الطبيب الشافي

الطبيب الشافي
إلهي .. أيها الطبيب الشافي .. يا من اسمه دواء، وذكره شفاء.
يا من إذا ما اعترتنا العلل، وتنزلت علينا الأدواء، وفتكت بنا الأمراض، لجأنا إليه، فشفى صدورنا من الهم والغم.. وشفى أبداننا من النصب والوصب.. وشفى حقائقنا من الكروب والعيوب.
نحن نعلم ـ يا رب ـ أنك غني عن أن تصيبنا الأمراض، فإبداعك العظيم لا يعجز عن أن يخلق جسما لا يمكن لأي شيء أن يؤثر فيه، لكنك يا رب لم تفعل ذلك، لا لقسوتك على خلقك، وإنما لرحمتك بهم.. فتلك الأمراض، وإن فتكت بأجسادهم، فقد فتكت قبل ذلك بغرورهم وكبرهم.. وهي بذلك أصابت جزءا بسيطا منهم، وهو أحقر أجزائهم، لتحفظ الركن الحقيقي الذي تتكون منه ذواتهم.
يا رب .. فأنت الغني عن أن تصيبني الأدواء، وأنواع البلاء، فعافني منها بكرمك، وارزقني حسناتها من غير أن تذيقني ويلاتها.
يا رب.. لقد كان من فضلك العظيم على خلقك أنك ما أنزلت عليهم داء إلا أنزلت معه الدواء الذي يعالجه، ليعرفوا أن كل شيء منك، وأنه بيدك مقاليد كل شيء.. مقاليد الصحة والمرض.. ومقاليد العافية والبلاء.. وكل ذلك ليعودوا إليك، وليتعرفوا عليك.. فأنت هو الدواء الأكبر، وأنت هو المطلوب الأعظم.
وأنت يا رب.. بفضلك ومنك وكرمك .. تجازي المريض الذي تحمل البلاء، وصبر على اللأواء، بما هو أعظم من الدواء، وهو ذلك الفضل العظيم الذي أتحته له، بتكفير خطاياه، وتطهير نفسه من كل الأدران التي أنزلتها به جراثيم العافية.
يا رب.. لقد ذكرت لنا في كلماتك المقدسة قصة عبدك الصالح أيوب.. ذلك الذي اعترته الأمراض، فلجأ إليك، وصرخ باكيا بين يديك، فأنجدته، وأنقذته، وأرسلت عليه من برد عافيتك ما أعاد إليه صحته، ومعها كل ما ضاع منه.
يا رب.. فكما رحمته، فارحمنا، وكما شفيته فاشفنا، وكما أنزلت عليه برد عافيتك ولطفك.. فأنزل علينا برد عافيتك ولطفك {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا } [طه: 33 – 35]
إلهي جل عطاؤك أن يحتاج إلى دعائي، فأنت أكرم الأكرمين، وأنت الذي تعطي من سألك، وتبادر من لم يسألك.. فأسألك يا رب من جميل العافية، وحسن اللطف ما تداوي به أدوائي التي لا أعلمها، وآفاتي التي لا أراها، ونقصي الذي لا أستطيع سده.
إلهي.. وأسألك أن تعالج أمراض نفسي التي هي أخطر من أمراض جسدي.. فطهر نفسي من كل ما يصرفني عنك، ويجعلني بعيدا عنك.
طهرني ـ يا رب ـ من العجب والغرور والكبر والسمعة والرياء والجبن والبخل وكل الأمراض التي تفسد فطرتي، وتمنع الحقائق من أن تتنزل على قلبي.
وأسألك ـ يا رب ـ أن تعالج عقلي، وتطهره من تلك الحجب التي تحول بينه وبين إدراك الحقائق، حتى يعبدك عن علم لا عن جهل، وعن قناعة لا عن تقليد، وعن يقين لا عن وهم.
وأسألك يا رب أن تعالج روحي من التثاقل إلى الأرض، والنزوع إلى النزوات، والشره للدنيا.. فاجعلها يا رب مقبلة عليك، قابلة بك، راضية بصحبتك، مستغنية عمن سواك.
وأسألك يا رب أن تعالج لساني من كل الآفات لتجعله كألسنة رسلك وأنبيائك وأوليائك، مليئا بذكرك وشكرك، لا يتكلم الكلمة إلا بعد أن يزنها بموازين الحق، فلا ينطق بغيبة ولا نميمة ولا فحش ولا بذاءة.. بل يكون طاهرا كطهارة الحقائق، جميلا كجمال آثارها.
وأسألك يا رب أن تعالج جميع جوارحي من كل ما يفتك بها من أدواء الظاهر والباطن، والحس والمعنى، حتى تؤدي ما كلفت به من وظائف، وحتى لا تصبح نعمتك علي بها وبالا علي وعليها.
وأسألك يا رب أن تملأني من العافية ظاهرا وباطنا حتى أقدم عليك طاهرا كما خلقتني، قد حفظت الأمانة وصنتها، ولم أفرط في السير إليك، ولا الإقبال عليك.
إلهي .. أيها الطبيب الشافي.. جل اسمك من أن تكون كأولئك الأطباء الذي وهبتهم بعض المعارف، ليعالجوا بعض الأدواء.. فأنت تعالج كل شيء، وبلمح البصر، ومن غير حاجة إلى دواء، لأنك أنت الدواء.. أنت الطبيب، وأنت الدواء.
فاجعلني يا رب منشغلا بك، وبذكرك، والأنس بك، حتى ينصرف عني كل ما يؤلمني أو يبعدني أو يحجبني أو يحول بيني وبينك.