الخاتمة

الخاتمة

من أهم النتائج التي يمكن استخلاصها من هذا البحث:

  1. أن الشريعة الإسلامية ثرية بالأساليب والمناهج المختلفة التي يمكن استثمارها في تربية الأولاد، وهي تنسجم تماما مع كل ما توصلت إليه الدراسات النفسية والاجتماعية.
  • أن التربية الشرعية لا تعنى بالهدف بقدر ما تعنى بالوسيلة، لأن الوسيلة الصالحة لا بد أن تحقق الهدف العالي، ولذلك كان من حق الولد أن يربى بالطرق الشرعية الصحيحة التي تحفظ عليه شخصيته السوية، فلا تحرفها لأي غرض.
  • أن الأساليب الشرعية التي وردت بها النصوص لا تعدو الأساليب الأربعة التالية: الموعظة: وهي تمثل كل أساليب التأثير النفسي والعاطفي التي يستعملها المربي مع من يقوم بتربيته، والقدوة: وهي تمثل ناحية مهمة في التربية، لأن المتلقي لا يكتفي بالسماع، بل يقارن ما يسمعه بما يراه، فلذلك يكون تقليده الأعمال والسلوكات في أكثر الأحيان أكثر من استماعه للمؤثرات، والحوار: وهو يمثل كل أساليب الخطاب العقلي الذي لا يقتصر فيه المربي على الإلقاء والتوجيه، بل يستمع للطرف الآخر، ليتعرف من خلال حديثه عن الطريقة التي يعالجه بها ويوجهه، والجزاء: وهو يمثل كل الأساليب التي تخاطب ما في النفس من رغبة ورهبة وغيرها مما قد يؤثر في سلوكها بعد ذلك.
  • أول شرط من شروط الموعظة الحسنة المؤثرة أن تكون صادقة، لأن الكذب لا يمكن أن يؤسس فردا صالحا مؤدبا، والغاية لا تبرر الوسيلة، فلذلك من الأخطاء التي قد يقع فيها بعض الآباء أن يمارسوا الكذب في سبيل تربية أولادهم أو إصلاحهم، وهو أسلوب خاطئ، لأن في الصدق ما يغني عن الكذب.
  • من ضوابط الموعظة الابتعاد عن أسباب الملل كطول الموعظة، أو تكررها، أو إلقائها بأسوب جاف، أو في غير محلها، لأن كل ذلك يصيب المستمع بالملل والسآمة، وهو ما يجعل أثر الموعظة ضعيفا، بل قد ينعكس أثرها إلى عكس ما أراده الواعظ.
  • من ضوابط الموعظة البساطة، ونعني بها عدم التكلف في الموعظة سواء في طريقة إلقائها أو أسلوبها أو المحل الذي تلقى فيه.
  • يحبذ أن يكون أسلوب الموعظة بسيطا متناسبا مع من تتوجه إليه الموعظة، وليس المراد بكونها بليغة ما يتصوره البعض من كثرة محسناتها البديعية وسجعها وغريب ألفاظها، وإنما المراد منها قدرتها على التوصل إلى إفهام المعاني المقصودة، وإيصالها إلى قلوب السامعين بأحسن صورة من الألفاظ الدالة عليها، وأفصحها وأحلاها للأسماع، وأوقعها في القلوب.
  • من ضوابط الموعظة انتهاز المواقف، ونعني به أن يستغل الواعظ ما يجري من أحداث ليلقي بموعظته، ليكون لها التأثير الناجح فيمن يعظه، فيستغل الدخول المدرسي مثلا ليوجهه لأهمية العلم، ويستغل ما يحدث في بلاد المسلمين من أحداث ليربطه بأمته، بل يشعل في قلبه الجذوة لخدمتها.
  • من ضوابط الموعظة استخدام أسلوب التشويق، لأن النفس الإنسانية تكره الرتابة وتنفر من المعلومة التي لا تسبقها المقدمات التي تهيئ لها الأرضية الصحيحة، ولهذا كان من هديه صلى الله عليه وآله وسلم التمهيد لتعليمه أو تربيته بما يشوق القلوب لسماعه.
  • تقيد الواعظ بضوابط الموعظة المؤثرة الناجحة يستدعي البحث عن مصارد الموعظة ليأخذ منها الواعظ ما ينسجم مع الضوابط التي ذكرناها والأهداف التي حددها، وقد خص العلماء المواعظ والرقائق بتآليف خاصة كالإمام أحمد الذي ألف كتاباً في الزهد، ومثله ابن المبارك وهناد ابن السري وغيرهما، وخصص الإمام البخاري كتاباً في صحيحه أسماه (الرقاق)، ومثله الإمام مسلم الذي ضَمّن صحيحه كتاباً بعنوان (الزهد والرقائق)، وألف المتأخرون من العلماء في هذا كتابات جيدة كالغزالي والشيخ عبد القادر الجيلاني وابن الجوزي، وابن القيم، وابن رجب، وغيرهم كثير.
  • من أساليب التربية: الحوار، وهو أعم من الجدال، لأن الجدال هو المناقشة على سبيل المخاصمة، ومقابلة الحجة بالحجة، بينما الحوار ـ الذي نعنيه هنا ـ هو مراجعة الكلام بين طرفين أو أكثر دون اشتراط وجود خصومة بينهما، أو عدم خصومة.
  • على المتحاورين الاهتمام بالمنطلقات النفسية، وهي المنطلقات التي تتعلق بالجانب الأخلاقي والنفسي في الحوار، لأن الحوار ـ في الواقع ـ ليس مناقشة علمية محضة، يكون للعلم والحجة الدور الفاعل فيها، بحيث تكون الغلبة والنصرة لأقوى المتحاورين حجة، وإنما هو تفاعلات مختلفة يشكل الجانب النفسي أخطرها وأعظمها تأثيرا.
  • أكبر واق من الآفات النفسية الخطيرة للحوار إخلاص المتحاورين وتجردهم الكامل لطلب الحق.
  • تعتبر حرية الحوار شرطا أساسيا في نجاح الحوار، لأن الغرض من الحوار هو توصيل كل طرف قناعته للآخر، أو هو محاولة برمجة طرف من الأطراف بفكر الآخر، وهو يستدعي شعور كل محاور بالحرية، وأن يثق بشخصيته الفكرية المستقلة، فلا يسلم للآخر إلا عن قناعة بقوله، لا بمجرد تقليد قد تلعب به الرياح كما تشاء.
  • الحوار ـ في أساسه ـ مناقشة علمية، للعلم والحجة الدور الفاعل فيها، بحيث تكون الغلبة والنصرة لأقوى المتحاورين حجة.
  • الحوار الناجح هو الذي يتجنب المتحاوران فيه كل ما قد يؤدي إليه الحوار من أمراض نفسية من جهة، ولتحقيق أهداف الحوار من جهة أخرى، وهذه الآداب لا تعني مجالس المناظرات التي قد تعقد بين مختصين وفي محال خاصة فقط، بل تشمل كل حوار بما فيه حوار الولد مع من يقوم بتربيته وتوجيهه، وخاصة في المرحلة التي يبلغ فيها الولد ويشتد ويحتاج إلى أن يعامل كإنسان كامل لا مجرد صبي صغير.
  • من ضروريات التربية الناجحة توفر القدوة، ذلك أن الصبي ينظر إلى الأفعال قبل أن يسمع للأقوال، فلذلك كان مجرد السلوك الحسن كافيا في أكثر الأحيان عن المبالغة في المواعظ والزجر ونحوها من الأساليب
  • لا تقتصر القدوة على الوالدين، بل تشمل كل من خولت له مسؤولية من المسؤوليات ترتبط بها تربية النشء، وكمثال على ذلك مسؤولية الإعلام في إعطاء القدوة، فله دور الكبير في إشهار من يريد من الشخصيات، والتي تتحول بسببه إلى نماذج يحتذي بها الآخرون، ويقدمونها على غيرها.
  • هناك صفات خاصة للقدوة لها أهميتها الكبيرة في التربية، وهذه الصفات ترجع لثلاثة أمور: أولها الصلة الحسنة بالله، لأن الصلة بالخلق فرع من الصلة بالله، وبقدر حسن الصلة بالله تكون الصلة بالخلق، وهو ما عبرنا عنه بالربانية، وثانيها: الشخصية المعتدلة المتوازنة التي تراعي جميع الحاجات، وتطبق جميع الأحكام بموازين شرعية مضبوطة، وهو ما عبرنا عنه بالتوازن، وثالثها: قوة الشخصية، لأن الضعيف، يتأثر ولا يؤثر، وينفعل ولا يتفاعل، وهوما عبرنا عنه بالهيبة والوقار.
  • من أهم المبادئ التربوية في الإسلام (إثابة المحسن على إحسانه، وعقاب المسيء على إساءته)، وذلك باعتبار الإنسان مسؤولا عن عمله، يتحمل جريرته إن حسنا فحسن، وإن إن إساءة فإساءة.
  • لابد أن يتقيد الجزاء إحسانا أو عقوبة بالضوابط الشرعية، فيجوز للوالد أن يعاقب ولده ببعض الكماليات التي يمكن استغناء الولد عنها، ولكنه ليس له أن يحرمه من النفقات الضرورية التي قد تؤثر في صحته أو في حياته، كحرمانه من الطعام الصحي، أو من شراء ما يلزمه لدراسته.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *