مقدمة السلسلة

مقدمة السلسلة

تحاول هذه السلسلة طرح القضايا العقدية وما يرتبط بها من المفاهيم والقيم وغيرها طرحا خاصا يمزج بين العاطفة والعقل.. ويحاول أن يقرب المسافة بين الحقائق والمستقبل لها حتى يصير قريبا منها ملامسا لها.. وحتى لا تبقى أمثال تلك القضايا المهمة نوعا من الفلسفة أو الأفكار الذهنية التي لا علاقة لها بالوجدان أو السلوك.

والدافع إلى تأليفها هو ما نراه من أن العقيدة تختلف عن العلم المجرد.. فالعلم معارف ذهنية قد لا يكون لها أي تأثير في الوجدان أو السلوك، بينما العقيدة تتجاوز ذلك كله، لتخاطب العقل والقلب والروح وكل اللطائف، ثم تتجاوزها جميعا إلى السلوك؛ فتؤثر فيه بكل أصناف التأثيرات.

ولذلك حاولنا في هذه السلسلة ـ عبر قضاياها المختلفة ـ أن نتجاوز الواسطة الذي يفرض مفاهيمه ومعارفه على المتلقي، وإنما جعلنا المتلقي نفسه مع القضايا نفسها من غير أي واسطة.

ففي هذه السلسة يخاطب القارئ ربه مباشرة.. وفي أثناء خطابه له يتلقى المعارف منه، ويرد على كل الشبه التي قد ترد على عقله.. ويستقبل كل المعاني السامية التي تهديه إليها معرفته.

وفيها يخاطب القارئ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم .. ويحدثه كما يحدث الجليس جليسه.. لتنتفي بذلك الخطاب كل الوسائط.. و في ذلك الخطاب يتعلم الأدب في حواره مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. ويتعلم القيم النبيلة التي جاء بها.. ليزداد محبة له، وتعظيما لحضرته.

وهكذا يخاطب القارئ في هذه السلسلة الإمام علي .. التلميذ الأكبر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. والمظلوم الأعظم في هذه الأمة.. ليتعرف عليه، وعلى القيم النبيلة التي مثلها، بعيدا عن كل ألوان الجدل والخصومة.

وهكذا يخاطب القارئ في هذه السلسلة القرابة المظلومة من آل بيت النبوة، ويتعرف على فضلها وقيمها النبيلة، ومدى المظلومية التي لحقت بها، حتى يصحح علاقته معها، وحتى يتمثل ما ورد في النصوص المقدسة من الوصية بها.

وهكذا يخاطب القارئ في هذه السلسلة الصحابة المنتجبين الذين حافظوا على هدي النبوة، ووفوا لها، وكانوا نماذج رفيعة عن التلمذة الحقيقية لقيمها، حتى يمتلئ بحبهم، لا بحب المشوهين لهم، أو المتاجرين باسمهم.

وهكذا يخاطب القارئ في هذه السلسلة الأنبياء والمرسلين، ويملأ قلبه من محبتهم وتعظيمهم، ويتعرف على القيم النبيلة التي مثلوها، والتي حاول المغرضون تشويهها، وتشويههم معها.

وهكذا يخاطب القارئ في هذه السلسلة الأئمة المطهرين الذين ورثوا النبوة، ومثلوها أحسن تمثيل، فيتعرف على مقاماتهم الرفيعة، وأخلاقهم العالية، ويملأ قلبه بمحبتهم والشوق إليهم.

وهكذا يخاطب القارئ في هذه السلسلة الملائكة السفرة الكرام البررة، ويتلقى في ذلك الخطاب أنواع المعرفة بفضلهم وكرامتهم ومكانتهم عند الله.. والقيم النبيلة التي مثلوها.. وليعقد الصحبة معهم في الدنيا قبل الآخرة.

وهكذا فإن هذه السلسلة ـ بأجزائها الثمانية ـ محاولة لصياغة جديدة للقضايا الإسلامية المختلفة بصيغة عاطفية عقلية حتى يعيش القارئ المعاني العقدية، والقيم المرتبطة بها، ولا تبقى مجرد معاني ذهنية لا أثر لها على القلب.. ولا في السلوك والحياة.

وقد كان هادينا إليها ما تعلمناه من القرآن الكريم من تلك المناجيات وغيرها، والتي تصلنا بالله أو رسله أو ملائكته مباشرة، بعيدا عن كل أصناف الوسائط.

وهي ـ لذلك ـ تحتاج إلى طريقة خاصة في القراءة.. فهي أحيانا قد تضع المعاني الكثيرة في كلمات ومفردات قليلة، تحتاج الكثير من التدبر والتأمل والتفكير، ليرقى القارئ بها إلى ما تختزنه من المعاني السامية.

ذلك أنا قصدنا فيها الاختصار حتى يتيسر للقارئ الاطلاع عليها بكل يسر.. والاختصار يحتاج إلى التأمل والتدبر حتى يحيط بمعانيها، وقد ينال في أثناء تدبره لها ما لم يقصده كاتبها نفسه.

وأسأل الله أن يجعل هذه الرسائل شفيعا لي ولقرائها الكرام يقربنا جميعا ممن أرسلتها لهم.. وأنا موقن تماما أنها وصلت لهم، وأنهم ـ بكرمهم وفضلهم ـ أعظم من أن يردوا من خاطبهم، أو خطب ودهم.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *