الفصل الثاني: الإمام الحسين والقيم الروحية

الفصل الثاني

الإمام الحسين والقيم الروحية

لا يمكن لأحد أن يفهم الإمامة، ويعرف سرها وخصائصها ووظائفها وقيمتها، دون أن يعرف القيم الروحية التي ترتبط بها، ذلك أن قيمة الإمام تتأسس على علاقته بالله قبل أن تتأسس على علاقته بالخلق، والإمام ـ كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة ـ ولي الله الأعظم، وحجته الكبرى على خلقه، ولذلك اختاره الله ليكون سراج هداية، وراية حق، وسراطا مستقيما.

وقد أشار إلى هذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أئمة يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 73]، وقال: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أئمة يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة: 24]

وهذه الآيات الكريمة لا تنص فقط على أئمة بني إسرائيل، بل هي تعم كل الأمم؛ فلا يمكن أن تتم حجة الله على خلقه ما لم يكن هناك هداة يتمثل فيهم الدين أحسن تمثل، ليكونوا هداة لأقوامهم بأقوالهم وأفعالهم، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ [الرعد: 7]

وقد ورد في الحديث الشريف الذي سبق ذكره، والذي اتفقت عليه الأمة ما يدل على علاقة القيم الروحية بالولاية، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (قال الله عز وجل: من أهان لي وليا فقد أرصد لمحاربتي، وما تقرب إلي عبد بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وإنه ليتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته)([1])

وهذا الحديث يرسم بدقة خصائص أولياء الله، ووظائفهم وقدراتهم، وهو يدل على أن هذه الإمامة ليست مجرد هبة إلهية، وإنما هي جهد وعمل وكسب، كما قال تعالى: ﴿ الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام: 124]

بناء على هذا نحاول في هذا الفصل أن نبين بعض مظاهر القيم الروحية التي اتصف بها الإمام الحسين ، أو دعا إليها، ونرى علاقتها بالقرآن الكريم، أو بما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الأئمة ، ودورها في الحفاظ على الدين الأصيل، ومواجهة التحريفات التي لحقت به في الأزمنة المختلفة.

وقد رأينا تقسيمها بحسب ما هو متعارف إلى نوعين من القيم:

القيم المرتبطة بالشعائر التعبدية: كالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن الكريم ونحوها، باعتبارها وسائل التربية الروحية، ودلائل التحقق بمقاماتها.

القيم المرتبطة بالسلوك الباطني: كالإخلاص والتسليم والتفويض والتوكل والحمد والشكر والأنس والمحبة وغيرها.

وسنتناول كلا القسمين في المبحثين التاليين:

أولا ـ الإمام الحسين والقيم المرتبطة بالشعائر التعبدية:

من المظاهر المشتركة عند جميع الأئمة الاهتمام بالشعائر التعبدية وتعظيمها، واعتبارها أقرب السبل للسلوك إلى الله تعالى، وذلك على عكس تلك المناهج الكثيرة المستحدثة التي أدخلتها بعض المدارس الصوفية إلى الإسلام، والتي استهانت بالشعائر التعبدية، واستبدلتها بالكثير من الطقوس التي تصورت أنها أكثر جدوى في التقريب من الله، وسلوك السبيل إليه.

ولهذا نجد الإمام علي يذكر أن الصراع بينه وبين الأمويين وأتباعهم وأذنابهم لم يكن صراعا سياسيا فقط، وإنما كان صراعا مرتبطا بالقيم الروحية والإيمانية، وخصوصا الصلاة، باعتبارها المحل الذي تجتمع فيه كل القيم الدينية.

وقد روى عنه الديلمي أنه كان يوما في حرب صفين مشتغلا بالحرب والقتال، وهو مع ذلك بين الصفين يرقب الشمس، فقال له ابن عباس: يا أمير المؤمنين، ما هذا الفعل؟ فقال الإمام علي : أنظر إلى الزوال حتى نصلي، فقال له ابن عباس: وهل هذا وقت صلاة؟! إن عندنا لشغلا بالقتال عن الصلاة، فقال الإمام علي : (على ما نقاتلهم؟! إنما نقاتلهم على الصلاة)([2])

ولهذا كان يوصي المؤمنين وأسرته ـ بمن فيهم الإمام الحسين ـ كل حين بالاهتمام بالشعائر التعبدية، امتثالا لتلك الأسوة التي ذكرها الله تعالى؛ فقال: ﴿اذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أهلهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 54، 55]

ومن الأمثلة على ذلك قوله: (تعاهدوا أمر الصّلاة، وحافظوا عليها، واستكثروا منها، وتقرّبوا بها، فإنّها ﴿كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً﴾.. ألا تسمعون إلى جواب أهل النّار حين سئلوا: ﴿ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ‏﴾.. وإنّها لتحتّ الذّنوب حتّ الورق، وتطلقها إطلاق الرّبق، وشبّهها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحمّة تكون على باب الرّجل، فهو يغتسل منها في اليوم واللّيلة خمس مرّات، فما عسى أن يبقى عليه من الدّرن.. وقد عرف حقّها رجال من المؤمنين، الّذين لا تشغلهم عنها زينة متاع، ولا قرّة عين من ولد ولا مال، يقول الله سبحانه: ﴿رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وإِقامِ الصَّلاةِ وإِيتاءِ الزَّكاةِ﴾ [طه: 132].. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصبا بالصّلاة بعد التّبشير له بالجنّة، لقول الله سبحانه: ﴿وأْمُرْ أهلكَ بِالصَّلاةِ واصْطَبِرْ عَلَيْها﴾، فكان يأمر بها أهله ويصبر عليها نفسه) ‏([3])

ومن وصيته لأبنائه، وهو يحتضر قوله: (الله، الله في القرآن! لا يسبقكم بالعمل به غيركم.. والله، الله في الصّلاة! فإنّها عمود دينكم.. والله، الله في بيت ربّكم! لا تخلّوه ما بقيتم؛ فإنّه إن ترك لم تناظروا) ([4])

وقال في وصية أخرى: (وليكن في خاصة ما تخلص به لله دينك: إقامة فرائضه التي هي له خاصة، فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك، ووف ما تقربت به إلى الله من ذلك كاملا غير مثلوم ولا منقوص، بالغا من بدنك ما بلغ. وإذا قمت في صلاتك للناس، فلا تكونن منفرا ولا مضيعا، فإن في الناس من به العلة وله الحاجة. وقد سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين وجهني إلى اليمن كيف أصلي بهم فقال: (صل بهم كصلاة أضعفهم، وكن بالمؤمنين رحيما)([5])

وعلى هذا المنهاج سار الإمام الحسين ؛ فقد كان يهتم بالشعائر التعبدية، ويدعو إلى التزامها وحفظها وإقامتها بحسب ما أمر الله، وبحسب السنة المطهرة التي رآها بنفسه، أو رأى أباه الإمام ينفذها.

وقد روي عن الإمام الباقر أنه قال: (حدثني من رأى الحسين بن علي، وهو يصلى في ثوب واحد، وحدثه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلى في ثوب واحد)([6])

وعن الإمام الصادق قال: (صلى الحسين في ثوب قد قلص عن نصف ساقه، وقارب ركبتيه، ليس على منكبه منه إلا قدر جناحي الخطاف، وكان إذا ركع سقط عن منكبيه، وكلما سجد يناله عنقه فرده على منكبيه بيده، فلم يزل ذلك دأبه ودأبه مشتغلا به حتى انصرف)([7])

واتفق المؤرخون على مدى اهتمامه بممارسة جميع أنواع الشعائر التعبدية، ومن أمثلة ذلك قول ابن الأثير: (وكان الحسين رضي الله عنه فاضلاً، كثير الصوم، والصلاة، والحج، والصدقة، وأفعال الخير جميعها)([8])

وقد شهد به بذلك كل من عاصره؛ فقد روي عن عبدالله بن الزبير أنه قال: (أما والله لقد قتلوه، طويلاً بالليل قيامه، كثيراً في النهار صيامه)([9])

وهكذا يتفق المؤرخون على أنه كان كثير الحجّ، وأنه حجّ خمساً وعشرين حجّة ماشياً على قدميه، وكانت نجائبه تقاد بين يديه، وكان يمسك الركن الأسود ويناجي الله ويدعو قائلاً: (إلهي، أنعمتني فلم تجدني شاكراً، وابتليتني فلم تجدني صابراً؛ فلا أنت سلبت النعمة بترك الشكر، ولا أدمت الشدّة بترك الصبر. إلهي ما يكون من الكريم إلاّ الكرم)([10])

وروي أنه خرج معتمراً لبيت الله، فمرض في الطريق، فبلغ ذلك أباه أمير المؤمنين وكان في يثرب، فخرج في طلبه فأدركه في (السقيا) وهو مريض، فقال له: (يا بني، ما تشتكي؟) فقال: (أشتكي رأسي)، فدعا أمير المؤمنين () ببدنة فنحرها، وحلق رأسه وردّه إلى المدينة، فلمّا أبل من مرضه قفل راجعاً إلى مكة واعتمر ([11]).

ولم يكن يكتفي بالاهتمام بأداء الشعائر التعبدية، وإنما كان يدعو إلى الاهتمام بمقاصدها، حتى لا تتحول إلى مجرد طقوس لا دور لها في تقويم الشخصية وإصلاح المجتمع، ومن الأمثلة على ذلك قوله جوابا لمن سأله عن الحكمة من تشريع الصوم: (ليجد الغني مسّ الجوع فيعود بالفضل على المساكين)([12])

ولهذا كله يذكر الزائرون عند زيارتهم لمقام الإمام الحسين ذلك الاهتمام العظيم الذي كان يبديه للشعائر التعبدية بجميع أصنافها، ومن أمثلتها قولهم: (أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، وأطعت الله ورسوله حتى أتاك اليقين)([13])

انطلاقا من هذا سنحاول أن نذكر هنا بعض مظاهر اهتمام الإمام الحسين بالشعائر التعبدية، وآدابها التي تؤهلها لأداء دورها في التربية الروحية، والسلوك إلى الله تعالى.

1 ـ الإمام الحسين وإقامة الصلاة:

تعتبر إقامة الصلاة من أهم الشعائر التعبدية التي اتفق القرآن الكريم والأحاديث النبوية المطهرة، والروايات الواردة عن أئمة أهل بيت النبوة على تعظيمها واعتبارها من أقصر الطرق وأقرب الوسائل إلى الله تعالى.

ولهذا كان الإمام الحسين يوليها عنايته الكبرى، بسلوكه وخطاباته وتوجيهاته، بل إنها نالت حظها من اهتمامه الكبير، وفي أحلك الظروف التي مر بها في كربلاء.

وكان يؤديها مرتبطة بجميع مقاصدها الشرعية من الخشوع، وذكر الله، والحرص على أوقاتها، وكل ما ذكر في القرآن الكريم من كيفية إقامتها، وقد روي عنه في ذلك أنه كان يصلى، فمر بين يديه رجل فنهاه بعض جلسائه، فلما انصرف من صلاته قال له: لم نهيت الرجل؟ فقال: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطر فيما بينك وبين المحراب، فقال: (ويحك إن الله عز وجل أقرب إلي من أن يخطر فيما بينى وبينه أحد)([14])

وكان يكثر منها كما يكثر من سائر الشعائر التعبدية، وقد ذكرنا سابقا قول ابن الأثير: (وكان الحسين رضي الله عنه فاضلاً، كثير الصوم، والصلاة، والحج، والصدقة، وأفعال الخير جميعها)([15])، ومثله قول عبدالله بن الزبير: (أما والله لقد قتلوه، طويلاً بالليل قيامه، كثيراً في النهار صيامه)([16])

وقيل للإمام السجاد : ما أقل ولد أبيك؟ فقال: (العجب كيف ولدت، كان يصلى في اليوم والليلة ألف ركعة)([17])

ومن أكبر دلائل اهتمامه بالصلاة وتعظيمه لها، ما حصل ليلة العاشر، فمع كونها كانت ليلة لا تقل عن تلك الليالي التي وصفها الله تعالى بقوله: ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِالله الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 10، 11]

لكن الإمام الحسين والثلة المؤمنة الذين كانوا معه، لم يتزلزلوا، ولم يظنوا بالله ظن السوء، ولم تبلغ قلوبهم الحناجر، بل باتوا قائمين ساجدين راكعين، وكأن تلك المجزرة الرهيبة التي لم يحصل مثلها في التاريخ كانت تنتظرهم.

فقد ذكر المؤرخون أن الإمام الحسين قال لأخيه أبي الفضل العباس يوم التاسع من المحرم: (ارجع إليهم؛ فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غد، وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني كنت قد أحب الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار)([18])

وقد ذكر بعض الرواة الذين شهدوا تلك الليلة؛ فقال: (وبات الحسين وأصحابه تلك الليلة ولهم دوي كدوي النحل، ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد)([19])

وروي ابن كثير عن الإمام علي بن الحسين قوله‏: (بات الحسين وأصحابه طول ليلهم يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون، وخيول حرس عدوهم تدور من ورائهم، عليها عزرة بن قيس الأحمسي، والحسين يقرأ: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178) مَا كَانَ الله لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ [آل عمران: 178، 179])([20])

لكن كل هذا ـ مع أهميته الكبرى ـ لم يكن يساوي شيئا أمام ذلك الحرص على أداء صلاة الجماعة يوم الملحمة الكبرى، وفي ظل تلك المخاطر العظيمة التي كانت تحيط بهم، فقد روى المؤرخون أنه لما استشهد عدد كبير من أصحاب الإمام الحسين في يوم العاشر من محرم، وتناقص عددهم، جاء أبو ثمامة الصيداوي([21])، وقال للإمام الحسين : (نفسي لك الفداء، إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، لا والله، لا تُقتل حتى أُقتل دونك، وأحبّ أن ألقى الله وقد صليت هذه الصلاة التي دنا وقتها)؛ فرفع الإمام رأسه إلى السماء وقال: (ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين، نعم، هذا أول وقتها)، ثم قال: (سلوهم أن يكفّوا عنّا حتى نصلّي)([22])

لكن المجرمين الذين كانوا يزعمون الإسلام لم يلفت انتباههم كل ذلك الاهتمام بالصلاة، وكيف يلتفتون إليها، وهم لم يلتفتوا للإمام الحسين الذي كان يمثل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل يمثل الإسلام والقرآن الكريم وكل القيم النبيلة، وهذا يدل على أن الذي يقصر في حق الإمامة سيقصر في كل ما عداها كما روي عن الإمام الباقر قوله: (بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية، قال زرارة: فقلت: وأي شئ من ذلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضل، لأنها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن، قلت: ثم الذي يلي ذلك في الفضل؟ فقال: الصلاة إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: الصلاة عمود دينكم، قال: قلت: ثم الذي يليها في الفضل؟ قال: الزكاة لأنه قرنها بها وبدأ بالصلاة قبلها وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الزكاة تذهب الذنوب.أما لو أن رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله عز وجل حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان)([23])

ولهذا قال الناصبي الكبير الحصين بن نمير([24]) مجيبا لذلك الطلب: (إنها لا تقبل)، فقال له حبيب بن مظاهر: (لا تقبل الصلاة زعمت من ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقبل منك يا خمار([25]) )([26])

وروي أن الإمام الحسين قال حينها لزهيربن القين وسعيد بن عبد الله: تقدما أمامي حتى أصلي الظهر؛ فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى صلى بهم صلاة الخوف.

وروي أن سعيد بن عبد الله الحنفي تقدم إمام الحسين ، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلما أخذ الحسين يمينا وشمالا، قام بين يديه، فما زال يرمى به حتى سقط إلى الأرض وهو يقول: (اللهم العنهم لعن عاد وثمود، اللهم أبلغ نبيك السلام عني وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح)، فاني أردت بذلك نصرة ذرية نبيك ثم مات رضوان الله عليه، فوجد به ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح([27]).

وكل هذه الروايات التاريخية لا تدل فقط على اهتمام الإمام الحسين بالصلاة؛ فذلك مما لا شك فيه، فمن شروط الإمام الأساسية كما ذكر القرآن الكريم الصلاة، فقد قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أئمة يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: 73]

وإنما تدل فوق ذلك على أن إقامة الصلاة ـ بالهيئة التي أمر الله تعالى بها ـ من قيم الدين الأساسية التي حاول الشيطان عن طريق أتباعه من المحرفين للدين أن يتلاعبوا بها، وقد روى المحدثون والمؤرخون الكثير من التصريحات من الصحابة وغيرهم على حصول ذلك، فقد وضع البخاري في صحيحه الذي يعتبر من أوثق مصادر الأحاديث في المدرسة السنية بابا بعنوان [باب تضييع الصلاة عن وقتها] روى فيه عن أنس بن مالك قوله: (ما أعرف شيئاً مما كان على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قيل: الصلاة؟ !، قال: أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها)([28])

وروى فيه عن عثمان بن أبي رواد قال: سمعت الزهري يقول: دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي، فقلت: ما يُبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً مما أدركت إلاّ هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت)([29])

ومن الأمثلة على ذلك التضييع ما رواه عباد بن عبد الله بن الزبير قال: لما قدم علينا معاوية حاجا قدمنا مكة قال: فصلى بنا الظهر ركعتين ثم انصرف إلى دار الندوة قال: وكان عثمان حين أتم الصلاة إذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعا أربعا فإذا خرج إلى منى وعرفات قصر الصلاة فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة حتى يخرج فلما صلى بنا معاوية الظهر ركعتين نهض إليه مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان فقالا له: ما عاب أحد ابن عمك بأقبح ما عبته به فقال لهما: ويحكما وهل كان غير ما صنعت؟ قد صليتهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومع أبي بكر ومع عمر فقالا: فإن ابن عمك قد كان أتمها وإن خلافك إياه عيب له قال: فخرج معاوية إلى العصر فصلاها بنا أربعا)([30])

وهكذا ورد في الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت ما يدل على كون الصلاة كانت هدفا من أهداف التحريف التي حاول الشيطان عبر أدواته أن يمارسها مع الإسلام مثلما مارسها مع سائر الأديان، فقد روي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لأبي ذر: (كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها؟) قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: (صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل، فإنها لك نافلة)([31])

ولهذا نرى أئمة أهل البيت ينصون على أهمية الصلاة، وأنه لا يصح لأحد أن يدعي مولاتهم ولا التشيع لهم دون الاهتمام بها، فعن أبي بصير قال: دخلت على أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله الصادق فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت: يا أبا محمد، لو رأيت أبا عبد الله عند الموت لرأيت عجبا، فتح عينيه ثم قال: اجمعوا إلي كل من بيني وبينه قرابة، قالت: فلم نترك أحدا إلا جمعناه، قالت: فنظر إليهم ثم قال: (إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة)([32])

ونرى كذلك اهتمامهم بهيئتها وأدائها بحسب الصفة التي صلاها بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فعن الإمام الصادق أنه قال: أبصر علي بن أبي طالب رجلا ينقر بصلاته فقال: منذ كم صليت بهذه الصلاة؟ فقال له الرجل: منذ كذا وكذا، فقال: مثلك عند الله كمثل الغراب إذا ما نقر، لو مت مت على غير ملة أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: (إن أسرق الناس من سرق صلاته)([33])

وعنه قال: (الله إنه ليأتي على الرجل خمسون سنة وما قبل الله منه صلاة واحدة فأي شيء أشد من هذا؟! والله إنكم لتعرفون من جيرانكم وأصحابكم من لو كان يصلي لبعضكم ما قبلها منه لاستخفافه بها، إن الله جل جلاله لا يقبل إلا الحسن، فكيف يقبل ما يستخف به)([34])

أما خشوعهم وخضوعهم لله أثناءها؛ فكلهم كانوا مثلما كان الإمام الحسين في صلاته بكربلاء، عندما انشغل بها عن كل تلك الجحافل التي اجتمعت لحربه، وقد روي أن الإمام علي كان إذا حضر وقت الصلاة يتململ ويتزلزل ويتلون، فقيل له: ما لك يا أمير المؤمنين؟!، فيقول: جاء وقت الصلاة، وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها)([35])

وعن الإمام الصادق قال: (كان علي إذا قام إلى الصلاة فقال: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض) تغير لونه حتى يعرف ذلك في وجهه)([36])

وقال الإمام زين العابدين يصف صلاة الإمام الحسن : (إن الحسن بن علي عليهما السلام كان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه جل جلاله، وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم، وسأل الله الجنة وتعوذ بالله من النار)([37])

وقال الإمام الباقر يصف صلاة أبيه الإمام زين العابدين: (كان علي بن الحسين صلوات الله عليهما إذا قام في الصلاة كأنه ساق شجرة لا يتحرك منه شي ء إلا ما حركه الريح منه)([38])

وقال: (كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا قام في صلاته غشي لونه لون آخر، وكان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل، كانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله جل جلاله، وكان يصلي صلاة مودع يرى أنه لا يصلي بعدها أبدا)([39])

وقال الإمام الصادق : (كان علي بن الحسين صلوات الله عليهما إذا قام في الصلاة تغير لونه، فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقا)([40])

وهكذا روي عن سائر الأئمة، وكل ذلك التعظيم للصلاة، والخشوع فيها تأسيا بجدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما روي عنه ذلك في مصادر الفريقين، فقد روت عائشة عنه قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحدثنا ونحدثه، فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه)([41])

وقال الإمام زين العابدين: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقف في الصلاة حتى يرم قدماه)([42])

وقال الإمام الباقر : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند عائشة ليلتها، فقالت: يا رسول الله، لم تتعب نفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: (يا عائشة، ألا أكون عبدا شكورا؟)([43])

2 ـ الإمام الحسين والقرآن الكريم:

ربما يكون أحسن وصف للعلاقة التي كانت تربط الإمام الحسين بالقرآن الكريم هو ذلك الوصف الذي وصف به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العلاقة بين أئمة أهل البيت والقرآن الكريم، والتي عبر عنها في حديث الثقلين بقوله: (إنِّي تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا بعدي ـ أحدُهما أعظمُ من الآخَر:كتاب الله، حبْلٌ ممدودٌ من السَّماء إلى الأرض، وعِترتي أهل بيتي، ولن يتفرَّقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ، فانظروا كيف تَخلُفوني فيهما)([44])

وهو تعبير في منتهى البلاغة يدل على أن الإمام الحسين ـ وهو باتفاق الأمة جميعا من أوائل الذين ينطبق عليهم الحديث ـ مجتمع مع القرآن الكريم، ومتحد به، بحيث لا ينفك عنه؛ فسلوكه سلوك قرآني، وأخلاقه أخلاق قرآنية، ومعارفه مستمدة من بحار القرآن الكريم التي لا تنفذ، وهكذا ينطق كل شيء فيه بالقرآن الكريم؛ حتى استحق ذلك التعبير الذي وصف به جميع أئمة أهل البيت ، بكونهم قرآنا ناطقا، أو قرآنيا عمليا واقعيا يراه الناس بأعينهم.

وقد عبر الإمام السجاد عن هذا المعنى، وفسر به معنى عصمة الإمام؛ فقال: (الإمام منّا لا يكون إلّا معصوما، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، فلذلك لا يكون إلّا منصوصا)، فقيل له: يا ابن رسول الله، فما معنى المعصوم؟ فقال: (هو المعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن، لا يفترقان إلى يوم القيامة، والإمام يهدي إلى القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام، وذلك قول الله عزّ وجلّ: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: 9])([45])

بناء على هذا نحاول في هذا المبحث ـ باختصار ـ أن نذكر بعض مظاهر علاقة الإمام الحسين بالقرآن الكريم، ودورها في الحفاظ على القيم الأصيلة للدين، وذلك من خلال العنوانين التاليين:

أ ـ الإمام الحسين وعلاقته بالقرآن الكريم:

من الصعب الحديث عن علاقة الإمام الحسين بالقرآن الكريم، ذلك أن حياته كلها يمكن أن توضع ضمن هذه العلاقة، ولهذا لا نستغرب وجود الإشارات الكثيرة إليه في القرآن الكريم، إما بصراحة ووضوح متفق عليه، أو بتلميح قريب مختلف فيه.

فمن المتفق عليه عند جميع المسلمين أنه من النفر الذين ذكروا في آية التطهير، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهل الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب: 33]، وكيف لا يتفقون على ذلك، وقد ورد في الحديث الصحيح المتفق عليه عند الفريقين ما يدل على أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم اعتبر عليّاً وحسناً وحسيناً وفاطمة، هم المصاديق الذين تنزلت فيهم تلك الآية الكريمة.

ففي الحديث عن عائشة قالت: (خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم غداة وعليه مرط مرحل، من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهل الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب: 33])([46])

وعن شداد أبي عمار، قال: دخلت على واثلة بن الأسقع، وعنده قوم، فذكروا عليا ، فلما قاموا قال لي: ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قلت: بلى، قال: أتيت فاطمة رضي الله تعالى عنها أسألها عن علي، قالت: توجه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه علي وحسن وحسين رضي الله تعالى عنهم، آخذ كل واحد منهما بيده، حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة، فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسنا، وحسينا كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبه ـ أو قال: كساء ـ ثم تلا هذه الآية: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهل الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب: 33]، وقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق)([47])

ومن المتفق عليه كذلك أنه من الذين تشملهم آية المودّة التي فرض الله تعالى فيها مودّة أهل البيت ، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ الله غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [الشورى: 23]؛ فقد ذهب جمهور المسلمين إلى أنّ المراد بالقربى هم: علي وفاطمة وابناهما الحسن والحسين، وأنّ اقتراف الحسنة إنّما هي في مودّتهم ومحبّتهم.

ومن تلك الروايات ما حدث به ابن عباس قال: (لمّا نزلت هذه الآية ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ الله غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [الشورى: 23] قالوا: يا رسول الله، مَن قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودّتهم؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: (علي وفاطمة وابناهما)([48])

ولهذا نرى احتجاج أئمة أهل البيت بهذه الآية الكريمة على الذين سلبوهم ما أعطاهم الله من مرجعية وإمامة الأمة، ومن الأمثلة على ذلك أن الإمام الحسن قال في بعض خطبه في مواجهة التحريف الأموي: (وأنا من أهل البيت الذين افترض الله مودّتهم على كل مسلم، فقال تبارك وتعالى: ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ الله غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [الشورى: 23]، فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت)([49])

بل نرى نصوصا كثيرة من أئمة أهل السنة تؤيد ذلك، وتعتبره، وتحتج به على فضل أهل البيت ومكانتهم، ومنها ذانك البيتان المرويان عن الشافعي وقوله ([50]):

يا أهل بيتِ رسولِ الله حبّكمُ

   فرضٌ من الله في القرآن أنزلهُ

كفاكُمُ من عظيمِ القدرِ أنّكُمُ

   مَن لم يصلِّ عليكُمْ لا صلاة له

 ومن المتفق عليه كذلك أنه من الذين تشملهم آية المبأهلة، وهي قوله تعالى: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ الله عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ [آل عمران: 61]

فقد اتّفق المفسّرون أنّها نزلت في أهل البيت بمن فيهم الإمام الحسين بسبب الروايات الواردة في ذلك، والتي تعتبر (أَبْنَاءَنَا) إشارة إلى الحسَنَين (عليهما السّلام)، (وَنِسَاءَنَا) إشارة إلى فاطمة (عليها السّلام)، (وَأَنْفُسَنَا) إشارة إلى علي ([51]).

ومن المتفق عليه عند أكثر المفسرين أنه من الذين تشملهم آيات الأبرار، وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ الله شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا﴾ [الإنسان: 5 ـ 11]

وقد ذكر هذا أكثر المفسّرين والمحدّثين([52])، فقد رووا أن سبب نزولها مرتبط بالإمام علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين (عليهما السّلام)؛ فعن عطاء عن ابن عباس أنه ذكر أن الإمام علي أجر نفسه يسقي نخلا بشيء من شعير ليلة حتى أصبح، وقبض الشعير وطحن ثلثه، فجعلوا منه شيئا ليأكلوه، يقال له: الخزيرة، فلما تم إنضاجه، أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام، ثم عمل الثلث الثاني، فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه، ثم عمل الثلث الباقي، فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه، وطووا يومهم ذلك، فأنزلت فيه هذه الآية)([53])

وهذه الآيات المتفق على نزولها في حق الإمام الحسين وأهل بيت النبوة، أما المختلف فيها، فكثيرة جدا، وهي كلها تشير إلى أن الحركة الحسينية كانت مستمدة من القرآن الكريم، وأنه أول مصاديقها، ولا يجادل في ذلك إلا من أشرب الهوى الأموي، وتأثر بتلك التحريفات التي أدخلوها، فتصور أن خروج الإمام الحسين لم يكن خروجا شرعيا.

أما غيرهم من المصدقين بتلك المناقب العظيمة التي وصف بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمام الحسين ؛ فإنه يرى أن تلك المناقب لم تعط له بالمجان، وإنما شُهد له بها بسبب تطبيقه الدقيق لما كُلف به من وظائف.

من الأمثلة على الآيات الكريمة التي لا يمكن أن يجادل مؤمن في انطباقها على الإمام الحسين : الآيات التي تدعو إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفضل القائمين على ذلك، كقوله تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104]، فالإمام الحسين من أوائل مصاديقها.

وقد جاء التحذير بعدها عن التفرق والاختلاف، ليدعو الأمة للوقوف مع من يدعو إلى الخير، وفي وجه من يخالفه بالدعوة للمنكر، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 105]

والبينات التي تشير إليها الآية الكريمة يمكن تطبيقها على تلك الوصايا النبوية في حق الإمام الحسين وأئمة أهل البيت ، ذلك أنها من المتفق عليه عند المسلمين جميعا، ومن المتفق عليه عندهم أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينطق عن الهوى، وإنما قالها تنبيها لما سيحصل في المستقبل.

ومثل ذلك الآيات التي تأمر بالجهاد وترغّب المؤمنين فيه، مثل قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: 74]، فالإمام الحسين قام بكل هذه الأمور أحسن قيام، ولا يجادل في ذلك أحد، فقد آمن وهاجر وجاهد في سبيل الله حتى مات شهيدا، مقدما أغلى التضحيات.

ومثل ذلك الآيات التي تدعو إلى الرجوع لله ورسوله وأولي الأمر عند التنازع، كقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: 59]، وقال: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: 83]

فهذه الآيات الكريمة لو طبقت في ذلك الحين، وروجعت النصوص التي ذكر فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمام الحسين ، وبين دوره في هذه الدين، وأنه إمام وسيد، لما وقف الكثير مع يزيد، أو اختاروا الحياد، وتركوا الإمام الحسين .

وهكذا لو طبقت في كل العصور، لما تجرأ أمثال ابن تيمية وغيره من اتهام حركة الإمام الحسين بكونها حركة لا خير فيها، وأنها شق لوحدة الأمة.

ومثل ذلك الآيات التي تدعو إلى الإصلاح والوقوف في وجه الظالمين والمستبدين، كقوله تعالى على لسان شعيب، : ﴿ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِالله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: 88]

فهذا القول الكريم وإن كان قد قاله شعيب ، فقد قاله بعده الإمام الحسين ، فحركته كلها حركة إصلاحية مستمدة من هدي الأنبياء ، ولهذا نجد من النصوص التي تقرأ عند زيارته ما يطلق عليه [زيارة وارث]([54])، حيث يوصف فيها الإمام الحسين بكونه وارث آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، وعلي، وفاطمة الزهراء، وخديجة الكبرى ، لتربط حركته بحركته، وثورته بثورتهم، وأخلاقه بأخلاقهم، وروحانيته بروحانيتهم.

حيث يستعيد الزائر فيها حركات الأنبياء والأولياء وجهادهم في سبيل الله، والذي أحياه الإمام الحسين ، ومثله أحسن تمثيل، حيث يقول الزائر فيها مخاطبا الإمام الحسين : (السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله، السلام عليك يا وارث أمير المؤمنين ، السلام عليك يا بن محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، السلام عليك يا بن علي المرتضى، السلام عليك يا بن فاطمة الزهراء السلام عليك يا ابن خديجة الكبرى) ([55])

وهكذا نرى في سائر الزيارات ربطه بالقرآن الكريم، حيث يذكر الزائرون أنه شريك القرآن: (السلام عليك يا شريك القرآن)([56])، لكونه الثقل الثاني الذي أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ويذكرون أنه سند القرآن: (كنت للرسول ولداً، وللقرآن سنداً) ([57])، ويقصدون بذلك أنه أحيا معانيه، ومثلها على أرض الواقع لتكون نموذجا تطبيقيا لمن يريد أن يعيش المعاني القرآنية الأصيلة من غير تحريف ولا تبديل.

ويذكرون أنه التالي للكتاب حقّ تلاوته: (وتلوْتَ الكتاب حقّ تلاوته)([58])، فحق التلاوة هو أن تفهم معانيه على الوجه الصحيح، وتطبق كما أمر الله، لا كما تراه الأهواء.

ب ـ الإمام الحسين والدعوة للقرآن الكريم:

بناء على ما سبق، يمكن اعتبار حركة الإمام الحسين حركة قرآنية، ودعوته ـ مثل سائر دعوات أئمة أهل البيت ـ دعوة قرآنية، الغرض منها مواجهة التحريف الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأخبر أن الإمام علي سيكون له دور محوري في مواجهته؛ ففي الحديث المتفق عليه عند المسلمين جميعا عن أبي سعيد الخدري قال: كنا جلوسا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فخرج علينا من بعض بيوت نسائه، قال: فقمنا معه، فانقطعت نعله، فتخلف عليها علي يخصفها، فمضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومضينا معه، ثم قام ينتظره، وقمنا معه، فقال: (إن منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن، كما قاتلت على تنزيله)، فاستشرفنا، وفينا أبو بكر وعمر، فقال: لا، ولكنه خاصف النعل. يعني عليا، قال: فجئنا نبشره، فلم يرفع رأسه، كأنه قد كان سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)([59])

وهكذا كانت حركة الإمام الحسين امتدادا لحركة أبيه وأخيه، فكلاهما راح يحذر من مخالفة القرآن الكريم، أو تأويله على غير ما أنزل، أو ترك مفسريه الحقيقيين، والذهاب لأولئك المدعين الذين مكن لهم بنو أمية في الأرض، ليملأوا القرآن الكريم بالأساطير الإسرائيلية.

وقد ورد في الرواية ما يشير إلى هذا، بل يصرح به، فقد حدث موسى بن عقبة أنه قال: لقد قيل لمعاوية: إن الناس قد رموا أبصارهم إلى الحسين، فلو قد أمرته يصعد المنبر ويخطب فإن فيه حصرا أو في لسانه كلالة، فقال لهم معاوية: قد ظننا ذلك بالحسن، فلم يزل حتى عظم في أعين الناس وفضحنا، فلم يزالوا به حتى قال للحسين: يا أبا عبد الله لو صعدت المنبر فخطبت؛ فصعد الحسين المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فسمع رجلا يقول: من هذا الذي يخطب؟ فقال الحسين: (نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأقربون، وأهل بيته الطيّبون، وأحد الثقلين الذين جعلنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثاني كتاب الله تبارك وتعالى، الذي فيه تفصيل كل شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعوَّل علينا في تفسيره، ولا يبطئنا تأويله، بل نتّبع حقائقه؛ فأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة، قال الله عز وجل: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: 59]، وقال: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: 83]، وأحذّركم الإصغاء إلى هتوف الشيطان بكم، فإنه لكم عدو مبين فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم: ﴿ ﴿لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ﴾ [الأنفال: 48]، فتلقون للسيوف ضَرَبا (أي مضروباً)، وللرماح وَرَدا (أي ما ترد عليه الرماح) وللعُمَد حطما، وللسهام غرضا، ثم لا يقبل من نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا)([60])

وكان الإمام الحسين يذكر كل حين أتباعه بذلك، وأن حركته وسلوكه ومواقفه كلها مستمدة من القرآن الكريم، وقد كان من حديثه لأصحابه وأهل بيته ليلة العاشر من المحرّم قوله: (اللهم إنّي أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوّة، وعلّمتنا القرآن وفقهتنا في الدين)([61])

وكان يدعوهم إلى تلاوته والاستماع إليه، وتعلم علومه، ويخبرهم عن الأجور العظيمة التي أعدها الله تعالى لمن فعل ذلك، ومن أقواله في ذلك: (من استمع حرفاً من كتاب الله من غير قراءة كتب الله له حسنة، ومحا عنه سيّئة، ورفع له درجة، ومن قرأ نظراً من غير صلاة كتب الله له بكلّ حرف حسنة، ومحا عنه سيّئة، ورفع له درجة، ومن تعلّم منه حرفاً ظاهرا كتب الله له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، قال: لا أقول: بكلّ آية، ولكن بكلّ حرف باء أو تاء أو شبههما، قال: ومن قرأ حرفاً وهو جالس في صلاة كتب الله له به خمسين حسنة، ومحا عنه خمسين سيئة، ورفع له خمسين درجة، ومن قرأ حرفاً وهو قائم في صلاته كتب الله له مائة حسنة، ومحا عنه مائة سيّئة، ورفع له مائة درجة، ومن ختمه كانت له دعوة مستجابة مؤخّرة أو معجلة) قال الراوي: قلت: جعلت فداك ختمه كلّه؟ قال: (ختمه كلّه)([62])

وفي حديث آخر، قال: (ما من عبد من شيعتنا يتلو القرآن في صلاته قائماً إلاّ وله بكلّ حرف مائة حسنة، ولا قرأ في صلاته جالساً إلاّ وله بكلّ حرف خمسون حسنة، ولا في غير صلاته إلاّ وله بكلّ حرف عشر حسنات)([63])، وفي هذا الحديث إشارة إلى أن الشيعي الصادق في ولائه للإمام الحسين ، ولأئمة أهل البيت هو ذلك المرتبط بالقرآن الكريم، ذلك أنه لا يصح أن يأخذ بنصف الوصية، ويترك نصفها الثاني.

وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضل ختم القرآن الكريم، ففي الحديث عنه: قيل: (يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أيّ الرجل خير؟ قال: الحال المرتحل، قيل: (يا رسول الله، وما الحال المرتحل؟ قال: (الفاتح الخاتم الذي يقرأ القرآن ويختمه فله عند الله دعوة مستجابة)([64])

وكان يضرب لهم المثل العملي عن نفسه؛ فقد كان من التالين للقرآن الكريم حق التلاوة، وقد روي أنه في ليلة العاشر من المحرّم قال لأخيه العبّاس بن عليّ عليهما السلام بعد أن أتاه بما عرض عليه عمر بن سعد: (ارجع إليهم؛ فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غدوة وتدفعهم عند العشيّة، لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة، وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي قد كنت أحبّ الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار)([65])

وقد روى المؤرخون كثرة استشهاداته بالقرآن الكريم، وأنه في كل حركاته كان يستشهد به، ويتمثله([66])، ومن الأمثلة على ذلك إجابته لمروان بن الحكم عندما طلب منه أن يبايع يزيدا، ولما كشف له الإمام عن معايب يزيد، غضب مروان من كلام الحسين، ثمّ قال: (والله لا تفارقني حتّى تبايع ليزيد صاغراً، فإنّكم آل أبي تراب قد ملئتم شحناء، وأشربتم بغض آل بني سفيان، وحقيق عليهم أن يبغضوكم)، فقال الحسين: (إليك عنّي فإنّك رجس، وإنّي من أهل بيت الطهارة، وقد أنزل الله فينا ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهل الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33]، فنكس مروان رأسه ولم ينطق)([67])

ومنها ما روي أنّه أقبل رجل من عسكر عمر بن سعد، يقال له محمد بن الأشعث بن قيس الكنديّ، فقال: يا حسين بن فاطمة، أيّ حرمة لك من رسول الله ليست لغيرك؟ فتَلا الحسين هذه الآية: ﴿إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 33، 34]، ثمّ قال: (والله إنّ محمداً لمن آل إبراهيم ، وإنّ العترة الهادية لمن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم)([68])

وهكذا رووا أنه عندما زار قبر جده صلى الله عليه وآله وسلم بكى مثلما فعل أبوه الإمام علي عندما هدد بالقتل، وأخذ يتلو قوله تعالى: ﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 150]

وهكذا رووا أنه عند خروجه من المدينة المنورة قرأ قوله تعالى: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: 21]

ولمّا دخل مكّة قرأ قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [القصص: 22]

وفي هذا كله إشارة إلى ما ذكرناه سابقا من كون حركة الإمام الحسين حركة مستمدة من منهج الأنبياء ، وأنها استمرار لهديهم، فالإمامة امتداد للنبوة، وتمثيل صادق لها.

وفي الثعلبيّة في طريقه إلى الكوفة، أتاه رجل، وسأله عن قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ﴾ [الإسراء: 71]، فقال له الإمام الحسين : (إمام دعا إلى هدى فأجابوا إليه، وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوا إليها، هؤلاء في الجنّة وهؤلاء في النار، وهو قوله تعالى: ﴿ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [الشورى: 7]

وعندما اعترضه عمرو بن سعيد أمير الحجاز ليرده ويمنعه من المسير الى العراق خاطبه بقوله تعالى: ﴿ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: 41]

وكان إذا سمع بشهادة أحد أصحابه أو ودعه قرأ قوله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: 23]

فقد روى المؤرخون أنه قرأها عندما جاءه خبر شهادة قيس بن مسهّر الصيداويّ، في طريقه إلى الكوفة، في عذيب الجهانات، ثم قال: (اللهمّ اجعل لنا ولهم الجنّة، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك)([69])

ولمّا وقع مسلم بن عوسجة صريعاً وكان به رمق، مشى إليه الحسين ومعه حبيب بن مظاهر، فقال له الحسين : (رحمك الله يا مسلم)، ثم تلا الآية الكريمة([70])

ولما انتهى إلى قصر مقاتل([71]) رأى فسطاطاً مضروباً لعبيدالله بن الحرّ الجعفي، فدعاه الى نصرته لكنّه امتنع، فقال الإمام الحسين : ﴿وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ﴾ [الكهف: 51]

وعندما طلب منه قيس بن الأشعث أن ينزل على حكم يزيد، قال له الحسين: (عباد الله ﴿ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [غافر: 27]

وعندما رأى ابنه علي الأكبر يقاتل، قرأ قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 33، 34]

وعندما اقترب الجيش من معسكره، دعا براحلته فركبها، ونادى بأعلى صوته: (أيّها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما يحقّ لكم عليّ وحتّى أعذر إليكم، فإن أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد، وإن لم تعطوني النصف من أنفسكم ﴿ فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ ﴾ [يونس: 71]، ثمّ قرأ قوله تعالى: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ الله الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾ [الأعراف: 196])([72])

وهكذا تعلم أصحابه منه الرجوع الدائم للقرآن الكريم، وكيف لا يفعلون ذلك، وهم في صحبة القرآن الناطق، ومن الأمثلة على ذلك أنّ حنظلة بن أسعد الشبامي قام بين يدي الإمام الحسين ، ونادى بأعلى صوته: يا قوم ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ الله مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) ﴾ [غافر: 30 ـ 33]، يا قوم لا تقتلوا حسيناً ﴿فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى﴾ [طه: 61]، فقال الحسين: (يا ابن أسعد رحمك الله، إنّهم قد استوجبوا العذاب حيث ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحقّ)([73])

وما دعا إليه الإمام الحسين من العودة للقرآن الكريم، واعتباره المركز والمرجع والثقل الأكبر هو الذي دعا إليه جميع أئمة أهل البيت ، وذلك في مواجهة تلك التحريفات التي حصلت في الكثير من المدارس الإسلامية؛ فجعلتهم يقدمون الأخبار والروايات، بل حتى القياس على ما صرح به القرآن الكريم.

ولهذا نجد اتفاق أئمة أهل البيت على ضرورة عرض الروايات الواردة عنهم على القرآن الكريم، ذلك أنه يستحيل أن يروى عنهم ما هو خلاف القرآن الكريم، بل إنهم يروون ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد رووا عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه خطب الناس بمنى، فقال: (أيّها الناس، ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم عنّي يخالف كتاب الله فلم أقله)([74])

وقال الإمام الصادق في أحاديث متعددة: (ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف)([75])

وبناء على هذا نص أئمة الشيعة ـ على خلاف غيرهم من المدارس الإسلامية ـ على اعتبار القرآن الكريم معيارا في قبول الأحاديث ورفضها، وقد قال الشيخ المفيد في كتابه [تصحيح الاعتقاد]: (وكتاب الله تعالى مقدَّم على الأحاديث والروايات، وإليه يتقاضى في صحيح الأخبار وسقيمها، فما قضى به فهو الحقّ دون سواه)([76])

 ولهذا أيضا نجد الروايات الكثيرة عنهم تخبر بما في القرآن الكريم من حقائق يمكنها أن تغطي جميع الحاجات، وتفتي في جميع النوازل، بحيث لا يحتاج المتدبرون له إلى القياس أو الاستحسان أو غيرها من المصادر التي يختلط فيها الحق بالباطل والشريعة بالهوى.

ومن الأمثلة على ذلك قول الإمام علي : (عليكم بكتاب الله فإنه الحبل المتين، والنور المبين، والشفاء النافع، والري الناقع، والعصمة للمتمسك، والنجاة للمتعلق، لا يعوج فيقام، ولا يزيغ فيستعتب)([77])

أما علاقتهم الروحية بالقرآن؛ فقد عبر عنها الإمام علي بن الحسين بقوله: (لو مات من بين المشرق والمغرب لما استوحشت، بعد أن يكون القرآن معي)([78])

ووصف مالك بن أنس ـ مؤسس المذهب المالكي ـ صحبته للإمام الصادق ، فقال: (جعفر بن محمد، اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه إلا على إحدى ثلاث خصال: إما مصليا، وإما صائما، وإما يقرأ القرآن)([79])

ووصف آخر الإمام الكاظم ، فقال: (ما رأيت أحدا أشد خوفا من الله على نفسه من موسى بن جعفر ، ولا أرجى للناس منه، وكانت قراءته للقرآن حزنا، فإذا قرأ فكأنه يخاطب إنسانا)([80])

ووصف آخر الإمام الرضا ، فقال: (ما رأيت الرضا سئل عن شيء إلا علمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب عنه، وكان جوابه كله وتمثله انتزاعات من القرآن المجيد، وكان يختمه في كل ثلاث، وكان يقول: (لو أني أردت أن أختمه في أقرب من ثلاث لختمت، ولكنني ما مررت بآية قط إلا فكرت فيها، وفي أي شيء انزلت وفي أي وقت، فلذلك صرت أختمه في كل ثلاث)([81])

هذه بعض النماذج المصدقة لما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عدم افتراق العترة عن القرآن الكريم، وكيف تفترق عنه، وهي الممثلة له، والمحافظة عليه، والداعية له، والمجاهدة في سبيله.

3 ـ الإمام الحسين والدعاء الرسالي:

من أهم الوسائل التي استعملها الإمام الحسين ـ كما استعملها جميع أئمة أهل البيت ـ لأداء دورهم الرسالي في حفظ الدين وقيمه، ومواجهة التحريفات الطارئة عليه ما يمكن تسميته [الدعاء الرسالي]، وهو ذلك الدعاء الذي يحمل كل القيم الإيمانية والروحية والتربوية والسياسية وغيرها.

وهو ناتج عن تفاعلهم التام مع القرآن الكريم الذي استخدم هذا الأسلوب في عرض الحقائق الإيمانية، وفي عرض أنواع السلوك الروحي والأخلاقي، وفي بيان مواقف المؤمنين من أعدائهم ومواليهم أثناء مسيرتهم الدعوية.

وقد روي عن الإمام الحسين في هذا المجال ـ وبنفس الأغراض والأساليب القرآنية ـ الكثير من الأدعية، والتي حاول البعض جمعها في كتاب بعنوان [الصحيفة الحسينية]، على غرار الأدعية والمناجيات التي قالها الإمام السجاد ، والتي جمعت في [الصحيفة السجادية]

وعند التأمل في تلك الأدعية نرى أنها جميعا تشتمل على ثلاثة أركان مهمة جدا في التربية الروحية، وغيرها من أنواع التربية، نحاول شرحها، وذكر بعض النماذج عنها في العناوين التالية:

أ ـ الثناء على الله:

ونجده في مقدمة الأدعية عادة، وهي تمتلئ بكل صيغ تنزيه الله، والثناء عليه بما هو أهله، وكل كلماتها ومعانيها مستمدة من بحر القرآن الكريم، وهي حقائق كاملة مجردة ليس فيها ذلك اللغو الذي وقع فيه أهل التشبيه والتجسيم، ولا ذلك التكلف الذي وقعت فيه الكثير من المدارس الكلامية.

وهي تشبه بذلك ما ورد في الأدعية القرآنية من البدء بحمد الله والثناء عليه قبل الشروع في طلب الحاجات، كما قال تعالى: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ [آل عمران – 191-194]

ومن الأمثلة على ذلك دعاؤه يوم الطف، وهو من الأدعية التي قالها في آخر لحظات حياته المقدسة، حيث قال في مقدمة الدعاء مثنيا على الله تعالى: (اللهم متعالي المكان، عظيم الجبروت، شديد المحال، غني عن الخلائق، عريض الكبرياء، قادر على ما تشاء، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء، قريب إذا دعيت، محيط بما خلقت، قابل التوبة لمن تاب إليك، قادر على ما أردت، ومدرك ما طلبت وشكور إذا شكرت، وذكور إذا ذكرت) ([82])

ومن أمثلتها قوله في الدعاء عند المهمات: (اللهم إني اسألك يا مدرك الهاربين، ويا ملجأ الخائفين ويا غياث المستغيثين، اللهم إني أسالك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك وباسمك العظيم الأعظم الكبير الاكبر الطاهر المطهر القدّوس المبارك ﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [لقمان: 27] يا الله (عشر مرات) يا رباه (عشر مرات) يا مولاه يا غاية رغبتاه، يا هو، يا من لا يعلم ما هو إلا هو، ولا كيف هو إلا هو، يا ذا الجلال والاكرام والإفضال والانعام، يا ذا الملك والملكوت، يا ذا العز والكبرياء والعظمة والجبروت، يا حيُّ لا يموت، يا من علا فقهر، يا من ملك فقدر، يا من عبد فشكر، يا من عُصِي فستر، يا من بطن فخبر، يا من لا يحيط به الفكر، يا رازق البشر، يا مقدِّر القدر، يا محصي قطر المطر، يا دائم الثبات، يا مخرج النبات، يا قاضي الحاجات، يا منجح الطلبات، يا جاعل البركات، يا محيي الأموات، يا رفيع الدرجات، يا راحم العبرات، يا مقيل العثرات، يا كاشف الكربات، يا نور السموات، يا صاحب كلِّ غريب، يا شاهداً لا يغيب، يا مؤنس كلِّ وحيد، يا ملجأ كل طريد، يا راحم الشيخ الكبير، ياعصمة الخائف المستجير، يا مغني البائس الفقير، يا فاكَّ العاني الأسير، يا من لا يحتاج إلى التفسير، يا من هو بكل شيء خبير، يامن هو على كل شيء قدير، يا عالي المكان، يا شديد الأركان يا من ليس له ترجمان، يا نعم المستعان، يا قديم الاحسان، يا من هو كل يوم في شأن، يا من لا يخلو منه مكان، يا أجود الأجودين، يا أكرم الأكرمين، يا أسمع السامعين، يا أبصر الناظرين، يا أسرع الحاسبين، يا وليَّ المؤمنين، يا يد الواثقين، يا ظهر اللاجين، يا غياث المستغيثين، يا جار المستجيرين، يا رب الأرباب، يا مسبِّبَ الأسباب، يا مفتِّح الأبواب، يا معتق الرقاب، يا منشيء السحاب، يا وهاب يا تواب، يا من حيث ما دعي أجاب، يا فالق الإصباح، يا باعث الأرواح، يا من بيده كل مفتاح، يا سابغ النعم، يا دافع النقم، يا باريء النسم، يا جامع الأمم، يا ذا الجود والكرم، يا عماد مَن لا عماد له، يا سند من لا سند له، يا عزَّ من لا عزَّ له، يا حرز مَن لا حرز له، يا غياث من لا غياث له، يا حسن البلاء، يا جزيل العطاء، يا جميل الثناء، يا حليماً لا يعجل، يا عليماً لا يجهل، يا جواداً لا يبخل، يا قريباً لا يغفل، يا صاحبي في وحدتي، يا عدَّتي في شدتي، يا كهفي حين تعييني المذاهب وتخذلني الأقارب ويسلمني كل صاحب، يا رجائي في المضيق يا ركني الوثيق، يا إلهي بالتحقيق، يا رب البيت العتيق، يا شفيق يا رفيق، أكفني ما لا أطيق وفكني من حَلَق الضيق إلى فرجك القريب، واكفني ما أهمني وما لا يهمني من أمر دنياي وآخرتي برحمتك يا أرحم الراحمين)([83])

ومن أمثلتها دعاؤه في القنوت، والذي سبق ذكره، والذي يقول فيه: (اللهم منك البداء ولك المشيئة، ولك الحول، ولك القوة، وأنت الله الذي لا إله إلا أنت، جعلت قلوب أوليائك مسكناً لمشيتك وممكناً لإرادتك، وجعلت عقولهم مناصب أوامرك ونواهيك..) ([84])

من أهم المزايا التي يحفل بها هذا القسم عادة ذلك الكم الكبير من الحقائق والمعارف المرتبطة بالقضايا المختلفة، وخاصة الإيمانية منها، ولذلك كان فهم تلك الأدعية أو شرحها يقتضي معارف مختلفة، ويستدعي إلماما بعلوم كثيرة، وهو يدل على أن أهل البيت هم مصاديق ما ورد في تلك الزيارة المباركة، التي يقول فيها الزائر: (فإني اشهد في مماتي على ما أشهد عليه في حياتي أنك انت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك، وأن الأئمة من أهل بيته أولياؤك وأنصارك وحججك على خلقك، وخلفاؤك في عبادك، وأعلامك في بلادك، وخزان علمك، وحفظة سرك، وتراجمة وحيك)([85])

وهي ـ مثل القرآن الكريم ـ يمكن أن يفهمها العامة البسطاء بحسب معارفهم المحدودة، في نفس الوقت الذي يشعر فيه الباحثون والمتخصصون أنها عميقة جدا تستدعي بحوثا مفصلة، وتدبرا طويلا، وتأملا واعيا.

وقد ذكرنا في الفصل السابق بعض الأمثلة على ذلك، ومنها ما ذكره من المعارف المرتبطة بخلق الإنسان، وذلك عندما قال في الدعاء: (وأنا اشهدك‏ يا إلهي بحقيقة إيماني، وعقد عزمات يقيني، وخالص صريح توحيدي، وباطن مكنون ضميري، وعلائق مجاري نور بصري، وأسارير صفحة جبيني، وخرق‏ مسارب‏ نفسي، وخذاريف‏ مارن عرنيني‏، ومسارب صماخ‏ سمعي، وما ضمت وأطبقت عليه شفتاي، وحركات لفظ لساني، ومغرز حنك‏ فمي وفكي، ومنابت أضراسي، وبلوغ حبائل بارع‏ عنقي، ومساغ‏ مطعمي‏ ومشربي، وحمالة أم رأسي، وجمل حمائل حبل وتيني، وما اشتمل عليه تامور صدري، ونياط حجاب قلبي، وأفلاذ حواشي كبدي، وما حوته شراسيف‏ أضلاعي، وحقاق مفاصلي، وأطراف أناملي، وقبض عواملي، ودمي وشعري، وبشري وعصبي، وقصبي وعظامي، ومخي وعروقي، وجميع جوارحي، وما انتسج على‏ ذلك أيام رضاعي، وما أقلت الأرض مني، ونومي ويقظتي، وسكوني وحركتي، وحركات ركوعي وسجودي)([86])

فكل كلمة من هذه الكلمات تحمل مضامين كثيرة جدا، وفي مجالات مختلفة، تتعلق بالعلوم جميعا، وإن كان هدفها الأكبر هو بيان التسليم المطلق لله، والشهادة له بالعبودية، والشكر له على النعمة.

فتلك التفاصيل تشير إلى الحقائق الإيمانية المرتبطة بعناية الله بعبادة ورحمته بهم، كما تشير إلى علم الله بتفاصيل كل شيء، وقدرته على كل شيء، وإحاطته بكل شيء.. وتبرهن على ذلك من خلال تلك التفاصيل، حيث أنه يمكننا أن نضع من خلالها المقدمات التي توصل إلى تلك النتائج العقدية.

وهي تدعو كذلك إلى البحث العلمي في كل ما ذكره الإمام الحسين ، ولماذا اختار تلك النعم دون غيره، وما سر تعبيره عنها بتلك الصور البلاغية الجميلة ذات المضامين العلمية الدقيقة؟

وهي جميعا تشير إلى ذلك التأثر بالأسلوب القرآني في عرض الحقائق، والذي تمتزج فيه حقائق عالم الغيب، بحقائق عالم الشهادة، لأن المتوجه إليه بالدعاء هو عالم الغيب والشهادة، ومالك الغيب والشهادة.

ب ـ الافتقار والاضطرار:

وهو من آداب الدعاء الكبرى، ذلك أنه بقدر ما تتمثل عبودية الداعي إلى الله، وشعوره بفقره واضطراره، يكون قربه من الله تعالى، وبقدر قربه تلبى حاجته، من الأمثلة عليه قول الإمام الحسين في دعاء الطف بعد الثناء على الله: (أدعوك محتاجا، وأرغب إليك فقيرا، وأفزع إليك خائفا، وأبكي إليك مكروبا، وأستعين بك ضعيفا، وأتوكل عليك كافيا)([87])

وهو يذكرنا بقول موسى : ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: 24]، فهذا المقطع القصير أثنى فيه موسى على الله تعالى، ثم رتب على ثنائه بيان فقره وحاجته، وهما كافيان في الطلب.

ومثل ذلك قول يونس : ﴿لَا إله إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، والذي نزه الله تعالى فيه، في نفس الوقت الذي ذكر فيه فقره وحاجته واضطراره، وقد أخبر الله تعالى أنه استجاب له، وأنه يستجيب لكل من يقول ذلك، ويتحقق بمعناه، كما قال تعالى: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: 88]

وسر ذلك هو أن الله تعالى يحب عباده المتواضعين الذين يبدون فقرهم وحاجتهم، ويمدون أيديهم بها إلى الله، كما قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62]، وقال: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 42، 43]

وقد أشار إلى هذا المعنى الإمام السجاد في قوله في الدعاء المشهور بدعاء أبي حمزة الثمالي: (رب إنك أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا، وقد عفونا عمن ظلمنا كما أمرت فاعف عنا، فانك أولى بذلك منا ومن المأمورين، وأمرتنا أن لا نرد سائلا عن أبوابنا، وقد أتيناك سؤالا ومساكين وقد أنخنا بفنائك وببابك نطلب نائلك ومعروفك وعطاءك، فامنن بذلك علينا ولا تخيبنا فانك أولى بذلك منا ومن المأمورين)([88])

ولهذا نرى في أدعية الإمام الحسين الكثير من الشكوى وبيان الفقر والحاجة وكل أنواع الاضطرار، مثل قوله في الدعاء المشهور الذي يستجير فيه بالله تعالى من شرور أعدائه: (اللهمّ يا عدّتي عند شدّتي، ويا غوثي عند كربتي، احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بركنك الذي لا يرام، وارحمني بقدرتك عليّ، فلا أهلك وأنت رجائي، اللهمّ إنّك أكبر وأجلّ وأقدر مما أخاف وأحذر. اللهمّ بك أدرأ في نحره، وأستعيذ من شرّه، إنّك على كل شيء قدير)([89])

ومنها قوله في دعاء يوم الطف، بعد حمد الله والثناء عليه: (احكم بيننا وبين قومنا فإنهم غرونا وخدعونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا، ونحن عترة نبيك وولد حبيبك محمد بن عبد الله، الذى اصطفيته بالرسالة وائتمنته على وحيك، فاجعل لنا من أمرنا فرجا ومخرجا برحمتك يا أرحم الراحمين)([90])

ونلاحظ فيه أن الإمام الحسين راح يشكو إلى الله ما حصل له مع قومه الذين آذوه، وهو يذكرنا بتلك الشكوى الأليمة التي ذكرها الله تعالى عن نوح ، وكيف تعامل معه قومه على الرغم من رحمته الشديدة بهم، وحرصه العظيم عليهم.

ويذكرنا كذلك بتلك الشكوى التي شكا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قومه عندما قال: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لكن لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك)([91])

وهكذا نلاحظ الإمام الحسين يقر بفقره وحاجته واضطراره إلى الله بكل أدب وعبودية، حتى أنه يصور نفسه بصورة الخاطئ العاصي الذي يستمطر مغفرة الله، ويطلب عفوه، بتضرع وابتهال عظيم، يذكرنا بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 60، 61]

وقد ورد في تفسير الآية أن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ [المؤمنون: 60] أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ فقال: (لا، ولكن هم الذي يصومون ويصلون ويتصدقون، ويخافون أن لا يتقبل منهم ﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون: 61])([92])

ومن الأمثلة على هذا النوع من التضرع والافتقار قول الإمام الحسين في دعاء يوم عرفة: (ثم أنا يا إلهى المعترف بذنوبي فاغفرها لي، أنا الذي أخطأت، أنا الذي أغفلت، أنا الذي جهلت، أنا الذي هممت، أنا الذي سهوت، أنا الذي اعتمدت، أنا الذى تعمدت، أنا الذي وعدت، أنا الذي أخلفت، أنا الذي نكثت، أنا الذي أقررت، إلهى أعترف بنعمتك عندي، وأبوء بذنوبي فاغفر لي يا من لا تضره ذنوب عباده، وهو الغني عن طاعتهم، والموفق من عمل منهم صالحا بمعونته ورحمته، فلك الحمد إلهى أمرتني فعصيتك، ونهيتني فارتكبت نهيك، فأصبحت لا ذا براءة فأعتذر، ولا ذا قوة فأنتصر، فبأي شئ أستقبلك يا مولاي، أبسمعى أم ببصري أم بلساني أم برجلي؟ أليس كلها نعمك عندي، وبكلها عصيتك يا مولاي، فلك الحجة والسبيل علي، يا من سترني من الاباء والامهات أن يزجروني، ومن العشائر والاخوان أن يعيروني، ومن السلاطين أن يعاقبوني ولو اطلعوا يا مولاي على ما اطلعت عليه مني، إذا ما أنظروني ولرفضوني وقطعوني)([93])

وقوله: (يا من قلّ‏ له شكري فلم يحرمني، وعظمت خطيئتي فلم يفضحني، ورآني على المعاصي فلم يخذلني)([94])

 وقوله في تلك القطعة المنسوبة إليه من دعاء عرفة: (إلهي منِّي ما يليق بلؤمي، ومنك ما يليق بكرمك. إلهي كلما أخرسني لؤمي أنطقني كرمك، وكلما آيستني أوصافي اطمعتني مننك. إلهي مَن كانت محاسنه مساوىء فكيف لا تكون مساوئه مساوىء، ومن كانت حقائقه دعاوى فكيف لا تكون دعاواه دعاوى)([95])

وقوله في دعائه بالكعبة: (إلهي نعّمتني فلم تجدني شاكراً، وأبليتني فلم تجدني صابراً، فلا أنت سلبت النعمة لترك الشكر، ولا أدمت الشدة لترك الصبر، إلهي ما يكون من الكريم إلاّ الكرم)([96])

وهذا وغيره كثير، يشبه تلك التضرعات الكثيرة التي يستغفر فيها الأئمة الله تعالى، مثل قول الإمام السجاد في دعاء أبي حمزة: (أنا يا رب الذي لم أستحيك في الخلاء ولم أراقبك في الملأ أنا صاحب الدواهي العظمى أنا الذي على سيده اجترا، أنا الذي عصيت جبار السما، أنا الذي أعطيت على معاصي الدليل الرُشى، أنا الذي حين بُشرت بها خرجت إليها أسعى، أنا الذي أمهلتني فما ارعويت وسترت عليَّ فما استحييت وعملت بالمعاصي فتعديت)([97])

وذلك لا يعني ـ كما يتصور القاصرون في فهم كلام الأئمة ـ أن ذلك دال على وقوعهم في الخطايا والمعاصي؛ فذلك يستحيل على أهل بيت الطهارة، الذين جعلهم الله قدوة وأسوة للناس، وإنما يعني شفافية أرواحهم وعظم أدبهم مع الله إلى الدرجة التي يشعرون فيها أنهم مقصرون في حقه غاية التقصير.

وهم يطبقون بذلك ما ورد في القرآن الكريم عن الأنبياء ، والذين اتفقت الأمة على عصمتهم، ومع ذلك نراهم يبتهلون إلى الله، ويتضرعون إليه أن يغفر لهم.

فقد حكى الله تعالى عن نوح قوله:﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً﴾ (نوح:28)

وحكى عن إبراهيم قوله:﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ (ابراهيم:41)

وحكى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله:﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ (البقرة:285)

بالإضافة إلى هذا المعنى الذي دل عليه القرآن الكريم هناك معان أخرى ذكرها العلماء، نلخصها فيما يلي([98]):

الأول: أن ترك المستحب وفعل المكروه قد يسمى ذنبا وعصيانا، بل ارتكاب بعض المباحات أيضا بالنسبة إلى رفعة شأنهم وجلالتهم ربما عبروا عنه بالذنب لانحطاط ذلك عن سائر أحوالهم.

الثاني: أنهم بعد انصرافهم عن بعض الطاعات التي أمروا بها من معاشرة الخلق وتكميلهم وهدايتهم ورجوعهم عنها إلى مقام القرب والوصال ومناجاة ذي الجلال ربما وجدوا أنفسهم لانحطاط تلك الأحوال عن هذه المرتبة العظمى مقصرين، فيتضرعون لذلك وإن كان بأمره تعالى، كما أن أحدا من ملوك الدنيا إذا بعث واحدا من مقربي حضرته إلى خدمة من خدماته التي يحرم بها من مجلس الحضور والوصال فهو بعد رجوعه يبكي ويتضرع وينسب نفسه إلى الجرم والتقصير لحرمانه عن هذا المقام الخطير.

الثالث: أن كمالاتهم وعلومهم وفضائلهم لما كانت من فضله تعالى، ولولا ذلك لأمكن أن يصدر منهم أنواع المعاصي، فإذا نظروا إلى أنفسهم وإلى تلك الحال أقروا بفضل ربهم وعجز أنفسهم بهذه العبارات الموهمة لصدور السيئات فمفادها أني أذنبت لولا توفيقك، وأخطأت لولا هدايتك.

الرابع: أنهم لما كانوا في مقام الترقي في الكمالات، والصعود على مدارج الترقيات في كل آن من الآنات في معرفة الرب تعالى وما يتبعها من السعادات، فإذا نظروا إلى معرفتهم السابقة وعملهم معها اعترفوا بالتقصير وتابوا منه، ويمكن أن ينزل عليه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (وإني لأستغفر الله في كل يوم سبعين مرة)([99])، وقد ذكر هذا المعنى في دعاء الصباح الذي كان يقوله الإمام علي ، ففيه: (إلهي إن لم تبتدئني الرحمة منك بحسن التوفيق، فمن السالك بي إليك في واضح الطريق؟ وإن أسلمتني أناتك لقائد الأمل والمنى فمن المقيل عثراتي من كبوات الهوى؟ وإن خذلني نصرك عند محاربة النفس والشيطان فقد وكلني خذلانك إلى حيث النصب والحرمان)([100])

الخامس: أنهم لما كانوا في غاية المعرفة لمعبودهم فكل ما أتوا به من الأعمال بغاية جهدهم، ثم نظروا إلى قصورها عن أن يليق بجناب ربهم عدوا طاعاتهم من المعاصي واستغفروا منها كما يستغفر المذنب العاصي، ومن ذاق من كأس المحبة جرعة شائقة لا يأبى عن قبول تلك الوجوه الرائقة، والعارف المحب الكامل إذا نظر إلى غير محبوبه أو توجه إلى غير مطلوبه يرى نفسه من أعظم الخاطئين.

ج ـ طلب الحاجات:

وهو خاتمة الدعاء، وقد يقتصر الرواة أحيانا على ذكره، ويقدمون لذلك بكونه قال الدعاء بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآله.

ونلاحظ أن كل الحاجات التي طلبها الإمام الحسين مرتبطة بالدين وبحركته الرسالية، ولا علاقة لها بأي مطلب من المطالب الدنيوية المادية، ومن الأمثلة على ذلك دعاؤه لطلب التوفيق للعمل الصالح، وقوله فيه: (اللهم إنِّي أسالك توفيق أهل الهدى، وأعمال أهل التقوى، ومناصحة أهل التوبة، وعزم أهل الصبر، وحذر أهل الخشية، وطلب أهل العلم، وزينة أهل الورع، وحذر أهل الجزع، حتى أخافك اللهم مخافة تحجزني عن معاصيك، وحتى أعمل بطاعتك عملاً استحقُّ به كرامتك، وحتى أناصحك في التوبة خوفاً لك، وحتى أخلص لك في النصيحة حباً لك، وحتى أتوكَّل عليك في الأمور حسن ظن بك، سبحان خالق النور، وسبحان الله العظيم وبحمده)([101])

ومن أمثلتها قوله في طلب الآخرة والرغبة فيما عند الله: (اللهم ارزقني الرغبة في الآخرة حتى أعرف صدق ذلك في قلبي بالزهادة مني في دنياي. اللهم ارزقني بصراً في الآخرة حتى اطلب الحسنات شوقاً، وأفرَّ من السيئات خوفاً يا رب)([102])

ومن أمثلتها قوله في دعاء عرفة: (اللهم اجعل غناي في نفسي، واليقين في قلبي، والإخلاص في عملي، والنّور في بصري، والبصيرة في ديني، ومتّعني بجوارحي، واجعل سمعي وبصري الوارثين منّي وانصرني على من ظلمني، وارزقني مآربي وثاري وأقرّ بذلك عيني، اللهمّ اكشف كربتي واستر عورتي، واغفر لي خطيئتي، وأخسئ شيطاني، وفكّ رهاني واجعل لي يا إلهي الدرجة العليا في الآخرة والأولى) ([103])

وهذه الأدعية تشابه تلك الأدعية التي وردت في القرآن الكريم عن أولي الألباب، مثل قوله تعالى عنهم: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)﴾ [آل عمران: 190 – 194]

وهكذا نلاحظ في دعائه للاستسقاء، والذي يمتزج فيه طلب الغيث المادي بطلب الغيث الروحي؛ فقد قال في الدعاء: (اللهمّ اسقنا سقياً واسعة وادعة، عامة نافعة غير ضارّة، تعمّ بها حاضرنا وبادينا، وتزيد بها في رزقنا وشكرنا. اللهمّ اجعله رزق إيمان، وعطاء إيمان؛ إنّ عطاءك لم يكن محظوراً. اللهمّ أنزل علينا في أرضنا سكنها، وأنبت فيها زيتها ومرعاها)([104])

ومثل ذلك قوله في دعاء عرفة: (أعنّي على بوائق الدهر، وصروف الأيام واللّيالي، ونجّني من أهوال الدنيا وكربات الآخرة واكفني شرّ ما يعمل الظالمون في الأرض، اللهمّ ما أخاف فاكفني، وما أحذر فقني، وفي نفسي وديني فاحرسني، وفي سفري فاحفظني، وفي أهلي ومالي وولدي فاخلفني، وفيما رزقتني فبارك لي، وفي نفسي فذلّلني، وفي أعين الناس فعظّمني، ومن شرّ الجنّ والإنس فسلّمني، وبذنوبي فلا تفضحني، وبسريرتي فلا تخزني، وبعملي فلا تبتلني، ونعمك فلا تسلبني وإلى غيرك فلا تكلني)([105])

بالإضافة إلى هذا، فإن الملاحظة التي يكتشفها أي قارئ لما وصلنا من أدعية الإمام الحسين ارتباطها بحركته الرسالية، وشكواه من قومه، ودعوته الله أن يحكم بينهم، مثلما رأينا بعض النماذج عن ذلك سابقا.

ومن النواحي التربوية المهمة التي نكتشفها في هذا النوع من المطالب تنمية الشعور بخدمة الدين والاهتمام جميع قضاياه، ومواجهة المستكبرين الظالمين المستبدين الذين راحوا يستعملون كل الوسائل لتحريفه، وتحويله من دين إلهي مقدس إلى دين بشري مدنس.

ولتحقيق هذا المعنى نجد أدعية للإمام الحسين على أعداء الدين، والمحاربين له، وهي نابعة من تلك الآيات القرآنية التي يذكر الله تعالى فيها أدعية الأنبياء على أقوامهم بعد يأسهم منهم، كما قال تعالى عن نوح : ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ [نوح: 26، 27]

ومثله ما ذكره عن دعاء موسى على فرعون وملئه، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: 88]

وعلى هذا المنهج كان للإمام الحسين أدعية على أعدائه وأعداء الدين، والتي نرى فيها الكثير من الجوانب العلمية والتربوية، فهي أدعية تعرف بهم، وتفضحهم للأجيال القادمة، وخاصة أولئك الذين راح النظام الأموي يشيد بهم، ويستعمل رجال الدين الذين التحقوا به لأداء ذلك.

بالإضافة إلى ذلك نجد لها دورا في تنمية روح البراءة من أعداء الله، ذلك أن إيمان المؤمن لا يمكن أن يتحقق ما لم يوال أولياء الله، ويحارب أعداءه، كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِالله رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [الممتحنة: 1]

ولهذا ورد في الحديث عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين: (أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم)([106])

وفي حديث آخر عن صبيح قال: كنت بباب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاء علي، وفاطمة، والحسن، والحسين فجلسوا ناحية، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلينا، فقال: (إنكم على خير)، وعليه كساء خيبري، فجللهم به، وقال: (أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم)([107])

وعن أبي هريرة قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي، والحسن، والحسين، وفاطمة، فقال: (أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم) ([108])

وبناء على هذا، فإن كل هذه النصوص تحرم الدفاع عن أولئك الذين حاربوا الإمام الحسين ، ذلك أن الدفاع عنهم هو مواجهة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي أعلن وقوفه التام مع الإمام الحسين ، وأن أعداءه هم أعداء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأعداء الله تعالى.

ومن تلك الأدعية التي دعا بها الإمام الحسين على أعدائه دعاؤه العام على كل من حاربه، فقد حدث مسلم بن رباح مولى علي بن أبي طالب قال:كنت مع الحسين بن علي يوم قُتل، فرمي في وجهه بنشّابة فقال لي: (يامسلم، أدن يديك من الدم) فأدنيتهما فلّما امتلأتا قال: (أسكبه في يدي)، فسكبته في يده فنفح بهما إلي السماء وقال: (اللهمّ اطلب بدم ابن بنت نبيّك)([109])

وقد روى ابن عساكر تعقيبا على هذا الدعاء عن راوي الحديث قوله: (فما وقع منه إلى الأرض قطرة)، ثم حدث عن العباس بن هشام بن محمد الكوفي عن أبي عن جده، قال: (كان رجل من بني أبان بن دارم، يقال له: زرعة، شهد قتل الحسين، فرمى الحسين بسهم فأصاب حنكه فجعل يلتقي الدم، ثم يقول هكذا إلى السماء فيرمي به، وذلك أن الحسين دعاء بماء ليشرب، فلما رماه حال بينه وبين الماء فقال: اللهم ظمه، اللهم ظمه، قال: فحدثني من شهده، وهو يموت وهو يصيح من الحر في بطنه، والبرد في ظهره، وبين يديه المراوح والثلج، وخلفه الكافور، وهو يقول: اسقوني أهلكني العطش، فيؤتى بالعس العظيم فيه السويق أو الماء واللبن، لو شربه خمسة لكفاهم، قال: فيشربه ثم يعود فيقول: اسقوني أهلكني العطش، قال: فانقد بطنه كانقداد البعير)([110])

ومنها دعاؤه على أعدائه بعد شهاده ولده علي الأكبر، فقد رُوي أنّ علي بن الحسين الأكبر لمّا تقدم واستأذن أباه بالقتال، أذن له أبوه، ثمّ نظر إليه نظر آيس منه وأرخي عينيه فبكي،ثمّ رفع سبّابته نحو السماء وقال: (اللهمّ اشهد علي هؤلاء القوم، فقد برزإليهم غلام أشبه الناس خَلقا وخُلقا ومنطقا برسولك، كنّا إذا إشتقنا إلي نبيّك نظرنا إلي وجهه؛ اللهمّ امنعهم بركات الأرض، وفرّقهم تفريقا، ومزّقهم تمزيقا، واجلعهم طرائق قددا، ولاترض الولاة عنهم أبدا، فإنّهم دعونا لينصرونا، ثمّ عدوا علينا يقاتلوننا)([111])

ثم برز إلي القتال ولم يزل يقاتل حتّي قُتِل، فجاءه الحسين حتّى وقف عليه وهو يقول: (قتل الله قوما قتولك يابنّي، ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .. على الدنيا بعدك العفا)([112])

وجاء في رواية أخرى أنّ الإمام الحسين قال: (لعن الله قوما قتلوك ياولدي، ما أشدّ جرأتهم على الله وعلى انتهاك حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)([113])

ومنها دعاؤه عليهم بعد شهادة القاسم بن الحسن، فقد ورى المؤرخون أنه لمّا خرج القاسم إلي المعركة، فقاتل حتي قُتل، جاءه الحسين كالصقر المنقض فقال: (بُعدا لقوم قتلوك، ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدّك)([114])

وجاء في رواية أخرى أنّ الامام الحسين قال: (اللهمّ أنت تعلم أنّهم دعونا لينصرونا، فخذلونا وأعانوا علينا، اللهمّ احبس عنهم قطر السماء، وأحرمهم بركاتك، اللهمّ لاترض عنهم أبدا. اللهمّ إنّك إن كنت حبست عنّا النصر في الدنيا، فاجعله لنا ذخرا في الآخرة، وانتقتم لنا من القوم الظالمين)([115])

وفي رواية أخرى: وضع الحسين صدره على صدره، ثمّ قال: (اللهمّ أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا، ولا تغفرلهم أبدا؛ صبرا يابني عمومتي، صبرا يا أهل بيتي، لارأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا)([116])

ومنها دعاؤه عليهم بعد شهادة عبدالله بن الحسن، فقد رُوي أنّ عبدالله بن الحسن لمّا ضربه أبجر بن كعب بالسيف وقطع يده، نادى: يا امّاه! فأخذه الحسين ، فضمّه اليه، ثمّ رفع يده المعلقة وقال: (اللهمّ إن متّعتهم إلي حين، ففرّقهم فِرقا، واجعلهم طرائق قِدادا، ولا تُرض الولاة عنهم أبدا، فانّهم دعونا لينصرونا، ثمّ عدوا علينا فقتلونا)([117])

ومنها دعاؤه عليهم بعد شهادة ولده الصغير عبد الله، فقد روي أنّ الحسين جلس أمام الفسطاط فأتي بانه عبدالله بن الحسين وهو طفل فأجلسه في حجره فرماهُ رجل من بني أسد بسهم فذبحه فتلّقي الحسين من دمه ملأكفّه وصبّه علي الارض، ثم قال: (ربّ إن تكن حبست عنّا النصر من السماء عندك فاجعل ذلك لما هو خير وانتقم من هؤلاء الظالمين)([118])

ومنها دعاؤه عليهم بعد شهادة عبدالله بن مسلم بن عقيل لمّا برز عبدالله بن مسلم في ساحة القتال، لم يزل يقاتل حتّي قتل من الأعداء نيفا وخمسين فارسا، ثمّ قُتل فلّما نظر الحسين اليه، قال: (اللهمّ اقتل قاتل آل عقيل)([119])

ومنها دعاؤه على بعض القتلة، فقد رُوي عن ابن عُيينة أنّه قال: أدركت من قتلة الحسين رجلين، أمّا أحدهما فإنّه طال ذكره حتّي كان يلّفه، وأمّا الآخر فإنّه كان يستقبل الرواية فيشربها إلي آخرها ولايروي، وذلك أنّه نظر إلي الحسين وقد أهوي إلي فيه بماء وهو يشرب، فرماه بسهم، فقال الحسين : (لا أرواك الله من الماء في دنياك ولا آخرتك)، فعطش الرجل حتّى ألقي نفسه في الفرات، وشرب حتّى مات([120]).

ومنها دعاؤه عليهم بعد أن كثرت عليه العساكر؛ فقد رُوي أنّه لما كثرت العساكر علي الحسين أيقن أنّه لا محيص له، فقال: (اللهمّ احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا، ثمّ هم يقتلوننا)([121])

ومنها دعاؤه عليهم يوم عاشوراء، فقد رُوي أنّه لمّا عبّأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الإمام الحسين ورتّبهم مراتبهم، خرج الإمام حتّى أتى الناس فاستنصتهم، فأبوا أن ينصتوا، ثمّ قال في كلام له: (اللهمّ احبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسني يوسف، وسلّط عليهم غلام ثقيف، يسقهيم كأسا مصبرّة، ولايدع فيهم أحدا إلّا قتله، قتلة بقتلة، وضربة بضربة، ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم، فإنّهم غرّونا وكذّبونا وخذلونا، وأنت ربّنا عليك توكّلنا وإليك أَنبنا وإليك المصير)([122])

ومنها أدعيته على بعض المشاركين بسبب بعض المواقف التي قاموا بها، وقد استجاب الله لها جمعيا، ومنها دعاؤه على عبد الله بن حصين الأزدي الذي قال بأعلى صوته: ياحسين، ألا تنظر إلى الماء كأنّه كبدالسماء! والله لاتذوق منه قطرة حتى تموت عطشا، فقال الحسين: (اللهمّ اقتله عطشا، ولا تغفرله أبدا)([123])، وقد تحقق ذلك الدعاء، فقد روى المؤرخون أنه كان بعد ذلك يشرب الماء ولا يروى حتّى سقى بطنه فمات عطشا([124]) .

ومن الذين دعا عليهم الإمام الحسين عمربن سعد؛ فقد قال ـ بعد أن رأى عتوه وطغيانه: (مالك، ذبحك الله على فراشك عاجلاً، ولا غفرلك يوم حشرك)([125])

ودعا عليه لمّا خرج علي الأكبر؛ فقال: (مالك، قطع الله رحمك، ولابارك الله لك في أمرك، وسلّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك، كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)([126])

وقد استجاب الله دعاء الإمام الحسين ، فقد ورد في الأخبار عن الفريقين ما يدل على ذلك، ومنها أنه لما خرج المختار في طلب ثأر قتلة الإمام الحسين قتل عمر بن سعد وحزّ رأسه، وجاء به إلى ولده حفص بن عمر بن سعد، فقال له: أتعرف هذا الرأس؟ قال: نعم، ولا خير في العيش بعده، فقال له المختار: (إنك لا تعيش بعده وأمر بقتله وقطع رأسه)([127])

ومن الذين دعا عليهم الإمام الحسين مالك بن حوزة؛ فقد حدث ابن أعثم قال: أقبل رجل من معسكر عمربن سعد يقال له مالك بن حوزة على فرس له حتى وقف عند الخندق، وجعل ينادي: أبشر ياحسين، فقد تلفحك النار في الدنيا قبل الآخرة! فقال له الإمام الحسين : (كذبت ياعدّوالله، إنّي قادم على ربّ رحيم وشفيع مطاع، وعلى جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم قال الحسين: (من هذا الرجل؟) فقالوا: (هذا مالك بن حوزة) فقال الحسين: (اللهم حُزه إلى النار، وأذقه حرّها فى الدنيا قبل مصيره إلى الآخرة)، قال: فلم يكن بأسرع أن شبّت به الفرس فألقته فى النار، فاحترق قال: فخرّالحسين لله ساجدا مطيعا، ثم رفع رأسه، وقال: يالها من دعوة ماكان أسرع إجابتها! قال: ثم رفع الحسين صوته ونادى: (اللهمّ إنّا أهل بيت نبيّك وذريته وقرابته، فاقصم من ظلمنا وغصبنا حقّنا، إنّك سميع مجيب)([128])

ومنها دعاؤه على جبيرة الكلبي، فقد روي أن أصحاب الإمام الحسين حفروا حول الخيمة خندقا وملأوه نارا حتى تكون الحرب من جهة واحدة، فقال رجل ملعون: عجلت يا حسين بنار الدنيا قبل الآخرة، فقال الحسين : تعيرني بالنار وأبي قاسمها وربّي غفور رحيم، ثم قال لأصحابه: أتعرفون هذا الرجل؟ فقالوا: هو جبيرة الكلبي لعنه الله فقال الحسين : (اللهم احرقه بالنار في الدنيا قبل نار الآخرة) فما استتمّ كلامه حتى تحرك به جواده فطرحه مكّبا على رأسه في وسط النار فاحترق، فكّبروا، ونادى مناد من السماء: هنيت بالإجابة سريعا يا ابن رسول الله)([129])

ومنها دعاؤه على شمر بن ذي الجوشن، حيث حمل علي فسطاط الحسين فطعنه بالرمح، ثمّ قال: عليّ بالنار حتي أحرّق هذا البيت علي أهله فصاح النساء وخرجن من الفسطاط، وصاح به الحسين: (يابن ذي الجوشن، أنت تدعو بالنار لتحرّق بيتي علي أهلي، حرّقك الله بالنار!)([130])

ومنها دعاؤه على تميم بن حصين الفزاري، فقد رُوي أنّه برز من عسكر عمر بن سعد رجل يقال له: تميم بن حصين الفزاري، فنادي: ياحسين ويا أصحاب الحسين، أما ترون الفرات يلوح كأنّه بطون الحيّات؟ والله لا أذقتم منه قطرة حتي تذوقوا الموت جُرعا، فقال الحسين : (هذا وأبوه من أهل النار، اللهمّ اقتل هذا عطشا في هذا اليوم) قال فخنقته العطش حتّي سقط من فرسه فوطأته الخيل بسنابكها فمات([131])، وفي رواية قال: (اللهمّ أمته عطشا) قال: والله لقد كان هذا الرجل يقول: أسقوني ماء، فيؤتي بماء، فيشرب حتي يخرج من فيه وهو يقول: اسقوني قتلني العطش، فلم يزل كذلك حتى مات ([132]).

ومنها دعاؤه على محمد بن الأشعث، فقد روي أنه لمّا دعا الحسين على مالك بن حوزة، سمع كلامه محمدبن الأشعث وجري بينهما محادثات، ثمّ قال الإمام : (اللهمّ أرني فيه في هذا اليوم ذلّا عاجلاً)([133])

وفي رواية: رفع الحسين رأسه إلى السماء فقال: (اللهمّ أذلّ محمدبن الأشعث ذلّا في هذا اليوم لاتعزّه بعد هذا اليوم أبدا)، فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرّز، فسلّط الله عليه عقربا فلدغته فمات([134]) .

وفي رواية: قال الحسين : (اللهمّ إن كان عبدك كاذبا فخذه إلي النار، واجلعه اليوم آية لأصحابه) فما هوإلّا أن ثني عنان فرسه، فرمي به، وثبتت رجله في الركاب فضربه حتي قطعه([135])

ومنها دعاؤه على ابن أبي جويرية المزني، فقد رُوي أنّه أقبل رجل من عسكر عمر بن سعد على فرس يقال له: ابن أبي جويرية المزني، فلما نظر إلي النار تتّقد، صفّق بيده ونادي: يا حسين ويا أصحاب الحسين، أبشروا بالنار، فقد تعجلّتموها في الدنيا، فقال الحسين : (اللهمّ أذقه عذاب النّار في الدنيا) فنفر به فرسه وألقاه في تلك النار فاحترق([136]).

ومنها دعاؤه على زرعة الدارمي، فقد رُوي أنّ رجلاً من بني أبان بن دارم، يقال له زرعة، شهد قتل الحسين ، فرمي الحسين بسهم فأصاب حفكه، وذلك أنّ الحسين دعا بماء ليشرب فرماه فحال بينه وبين الماء، فقال: (اللهمّ أظمئه) قال: فحدّثني من شهد موته وهو يصيح من الحرّ في بطنه ومن البرد في ظهره، وبين يديه الثلج والمراوح وخلفه الكانون وهو يقول: أسقوني أهلكني العطش([137]) .

ومنها دعاؤه على أبي الحتوف، فقد جاء في رواية أنّ الحسين حينما رماه أبوالحقوق الجعفي بسهم فوقع السهم في جبهته، نزعه من جبهته، فسالت الدماء علي وجهه ولحيته، فقال: (اللهمّ إنّك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة، اللهمّ أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولاتذر على وجه الأرض منهم أحدا، ولا تغفرلهم أبدا)([138])

ومنها دعاؤه على حصين بن نُمير التميمي، فقد رُوي أنّ الحسين لمّا اشتدّ عليه العطش، دنا من الفرات ليشرب، فرماه حصين بن نمير بسهم، فوقع في فمه، فجعل يتلقي الدم بيده، ورمي به إلي السماء، ثمّ حمدالله وأثني عليه، ثم قال: (اللهمّ إنّي أشكو إليك ما يُصنع بابن بنت نبيك! اللهمّ أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولاتبقِ منهم أحدا)([139])

ومنها دعاؤه على مالك بن اليسر، فقد روي أنّ رجلاً من كندة يقال له مالك بن اليسر أتي الحسين بعد ما ضعف من كثرة الجراحات فضربه علي رأسه بالسيف وعليه برنس من خز، فقال له الحسين : (لا أكلت بها ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين)، فألقى ذلك البرنس من رأسه فأخذه الكندي فأتي به أهله، فقالت له امرأته: أسَلَبَ الحسين تدخله في بيتي؟ أخرج فو الله لاتدخل بيتي أبدا؛ فلم يزل فقيرا حتى هلك([140]).

وفي رواية: (لا أكلت بيمنك ولاشربت بها وحشرك الله مع القوم الظالمين)، قال ابومخنف: لما أخذ الكندي عمامة الحسين قالت زوجته: ويلك قتلت الحسين وسلبت ثيابه! فوالله لا جتمعت معك في بيت واحد، فأراد أن يلطمها فأصاب مسمار يده قطعت يده من المرفق، ولم يزل فقيرا حتي هلك)([141])

وفي مقابل هذا نجد أدعيته للموالين له الصادقين في الجهاد معه، وهو ينطبق على من عاصره وغيرهم، وأولهم أهل بيته، ومنها دعاؤه لولده علي بن الحسين، عندما قال له: يا أبت إذن لانبالي أن نموت محقيّن فقال له الحسين : (جزاك الله من والد خير ماجزي ولدا عن والده)([142])

ومنها دعاؤه لأخيه العبّاس بن علي لمّا وقع العبّاس على الأرض وهو يقول يا أبا عبدالله، عليك منّي السلام، قال الإمام: واعبّاساه! وامهجة قلباه! وحمل عليهم وكشفهم عنه، وحمله علي جواده فأدخله الخيمة، وبكي بكاء شديدا وقال: (جزاك الله عنّي خيرالجزاء، فلقد جاهدت حق الجهاد)([143])

وهكذا دعا لكل من حضر معه، ومنهم أم وهب، فقد روي أنّ أم وهب زوجة عبد الله بن عمير الكلبي بعد ماخرج زوجها إلي ساحة المعركة، أخذت عمودا، ثمّ أقبلت نحوه وهي تقول له: فداك أبي وأمّي! قاتل دون الطيّبين ذريّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فأقبل عبدالله إليها يردّها نحو النساء، فأخذت تجاذب ثوبه، ثم قالت: إنّي لن أدعك دون أن أموت معك، فناداها الحسين: (جُزيتم من أهل البيت خيرا، ارجعي رحمك الله إلى النساء فاجلسي معهن، فإنّه ليس على النساء قتال)، فانصرفت اليهن([144]).

وفي رواية أنه قال لها: (إرجعي يا أمّ وهب، أنت وابنك مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّ الجهاد مرفوع عن النساء)، فرجعت وهي تقول: (إلهي لا تقطع رجائي)، فقال لها الحسين : (لا يقطع الله رجاك يا أم وهب)([145])

ومنها دعاؤه للحرّبن يزيد الرياحي، حيث أنه لمّا لحق بالحسين راكبا، قال:إنّي قدجئتك تائبا ممّا كان منّي إلي ربّي ومواسيا لك بنفسي حتّي أموت بين يديك، أفتري ذلك لي توبة؟ قال الإمام: (نعم، يتوب الله عليك)، فأنزل قال: أنا لك فارسا خير منّي راجلاً، أقاتلهم لك على فرسي ساعة وإلى النزول مايصير آخر أمري، فقال له الحسين : (فاصنع يرحمك الله ما بدا لك)([146])

ومنها دعاؤه لأبي ثمامة الصائدي، حيث قال أبوثمامة للحسين: يا أبا عبدالله، نفسي لك الفداء! إنّي أري هؤلاء قد اقتربوا منك، والله لا تُقتل حتّي أُقتل دونك إن شاءالله، وأحبّ أن ألقي ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها، فرفع الحسين رأسه، ثمّ قال: (ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلّين الذاكرين)([147])

ومنها دعاؤه لحبيب بن مظاهر، فقد روي أنه لمّا برز حبيب في ساحة القتال، لم يزل يقاتل حتّي قتل منهم خلقا كثيرا، ثمّ قال الحسين : (يرحمك الله يا حبيب، لقد كنت تختم القرآن في ليلة واحدة وأنت فاضل) ([148])

ومنها دعاؤه لزهيربن القين، حيث روي أن زهير بن القين خرج مرتجزا، وقاتل قتالاً شديدا، فشدّ عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس التميمي فقتلاه، فقال الحسين حسين صرع زهير: (لايبعدك الله يا زهير! ولعن قاتلك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير)([149])

ومنها دعاؤه للأخوين الغفاريين، فقد روي أنه لمّاجاء عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان إلى الحسين وقالا له:يا أبا عبدالله، السلام عليك، جئنا لنقتل بين يديك، وندفع عنك، فقال: (جزاكما الله يا ابني أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما إيّاي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين)([150])

ومنها دعاؤه للفتيين الجابريين؛ فقد روي أنّ سيف بن الحارث بن سريع ومالك بن عبد بن سريع، وهما ابنا عمّ وأخوان لأمّ، أتيا حسينا وهما يبكيان، فقال لهما: مايبكيكما؟ إنّي لأرجوا أن تكونا عن ساعة قريري عين، فقالا: والله ما على أنفسنا نيكي، ولكن نبكي عليك، نراك قدأُ حيط بك ولانقدر أن نمنعك! فقال: (جزاكما الله جزاء المتقين)([151])

ومنها دعاؤه لحنظلة بن أسعد الشبامي، فقد رُوي أنّ ابن أسعد جاء، فوقف بين يدي الحسين وجعل ينادي: ﴿ يَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [غافر: 30 – 33]، يا قوم لا تقتلوا الحسين ﴿ فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى﴾ [طه: 61]، فقال له الحسين : (يا ابن أسعد، رحمك الله، إنّهم قد استوجبوا العذاب حين ردّوا ما دعوتهم إليه من الحق)([152])

ومنها دعاؤه للضّحاك بن عبدالله المشرقي حينما بدأ المشرقي القتال راجلاً مع الأعداء وقتل بين يدي الحسين رجلين وقطع يدآخر، قال له الحسين يومئذ مرارا: (لاتشلل، لا يقطع الله يدك،جزاك الله خيرا عن أهل بيت نبيّك صلى الله عليه وآله وسلم)([153])

ومنها دعاؤه لجون مولى أبي ذرالغفاري، فقد روي أنه لمّا تقدّم جون وكان عبدا أسود، واطّلع على ما جري بينه وبين مولاه، برز إلى القتال مرتجزا، ثمّ قاتل حتّى قتل، فوقف عليه الحسين وقال: (اللهمّ بيّض وجهه، وطيّب ريحه، واحشره مع الأبرار، وعرّف بينه وبين محمد صلى الله عليه وآله وسلم وآل محمد )([154])

ومنها دعاؤه لأبي الشعثاء الكندي، فقد روي أن أباالشعثاء الكندي جثا على ركبتيه بين يدي الحسين ، فرمي بمائة سهم ما سقط منها إلّا خمسة أسهم، وكان راميا، وكلّما رمي يقول له الحسين : (اللهمّ سدّد درميته واجعل ثوابه الجنّة)([155])

ومنها دعاؤه لعروة الغفاري، فقد روي أنه لمّا برز عروة الغفاري وكان شيخا كبيرا شهد بدرا وحنين وصفين، قال له الحسين : (شكر الله لك أفعالك ياشيخ)([156])

وغيرها من الأدعية الرسالية الكثيرة التي حفظت لنا أحداث عاشوراء، وربطتها بالله، وبفضله العظيم، وبكل القيم الإنسانية النبيلة.

ثانيا ـ الإمام الحسين والقيم المرتبطة بالسلوك الباطني:

من خلال ما سبق ذكره من اهتمام الإمام الحسين بالشعائر التعبدية، وتعظيمه الله فيها، وأدائها بذلك الشوق والتعظيم، نستدل على ما في باطنه وروحه وقلبه من معان سامية؛ لأن الظاهر مرآة الباطن، وكل إناء بما فيه يرشح، وقد وصف الله تعالى المعظمين لشعائر الله بأن ذلك من علامات تقوى قلوبهم، فقال: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]

ومن خلال مطالعة سيرته ومواقفه وأدعيته وغيرها نكتشف الكثير من المعاني الروحية السامية التي تمثل ـ في واقع الحياة الإنسانية ـ كل ما ذكره القرآن الكريم عن عباد الرحمن والمخبتين والمتبتلين والأبرار والمقربين، وكل الأوصاف التي أشاد الله فيها بالمؤمنين.

وهو بذلك يستحق ذلك اللقب العظيم الذي وصفه به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو وصف السيادة، والإمامة، لأنه يمثل الشخصية الإسلامية المتكاملة والمتوازنة في جميع جوانبها، ذلك أن بعض من اهتم بالجوانب الروحية الباطنية قصر في الكثير من شعائر الدين الظاهرية، وبعض من اهتم بالشعائر الظاهرية قصر في السلوك الباطني، أو قصر في واجباته الرسالية، وقد كان الإمام الحسين هو النموذج الأمثل الذي اجتمعت له كل تلك الكمالات التي تفرقت في غيره.

وسنحاول هنا ـ باختصار ـ أن نذكر أمهات القيم المرتبطة بالسلوك الباطني، ومدى تحققها في الإمام الحسين ، ومدى أهميتها في تشكيل شخصية المسلم على حسب دين الله الأصيل، لا الدين الذي اجتهد أعداء أهل البيت في نشره، واستبدال دين الله به.

1 ـ الإخلاص والتسليم:

وهي أول الصفات التي يهتم بها عادة علماء السلوك والعرفان والتصوف، ويذكرون أنها الصفة التي تجعل صاحبها متجردا لله متوجها إليه، لا يطلب منه غيره؛ فالله هو مقصوده الأعلى، وغايته الأسمى، فلا يعبد الله إلا لله.

وقد اعتبر القرآن الكريم هذه الصفة من صفات الرسل والأئمة وعباد الله المخلصين، كما قال تعالى: ﴿قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي الله وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴾ [البقرة: 139]، وقال: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الزمر: 11، 12]، وقال: ﴿مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة: 130، 131]

وقد أشار الإمام الحسين إلى هذا المعنى، كما أشار إليه سائر الأئمة ؛ فقال ـ عند حديثه عن أنواع العبادة ـ : (إنّ قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجّار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة)([157])

وقد اعتبر العابد الحقيقي ذلك العابد المتجرد عن الأغراض، وأخبر أنه سينال ـ بسبب ذلك التجرد ـ ما لا يمكن أن يخطر على البال، وما هو فوق جميع الأغراض، فقال: (مَن عَبَد الله حقّ عبادته أتاه الله فوق أمانيه وكفايته)([158])

وهو نفس ما ذكره جميع الأئمة ؛ فقد روي عن أبيه أمير المؤمنين أنه قال: (طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء، ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه، ولم ينس ذكر الله بما تسمع أذناه، ولم يحزن صدره بما أعطي غيره) ([159])، وقال: (إن لله عبادا عاملوه بخالص من سره، فشكر لهم بخالص من شكره، فأولئك تمر صحفهم يوم القيامة فرغا، فإذا وقفوا بين يديه ملأها لهم من سر ما أسروا إليه)([160])، وقال: (ليست الصلاة قيامك وقعودك، إنما الصلاة إخلاصك، وأن تريد بها الله وحده)([161])

وقال ابنه الإمام السجاد في مناجاته: (واجعل جهادنا فيك، وهمنا في طاعتك، وأخلص نياتنا في معاملتك)([162])

وقال حفيده الإمام الصادق : (إن لله عبادا عاملوه بخالص من سره، فعاملهم بخالص من بره، فهم الذين تم صحفهم يوم القيامة فرغا، فإذا وقفوا بين يديه ملأها من سر ما أسروا إليه، فقلت: يا مولاي ولم ذلك؟ فقال: أجلهم أن تطلع الحفظة على ما بينه وبينهم)([163])

وهكذا نص جميع الأئمة على أن الإخلاص شرط لقبول الأعمال، وحصول البركة فيها، وأن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه، كما عبر عن ذلك الإمام الصادق بقوله: (قال الله تعالى: أنا خير شريك، من أشرك بي في عمله لن أقبله إلا ما كان لي خالصا)([164])

وقد روي مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (قال الله، عز وجل: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل لي عملا أشرك فيه غيري، فأنا منه بريء، وهو للذي أشرك)([165])

وبناء على هذا كانت حركة الإمام الحسين حركة متجردة لله، لا تريد أي غرض؛ ولذلك لم يحسب أي حساب للتضحيات التي سيقدمها، لأنه كان يعلم أنه يقوم بواجبه الشرعي، كما عبر عن ذلك بقوله في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية: (بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به الحسين بن على بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية: أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، جاء، بالحق من عند الحق، وأن الجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لاريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأني لم أخرج أشرا، ولابطرا، ولا مفسدا، ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي على بن أبي طالب عليهما السلام، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد على هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين)([166])

وقال بعد أن انتهى إليه نبأ قتل رسوله وسفيره مسلم بن عقيل، مخاطبا الجيش الذي مع الحر: (أيها الناس، ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقا على الله أن يدخل مدخله)، ألا وان هولاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفئ، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلال الله، وأنا أحق من غير، وقد أتتني كتبكم، وقدمت علي رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن على، وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم في أسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم، وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم ! والمغرور من اغتر بكم، فحظكم أخطأتم، ونصيبكم ضيعتم ومن نكث فانما ينكث على نفسه، وسيغني الله عنكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)([167])

فهذه النصوص المضمخة بعطر الإخلاص والتجرد والتسليم لله، والسعي لأداء ما يتطلبه التكليف الشرعي هي التي تشرح بدقة الرسالة التي انتهض الإمام الحسين لأدائها، مهما كانت الظروف، لكن الذين لا يعرفون هذا، أو لا يقرؤون هذه النصوص، أو يشكون فيها، يسيئون فهم هذه الحركة، لأنهم لا ينظرون إليها من مفاتيح أسبابها الشرعية، وإنما من زاوية الأهواء والمصالح المحدودة.

وكان في إمكانهم لو قرؤوا القرآن الكريم، وعرفوا أن الإمام الحسين والقرآن لا يفترقان، لوجدوا أن الإخلاص والتسليم لله، يجعل صاحبه يقدم على كل تضحية، مادام فيها رضى الله، ولا يهمه النتائج التي تحصل بعد ذلك.

وقد ضرب الله مثلا لذلك بإبراهيم ، الذي راح ينفذ كل الأوامر الإلهية من دون أن يجادل أو يحسب أي حساب للمصالح والمفاسد، ولهذا ذكر الله تعالى أنه هو الذي اختار اسم الإسلام، فقال: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [الحج: 78]

بل ذكر الله تعالى أنه هو الذي عرّف هذا الاسم تعريفا فعليا واقعيا واضحا، وذلك عندما أمر بذبح ابنه في رؤيا منامية.. حينها كان يمكن ـ لو كان إبراهيم يفكر بتلك الطريقة التي يفكر بها من انتقدوا الحركة الحسينية ـ أن يصيح بملء فيه: (يستحيل أن يصدر هذا الأمر من الله الرحمن الرحيم).. ثم يستعيذ من تلك الرؤيا، ويعتبرها وساوس شيطانية أنشأها شياطين الدجل في عقله الباطن.

أو ربما يتنازل، فيعتبرها رؤيا ملكوتية، لكنه يؤولها بما يفعله الكثير من المتلاعبين بالأحكام الشرعية؛ فيفسر الذبح بذبح التخلف والفقر والسلبية ونحوها.. أو يفسرها بذبح كل تحكم أو توجيه لابنه ليتركه يعيش حياته الطبيعية، وكأنه من غير أب، وكأن الأب من غير ابن..

لكن إبراهيم ، والذي يعلم أنه عبد الله، ومتجرد من كل أهوائه، وأنه لا يملك من أمره شيئا لم يفهم من تلك الرؤيا إلا أنها أمر إلهي بذبح ابنه.. فهم ذلك مع علمه اليقيني القاطع برحمة الله ورأفته بعباده، ولكنه يعلم في نفس الوقت أن الله حكيم ولطيف، وأنه لحكمته ولطفه يدبر من التدابير لعباده ما تتحقق به الرحمة والرأفة في أجلى مراتبها، وإن لم يعلم بادئ الرأي ذلك، كما قال تعالى حاكيا عن يوسف ، وكيف استشعر لطف ربه العظيم بعد كل الامتحانات التي مر بها: ﴿ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [يوسف: 100]

ولذلك، فإن إبراهيم كان يعلم أن الذي أوحى إليه بذلك الأمر إله عظيم خلق هذا الكون جميعا، وقدراته لا حد لها، وعلمه لا حد له.. فلذلك راح يلغي العقل المحدود، والذوق القاصر، ويسلم نفسه تسليما مطلقا لصاحب العلم المطلق، والرحمة الواسعة.

وهذا هو الإسلام.. فالإسلام هو أن نسلم وجوهنا إلى الله.. ولا ندبر معه.. ولا نقترح عليه.. بل نعلم أن أمره لا يكون إلا لخير أو مصلحة حتى لو جهلناها نحن، ولم تتناسب مع مزاجنا، كما لا يتناسب الذبح مع مزاج أي أب في الدنيا.. فالمزاج يتناقض مع التسليم.

وهذا ما فهمه إسماعيل أيضا، وهو الشاب اليافع الذي لم يتردد ولم يحتل على أمر الله، بل بمجرد أن طرح عليه أبوه القضية راح يرد عليه من غير تفكير ولا تلكؤ، ولا طلب إقناع، فيكفي أن يكون الله هو الآمر حتى يكون ذلك مبررا لقناعتنا، لقد قال له بكل هدوء: ﴿يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ الله مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ [الصافات: 102]

ولهذا عقب الله تعالى على تصرف الأب وابنه تجاه أمره بكونه إسلاما، فقال: ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ [الصافات: 103]

وقد نجح إبراهيم في الاختبار، لكونه لم يعمل عقله القاصر، ولا مزاجه المحدود، ولا رأيه الضعيف، ولا بيئته الجاهلة، ولا أي شيء آخر، بل أعمل فقط ما أمره به ربه حتى لو كان ذلك الوحي رؤيا منامية.

وهذا المعنى هو الذي دعا الإمام الحسين وغيره من الأئمة إلى فهمه، وتعريف الإسلام من خلاله؛ فالإسلام هو دين الله المعبر عن مرضاته، والله خالق كل شيء، وهو ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: 23]؛ فلذلك كان الأدب مع الله هو التسليم المطلق له، مثلما نسلم أنفسنا للطبيب الجراح ثقة منا فيه وفي علمه المحدود وقدراته القاصرة.

وكل هذا حصل للإمام الحسين الذي قدم كل ما يملك في سبيل الله، متجردا عن كل شيء، ولذلك جعل الله صوته وحركته وكل مواقفه ثروة كبيرة تستمد منها كل الأجيال، وتنتفض بها كل الشعوب، وما كان ذلك ليحصل لو أنه راح يتخلى عن رسالته ومهمته التي وكلت إليه، والتي لم يفهمها من لم يقدروا الإمامة حق قدرها.

2 ـ التفويض والتوكل:

وهي من الصفات العظيمة التي وصف الله بها أنبياءه ورسله وأتباعهم من ورثتهم، ليستعينوا بها على مواجهة الملأ والمستبدين والمستكبرين الذين استعملوا كل وسائل العنف، ليجبروهم على ترك دينهم.

فالله تعالى يخبر أن موسى قال لقومه ناصحا: ﴿ وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِالله فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى الله تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [يونس: 84 – 86]

وأخبر عن شعيب أنه أجاب قومه الذين قالوا له: ﴿ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾ [الأعراف: 88] بقوله: ﴿ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى الله كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الله رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى الله تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ [الأعراف: 88، 89]

وأخبر عن نوح أنه أجاب قومه الذين بالغوا في إيذائه ومحاربته بقوله: ﴿يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ الله فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الله وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: 71، 72]

وكل هذه الكلمات الممتلئة بالتوكل على الله وتفويض الأمر إليه، نجدها متحققة بصورة جلية واقعية في حياة الإمام الحسين ، فقد كان قرآنها الناطق، وكان وارث جميع الرسل فيها، بل أتيحت له من الفرص لتجلي التوكل فيه ما لم يتح لغيره؛ فقد خرج بكل ما يملك مهاجرا في سبيل الله، ومواجها لجميع الظلمة، ولم يرجع بشيء، بل بقي على أرض الطرف صريعا مذبوحا مداسا بالخيل، وكل ذلك من غير أن يضجر أو يجزع، بل اعتبر ذلك كله قربانا لله تعالى، ولذلك راح يردد ذلك الشعار العظيم: (هون علي ما نزل بي أنه بعين الله)([168])

وقد عبر الإمام الحسين عن توكله على الله تعالى بصيغ كثيرة نقتصر منها على الصيغتين التاليتين:

أ ـ أدعية الإمام الحسين والتوكل:

عند تأمل الأدعية الواردة عن الإمام الحسين ، والتي تعتبر مفتاح شخصيته، ومرآة حقيقته، نجدها ممتلئة بالكثير من المعاني الروحية العميقة المتعلقة بالتوكل على الله، وتفويض الأمر إليه، واعتباره الملجأ والمنجا.

ومن ذلك قوله في دعاء القنوت: (اللهم منك البدء ولك المشية، ولك الحول ولك القوة، وأنت الله الذي لا إله إلا أنت، جعلت قلوب أوليائك مسكنا لمشيتك، ومكمنا لارادتك، وجعلت عقولهم مناصب أوامرك ونواهيك، فأنت إذا شئت ما تشاء حركت من أسرارهم كوامن ما أبطنت فيهم، وأبدأت من إرادتك على ألسنتهم ما أفهمتهم به عنك في عقودهم بعقول تدعوك وتدعو إليك بحقائق ما منحتهم به، وإنى لأعلم مما علمتني مما أنت المشكور على ما منه أريتني، وإليه آويتنى. اللهم وإني مع ذلك كله عائذ بك، لائذ بحولك وقوتك، راض بحكمك الذى سقته إلى في علمك، جار بحيث أجريتني، قاصد ما أممتني، غير ضنين بنفسي فيما يرضيك عنى إذبه قد رضيتني، ولاقاصر بجهدي عما إليه ندبتنى، مسارع لما عرفتني، شارع فيما أشرعتني، مستبصر في ما بصرتني، مراع ما أرعيتني، فلا تخلني من رعايتك، ولا تخرجني من عنايتك، ولا تقعدني عن حولك، ولا تخرجني عن مقصد أنال به إرادتك، واجعل على البصيرة مدرجتي، وعلى الهداية محجتي، وعلى الرشاد مسلكي، حتى تنيلني وتنيل بي امنيتي، وتحل بي على ما به أردتني، وله خلقتني، وإليه آويتني، وأعذ أولياءك من الإفتتان بي، وفتنهم برحمتك لرحمتك في نعمتك تفتين الاجتباء، والاستخلاص بسلوك طريقتي، واتباع منهجي، وألحقني بالصالحين من آبائي وذوى رحمي)([169])

وكل كلمات هذا الدعاء ممتلئة بالتوكل على الله وتفويض الأمر إليه، والشعور بأن الحاجات كلها لديه، وأن من وجده فقد وجد كل شيء، ومن فقده فقد كل شيء، كما عبر عن ذلك في القطعة المنسوبة إليه في دعاء عرفة.

ونجد نفس هذه المعاني في دعاء القنوت الآخر المأثور عنه، والذي يقول فيه: (اللهم من أوى إلى مأوى فانت مأواي، ومن لجأ إلى ملجأ فأنت ملجأى، اللهم صل على محمد وآل محمد، واسمع ندائي، وأجب دعائي، واجعل مآبي عندك ومثواي، واحرسني في بلواي من إفتنان الامتحان، ولمة الشيطان، بعظمتك التى لا يشوبها ولع نفس بتفتين، ولاوارد طيف بتظنين، ولا يلم بها فرج حتى تقلبني إليك بارادتك غير ظنين ولا مظنون، ولامراب ولا مرتاب، إنك أنت أرحم الراحمين)([170])

ونجد نفس هذه المعاني السامية في قوله في دعاء الصباح والمساء المأثور عنه، والذي يقول فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله وبالله، ومن الله والى الله، وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله، وتوكلت على الله، ولاحول ولاقوة الا بالله العلى العظيم. اللهم انى اسلمت نفسي اليك، ووجهت وجهي اليك، وفوضت امري اليك، اياك اسأل العافية من كل سوء في الدنيا والاخرة. اللهم انك تكفيني من كل احد ولا يكفينى احد منك، فاكفني من كل احد ما اخاف واحذر واجعل لي من امري فرجا ومخرجا، انك تعلم ولا اعلم، وتقدر ولا اقدر، وانت على كل شئ قدير، برحمتك يا ارحم الراحمين)([171])

وهكذا نجد كل أدعيته ممتلئة بالتجرد والإخلاص لله، وإشعار قارئها أنه لا حول له ولا قوة إلا بالله، وليس ذلك غريبا على من علمه أبوه ذلك الدعاء العظيم المسمى بـ [دعاء العشرات]([172])، بعد أن ذكر له فضله، وما أعد الله لأهله من الأجر، وقال له: (يا بني إنه لابد أن يمضى الله عزوجل مقاديره وأحكامه على ما أحب وقضى، وسينفذ الله قضاءه وقدره وحكمه فيك)([173])

ومما ورد في الدعاء مما له علاقة بالتوكل على الله تعالى قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، سبحان الله آناء الليل وأطراف النهار، سبحان الله بالغدو والاصال، سبحان الله بالعشي والابكار، سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السموات والارض وعشيا وحين تظهرون، يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الارض بعد موتها وكذلك تخرجون سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان ذي الكبرياء والعظمة، الملك الحق المبين المهيمن القدوس، سبحان الله الملك الحي الذي لا يموت، سبحان الله الملك الحي القدوس، سبحان القائم الدائم، سبحان الدائم القائم سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الاعلى، سبحان الحي القيوم، سبحان العلي الاعلى، سبحانه وتعالى، سبوح قدوس ربنا ورب الملائكة والروح. سبحان الدائم غير الغافل، سبحان العالم بغير تعليم، سبحان خالق ما يرى وما لا يرى، سبحان الذي يدرك الابصار ولا تدركه الابصار، وهو اللطيف الخبير. اللهم إني أصبحت منك في نعمة وخير وبركة وعافية فصل على محمد وآله، وأتمم علي نعمتك وخيرك وبركاتك وعافيتك بنجاة من النار، وارزقني شكرك وعافيتك وفضلك وكرامتك أبدا ما أبقيتني، اللهم بنورك اهتديت، وبفضلك استغنيت، وبنعمتك أصبحت وأمسيت. اللهم إني اشهدك وكفى بك شهيدا، واشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وحملة عرشك وسكان سمواتك وأرضك وجميع خلقك، بأنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك، وأنك على كل شئ قدير، تحيي وتميت وتميت وتحيي، وأشهد أن الجنة حق، والنار حق، والساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور) ([174])

فكل هذه الحقائق الواردة في الدعاء، تثمر التوكل على الله، والتفويض إليه، ذلك أنها تسبح الله وتنزهه عن كل ما لا يليق به، وفي نفس الوقت تثبت له كل أنواع الكمال، وذلك وحده كاف لغرس الثقة في تدبير الله، وهو ما ينبني عليه التوكل.

ب ـ مواقف كربلاء والتوكل على الله:

يتساءل الكثير من الذين لم يفهموا سر كربلاء، وما حدث فيها من المآسي عن سبب عدم استخدام الإمام الحسين لما آتاه الله من ولاية تكوينية، تجعل دعاءه مستجابا، وطلبه محققا، وهمته نافذة، وسر ذلك هو عدم فهمهم للدور الرسالي لتلك الحركة، والممتد لجميع التاريخ.

فلو أن الإمام الحسين استعمل تلك الصلاحيات التي أتاحها الله له كما أتاحها لأوليائه وأنبيائه؛ فراح يوفر عن نفسه وأهل بيته العناء، ويسأل الله ألا يحدث ما حدث، لكان للتاريخ حركة أخرى غير الحركة التي نعرفها، ونعيشها.

وقد كان أسوته في ذلك الرسل الذين آتاهم الله تلك الولاية التكوينية، وأتاح لهم بها تحقق المعجزات، ومع ذلك لم يستخدموا تلك الصلاحيات، بل مارسوا أدوارهم الرسالية بجهودهم البشرية، ولم يدخلوا أي قوة غيبية فيها، حتى يكونوا أسوة لغيرهم.

فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي أسرى الله به إلى بيت المقدس في لحظات معدودات، وعرج به إلى السموات العلا في ليلة واحدة، لم يستعمل البراق، ولا أي وسيلة غيبية عندما هاجر إلى المدينة المنورة، بل هاجر إليها كسائر الناس، وتلقى من العناء ما تلقى حتى يكون أسوة لغيره من الدعاة.

وهكذا كان يقاوم هجمات أعدائه بما أتيح له من سلاح، ومن عدد قليل، وعدة قليلة، ولم يستعمل الوسائل الغيبية المتاحة له، إلا إذا أراد الله ذلك، ولذلك حصل نوع من الهزيمة يوم أحد، واستشهد عمه حمزة، وكان في الإمكان ألا يحصل ذلك كله لو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استخدم ما أتيح له من ولاية تكوينية، ومن دعاء مستجاب، لكنه لم يفعل، لأن الله تعالى جعله أسوة للأمة، بل للبشر جميعا.

وقد ورد في الرواية أن بعضهم أنكر على الإمام السجاد حاجته وفاقته، وعدم قدرته على تسديد بعض حاجات المسلمين المادية، وقال: (عجبا لهؤلاء يدّعون مرّة أنّ السماء والأرض وكلّ شي‏ء يطيعهم، وأنّ الله لا يردّهم عن شي‏ء من طلباتهم، ثمّ يعترفون أخرى بالعجز عن إصلاح حال خواصّ إخوانهم)، فرد عليه الإمام السجاد بقوله: (هكذا قالت قريش للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: كيف يمضي إلى بيت المقدس ويشاهد ما فيه من آثار الأنبياء من مكّة ويرجع إليها في ليلة واحدة من لا يقدر أن يبلغ من مكة إلى المدينة إلّا في اثني عشر يوما؟! وذلك حين هاجر منها.. جهلوا والله أمر الله وأمر أوليائه معه، إنّ المراتب الرفيعة لا تنال إلّا بالتسليم لله جلّ ثناؤه، وترك الاقتراح عليه، والرضا بما يدبرهم به، إنّ أولياء الله صبروا على المحن والمكاره صبرا لم يساوهم فيه غيرهم، فجازاهم الله عزّ وجلّ عن ذلك بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم، لكنّهم مع ذلك لا يريدون منه إلّا ما يريده لهم)([175])

ولذلك امتلأت كربلاء بمواقف التوكل وتفويض الأمر لله، والتي لا زالت إلى الآن نبراسا يشجع الرساليين على القيام بأدوارهم الإصلاحية، اقتداء بأبي الثوار، وسيد الشهداء .

ومن الأمثلة على ذلك ما روي عنه من مواقف قبيل شهادته، وبعد أن رأى بعينه ما رأى من مآس، فقد حدث أبو مخنف قال: بقي الحسين ثلاث ساعات من النهار ملطّخا بدمه رامقا بطرفه إلي السماء وينادني: (ياإلهي، صبرا علي قضائك، ولامعبود سواك، ياغياث المستغيثين)([176])

وفي تلك اللحظات الشديدة، دعا بابنه عبد الله، وهو صغير، فأجلسه في حجره، فرماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه، فتلقي الحسين دمه حتّى امتلأت كفّه، ثمّ رمي به إلي السماء، وقال: (إلهي إن كنت حبست عنّا النصر، فاجعله لما هو خيرمنه، وانتقم لنا من الظالمين، واجعل ما حلّ بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل)، وقد ذكر الإمام الباقر أنه (لم يسقط من ذلك الدم قطرة واحدة إلى الأرض)([177])

وقبل ذلك، وفي المدينة المنورة، وقبل مسيره إلى كربلاء، لتنفيذ الأمر الإلهي، زاره قبر قبر جدّه صلى الله عليه وآله وسلم، وراح يودعه، ويشكو إليه قائلاً: (السلام عليك يا رسول الله ! أنا الحسين بن فاطمة، أنا فرخك وابن فرختك، وسبطك في الخلف الذي خلفت على أمتك، فاشهد عليهم يا نبى الله. أنهم قد خذلوني وضيعوني وأنهم لم يحفظوني، وهذا شكواي إليك حتى ألقاك)، ثم وثب قائما وصف قدميه، ولم يزل راكعا وساجدا([178]).

فلما كانت الليلة الثانية خرج الى القبر أيضا فصلى ركعتين، فلمل فرغ من صلاته جعل يقول: (اللهم إن هذا قبر نبيك محمد وأنا ابن بنت محمد وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم وإني احب المعروف وأكره المنكر، وانا أسألك يا ذا الجلال والاكرام بحق هذا القبر ومن فيه ما اخترت من أمري هذا ما هو لك رضى) ([179])

وقد روي أنه غلبه النوم حينها؛ فرأى جدّه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أقبلَ في كتيبة مِن الملائكة، فضمّه إلى صدره وقبّل ما بين عينيه، وهو يقول له: (يا بُني، كأنّي عن قريب أراك مقتولاً مذبوحاً بأرض كربٍ وبلاء، بين عصابة مِنْ أُمّتي، وأنت مع ذلك عطشان لا تُسقى، وظمآن لا تروى، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي، مالهم لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة؛ فما لهم عند الله من خلاق، حبيبي يا حسين إن أباك وأمك وأخاك قد قدموا علي وهم إليك مشتاقون، وإن لك في الجنة درجات لن تنالها إلا بالشهادة)([180])

وهذا النص مع نصوص كثيرة يدل على أن الإمام الحسين كان يعلم مصيره بدقة، لكنه مع ذلك أقدم عليه، متوكلا على الله، مفوضا الأمر إليه، لأنه يعلم أن المأساة التي ستتحقق على تلك الأرض، ستصبح بعد ذلك معولا يهدم الباطل، ومشعلا ينصر الحق.

وقد روي أنه لمّا وصل قرب كربلاء، دمعت عيناه ثمّ قال: (اللهم إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء)([181])

وفي رواية أخرى أن زهير بن القين قال للإمام الحسين : سربنا إلى هذه القرية حتى ننزلها فإنّها حصينة وهي علي شاطئ الفرات؛ فإن منعونا قاتلناهم؛ فقتالهم أهون علينا من قتال من يجيء بعدهم؛ فقال الحسين: ماهي؟ قال: العقر، قال: (اللهمّ إنّي أعوذ بك من العقر)([182])

وليلة عاشوراء قال الإمام السجاد : جمع الحسين أصحابه عند قرب المساء فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم وأنا إذا ذاك مريض، فسمعت أبي يقول لأصحابه: (أثني علي الله أحسن الثناء، وأحمده علي السرّاء والضرّاء، اللهمّ إنّي أحمدك علي أن أكرمتنا بالنبوّة، وعلمتنا القرآن، وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة، فاجعلنا من الشاكرين) ([183])

و عن الإمام السجاد أنّه قال: لمّا أصبحت الخيل تقبل علي الحسين، رفع يديه وقال: (اللهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب، وأنت رجائي في كلّ شدّة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحليلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدّو، أنزلته بك، وشكوته إليك، رغبة منّي إليك عمّن سواك، ففّرجته وكشفته، فأنت وليّ كلّ نعمة، وصاحب كلّ حسنة، ومنتهي كلّ رغبة)([184])

هذه بعض المشاهد من ذلك اليوم العظيم في كربلاء، والتي تدل على مدى توكل الإمام الحسين على الله، وتفويضه الأمر إليه، وأنه لا يختلف في سلوكه ذلك عن سلوك إبراهيم ، عندما قدم ولده قربانا لله، من دون أن يجزع أو يضجر.

3 ـ الحمد والشكر:

وهي من الصفات العظيمة التي وصف الله بها عباده المقربين، وأخبر أنه لم يتحقق بها إلا القلة القليلة، كما قال تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13]، وقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [المؤمنون: 78]

وقد وصفهم الله الإمام علي ، فقال في بعض مواعظه: (فما أقل من قبلها، وحملها حق حملها، أولئك الأقلون عددا، وهم أهل صفة الله سبحانه إذ يقول: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13])([185])

وقال الإمام الصادق مبينا سر قلة الشاكرين: (لو كان عند الله عبادة يتعبد بها عباده المخلصون أفضل من الشكر على كل حال لأطلق لفظه فيهم من جميع الخلق بها، فلما لم يكن أفضل منها خصها من بين العبادات وخص أربابها، فقال تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13])([186])

وبما أن الركن الأول من أركان هذه الصفة هو التعرف على نعم الله وإحصائها، ثم شكر الله عليها جميعا، كما هو المنهج القرآني في تعداد النعم، والدعوة إلى حمد الله عليها؛ نرى أدعية الإمام الحسين ممتلئة بذكر النعم وإحصاء الدقيق منها والجليل، ثم الثناء على الله بها، والاستغفار من تقصيره في حق شكرها.

ومن الأمثلة على ذلك قوله في دعاء عرفة: (اللهمّ لك الحمد كما خلقتني فجعلتني سميعا بصيرا، ولك الحمد كما خلقتني فجعلتني حيّا سويّا، رحمة بي وكنت عن خلقي غنيّا. ربّ بما برأتني فعدّلت فطرتي، ربّ بما أنشأتني فأحسنت صورتي، يا ربّ بما أحسنت بي وفي نفسي عافيتني، ربّ بما كلأتني ووفقتني، ربّ‏ بما أنعمت عليّ فهديتني، ربّ بما آويتني ومن كلّ خير آتيتني وأعطيتني، ربّ بما أطعمتني وسقيتني، ربّ بما أغنيتني وأقنيتني، ربّ بما أعنتني وأعززتني، ربّ بما ألبستني من ذكرك الصافي، ويسّرت لي من صنعك الكافي، فلك الحمد يا من أقال عثرتي، ونفّس كربتي، وأجاب دعوتي، وستر عورتي وذنوبي، وبلّغني طلبتي، ونصرني على عدوّي، وإن اعدّ نعمك ومننك وكرائم منحك لا أحصيها يا مولاي)([187])

وقوله في نفس الدعاء: (أنت الذي أنعمت، أنت الذي أحسنت، أنت الذي أجملت، أنت الذي أفضلت أنت الذي مننت، أنت الذي أكملت، أنت الذي رزقت، أنت الذي أعطيت، أنت الذي أغنيت، أنت الذي أقنيت، أنت الذي أويت، أنت الذي كفيت، أنت الذي هديت، أنت الذي عصمت، أنت الذي سترت، أنت الذي غفرت، أنت الذي أقلت، أنت الذي مكّنت، أنت الذي أعززت، أنت الذي أعنت، أنت الذي عضدت، أنت الذي أيّدت، أنت الذي نصرت، أنت الذي شفيت، أنت الذي عافيت، أنت الذي أكرمت، تباركت ربي وتعاليت، فلك الحمد دائما، ولك الشكر واصبا)([188])

وهكذا نرى جميع أدعيته مضمخة بعطر الشكر لله على الرغم من كل المحن التي عاشها في حياته جميعا ابتداء من مشاهدته لما حصل لأمه الزهراء عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مآس إلى ما حصل لأبيه وأخيه وجميع أهله من تنكر لمكانتهم، وحرب لهم.

4 ـ الأنس والمحبة:

وهي من المقامات العالية، بل من أعلى من مقامات المؤمنين الصادقين المخلصين، وقد وصف الله تعالى أهلها، فقال﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ الله أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لله ﴾ [البقرة: 165]

وعندما ذكر البديل للذين يقصرون في طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعتبر محبة الله أول صفاتهم، فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ [المائدة: 54]، وفي ذلك إشارة إلى أن الارتداد ونقض العهود وعدم الالتزام بها ناشئ من التقصير في محبة الله، ولهذا عقب الله الآية الكريمة بأوصاف الذين يحبون الله، فذكر أنهم: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 54]

فهذه الصفات ـ كما ينص القرآن الكريم ـ علامة على محبة المؤمن لله تعالى، وكلها تنطبق على الإمام الحسين ، وحركته العظيمة؛ ذلك أنه لا يمكن أن يصبر على أداء تلك التكاليف الشرعية، فرائضها ونوافلها من لم يمتلئ قلبه بحب الله، كما عبر الإمام علي عن ذلك بقوله: (من أحبّ أن يعلم كيف منزلته عند الله، فلينظر كيف‏ منزلة الله عنده فإنّ كلّ من خيّر له أمران؛ أمر الدنيا وأمر الآخرة فاختار أمر الآخرة على الدنيا فذلك الذي يحبّ الله ومن اختار أمر الدنيا فذلك الذي لا منزلة لله عنده)([189])

بل روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه سأل الله تعالى، فقال: (يا ربّ، وددت أن أعلم من تحبّ من عبادك فأحبّه؟)؛ فأجابه الله تعالى بقوله: (إذا رأيت عبدي يكثر ذكري فأنا أذنت له في ذلك، وأنا أحبّه وإذا رأيت عبدي لا يذكرني فأنا حجبته وأنا أبغضته.([190])

ولهذا، فإن الذي لا يفهم هذا البعد في شخصية الإمام الحسين لا يمكن أن يفهم سر حركته وثورته؛ ذلك أنها حركة وثورة لم تنطلق فقط من دافع أداء التكليف الشرعي في مواجهة الظلمة والمستبدين والمفسدين في الأرض، وإنما انطلقت محبة لله وتعظيما له، ولذلك لاحظنا فيها تلك المعاني السامية الرفيعة، ولم تكن لتوجد تلك المعاني لولا توفر محبة الله.

ولهذا نلاحظ في أدعية الإمام الحسين تلك الأشواق العظيمة لله، فهو يخاطبه ويكرر اسمه كل حين، وقد ورد في القطعة المنسوبة إليه من دعاء عرفة قوله: (أنت الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوليائك حتى عرفوك ووحّدوك، وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب احبائك حتى لم يحبّوا سواك، ولم يلجؤوا إلى غيرك أنت المؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم، وأنت الذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم ما ذا وجد من فقدك، وما الذي فقد من وجدك، لقد خاب من رضي دونك بدلا، ولقد خسر من بغى عنك متحوّلا، كيف يرجى سواك وأنت ما قطعت الإحسان، وكيف يطلب من غيرك وأنت ما بدّلت عادة الإمتنان، يا من أذاق احبّاءه حلاوة المؤانسة فقاموا بين يديه متملّقين، ويا من ألبس أولياءه ملابس هيبته فقاموا بين يديه مستغفرين، أنت الذاكر قبل الذاكرين، وأنت البادي بالإحسان قبل توجّه العابدين وأنت الجواد بالعطاء قبل طلب الطالبين، وأنت الوهاب ثم لما وهبتنا من المستقرضين إلهي اطلبني برحمتك حتى أصل إليك، واجذبني بمنّك حتى أقبل إليك، إلهي إنّ رجائي لا ينقطع عنك، وإن عصيتك، كما أنّ خوفي لا يزايلني وإن أطعتك فقد دفعتني العوالم إليك وقد أوقعني علمي بكرمك عليك، إلهي كيف أخيب وأنت أملي)([191])

وهكذا نرى سائر أدعية أئمة أهل البيت ممتلئة بكل معاني الشوق والمحبة لله تعالى، بل إن الإمام السجاد خص المحبة لله تعالى بمناجاة خاصة، هي المناجاة التاسعة المسماة [مناجاة المحبين]، والتي يبدؤها بقوله: (إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة محبتك، فرام منك بدلا؟ ومن ذا الذي أنس بقربك، فابتغى عنك حولا؟ إلهي فاجعلنا ممن اصطفيته لقربك وولايتك، وأخلصته لودك ومحبتك، وشوقته إلى لقآئك، ورضيته بقضآئك، ومنحته بالنظر إلى وجهك، وحبوته برضاك، وأعدته من هجرك وقلاك، وبوأته مقعد الصدق في جوارك، وخصصته بمعرفتك، وأهلته لعبادتك، وهيمت قلبه لارادتك، واجتبيته لمشاهدتك، وأخليت وجهه لك، وفرغت فؤاده لحبك، ورغبته فيما عندك، وألهمته ذكرك، وأوزعته شكرك، وشغلته بطاعتك، وصيرته من صالحي بريتك، واخترته لمناجاتك، وقطعت عنه كل شيء يقطعه عنك)([192])

وفيها يقول: (اللهم اجعلنا ممن دأبهم الارتياح إليك والحنين، ودهرهم الزفرة والانين، جباههم ساجدة لعظمتك، وعيونهم ساهرة في خدمتك، ودموعهم سآئلة من خشيتك، وقلوبهم متعلقة بمحبتك، وأفئدتهم منخلعة من مهابتك، يامن أنوار قدسه لابصار محبيه رآئقة، وسبحات وجهه لقلوب عارفيه شآئقة، يا منى قلوب المشتاقين، ويا غاية آمال المحبين أسألك حبك وحب من يحبك، وحب كل عمل يوصلني إلى قربك، وأن تجعلك أحب إلي مما سواك وأن تجعل حبي)([193])

وقال في دعاء آخر قوله: (إلهي لو قرنتني بالأصفاد، ومنعتني سيبك من بين الأشهاد ماقطعت رجائي منك ولاصرفت وجه تأميلي للعفو عنك ولا خرج حبك من قلبي)([194])

وهكذا روي عن الإمام الصادق قوله في الدعاء: (سيدي أنا من حبك جائع لا أشبع، أنا من حبك ظمآن لا أروى، واشوقاه إلى من يراني ولا أراه)([195])

وهذه المعاني السامية هي التي أعطت للدين بعده الحقيقي الممتلئ بالقيم النبيلة، ذلك أن الإسلام ـ عند جميع أئمة أهل البيت ـ هو دين المحبة، ولا يتحقق به إلا من امتلأت قلوبهم بالمحبة، وقد روي عن الإمام الصادق قوله: (لا يمحّض رجل الإيمان بالله حتّى يكون الله أحبّ إليه من نفسه وأبيه وأمّه وولده وأهله وماله ومن الناس كلّهم)([196])

ومن أكبر ثمار المحبة الأنس بالله، والذي يجعل صاحبه لا يبالي بغيره هل رضوا عنه أو لم يرضوا، لأنه لا ينظر إلا لرضا الله تعالى كما قال الإمام علي : (ما ضرّك إن أحببت الله ورسوله وأحبّك الله ورسوله، من أبغضك، فإنّه ليس أحد من أولياء الله يبغض أحبّاء الله ولا أحد من غيره يحبّك فينفعك حبّه، ثمّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يستوحش من كان الله أنيسه، ولا يذلّ من كان الله أعزّه، ولا يفتقر من كان بالله غناؤه، فمن استأنس بالله آنسه الله بغير أنيس، ومن اعتزّ بالله أعزّه الله بغير عدد ولا عشيرة، ومن يستغني بالله أغناه الله بغير دنياه)([197])

وقد كانت حركة الإمام الحسين تعبر عن هذا الواقع أحسن تعبير، فهو الذي هجره الجميع، حتى الكثير ممن جاهد مع أبيه، ولم يبق معه إلا أصحاب معدودون، ومع ذلك لم يستوحش، بل كان يقول: (هوَّنَ ما نزل بي أنّه بعين الله) ([198])

وقد كان في ذلك كله مصداقا لقول الإمام الصادق : (إذا تخلّى المؤمن من الدنيا سما ووجد حلاوة حبّ الله، وكان عند أهل الدنيا كأنّه قد خولط، وإنّما خالط القوم حلاوة حبّ الله، فلم يشتغلوا بغيره)([199])

وكان مصداقا لقول الإمام الباقر : (واعلم رحمك الله، أنّه لا تنال محبّة الله إلّا ببغض كثير من الناس، ولا ولايته إلّا بمعاداتهم، وفوت ذلك قليل يسير لدرك ذلك من الله لقوم يعلمون)([200])

ولهذا نرى الخطباء في المجالس الحسينية يحاولون أن يصوروا حالته، وارتباطها بمحبة الله تعالى والأنس به؛ فيذكرون على لسانه تلك الأبيات المنسوبة لرابعة أو إبراهيم بن أدهم، والتي يقول فيها ([201]):

تركتُ الخلقَ طُرّاً في هواكا

   وأيتمتُ العيالَ لكي أراكا

ولو قطَّعتني في الحبّ إرباً

   لَما مال الفؤادُ إلى سواكا

 وروي أنه ساير أنس بن مالك فأتى قبر خديجة فبكى، ثمّ قال: اذهب عنّي، قال أنس: فاستخفيت عنه، فلمّا طال وقوفه في الصلاة سمعته قائلا([202]):

يا ربّ يا ربّ أنت مولاه‏

  فارحم عبيدا إليك ملجاه‏

يا ذا المعالي عليك معتمدي‏

  طوبى لمن كنت أنت مولاه‏

طوبى لمن كان خائفا أرقا

  يشكو إلى ذي الجلال بلواه‏

و ما به علّة ولا سقم‏

  أكثر من حبّه لمولاه‏

إذا اشتكى بثّه وغصّته‏

  أجابه الله ثمّ لبّاه‏

إذا ابتلا بالظلام مبتهلا

  أكرمه الله ثمّ أدناه‏

 فنودي:

لبّيك لبيك أنت في كنفي‏

  و كلما قلت قد علمناه‏

صوتك تشتاقه ملائكتي‏

  فحسبك الصوت قد سمعناه‏

دعاك عندي يجول في حجب

  فحسبك الستر قد سفرناه‏

لو هبّت الريح من جوانبه‏

  خرّ صريعا لما تغشّاه‏

سلني بلا رغبة ولا رهب‏

  ولا حساب إنّي أنا الله‏

 وقد روي في المصادر المعتمدة أن الإمام الحسين كان ينشد أو يتمثّل يوم الطف بأبياتٍ يقول فيها ([203]):

سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى

   إذا ما نوى حقّاً وجاهد مسلما

وواسى الرجالَ الصالحينَ بنفسِه

   وفارق مثبوراً وخالف مُجرما

فإن عشتُ لم أندم، وإن متُّ لم أُلَم

   كفى بك موتاً أن تُذَلّ وتُرغَما

 وهذه الأبيات تشير إلى قيمة المحبة والأنس بالله، ذلك أن كل الأعمال الصالحة دليل على محبة صاحبها لله تعالى؛ فالاتباع والخضوع والتسليم لله دليل على استقرار محبة الله في قلب صاحبها، كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31]

وقد عبر الإمام الصادق عن بعض مظاهر ذلك، فقال: (وطلبت حبّ الله عزّ وجلّ، فوجدته في بغض أهل المعاصي)([204])، وما كانت حركة الإمام الحسين إلا بغضا لأهل المعاصي، وما يقومون به من تشويهات للدين الأصيل.

وفي مقابل ذلك؛ كانت محبة الصالحين وموالاتهم ونصرتهم من أكبر علامات محبة الله، وفي ذلك يقول الإمام الصادق مخاطبا حفص بن غياث: (إنّي لأرجو النجاة لمن عرف حقّنا من هذه الأمّة، إلّا لأحد ثلاثة صاحب سلطان جائر، وصاحب هوى، والفاسق المعلن، ثمّ تلا: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31]، ثمّ قال: (يا حفص، الحبّ أفضل من الخوف)، ثمّ قال: (والله ما أحبّ الله من أحبّ الدنيا ووالى غيرنا، ومن عرف حقّنا وأحبّنا فقد أحبّ الله تبارك وتعالى)([205])

وقال الإمام الباقر : (إذا أردت أن تعلم أن فيك خيرا فانظر إلى قلبك، فإن كان يحبّ أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته ففيك خير، والله يحبّك، وإذا كان يبغض أهل طاعة الله ويحبّ أهل معصيته فليس فيك خير، والله يبغضك، والمرء مع من أحبّ)([206]).

وقال في حديث آخر: (لو أنّ رجلا أحبّ رجلا لله، لأثابه الله على حبّه إيّاه، وإن كان المحبوب في علم الله من أهل النار، ولو أنّ رجلا يبغض لله لأثابه الله على بغضه إيّاه، وإن كان المبغض في علم الله من أهل الجنّة)([207])

ولهذا ورد في الأحاديث ربط محبة الإمام الحسين بمحبة الله؛ فلا يمكن أن يجتمع بغضه مع محبة الله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حسين مني، وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط)([208])

ويروى أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيد الحسن والحسين عليهما السلام، وقال: (من أحبّني وأحبّ هذين، وأباهما، وأمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة)([209])

وروي عن الإمام علي أنه قال: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنا نائم على المنامة، فاستسقى الحسن والحسين عليهما السلام، قال: فقام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى شاة لنا بكي‏ء([210]) فحلبها، فدرّت فجاء الحسن فسقاه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقالت فاطمة عليها السلام: يا رسول الله كأنّه أحبّهما إليك؟، قال: لا، ولكنّه استسقى قبله، ثمّ قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّي وإيّاك وابنيك، وهذا الراقد في مكان واحد يوم القيامة)([211])

وقد نظم هذا المعنى بعضهم، فقال:

أخذ النبيّ يد الحسين وصنوه‏

  يوما وقال وصحبه في مجمع‏

من ودّني يا قوم أو هذين أو

   أبويهما فالخلد مسكنه معي‏

 هذه نماذج عن بعض القيم الروحية الكبرى التي مثلها الإمام الحسين خير تمثيل، ودعا إليها أعظم دعوة، وهي كافية وحدها لتشكيل شخصية المسلم الروحية، بعيدا عن كل القيم الدخيلة التي التصقت بالجانب الروحي في الإسلام، وأبعدته عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وهدي العترة الطاهرة .


([1]) الكافي: 2 / 352 ، المحاسن: 1 / 454، بحارالأنوار: 70 / 22، ورواه البخاري (4 / 231) قريبا من هذه الصيغة.

([2]) الخصال، الصدوق، محمد بن علي، تعليق: علي أكبر الغفاري، قم، إيران، مؤسسة النشر الاسلامي، 1403هـ، 2/505.

([3]) نهج البلاغة، ص505.

([4])المرجع السابق ، ص688.

([5])المرجع السابق ، ص722.

([6]) بحار الأنوار 83/ 210.

([7]) من لا يحضره الفقيه، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القميّ الصدوق، طهران: دار الكتب الإسلاميّة، 1390 هـ، 1/ 257، وسائل الشيعة، محمد بن الحسن الحر العاملي، مؤسسة آل البيت، قم المقدسة، 3/ 284.

([8]) أسد الغابة في معرفة الصحابة، أبو الحسن علي بن أبي الكرم، عز الدين ابن الأثير، المحقق: علي محمد معوض – عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1415هـ – 1994 م، ج 2، ص 23.

([9]) الكامل في التاريخ، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد، عز الدين ابن الأثير، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م، ج 4، ص 99. أنساب الأشراف، البلاذري، إعداد الشيخ محمد باقر المحمودي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الأولى، بيروت، ج 5، ص 304.

([10]) سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، مؤسسة الرسالة، الطبعة السابعة، 1410 ه‍ بيروت، 3 / 193.

([11]) دعائم الإسلام، النعمان بن محمّد التميميّ، بيروت، دار الأضواء، 1411هـ، 1 / 395.

([12]) بحار الأنوار، 93/339.

([13]) مصباح المتهجّد، محمّد بن الحسن الطوسي، بيروت: مؤسّسة فقه الشيعة، 1411ه، الطبعة الاُولى‏، ص : 721.

([14]) وسائل الشيعة، 3/ 434.

([15]) أسد الغابة، ج 2، ص 23 – 24.

([16]) الكامل في التاريخ، ج 4، ص 99، أنساب الأشراف، ج 5، ص 304.

([17]) بحار الأنوار 82/311.

([18])المرجع السابق ، ج44، ص392.

([19])المرجع السابق: 44 / 394.

([20]) البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي، المحقق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، الطبعة: الأولى 1408، هـ – 1988 م، ج 8 ص 177.

([21]) اسمه عمر بن عبدالله، وقد كان من أنصار الإمام الحسين، ويسمّى بشهيد الصلاة، استشهد يوم العاشر من محرم. كان من وجهاء الكوفة ورجلا عارفاً وشجاعاً، له اطّلاع بأنواع السلاح. عيّنه مسلم بن عقيل حين أخذ البيعة من الناس للثورة الحسينية، على استلام الأموال وشراء السلاح، سار من الكوفة والتحق بالإمام الحسين قبل شروع القتال. (مقتل الحسين للمقرم:177)

([22]) بحار الأنوار 21:45.

([23]) الكافي 2/18، المحاسن 286.

([24]) هو من قادة الأمويين، كان من كبار النواصب؛ ففي معركة صفّين كان إلى جانب معاوية، وفي عهد يزيد كان قائداً على قسم من الجيش، وفي واقعة مسلم بن عقيل سلّطه ابن زياد على دور أهل الكوفة، ليأخذ مسلم ويأتيه به، وهو الذي أخذ قيس بن مسهّر رسول الحسين فبعث به إلى ابن زياد فأمر به فقتل، وهو الذي نصب المنجنيق على جبل أبي قبيس ورمى به الكعبة لمّا تحصّن منه ابن الزبير في المسجد الحرام، وفي عهد يزيد شارك في الهجوم الذي أمر يزيد بشنّه على المدينة المنوّرة، مات في عام 68 هـ متأثّراً بجراح أصابه بها إبراهيم بن الأشتر في الواقعة التي جرت على ضفاف نهر الخازر. (مروج الذهب 3: 71)

([25]) اختلف في العبارة التي ردَّ بها حبيب بن مظاهر على الحُصين، ففي مثير الاحزان لابن نما الحلّي أنه قال: (لا يُقبل من آل رسول الله a وأنصارهم وتُقبل منك وأنت شارب الخمر (مثير الأحزان، نجم الدين جعفر بن محمّد بن نما الحلّي، قم، نشر مدرسة الإمام المهديّ ، ص49)، وفي بحار الأنوار: (لا تُقبل الصلاة زعمت من ابن رسول الله a وتُقبل منك يا ختَّار) والختَّار هو الَغدار (بحار الأنوار: ج 45 ص 21)، وفي لواعج الأشجان للسيد محسن الامين انَّه قال له: ياخمَّار (لواعج الاشجان في مقتل الحسين ، السيد محسن الامين العاملي، تحقيق: السيد حسن الأمين، دار الامير للثقافة والعلوم، الطبعة: الاولى 1996م، ص156)، وفي تاريخ الطبري والكامل في التاريخ لابن الاثير ذكرا انَّه قال له: (ياحمار) (تاريخ الطبري، ج 4 ص 334، الكامل في التاريخ، ج 4 ص 70)

([26]) لواعج الاشجان في مقتل الحسين،، ص156.

([27]) الارشاد 2/38و39، تاريخ الطبري 3/279و 3/315و328، إبصار العين في أنصار الحسين ، محمّد بن طاهر السماوايّ، تحقيق محمّد جعفر الطبسيّ، قم، مركز الدراسات الإسلاميّة لحرس الثورة، 1419هـ، 229و231.

([28]) صحيح البخاري: 1 / 141.

([29]) المرجع السابق.

([30]) رواه أحمد وروى الطبراني بعضه في الكبير ورجال أحمد موثقون، انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، الهيثمي، علي بن أبي بكر، دارالكتب العلمية، بيروت، لبنان،، 1408هـ/1988م (ج 2 ص 361)

([31]) رواه أحمد: 5/147 (21631)، وغيره.

([32]) الأمالي، الشيخ الصدوق، ط الأُولى 1417هـ، مؤسسة البعثة، قم: 10/ 391، ثواب الأعمال، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (الصدوق)، قم المقدّسة: منشورات الشريف الرضي، 1364، 1/ 272.

([33]) المحاسن : 1 / 162 / 232، روضة الواعظين، الفتال النيشابوري، محمد بن أحمد، تحقيق وتقديم، السيد محمد مهدي، قم،إيران، منشورات الرضي، د.ت، 349 .

([34]) الكافي : 3 / 269.

([35]) المناقب لابن شهرآشوب : 2 / 124.

([36]) فلاح السائل ونجاح المسائل في عمل اليوم والليلة، علي بن موسی بن جعفر بن محمد بن. محمد الطاوس، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، 101 .

([37]) عُدّة الداعي، أحمد بن فهد الحلّي (م‏841ق)، قم المقدّسة: مكتبة الوجداني، الطبعة الاُولى‏، ص 139.

([38]) الكافي : 3 / 300.

([39]) الخصال : 517 / 4.

([40]) الكافي : 3 / 300 / 5.

([41]) عدة الداعي : 139، عوالي اللآلي : 1 / 324 / 61 وزاد في آخره «شغلا بالله عن كل شي ء».

([42]) فتح الأبواب، السيد ابن طاووس، مؤسسة آل البيت b لإحياء التراث بيروت، لبنان، ص 170.

([43]) ) الكافي : 2 / 95 / 6، الاحتجاج : 1 / 520 ؛ وانظر: صحيح البخاري : 1 / 380 / 1078 وج 5 / 2375 / 6106، صحيح مسلم : 4 / 2172 / 81.

([44]) رواه أحمد (11119) و(11147)، وأبو يَعلَى (1027)، والآجُريُّ في (الشريعة) (1702)، والطبراني في (المعجم الكبير) (3/66) (2679)، أخرجه الترمذي (3788)، وقال: (حسن غريب)والفَسَوي في (المعرفة والتاريخ) (1/536)، والشَّجري في (ترتيب الأمالي) (738)، وغيرهم كثير.

([45]) بحار الأنوار: ج 25 ص 194 .

([46]) صحيح مسلم (4/ 1883)

([47]) أخرجه بهذه الصيغة وما يقاربها: أحمد (28/ 195)، وابن أبي شيبة 12/72، وأبو يعلى (7486)، والطبراني في الكبير 22/ (160) والبخاري في التاريخ الكبير 8/187 مختصرا، والطبري في تفسيره 22/7.. وغيرهم كثير.

([48]) رواه الطبراني 11/ 444 (12259)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 7/ 103: (رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد فيهم قزعة بن سويد وثقه ابن معين وغيره وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات)

([49]) بحار الأنوار: 23/232.

([50]) الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة، ابن حجر الزندقة، ابن حجر الميثمي، إعداد عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة القاهرة، الطبعة الثانية، 1385 ه،‍ القاهرة، 88.

([51]) وقد ذكر ذلك كل المفسرين والمحدثين، وهو محل اتفاق بينهم، ومن الأمثلة على ذلك: تفسير الرازي 2 / 699، تفسير البيضاوي / 76)، تفسير الكشاف 1 / 49، تفسير روح البيان 1 / 457، تفسير الجلالين 1 / 35، صحيح الترمذي 2 / 166، سنن البيهقي 7 / 63، صحيح مسلم ـ كتاب فضائل الصحابة، مسند أحمد بن حنبل 1 / 185، مصابيح السنّة للبغوي 2 / 201، سير أعلام النبلاء 3 / 193.

([52]) من الأمثلة على ذلك: تفسير الفخر الرازي 8 / 392، أسباب النزول للواحدي / 133 النيسابوري في تفسير سورة هل أتى، روح البيان 6 / 546، الدر المنثور، ينابيع المودة 1 / 93، الرياض النضرة 2 / 227، إمتاع الأسماع للمقريزي / 502.

([53]) أسباب نزول القرآن، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي، المحقق: عصام بن عبد المحسن الحميدان، دار الإصلاح – الدمام، الطبعة: الثانية، 1412 هـ – 1992 م، (ص: 448).

([54]) مفاتيح الجنان ويليه كتاب الباقيات الصالحات، الشيخ عباس القمي، تعريب: السيد محمد رضا النوري النجفي، مكتبة الفقيه – الكويت، الطبعة: 2004، 422 ـ 430 .

([55]) المرجع السابق : 422.

([56]) الإرشاد ٢ : ٩١..

([57]) انظر : الملحمة الحسينية، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، تعريب: السيد محمد صادق الحسيني، الدار الاسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية 1992، ٣ / ٢١.

([58]) الإرشاد ٢ : 111..

([59])خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، النسائي، أحمد بن شعيب، تحقيق: محمد هادي أميني، مكتبة نينوى الحديثة، د.ت. (ص 29)، صحيح ابن حبّان، محمّد بن حبّان التميميّ، بيروت، مؤسّسة الرسالة، 1414هـ، (2207)، وأحمد (3 / 33 و82)، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية. (1 / 67)، والحاكم (3 /122 – 123)، وقال: صحيح على شرط الشيخين.

([60]) الاحتجاج: 299، وسائل الشيعة 18: 144 حديث 45.

([61]) الإرشاد للمفيد، ص 231. ومع اختلاف يسير: تاريخ الأمم والملوك للطبري، ج 6، ص 443 .

([62]) الكافي 2 : 448.

([63]) المرجع السابق 8 : 214.

([64]) ثواب الأعمال : 127..

([65]) تحف العقول: ٢٦..

([66]) الشيخ المفيد، الإرشاد، ج 2، ص 35..

([67]) مقتل الخوارزمي: ١ : ١٨٥.

([68]) الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 222.

([69]) تاريخ الطبري 3: 308، الكامل في التاريخ 2: 553، البداية والنهاية 8: 188.

([70]) الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص103..

([71]) قصر مقاتل : اسم أحد المنازل التي مرّ بها الإمام الحسين عليه السلام في مسيره من مكّة إلى كربلاء..

([72]) انظر الخطبة‌ بطولها في «الإرشاد» ص‌ 253 ؛ و«نفس‌ المهموم‌» ص‌ 144 إلي‌ ص‌ 146 ؛ وتاريخ الطبريّ ج‌ 6، ص‌ 242، و«مثير الاحزان‌» لابن‌ نما، ص‌ 26، وغيرها من المراجع.

([73]) اُنظر : تاريخ الطبري ٦ : ٢٤٠، اللهوف في قتلى الطفوف، ابن طاووس، علي بن موسى، قم، إيران، أنوار الهدى، ط 1، 1417 هـ، ص ٦٥.

([74]) الكافي 1: 69 ح5.

([75])المرجع السابق 1/ 69 ح4.

([76]) تصحيح الاعتقاد بصواب الانتقاد، الشيخ المفيد، تقديم السيد هبة الدين الشهرستاني، منشورات الرضي، 1363 ه‍ ش، قم، 44.

([77]) نهج البلاغة، ص336.

([78]) الكافي:2/440.

([79]) تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1404 ه‍، 2/104.

([80]) دعوات الراوندي: 3، والكافي 2/606.

([81]) إعلام الورى بأعلام الهدى، الطبرسي، الفضل بن الحسن، قم، إيران، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط 1، 1417 هـ.، 327.

([82]) بحارالأنوار، ج 101، ص 843، مصباح المتهجد: 827، مقتل الحسين عليه السلام، السيّد عبد الرزّاق الموسويّ المقرّم، قم، مكتبة الشريف الرضيّ، 357.

([83]) الصحيفه الحسينية، الحسين بن علي بن ابي طالب b، طبعه ميرزا محمد، سنه 1958، ص 41.

([84]) مهج الدعوات: 48، بحار الأنوار 85 / 214.

([85])المرجع السابق: 48، بحار الأنوار 85 / 214.

([86]) البلدالأمين، ص 253.

([87]) البلدالأمين ص : 187.

([88]) بحار الأنوار (46/ 104)

([89]) نور الأبصار: 146، وفيات الأعيان 2: 294، الإرشاد: 272، بحار الأنوار 47: 174، وقد دعا بهذا الدعاء الشريف الإمام الصادق حينما أمر الطاغية المنصور بإحضاره مخفوراً لينكل به، فأنقذه الله من شرّه، وفرّج عنه، فسئل عن سبب ذلك، فقال: إنّه دعا بدعاء جدّه الحسين .

([90]) مصباح المتهجد: 827، مقتل الحسين للمقرم: 357..

([91]) سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد، محمد بن يوسف الصالحي الشامي، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1414 هـ – 1993 م، (2/ 439)

([92]) رواه الترمذي رقم (3174) وصححه الحاكم 2 / 394 ووافقه الذهبي.

([93]) البلدالأمين ص : 255.

([94])المرجع السابق ص : 255.

([95]) بحار الأنوار، 95/227.

([96]) إحقاق الحقّ، السيّد نور الله التستريّ، قم، منشورات مكتبة آية الله المرعشيّ النجفيّ، 11/ 595.

([97]) البلدالأمين ص : 209.

([98]) انظر : بحار الأنوار : 25/210، فما بعدها، وقد قدم لها بقوله: (اعلم أن الإمامية اتفقوا على عصمة الأئمة صلوات الله عليهم من الذنوب صغيرها وكبيرها، فلا يقع منهم ذنب أصلا لاعمدا ولا نسيانا) إلى أن قال: (فأما ما يوهم خلاف ذلك من الأخبار والأدعية فهي مأولة بوجوه)، ثم ذكر الوجوه التي ذكرناها.

([99]) رواه أحمد (2/90) (5635) وفي (2/111) (5899) وأبو داود (5164)

([100]) بحار الأنوار، (84/ 340)

([101]) مهج الدعوات، ص 195، وبحار الأنوار ج 91 ص 191.

([102]) كشف الغمة ج 2 ص 194 ومعالي السبطين ج 2، ص 313.

([103]) البلدالأمين ص : 70.

([104]) عيون الأخبار، ابن قتيبة الدينوري، دار الكتاب العربي، بيروت، 2/ 278.

([105]) البلد الأمين ص : 254.

([106]) رواه الترمذي ج 2 ص 319، الحاكم فى المستدرك: 3/149.

([107]) قال في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (9/ 169): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه من لم أعرفهم.

([108]) قال في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (9/ 169): رواه أحمد والطبراني، وفيه تليد بن سليمان، وفيه خلاف، وبقية رجاله رجال الصحيح.

([109]) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الانصاري الرويفعى الإفريقى، المحقق: روحية النحاس، رياض عبد الحميد مراد، محمد مطيع، دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر، دمشق – سوريا، الطبعة: الأولى، 1402 هـ – 1984م، (7/ 148)

([110]) مختصر تاريخ دمشق (7/ 148)

([111]) بحارالانوار، ج 54، ص 34-24، ومع اختلاف يسير: تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 381؛ إعلام الوري، ص 442.

([112]) تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 375؛ أعيان الشيعة، الامين، محسن، حقّقه وأخرجه حسن الأمين، بيروت، دارالتعاريف للمطبوعات، 0341 هـ، 1983 م، ج 1، ص 076، الارشاد، ص 239.

([113]) ينابيع المودّة، سليمان بن إبراهيم القندوزيّ، النجف الأشرف، المكتبة الحيدريّة، 1411هـ، ج 2، ص 171.

([114]) الارشاد، ص 239؛ مقاتل الطالبين، ص 88؛ اعيان الشيعة، ج1، ص 086؛ بحارالانوار، ج 54، ص 35؛ تاريخ الامم والملوك، ج 6، ص 377؛ الكامل في التاريخ، ج4، ص 75؛ اعلام الوري، ص 342.

([115]) ينابيع المودة، ج 2، ص 170.

([116]) بحارالانوار، ج 54، ص 63.

([117]) الارشاد، ص 142؛ اعلام الوري، ص 442، ومع اختلاف يسير: تاريخ الامم والملوك، ج 6، 381؛ الكامل في التاريخ، ج 4، ص 77.

([118]) اعلام الوري، ص 342، ومع اختلاف يسير: الارشاد، ص 042؛ الكامل في التاريخ، ج 4، ص75؛ تاريخ الامم والملوك، ج 6، ص 378.

([119]) ينابيع المودّة، ج2، ص 861.

([120]) مناقب آل ابي طالب، ابن شهر آشوب، عني بتصحيحه والتعليق عليه السيد هاشم الرسولي المحلاتي، قم، انتشارات علامه، ج4، ص 65؛ بحارالانوار، ج574 ص 300.

([121]) مروج الذهب ومعادن الجوهر، المسعودي، تحقيق محمدمحيي الدين عبدالحميد، القاهرة، مطبعة السعادة، الطبعة الرابعة، 4138 هـ، ج 3، ص 70.

([122]) بحارالانوار، ج 54، ص 8.

([123]) تاريخ الطبري 3 : 311، الإرشاد : 228، الكامل في التاريخ 2 : 556، بحار الأنوار 44 : 389، العوالم 17 : 240، إحقاق الحقّ 11 : 582 .

([124]) تذكرة الخواص، ص 742..

([125]) أعيان الشيعة، ج 1، ص 599.

([126]) بحارالأنوار، ج 54، ص 34.

([127]) مستدرك سفينة بحار الأنوار 6: 56، وانظر: كتاب جزاء قتلة سيد الشهداء  في دار الدنيا، لمؤلفه السيد هاشم الناجي الموسوي..

([128]) بحار الأنوار (45/ 302)

([129]) ينابيع المودة، ج 2، ص 761-661.

([130]) تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 763؛ الكامل في التاريخ، ج 4، ص 96.

([131]) روضة الواعظين، ج 1، ص 185، ومع اختلاف يسير: بحارالأنوار، ج 44، ص 317.

([132]) مقاتل الطالبين، ص 117؛ بحارالانوار، ج 54، ص 52-51.

([133]) مناقب آل أبي طالب، ج 4، ص 58؛ بحارالأنوار، ج 54، ص 302.

([134]) روضة الواعظين، ج 1، ص 185.

([135]) بحارالأنوار، ج 574 ص 31.

([136])المرجع السابق ، ج 44، ص 317.

([137]) الإرشاد، ص 042؛ روضة الواعظين، ج 1، ص 188؛ بحارالإنوار، ج 54، ص 311؛ إعلام الوري، ص 442؛ تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 379.

([138]) أعيان الشيعة، ج 1، ص 86.

([139]) الكامل في التاريخ، ج 4، ص 67، تاريخ الأمم والملوك، ج 76 ص 379.

([140]) مناقب آل أبي طالب، ج4، ص 57، تاريخ الأمم والملوك، ج6، ص 377؛ الكامل في التاريخ، ج4، ص 75.

([141]) ينابيع المودة، ج 2 ص 173، روضة الواعظين، ج2، ص 188؛ إعلام الوري، ص 442.

([142]) تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 333؛ الكامل في التاريخ، ج 4، ص 51، مقاتل الطالبين، ص 111.

([143]) ينابيع المودة، ج 2، ص 661.

([144]) تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 358، الكامل في التاريخ، ج4، ص 66-56.

([145]) تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 358، الكامل في التاريخ، ج4، ص 66-56.

([146]) تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 635؛ الإرشاد، ص 235، إعلام الوري، ص 239.

([147]) تاريخ الأمم والملوك، ج76 ص 763؛ الكامل في التاريخ، ج 4، ص 70، بحارالأنوار، ج 54، ص 21..

([148]) ينابيع المودّة، ج 2، ص 761.

([149]) بحارالأنوار، ج 54، ص 62-25.

([150]) بحارالأنوار، ج 54، ص 29، تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 371.

([151]) الكامل في التاريخ، ج 4، ص 72.

([152]) الكامل في التاريخ، ج 4، ص 72؛ تاريخ الأمم والملوك، ج 76 ص 372-371.

([153]) تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 637.

([154]) بحارالأنوار، ج 54،ص 54؛ أعيان الشيعة، ج 1، ص 056..

([155]) تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 437؛ الكامل في التاريخ، ج 4، ص 73.

([156]) ينابيع المودة، ج 2،ص 170.

([157]) تحف العقول: 175، بحار الأنوار 78: 117، أعيان الشيعة 1: 620.

([158]) تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 327 حديث 179، بحار الأنوار 71: 184 ذيل حديث 44.

([159]) الكافي: 2 / 16 / 3

([160]) بحار الأنوار: 78 / 64 / 156.

([161]) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1 / 325.

([162]) بحار الأنوار: 94 / 147 / 21

([163]) المرجع السابق، 87/ 157.

([164]) مستدرك الوسائل: 1 / 100 / 87.

([165]) رواه أحمد 2/301 (7986) وفي (6987).

([166]) بحار الأنوار 44: 329، المناقب لابن شهر آشوب 4: 89.

([167]) تاريخ الطبري 3: 306، الكامل في التاريخ 2: 552، احقاق الحق 11: 609، وقعة الطف: 172..

([168]) بحار الانوار 45: 46، العوالم 17: 288، اللهوف: 116.

([169]) مهج الدعوات: 48، بحار الأنوار 85: 214.

([170]) مهج الدعوات: 49، بحار الأنوار 85: 214.

([171]) مهج الدعوات: 157، بحار الأنوار 86: 313.

([172]) وهذا الدعاء مروى بطريق آخر عن الامام الحسن انظر: مهج الدعوات 145..

([173]) مهج الدعوات: 149.

([174]) مهج الدعوات: 149.

([175]) ( 2) أمالي الصدوق: 367، بحار الأنوار ج 46/ 20 .

([176]) ينابيع المودة، ج 2، ص 417.

([177]) بحارالأنوار، ج 54، ص 74-46، وقد رُوي هذا الدعاء بعبارات أخرى منها: (ربّ أن تك حبست عنّا النصر من السماء، فاجعل ذلك لما هو خير، وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين)، ومنها: (إلهي تري ماحلّ بنا في العاجل، فاجعل ذلك ذخيرة لنافي الآجل)، ومنها: (اللهمّ إن كنت حبست عنّا النصر، فاجعل ذلك لما هو خيرلنا)

([178]) الفتوح 5: 19، مقتل الحسين للخوارزمي 1: 186، وفيه بدل في الخلف (والثقل)، العوالم 17: 177.

([179]) المراجع السابقة.

([180]) الفتوح 5: 20، مقتل الحسين للخوارزمي 1: 186، بحار الأنوار 44: 328.

([181]) بحار الأنوار، ج 44، ص 381..

([182]) الكامل في التاريخ، ج 4، ص 52.

([183]) الإرشاد للمفيد، ص 231، تاريخ الأمم والملوك للطبري، ج 6، ص 443 تحف العقول: ٢٦.

([184]) تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 350، الإرشاد، ص 233؛ الكامل في التاريخ، ج 4، ص 06-16.

([185]) نهج البلاغة، ص444.

([186]) مصباح الشريعة، منسوب للإمام الصادق ، مؤسسة الأعلمي، ص 55.

([187]) البلد الامين ص 251، زاد المعاد، العلامة المجلسي، نشر سعدي، طهران، ص 146.

([188]) المرجع السابق.

([189]) جامع الأخبار ص 178.

([190]) بحار الأنوار ج 93 ص 160 .

([191]) إقبال الأعمال: 349.

([192]) الصحيفة السجادية الكاملة، الامام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام، تحقيق وتنسيق: علي انصاريان، المستشارية الثقافية للجمهورية الاسلامية الايرانية في دمشق، ص 294.

([193]) الصحيفة السجادية: 294..

([194]) إقبال الأعمال: 72.

([195])المرجع السابق: 56.

([196]) بحار الأنوار ج 70 ص 24 .

([197]) مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، الطبرسي، علي بن حسن، تحقيق: مهدي هوشمند، قم، دار الحديث، ط 1، د.ت، ص 125.

([198]) بحار الانوار 45: 46، العوالم 17: 288، اللهوف: 116.

([199]) الكافي ج 2 ص 105 باب ذمّ الدنيا والزهد فيها ح 10

([200]) الكافي ج 8 ص 56 ح 17

([201]) وهي من الأبيات التي ينسبها الكثير من الخطباء للإمام الحسين مع أنها في الحقيقة ليست له، ولكن معناها صحيح النسبة إليه، بل هو أولى الناس بها، ولذلك لا حرج على من ينسبها إليه، يقول الشيخ كاظم العبادي الناصري تعليقا على نسبة السيّد محمّد الصدر تلك الأبيات للإمام الحسني: (شاع على ألسنة الخطباء الحسينيّين هذه الأبيات، وأنّها لرابعة العدويّة وقد قالها الحسين عند مصرعه، ولا أعلم على أيّ مصدرٍ قد اعتمد هؤلاء الخطباء أو مِن أين أتى هذا الشياع؟! فقد تتبّعتُ أغلب المصادر المعتمَدة الّتي تذكر مقتل الحسين ، فلم أجد أحداً يذكر أنّ الحسين قال هذه الأبيات، أو حتّى أنّها نُسبَت إليه، ونفس الشيء بالنسبة إلى رابعة العدويّة، فأغلب المصادر التاريخيّة الّتي ذكرتها لم تذكر هذه الأبيات أو تنسبها لها)

ثم ذكر أن ابن رجب الحنبلي في كتابه (كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة: 27)، نسبها إلى إبراهيم بن أدهم، ثم قال: (وأغلب الظنّ أنّ الخطباء استعملوها مجازاً كلسان حالٍ عن الحسين.. وقد راجعتُ سماحة المؤلّف في هذه الأبيات، فقال لي أنّه سمعها شخصيّاً من أحد الخطباء الكبار، ولم يقرأها في كتاب، ولذلك لم يُسنِدها، وإنّما عبّر عنها بـ (قيل)، (انظر: أضواء على ثورة الحسين ، السيد الشهيد محمد الصدر، محقق : الشيخ كاظم العبادي الناصري، هيئة تراث السيد الشهيد الصدر(قدس) النجف الأشرف، ص102 و103.

([202]) مناقب ابن شهرآشوب 4/ 69.

([203]) كامل الزيارات: 194 ح 274، روضة الواعظين: 180، بحار الأنوار: 44 / 378.

([204]) المستدرك ج 12 ص 173 .

([205]) الكافي ج 8 ص 128 .

([206])المرجع السابق 2: 126/ 11.

([207])المرجع السابق 2: 127/ 12.

([208]) رواه البخارى فى الأدب (1/133، رقم 364)، والترمذى (5/658، رقم 3775) وقال : حسن . وابن ماجه (1/51، رقم 144)، والطبرانى (22/274، رقم 702)، والحاكم (3/194، رقم 4820) وقال : صحيح الإسناد . وأخرجه أيضًا : أحمد (4/172، رقم 17597)، وابن أبى شيبة (6/380، رقم 32196)، وانظر: بحار الأنوار: 43 / 261 / 1 وص 264 / 16.

([209]) مسند أحمد بن حنبل ج 1/ 77 ورواه أيضا في فضائل الصحابة، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، المحقق: د. وصي الله محمد عباس، مؤسسة الرسالة – بيروت، الطبعة: الأولى، 1403 – 1983، 2/ 693 .

([210]) بكأت الناقة بكئا وبكاءة فهي بكي‏ء وبكيئة: قلّ لبنها.

([211]) مسند أحمد 1/ 101، فضائل الصحابة: 2/ 692، وأخرجه في« بحار الأنوار» 37/ 72.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *