ولاية الفقيه.. والمساواة العادلة

ولاية الفقيه.. والمساواة العادلة
تعتبر [المساواة] ـ بحسب مفهومها الإسلامي الأصيل ـ من القيم الكبرى التي قامت عليها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما نص على ذلك قادتها ودستورها، ودل عليه واقعها، وهي قيمة تشمل جميع المواطنين بغض النظر عن أعراقهم وأجناسهم وأديانهم ومذاهبهم.
ومن النصوص الدستورية الدالة على ذلك ما ورد في المادة التاسعة عشرة من الدستور الإيراني، والتي تنص على ما يلي: (يتمتع أفراد الشعب الإيراني ـ من أية قومية أو قبيلة كانوا ـ بالمساواة في الحقوق ولا يعتبر اللون أو العنصر أو اللغة أو ما شابه ذلك سبباً للتفاضل)
وتنص المادة العشرون على أن (حماية القانون تشمل جميع أفراد الشعب ـ نساء ورجالاً ـ بصورة متساوية، وهم يتمتعون بجميع الحقوق الإنسانية والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافية ضمن الموازين الإسلامية)
وقد نص كافة قادة الجمهورية الإسلامية ومفكروها وفقهاؤها على هذا، واعتبروه من أساسيات الشريعة، بل كان من الأهداف الكبرى للثورة الإسلامية في إيران مواجهة الحكم الأرستقراطي والطبقية التي كان يفرضها الشاه، ولذلك كان يرمي الإسلاميين وقادة الثورة الإسلاميين بكونهم يساريين وشيوعيين، لأنهم يطالبون بالمساواة، وحقوق العمال وحقوق المستضعفين.
والاهتمام بهذه القيمة هو الذي أكسب الثورة الإسلامية جمهورا عريضا، ومن جميع أطياف الناس، ذلك أن قادة تلك الثورة لم يعتبروا الصراع صراعا دينيا، وإنما اعتبروه صراعا بين المستكبرين والمستضعفين، ولذلك وقف بجنبهم جميع المستضعفين.
وعند مطالعة الخطابات والبيانات والنداءات التي كان يلقيها الخميني في ذلك الحين نكتشف نمطا عجيبا من الدعاة الذين استطاعوا بحنكتهم أن يكسبوا ود كل الشعب، لأنه مثل قضاياهم وحاجاتهم، وبين في نفس الوقت أن الشريعة الإسلامية هي وحدها من يمكنها أن تراعي تلك الحاجات، وأن تكفل تحققها في الواقع.
وقد استطاع الخميني بذلك السلوك أن يقضي على تلك المقولة التي يطلقها الشيوعيون [الدين أفيون الشعوب]، حتى أن الكثير من اليساريين تخلوا عن تلك المقولة بعد أن رأوا الدور العظيم الذي قام به الخميني، بل فيهم من صار ملتزما، بل فيهم من أعلن إسلامه.
وقد أشار إلى هذا بعض المواقع المغرضة الحاقدة عند ذكرها لإسلام روجيه جارودي، ففي مقال بعنوان [حقيقة روجيه جارودي]، ورد هذا النص: (جارودي والرافضة: الباطنية جميعاً أمة واحدة وإن تعددت وجوهها، أو اختلفت في بعض المواقف والتفاصيل، وهكذا نجدها جميعاً في صف الثورة الرافضية التي فجرها كاهن النجف: الخميني، وجارودي منهم، ولذلك نجده يقول: (مع هالة الظفر الهائل للطف والقوة الروحية في مواجهة قوة الأسلحة المادية، صار الإمام الخميني القائد الباهر للبلاد باسم الأخلاقية الإلهية المقاومة لقمع الشيطان الأمريكي وربيبه؛ الشاه السابق)([1]).
بل إن جارودي لم يكف عن ذكر ذلك، بعد أن بهره الانتصار التاريخي الذي حققته الثورة الإسلامية بقيادة الخميني وفي أقل مدة، وبأقل التضحيات، وفي أصعب الظروف، فقد قال يصفها في أحد مقالاته: (إن الثورة الإسلامية التي تزعمها الإمام الخميني لا تشبه حقا أياً من الثورات السابقة التي قامت لتغيير النظم السياسية، وكذلك الثورات الإجتماعية التي شهدها العالم تعبيراً عن نقمة الفقراء وسخطهم على الأغنياء وأفرغت جام غضبها على رؤوس المستعمرين والغاصبين. لكن الثورة الإسلامية الإيرانية هي الاخرى كانت تحظى بكل هذه الدوافع والمسببات، كان لهذه الثورة إلى جانب ما تقدم معان جديدة.فانها لم تطح بحكومة سياسية وإجتماعية وإستعمارية فحسب وانما اطاحت كذلك بحضارة ورؤية عالمية مميزة كانت قد تحدّت الدين)([2])
بل إن جاروي ـ نتيجة انبهاره الشديد بالثورة الإسلامية الإيرانية ـ وكيف استطاعت أن تنتصر على الطاغوت الذي يمثله الشاه، ومن يقف خلفه من قوى الاستكبار العالمي، راح يؤلف كتابه الذي عنونه [ثورة الإمام الخميني]، وقد ورد في التعريف به ما يلي: (يبدو أن مفاجأة جارودي بحدث اختصار الثورة الإسلامية بإيران كان وراء اعتناقه الإسلام، وإعلان ذلك أواخر عام 1981. وفي هذه الفترة بالذات نشر عدة كتب عن الإسلام منها: وعود الإسلام 1981، الإسلام والغرب 1987م. ولم يبرح هذا المفكر الكبير على طول الأعوام العشرين الماضية عن مواصلة نشاطه العلمي سواءً أكان عن طريق الكتابة والتأليف أم المساهمة بإلقاء تصوراته وإيصالها إلى الناس عن طريق المؤتمرات في كل مكان يقصده، وبعد مرور عشرين عاماً على انتصار الثورة الإسلامية بإيران، وبمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لرحيل الإمام الخميني بالذات استضاف المركز الإسلامي بلندن مؤتمرا تحت عنوان [نظريات الإمام الخميني حول المشاكل المعاصرة] وكانت هذه المقالة هي إحدى الدراسات التي قدمت لهذا المؤتمر. وقد ألقاها الفيلسوف روجيه غارودي، وفيها حاول التركز على دور الإمام الخميني كقائد روحي ينفرد بمزايا الخاصة، وعلى الثورة العصرية التي نهض بها كأطروحة بديلة لنظام جديد يجمع بين المكونات التي تقوم عليها الفلسفة التكاملية)([3])
وعند مطالعة ما يسمى [صحيفة الإمام] تلك الصحيفة التي جمعت خطب وبيانات ونداءات ولقاءات الخميني، وفي أجزائها التي تتجاوز العشرين جزءا نجد الشعور بالمساواة مع جميع المواطنين تتجلى بأنصع صورها، بل إن الخميني يتجاوز فيها المساواة والندية مع شعبه المحب له إلى أن يعتبر نفسه مجرد خادم متواضع له.
