الكلمات المقدسة

الكلمات المقدسة
إلهي.. يا من كل شيء نابع من كلماتك المقدسة.. فكل شيء ثمرة لقولك كن.. فلا يكون إلا ما أمرت بكينونته.. ولا يحدث إلا ما أمرت بإحداثه.
لقد رحت أتأمل في معاني كلماتك، فرأيت أنها من أعظم نعمك على عبادك.. فلولاها لم يعرفوك، ولولاها لم يهتدوا إليك، ولولاها لم يتمكنوا من السير إلى حضرتك.. فبكلماتك دللتهم، وببيانك وضحت لهم معالم الطريق حتى لا يقعوا في الضلالة، أو تأسرهم الأهواء.
لقد كانت كلماتك يا رب أعظم دليل لنا عليك.. فبها عرفنا رحمتك ولطفك وكرمك.. وبها عرفنا حقيقتنا ومصيرنا.. وبها عرفنا ما ترضاه منا، وما لا ترضاه.. وما يقربنا منك، وما يبعدنا.. وما يزلفنا لديك وما يطردنا.
ولولاها يا رب لعشنا في غياهب الظلمات والعمى.. نتناول النعمة من غير أن نعرف مصدرها.. ونعيش الحياة من غير أن نعرف حقيقتها ولا نهايتها.. فكلماتك هي الهدى الذي أنقذنا من كل ضلالة، وهي النور الذي أطفأ عنا كل الظلمات.
وكلماتك يا رب هي حبلك الممدود إلينا الذي من تعلق به نجا.. ومن نفر عنه هلك.
وكلماتك يا رب هي سفينة النجاة التي لا ينجو إلا من ركبها صادقا مخلصا مذعنا لمن جعلته ربانها.
وكلماتك يا رب هي البلسم الذي يداوي الجروح، ويشفي ما في الصدور، ويرفع كل هم، ويزيل كل ألم.
كلماتك يا رب هي ربيع القلوب الذي لا تذبل أزهاره، ولا تنقطع ثماره، ولا تجف أرضه، ولا تصيب العلل نسيمه.
لقد عشت يا رب في رحاب كلماتك المقدسة، وأرى تجلي جمالك فيها.. وكانت مرشدي إليك ولكل حقائق الوجود.. ولولاها لصرت مثل كل أولئك الذين ضلوا لأنهم لم يعرفوك، واكتفوا بنيل الحقائق من عقولهم المدنسة بدل أخذها من كلماتك المقدسة.
يا رب.. لقد ترك بعضهم الحقائق المرتبطة بكلامك.. وراح يبحث في تفاصيلها بعقله.. ليحول من كلامك مادة للجدل والهذر والتكفير والتبديع.
لقد صور له هواه أن الكلام محصور فيما نستعمله نحن البشر من الوسائل.. وأن المتكلم يحتاج إلى شفتين ولسانا وأسنانا وهواء وموجات صوتية.. فراح يفرض عليك ذلك كله.. وهو لا يعلم أنك القدوس الذي تنزه عن الآلات.. والغني الذي لا يحتاج إلى الوسائط.. ولذلك تتكلم متى تشاء كيف تشاء.. بأي لسان تشاء..
ولو أن هؤلاء تواضعوا، وعلموا قدرهم، وأنهم أحقر من أن يخوضوا فيما لا يعرفونه، لتناولوا الثمرة دون أن يبحثوا في حقائقها.. فعقولهم أحقر من أن تصل إليها، وكيف تصل إليها، وهم لا يعرفون أدنى شيء يتعلق بأجسادهم وأعضائهم وحياتهم.. فكيف يريدون معرفة الحقائق التي لا يتطرق لها الخيال، ولا تدركها العقول، ولا تلمسها الأوهام.
إلهي .. فأعذني من ذلك الجدل.. أو من الخوض فيما لا أطيقه.. واجعلني أعيش كلماتك بكل قداستها ولطفها وسموها.. حتى أرحل إليك بها وأنا طاهر من التلوث بالأهواء والمراء والخصومة.
إلهي .. واجعلني أستمع إلى كلماتك المقدسة، ولا أكتفي فقط بقراءتها.. أستمع إليها من بحر الأزلية والأبدية.. لأعيش معانيها وحقائقها وأتذوق جمال ملقيها والمتكلم بها.. فما أعظم أن نسمع كلماتك منك.
إلهي وحدثني في سري بكل معاني قداستك.. فما أجمل أن يكون الحديث بيني وبينك.. وما أجمل أن تكون معلمي ومؤدبي وأستاذي.. وما أجمل أن أعيش معك في كل الشؤون.. فأنت يا إلهي تكلم من تشاء بما تشاء كيف تشاء.
وكيف تحرمني يا رب من كلماتك، وأنت الذي كلمت النحل، وهديتها إلى مراشد أمورها.. فكما كلمتها فكلمني، وكما هديتها، فاهدني، وكما علمتها فعلمني.
يا رب.. أنت تراني كل حين أتوجه إليك بالسؤال.. ثم أكف خواطر السوء عني لأستمع لكلماتك وإلهامك.. فكف عني كل ما يحول بينك وبيني.. وأعذني من الشيطان الذي يخلط إلهامه بإلهامك، وكلامه بكلامك.. إنك على كل شيء قدير.