الرقيب الشهيد

إلهي.. أيها الرقيب الشهيد.. الذي لا يغيب.. ولا يأفل.. ولا تطرأ عليه الغفلة ولا النسيان.. ولا تحول بينه وبين خلقه الحجب ولا الستور.. وكيف تحول بينه وبينها الحجب، وهو أعظم من أن يُحد أو يُحاط به.
يا رب.. شقي من لم يشهد شهودك ورقابتك وقربك.. وضل من رأى أنك بعيد عنه، أو أنك تحتاج إلى الوسائط لتراه أو تسمعه أو تلبي نداءه.
يا رب.. أنت أقرب إلينا منا.. وأنت أقرب إلى كل شيء منه.. وأنت أعلم بأسرارنا، وما نخفيه في أنفسنا..
أنت تدرك كل ذلك.. فلا يغيب عنك شيء في الأرض ولا في السماء.. ولا في ما نراه من الكون، ولا فيما لا نراه.. بل كل شيء أمامك كشيء واحد.. وأنت أقرب إلى الجميع.
والشقي من بعد عنك.. أو من تصور بعده عنك.. والسعيد من لاحظ قربك، فراعى الأدب معك.. وراح ينهل من فضلك، ويسعد بلقائك، وتطمئن نفسه بحضورك معه، وحضوره معك.
يا رب .. فاجعلني أشهدك في كل شيء حتى لا تغيب عني في شيء..
اجعلني أشهدك في صلاتي، فأخشع لك فيها.. وأعيش معاني كلماتك المقدسة التي علمتنا كيف نخاطبك بها.
واجعلني أشهدك في دعائي ومناجاتي.. حتى يكون دعائي لأجلك، لا لأجل مطالبي.. ومناجاتي لأجل التواصل معك، لا لأجل التوصل لأغراضي وحاجاتي.
واجعلني ـ يا رب ـ أشهدك في صيامي.. فأكف عن كل ما نهيتني عنه لأجلك.. حتى يكون صيامي لك.. وجزائي عليك.
واجعلني أشهد قربك وحضورك معي في كل شؤون حياتي، حتى أراعيك فيها جميعا، فلا تهم نفسي بما يبعدني عنك، ولا أقترب مما يحجبني عن أبواب فضلك وكرمك وقربك.
يا رب.. اجعل أسماءك الحسنى وصفاتك العليا بين عيني في كل حين، حتى أرى الكون جميعا من خلال نظري إليها، وحتى أفتح جميع الأبواب من خلال مفاتيحها.
يا رب.. أيها الرقيب الحاضر.. الشاهد الذي لا يغيب.. والشهيد على كل شيء.. اجعل حبك في قلبي، واملأ به كياني حتى تكون شهادتي لك شهادة المحبين المتحررين بعبوديتهم، لا شهادة الأرقاء الخائفين، أو شهادة التجار الطامعين.
يا رب.. اجعلني أستغني برؤيتك لي عن كل رؤية.. وبشهودك لي عن كل شهادة.. وبحضورك معي عن كل أنيس.. حتى أعيش في رحاب حضرتك المقدسة مستغنيا بك عمن سواك، راضيا بك عمن دونك.
يا رب.. أنا عبدك الضعيف الذليل الحقير المسكين المستكين.. فاجعلني بشهودي لك، وحضوري معك، قويا عزيزا كريما.. حتى ينالني من فضلك، ما يرفعني إلى درجات المقربين منك، أولئك الذين خلصتهم من أنفسهم، وحجبت عنهم شياطينهم، فصاروا عبادك المخلصين، الذين يفر الشيطان من ظلالهم، ويهرب من رؤيتهم.
يا رب.. فكما أنك حاضر معي في كل حين.. فاجعلني حاضرا معك في كل حين.. واجعل قلبي منشغلا برؤيتك، مملوءا بلذة التواصل معك، حتى لا تصيبني الوحشة، ولا يملؤني الكدر، ولا تسيطر علي الغفلة، ولا يستحوذ علي الشيطان.
يا رب .. أنا عبدك الذي ينتظر فضلك.. ويستمطر جودك.. ويرجو قربك.. فاجعلني من المقربين لك.. الممتلئين بحبك.. المشتاقين لجنابك.
واجعلني من أولئك الذين أسكنتهم في رياضك المقدسة في الدنيا قبل الآخرة، حتى أفد إليك، وأسعد بلقائك، وأنا في غاية الطهر والجمال، لأكون حقيقا بمنابر النور التي هيأتها لأوليائك الذين اكتفوا بك عمن سواك.. يا أرحم الراحمين.. يا رب العالمين.