ولا بأس أن نذكر هنا حادثة ترتبط بمدى تواضع الخميني، وهي من الحوادث الكثيرة التي جعلت شعبه يثق فيه، باعتباره يمثل كل ما يقوله خير تمثيل، ويرويها أحد موظفي مكتبه الخاص أيام حياته، واسمه [الشيخ هاتفي]، والتي قدم لها بقوله: (كانت تأتي إلى بيت الإمام أصناف مختلفة من الزوار، منهم المسيحي ومنهم اليهودي ومنهم الشيوعي ومنهم الليبرالي، إلى جانب أحبائه وأنصاره طبعاً، ولكن الكثير منهم كان بمجرد أن يطلع على زوايا البيت الصغير الذي كان يعيش فيه الإمام يبدأ بالبكاء، لأنهم لم يكونوا يصدقوا أن يكون بإمكان رجل يعيش كل هذه البساطة والزهد ان يتحدى جبابرة عصره أو أن يكون بإمكان هذا الرجل الزاهد تأسيس دولة عصرية؛ وكما اعتقد فان مثل هذه المشاعر طبيعية جداً لأي إنسان يمتلك فطرة سليمة) ([4])
ثم ذكر الحادثة، وهي من عشرات الحوادث المروية عنه كما ذكرنا؛ يقول: (في أحد الأيام أصاب الحنفية التي كان يتوضأ منها الإمام عطل بسيط، فأمر الإمام بإصلاح العطل، لكنا فضلنا إبدال الحنفية بأكملها بأخرى جديدة، وعندما علم الإمام بما قمنا به أخذ يوبخنا لما اعتبره إسرافا في صرف المال، بل إنه قال لنا بأنه سوف لن يتوضأ من هذه الحنفية الجديدة حتى يتم إبدالها بتلك الحنفية القديمة التي اضطررنا إلى إصلاحها فيما بعد، وفي حادثة مشابهة كنا قد قررنا إعادة طلاء الجدار الداخلي للحسينية التي كان يقابل فيها الإمام زواره وجماهيره، وذلك بعد أن لاحظنا أن جانباً من الجدار بدأ يستهلك، لكن الإمام وعندما سمع أصوات العمال وهم يهمون بالعمل خرج إلى شرفة المسجد ليطلب منا إيقاف العمل فوراً، مشيراً إلى أن هذا المسجد سيبقى كما هو دون أي تجميل أو إعادة بناء ما دام هو حياً، قائلاً: (عندما أموت افعلوا ما تشاءون)
والإمام الخميني يذكر لزواره الذين يتأثرون بزهده وتواضعه ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما كان عليه أهل بيته، حتى يصرفهم عن النظر إليه إلى النظر القدوة الأكمل الذي أمرت الأمة جميعا بالتأسي به.
ومن أقواله في ذلك: (النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم الّذي كان علمه من الوحي الإلهيّ، وكانت روحه من العظمة بحيث إنّها بمفردها غلبت نفسيّات كلّ البشر، إنّ هذا النبيّ قد وضع جميع العادات الجاهليّة والأديان الباطلة تحت قدميه، ونسخ جميع الكتب، واختتم حلقة النبوّة بشخصه الكريم، وكان هو سلطان الدنيا والآخرة والمتصرّف في جميع العوالم بإذن الله، ومع ذلك كان تواضعه مع عباد الله أكثر من أيّ شخص آخر. كان يكره أن يقوم له أصحابه احتراماً، وإذا دخل مجلساً لم يتصدّره، ويتناول الطعام جالساً على الأرض، قائلاً: إنّني عبدٌ، آكل مثل العبيد وأجلس مجلس العبيد.. كان ذلك الإنسان العظيم يركب الحمار مع غلامه أو غيره، ويجلس على الأرض مع العبيد، وفي سيرته أنّه كان يشترك في أعمال المنزل، ويحتلب الأغنام ويرقّع ثيابه ويخصف نعله بيده، ويطحن مع خادمه ويعجن، ويحمل متاعه بنفسه، ويجالس الفقراء والمساكين ويأكل معهم.. هذه وأمثالها، نماذج من سيرة ذلك الإنسان العظيم وتواضعه، مع أنّه فضلاً عن مقامه المعنويّ كان في أكمل حالات الرئاسة الظاهريّة)([5])
وبناء على هذا؛ فإن الدعوة التي كان يدعو من خلالها للمساواة بين جميع أفراد المجتمع، ومواجهة الطبقية والظلم الذي كان يمارسه النظام الارستقراطي الذي تبناه الشاه، لم تكن دعوة باللسان، وإنما كانت واقعا عمليا يعيشه؛ فهو كسائر أبناء المجتمع يعيش مثلما يعيشون، ويتألم لكل ما يتألمون.
ولهذا نجد في كلماته حرارة نفتقدها في الكثير من الدعاة الذين نجد عندهم الكثير من الكلام، ولا نجد عندهم ذرة من الأفعال المثبتة لما يقولون.
ومن الأمثلة على ذلك أنه قبل الدورة الأولى لانتخابات رئاسة الجمهورية، تعرض لوعكة صحية، وذهب إلى مستشفى القلب في طهران، ورأى بعض مظاهر الرعاية الصحية التي قوبل بها، قال ـ وهو يخاطب شعبه وكأنه يعتذر له عن تلك العناية الخاصة التي عومل بها ـ: (أريد أن أقول كلمتين: الأولى عن حالتي التي هي والحمد لله ليست بسيئة، وربما وفّر لي السادة الأطباء والسيد وزير الصحة الكثير من الخدمات التي لم نتعود نحن طلبة العلوم الدينية عليها، وسأكون مسروراً حين أعلم أن هؤلاء السادة يهتمون ويوفّرون الرعاية حالياً لسكّان الأكواخ والخيام في المدن الذين لم يكونوا يحظون بأي عناية في زمن الطاغوت، إن الخدمات الصحية تعتبر من الحاجات الأولية للناس، ويجب أن تتوفر للجميع؛ فلا تكون لشخص رعاية خاصة ولشخص آخر لا شيء، وأنا أرجو أن يهتم الأطباء أينما كانوا، والحكومة ووزير الصحة والشعب بالوضع الصحي لسكان الأكواخ، هؤلاء الفقراء وهم عيال الله)([6])
ولهذا؛ فإنه في كل خطاباته قبل الثورة وبعدها يوجه الأنظار إلى العامة والمستضعفين، ويطلب أن تتحقق المساواة والعدالة بين كل أفراد المجتمع، ومن ذلك قوله أثناء تواجده في باريس قبيل انتصار الثورة الإسلامية مخاطبا جمعا من الطلبة والإيرانيين المقيمين في الخارج رد فيه على بعض ما نشرته الصحف الشيوعية حول برجوازية الإسلام، وكونه أفيونا للشعوب، ومما جاء فيه قوله: (ينبغي أن نلاحظ هل أن القرآن، وهو مصدر الإسلام الأول، والإسلام وبنصوصه الأصلية التي لم تمسها أيدي التحريف؛ هل كان يدعو الناس إلى الخضوع للأغنياء والسكوت على ما يرتكبه أصحاب النفوذ والأقوياء من سرقات وتجاوز على ثرواتهم، وهل كان يمنيهم بالجنة ثمناً لهذا السكوت، أم أن القرآن فتح الحجاز وهزم الطواغيت بهؤلاء المعدمين والفقراء الذين لم يكن لكثير منهم مأوى؛ فيضطرون للمبيت في صفة المسجد متقاربين فيما بينهم ولم يكن لديهم ما يقتاتون عليه إلا القليل الذي يعطونه من هنا وهناك أو يحصلون عليه، بل كانوا يتقاسمون التمرة الواحدة فيما بينهم. فهل من يفعل هذا مخدر، أم أنك أنت الذي تريد تخدير الآخرين بمثل هذه الادعاءات؟!.. إن الذين يصفون الإسلام بالأفيون يريدون إغراق المسلمين في نوم الغفلة وإبعادهم عن دينهم ليتمكنوا من نهب ثرواتهم، إذن الأفيون هو ذات الادعاء بأن الإسلام أفيون الشعوب وليس الإسلام إذ أن إطلاق مثل هذه الادعاءات يهدف إلى استغفال الناس وتخديرهم؛ وهذا هو الأفيون الحقيقي وليس الدين الذي جاء به النبي الأكرم وفتح في عهده الحجاز بمجموعة قليلة من الفقراء فنشر القسط والعدل في ربوعها)([7])
ويذكر كيف واجه أولئك الضعفاء كبار الامبراطوريات العالمية كفارس والروم، وكيف استطاعوا أن يهزموهم؛ فقال: (وفي وقت كان الفرس يزينون خيولهم بالذهب وأمثاله، جاء هؤلاء الحفاة الحاسري الرؤوس، تتناوب كل مجموعة منهم على جمل أو حصان واحد، لأنهم كانوا يفتقرون إلى التعداد الكافي من الخيل والجمال والمؤن المناسبة؛ لكنهم كانوا مقتدرين: إذ منحتهم تعاليم الإسلام الأصلية تلك القوة الفائقة، وقد منحهم ذلك الذي جسد حقيقة الإسلام، تلك القوة التي جعلت من أولئك المعدمين الذين كانوا يتخطفهم الناس، يحملون سيوفهم اليوم ويهزمون هاتين الامبراطوريتين، وفي ذلك الوقت كانت هاتان الإمبراطوريتان تهيمنان على العالم؛ فكيف هزمهما تعداد قليل من العرب المعدمين والصعاليك الذين كانت جيوشهم تفتقد العدة الكافية من السيوف والدروع وسائر المعدات الضرورية؟! لقد انطلق هؤلاء بأيد خالية لكنهم كانوا يتمتعون بقوة معنوية عالية وهبها لهم الإسلام، فلم يكونوا مثلنا ضعاف النفوس والقلوب!! انطلقوا بتلك العدة القليلة والقوة الإلهية والدعامة التي وفرها الإسلام ودعوتهم لهم، وهزموا الإمبراطوريتين العظميين وفتحوا أراضيهما، حيث فتحت ايران وبلاد الروم في وقت لم يمض على ظهور الإسلام ثلاثون عاماً، وامتدت دولة الإسلام إلى ذاك الجانب من إفريقيا والى إسبانيا. غير أن المسلمين انفسهم أظهروا فيما بعد تراخياً وضعفاً، وهذه قضية أخرى)([8])
ثم يذكر كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخلفاؤه من بعده؛ فيقول: (عندما ندرس مصادر الإسلام الأصلية لانجد فيها أي تأييد لمزاعم من قبيل الإسلام جاء لتسليط السلاطين والأقوياء على الفقراء والضعفاء، لنرى كيف كانت حياة دعاة الإسلام؟ على سبيل المثال، الرسول الأكرم ومن بعده الخلفاء الأوائل ـ الذين كانوا على نحو آخر ـ ثم الإمام علي أمير المؤمنين.. فهل كانت حياتهم تشبه حياة وعاظ البلاط؟ وهل كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بلاط أم أنه حارب البلاطات ودمرها؟!.. هل كان أمير المؤمنين من أصحاب البلاطات أم أنه جاهد سلطة كانت تتستر بالإسلام مثل سلطة معاوية، وقتاله لهذه السلطة هو حجتنا الشرعية على جواز ومشروعية بل وجوب الجهاد الذي يخوضه المسلمون ضد هذه السلطة الفاسدة (نظام الشاه)؟ كما أن حجتنا الشرعية على مشروعية ذلك تستند أيضاً إلى عمل سيد الشهداء (الإمام الحسين)، حيث جاهد الإمام علي وابنه سيد الشهداء هذين الرجلين اللذين تسلطا على الشامات)([9])
ويرد على دعوى اقتصار تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية على النظام الديمقراطي؛ فيقول: (هل كانت الحكومة الإسلامية، ونقصد هنا صدر الإسلام ومصادره الأصلية، حكومة ديمقراطية أم نظاماً متجبراً استبدادياً؟! أعطونا نماذج من الدول الديمقراطية الأولى في العالم، تشابه ما ينقله التاريخ عن الحكم الإسلامي؛ وبعدها قولوا: إن هذا أفضل من ذاك)
ثم راح ينقل لهم بعض الوقائع التاريخية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والخلفاء من بعده؛ فيقول: (الروايات بهذا الخصوص كثيرة، ولكن أنقل لكم نماذج احدها عن حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،والآخر عن أمير المؤمنين، وثالث عن الخليفة الثاني. فعندما أراد عمر الذهاب إلى مصر بعد فتحها وتعاظم قوة الإسلام الذي انتشر في كل مكان؛ كان لديه بعير يتناوب على ركوبه مع غلامه؛ فكان أحدهما يركبه والآخر يأخذ بزمامه ويقوده فإذا تعب ركبه ونزل الآخر وهكذا؛ وعندما دخل مصر كانت نوبة ركوب الراحلة لمرافقه الغلام، حسبما يروي التاريخ؛ فكان الخليفة يقود الراحلة والغلام راكباً، واستقبله أهل مصر على هذه الحالة؛ هكذا كان حال الخليفة، ورغم مؤاخذاتنا على عمر، غير أن هذا التصرف تصرف إسلامي، وهو من بركات الإسلام وتجسيد لتعاليمه، وهكذا كان نبي الإسلام، إذ كان يمتطي الحمار، ويردف خلفه شخصاً آخر يشرح له أحكام الإسلام ويعلمه، هاتوا لنا نموذجاً واحداً من هذه الديمقراطيات يشابه هذه النماذج حيث يتعامل سلطان زمانه الذي كانت رقعة سلطنته تتسع عدة أضعاف عن رقعة إيران أو فرنسا، هاتوا لنا بسلطان ديمقراطي يتعامل مع خادمه على هذا النحو فيتناوب معه ركوب الراحلة دون أية أبهة، انظروا كيف يدخل سلطان (ديمقراطي) فاتح دولة مهزمة، ثم قارنوا ذلك مع خليفة يدخل بلداً مفتوحاً مترجلًا وبيده زمام راحلة استقر عليها غلامه الذي كان يتناوب مع الخليفة ركوبها؛ فجاءه أشراف مصر وعظموه جميعاً. فما ذلك إلا من وحي تعاليم الإسلام)([10])
ويبين لهم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع رعيته، وتواضعه معهم، وعدم استعلائه عليهم، بل كونهم كأحدهم، يقول: (والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان يجلس بين أصحابه ويعلمهم ويحدثهم ويبين الأحكام لهم ويقضي بينهم ويقوم بكافة مهامه بنحو إذا دخل الغريب لم يتمكن من التعرف عليه بين الجالسين؛ فلا يميز الحاكم عن الرعية؛ فلم يكن لديه حتى هذا المقعد الذي أجلستموه عليه، إذ أنه كان يجلس على الأرض وعليها يتناول طعامه؛ وأي طعام بسيط هو؟ هل تتصورون أنهم كانوا يعدون له طعاماً ومائدة متنوعة؟! كلا. كيف كان إدام الإمام أمير المؤمنين الذي كان يحكم دولة تزيد مساحتها على مساحة ايران أضعافا مضاعفة؟ كان طعامه قطعة من خبز الشعير يضعها في جراب ويختم عليها لكي لا تصب عليها ابنته مثلًا شيئاً من الزيت يرطبها قليلًا شفقة عليه، أجل هذا الخبز اليابس هو طعام (الامبراطور) الذي كان يحكم دولة عظيمة، وهكذا كان سلوكه) ([11])
ويضرب لهم مثالا على المساواة التي كان يمارسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إبان توليه قيادة المسلمين في المدينة المنورة، باعتباره ـ كما يذكر الخميني ـ أول ولي فقيه في هذه الأمة؛ فيقول: (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ارتقى المنبر في أيامه الأخيرة، وخطب في الناس، وقال: (فمن كان له قبلي تبعة أو مظلمة فليتقص مني)، ولم يكن لأحد عليه حق؛ فقام رجل، وذكر أن قضيب ناقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أصاب بطنه في المعركة الفلانية، فقال له: (قم واقتص مني حتى ترضى)؛ فذكر الرجل أن بطنه كانت عارية، وطلب من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يكشف عن بطنه ففعل، فقبلها الرجل، فكان يهدف من قوله تقبيل بطن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم)([12])
ثم علق عليها بقوله: (أي ديمقراطي، وأي رئيس جمهورية عادل! يقوم بمثل هذا العمل؛ أيهم يعطي أحداً من رعيته حق القصاص؟ أين تجدون مثل هذا السلوك في أية دولة من هذه الدول الديمقراطية.. هذا هو الإسلام الذي تصفونه بالاستبداد؛ وتلك هي الديمقراطيات الأخرى! نحن نقول: إن بلدانكم ليست ديمقراطية، بل هي إستبدادية، وإن تنوعت المظاهر، وإن رؤساء جمهورياتكم مستبدون غاية الأمر أن العناوين كثيرة جداً لكنها ألفاظ دون محتوى) ([13])
وبعد أن ذكر هذا النموذج وغيره راح يذكر للحضور، وعلى مسمع من العالم، أن هذه الحكومة التي مثلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي الحكومة الإلهية التي يراد تحقيقها في الواقع الإيراني، بل الواقع الإسلامي جميعا، قال: (نحن عندما نطالب بالحكم الإسلامي إنما نتطلع لمثل هذه السلوكيات، نحن نريد حكومة إذا استدعى القاضي رئيسها لبى وحضر على الفور؛ فهل من الممكن أن يقول أحد لـ (صاحب الجلالة) إنك غصبت مالي؟ هل يمكن لأحد أهالي مازندران أن يقول للشاه مثل ذلك؟ وهل يجرؤ القاضي على استدعاء (صاحب الجلالة) حتى في الأوضاع الحالية التي تعلو فيها صيحات الأطفال بالموت للشاه؟ وأنتم تعرفون أي وضع مأساوي كان حاكماً قبل أعوام، ولكنكم ترون في المقابل- في الحكومة الإسلامية- أن القاضي يستدعي رئيس الدولة فيحضر ويحكم القاضي ضده فيسلم لحكمه دون نقاش) ([14])
وقد ظل الإمام الخميني يردد هذه المعاني بعد انتصر الثورة الإسلامية؛ ففي أول نداء وجهه للشعب الإيراني بمناسبة اعلان الجمهورية الإسلامية، قال: (لقد منَّ الله تعالى علينا؛ فحطم نظام الاستكبار بيده المقتدرة التي تمثل قدرة المستضعفين، وجعل من شعبنا اماما ورائدا للشعوب المستضعفة وقيض لكم إرثه الحق بإقامة الجمهورية الإسلامية، إنني أعلن في هذا اليوم المبارك، يوم أمامة الامة ويوم الفتح والظفر للشعب، أعلن قيام الجمهورية الإسلامية الايرانية.. مبارك لكم الحكومة التي ستنظر سواسية إلى الجميع، مبارك لكم نور العدالة الالهية الذي سيسطع على الجميع بشكل متجانس، مبارك لكم غيث رحمة القرآن والسنة النبوية الذي سينزل على الجميع دون تفريق، مبارك لكم هذه الحكومة التي لا تنظر إلى اختلاف العنصر ولا تفرق بين الأسود والأبيض والتركي والفارسي واللري والكردي والبلوشي، فالجميع إخوة والكرامة فقط وفقط في ظل التقوى والتفاضل بالاخلاق السامية والأعمال الصالحة، مبارك لكم هذا اليوم الذي ينال فيه كل أبناء الشعب حقوقهم المشروعة، ولا يفرق فيه بين المرأة والرجل أو بين الاقليات الدينية والآخرين في اجراء العدالة، لقد دفن الطاغوت وسوف يدفن بعده الطغيان والاستبداد، وتم انقاذ البلاد من أسر الاعداء الداخليين والخارجيين والناهبين والسارقين، واصبحتم الآن يا ابناء هذا الشعب الشجاع حراس الجمهورية الإسلامية، أصبحتم مكلفين بحفظ هذا الإرث الإلهي بحزم واقتدار والحيلولة دون نفوذ فلول النظام المتعفن الذين يتربصون بنا وأنصار اللصوص الدوليين وسراق النفط الطفيليين)([15])
وفي ذلك الإعلان التاريخي أعطى المساواة بين جميع أفراد الشعب أهمية كبرى؛ قال: (أقول لجميع فئات الشعب للجميع بأنه لايوجد في الإسلام تمايز بين الأغنياء وغير الاغنياء، بين الاسود والابيض، بين الفئات المختلفة، بين السنة والشيعة، العرب والعجم، والترك وغير الترك أبدا، والقرآن جعل التمايز على أساس التقوى والعدالة؛فمن اتقى كان مميزا، ومن تتجسد فيه معاني روحية عالية فهو متميز، فالامتياز ليس بالماديات وليس بالملكية والثروة، يجب أن تزول هذه الامتيازات فالناس سواسية، الجميع يحصلون على حقوقهم، والجميع متساوون في الحقوق، كذلك يجب مراعاة حقوق الاقليات الدينية، فالإسلام يوليهم احتراما خاصا، الإسلام يولي جميع الفئات احتراما، الاكراد وسائر القوميات الموجودة، جميعهم اخواننا ونحن اخوانهم، جميعنا ابناء شعب واحد ودين واحد.. إننا إخوة، نحن إخوة لابناء العامة والسنة ولا يحق لنا التآمر على بعضنا، بل علينا أن نحفظ حقوق بعضنا بعضا. نحن متساوون في الحقوق، والدستور أيضا إن شاء الله سيطرح أمام الشعب للاقتراع عليه لحظ حقوق الجميع، ولا يوجد في الإسلام فرق بين فئة وفئة، الفرق يكمن في التقوى فقط، في تقوى الله) ([16])
وهكذا نجد خطاباته ونداءاته جميعا تدعو إلى المساواة باعتبارها ركنا أساسيا من الأركان التي يقوم عليها النظام الإسلامي، مثله مثل الحرية والإخاء، يقول: (ليس في الإسلام كبت وقمع، الإسلام يضمن الحرية لجميع الفئات: للنساء، للرجال، والابيض والاسود، للجميع. على الناس أن يخافوا من الآن فصاعداً من أنفسهم لا من الحكومة، أن يخافوا من انفسهم ومن احتمال ارتكابهم لخطأ معين. فحكومة العدل تحول دون وقوع المخالفات والاخطاء، وتعاقب على ارتكابها. علينا أن نخاف من أنفسنا خشية أن نقع في المخالفات، وإلا فإن حكومة الإسلام لن ترتكب المخالفات؛ فلا يوجد جهاز استخبارات بعد الآن، وليس هناك من عذاب يمارسه هذا الجهاز ليس بوسع رجال السافاك بعد الآن أن يضطهدوننا أو يضطهدوا شعبنا، لن تتمكن الحكومة من اضطهاد الشعب بعد الآن، فالحكومة الإسلامية في خدمة الشعب، عليها أن تكون في خدمة الشعب. وإذا ما مارس رئيس الوزراء أي ظلم فإن على أبناء الشعب أن يشكوه للمحاكم، وعلى المحاكم استدعاءه، وإذا ثبتت عليه التهمة فلتعاقبه؛ ففي الإسلام لا يوجد من فرق بين رئيس الوزراء ومن عداه)([17])
ويبين في خطاب آخر أن سبب كل ما أصاب المسلمين من ويلات وتخلف هو ذلك التمييز العنصري الذي كان من آثار الجاهلية، يقول: (إن المسألة المهمة التي جعلت البلاد الإسلامية مغلوبة على أمرها وأبعدتها عن ظلال القرآن الكريم هي مسألة التمييز العرقي: فهذا من أصل تركي، ويجب أن يُصلِّي صلاته بالتركية، وهذا من أصل ايراني ويجب أن تكون حروفه الهجائية كذا، وذلك من أصل عربي، ويجب أن تحكم العروبة وليس الإسلام، ويجب أن يحكم الأصل الآري وليس الإسلام متناسين ما يرتكز عليه المسلمون جميعاً! ويؤسف على أنهم جرّدوا المسلمين من هذا المرتكز، ولا أدري إلى أين سيؤول الأمر؟! لعبة القومية هذه هي التي جاء الإسلام وشطب عليها بخط أحمر، ولم يفرق بين الأسود والأبيض، وبين الترك والعجم، وبين العرب وغير العرب الا بالتقوى والخوف من الله، والتقوى بمعناها الحقيقي: التقوى السياسية والمادية والمعنوية.. ليس هناك ترك وفرس، وعرب وعجم، فالمرتكز هو الإسلام. وأما قضية التفرقة العرقية، فإنها رجعية، أن السادة يعتبروننا رجعيين في حين أنهم يريدون أن يعودوا القهقرى إلى الفين وخمس مئة عام)([18])
