مقدمة الكتاب

تحاول هذه الرسائل الموجهة للحضرة النورانية المقدسة أن تلغي كل الحجب والمسافات التي تربط بين العبد وربه.. لتصل العبد بربه مباشرة عبر مناجاته والحديث معه وبثه أشواقه ومطالبه، وفي جميع الشؤون.
وهي تختصر في مضامينها أكثر القضايا العقدية والعرفانية الواردة في المصادر المقدسة أو التراث الإسلامي، وبصياغة رقيقة بعيدة عن المصطلحات الصعبة، أو الجدل، أو غيرها من الأساليب التي اضطر الفلاسفة أو المتكلمون إليها.
وهي تحاول كذلك أن تجادل عن تلك المعاني السامية، ولكن بطريقة حسنة بعيدة عن الشغب، والمراء الذي نهينا عنه.
فهي تخاطب العقل.. وتحاول أن تقنعه من خلال البديهيات التي يسلم لها.. ثم تنتقل مباشرة من العقل لتبث في القلب كل ألوان العواطف والمشاعر المرتبطة بتلك المعاني السامية.
وهي تطرح الكثير مما ورد في النصوص المقدسة من أسماء الله الحسنى، وتتقرب إلى الله من خلالها.. فأسماء الله الحسنى هي مرائي التعرف على الله.. وهي معارج السير إليه.. وهي مراقي النفس لتصل إلى براءتها وطهارتها .. وتصل معهما إلى الطمأنينة التي ربطها الله بذكره ودعائه ومناجاته.. فعلامة صدق الذكر والدعاء والمناجاة حصول الطمأنينة.. كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد: 28]
ولذلك حاولت هذه الرسائل أن تبث كل معاني الطمأنينة المرتبطة بذكر الله.. وذلك عبر إشعار القارئ بالطمأنينة إلى الله، والثقة المطلقة فيه.. وأنه وحده صاحب الكمال المطلق، وصاحب الكرم المطلق.. ولذلك حاولت هذه الرسائل تعليم آداب العبودية.. فعلامة صدق الإيمان تحقق العبودية.
كما أنها حاولت أن تربط العقيدة في الله بالقيم الرفيعة.. فيستحيل على من عرف الله ألا يتحلى بمكارم الأخلاق.. ولذلك مزجت بين الإيمان والأخلاق.. وربطت بين التحقق بمعرفة الله والتحقق بمكارم الأخلاق.
وقد كان دليلنا إليها، ومعلمنا فيها تلك الأدعية النورانية، والمناجيات الروحانية الواردة في القرآن الكريم.. ومثلها تلك التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو عن أهل بيته الطاهرين.. والذين تركوا لنا تراثا عظيما من الأدعية والمناجيات يمكنه أن يغنينا عن كل ما سطره المتكلمون أو العرفاء أو الفلاسفة في تلك الجوانب.
ولذلك كانت أسوتنا بهم.. فهم أئمتنا وأساتذتنا.. وكل حرف سطرناه إنما هو نتيجة تشرفنا بالتلمذة عليهم، وعلى ذلك التراث النبيل الذي تركوه لنا، والذي علمونا من خلاله كيف نخاطب ربنا، وكيف نمارس دورنا في العبودية معه.