أكل الحرام

أكل الحرام

كتبت إلي ـ أيها المريد الصادق ـ تسألني عن سر ذلك الحجاب الذي وقع فيه الرجل الذي ذكره صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه (يمدّ يديه إلى السّماء. يا ربّ! يا ربّ! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك؟)([1])، وهل لذلك علاقة بالدعاء وتحقيق الحاجات فقط، أم أن له علاقة بأبواب السير إلى الله والمعرفة به، والتحقق بما فتح الله لأوليائه والعارفين به.

وهذا سؤال وجيه، والجواب عليه ركن من أركان السير إلى الله؛ فالمطعم الحرام والمشرب الحرام والمسكن الحرام والملبس الحرام.. وغيرها من حاجات الإنسان عوائق وحجب تحول بينه وبين ربه.. لا بينه وبين تحقق حاجاته بالدعاء فقط، وإنما بينه وبين السير إليه، أو تنزل الفتوح والبركات على قلبه، وفي حياته وأمواله وأهله وكل شؤونه.

وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذلك، فقال: (من اشترى ثوبا بعشرة دراهم في ثمنه درهم حرام، لم يقبل الله له صلاة ما كان عليه)([2])، فعدم قبول الصلاة لا يعني فقط ارتفاع وزر تركها، أو عدم نيل أجرها، وإنما يعني فوق ذلك بركتها التي هي الفتح الإلهي، وتنوير القلب بالإيمان، والنفس بالطمأنينة والطيبة.

ومثل ذلك أخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن تأثير الأكل الحرام في الحج، فقال: (إذا خرج الرجل حاجا بنفقة طيبة، ووضع رجله في الغرز، فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك وزادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور، وإذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة، فوضع رجله في الغرز، فنادى لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك غير مبرور)([3])

وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن دور الأكل الحرام في الحيلولة بين الداعي وإجابة دعائه، أو تقبل عمله؛ فقال لمن سأله يدعو الله له بأن يجعله مستجاب الدعوة: (أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده، إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل الله منه عمل أربعين يوما، وأيما عبد نبت لحمه من سحت، فالنار أولى به)([4])

وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم أن مضار الخمر الصحية لا تتعلق فقط بالجسد، وإنما تتعلق قبل ذلك بالروح، وبالصلة مع الله، فقال(من شرب الخمر لم يقبل الله له صلاة أربعين يوما)([5])

ولهذا أخبر صلى الله عليه وآله وسلم أن أكل الحلال والحرص عليه، والبعد عن الحرام والشبهات، معراج من معارج السلوك إلى الله، فقال: (من أكل الحلال أربعين يوما نوّر اللّه قلبه، وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه)([6])، وقال: (العبادة سبعون جزءا أفضلها طلب الحلال)([7])

ولهذا نجد الله تعالى يدعو الأنبياء عليهم السلام إلى الأكل من الطيبات، وهي لا تعني الأكل اللذيذ، أو الحياة المترفة، وإنما تعني الحلال، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: 51]

وهكذا خاطب الله تعالى المؤمنين، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: 172]

وأخبر عن أهل الكهف، وأنهم مع خوفهم الشديد من أعدائهم إلى أنهم كانوا يحرصون على الأكل الطيب، ولذلك قالوا: { فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} [الكهف: 19]

ولذلك احذر ـ أيها المريد الصادق ـ من أن تكون من أولئك الذين يبحثون عن الرخص التي تبيح لهم أكل الحرام؛ فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن هذا واقع في الأمة؛ فقال: (ليأتينّ على النّاس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال، أ من الحلال أم من حرام)([8])

بل ورد في الحديث ما يشير إلى أن ما وقع فيه أهل السبت، وتحايلهم على الحرام، ستقع فيه هذه الأمة أيضا، فقد روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال، وهو بمكّة عام الفتح: (إنّ الله ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام)، فقيل: يا رسول الله أ رأيت شحوم الميتة فإنّه يطلى بها السّفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها النّاس، فقال: (لا، هو حرام)، ثمّ قال: (قاتل الله اليهود، إنّ الله لمّا حرّم شحومها جملوه‏([9]) ثمّ باعوه فأكلوا ثمنه)([10])

إذا عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ فاسع لأن تدبر أمر نفسك، وما تطالبك به من شهوات عاجلة، بهذه الوصفات الربانية التي وردت في النصوص المقدسة.

العلاج المعرفي:

أول علاج تنطلق منه ـ أيها المريد الصادق ـ لإبعاد نفسك الأمارة بالسوء عن المطالبة بالحرام هو أن تذكرها بقوله تعالى: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} [المائدة: 100]، فالآية الكريمة تشير إلى أن البركة ليست في الكثرة، وإنما في الطيبة، وأول الطيبة الحلال..

ولذلك يمكن للنفس أن تنال حاجاتها بأشياء قليلة محدودة، لكن الله تعالى ينزل عليها من البركات ما يغنيها عن الكثير الذي يضرها.. فبيت واحد يبنى بالحلال خير من عشرات القصور المبنية بالحرام.. وثوب واحد حلال خير من عشرات الثياب المختلطة بالحرام.. وهكذا؛ فإن الله تعالى جعل حاجات الإنسان بسيطة محدودة مقدورا عليها، ويمكن تحقيقها بالحلال الطيب؛ فلذلك لا يلجأ إلى الحرام إلا أصحاب النفوس الجشعة الحريصة التي لا تقنع، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فقال: (لو كان لابن آدم واد لأحب أن يكون له ثان، ولو كان له واديان لأحب أن يكون إليهما ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب) ([11])

وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّ ممّا أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدّنيا وزينتها)؛ فقيل له: يا رسول الله، أو يأتي الخير بالشّرّ؟ فسكت النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هنيهة، ثم قال: (إنّه لا يأتي الخير بالشّرّ، وإنّ ممّا ينبت الرّبيع يقتل أو يلمّ، إلّا آكلة الخضراء، أكلت حتّى إذا امتدّت خاصرتاها استقبلت عين الشّمس فثلطت ورتعت، وإنّ هذا المال خضرة حلوة، فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السّبيل، وإنّ من يأخذه بغير حقّه كالّذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدا عليه يوم القيامة) ([12])

ولذلك يقترن الزهد بالورع؛ فلا يمكن أن يتحقق الورع ما لم تمتلئ النفس بالزهد وعدم التثاقل إلى الدنيا وأهوائها، وإلا فإن محب الدنيا سيبحث عن أي وسيلة تجره إليها حتى لو كانت من الحرام.

إذا عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ فاعلم أن أكل الحرام من أسباب العقوبة الإلهية في الدنيا والآخرة.. ذلك أن آكل الحرام من المعتدين الظالمين.. إما على حدود الله، بتجاوزه لها، وأكله مما حرم الله عليه.. أو على خلق الله حين راح يفتي لنفسه بأكل أموالهم بالباطل.

وقد أشار الله تعالى في قصة آدم عليه السلام وأكله من الشجرة إلى هذا، ذلك أن تلك الشجرة التي حرمها الله عليه كانت سببا في خروجه من الجنة، التي كان يعيش فيها براحة وسعادة تامة، حيث خوطب فيها من الحق تعالى بقوله: { إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [طه: 118، 119]

لكنه مباشرة بعد أكله من الشجرة، أصابه شؤمها فسقط عنه لباس الرخاء ليلبس لباس التعب والعناء، قال تعالى: { فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121]

وهكذا أخبر تعالى عن جزائه للذين: {أَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ} (الفجر: 12) بأنه: {صَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} (الفجر: 13)

ولهذا أخبر الله تعالى أن {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } [النساء: 10]

وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إنّه لا يربو لحم نبت من سحت‏ إلّا كانت النّار أولى به)([13])، وقال: (من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال اللّه من أين أدخله النار)([14])، وقال: (كلّ لحم نبت من حرام فالنّار أولى به) ([15])

وذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صورة من صور ذلك العذاب، فقال لمن أخذ رشوة على عمله: (ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي؛ أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمّه حتّى ينظر أ يهدى إليه أم لا؟ والّذي نفس محمّد بيده! لا ينال أحد منكم فيها شيئا إلّا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر) ([16])

وفي حديث آخر ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عقوبة أعظم من هذه، وهي إعراض الله تعالى عن آكل الحرام، فقد روي أنه: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال الحضرميّ: يا رسول الله، إنّ هذا قد غلبني على أرض كانت لأبي. فقال الكنديّ: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حقّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للحضرميّ (أ لك بيّنة؟) قال: لا. قال: (فلك يمينه) قال: يا رسول الله إنّ الرّجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورّع من شي‏ء. فقال (ليس لك منه إلّا ذلك) فانطلق ليحلف، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمّا أدبر: (أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما، ليلقينّ الله وهو عنه معرض)([17])

وقد ورد في القرآن الكريم ما يشير إلى أن عقوبة آكل الحرام لا تؤجل للآخرة فقط، بل قد تعجل في الدنيا، فقد قال تعالى في التحذير من أكل مال اليتامى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء: 9]، وهو تذكير لآكلي أموال اليتامى بأنهم قد يتركون ذرية ضعافا يستولي غيرهم على أموالهم، مثلما يفعلون هم مع أموال غيرهم.

ثم ذكر بعدها العقوبة الأخروية، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10]

وقد أشار الإمام الباقر إلى بعض العقوبات المرتبطة بأكل مال اليتيم في الدنيا؛ فقال: (إن الله أوعد في أكل مال اليتيم عقوبتين: عقوبة في الدنيا، وعقوبة في الآخرة، ففي تحريم مال اليتيم استبقاء اليتيم واستقلاله بنفسه والسلامة للعقب أن يصيبهم ما أصابه لما أوعد الله من العقوبة مع ما في ذلك من طلب اليتيم بثأره إذا أدرك وقوع الشحناء والعداوة والبغضاء حتى يتفانوا) ([18])

وهذه الرواية تشير إلى الخوف الذي يعيشه آكل الحرام، ذلك أنه معرض في كل لحظة لانتقام من أكل أموالهم بغير حق..

العلاج السلوكي:

إذا عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ وعزمت على أن تتحكم في مطالبك وحاجاتك حتى لا تجرك إلى أكل الحرام؛ فعليك أن تسأل الفقهاء عن كل صغيرة وكبيرة تريد أن تقوم بها في شؤون رزقك، حتى لا يتسرب إليك الحرام من حيث لا تشعر.

وإياك أن تلجأ لأولئك الفقهاء الذين يحتالون لك ولأهوائك، بل عليك بالورع، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (استفت قلبك، واستفت نفْسَك ثلاث مرات؛ البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك) ([19])

وإياك وما يوهمه به أولئك المتساهلون المتلاعبون بالدين من أن المستفتي سيتحمل جميع تبعات من أفتاه، فذلك صحيح من جهة مضاعفة إثمه، وليس صحيحا من جهة رفع العقوبة عن المستفتي.

وقد رسم القرآن الكريم صورا لتبرئ المفتي من المستفتي باعتبار المستفتي تابعا، والمفتي متبوعا، فقال: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: 166، 167]

وأول ما عليك تركه من الحرام ـ أيها المريد الصادق ـ ما سماه القرآن الكريم [أكل المال بالباطل]، ذلك الذي ذكره الله تعالى، فقال: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188]

ويدخل فيه كل مال كسبته من غير تعب ولا جهد ولا خدمة قدمتها، وأوله السرقة، فقد ورد التشديد فيها، بل قد نص القرآن على أن مرتبكها يعاقب بقطع يده، قال تعالى:﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)﴾ (المائدة)

وكان من نصوص المبايعة التي يبايع بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه المبايعة على عدم السرقة، قال تعالى:﴿ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) ﴾ (الممتحنة)

وإياك أن تتوهم أنها محصورة في أولئك المجرمين الذين يقتحمون بيوت الناس، ليأخذوا ما فيها، وإنما السرقة قد تكون في أي شيء أخذت أجره كاملا، لكنك أديته منقوصا، فالمال الزائد ليس سوى سرقة ونهب وأكل لأموال الناس بالباطل.

ومنها التسول.. وهو نوع آخر من أنواع السرقة.. وليس خاصا بالشحاذين، بل كل من يأخذ أموال الناس عبر أي حيلة يحتال بها عليهم، ليس سوى متسول وضيع، وإن كان يبدو بينهم غنيا كريما.

ولذلك ورد في النصوص المقدسة تحريم السؤال لغير المحتاج، ولغير العاجز، ففي الحديث قال صلى الله عليه وآله وسلم،: (لا تزال المسألة بأحدكم حتّى يلقى اللّه، وليس في وجهه مزعة لحم)([20])

وقال: (ليس المسكين بهذا الطّوّاف الّذي يطوف على النّاس، فتردّه اللّقمة واللّقمتان، والتّمرة والتّمرتان). قالوا: فما المسكين يا رسول اللّه؟ قال: (الّذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدّق عليه، ولا يسأل النّاس شيئا)([21])

وقال: (من يكفل لي أن لا يسأل النّاس شيئا وأتكفّل له بالجنّة؟) فقال ثوبان: أنا. فكان لا يسأل أحدا شيئا)([22])

وروي عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: تحمّلت حمالة([23])، فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أسأله فيها. فقال: (أقم حتّى تأتينا الصّدقة فنأمر لك بها) قال: ثمّ قال: (يا قبيصة! إنّ المسألة لا تحلّ إلّا لأحد ثلاثة: رجل تحمّل حمالة فحلّت له المسألة حتّى يصيبها ثمّ يمسك. ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلّت له المسألة حتّى يصيب قواما من عيش. ورجل أصابته فاقة حتّى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة. فحلّت له المسألة حتّى يصيب قواما من عيش فما سواهنّ من المسألة، يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا)([24])

وعن صحابي آخر أنه قال: سألت النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ قال: (إنّ هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس([25]) لم يبارك فيه وكان كالّذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السّفلى)([26])

وعن آخر قال: كنّا عند رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة. فقال: (ألا تبايعون رسول اللّه؟) وكنّا حديثي عهد ببيعة. فقلنا: قد بايعناك يا رسول اللّه ثمّ قال: (ألا تبايعون رسول اللّه؟) فقلنا: قد بايعناك يا رسول اللّه. ثمّ قال: (ألا تبايعون رسول اللّه؟) قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول اللّه! فعلام نبايعك؟ قال: (على أن تعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا، الصّلوات الخمس، وتطيعوا (وأسرّ كلمة خفيّة)، ولا تسألوا النّاس شيئا، فلقد رأيت بعض أولئك النّفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدا يناوله إيّاه)([27])

ومن أكل أموال الناس بالباطل الرشوة.. لأن فيها استيلاء على حقوق الآخرين بطرق غير مشروعة.. ولهذا اعتبرها القرآن الكريم من أكل أموال الناس بالباطل، قال تعالى:﴿ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)﴾ (البقرة)، أي لا تصانعوا الحكام بها ولا ترشوهم ليقتطعوا لكم حقّا لغيركم وأنتم تعلمون أنّ ذلك لا يحلّ لكم.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الرّاشي والمرتشي في النّار)([28])

وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من قوم يظهر فيهم الرّبا إلّا أخذوا بالسّنة([29]) وما من قوم يظهر فيهم الرّشا إلّا أخذوا بالرّعب)([30])

وقال: (من ولي عشرة فحكم بينهم بما أحبّوا، أو بما كرهوا جيء به مغلولة يده، فإن عدل، ولم يرتش، ولم يحف فكّ اللّه عنه، وإن حكم بغير ما أنزل اللّه وارتشى، وحابى فيه. شدّت يساره إلى يمينه ثمّ رمي به في جهنّم، فلم يبلغ قعرها خمسمائة عام)([31])

وقال: (من شفع لأخيه بشفاعة، فأهدى له هديّة عليها، فقبلها، فقد أتى بابا عظيما من أبواب الرّبا)([32])

ومن أكل أموال الناس بالباطل الاحتكار.. وهو أن يضيق على الناس بأن يخزن السلع الضرورية ليرفع أسعارها، فإذا ما ارتفعت باعها لهم، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم مبينا جريمة المحتكر باحتكاره الذي أداه إليه جشعه: (لا يحتكر إلّا خاطىء)([33])

وقال: (من احتكر على المسلمين طعاما ضربه اللّه بالجذام والإفلاس)([34])

وقال: (من احتكر طعاما أربعين ليلة، فقد بريء من اللّه تعالى وبريء اللّه تعالى منه، وأيّما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمّه اللّه تعالى)([35])

ومن أكل أموال الناس بالباطل التطفيف.. وهو الاستيفاء من النّاس عند الكيل أو الوزن، والإنقاص والإخسار عند الكيل أو الوزن لهم.. ويلحق بالوزن والكيل ما أشبههما من المقاييس والمعايير الّتي يتعامل بها النّاس.

وقد ورد الوعيد الشديد لمن يقع في هذا، قال تعالى:﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (6)﴾ (المطففين)

بل إن الله تعالى أخبر أنه أرسل رسولا من رسل الله الكرام جل رسالته النهي عن التطفيف في الموازين والعبث بها، قال تعالى:﴿ وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85)﴾ (الأعراف)، وقال:﴿ كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181)﴾ (الشعراء)

وقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن الوعيد الشديد الذي ينال المطففين الذين اختلت عندهم الموازين، فقال: (خمس بخمس، قيل: يا رسول اللّه وما خمس بخمس؟ قال: ما نقض قوم العهد إلّا سلّط اللّه عليهم عدوّهم، وما حكموا بغير ما أنزل اللّه إلّا فشا فيهم الموت، ولا منعوا الزّكاة إلّا حبس عنهم القطر، ولا طفّفوا المكيال إلّا حبس عنهم النّبات، وأخذوا بالسّنين)([36])

وقال: (إذا وزنتم فأرجحوا)([37])

وقال مخاطبا أصحاب الكيل والوزن: (إنّكم قد ولّيتم أمرا فيه هلكت الأمم السّالفة قبلكم)([38])

ومن أكل أموال الناس بالباطل التّناجش([39]).. ذلك الذي ورد في قوله صلى الله عليه وآله وسلم (إيّاكم والظّنّ فإنّ الظّنّ أكذب الحديث، ولا تجسّسوا ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد اللّه إخوانا)([40])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يتلقّى الرّكبان لبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا بيع حاضر لباد([41])، ولا تصرّوا الإبل والغنم([42])، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النّظرين بعد أن يحلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردّها وصاعا من تمر)([43])

ومن أكل أموال الناس بالباطلالميسر([44]).. ذلك الذي ورد النهي المشدد عنه في قوله تعالى:﴿ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)﴾ (البقرة)، وقوله:﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)﴾ (المائدة)

وقد ورد تحريمه بكل أنواعه في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إيّاكم وهاتان الكعبتان([45]) الموسومتان اللّتان تزجران زجرا؛ فإنّها ميسر العجم)([46])

وقوله: (الخيل ثلاثة: ففرس للرّحمن، وفرس للإنسان، وفرس للشّيطان، فأمّا فرس الرّحمن، فالّذي يرتبط في سبيل اللّه عزّ وجلّ فعلفه وبوله وروثه وذكر ما شاء اللّه، وأمّا فرس الشّيطان فالّذي يقامر عليه ويراهن، وأمّا فرس الإنسان فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها، فهي ستر من فقر)([47])

وقوله: (مثل الّذي يلعب بالنّرد ثمّ يقوم فيصلّي مثل الّذي يتوضّأ بالقيح ودم الخنزير ثمّ يقوم فيصلّي)([48])

وقوله: (من حلف فقال في حلفه: واللّات والعزّى، فليقل: لا إله إلّا اللّه. ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدّق)([49])

وقوله: (من لعب بالنّردشير فكأنّما صبغ يده في لحم خنزير ودمه)([50])

ومن أكل أموال الناس بالباطل الربا.. ذلك الذي حذرت منه النصوص المقدسة أشد التحذير.. قال تعالى:﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) ﴾ (البقرة)

وقال:﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)﴾ (آل عمران)

وأخبر الله تعالى أنه لخطورته كان محرما في الديانات السابقة، قال تعالى:﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (161)﴾ (النساء)

وقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن الشدة التي تنتظر المرابين في الدنيا والآخرة، فقال: (يأتي آكل الرّبا يوم القيامة مخبّلا يجرّ شقّيه، ثمّ قرأ:﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ.. (275)﴾ (البقرة)([51])

وعن ابن مسعود أنه ذكر حديثا عن النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال فيه: (ما ظهر في قوم الزّنا والرّبا إلّا أحلّوا بأنفسهم عذاب اللّه)([52])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (ما أحد أكثر من الرّبا إلّا كان عاقبة أمره إلى قلّة)([53])

وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل من رابى أو تعامل مع المرابين، فعن ابن مسعود قال: (آكل الرّبا وموكله، وشاهداه، وكاتباه إذا علموا به، والواشمة والمستوشمة للحسن، ولاوي الصّدقة، والمرتدّ أعرابيّا بعد الهجرة، ملعونون على لسان محمّد صلى الله عليه وآله وسلم)([54])

وعن جابر قال: لعن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم آكل الرّبا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء)([55])

وإياك بعد هذا أن تتوهم ـ أيها المريد الصادق ـ أنه يحل لك التصرف في مالك بعد أن تكسبه من الحلال؛ فذلك لا يكفي، بل عليك أيضا أن تنفقه في الوجوه التي أمرت بها الشريعة، وإلا تحول ذلك المال الذي كسبته من حلال إلى حرام.

ولهذا ذكر الله تعالى العقوبة التي يتعرض لها الذين يكنزون أموالهم، وإن كانوا قد كسبوها من حلال، فقال: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة: 34، 35]

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضّة لا يؤدّي منها حقّها إلّا إذا كان يوم القيامة، صفّحت له صفائح‏ من نار فأحمي عليها في نار جهنّم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلّما بردت‏ أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتّى يقضى بين العباد فيرى سبيله‏، إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار) قيل: يا رسول الله: فالإبل؟ قال: (ولا صاحب إبل لا يؤدّي منها حقّها، ومن حقّها حلبها يوم وردها إلّا إذا كان يوم القيامة، بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلا واحد، تطؤه بأخفافها وتعضّه بأفواهها، كلّما مرّ عليه أولاها ردّ عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتّى يقضى بين العباد. فيرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار) قيل: يا رسول الله، البقر والغنم؟ قال: (ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدّي منها حقّها إلّا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا، ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلّما مرّ عليه أولاها ردّ عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. حتّى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار)([56])

وقال: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلّا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهمّ أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهمّ أعط ممسكا تلفا) ([57])

هذه وصيتي إليك ـ أيها المريد الصادق ـ وأنا لم أطل عليك فيها، ولم أذكر لك تفاصيل الأحكام المرتبطة بها، لأني أعلم أن الفقهاء قد يختلفون في بعض المسائل، وليس دوري أن أبث لك رأيي في الخلاف الجاري بينهم، وإنما دوري ـ الذي وثقت بي فيه ـ أن أعلمك كيف تهذب نفسك.. وأنت أدرى بعد ذلك بالفقهاء العلماء الورعين الذين ترجع إليهم في شؤون دينك ودنياك.


([1])مسلم(1015)

([2]) أحمد: 2/98.

([3]) المعجم الأوسط (5228)

([4]) المعجم الأوسط (6495)

([5]) الطيالسي (1901)، وعبد الرزاق (17058) و(17059)، وأحمد 2/35، والترمذي (1862)

([6]) أبو نعيم في الحلية.

([7]) الكافي، ج 5 ص 78 تحت رقم 6.

([8]) البخاري [فتح الباري]، 4(2083)

([9]) جملوه: أي أذابوه واستخرجوا دهنه.

([10]) البخاري [فتح الباري]، 4(2236)

([11]) رواه البخاري ومسلم.

([12]) البخاري- الفتح 3 (1465)، 6 (2842)

([13]) الترمذي(614) وقال: هذا حديث حسن غريب، والنسائي(7/ 160) والحاكم (4/ 422).

([14]) أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس.

([15]) رواه الطبراني في الصغير كما في مجمع الزوائد ج 10 ص 291.

([16]) البخاري [فتح الباري]، 13(7197)، ومسلم(1832)

([17]) مسلم(139)

([18]) بحار الأنوار: 72/ 8.

([19]) رواه أحمد 18006 والدارميُّ 2533.

([20]) رواه البخاري ومسلم.

([21]) رواه البخاري ومسلم.

([22]) رواه أحمد وأبو داود.

([23]) الحمالة بفتح الحاء: الدية والغرامة التي يحملها الإنسان بسبب الصلح بين الناس.

([24]) رواه مسلم.

([25]) بإشراف نفس: أي بتطلع وطمع.

([26]) رواه مسلم.

([27]) رواه مسلم.

([28]) رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

([29]) السّنة: القحط والجدب.

([30]) رواه أحمد.

([31]) رواه الحاكم والطبراني في الأوسط والكبير ورجاله ثقات.

([32]) رواه أبو داود.

([33]) رواه مسلم.

([34]) رواه أحمد وابن ماجة.

([35]) رواه أحمد.

([36]) رواه الطبراني في الكبير.

([37]) رواه ابن ماجة.

([38]) رواه الترمذي والحاكم، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الترمذي: روي بإسناد صحيح عن ابن عباس موقوفا.

([39]) له صور عديدة ذكرها العلماء، منها أن يشترك النّاجش والبائع للسّلعة في خداع المشتري بأن يتواطأ كلاهما على ذلك.. ومنها أن يقع الإغراء بدون علم البائع بأن يتطوّع النّاجش من تلقاء نفسه برفع ثمن السّلعة.. ومنها انفراد البائع بعمليّة الإغراء بأن يزعم أنّه اشترى بأكثر ممّا اشتراها به، وربّما حلف على ذلك ليغرّ المشتري، وقد يقع ذلك منه بأن يخبر بأنّه أعطي في السّلعة ما لم يعط.. ومنها أن يأتي شخص إلى وليّ أمر فتاة وقد حضر من يخطبها فيذكر مهرا أعلى ليغرّ الخاطب بذلك، أو يذمّها.. ومنها أن يمدح شخص سلعة ما كي تباع، أو يذمّها كي لا تنفق على صاحبها، وذلك كما في الإعلانات المغرضة الّتي لا تتّفق مع الواقع.

([40]) رواه البخاري ومسلم.

([41]) أي لا يكون الحاضر (ساكن الحضر) للبادي (ساكن البادية) سمسارا، أي يتقاضى أجرة منه ليبيع له بضاعته، ويجوز ذلك إذا كان البيع بدون أجرة. من باب النصيحة.

([42]) لا تصروا الإبل والغنم: من التصرية وهي الجمع، والمعنى: لا تجمعوا اللبن في ضرعها عند إرادة بيعها حتى يعظم ضرعها فيظن المشتري أن كثرة لبنها عادة لها.

([43]) رواه البخاري ومسلم.

([44]) الميسر: هو القمار بأيّ نوع كان، مثل النّرد والشّطرنج أو الفصوص، أو الكعاب، أو البيض، أو الجوز، أو الحصى، أو ما شابه ذلك، وهو من أكل أموال النّاس بالباطل (الكبائر للذهبى: 88)

([45]) الكعبتان مثنى كعبة وهي الواحد من فصوص النرد.

([46]) رواه أحمد والطبراني ورجال الطبراني رجال الصحيح.

([47]) رواه أحمد ورجاله ثقات.

([48]) رواه أحمد وأبو يعلى وزاد (لا تقبل صلاته) والطبراني.

([49]) رواه البخاري ومسلم.

([50]) رواه مسلم.

([51]) رواه الطبراني والأصبهاني.

([52]) رواه أبو يعلى بإسناد جيد، ورواه الحاكم وصححه.

([53]) رواه ابن ماجه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد.

([54]) رواه أحمد، وأبو يعلى، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما.

([55]) رواه مسلم.

([56]) البخاري [فتح الباري]، 3(1402 ـ 1403)، مسلم(987)

([57]) البخاري [فتح الباري]، 3(1442) ومسلم(1010)

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *