لماذا يحب الصهاينة صلاح الدين الأيوبي.. ويتمنون عودته؟

لماذا يحب الصهاينة صلاح الدين الأيوبي.. ويتمنون عودته؟

ليس القصد من هذا العنوان كما قد يتوهم البعض الإثارة، بل هو يعبر عن الحقيقة بأجلى معانيها، فالصهاينة والأمريكان والأوروبيون لا يحلمون بشيء كما يحلمون ببطل كرتوني كبير مثل صلاح الدين الأيوبي، ذلك أنه الوحيد الذي يحقق لهم أمجادهم وأحلامهم، وبأقصر الطرق، وأقل التضحيات.

ولذلك هم يرددون مع كل المغفلين الذين يسألون الله أن يعيد صلاح الدين الأيوبي إلى الحياة من جديد، مؤمّنين على دعائه.. فصلاح الدين هو حلمهم الأكبر الذي حاولوا أن يستعيدوه من خلال كل الأقزام الذين صنعوهم، وأمروهم على بلاد العالم الإسلامي، لكنهم لحد الآن لم يفلحوا في إيجاد شخص يقدم لهم من الخدمات ما قدمه صلاح الدين لهم.

وسأحاول هنا أن أخترق حجب الزمان الكاذبة، لأُدخل صلاح الدين من جديد إلى هذا العصر، وأري أولئك الذين يحلمون بعودته، ماذا سيفعل لهم وبهم، وطبعا لن أفتري عليه، بل سأحاول أن أرجع للمصادر المعتمدة.. لا تلك التي يعتمدها الروافض والمجوس.. كما يسمونهم.. وإنما أعتمد المصادر الممتلئة بتعظيم السنة، والتي يستدل بها أسود السنة ونمورهم.

طبعا.. سيكون أول إنجاز لصلاح الدين العائد من جديد هو تحرير القدس.. وهذا من المتفق عليه.. فلا يمكن أن يكون هناك صلاح للدين دون أن تكون هناك عودة للقدس.. فهو ما يجعل القلوب كلها تحن إليه وتعظمه وتذكره في صلاتها وأدعيتها..

لكن اصبروا.. فالعبرة بالخواتم، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل أقسم؛ فقال: (والذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)([1])

فلذلك اصبروا؛ فذلك الذي حرر مدينة واحدة، سيبيع مدنا كثيرة، وسيقسم أوطانا كثيرة، وستجري على يديه دماء كثيرة، لا دماء الصليبيين، وإنما دماء المسلمين.

1 ـ صلاح الدين.. وتحرير بلاد الإسلام من المسلمين:

اصبروا لتسمعوا القصة إلى آخرها؛ فلا يصح أن نصفق للأمجاد قبل أن تكتمل.. فصلاح الدين الذي حرر القدس من الصليبيين هو نفسه الذي حرر بلادا كثيرة، ومدنا كثيرة من المسلمين.. وأسال دماءهم في الطرقات، ليروي ظمأه للسلطة والحكم وممارسة الاستبداد.

لقد ذكر ابن العماد الحنبلي.. ركزوا جيدا فهو حنبلي.. لا رافضي ولا مجوسي.. بعض البلاد التي حرر صلاح الدين منها المسلمين؛ فقال: (أول ما فتح الدّيار المصرية، والحجاز، ومكّة، والمدينة، واليمن من زبيد إلى حضرموت، متّصلاً بالهند، ومن الشام: دمشق، وبعلبك، وحمص، وبانياس، وحلب، وحماة. ومن الساحل: بلاد القدس، وغزّة، وتل الصافية، وعسقلان، ويافا، وقيسارية، وحيفا، وعكّا، وطبرية، والشّقيف، وصفد، وكوكب، والكرك، والشّوبك، وصيدا، وبيروت، وجبلة، واللّاذقية، والشّغر، وصهيون، وبلاطنس، ومن الشرق: حرّان، والرّها، والرّقّة، ورأس عين، وسنجار، ونصيبين، وسروج، وديار بكر، وميّافارقين، وآمد، وحصونها، وشهرزور، ويقال: إنه فتح ستين حصناً، وزاد على نور الدّين بمصر، والمغرب، والحجاز، واليمن، والقدس، والساحل، وبلاد الفرنج، وديار بكر، ولو عاش لفتح الدّنيا شرقاً وغرباً، وبعداً وقرباً، ولم يبلغ ستين سنة)([2])

طبعا هو سماها فتوحا، مع كونها بلادا إسلامية، وأهلها مسلمون.. لكنه سماها كذلك لأنها أصبحت تحت سلطته وإمرته وملكه.. وهي بذلك دخلت الإسلام.. أما قبل ذلك؛ فقد كانت بلادا جاهلية.

 هو فعل تماما ما كان يفعله آل سعود في دولتهم الأولى عندما كانوا يدخلون المدن، ويقتلون أهلها، ثم يذكر ابن غانم في تاريخ نجد أنهم كانوا يفتحونها.. ومثلما يفعلون الآن باليمن من تجويع وتقتيل وتدمير.. ثم يأتي الشعراء ليثنوا على جرائمهم، ويأتي رجال الدين، ليجعلوهم من العترة الطاهرة والصحابة السابقين، بل الأنبياء والمرسلين.

قد يحاول الكثير من الذين لم يحبوا أن تتشوه صورة البطل في عيونهم أن يصوروا تلك الجرائم بصورة مختلفة، ويذكروا أن صلاح الدين كان رحيما جدا، ولم يكن يقتل أحدا، وإنما كان يستلم المفاتيح ومعها الزغاريد والأهازيج، ولهذا سأنقل ما قال مؤرخ آخر هو أيضا من الطائفة المنصورة، وليس من الروافض ولا من المجوس.. وهو من المعاصرين لصلاح الدين الأيوبي.. لاشك أنكم تعرفونه.. إنه عز الدين أبوالحسن الجزري الموصلي (555-630 هـ) المعروف بـ [ابن الأثير الجزري]، ذلك المؤرخ الكبير، الذي كتب موسوعته الكبرى في التاريخ الإسلامي [الكامل في التاريخ]، كما كتب موسوعته الكبرى في أسماء الصحابة [أسد الغابة في معرفة الصحابة]

لقد قال ابن الأثير يصف منهجه في تحرير البلاد الإسلامية من المسلمين: (فغضب السودان الذين بمصر لقتل مؤتمن الخلافة حميّة، ولأنه كان يتعصّب لهم، فحشدوا وجمعوا، فزادت عدّتهم على خمسين ألفاً، وقصدوا حرب الأجناد الصلاحية، فاجتمع العسكر أيضاً، وقاتلوهم بين القصرين، وكثر القتل في الفريقين، فأرسل صلاح الدين إلى محلّتهم المعروفة بالمنصورة، فأحرقها على أموالهم وأولادهم وحرمهم، فلما أتاهم الخبر بذلك ولّوا منهزمين، فركبهم السيف، وأُخذت عليهم أفواه السكك، فطلبوا الأمان بعد أن كثر فيهم القتل، فأجيبوا إلى ذلك، فأُخرجوا من مصر إلى الجيزة، فعبر إليهم شمس الدولة تورانشاه أخو صلاح الدين الأكبر في طائفة من العسكر، فأبادهم بالسيف، ولم يبق منهم إلا القليل الشريد)([3])

هذا موقف واحد من مواقف البطل.. نعم هو يشبه داعش تماما.. ولذلك داعش تحبه كثيرا.. ويحبه معهم كل مجرمي العالم، لأنهم لا يحبون حروبا بلا دماء.. بل كلما كثرت الدماء كلما كانت الحرب عندهم أحلى وألذ.. وخاصة إن كانت الدماء دماء مسلمين.

طبعا سيحاول العاشقون للبطل أن يبحثوا عن حلول لتلك المشكلة؛ فيصوروا الأمر بصورة أخرى.. يذكرون فيها أن تلك الدماء كانت ثمرة لتحقيق الوحدة الإسلامية، وأنه لا يمكن أن تتحقق الوحدة دون أن تسيل دماء.. هكذا قال صدام حسين حين راح يغزو إيران والكويت.. وهكذا قال قبله هتلر ونيرون.. وهكذا قال قبلهم فرعون الذي كان يقتل الرجال ويستحيي النساء، لأن وحدة مصر لن تتحقق من دون قتل كل صبي يمكن أن يتحول إلى معارض في المستقبل.

وهكذا قال دعاة الفتنة في سورية والعراق، والذين أرسلوا كل عشاق صلاح الدين الأيوبي من جميع أنحاء العالم ليحرروها من أهلها، لأن القدس عندهم لا تحتاج إلى تحرير، وإنما بلاد المسلمين هي التي تحتاج إلى تحرير.

وهكذا كان يفعل صلاح الدين الذي كان يحرر بلاد الإسلام من المسلمين، ليمكن لنفسه، ويزيد من مساحة الأرض التي يستحوذ عليها هو وبنو عمومته.

 يقول مؤرخ آخر.. ليس رافضيا ولا مجوسيا.. هو عمر بن أحمد بن هبة الله المعروف بابن العديم (588 – 660 هـ) في كتابه عن تاريخ حلب: (وخاف صلاح الدين من نور الدين أن يدخل مصر فيأخذها منهم، فشرع في تحصيل مملكة أخرى لتكون عدّة له بحيث إن نور الدين إن غلبه على الديار المصرية سار هو وأهله إليها وأقاموا بها، فسيَّر أخاه الأكبر تورانشاه بإذن نور الدين له في ذلك، وسيَّره قاصداً عبد النبي بن مهدي، وكان دعا إلى نفسه، وقطع خطبة بني العباس، فمضى إليها وفتح زبيد وعدن، ومعظم بلاد اليمن)([4])

فهذا النص مثال واحد عن ذلك الشغف بالسلطة، والذي جعله يحارب جميع الدول الإسلامية، لا لكونها كانت دولا مستبدة يريد أن ينشر فيها الديمقراطية والحرية، ولكن لكونها لم تكن تحت إمرته وسلطته وسطوته، وهو يريدها أن تكون كذلك.

2 ـ صلاح الدين.. وبيع فلسطين للصليبيين:

لذلك استعمل كل الوسائل في حروبه.. وكان أبشع تلك الوسائل بيع فلسطين للصليبيين.. لا تتعجبوا.. فالذي حرر القدس هو نفسه الذي باع فلسطين.. فلذلك لا تلوموا السادات على معاهدته مع الكيان الصهيوني، ذلك أن جريمته في تلك المعاهدة، وذلك التطبيع، لا تساوي شيئا أمام ما فعله صلاح الدين الأيوبي.

لقد قال المؤرخ الكبير الدكتور حسين مؤنس (1911 – 17 1996م) المصري ـ لا العراقي ولا الإيراني ـ: (ثم دخل الصليبيون في مفاوضات مع صلاح الدين انتهت بعقد صلح (الرملة)، الذي نصّ على أن يترك صلاح الدين للصليبيين شريطاً من الساحل، يمتد من صور إلى يافا، وبهذا العمل عادت مملكة بيت المقدس – التي انتقلت إلى طرابلس- إلى القوة بعد أن كانت قد انتهت، وتمكّن ملوكها من استعادة الساحل حتى بيروت.. وهنا وبعد عقد صلح الرملة اعتبر فيليب أغسطس أن مهمّته قد انتهت، وأنه برَّ بقسمه (أن يفتح الطريق إلى بيت المقدس)، وأقلع إلى بلاده من ميناء عكا في 8 يونيو 1192م. أما ريتشارد فقد بقي في بلاد الشام، وأتمَّ الاستيلاء على الموانئ الواقعة جنوب عكا حتى عسقلان، ثم عقد صداقة مع صلاح الدين الذي اعتبره من أعاظم ملوك المسلمين، وأتمَّ حجَّه إلى بيت المقدس ووضع يده على قبرص.. وبذلك تكون معظم المكاسب التي حقَّقها صلاح الدين – فيما عدا استعادته لبيت المقدس – قد ضاعت بسبب تنافس الأمراء الأيوبيين واختلاف كلمتهم)([5])

هذه شهادة هذا المؤرخ الكبير، والتي تدل عليها كل المصادر التاريخية، والتي ذكرنا سابقا بعضها، ولمن شاء المزيد يمكنه أن يقرأ ما قاله شيخ المؤرخين العرب [أحمد بن علي المقريزي] المعروف بـ [تقي الدين المقريزي] (764 هـ ـ 845 هـ)، فقد قال في كتابه المشهور [الفتح القسي في الفتح القدسي]، والذي أرخ فيه لبطولات صلاح الدين الأيوبي: (وعاد إلى القدس، وعقد الهدنة بينه وبين الفرنج مدّة ثلاث سنين وثلاثة أشهر، أوّلها حادي عشر شعبان، على أنّ للفرنج من يافا إلى عكا إلى صور وطرابلس وأنطاكية، ونودي بذلك، فكان يوماً مشهوداً)([6])

وقال عماد الدين الكاتب (519 هـ – 597 هـ) ـ مؤرخ وأديب وشاعر الدولة النورية والأيوبية والذي كان معاصراً لصلاح الدين ـ: (وجعل لهم من يافا إلى قيسارية، إلى عكاء إلى صور، وأبدوا بما تركوه من البلاد التي كانت معهم الغبطة والسرور، وأدخلوا في الصلح طرابلس وأنطاكية والأعمال الدانية والنائية)([7])

ألا ترون من خلال هذه النصوص الخدمات الكبيرة التي قدمها صلاح الدين الأيوبي للصليبيين مجانا.. وكل ذلك حتى يتاح له أن يحرر بلاد الإسلام من المسلمين.. ويجعلها في كنفه وسلطته، لكونه أكثر رحمة بها من غيره من الحكام.

وحتى نيسر فهم ما فعله صلاح الدين الأيوبي في ذلك الحين، ونطبقه على هذا الحين لأولئك الذين يريدون عودة صلاح الدين من جديد.. تصوروا لو أن حاكما قويا من حكام المسلمين أتيح له بطريقة ما أن يحرر القدس.. ثم بعد سنوات قليلة يسلم سورية ولبنان وفلسطين والعراق للصهاينة.. ثم يقوم بحرب على كل البلاد الإسلامية، فيدمرها جميعا، ويحولها إلى دويلات صغيرة تتصارع فيما بينها.. هل يمكن أن نعتبر هذا الحاكم حاكما صالحا، وهل ندعو الله أن يطيل عمره، لنذوق على يديه الكثير من كؤوس الألم والمعاناة.

تخيلوا الأمر فقط.. لتصابوا بعد ذلك بالغثاء.. فلعل ذلك الغثاء يزيل تلك الأوهام عن عقولكم.

3 ـ صلاح الدين.. وإجهاض مقاومة الصليبيين:

ولم يكتف صلاح الدين بتلك الجرائم مع كثرتها، وإنما كان يستعمل كل الوسائل لإجهاض أي مقاومة ضد الصليبيين، إذا ما أدت تلك المقاومة إلى إدخال البلاد المحررة إلى حكم آخر غير حكمه.. وهو يفعله تماما أولئك الذين يرددون الآن، وبكل وقاحة: (لا نريد فلسطين تحررها حماس أو حزب الله، أو تشارك إيران في تحريرها).. ويقولون: (نقبل بفلسطين اليهودية، ولا نقبل بفلسطين الشيعية الإيرانية)

وهكذا فعل صلاح الدين الأيوبي تماما عندما أعطى الفرصة للصليبيين، ووقف في وجه الجيش الذي يريد مقاومتهم، بل كان سندا لهم ليستمر وجودهم، وقد ذكر ذلك كل المؤرخين.. لا الرافضة المجوس.. وإنما المؤرخون من أهل السنة والجماعة، والذين يعتمد عليهم الجميع في كتبهم التاريخية.

ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره ابن الأثير في حوادث سنة 567هـ؛ فقد قال: (في هذه السنة جرت أمور أوجبت أن تأثّر نور الدين من صلاح الدين، ولم يُظهر ذلك، وكان سببه أن صلاح الدين يوسف بن أيوب سار عن مصر في صفر من هذه السنة إلى بلاد الفرنج غازياً، ونازل حصن الشوبك([8])، وبينه وبين الكرك يوم، وحصره، وضيَّق على مَنْ به من الفرنج، وأدام القتال، وطلبوا الأمان، واستمهلوه عشرة أيام، فأجابهم إلى ذلك. فلما سمع نور الدين بما فعله صلاح الدين سار عن دمشق قاصداً بلاد الفرنج أيضاً؛ ليدخل إليها من جهة أخرى، فقيل لصلاح الدين: إن دخل نور الدين بلاد الفرنج وهم على هذه الحال: أنت من جانب ونور الدين من جانب، ملكها، ومتى زال الفرنج عن الطريق وأخذ ملكهم لم يبق بديار مصر مقام مع نور الدين، وإن جاء نور الدين إليك وأنت ههنا، فلا بد لك من الاجتماع به، وحينئذ يكون هو المتحكّم فيك بما شاء، إن شاء تركك، وإن شاء عزلك، فقد لا تقدر على الامتناع عليه، والمصلحة الرجوع إلى مصر. فرحل عن الشوبك عائداً إلى مصر، ولم يأخذه من الفرنج، وكتب إلى نور الدين يعتذر باختلال البلاد المصرية لأمور بلغتْه عن بعض شيعته العلويين، وأنهم عازمون على الوثوب بها، فإنه يخاف عليها من البعد عنها أن يقوم أهلها على من تخلّف بها، فيخرجوهم وتعود ممتنعة، وأطال الاعتذار، فلم يقبلها نور الدين منه، وتغيَّر عليه، وعزم على الدخول إلى مصر وإخراجه عنها)([9])

ومن الأمثلة عليها ما ذكره في حوادث سنة 568هـ، فقد قال: (في هذه السنة في شوال رحل صلاح الدين يوسف بن أيوب من مصر بعساكرها جميعها إلى بلاد الفرنج يريد حصر الكرك، والاجتماع مع نور الدين عليه، والاتفاق على قصد بلاد الفرنج من جهتين، كل واحد منهما في جهة بعسكره. وسبب ذلك أن نور الدين لما أنكر على صلاح الدين عوده من بلاد الفرنج في العام الماضي، وأراد نور الدين قصد مصر وأخذها منه، أرسل يعتذر، ويعد من نفسه بالحركة على ما يقرِّره نور الدين، فاستقرّت القاعدة بينهما أن صلاح الدين يخرج من مصر، ويسير نور الدين من دمشق، فأيهما سبق صاحبه يقيم إلى أن يصل الآخر إليه، وتواعدا على يوم معلوم يكون وصولهما فيه، فسار صلاح الدين عن مصر لأن طريقه أصعب وأبعد وأشق، ووصل إلى الكرك وحصره. وأما نور الدين فإنه لما وصل إليه كتاب صلاح الدين برحيله من مصر فرَّق الأموال، وحصَّل الأزواد وما يحتاج إليه، وسار إلى الكرك فوصل إلى الرقيم، وبينه وبين الكرك مرحلتان، فلما سمع صلاح الدين بقربه خافه هو وجميع أهله، واتّفق رأيهم على العود إلى مصر، وترك الاجتماع بنور الدين؛ لأنهم علموا أنه إن اجتمعا كان عزله على نور الدين سهلاً. فلما عاد أرسل الفقيه عيسى إلى نور الدين يعتذر عن رحيله بأنه كان قد استخلف أباه نجم الدين أيوب على ديار مصر، وأنه مريض شديد المرض، ويخاف أن يحدث عليه حادث الموت فتخرج البلاد عن أيديهم، وأرسل معه [من] التحف والهدايا ما يجل عن الوصف، فجاء الرسول إلى نور الدين وأعلمه ذلك، فعظم عليه وعلم المراد من العود، إلا أنه لم يُظهر للرسول تأثّراً، بل قال له: حِفْظُ مصر أهم عندنا من غيرها)([10])

ونفس الشيء ذكره في حوادث 569هـ، وحينها ارتفع اللبس عن مقصد صلاح الدين من كل تلك التأجيلات، فقد قال ابن الأثير: (وكان نور الدين محمود بن زنكي قد شرع يتجهّز للدخول إلى مصر لأخذها من صلاح الدين يوسف بن أيوب، فإنه رأى منه فتوراً في غزو الفرنج من ناحيته، وكان يعلم أنه إنما يمنع صلاح الدين من الغزو الخوف منه ومن الاجتماع به، فإنه يؤثر كون الفرنج في الطريق ليمتنع بهم على نور الدين، فأرسل إلى الموصل وديار الجزيرة وديار بكر يطلب العساكر للغزاة، وكان عزمه أن يتركها مع ابن أخيه سيف الدين غازي صاحب الموصل بالشام، ويسير هو بعساكره إلى مصر، فبينما هو يتجهّز لذلك أتاه أمر الله الذي لا مردَّ له)([11])

هذه بعض النصوص التي تبين الهدف الأكبر الذي كان يدفع صلاح الدين في كل حروبه، وهو الذي يدفع كل المستبدين والظلمة في التاريخ.

ولذلك ليس لنا إلا أن نضحك ملء أفواهنا على تلك الأراجيف التي يرسلها الخطباء والوعاظ على منابر المساجد، وهم يرددون، والعبرات تخنقهم: (كونوا كصلاح الدين الأيوبي الذي لم يكن يبتسم، وكان يقول لمن يعاتبه في ذلك: كيف أبتسم والأقصى أسير؟.. والله إني لأستحيي من الله أن أبتسم وإخواني هناك يعذَّبون ويُقتلون.. كيف يطيب لي الفرح والطعام ولذة المنام، وبيتُ المقدس بأيدي الصليبيين؟)

أو كما عبر خطيب آخر، فقال: (سأحدثكم عن فارس شجاع.. فارس نبيل.. إذا أقسم أبر بقسمه..فارس قلما يجود الزمان بامثاله.. إنه (صلاح الدين الأيوبى).. الفارس النبيل الذى كان يجلس ذات يوم مع رجاله يتسامرون.. فأطلق أحدهم طرفة تبسم لها كل من تواجد بالخيمة السلطانية إلا هو ظل متجهماً..فوقفت الضحكات فى الأفواه.. وخيم الصمت المشوب بالرهبة..وسأله أحدهم لماذا لم تضحك يا صلاح الدين؟.. وجاء الجواب..قسم تزلزلت له القلوب..واهتزت له جنبات الكون: (كيف أضحك أو أبتسم وبيت المقدس أسير.. يئن فى أسره.. أقسم بالله العظيم ألا أضحك أو أبتسم.. طالما ظل بيت المقدس أسيراً)، وقد أبر بقسمه.. وفك أسر بيت المقدس من أسره.. وارتسمت ابتسامة الرضا على وجهه.. وسجد شكراً.. لمن بيده ملكوت السموات والأرض سبحانه وتعالى.. وكم نحن فى أشد الحاجة لفارس مثله، ونحن نعيش فى زمان فرسان الوهم)

وراح آخر يزيد في القصيدة أبياتا كثيرة، فيرسم هذا المشهد الأسطوري، فيقول: (عنــدما كـــان صــلاح الدّيــن الأيوبـــي صغيـــرا ويلعب مع الصّبيــة فى الشّارع شاهــده أبوه فأخذه من وسط الأطفال ورفعه عاليًا بيديه، وكان أبوه رجلا طويل القامة، وقال له: (ما تزوجت أمك وما أنجبتك لكي تلعب مع الصبية، ولكن تزوجت أمك وأنجبتك لكي تحرّر المَسجــد الأقصـَــى)، وتركه من يده فسقط الطفل على الأرض، فنظر الأب إلى الطفل فرأى الألم على وجهه فقال له: آلمتك السقطة، قال صلاح الدين: آلمتني! قال له أبوه: لِمَ لم تصرخ؟ فقال: ما كان لمحرر الأقصى أن يصرخ)([12])

وهكذا يضعون على لسانه ما شاءت لهم أهواؤهم من أحاديث، وكأنهم يتحدثون عن صلاح آخر، ربما يكون من الملائكة، وليس ذلك الصلاح الذي تحدث عنه المؤرخون، وأجمعوا على جرائمه في سبيل تحقيق نزوة التسلط والملك.

4 ـ صلاح الدين.. وتقسيم البلاد الإسلامية:

لا بأس.. يمكنكم أن تدافعوا عن كل تلك الجرائم بما شئتم؛ فتذكروا ما تعودنا على سماعه من الخيارات التكتيكية والاستراتيجية، وأن الأمر مرتبط بالنواحي العسكرية، وأن ذلك البطل الذي حرر القدس يستحيل أن يحول دون تحرير غيرها.

لكن هل يمكنكم أن تفسروا لي ما قام به في آخر حياته؛ فهو لا يرتبط بخيارات عسكرية ولا سياسية..ولا بالتكتيك، ولا بالاستراتيجية.. وإنما يرتبط بالبلاد الإسلامية التي يتوهم الكثير أن صلاح الدين قضى كل حياته من أجل توحيدها.. ثم ختمها بتمزيقها.. لأنه وحّدها أصلا من أجل نفسه، وعند موته راح يقسمها كما تقسم التركات على أصحاب الفروض والعصبات.

لا تتعجبوا من ذلك.. فهو قد قام بما عجز عنه مؤسس الدولة السعودية الحالية [عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود]، والذي وزع الحكم على أولاده، بعد حكمه لأكثر من عشرين سنة، لكنه كان حكيما في توزيعه، فقد طلب منهم أن يتداولوا الحكم أخا بعد أخ.. لكن صلاح الدين لم يرضه هذا، وإنما راح يقطع بلاد الإسلام بين أولاده، ليملكوا جميعا، وفي نفس الوقت.

نعم هو قام بنفس ما قام به عبد العزيز آل سعود حين سمى المملكة السعودية باسمه، وحولها جميعا إلى ضيعة لأسرته.. لكن موقف صلاح الدين الأيوبي كان أخطر، ولهذا تمنى الصليبيون والصهاينة وكل أشرار العالم أن يعود من جديد.

فلو أن الملك عبد العزيز بدا له أن يقوم بدور صلاح الدين عند كتابته لوصيته، فسيقسم مملكته التي قام بكل حروبه من أجل توسيعها بحسب عدد أولاده إلى ست وثلاثين قطعة.. ثم تقسم بعد ذلك، وفي مرحلة لاحقة، وبعد ولادة الأحفاد وأولادهم إلى مئات أو آلاف القطع، لأن عدد أمراء آل سعود في الفترة الحالية بلغ هذا العدد، وهو يتزايد كل حين.

هكذا فعل صلاح الدين الذي تتمنون عودته بالضبط.. وهذا ما ذكره مؤرخو الفرقة الناجية، لا الفرق الهالكة؛ فاقرأوا ما يقوله أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، فلاشك أنكم تعرفونه، وتعرفون ميوله الأموية؛ وتعرفون شدة بغضه للرافضة، والفرق الهالكة؛ فقد قال يتحدث عن حكمة صلاح الدين الأيوبي في تقسيم مملكة الإسلام على أولاده، وعدله بينهم: (وكان قد قسَّم البلاد بين أولاده، فالديار المصرية لولده العزيز عماد الدين أبي الفتح، ودمشق وما حولها لولده الأفضل نور الدين علي، وهم أكبر أولاده، والمملكة الحلبيّة لولده الظاهر غازي غياث الدين، ولأخيه العادل: الكرك والشوبك وبلاد جعبر وبلدان كثيرة قاطع الفرات، وحماة ومعاملة أخرى معها للملك المنصور محمد بن تقي الدين عمر ابن أخي السلطان، وحمص والرحبة وغيرها لأسد الدين بن شيركوه بن ناصر الدين بن محمد بن أسد الدين شيركوه الكبير، نجم الدين أخي أبيه نجم الدين أيوب. واليمن بمعاقله ومخاليفه جميعه في قبضة السلطان ظهير الدين سيف الإسلام طغتكين بن أيوب، أخي السلطان صلاح الدين، وبعلبك وأعمالها للأمجد بهرام شاه بن فروخ شاه، وبصرى وأعمالها للظافر بن الناصر)([13])

وهذا ما ذكرته كل المصادر لا ابن كثير وحده، وقد نقل أقوالهم الدكتور حسين مؤنس، ثم قال متأسفا: (قسَّم صلاح الدين الامبراطورية ممالك بين أولاده وإخوته وأبناء أخويه، كأنها ضيعة يملكها، لا وطناً عربيًّا إسلاميًّا ضخماً يملكه مواطنوه)([14])

5 ـ صلاح الدين.. والصراع بين البلاد الإسلامية:

ولم يتوقف الأمر عند ذلك التقسيم، بل دب الشقاق بين الملوك الجدد، وراح كل واحد منهم يحلم بتوسيع مملكته، ليطبق ما فعله والده طول حياته.. وهو تحرير بلاد الإسلام من المسلمين الذين لا يخضعون لحكمه.. وسالت دماء جديدة..وفرح الصليبيون كثيرا، وامتد حكمهم طويلا.

لا تتصوروا أن الأمر كان مرتبطا بدويلة صغيرة، مثل قطر أو البحرين أو الإمارات يمكن أن تتوحد في حال تقسيمها بطريقة ما.. الأمر أخطر من ذلك.. فصلاح الدين لم يقسم الإمارات فقط، وإنما قسم سورية ولبنان وفلسطين والأردن ومصر واليمن وغيرها..

كلها قسمها قبل سايكس بيكو، وإلى أجزاء أقل بكثير من تلك الأجزاء التي نلعن بسببها تقسيمات سايكس بيكو.. وللأسف فإن الذين يلعنون سايكس بيكو هم أنفسهم الذين يترحمون ويترضون على صلاح الدين، ويسألون الله أن يعيده من جديد، حتى تتحول بلاد الإسلام إلى قطع حلوى.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل صار من أهل تلك القطع الممزقة من بلاد الإسلام من يطالب بعودة الصليبيين ليرحمهم من سيوف الأيوبيين، وصار من أولئك الأمراء من يتحالف مع الصليبيين ليحمي ملكه من جشع إخوانه وبني عمومته.

لقد ذكر كل المؤرخين هذا، فلا تتهربوا.. ولا تحاولوا أن تحتالوا على أنفسكم، فالحقيقة لا يمكن تغطيتها، ولا الهروب منها، فلكل جريمة آثارها..

لقد قال ابن كثير يذكر ذلك: (ثم شرعت الأمور بعد موت صلاح الدين تضطرب وتختلف في جميع هذه الممالك)([15])

وقال بعض المعاصرين من المغرمين بصلاح الدين الأيوبي في مقال له بعنوان [وفاة صلاح الدين الأيوبي.. محرر القدس]: (ترك صلاح الدين بعد وفاته في عام (589هـ) دولة واسعة الأرجاء، وسبعة عشر ولدًا وبنتًا واحدة، وكان صلاح الدين قد وزَّع خلال حياته السياسية البلاد الواقعة تحت سيطرته على أفراد عائلته؛ مانحًا إياهم سلطات فعلية لممارسة السيادة؛ فتقاسم هؤلاء التركة الصلاحية بعد وفاته في ظل ما حدث من المؤامرات والحروب بينهم، إذ أن كلاًّ منهم يطمع في أن يكون نصيبه يضارع نصيب جاره أو يفوقه، بالإضافة إلى تَزَعُّمِ العائلة الأيوبية)([16])

ثم ذكر هذا المغرم العاشق لصلاح الدين محرر القدس بعض ما حصل بعد وفاته، فقال: (وقد أخذت الجبهة الإسلامية في التداعي بعد وفاة صلاح الدين عام (589هـ)، ولم تلبث أن نشبت حرب الوراثة بين أبناء البيت الأيوبي، فاتفق أمراء الشام على ألا يعترفوا بسيادة العزيز عثمان صاحب مصر الذي اتصف بالطموح السياسي، وزعم أن له السيادة عليهم جميعًا، وكان هذا الرفض نابعًا من أهمية دور دمشق في توجيه السياسة الأيوبية، غير أن الأفضل عليّ صاحب دمشق اتصف بسوء السيرة؛ فقد احتجب عن الرعية، واشتغل بلهوه مما أدى إلى كراهية الناس له؛ فقد وضع ثقته في وزيره ضياء الدين بن الأثير، فأساء التصرف في أمور الرعية، وخالف نهج والده في الحكم؛ فأقصى أمراء والده ومستشاريه بتأثير من وزيره؛ فهرب هؤلاء إلى القاهرة مستنجدين بالعزيز عثمان الذي رفعهم وأعزهم، فالتفوا من حوله، واعترفوا به زعيمًا على الأيوبيين)([17])

وهكذا ذكر كل المؤرخين تلك الجرائم التي حصلت في جميع البلاد الإسلامية بسبب تنافس الأسرة الأيوبية على الحكم، اقتداء منها بسنة صلاح الدين، وما قام به من حروب لأجل السلطة.

ومن الأمثلة على ذلك الصراع الذي راح فيه عشرات آلاف من قتلى المسلمين، ما عبر عنه المقريزي بقوله: (وتنكر ما بينه [يعني الملك العزيز عماد الدين أبو الفتح عثمان] وبين أخيه الأفضل، فسار من مصر لمحاربته، وحصره بدمشق، فدخل بينهما العادل أبو بكر، حتى عاد العزيز إلى مصر على صلح فيه دخل، فلم يتم ذلك، وتوحّش ما بينهما، وخرج العزيز ثانياً إلى دمشق، فدبّر عليه عمّه العادل حتى كاد أن يزول ملكه وعاد خائفاً، فسار إليه الأفضل والعادل حتى نزلا بلبيس، فجرت أمور آلت إلى الصلح، وأقام العادل مع العزيز بمصر، وعاد الأفضل إلى مملكته بدمشق، فقام العادل بتدبير أمور الدولة، وخرج بالعزيز لمحاربة الأفضل، فحصراه بدمشق حتى أخذاها منه بعد حروب، وبعثاه إلى صرخد، وعاد العزيز إلى مصر، وأقام العادل بدمشق حتى مات العزيز في ليلة العشرين من محرّم سنة خمس وتسعين وخمسمائة، عن سبع وعشرين سنة وأشهر، منها مدّة سلطنته بعد أبيه ست سنين تنقص شهراً واحداً، فأقيم بعده ابنه السلطان الملك المنصور ناصر الدين محمد، وعمره تسع سنين وأشهر بعهد من أبيه، وقام بأمور الدولة بهاء الدين قراقوش الأسدي الأتابك، فاختلف عليه أمراء الدولة، وكاتبوا الملك الأفضل علي بن صلاح الدين، فقدم من صرخد في خامس ربيع الأوّل، فاستولى على الأمور، ولم يبق للمنصور معه سوى الاسم، ثم سار به من القاهرة في ثالث رجب يريد أخذ دمشق من عمّه العادل بعدما قبض على عدّة من الأمراء، وقد توجه العادل إلى ماردين، فحصر الأفضل دمشق، وقد بلغ العادل خبره فعاد وسار يريده حتى دخل دمشق، فجرت حروب كثيرة آلت إلى عود الأفضل إلى مصر بمكيدة دبّرها عليه العادل، وخرج العادل في أثره، وواقعه على بلبيس فكسره في سادس ربيع الآخر سنة ست وتسعين)([18])

أظن أن تحليل هذا النص وحده كاف للتعريف بتلك الآثار التي خلفها البطل الكبير صلاح الدين الأيوبي في البلاد الإسلامية.. وحتى تفهموا كيف وصلت شهوة السلطة لدى أسرة صلاح الدين أعيدوا قراءة هذه العبارة التي ذكرها المقريزي: (وأقام العادل بدمشق حتى مات العزيز.. فأقيم بعده ابنه السلطان الملك المنصور ناصر الدين محمد، وعمره تسع سنين وأشهر بعهد من أبيه)

هل هذا هو الحكم الإسلامي يا من تتغنون كل حين بصلاح الدين، وتطلبون عودته، وتطلبون معه عودة الشريعة الإسلامية للحكم.. هل أوصانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن نبايع لابن تسع سنين، إرضاء لوالده.. ونقيم الحروب من أجل حماية عهدنا وبيعتنا؟

ألم يعتبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل ذلك من الحكم الظالم المستبد، فقد ورد في الحديث الشريف: (إذا اقترب الزمان كثر لبس الطيالسة وكثرت التجارة وكثر المال وعظم رب المال وكثرت الفاحشة وكانت إمرة الصبيان)([19]

6 ـ صلاح الدين.. وإعادة القدس للصليبيين:

لا أريد بعد كل هذا أن أنسى دور صلاح الدين الأيوبي في تحرير القدس؛ فنحن مطالبون بأن نشهد بالعدل، وقد قال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} [المائدة: 8]

ولكن العدل كذلك يقتضي منا أن نذكر الحقائق بكل أجزائها وتفاصيلها، وألا ندع الأهواء تتحكم فينا؛ فنختار من الفلم أجمل أجزائه، ونقص ما بقي منه، لنحافظ على صورة البطل في أذهان المغرمين بالأمجاد الكاذبة.

وهذا ما حصل بالضبط، فعشاق صلاح الدين الأيوبي المطالبين بعودته، راحوا يقصون كل أجزاء الفلم التي تذكر عودة الصليبيين للقدس بعد وفاته، وبعد أداء أدواره التخريبية في العالم الإسلامية.

وقد عادوا إليها أشرس ما كانوا، بسبب الخطط الاستراتيجية التي وضعها صلاح الدين الأيوبي، والتي تمكن لهم عودة آمنة وقوية، بعد أن تحررت منهم لسنين معدودة.

لقد عادوا إليها ـ كما يذكر المؤرخون ـ من دون حرب، بعد أن أهداها لهم السلطان الكامل ابن أخي صلاح الدين، والذي تولى حكم مصر سنة 615 هـ، وذلك بعد أن خشي أن يسلبوه حكمه على مصر، فاتصل بهم ليفاوضهم، وعرض عليهم أن يتنازل عن بيت المقدس مقابل أن يخرجوا من دمياط.

وطبعا لم يتردد الامبراطور الصليبي فريدريك في قبول هذا العرض السخي، لكن البابا في روما رفض العرض، ووبخ الامبراطور فريدريك على قبوله.. فتنازل السلطان الأيوبي، وقدم عرضا أسخى، وهو أن يتنازل عن نابلس وصيدا وعسقلان وطبرية واللاذقية وسائر المدن الساحلية التي حررها صلاح الدين الأيوبي..

وهكذا كانت البلاد الإسلامية يتلاعب بها الملوك والبابوات، الذين لا يزال يلعنهم أئمة المسلمين في مساجدهم، ويدعون الله أن يزلزل الأرض من تحتهم، ويجمد الدماء في عروقهم، لكنهم ينسون أن يدعوا على كل من تسبب في كل ذلك الخنوع، وتلك المذلة، بل إنهم بدل أن يلعنوه، ويلعنوا ما فعله بالأمة الإسلامية، يترضون عنه، ويمجدونه، ويمجدون معه كل الظلمة.. وينسون أن يذكروا ولو بكلمة حزن وألم أولئك المستضعفين الذين كتب عليهم أن يعيشوا بين مطرقة الصليبيين، وسندان الأيوبيين أو غيرهم من المستبدين.

لقد ذكر ابن الأثير كيف تحولت أفراح أولئك المستضعفين من المسلمين إلى أحزان، بعد أن عاد الصليبيون إلى القدس من جديد، وسكنوا مساكنهم التي أفنوا أعمارهم في بنائها، وامتلكوا بساتينهم التي قضوا حياتهم جميعا في استصلاحها وزراعتها؛ فقال: (وتسلم الفرنج البيت المقدس، واستعظم المسلمون ذلك وأكبروه، ووجدوا له من الوهن والتألم ما لا يمكن وصفه)([20])

ووصفه المقريزي، فقال: (ونودي في القدس بخروج المسلمين منه وتسليمه إلى الفرنج، فكان أمرا مهولا من شدّة البكاء والصراخ، وخرجوا بأجمعهم فصاروا إلى مخيم الكامل وأذنوا على بابه في غير وقت الأذان، فشق عليه ذلك وأخذ منهم الستور وقناديل الفضة والآلات وزجرهم، وقيل لهم امضوا حيث شئتم، فعظم على المسلمين هذا وكثر الإنكار على الملك الكامل وشنعت المقالة فيه)([21])

ووصفه بعض المؤرخين المعاصرين([22])، فقال: (أثار تسليم مدينة القدس للفرنجة موجة عارمة من السخط والأسى في العالم الإسلامي. وكانت ردة الفعل شديدة، خصوصاً عند أهل المدينة، ولعل من المفارقة أن نشير إلى ما أحدثه تسليم مدينة القدس وإعادتها إلى حظيرة المسيحية من استنكار واستياء يصل إلى درجة الغضب لدى الأوساط الفرنجية، الدينية منها والدنيوية في بلاد المشرق، فرأى بعضهم أن كرامة النصرانية كانت تقضي بأن تنتزع المدينة عنوة بحد السيف من أيدي المسلمين لا عن طريق التذلل التي توسل بها الإمبراطور إلى الملك الكامل، وكانوا يرون أن استيلاء الصليبيين على المدينة دون استيلائهم على مقدسات المسلمين أمر مرفوض لا تقبل به نفوس الفرنجة الأبية، وذهبت فئة صليبية أخرى إلى القول إن الحصول على القدس من دون استعادة الكرك والشوبك والأردن لا قيمة له، ولو كان هذا مقبولاً لقبل الصليبيون ما عرضه عليهم المسلمون أيام حصار دمياط)([23])

وقد وصف قبل ذلك دور صلاح الدين في إعادتها للصليبيين، بعد أن حررها منهم؛ فقال: (إذا كان تنافس أبناء صلاح الدين في شأن المُلك دفعهم للبحث عن مهادنة الفرنجة في فلسطين، وأدى أحياناً إلى محاولة الاستعانة بهم للتصدي بعضهم لبعض، فإن الأمر بلغ ذروة غير مسبوقة في عهد الملوك من أبناء الملك العادل الأيوبي، إذ لم تقتصر علاقتهم بالفرنجة الجاثمين على أرض فلسطين ولبنان وسوريا على المسالمة والمهادنة فحسب، بل تعدت ذلك أيضاً إلى التخلي عن فريضة الجهاد ضد الأوروبيين الغزاة، والتي لولاها لما وضعوا التيجان على رؤوسهم وتربعوا على عروش مصر وبلاد الشام، إذ بات أبناء الملك العادل وورثة عرشه يرون في الفرنجة قوة سياسية إقليمية لا يتورعون عن مهادنتها والتحالف معها مقابل تنازلات إقليمية من دار الإسلام، إما ثمناً للحفاظ على عروشهم وكراسيهم، وإما تعززاً بهم لتصفية الحسابات الصغيرة فيما بينهم، وإما لتحقيق مطامح إقليمية في دول بعضهم البعض)([24])

أظن أن هذه الاقتباسات من المصادر التاريخية المعتمدة لدى عشاق صلاح الدين والمطالبين بعودته وحدها كافية لإعادة الوعي، وترك ذلك التغني بالأمجاد الكاذبة، بل ذلك المديح الذي يكال للمستبدين والظلمة، والذين أمرنا بالإنكار عليهم أحياء وأمواتا، كما قال تعالى: { وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ } [هود: 113]

7 ـ صلاح الدين.. والشؤون الداخلية للدولة:

لم تكن تلك جرائم صلاح الدين الأيوبي وحدها.. فلا يمكننا في هذا المقال القصير أن نعدد ما ارتكبه من جرائم، ولكنا نشير فقط إلى أمهاتها وأخطرها، والمشكلة في تهوين تلك الجرائم هو عدم كوننا قد عشنا تلك الفترة، ولم نكتو بنيرانها، ولو أنا كنا كذلك، لكان موقفنا مختلفا تماما.

ولذلك نحاول أن نتقمص بعض رعية ذلك العصر، لنعيش المأساة التي عاشوها، وهم في كل لحظة يحملون أبناءهم على أكفهم ليقدموهم لصلاح الدين أو إخوته أو أبنائه، لا ليقدموا أرواحهم في سبيل الله، ويطردوا المعتدين الصليبيين من بلادهم، وإنما ليقدموهم فداء للسلطان المبجل، وإرضاء لغريزته في التسلط، والإستحواذ على أكثر المناطق.

ولم يكن السلطان صلاح الدين يكتفي منهم بذلك.. بل إنه قام باستعباد الفلاحين الأحرار، كما ذكر المقريزي ذلك، فقال: (ويسمى المزارع المقيم بالبلد: فلاحا قرارا، فيصير عبدا قنا لمن أقطع تلك الناحية إلا أنه لا يرجو قط أن يباع ولا أن يعتق بل هو قنّ ما بقي، ومن ولد له كذلك، بل كان من اختار زراعة أرض يقبلها كما تقدّم، وحمل ما عليه لبيت المال، فإذا صار مال الخراج بالديوان أنفق في طوائف العسكر من الخزائن)([25])

وقد ذكر الدكتور حسين مؤنس بعض ما فعله صلاح الدين من جرائم في حق عامة الناس؛ فقال: (وكانت مشاريعه ومطالبه متعدّدة لا تنتهي، فكانت حاجته للمال لا تنتهي أيضاً، وكان عُمّاله وجباته من أقسى خلق الله على الناس، ما مرّ ببلد تاجر إلا قصم الجُباة ظهره، وما بدت على إنسان علامة من علامات اليسار، إلا أُنذِر بعذاب من رجال السلطان، وكان الفلاحون والضعفاء معه في جُهد، ما أينعت في حقولهم ثمرة إلا تلقّفها الجباة، ولا بدت سنبلة قمح إلا استقرت في خزائن السلطان، حتى أملق الناس في أيامه، وخلّفهم على أبواب محن ومجاعات حصدت الناس حصدا)([26])

مع العلم أن حسين مؤنس ليس مثل يوسف زيدان أو غيره من الذين يعتبرون صلاح الدين مجرما من مجرمي العالم الكبار، بل هو يدافع عنه، ويحاول أن يسوغ ما أطاق جرائمه، ليخففها، أو يجعل لها بعض القابلية.

وزيادة على ذلك كله، فقد قام ـ بواسطة وزيره الذي عينه نائبا عنه على مصر بهاء الدين قراقوش ـ بتكليف الرعية بهدم العديد من الأهرامات الصغيرة، وحمل حجارتها لبناء قلعة القاهرة وأسوار عكا وغيرها، مثلما فعل الفراعنة تماما حينما كلفوا المصريين بحمل الحجارة على ظهورهم لبناء تلك الأهرامات.

وقد ذكر ذلك المقريزي، فقال: (اعلم أنّ الأهرام كانت بأرض مصر كثيرة جدّا، منها بناحية بوصير شيء كثير، بعضها كبار، وبعضها صغار، وبعضها طين ولبن، وأكثرها حجر، وبعضها مدرج، وأكثرها مخروط أملس، وقد كان منها بالجيزة تجاه مدينة مصر، عدّة كثيرة كلها صغار هدمت في أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب على يد قراقوش، وبنى بها قلعة الجبل والسور المحيط بالقاهرة، ومصر والقناطر التي بالجيزة)([27])

وهذه جريمة لا ترتبط بأولئك المستضعفين الذين حملوا تلك الحجارة على ظهورهم فقط، وإنما تشير إلى جرائمه في حق الثقافة والتراث الإنساني.. ولو أن عمره امتد لقضى على كل الآثار التاريخية في مصر، ونقل كل الأهرامات، ولم تعد مصر تلك التي نعرفها، والتي حفظت الأهرام وغيرها من آثارها الكثير من تاريخها، بل تاريخ الإنسانية جميعا.

8 ـ صلاح الدين.. والشؤون الدينية والثقافية:

أما جرائم صلاح الدين في حق الثقافة والدين؛ فلا عد لها ولا حصر، ذلك أنه حاصر الثقافة والمثقفين، ونكل بهم، وأحرق الكتب، وقام بحرب طائفية خطيرة كانت أسوأ نموذج للحكم الإسلامي.

وقد أشار محمد كامل حسين إلى بعض جرائمه في هذا الجانب، فقال: (وكانت الحياة في مصر الفاطمية كما رأينا جانباً منها تدعو إلى ازدهار الشعر وإلى كثرة ما أنتجه الشعراء في كل فن من فنون الشعر وكل موضوع من موضوعاته، ولكن هذه الموجة الفنية التي طغت على مصر، سرعان ما أبادها الأيوبيون فيما أبادوه من تراث هذا العصر الذهبي في تاريخ مصر الإسلامية، فضاع الشعر ولم يبق منه إلا اسم الشاعر أحياناً إن قُدِّر لاسمه البقاء، ونحن لا نتردّد في اتّهام الأيوبيين بجنايتهم على تاريخ الأدب المصري؛ لتعمدهم أن يمحوا كل أثر أدبي يمت للفاطميين بصلة، فقد أحرقوا كتبهم بما فيها من دواوين الشعر خوفاً من أن يكون بالشعر مديح للأئمة وهو كفر بزعمهم.. فضاع أكثر شعر مصر الفاطمية بسبب هذا التعصب المذهبي)([28])

وأشار باحث معاصر آخر إلى بعض تلك الجرائم؛ فقال: (إن صلاح الدين الأيوبى دمر مصر كلها، ولم يقم بتدمير تاريخ الفاطميين والشيعة فقط، حيث إن تدميره لمكتبة دار الحكمة والتي كانت تحوى أكثر من مليوني كتاب، وبيعه لكتب الفاطميين بالبخس يعد بمثابة جريمة حضارية في حق المصريين جميعاً، كما قام ذاك المجرم بهدم أهرامات الجيزة، والتي كان عددها 18 هرماً بجوار الأهرامات الثلاثة الموجودة حالياً، والتي لم يتمكن من هدمها)([29])

وقال آخر بعد أن ذكر بعض مظاهر جرائمه في حق الثقافة: (ولكن ما يهم في الخبر هو إحراقه لمكتبة دار الحكمة والتي احتوت على مليوني كتاب، بما فيها من كنوز ونفائس علمية وفلسفية لا تقدر بثمن وهذا بحد ذاته جريمة حرب لا تختلف كثراً عما فعله التتار في بغداد حين رموا بكل كتبها ونفائسها الفكرية في نهر دجلة الذي يقال بأنه بقي سبعة أيام أسود اللون بسبب حبر الكتب التي صبغته وتعبيراً رمزياً عن حزن أنهر على تلك الجريمة التتارية الهمجية)([30])

ثم تساءل بصدق قائلا: (ماذا تفرق جريمة صلاح الدين عن جريمة التتار؟.. وهل جرائمه مباحة وجرائم الغير مدانة؟.. لماذا ندين التتار ونشتمهم ليل نهار، ونمجد هذا المجرم وننتج عنه مسلسلات تضعه في مراتب قدسية بين الناس؟.. ولماذا لا ننتج نفس المسلسلات عن هولاكو وتيمورلنك باعتبار أن ما فعلوه لا يختلف كثيراً عما فعله هذا المجرم الأفاك السفاك للدماء؟ كما أن تدميره لمعالم حضارية وأوابد تاريخية عظيمة كأهرامات مصر، يعتبر جريمة حرب موصوفة وبربرية وهمجية ضد الإنسانية، باعتبارها أصناماً، ومعالم حضارية، وكلنا علم ودراية بحقد وكراهية واحتقار الثقافة البدوية لكل ما هو حضاري وجمالي وشريف ونبيل، وليأتي بعد حاولي ثمانية قرون من الزمن من يقلده في ذلك من أحفاده من الطالبان في تدمير تماثيل بوذا في باميان في العام 2000) ([31])

وما ذكره الباحث صحيح بالنسبة للذين يستعملون معايير واحدة في مناقشة القضايا، ولا يطففون الموازين، أما الذين لا يفعلون ذلك؛ فهم متناقضون لدرجة لا يمكن تصورها، حيث أنهم يمدحون شخصا بما يذمون به غيره، وهذا ما أدى إلى انفصام في شخصية من يحاول إقناع عقله بالمتناقضات.. ففي الوقت الذي يزعمون فيه أن الإسلام دين رحمة، يقدمون للتعريف به كل أنواع الوحشية والقسوة التي ورثوها من الشخصيات التي عاشوا حياتهم كلها يدافعون عن جرائمها.

يقول نفس الكاتب معلقا على تلك الجرائم الثقافية التي ارتكبها صلاح الدين: (لا يمكن تبرير وتجميل وتقديس كل ذاك القتل والإجرام والتدمير والحرق والسحل والهمجية وزهق الأرواح لأي كان وتحت أية ذريعة، ولا يمكن النظر إليه، وفق مبدأ وحدة المعايير القيمية والأخلاقية، إلا وفق إجرام متأصل ونفوس مأزومة ومنحرفة وشاذة ومريضة عندها عشق غريب لرائحة الدم ونزوع فطري وشبق حسي لسماع أنين الأرواح المزهوقة والنفوس المسحوقة، ولا يجب استثناء أي كان منها، وإلا لوجب علينا أيضاً تصديق مزاعم ومبررات كل القتلة والسفاحين ومجرمي الحرب الكبار في التاريخ من قابيل وحتى ميلوزوفيتش) ([32])

وفوق ذلك كله قام صلاح الدين بإحياء سنة قتل المفكرين والفلاسفة والباحثين الذين يختلف معهم، ولذلك نال اهتماما من السلفيين والحركيين الذين لا يؤلمهم شيء، كما تؤلمهم الحرية الفكرية، وقد قال بعض هؤلاء يشيد بجرائمه في هذا المجال في مقال تحت عنوان [صلاح الدين يقتل السهرَوردي الزنديق]: (لصلاح الدين الأيوبي الكثير من الأعمال والفضائل منها ما هو عسكري، ومنها ما هو ديني وثقافي، وغير ذلك، وإذا كانت شخصية صلاح الدين انطبعت في ذهن الناس بمظهر العسكري والمجاهد، الذي يقارع الصليبيين، ويفتح البلدان وخاصة بيت المقدس، ويدافع عن بلاد المسلمين، فإن جوانب أخرى في شخصية صلاح الدين جديرة بالدراسة والتأمل.. إحدى تلك الجوانب تتمثل باهتمامه بنشر مذهب أهل السنة، وإقامة المدارس والأوقاف لذلك، خاصة في مصر، التي عانت أكثر من قرنين من الزمان من حكم الدولة العبيدية الفاطمية، وهي دولة شيعية إسماعيلية. ومع حرص صلاح الدين على مذهب أهل السنة، ومحاربة ضلالات العبيديين، اهتم بمحاربة الأفكار المنحرفة المنضوية تحت لواء أهل السنة، كما تمثل ذلك في مصادقته على حكم الإعدام بحق أحد الزنادقة المتصوفة، المعروف بالسهروردي المقتول سنة 587هـ)([33])

وهكذا أصبح قتل الفلاسفة والمفكرين منقبة من المناقب، وكيف لا تكون كذلك، وهم ورثوا من أسلافهم من الفئة الباغية تلك الجرائم التي يندى لها الجبين في قتل المثقفين بحجة الردة والزندقة.

وقد ذكر صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (المتوفى: 764هـ) الجنابة التي جناها السهروردي على نفسه عندما حدثها بالجلوس إلى أولئك الظلمة، فقال: (ودخل ـ أي السهروردي ـ إلى حلب، واجتمع بالظاهر غازى ابن صلاح الدين، واستماله، وأراه أشياء، فارتبط عليه؛ فبلغ الخبر صلاح الدين، فكتب إليه يأمره بقتله ـ طبعا من دون محاكمة ـ وصمم عليه، فاعتقله في قلعة حلب؛ فلما كان يوم الجمعة بعد الصلاة سلخ ذي الحجة سنة سبع وثمانين وخمس ماية أخرجوه ميتا من الحبس؛ فتفرق عنه أصحابه، وقيل صلب أياما)([34])

أي أنه قتله بإحدى الطريقتين: إما صبرا بحبسه وتجويعه إلى أن مات حتف أنفه، وإما بصلبه.. والعجيب أن هؤلاء الذين يروون هذه القتلة البشعة التي قتل بها السهروردي هم أنفسهم الذين يروون قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (عُذّبت امرأة في هرّة، سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار؛ لا هي أطعمتها، ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)([35])

وهكذا فعل صلاح الدين وابنه بالسهروردي، والذي ذكر المؤرخون أنه بعد أن عاين ما عاين من تلك القلوب القاسية راح يردد نادما:

أرى قدمى أراق دمي.. وهان دمي فها ندمي

إلى حتفي سعى قدمي.. أرى قدمي أراق دمي

فلم أنفك من ندم.. وليس بنافعي ندمي)([36])

ونحب أن نذكر بأن السهروردي الذي قتل هذه القتلة الشنيعة هو نفسه صاحب القصيدة التي لا تزال تردد في المجامع الصوفية، ويردد معها للأسف الترضي على قاتله صلاح الدين الأيوبي، والتي يقول فيها:

*أبدا تحن إليكم الأرواح       =ووصالكم ريحانها والراح

وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم=           وإلى لذيذ لقائكم ترتاح

وا رحمة للعاشقين تكلفوا=    ستر المحبة والهوى فضاح

بالسر إن باحوا تباح دماؤهم =وكذا دماء العاشقين تباح

وإذا هم كتموا تحدث عنهم   =عند الوشاة المدمع السفاح*

ولم يكن السهروردي سوى ضحية من ضحايا صلاح الدين وأبنائه وأسرته.. ومن شاء أن يسأل عن المزيد فيمكنه أن يذهب إلى جبال العلويين، ويسألهم عن سر هربهم لتلك الجبال، وسيجيبونه عن المآسي التي فعلها بهم صلاح الدين، لا لشيء إلا لكونهم يخالفون طائفته، والتي لم يكن يهمها منها إلا سلطته واستبداده.

يقول أحد الباحثين العلويين المعاصرين معبرا عن بعض ما حصل لهم في عهد صلاح الدين: (قام صلاح الدين الأيوبي، بحبس بقايا العلويين في مصر، وفرّق بين الرجال والنساء حتى لا يتناسلوا، وأبادَ المكتبات العلمية وأتى على محتوياتها، وحين ضمّ الشام إلى ملكه سنة 569 هـ، ساءت في عصره حالة العلويين أكثرهم، وذلك لحرمانهم إعلان حرية اعتقادهم فخلدوا حينها إلى السكينة والهدوء حفاظاً على أنفسهم من الإبادة والتنكيل، وبقي بعدها الأيوبيون يُضيّقون على العلويين الخناق ويُبعدونهم عن موارد الحُكم، حتى لجأوا حينها إلى العَيش في أكناف الجبال، لضعفهم عن المقاومة)([37])

9 ـ صلاح الدين.. والتسامح مع الصليبين:

في مقابل تلك الشدة مع الفلاسفة والمفكرين والفاطميين والعلويين وعامة الناس من المستضعفين تذكر لنا كتب التاريخ المدى الذي بلغه تسامحه مع الصليبيين إلى الدرجة التي جعلتهم يشيدون به، بل يذكرونه في أشعارهم؛ بل إن الشاعر الإيطالي الكبير دانتى اعتبر صلاح الدين الأيوبي في ملحمته الكبرى (الكوميديا الإلهية ([38])) من أنبل نبلاء العصور كلها، واستثناه فى ملحمته من دخول النار هو، والاسكندر الأكبر.

ونحن لا ننكر قيمة التسامح، ولكن ننكر توجيهها إلى غير محلها، وحرمان محالها منها؛ فقد كان أولى الناس بتسامحه أولئك المستضعفين الذين قهرهم، وأولئك الفلاسفة الذين قتلهم، وأولئك الشباب الأغرار الذين قضى عليهم في حروبه التي خاض أكثرها مع المسلمين لا مع الصليبيين، ومن أجل نفسه لا من أجل شيء آخر.

وهذا يدل على ضعف الارتباط بالقيم القرآنية، وتطبيقها في جميع شؤون الحياة، فقد وصف الله تعالى المؤمنين بالرحماء مع المسالمين، والأشداء مع المستكبرين، الذين عبر عنهم بلفظ الكافرين، فقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } [الفتح: 29]

وقد كان الصليبيون كما يذكر المؤرخون يمثلون قمة الطغيان والاستكبار والظلم، وأول دلائل ذلك هو استعمارهم لبلاد العالم الإسلامي، وكان الأصل محاربتهم والتشدد في ذلك، لا توفير المدد لهم ليبقوا، بل ليستمر بقاؤهم فترة طويلة، وقد كان من أهم الركائز التي اعتمدوا عليها في بقائهم ذلك الصراع الداخلي بين المسلمين، والذي كان صلاح الدين يشكل ركنا مهما من أركانه.

ولكن مع كل ذلك نجد العاشقين لصلاح الدين الأيوبي لا يكفون عن الثناء عليه في هذه الناحية، متغافلين عن السلبيات المرتبطة بها، في نفس الوقت الذي يثنون فيه قضاءه على الفاطميين، ومحاولته استئصالهم، بل يذكرون من حسناته منعه لتزاوجهم حتى يقطع نسلهم([39])، وحرقه لكتبهم، وكل ما يرتبط بهم حتى لا يبقى لهم أدنى وجود.

وهذا يبين مدى تغلغل الطائفية والأحقاد المرتبطة بها بالنفوس المريضة إلى الدرجة التي تفضل فيها السماحة مع العدو الذي لا شك فيه، في نفس الوقت الذي يحارب فيه المسلم الذي لا شك فيه.. وهو ما يمارسه الآن الدعاة والمفكرون من أعداء إيران الذين اشتغلوا بعداوتها عن عداوة إسرائيل وأمريكا.

وقد كتب بعضهم في مقال له بعنوان [صلاح الدين الأيوبي أنموذج باهر للتسامح الإسلامي] يقول: (رغم تعدد وتنوع صور وصفحات التسامح في تاريخنا الإسلامي، فإن معاملة صلاح الدين الأيوبي للصليبيين في الحرب والسلم تقدم أنموذجا باهراً لسمو التسامح الإسلامي ومقاصده في الحضارة الإسلامية، وهو ما يؤكد أن هذا التسامح هو الذي جعل الحضارة الإسلامية الحلقة الذهبية في سلسلة الحضارات الإنسانية التي حققت للبشرية ما تصبو إليه من العيش الكريم في رحاب الطمأنينة والأمن والأمان.. وقد اتسم صلاح الدين في معاملته للصليبيين بالالتزام الدقيق بالتعاليم الإسلامية التي تنادي بتكريم الإنسان واحترام مشاعره، وذلك انطلاقاً من إيمانه العميق بأن البشر أبناء أسرة واحدة عملاً بقول الحق سبحانه وتعالى: { يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13])

ثم ضرب نموذجا لذلك التسامح بما فعله مع أخطر حصون الصليبيين في بلاد الشام وهو حصن الكرك، وسننقل ما قاله حرفيا، لنرى نوعية الناس الذين يتسامح معهم في نفس الوقت الذي يقتل فيه الصوفية والفلاسفة والعلويين.

يقول صاحب المقال: (وتنقل لنا كتب التاريخ ما حدث في الحصن وموقف صلاح الدين الأيوبي فتقول: شيد الصليبيون هذا الحصن سنة 1141م في إقليم شرق الأردن، وذلك في مكان منيع يقوم على تل يعرف باسم حجر الصحراء يقع إلى الجنوب من البحر الميت، وكان لموقعه أهمية كبرى في مضايقة المسلمين، إذ يسيطر على الطرق الممتدة من مصر وغربي بلاد العرب إلى بلاد الشام، وتولى الإشراف على هذا الحصن أخطر أمراء الصليبيين وهو رينالد دي شاتيون الذي عرف عند العرب باسم أرناط، واشتهر بأنه لا يقيم للعهود والمواثيق وزناً أو احتراماً، كما دأب على قطع الطريق من هذا الحصن على قوافل المسلمين التجارية بين العراق وبلاد الشام ومصر، فضلاً عن مهاجمة قوافل الحجاج المسلمين الذين يتجهون لأداء فريضة الحج في مكة والمدينة المنورة، لذلك كان من أهم أهداف صلاح الدين الأيوبي الدفاعية والوقائية تدمير هذا الحصن وسيده الجاحد الغادر، فطالما بقي هذا الحصن في يد رينالد دي شاتيون (أرناط) فلا أمن ولا أمان للمسلمين في تصريف تجارتهم وأداء فريضة الحج. وأتم صلاح الدين استعداده للهجوم على هذا الحصن وعسكر أمام أسواره فعلاً في نوفمبر سنة 1183م)([40])

وكان الأصل ـ كما هو معلوم في الحروب ـ أن يهجم على الحصن في أقرب فرصة ممكنة، لكنه لم يفعل، وترك جنوده ينتظرون، ويرهقون، بسبب بسيط وهو إتاحة الفرصة لأهل هذا الحصن الظالم بأن يحتفلوا ببعض الأعراس، في نفس الوقت الذي حرم فيه السهروردي الفيلسوف والصوفي من الطعام، وتركه يموت جوعا، وحرم الفاطميين والعلويين من التزاوج أصلا.

يقول كاتب المقال يصور مدى تسامح صلاح الدين مع أولئك الذين كانوا يقطعون طرق المسلمين، ويقتلونهم، ويستولون على أموالهم: (وتصادف في هذا الشهر أن الصليبيين كانوا قد قرروا عقد حفل زواج مهيب في هذا الحصن الشهير وأعدوا العدة وهيّؤوا كل مظاهر الفخامة والأبهة للاحتفال بالعرس.. وأخذ كبار المدعوين من الصليبيين يتوافدون إلى حصن الكرك لحضور حفل الزفاف دون أن يدروا أن صلاح الدين في الطريق لحصار هذا الحصن المنيع، وما كاد الصليبيون يبدؤون مراسم الاحتفال وتعزف الموسيقى، وتأخذ الراقصات في إدخال البهجة على نفوس الحاضرين، حتى أفزعتهم الأنباء عن الوصول المفاجئ لقوات صلاح الدين تحت قيادته شخصياً وإلقائه الحصار على الحصن، وأن مجانيقه أخذت ترمي الأبراج الأمامية للحصن، وسيطر الفزع على الصليبيين وبخاصة حين هرب سيد الحصن نفسه أرناط، وهنا أقدمت والدة العريس على خطوة تعرف وقعها على صلاح الدين الأيوبي بما اشتهر عنه من روح إنسانية نبيلة وإيثاره التسامح في جميع أعماله حتى في العمليات الحربية نفسها، إذ أعدت صحونا من طعام العرس، وبعثت بها إلى صلاح الدين، وأرسل صلاح الدين مقابل ذلك يسأل بأي الأبراج ينزل العروسان؟ ثم أصدر الأوامر بألا يتعرض هذا البرج للقصف من أدوات الحصار، وبرغم سيطرته الكاملة على الموقف وقدرة قواته على تحقيق أهدافها وتدمير الحصن الذي يسبب إزعاجاً مستمراً للمسلمين، ويعطل مصالحهم ويقف في طريق أدائهم لعبادة الحج.. فإن إنسانية صلاح الدين وحرصه على تطبيق كل قيم ومبادئ التسامح، فرضت عليه أن يستجيب لطلب الصليبيين عقد هدنة تتيح لضيوف العرس الحرية في العودة إلى ديارهم)([41])

ولسنا ندري ما نذكره عن هذا الموقف، وكيف يمكن أن يكون الحصن محاصرا في نفس الوقت الذي يقدم فيه أهله على القيام بعرس بالأوصاف التي ذكرها الكاتب؟.. وهل يمكن لقائد عسكري أن يقبل طعاما ـ قد يكون مسموما ـ من عدوه؟.. ولم لم يعمم ذلك التسامح مع المسلمين المستضعفين؟، وأسئلة كثيرة كان ينبغي للكاتب أن يجيب عنها قبل أن يكتب قصيدته عن هذا المجد المزيف.

ولم يكن الأمر قاصرا على ذلك التسامح الذي قد نقبله على مضض، لكن المشكلة الأكبر هي تسامحه مع المحاربين، ليستعيدوا عافيتهم وقدرتهم من جديد، وقد رأينا كيف عادت القدس بعد فترة وجيزة من تحريرها إلى الصليبيين، لأن الحروب التي كان يقيمها صلاح الدين لم يكن هدفها طرد الصليبيين أو استئصالهم عن بكرة أبيهم كما فعل مع الفاطميين، وإنما كانت مجرد معارك محدودة، وفي أماكن ترتبط بمصالحه، وحتى يعطي لنفسه بعض المصداقية، وإلا فإن الحرب التي لا تقضي على العدو ستزيد في قوته، وهو ما حصل بالفعل.

يقول صاحب المقال مثنيا على تسامحه مع المحاربين من الصليبيين: (وتتجلى أيضاً إنسانية صلاح الدين الأيوبي في التعامل مع أسرى الصليبيين والاستجابة لمطالبهم المشروعة وعدم إهدار حق واحد من حقوقهم) ([42])

ثم ينقل عن الدكتور عبدالمقصود باشا ـ أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر ـ قوله: (لم تكن فكرة الانتقام تسيطر أبداً على صلاح الدين الأيوبي وقواته كما كان الأمر في القوات المعادية، بل كان يقدم للصليبيين كل ألوان السمو في التسامح، خاصة حين سار بعد انتصاره في حطين إلى بيت المقدس لاستردادها، إذ أكرم كل من استسلم له من كبار الصليبيين الذين كانوا يمتلكون مدن الساحل الفلسطيني ومن بين هؤلاء كونتيسة طرابلس، فقد سلمت له مدينة طبرية وعاملها صلاح الدين بما يليق بها من الحفاوة والتشريف، حيث أذن لها ولحاشيتها بالتوجه إلى طرابلس. وتحرك صلاح الدين بعد ذلك إلى مدينة عسقلان، وكانت تقف عقبة في طريق مصر والشام، وهناك اجتمع مع أخيه الملك العادل، ومن معه من عسكر مصر، وحاصروا المدينة، وكان ملك بيت المقدس أسيراً عند السلطان منذ موقعة حطين، فأرسل إلى السلطان في أن يطلقه مقابل نصحه للصليبيين الموجودين في عسقلان بترك المقاومة وتسليم المدينة، فوافق صلاح الدين على ذلك وقد استجاب الصليبيون للنصح بعدما تأكدوا من حرج موقفهم وطلبوا الأمان وتسليم المدينة، فأجابهم صلاح الدين وخرجوا بنسائهم وأولادهم وأموالهم إلى بيت المقدس آمنين، وتسلم صلاح الدين المدينة بعد احتلال صليبي لها مدته خمسة وثلاثون عاماً) ([43])

ولو أن صلاح الدين أمرهم بالعودة إلى البلاد التي جاءوا منها، لكان ذلك مقبولا، لكنه تركهم يعودون إلى بلاد أخرى يحتلونها من بلاد المسلمين، ليستعيدوا قوتهم، ويبدؤوا الغارات من جديد، وقد حصل ذلك بالفعل، بل إن الكتاب الولهان بصلاح الدين نفسه يذكر ذلك، فقد قال: (وتسجل صفحات التاريخ أن صلاح الدين أوفى بوعده مع ملك بيت المقدس، إذ أطلق سراحه في أثناء حصاره لحصن الأكراد، وشرط عليه ألا يشهر في وجه السلطان سلاحاً أبداً، فوافق على ذلك، لكنه ما إن بلغ مأمنه في صور حتى نسي العهد وانضم هناك إلى الصليبيين في قتال صلاح الدين. وسمح صلاح الدين لأهل عسقلان بعد استسلامهم بأن يغادروها وأن يحملوا معهم أمتعتهم، وتولى عساكر صلاح الدين حراستهم إلى مصر حيث جرى توفير أسباب الراحة لهم في أثناء مقامهم بالإسكندرية حتى يتم ترحيلهم إلى بلادهم في أوروبا) ([44])

وبناء على هذا نرى مدى حب الغربيين لصلاح الدين الأيوبي، وحق لهم ذلك، فقد كان سببا من الأسباب الكبرى لبقائهم وتمددهم في البلاد الإسلامية فترة طويلة، ولو أنه استمر في الحكم هو وأسرته لما خرجوا منها أبدا.

ومن الأمثلة على تلك الأقوال التي يوردها في العادة الممجدون لصلاح الدين الأيوبي، والمشيدون بسماحته مع الصليبيين ما قاله كولونيل البريطاني الذي اتجه في نهاية عمره لدراسة الإسلام: (لما غزا الصليبيون الأرض المقدسة سنة (1099م)، خلفوا وراءهم في كل مكان الموت والدمار، بيد أنه لما رد صلاح الدين الصليبيين على أعقابهم، لم يلجأ إلى وسائل الانتقام، ولم يخرب المسلمون الأماكن التي فتحوها، كما فعل المقاتلون الدينيون السابقون لهم من الممالك الأخرى، فأينما وضعوا أرجلهم نشأ شيء جديد أسمى وأفضل مما كان قبلا)([45])

ويقول المستشرق الفرنسي جوستاف لوبون: (لم يشأ السلطان صلاح الدين أن يفعل في الصليبيين مثل ما فعله الصليبيون الأولون من ضروب التوحش، فيبيد النصارى عن بكرة أبيهم؛ فقد اكتفى بفرض جزية طفيفة عليهم مانعا سلب شيء منهم)([46])

وتقول المستشرقة الألمانية المعروفة زيجريد هونكه: (حين تمكن صلاح الدين الأيوبي من استرداد بيت المقدس (583هـ ـ 1187م) التي كان الصليبيون قد انتزعوها من قبل (492هـ ـ 1099م) بعد أن سفكوا دماء أهلها في مذبحة لا تدانيها مذبحة وحشية وقسوة؛ فإنه لم يسفك دم سكانها من النصارى انتقاما لسفك دم المسلمين، بل إنه شملهم بمروءته، وأسبغ عليهم من جوده ورحمته، ضاربا المثل في التخلق بروح الفروسية العالية، وعلى العكس من المسلمين، لم تعرف الفروسية النصرانية أي التزام خلقي تجاه كلمة الشرف أو الأسرى)([47])

ويقول جون فيفر: (إن الصليبيين ادعوا أن العرب المسلمين المشارقة كانوا قساة متوحشين في جوهرهم على نحو لا مثيل له، حتى على الرغم من أن المجازر الرهيبة التي ارتكبت في القدس والقسطنطينية وجزيرة قبرص، ما فتئت تشكل نقيضا صارخا لتاريخ الفتوحات الإسلامية في تلك الحقبة. فقبل أربعمائة سنة من إغراق الصليبيين القدس في الدماء، لم يأمر الخليفة عمر بقتل أحد عندما تولى أمر المدينة.. وفي وقت لاحق، عندما استرد القائد الإسلامي الشهير صلاح الدين القدس من الصليبيين في عام 1187، اقتدى بعمر وحذا حذوه، فلم يكتف بالسماح للبطريرك المسيحي بمغادرة المدينة مع أتباعه، بل سمح لهم إلى ذلك بحمل ثرواتهم معهم)([48])

وغيرها من المقولات الكثيرة التي لا ندري في أي محل نصنفها، هل في خانة التسامح الديني، أم في خانة الغفلة والغباء السياسي والعسكري، ذلك أن تلك الأموال التي سمح لهم بأخذها هي التي كانت سندا لهم في إعادة احتلالهم للقدس من جديد، بالإضافة لكون تلك المعاملة سببا في رفع الهيبة من الجندي المسلم الذي يتقن فن التسامح مع الآخر في نفس الوقت الذي لا يبدي فيه أدنى شفقة لأخيه المسلم.

10 ـ صلاح الدين.. والتسامح مع اليهود:

لم يكتف صلاح الدين الأيوبي بكل ذلك التسامح الذي مارسه مع الصليبيين في مقابل التشدد الذي مارسه مع المخالفين له من المسلمين، بل إنه أضاف إلى ذلك إضافة خطيرة لا نزال نعيش آثارها إلى اليوم.. وبسببها يحبه اليهود، وخصوصا الصهاينة منهم، كما تذكر ذلك كتبهم، وهي التمكين لهم في القدس التي كان الصليبيون يحرمونهم من السكن فيها.

وقد بدأت علاقة صلاح الدين باليهود من اختياره لطبيبه ومستشاره الخاص الطبيب والفيلسوف اليهودي المعروف موسى بن ميمون القرطبي (1135 – 1204)، والذي اختاره ليكون بجنبه دائما في نفس الوقت الذي كان يقتل فيه فلاسفة المسلمين وأطباءهم.

ولسنا ندري سر اختياره ليهودي يكون طبيبا خاصا به، وهل ذلك لقلة أطباء المسلمين، وهو غير صحيح؛ فقد ازدهر الطب في مصر وغيرها إبان الحضارة الفاطمية، التي كانت تعنى عناية كبيرة بالطب وغيره، وهذا بشهادة جميع المؤرخين، وقد قال بعض الباحثين في ذلك: (كان الحكام الفاطميون أئمة للمسلمين.. تمتعوا بازدهار واحترام كبير نتيجةً للإدارة الماهرة والإستقرار الإقتصادي لحكومتهم، أسسوا المشافي والمكتبات والمساجد والمدارس بالإضافة لمرصد فلكي، ودعموها بسخاء، ومن بين ما أسسوه كانت جامعة الأزهر الشهيرة (970 م) في القاهرة، ودار العلم (1005 م). وكان تعلم وممارسة الفنون العلاجية قد تطور بسرعة مع إحياء العلوم التطبيقية والفنون الأخرى. يبدو هذا ملحوظاً بشكل أكبر عندما ينظر المرء إلى اتساع الإمبراطورية الفاطمية، والتي امتدت من الساحل الأطلسي للمغرب مروراً بمصر، وسورية وفلسطين شرقاً، وشبه الجزيرة العربية واليمن جنوباً. تطورت الأنشطة التقنية والفنية بشكل رائع في كنف هذه الحضارة الرائعة، وتمت رعاية التعليم بسخاء، كما كُرمت المهن الصحية بشكل كبير)([49])

أم أن سبب ذلك يعود لعدم ثقته في أطباء المسلمين، وخشيته منهم، لكثرة حروبه معهم، أم يعود لما ذكره الذهبي عنه حين قال: (وكان صلاح الدين شحنة دمشق، فكان يشرب الخمر، ثم تاب، وكان محبَّباً إلى نور الدين يلاعبه بالكرة)([50])

ومثله قال كمال الدين ابن العديم: (فأرسل العاضد إلى صلاح الدين، وأحضره عنده، وولَّاه الوزارة بعد عَمِّه، وخلع عليه، ولقَّبه بالملك الناصر، فاستتبَّت أحواله، وبذل المال، وتاب عن شرب الخمر، وأخذ في الجد والتشمير في أموره كلها)([51])

ومثلهما نقل أبو القاسم شهاب الدين المقدسي الدمشقي المعروف بأبي شامة عن قاضيه ورفيقه ابن شدَّاد([52]): (كان أسد الدين كثير الأكل، شديد المواظبة على تناول اللحوم الغليظة، تتواتر عليه التخم والخوانيق، وينجو منها بعد معاناة شدّة عظيمة، فأخذه مرض شديد، واعتراه خانوق عظيم فقتله، رحمه الله تعالى، وفُوِّض الأمر بعده إلى صلاح الدين، واستقرت القواعد، واستتبت الأحوال على أحسن نظام، وبذل الأموال، وملك الرجال، وهانت عنده الدنيا فملكها، وشكر نعمة الله تعالى عليه، فتاب عن الخمر، وأعرض عن أسباب اللهو، وتقمّص بلباس الجد والاجتهاد، وما عاد عنه، ولا ازداد إلا جدًّا إلى أن توفاه الله تعالى إلى رحمته)([53])

وطبعا هذه الشهادة الأخيرة خصوصا لا تعجب الممجدين لصلاح الدين الأيوبي، ذلك أنهم يصورونه بصورة مختلفة تماما عن تلك الصورة التي يصوره بها المؤرخون، ونحن لا يعنينا شربه للخمر، أو عدم شربه لها، ولكن يعنينا الخطر اليهودي الذي تسلل إليه، والذي قد يكون له دور في توجيه معاركه.

فالكثير من المحققين الذين تخلصوا من الكذب على أنفسهم يذكرون الدور الذي قام به ابن ميمون اليهودي في توطين اليهود في فلسطين، ليكون نواة لما نعيشه اليوم من احتلال وظلم.

بل إن اليهود أنفسهم يشهدون بذلك، ويقرون به، ولذلك ذكرنا أنهم يؤمنون على كل من يدعو بعودة صلاح الدين الأيوبي، لأنه الوحيد الذي يتيح لهم تحقيق أحلامهم بإسرائيل الكبرى، وقد قال بعضهم يشيد بالخدمات التي قدمها صلاح الدين لليهود في كتابه [الديانة اليهودية وموقفها من غير اليهود]: (إن فضل صلاح الدين على الطوائف اليهودية أولا فى مصر، ثم فى أجزاء أخرى من امبراطوريته التى ازدادت اتساعا، لا يرجع الى صفاته الشخصية فى التسامح والاحسان والحكمة السياسية العميقة وحسب، بل يرجع أيضا إلى صعوده للسلطة كقائد متمرد لجيوش مرتزقة حديثة العهد فى مصر، وبعدئذ كمغتصب لسلطة الأسرة التى خدمها هو ووالده وعمه من قبل) ([54])

ويقول: (من المؤكد أن شخصية صلاح الدين، فى سياق الفترة التى عاش فيها، تستوجب الاحترام العميق، ومع هذا الاحترام لا أنسى من جانبى أن الامتيازات التى منحها للطائفة اليهودية فى مصر، واختياره لابن ميمون رئيسا لها قد أدت على الفور لاضطهادات دينية حادة للخطاة اليهود على يد الحاخامات، مثلا، كان من المحظور على الكهنة اليهود (الذين يفترض بأنهم ينحدرون من أصلاب الكهنة القدامى الذين خدموا الهيكل) ليس الزواج من العاهرات وحسب، بل والمطلقات أيضا، وقد انتهك هذا الحظر الاخير، الذى طالما سبب المشاكل، خلال فترة الفوضى فى عهد أواخر الحكام الفاطميين (حوالى 1130 – 1180) من جانب أولئك الكهنة الذين خلافا للشريعة الدينية اليهودية، تزوجوا من مطلقات يهوديات على يد قضاة فى محاكم إسلامية، وقد أتاح التسامح الاكبر، الذى أبداه صلاح الدين تجاه اليهود عند توليه الحكم لابن ميمون اصدار أوامر للمحاكم الحاخامية فى مصر لإلقاء القبض على جميع اليهود، الذين تزوجوا زيجات محظورة كهذه، وجلدهم حتى الموافقة على تطليق زوجاتهم)([55])

وجاء في مقال آخر عن ابن ميمون، ودوره في سياسة صلاح الدين الأيوبي، وتحت عنوان [ابن ميمون سياسيًّا مُحنكًا.. اليهود في دولة الخلافة]: (إلى جانب تميّز موسى بن ميمون في النواحي الطبية، والدينية، والفلسفية، لم يكن الحبر اليهودي الفيلسوف أقل تميزًا في الناحية السياسية. تُشير بعض روايات المؤرخين أن الصلة التي جمعت بين ابن ميمون وصلاح الدين الأيوبي ووزيره القاضي الفاضل، لا ترجع فقط إلى تقدير السلطان الأيوبي ووزيره لقيمة ابن ميمون في الطب والفلسفة، بل أيضًا لمعرفتهما بمدى مهارته، وحذقه، وحنكته السياسية)([56])

والأخطر من ذلك كله هو ما أشارت إليه صاحبة المقال بقولها: (تُشير تراجم ابن ميمون إلى أن صلاح الدين كان ينتفع بما لدى الحبر اليهودي من لطف التدبير، والمكانة، والقبول عند يهود اليمن في تهدئة الثورات، التي كانت تنشب في تلك البلاد. أيضًا استخدم ابن ميمون نفوذه في بلاط السلطان لحماية يهود مصر، وعلاوة على ذلك، عندما فتح صلاح الدين فلسطين؛ أقنعه ابن ميمون بالسماح لليهود بالإقامة فيها من جديد)

ثم قالت معقبا: (مكنت علاقة ابن ميمون الوثيقة بالسلطان الأيوبي صلاح الدين، من إقناعه بالسماح لليهود بالإقامة في القدس بعد تحريرها، وبناء المعابد والمدارس الخاصة بهم، بعدما حظر الصليبيون عليهم الإقامة فيها، أثناء احتلالهم المدينة. بالإضافة إلى ذلك، تُشير بعض المصادر التاريخية إلى دور ابن ميمون في إقناع صلاح الدين بمحاربة دولة بني مهدي في اليمن والقضاء عليها، بعد أن علم بما يفعله به حكامها من اضطهاد ليهود اليمن، وإجبارهم على اعتناق الإسلام)

أظن أن ما ذكرنا من أمثلة ونماذج عما قام به صلاح الدين الأيوبي في خدمة الصليبيين واليهود، في نفس الوقت الذي قام فيه بتدمير العالم الإسلامي وتقسيمه وإشاعةالفوضى فيه، كافية للإجابة على السؤال الذي طرحناه عن سبب حب الصهاينة وغيرهم له.

وهي موجهة طبعا لأصحاب العقول الذين يفكرون ويبحثون، لا الذين يريدون الكذب على أنفسهم وعلى التاريخ، ولا يريدون لعقولهم أن تتخلى عن الأكاذيب التي نشرها المستبدون لتكون سندا لهم في استبدادهم.

ومن العجيب أن أولئك الذين ينكرون على الشيعة أو صوفية المسلمين انتظارهم للإمام المهدي، وشعورهم بالأمل عند ذلك الانتظار هم أنفسهم الذين يقبلون تلك الصيحات التي تدعو صلاح الدين للعودة، بل هم أنفسهم يدعون معهم لعودته.

ولست أدري أيهما أكثر خرافة، هل ذلك الذي ينتظر الموعود الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل أخبر عنه القرآن الكريم، بل أخبر عنه جميع الأنبياء.. والذي يمثل كل القيم النبوية النبيلة.. أم ذلك الذي رأينا بعض أعماله وبطولاته في الفتنة وسفك الدماء وتقسيم البلاد؟

وطبعا نحن لا ندعو إلى قبول كل ما ذكرناه في هذا المقال، وإنما ندعو فقط إلى التخلص من ذلك التقديس المزيف، والهالة الكاذبة، والقيام بالبحث الجدي للتعرف على الحقائق من مصادرها، لأنه لا يمكننا أن نصحح واقعنا، ونحن نعيش عالم الأوهام.


([1]) رواه البخاري 11/ 417 ، ومسلم رقم (2643)

([2]) شذرات الذهب في أخبار من ذهب 4/299..

([3]) الكامل في التاريخ 11/346.

([4]) زبدة الحلب من تاريخ حلب: 357.

([5]) أطلس تاريخ الإسلام: 269.

([6]) المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (خطط المقريزي) 3/409.

([7]) الفتح القسي في الفتح القدسي: 316.

([8]) الشَّوْبَك: قلعة حصينة بأطراف الشام بين عمَّان وأيلة والقلزم قرب الكرك. (معجم البلدان 3/370)

([9]) الكامل في التاريخ 11/371.

([10]) المرجع السابق،  11/392.

([11]) المرجع السابق، 11/402.

([12])  انظر مقالا بعنوان: صلاح الدين.. علمهم سماحة الإسلام، محمد عطية، موقع صدى البلد، 23/مايو/2017 ..

([13]) البداية والنهاية 13/7.

([14]) عن كتاب: صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين: 132.

([15]) البداية والنهاية 13/7.

([16])  وفاة صلاح الدين الأيوبي.. محرر القدس، د. راغب السرجاني، موقع  قصة الإسلام، 15/03/2011.

([17])  المرجع السابق.

([18]) المواعظ والاعتبار في الخطط والآثار (خطط المقريزي) 3/409.

([19])  رواه الطبراني في الأوسط، ( مجمع الزوائد) (7/ 274)

([20])  الكامل في التاريخ (10/ 435)

([21])  المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (4/ 222)

([22])  هو الدكتور خليل عثامنة، المؤرخ الإسلامي الفلسطيني وأستاذ التاريخ بجامعة (بير زيت) الفلسطينية، في كتابه (فلسطين في العهدين الأيوبي والمملوكي).

([23])  فلسطين في العهدين الأيوبي والمملوكي، خليل عثامنة، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ص137.

([24])  المرجع السابق، ص136.

([25])  المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (1/ 161)

([26]) صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والصليبيين: 157.

([27])  المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (1/ 210)، وذكره أيضا: عبد اللطيف البغدادي في كتابه (الإفادة والاعتبار في الأمور والمشاهدات والحوادث المعاينة بأرض مصر)

([28]) في أدب مصر الفاطمية: 168.

([29])  انظر مقالا بعنوان: صلاح الدين الأيوبي كمجرم حرب، نضال نعيسة، الحوار المتمدن ، 2010 / 12 / 27 ..

([30])  المرجع السابق.

([31])  المرجع السابق.

([32])  المرجع السابق.

([33])  انظر مقالا بعنوان: صلاح الدين يقتل السهرَوردي الزنديق، مجلة الراصد، العدد التاسع والثلاثون – رمضان 1427 هـ.

([34])  الوافي بالوفيات (2/ 237)

([35])  رواه البخاري 6 / 254.

([36])  الوافي بالوفيات (2/ 237)

([37])  كتاب تاريخ العلويين، محمد امين غالب الطويل، اللاذقية سنه 1924.

([38])  الكوميديا الإلهية ملحمة شعرية طويلة للشاعر الإيطالي دانتي أليجيري، عرفت في الأدب العالمي بهذا الاسم، بدأها دانتي عام 1308م وانتهى منها عام 1321م وموضوعها الرئيسي هو الحياة بعد الموت، ودانتي هو الشخصية الرئيسية فيها.

([39])  أشار المقريزي إلى استعمال الأيوبيين لهذا الأسلوب، فقال: (ولما مات العاضد لدين الله في يوم عاشوراء سنة سبع وستين وخمسمائة، احتاط الطواشي قراقوش على أهل العاضد وأولاده، فكانت عدّة الأشراف في القصور: مائة وثلاثين، والأطفال خمسة وسبعين، وجعلهم في مكان أفرد لهم خارج القصر، وجمع عمومته وعشيرته في إيوان بالقصر، واحترز عليهم، وفرّق بين الرجال والنساء لئلا يتناسلوا، وليكون ذلك أسرع لانقراضهم)، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (2/ 448)

([40])  صلاح الدين الأيوبي أنموذج باهر للتسامح الإسلامي، صحيفة الخليج، ملحق الدين للحياة،  18/06/2010.

([41])  المرجع السابق.

([42])  المرجع السابق.

([43])  المرجع السابق.

([44])  المرجع السابق.

([45])  الرسول: حياة محمد، رونالد ف بودلي، ترجمة محمد محمد فرج وعبد الحميد جودة السحار، (القاهرة: مكتبة مصر، بدون تاريخ)، ص147..

([46])  حضارة العرب، جوستاف لوبون، ترجمة عادل زعيتر، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000م)، ص329.

([47])  الله ليس كذلك زيجريد هونكه، ترجمة د. غريب محمد غريب، القاهرة: دار الشروق، ط2 ( 1996م)، ص34..

([48])  الحرب الصليبية الثانية حرب الغرب المستعرة مجددا ضد الإسلام ، جون فيفر، ، ترجمة: محمد هيثم نشواتي، الدوحة: منتدى العلاقات العربية والدولية، 2015م، ص43.

([49])  انظر مقالا بعنوان: الطب والصيدلة في عهد الفاطميين، مجلة العلم، المجلد التاسع، العدد الثاني، الصفحات 24- 26 في عام 1985.

([50]) سير أعلام النبلاء 22/282.

([51]) زبدة الحلب في تاريخ حلب: 351.

([52]) قال الزركلي في الأعلام 8/230: يوسف بن رافع بن تميم بن عتبة الأسدي الموصلي، أبو المحاسن، بهاء الدين ابن شداد (539 – 632 هـ): مؤرخ، من كبار القضاة. ولد بالموصل، ومات أبوه وهو صغير، فنشأ عند أخواله (بني شدّاد) وشدّاد جدّه لأمه، فنُسب إليهم. وتفقه بالموصل، ثم ببغداد، وتولى الإعادة بالنظاميّة نحو أربع سنين، وعاد إلى الموصل، فدرّس وصنّف بعض كتبه، وسافر إلى حلب، فحدَّث بها وبدمشق ومصر وغيرها، ولما دخل دمشق، كان السلطان صلاح الدين محاصراً قلعة (كوكب) فدعاه إليه، وولّاه قضاء العسكر وبيت المقدس والنظر على أوقافه، واستصحبه معه في بعض غزواته، فدوّن وقائعه وكثيراً من أخباره.

([53]) المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (الخطط المقريزية) 2/292.

([54])  كتاب الديانة اليهودية وموقفها من غير اليهود، شاحاك, إسرائيل، ترجمة وتحقيق: حسن خضر، سينا للنشر، 1994، ص99.

([55])  المرجع السابق، ص99.

([56])  انظر مقالا بعنوان: موسى بن ميمون.. أن تكون يهوديًّا في دولة الخلافة الإسلامية، فاطمة ندى، موقع ساسة بوست، 2018..

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *