ما هو محور المقاومة؟

ما هو محور المقاومة؟

يتردد على القنوات الفضائية منذ سنوات هذا المصطلح الجديد في عالم السياسة والإعلام [محور المقاومة]، أو [محور الممانعة] يذكره البعض بفخر واعتزاز كحقيقة موجودة تلبي مطامح الأمة في العزة والاستقلال والخروج من الهيمنة الاستكبارية بكل معانيها وتجلياتها، ويضع له خارطة لذلك، ويضع البراهين الدالة على مدى مصداقية ذلك الوصف على هذه الخارطة.

ويذكره آخرون ساخرين، ويسمونه بأسماء لا نحب أن نذكرها هنا.. ويصورونه بصورة العميل المخادع المتصالح مع المستكبر في الباطن، والمعادي له في الظاهر.. أو بصورة العميل المغفل الذي يؤدي خدماته المجانية للمستكبر والامبريالي من دون أي مقابل.

ونحن هنا لا نريد أن نحدد أي الفريقين المصيب، وأيهما المخطئ، ولكنا نريد أن نطرح تساؤلا حول الخصائص التي تشكل هذا المحور، لنتعرف على حقيقتة، وبعد ذلك يمكننا أن نطبق هذا التصور على المصاديق المرتبطة به، أو المدعية له، لنرى مدى انسجامها مع ما تدعيه.

وبداية، ومن خلال المصطلح [المقاومة] أو [الممانعة]، فإن هذا المحور الذي لا ندري بالضبط من هم مصاديقه، لابد أن تتوفر فيه أربعة خصائص:

أولها ـ الاستقلالية والسيادة: ذلك أن جوهر المقاومة والممانعة هو استقلالية القرار، وسيادة المقرر، بحيث لا يكون تابعا، ولا إمعة لأي جهة من الجهات، تفرض عليه ما تريد، أو تجعله سادنا لمصالحها، وناطقا باسمها.

ثانيها ـ الاهتمام بقضايا الأمة، ودعوته إلى تحرير أراضيها: وهذه خاصية ضرورية، وناتجة عما قبلها، فمن كان سيدا في قراره، ومستقلا في مواقفه، لا يمكن أن يرضى أبدا بأن تحتل أي أرض، أو تسرق خيرات أي شعب، فكيف إذا كانت تلك الأرض جزءا من تاريخه ومعتقداته وحرماته؟

ولذلك فإن أول مظهر لمحور المقاومة هو اهتمامه بالقضية الفلسطينية بالدرجة الأولى، واعتبار الاحتلال الصهيوني غدة سرطانية تحتاج إلى استئصال شامل لها، ولكل آثارها.

وطبعا نحن لا نطلب من هذا المحور أن يواجه هذه الغدة ومن يقف خلفها مواجهة مسلحة، فذلك ربما يحتاج إلى وضع استراتيجيات خاصة، لها علاقة بالزمن، وتطور الأحداث، ولكن يكفي ألا يتنازل عن هذه القضية، وألا يقوم بأي تطبيع مع العدو، مهما كان نوعه، وأن يظل على لغته القوية في اعتباره كيانا غاصبا محتلا.

ثالثها ـ الخطاب الوحدوي والبعيد عن الطائفية والعنصرية: ذلك أن المنطقة الإسلامية منطقة متعددة الأجناس والأديان والمذاهب والطوائف، وهي تستدعي خطابا خاصا، يراعي هذا الواقع الاثني، ولهذا، فإن الذي يتحدث فيها بنبرة طائفية أو عنصرية أو جهوية إنما يخدم المستكبر بذلك، ويهيئ له الأرضية الصالحة لأداء دوره التفتيتي والتقسيمي للمنطقة.

وبناء على هذا، فإن من سمات محور المقاومة هو الاهتمام بالمشتركات المصيرية للأمة، بل دعوته إلى الاتحاد فيما بينها، لتشكل حلفا استراتيجيا يمنع الهيمنة الاستكبارية الغربية من أن تنفرد بأي فرد من أفراد الأمة، أو قطر من أقطارها.

رابعها ـ الخروج من عالم الشعارات إلى عالم الواقع، وتحمل نتائج ذلك: وهي خاصية أخرى أساسية تميز هذا المحور عن غيره، وتجعله حقيقا بهذا اللقب العظيم، لقب [المقاوم والممانع]، فالمقاوم الحقيقي لا يقاوم بلسانه فقط، وإنما يقاوم بأفعاله، وسلوكه الاستراتيجي الذي يخدم مصالح الأمة على المدى القريب والبعيد، ويتحمل النتائج المترتبة على ذلك من مقاطعات اقتصادية، أو تشويه إعلامي، أو تهديد عسكري، أو وضعه في خانة الإرهاب، أو وضعه في خانة العمالة.

فهو يعرف هدفه بدقة، ويسعى لتحقيقه، ولا يأبه بالصراخ حوله، ولا بأي أسلوب من أساليب الضغط.

هذه هي الخصائص الأربعة التي يمكننا من خلالها أن نعرِّف محور المقاومة بكونه [المحور السيد في مواقفه، المستقل في قرارته، المهتم بقضايا الأمة، غير المتاجر بها، صاحب الخطاب الوحدوي، البعيد عن الطائفية والعنصرية، والذي لا يكتفي بالمقاومة القولية، وإنما يتبعها بالمقاومة الفعلية في جميع المجالات، ويتحمل نتائج ذلك]

هذا هو التعريف الذي نقترحه لهذا المحور، وهو تعريف متفق عليه عند الجميع، وإنما الاختلاف في مصاديقه، أو في الخارطة التي يحملها هذا المحور.

وبداية، وقبل تحديد الخارطة الجغرافية لهذا المحور، نذكر أنه محور شعبي قبل أن يكون محورا سياسيا، وبهذا الاعتبار فإن شعوب الوطن العربي والعالم الإسلامي تنتمي إلى هذا المحور، على الأقل بعاطفتها ومواقفها الشعورية، والتي قد تؤثر فيها أحيانا البروباغندا الإعلامية، لكن تأثيرها سرعان ما يزول في ظل أي موقف أو حدث.. مثل موقف ترامب من تحويل القدس عاصمة للكيان الصهيوني، وكيف أعاد ذلك الوعي للشعوب الإسلامية، فراحت تمارس كل أصناف المقاومة ضده، ولا زالت تمارس.

أما من الناحية السياسية، فإنه من السهل التعرف على الدول المشكلة لهذا المحور إذا تخلينا عن كل أساليب الخداع التي يمارسها الساسة أو من يقف في صفهم.

فالدول التي لم تقبل بالتطبيع مع الصهيونية، ورفضت فتح سفارات فيها، ولا تزال تسمي فلسطين باسمها من البر إلى البحر.. ولا تزال تعاني من المقاطعات الاقتصادية، وكل أنواع الحصار، وتتحمل كل ذلك في سبيل قضاياها، هي أجدى الدول بأن يطلق عليها هذا الاسم.. ومن رأى غير ذلك، فليأت بدليل، فنحن نحكم على الظاهر، ولا تعنينا البواطن، وننظر إلى ما فوق الطاولة، ولا يهمنا ما يجري تحتها، لأنه غيب محجوب عنا.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *