بالعهود والعقود، وأثنى عليهم أحسن الثناء، فقال:﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴾ [الرعد: 19 – 21]
أو أولئك الأبرار الذين وصف الله نعيمهم، فقال: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ [الإنسان: 5 – 7]
وخير نفسك بين أن تكون حامل لواء الغدر والخيانة، لتحاسب على كل عهد عاهدته، أو كلمة قلتها، وبين أن تكون من أولئك الأبرار الطيبين الذين وفقهم الله تعالى للنجاح في كل الاختبارات التي امتحنوا فيها.
وأخبر نفسك أنها إن اختارت الغدر، فهي لا تختلف عن أولئك الفاسقين الذين وصفهم الله تعالى، فقال: ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [البقرة: 26، 27]، وقال: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [الرعد: 25]
أو أولئك اليهود القساة الذين وصف الله تعالى جزاء غدرهم، فقال:﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ [المائدة: 13]
أو أولئك الذين اعتبرهم الله تعالى شر الدواب، فقال: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأنفال: 55 – 57]
أما الخيانة؛ فعلاجها ـ أيها المريد الصادق ـ في تدبرك لآثارها وثمارها السامة التي تحطم كل خير فيك.. فمن ضيع الأمانة ضيع نفسه وحقيقته وقيمه ودينه ودنياه وآخرته، وكل شيء.
ولذلك قرن الله تعالى الخيانة بالكفر، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ [الحج: 38]، ذلك أن الخائن والكافر كلاهما يجحدان الأمانة التي كلفا بها، والنعمة التي أسديت لهما.
واعلم ـ أيها المريد الصادق ـ أن بذرة الخيانة السامة إذا نبتت في أرض النفس الأمارة صدرت عنها كل المثالب، وأولها الكفر والجحود ومعارضة النبوة، كما ضرب الله تعالى المثل على ذلك، فقال: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ [التحريم: 10]
ولهذا، فإن أول من عليك الحذر من خيانته ـ أيها المريد الصادق ـ ربك ونبيك صلى الله عليه وآله وسلم، كما قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27]
وحتى تتحقق بذلك عليك أن تفي بوصاياه وتنفذها، وتضحي في سبيل تنفيذها بكل شيء.. وإلا كان انتسابك له انتسابا مزورا كاذبا، لا يختلف عن انتساب المنافقين للحق، بينما هم على الباطل.
وإذا وكلت لك ـ أيها المريد الصادق ـ فاحذر من أن يغويك الشيطان، فتخون ما كلفت به، ومن وثقوا فيك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مبينا خطر ذلك:(إذا ضيِّعت الأمانة فانتظر الساعة)، قيل: يا رسول الله وما إضاعتها؟ قال: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة)([13])
وقال عن الإمارة: (إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدّى الذي عليه فيها)([14])
وقال عن التجارة: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء)([15])
وقال عن الخزنة: (الخازن المسلم الأمين الذي يُنفذ ما أُمِر به كاملاً موفراً طيباً به نفسُه فيدفعه إلى الذي أُمر له به أحد المتصدقين)([16])
وقال عن الاستشارة: (من تقوّل عليّ ما لم أقل فليتبوّا مقعده من النّار، ومن أفتى بفتيا بغير علم كان إثم ذلك على من أفتاه، ومن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه)([17])
وأخبر عن شمول الأمانة لكل التكاليف، فقال: (الصلاة أمانة، والوضوء أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة، وأشياء عددها وأشد ذلك الودائع) ([18])
وأخبر عن عقوبة الخيانة، فقال ـ يصف مرور الناس على الصراط ـ:(وترسل الأمانة والرحم، فتقومان جَنَبتي الصراط يميناً وشمالاً)([19])، وقال:(ثلاث متعلقات بالعرش: الرحم تقول اللهم إني بك فلا أقطع، والأمانة تقول: اللهم إني بك فلا أخان، والنعمة تقول: اللهم إني بك فلا أكفر)([20])
وقال: (يؤتى بالعبد يوم القيامة وإن قتل في سبيل الله، فيقال له: أد أمانتك، فيقول: أي رب، كيف وقد ذهبت الدنيا؟ فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية، وتمثل له الأمانة كهيئتها يوم دفعت إليه، فيراها فيعرفها فيهوي في أثرها حتى يدركها، فيحملها على منكبه، حتى إذا ظن أنه خارج زلت عن منكبه فهو يهوي في أثرها أبد الآبدين) ([21])
ولهذا كله أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الأمانة أشد شيء في الدين، فقال: (ألين الدين شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأشده الأمانة، إنه لا دين لمن لا أمانة له، ولا صلاة ولا زكاة)([22])
ولهذا كان صلى الله عليه وآله وسلم يخبر أنه لا إيمان لمن لا أمانة له، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)([23])
وكان يستعيذ من الخيانة، ويقول:(اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة)([24])
هذه وصايا نبيك صلى الله عليه وآله وسلم إليك ـ أيها المريد الصادق ـ
فاحرص عليها، وعلى تنفيذها، وإياك أن تبرر لنفسك الخيانة بسبب كثرة الخائنين، فقد
قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)([25])
([1]) رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
([2]) رواه البخاري ومسلم.
([3]) رواه البخاري.
([4]) رواه مسلم.
([5]) رواه الطبراني في الكبير.
([6]) رواه الحكيم الترمذي.
([7]) رواه الطبراني.
([8]) رواه الترمذي وقال: غريب.
([9]) رواه البخاري ومسلم.
([10]) رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات.
([11]) رواه أبو داود.
([12]) رواه البخاري، والترمذي، وهذا لفظ الترمذي.
([13]) رواه البخاري.
([14]) رواه مسلم.
([15]) رواه الترمذي.
([16]) رواه البخاري.
([17]) أحمد(2/ 321) رقم(8286)
([18]) رواه البيهقي.
([19]) رواه مسلم.
([20]) رواه البزار.
([21]) رواه البيهقي.
([22]) رواه البزار.
([23]) رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط.
([24]) رواه أبو داود.
([25]) أبو داود(3534) والترمذي(1264)