ولكن الخميني مع كل هذه الدعوات للمساواة، يرد على تلك المفاهيم السيئة المرتبطة بها، والتي حاول الشاه من خلالها أن يغير أحكام الدين أو يسيء إليه، ومن الأمثلة على ذلك معارضته لبعض القوانين التي أصدرها الشاه، والتي تسيء إلى المرأة بحجة مساواتها مع الرجل، فقال في نداء وجهه للشعب، يطلب فيه معارضة تلك القوانين: (إنا لله وإنا اليه راجعون، لقد اعتدت السلطة الحاكمة في إيران على احكام الإسلام المقدّسة، وتنوي الاعتداء على احكام القرآن المسلّمة، إن نواميس المسلمين على وشك أن تنتهك، وأن السلطة المتجبّرة بمصادقتها على اللوائح المخالفة للشرع والدستور، تسعي للإساءة إلى النساء العفيفات وإذلال الشعب الايراني.. إن السلطة المتجبرة تتطلع للمصادقة على مساواة حقوق المرأة والرجل والعمل بها، وهي بذلك تتخلّى عن أحكام الإسلام والقرآن الكريم الضرورية، أي أنها تسوق الفتيات ذوات السبعة عشر ربيعاً إلى الخدمة العسكرية، وتزج بهن في المعسكرات، وتدفع بالقوة والحراب الفتيات المسلمات العفيفات إلى مراكز الفحشاء)([19])
بناء على هذه التصريحات التي تذكر الخلفية الفكرية التي ينطلق منها نظام الجمهورية الإسلامية، ومصادرها في ذلك نحاول أن نذكر هنا قضيتين مهمتين يتطرق الغرب إليهما عادة عند الحديث عن المساواة؛ فيعتبرهما معيارا لتحققها، وهما الموقف من المرأة وحقوقها، وعلاقتها بالرجل، والموقف من العمال، وحقوقهم، وسنتناولهما في العنوانين التاليين:
أولا ـ المرأة وحقوقها في الرؤية السياسية الإيرانية:
ربما تكون المرأة، والحقوق المرتبطة بها من أهم القضايا التي يتعلق بها الغرب وأذنابه من العرب، ومن ينطق باسمهم من جمعيات حقوق الإنسان في موقفهم من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ذلك أنهم لا ينتبهون لوجود المرأة الإيرانية في جميع المؤسسات العلمية، ومراكز الأبحاث، وجميع المعامل والمؤسسات التي تناسب طبيعتها وقدرتها، وجميع المؤسسات الحقوقية والسياسية، وحتى الرياضية، ويكتفون فقط بالنظر إلى تلك العباءة التي تلبسها، أو ذلك الخمار الذي تضعه على رأسها، ويتصورون أنه فرض عليها، وأنها لن تتحرر إلا بنزعه، ولا يعلمون أنه التاج الذي وضعه على رأسها الولي الفقيه، حتى يخرجها من أن تكون سلعة مهانة، بدل أن تكون إنسانا مكرما.
وذلك كله مبني على مغالطات كبيرة لمفهوم حقوق الإنسان، والذي أراد الغرب فرضه على هذه الأمة، بل على البشر جميعا ليمسخهم عن طبيعتهم، وينكسهم عما تقتضيه أخلاقهم وقيمهم؛ فمفهوم حقوق الإنسان عند الغرب يختلف عن مفهومه في الشرق، ويختلف مفهومه عند المسلمين خصوصا؛ فحقوق الإنسان في الإسلام ترتبط بحقيقة الإنسان، وبالقيم الأخلاقية الرفيعة، بينما هي في الغرب مراعاة لكل نزوة وشذوذ وانحراف، ولذلك أجازوا الزواج المثلي، وحولوا المرأة إلى مجرد سلعة يتاجرون بها، مثل سائر السلع.
ولذلك كان من قوة النظام الإيراني وسيادته واستقلاليته عدم تبعيته لهم فيما يذكرونه عن حقوق الإنسان في هذا الجانب، ذلك أنه كان يمكنه أن يتيح أمثال هذه الحريات ليحافظ على صورته الحسنة، مثلما يفعل النظام التركي الذي يزعمون أنه نظام إسلامي، أو مثلما تفعل الكثير من الأنظمة التي تتيح كل الحريات، لتحافظ على سلطتها واستبدادها، لأن المهم عندها سلطتها، لا شعبها.
ولهذا نرى الخميني يرد على كل تلك الأطروحات المرتبطة بحقوق الإنسان، والتي تخالف في نفس الوقت الشريعة الإسلامية؛ فقد قال في حوار أجري معه في باريس قبل انتصار الثورة الإسلامية مبينا الفرق بين تصوره لحقوق المرأة، والحقوق التي يتصورها الغرب، والتي كان الشاه ينفذها بكل دقة: (إنّ الشاه هو الذي يجرّ النساء للفساد، ويريد أن يجعل منهن ليس أكثر من دُمى، والدين يعارض هذا الواقع المأساوي لا حرية المرأة، وقد برهنت مشاركة النساء في الاستفتاء الاخير على مدى تفاهة مزاعم الشاه الفارغة للجميع، النساء انتفضن للوقوف على قدم المساواة مع الرجال، وطالبن بحريتهن واستقلالهن، وأَدَنَّ الشاه، وكما هو معروف قُتل في (الجمعة السوداء) نحو ستمائة امرأة من نسائنا الحرات على أيدي عملاء الشاه، هذا هو فهم الشاه لحرية المرأة والتطور الحضاري)([20])
والخميني يذكر أن هذا ليس مطلبه فقط، ولا مطلب الدين الذي يفرضه الرجال على النساء، بل هو مطلب النساء الإيرانيات العفيفات المحافظات اللاتي يرفضن تلك الحرية والمساواة التي يريدها الغرب؛ فيقول: (إن النساء البارزات في إيران اللواتي يطالبن بحقوقهن الإنسانية، ويشكلن أكثرية النساء الإيرانيات يثرن اليوم على الشاه، ويردن تحطيمه وجميعهن اليوم يعلمن أن حرية المرأة في منطق الشاه إنما تعني تحطيم مكانة المرأة الإنسانية والتعامل معها كأداة، إن الحرية في منطق الشاه تعني ملء السجون من النساء الإيرانيات اللواتي لا يرضخن للانحطاطات الأخلاقية الشاهنشاهية)([21])
ويذكر الأسباب التي جعلت الشاه يطبق تلك الحقوق المزيفة للمرأة في نفس الوقت الذي يغض الطرف عن حقوقها الحقيقية التي تريدها؛ فيقول: (عندما زار هذا الرجل غير اللائق تركية رأى أتاتورك مارس مثل هذه الأعمال الشائنة، ومن هناك أرسل برقية إلى أزلامه أن يوحّدوا أزياء الناس.. وهُتك الحجاب تقليداً لأتاتورك غير اللائق، أتاتورك المسلم غير الصالح، وما تبع ذلك من فضائح، الله يعلم ماذا جرى على هذا الشعب الإيراني في نزع الحجاب هذا، هؤلاء مزّقوا حجاب الإنسانية، الله يعلم كم من المخُدَّرات هُتِكت حرمتُها على أيدي هؤلاء وعدد الذين هتكوهم) ([22])
وذكر بعض المظاهر عن ذلك التهتك والاستبداد الذي مارسه باسم حقوق المرأة، ومنها أنه كان يجبر النساء على سلوكات لا تليق بكرامتهن، يقول: (لقد أجبروا العلماء- بقوة الحراب- على المشاركة مع نسائهم في الاحتفالات، وكانت أمثال تلك الاحتفالات على حساب الجماهير، والناس تدفع ثمنها بكاء وألماً، وهكذا كانوا يروّجون للتبرّج، ويدعون بقية الناس مجموعة مجموعة، ويجبرونهم على أن يحتفلوا مع نسائهم دون حجاب. كانت حرية المرأة هي هذه التي كانوا يفرضونها. يجبرون الناس المحترمين، والتجار المحترمين، والعلماء وأصحاب المهن لتنفيذ رغباتهم بقوة السلاح. بكى الناس كثيراً، ولو أن هؤلاء كان لديهم حياءاً لندموا على ذلك الاحتفال)([23])
وقد كان الشاه مع كل هذا الاستبداد في فرض ما لا يتناسب مع طبيعة المجتمع الإيراني مرضيا عنه عند جمعيات حقوق الإنسان، لأن حق المرأة عندهم مرتبط بتبرجها وانحلالها الأخلاقي؛ وما عدا ذلك لا يعتبره، ولا يهتم له.
وفي مقابل ذلك المفهوم لحقوق المرأة والذي تبناه الشاه، ووافقه عليه الغرب، نرى مفهوما آخر لهذه الحقوق عند الخميني، وهو مفهوم يتناسب مع الإسلام والفطرة وكرامة المرأة؛ ففي مقابلة للخميني بباريس قبل انتصار الثورة الإسلامية سأله أستاذ بجامعة أمريكية قائلا: (يقال بأن الرئيسة السابقة لاتحاد النساء الحقوقيات الإيرانيات السيدة مهوش صفي نيا كانت قد صرحت بأن النشاط الديني في إيران أجبر المجلس على إقرار القوانين التي تحد حقوق النساء. مثل تخفيض سن الزواج إلى الخامسة عشرة، ومنع مشاركة النساء في الجيش وإعلان (الإجهاض) عملًا اجرامياً.. فهل تؤيدون مثل هذه القوانين؟)
فأجاب الخميني: (فيما يتعلق بالزواج أعطى الإسلام المرأة الحرية في اختيار الزوج، وباستطاعة كل امرأة أن تختار الرجل الذي تريده في إطار القوانين الإسلامية. والإسلام يعارض الإجهاض، ويعده حراماً والنساء كما قلت سابقاً يستطيعن الالتحاق بالجيش، والشيء الذي يعارضه الإسلام ويراه حراماً هو الفساد، سواء كان من جانب المرأة أو الرجل لا فرق في ذلك. فهؤلاء الذين تعتبرونهم فقهاء قانونيين هم الذين كانوا يضلون نساءنا دائماً، نساؤنا النجيبات ملأن السجون اليوم، وهؤلاء الفقهاء القانونيون كانوا يؤيدون دائماً جرائم الشاه. فأي الفريقين حرّ وأصيل (نجيب؟)([24])
وعن سؤال يقول: (ما هي التغييرات التي تشعرون بأنها لازمة في المجتمع الايراني لمكانة المرأة في المجتمع الايراني؟ وحسب نظركم كيف ستغير الحكومة الإسلامية أحوال النساء في العمل في الإدارات الحكومية والعمل في المهن المختلفة مثل الطب والهندسة والشؤون الأخرى مثل الطلاق، الإجهاض، حق السفر، الإجبار على لبس الشودر (الحجاب)، أجاب الخميني بقوله: (الشاه وأتباعه ضللوا الناس عن حرية المرأة، ليروا أن الإسلام جاء ليجلعها ربة بيت فقط. لماذا نعارض تعليم المرأة؟ لماذا نعارض عمل المرأة؟ لماذا لا تستطيع المرأة ممارسة الأعمال الحكومية؟ لماذا نعارض سفر المرأة؟ المرأة حرة مثل الرجل في جميع هذه الأمور، ولا فرق بينهما أصلًا. نعم المرأة في الإسلام يجب أن تحتجب، ولكن ليس من الضروري أن يكون الحجاب شودراً، فالمرأة مخيرة في انتخاب حجابها. نحن لا نستطيع والإسلام لا يريد أن تكون المرأة عبارة عن شيء أو لعبة أطفال في يدنا. الإسلام يحافظ على كرامة المرأة ويصنع منها انساناً فعالًا وماهراً.. ونحن لن نسمح أبدا بأن تكون النساء شيئاً أو آلة هوى للرجال. والإسلام يحرم الإجهاض، وتستطيع المرأة أن تحتفظ لنفسها بحق الطلاق ضمن عقد الزواج. وما أعطاها الإسلام من الحرية والاحترام لم يمنحها لها مدرسة ولا قانون)([25])
ومع هذا التصريح وأمثاله كثير لا يزال الغرب يفرض مفاهيمه على العالم وعلى الشرق وعلى المسلمين، ليصور لهم أن حقوق المرأة لن تتحقق في الواقع الإيراني إلا بعد أن تتحول المرأة إلى سلعة مهانة ذليلة مثلها مثل المرأة الغربية.
وهكذا نجد الولي الفقيه المعاصر السيد علي الخامنئي يسير على نفس الدرب؛ فلا يتنازل رغم الظروف الكثيرة الصعبة التي مرت بها إيران عن أي مفهوم تلك المفاهيم التي طرحها أستاذه الخميني.
ومن تصريحاته في ذلك قوله: (بالنسبة لقضية المرأة التي ما زالت تطرح في العالم، فإن كلاماً كثيراً قيل فيها ويقال، وعندما ننظر إلى الخريطة الإنسانية للعالم والمجتمعات البشرية وإلى المجتمعات الإسلامية كبلدنا وسائر البلدان الإسلامية، وإلى المجتمعات غير الإسلامية، ومنها المجتمعات التي تعدّ متمدِّنة ومتطوّرة، للأسف فإننا نجد في كل هذه المجتمعات قضية باسم المرأة ما تزال موجودة، هذا الأمر يدل على وجود نوع من النظرة المعوجّة والسيرة المعوجّة، ويحكي عن وجود نوع من قصر النظر تجاه القضايا الإنسانية. ويتبين أن البشر رغم كلّ ِ إدعاءاتهم، ورغم كل الجهود التي قام بها المخلصون والمتحمِّسون، ورغم كلّ ِ الجهود الثقافية الواسعة التي بذلت حول قضية المرأة خاصة؛ لكنهم حتى الآن لم يتمكّنوا من العثور على صراط مستقيم وطريق صحيح لقضية الجنسين، ولقضية المرأة التي تتبعها قضية الرجل بشكل أو بآخر)([26])
وبذلك فإن الخامنئي ومثله الخميني لم يتنازلوا عن مفهومهم لحقوق المرأة، ولا لحقوق الإنسان لأي وجهة نظر غربية، بل هم طبقوا مفاهيمهم الخاصة على هذا الجانب كما طبقوها في سائر الجوانب، وهو دليل على استقلالية فكرية حقيقية، ولا يمكن أن تستقل الأرض ما لم يستقل الفكر.
وقد نص الدستور الإيراني على جميع تلك المعاني السامية والمتوافقة مع الشريعة، بل المنطلقة منها؛ فقد نصت المادة الحادية والعشرون على أن (الحكومة مسؤولة ـ في إطار الإسلام ـ عن تأمين حقوق المرأة في كافة المجالات وعليها القيام بما يلي: 1 ـ إيجاد الظروف المساعدة لتكامل شخصية المرأة وإحياء حقوقها المادية والمعنوية.. 2 ـ حماية الأمهات ولا سيّما في مرحلة الحمل وحضانة الطفل، ورعاية الأطفال الذين لا معيل لهم.. 3 ـ إيجاد المحكمة الصالحة للحفاظ على كيان الأسرة واستمرار بقائها.. 4 ـ توفير تأمين خاص للأرامل، والنساء العجائز، وفاقدات المعيل.. 5 ـ إعطاء الأمهات الصالحات القيمومة على أولادهن عند فقدانهم الولي الشرعي من أجل رعايتهن)
وانطلاقا من هذا سنحاول في هذا المطلب أن نبحث في أنواع الحقوق التي أولتها الجمهورية الإسلامية للمرأة، وقد رأينا أنه يمكن تصنيفها إلى أربعة حقوق، هي:
أ ـ الحقوق المرتبطة بالصيانة والتكريم.
ب ـ الحقوق المرتبطة بالتعليم والتربية.
ج ـ الحقوق المرتبطة بالعمل والإنتاج.
د ـ الحقوق السياسية.
وسنذكر هنا ـ باختصار ـ الرؤية النظرية والتطبيق العملي لهذه الحقوق الأربعة الكبرى، وموقف المغرضين منها.
1 ـ حقوق المرأة المرتبطة بالصيانة والتكريم:
قد يستغرب الكثير من اعتبارنا صيانة المرأة وتكريمها حقا لها، بل أعظم حقوقها، وهذا ناتج عن تلك الأفكار والفلسفات المادية التي حولت المرأة الإنسان المكرمة شيئا من الأشياء وسلعة من السلع، ولذلك راحت تضحك عليها، وتسخر من عقلها، وتذكر لها أن حريتها في أن تضع نفسها بالصورة التي تجعل منها جسدا لا روح فيه، ولا عقل له، وهو ما نراه في المرأة الغربية، التي أهينت بكل أصناف الإهانات.
وبما أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونظام الولي الفقيه، ينبني على فلسفة أخرى غير الفلسفة المادية؛ فقد راح يواجه ذلك الاحتقار والامتهان للمرأة؛ فسن من القوانين ما يحفظها من عبث العابثين، وأولها، ما طالبت به الشريعة من فريضة الحجاب، وكل ما يرتبط به من سلوكات أخلاقية تجعل المرأة مصونة مكرمة، لا يتعرض لها المتعرضون، أو يتحرش بها المتحرشون.
وإن فرض، وحصل ذلك؛ فإن قوانين العقوبات الإيرانية المستمدة من الشريعة الإسلامية تتعامل بحزم شديد مع من يفعلون ذلك، بل قد تعتبرهم من المحاربين الذين يعدمون، ليكونوا عبرة لغيرهم، ولهذا كانت المرأة الإيرانية من أكثر نساء العالم أمنا؛ حيث تسير في الشوارع متى تشاء، لا يجرؤ على التعرض لها أحد..
ولو قارنا المخالفات التي تقع في إيران حول النساء مع غيرها من دول العالم المتقدم لوجدنا قيمة تلك القوانين التي فرضتها الجمهورية الإسلامية، ودورها في حفظ الأمن، وحفظ المرأة، وكرامتها وصيانتها.
ففي مقال بعنوان [ما لا تعرفه عن معدّلات التحرّش والاغتصاب في الغرب] ورد هذا التقرير: (يبدو أنّ بلاد الديموقراطية والحرّية تعاني من مشكلة خطيرة عندما يأتي الأمر إلى معدّلات التحرش الجنسي والاغتصاب. على الرغم من ظهور عصر التنوير وحقوق المرأة ومساواتها بالرجل على النمط الغربي، إلّا أنّ النظرة الجنسية للمرأة ما تزال قائمة حتّى في أكثر البلدان تقدمًا وتطورًا في العالم، وفي هذا التقرير نسلّط الضوء على إحصائيات موثوقة صادرة عن مراكز بحثية وهيئات غربية متعددة عن معدّلات التحرش الجنسي والاغتصاب في الغرب. ليس الغرض من هذه الإحصائيات القول بعدم وجود حالات شبيهة في شرقنا، إلّا أنّ الفارق بين النسبة والدوافع هي بين السماء والأرض)([27])
ثم ذكر الإحصائيات التي تدل على المهانة التي تمتهن بها المرأة في الدول الغربية التي تزعم لنفسها أنها أكبر من دافع وحقق حقوق المرأة في الواقع، ومن ذلك قول صاحب المقال: (وفق إحصائيات 1998، يتم الاعتداء على شخص ما جنسيًا في الولايات المتّحدة الأمريكية كلّ 98 ثانية، وهناك كمتوسّط حوالي 320000 ضحية للاعتداءات الجنسية أو التحرّش كل سنة في الولايات المتحدة. 54 بالمائة من هؤلاء هم بين عمر 18-34 سنة. و15 بالمائة منهم بين الثانية والسابعة عشرة من العمر. 1 من بين كلّ 3 نساء يتعرّضنْ للتحرّش مرّة واحدة على الأقل في عملهن)([28])
هذا بالنسبة لإحصيات 1998، أما بعد ذلك، وفي إحصائيات 2015، فيذكر نقلا عن الجهات الرسمية أن (هناك 20 بالمائة من جميع نساء أمريكا تعرّضنْ للاغتصاب، يبلغ تعدادهن حوالي الـ32.2 مليون امرأة، وهو عددٌ أكبر من عدد سكّان السعودية، وهو ما يعني أنّ خُمس نساء أمريكا مغتصبات، والفتيات بين عمر 16-19 عامًا معرّضات 4 مرات أكثر للاعتداءات الجنسية المختلفة) ([29])
وهذا كله كما يذكر بناء على ما يتم الإبلاغ عنه إلى الشرطة، مع العلم (أنّ 83 بالمائة من حالات الاغتصاب في الولايات المتّحدة لا يتم الإبلاغ عنها إلى الشرطة)
ويضيف التقرير: (أمّا عن التحرّش الجنسي، فقد تعرّضت 88 بالمائة من الأمريكيات إلى التحرّش الجنسي مرّة واحدة على الأقل في حياتهن. 25 بالمائة من هذه الحالات كانت على الأقل من قبل زميل في العمل)
ويذكر التقرير الآثار الاقتصادية لتلك الجريمة؛ فيقول: (الاغتصاب يكلّف الولايات المتّحدة أكثر من أي جريمة أخرى في البلاد، حيث تدفع الولايات المتّحدة 127 مليار دولار سنويًا من ميزانيتها لأجل برامج دعم صحّية ونفسية للضحايا وأمورٍ أخرى متعلّقة بتلك الجرائم. بينما تدفع 93 مليار دولار سنويًا للاعتداءات العامّة و71 مليار دولار فقط لجرائم القتل سنويًا) ([30])
وقد ذكر التقرير إحصائيات أخرى عن سائر الدول الغربية، وكلها صادرة عن مراكز أبحاث رسمية، وهي تدل على ما يعانيه نساء الغرب من جراء تلك البهيمية البشرية التي سببها الانحلال الأخلاقي، كما سببتها تلك الحرية في اختيار الملبس الذي تخرج به المرأة إلى الشارع، والذي يحرض على الجريمة.
وقد يعجب الكثير بتلك العناية التي توليها القوانين الأمريكية للنساء المتحرش بهن، وتلك التعويضات التي تسلمها لهن، ولكنهم يغفلون عن أن أمثال هذه الجرائم لا يمكن مداواتها، لأنها جرم شرف وعرض، وهي متعلقة بالجوانب النفسية التي لا يمكن لأموال الدنيا جميعا أن تسد آلامها.
ولهذا نستطيع أن نذكر بكل جزم بأن الدولة الوحيدة في العالم التي وجدت الحل الجذري لهذه المشكلة هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية لاعتمادها على الحلول الشرعية المرتبطة بالجانبين:
الجانب الأول: المرأة بإلزامها الحجاب والآداب المرتبطة به، ذلك أن الرجل ينفر عادة من التعرض للمتحجبة الملتزمة.
الجانب الثاني: وضع أقسى العقوبات في حق من يتعرض للمرأة، أو يذلها أو يتحرش بها، والتي قد تصل إلى حد الإعدام، باعتباره محاربا.
وفوق ذلك استعمل النظام الإيراني كل مؤسساته الدينية والتربوية والإعلامية والثقافية في مواجهة تلك الظاهرة الخطيرة، حتى تحفظ كرامة المرأة وتصان؛ فلا يتعرض لها أحد.
بل إننا لا نجد في قادة العالم أجمع من اهتم بالحجاب، أو دعا إليه مثلما نراه من قادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفي أرفع مستوياتهم.
وكمثال على ذلك تلك الخطب الكثيرة التي ألقاها القائد الحالي للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي الخامنئي، وتعرض فيها للحجاب وضرورته وأهميته، ومنها قوله: (عفة المرأة هي أهم عنصر في شخصيتها، وهي وسيلة لسمو شخصية المرأة ورفعتها وتكريمها في أعين الآخرين، حتى في أعين الرجال المتهتكين، فعفة المرأة علة احترام شخصيتها.. فقضية الحجاب والمحارم وغير المحارم والنظر وعدم النظر، إن كل تلك الأمور والأحكام إنما وضعت للمحافظة على بقاء العفّة سالمة؛ فالإسلام يولي مسألة عفاف المرأة الأهمية، طبعاً فإن عفاف الرجل مهم أيضاً، فالعفة ليست مختصة بالمرأة، بل على الرجال أيضاً أن يلتزموا العفة، كل ما في الأمر أن الرجل في المجتمع يمتلك قدرة وقوة جسمية أكبر، ويمكنه بذلك أن يظلم المرأة، لذلك طلب من المرأة الاحتياط أكثر؛ فعندما تنظرن إلى العالم ترون أن أحد مشاكل المرأة في العالم الغربي وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية هي استغلال الرجال لقوتهم والاعتداء على عفة النساء)([31])
ثم ذكر ما عليه الوضع في الدول التي تزعم أنها أعطت للمرأة حقوقها، وهي تغفل عن هذا الحق العظيم الذي هو أولى الحقوق وأهمها؛ فقال: (إن الاحصاءات التي نشرها المسؤولون الرسميون في أمريكا نفسها.. إحصاءات مرعبة حقاً، ففي كل ستة ثوان يقع اعتداء عنف في أمريكا! انظرن إلى مدى أهمية العفة، عندما أهملوا العفة بلغ بهم الأمر هكذا، كل ستة ثوان يقع اعتداء بالعنف، خلافاً لميل المرأة يستخدم رجل قوته، رجل ظالم متهتك غير عفيف يعتدي على عفة المرأة، إن الإسلام يلاحظ ذلك، إن قضية الحجاب التي أكد عليها الإسلام إلى هذا الحد، تأكيده من أجل هذا)([32])
وبين أهمية الحجاب ودوره في صيانة المرأة والحفاظ على كرامتها واعتبارها إنسانا لا مجرد سلعة يتلاعب بها؛ فقال: (من أجل أن لا يقع الاختلاط، وتحفظ الحدود الأخلاقية، قام الإسلام بتعيين الحجاب للمرأة، وهذا الحجاب وسيلة من وسائل الأمن، فبحجاب المرأة تجد المرأة المسلمة أمنها، ويجد الرجل المسلم أمنه، وعندما يبعد الحجاب عن النساء وتقترب من العري والتهتك يسلب أمنها هي بالدرجة الأولى ويسلب الأمن من الرجال والشبّان ثانياً؛ لهذا فإن الإسلام عيّن الحجاب من أجل أن يكون الجو سالماً وآمناً، ولتتمكن المرأة من مزاولة عملها في المجتمع، وليتمكن الرجل أيضاً من أداء مسؤولياته، وهذا الحجاب من الأحكام الإسلامية البارزة، وأحد فوائده هو ما ذكرته، وله فوائد أخرى) ([33])
بل إن السيد الخامنئي يتحدث عن بعض تفاصيل الحجاب الشرعي الذي يحقق المقاصد الشرعية بأحسن صورها؛ فيقول منتقدا بعض الطروحات التي تحاول أن تضع الحجاب في صورة أكثر تقبلا في المجتمع الدولي: (إننا نرى أن الدراسات والبحوث الجارية التي تدور حول ستر المرأة هي بحوث جيدة، لكن عليكنّ َ الالتفات أنّ أيّاً من هذه البحوث حول ستر المرأة يجب أن لا يكون متأثراً بالهجوم الإعلامي الغربي، فإن كان متأثراً فسيفشل. كأن نفكِّر مثلاً أن الحجاب جيد، لكن لا داعي للعباءة ذلك تفكير خاطى ء، ولا أعني بذلك أن الحجاب لا يكون إلا بالعباءة، بل إني أقول إن العباءة هي أفضل أنواع الحجاب.. هل تظنون أننا إذا تركنا العباءة، وتمسكنا بالمقنعة بأن الغرب سيدعنا لشأننا؛ كلا، لن يقتنعوا بذلك، إنهم يريدون منّا أن نتبع ثقافتهم المنحوسة) ([34])
وهكذا تحدث في مواضع كثيرة عن أن الحجاب مجرد لبنة من اللبنات التي أقام عليها الإسلام جدار العفة في المجتمع، ومن اللبنات الأخرى التي اهتم بها الخامنئي، ما عبر عنه بقوله: (هناك شي ء في الغرب يملأ العيون، وهو عدم وجود تفاوت في السيرة الاجتماعية للرجل والمرأة في المجتمع؛ فكما أن الرجل يدخل إلى الاجتماع فيسلِّم وينضم إلى الحاضرين، كذلك المرأة تدخل بنفس السهولة وتنضم إلى الموجودين، وهي نقطة ايجابية، لكنها سطحية وظاهرية وإلى جانبها سلبيات كثيرة) ([35])
ومن تلك السلبيات التي ذكرها عن هذه الظاهرة التي لا تتناسب مع أحكام الشريعة الإسلامية، كما لا تتناسب مع كرامة المرأة (إنهما (أي الرجل والمرأة) داخل الأسرة ليسا كذلك إطلاقاً، فالاحصاءات والأخبار القطعية، لا الكلام المنبري والشعارات، كلها تشير إلى ظلم المرأة، حتى الرجل يظلم، لكنه رجل وصاحب اليد الأقوى، لكن التي تظلم بشكل قطعي هي المرأة، ذلك لأن زوجها يقيم علاقات عاطفية وجنسية مع عدّة نساء غيرها، وله علاقات حميمة ودافئة لا يقيمها مع زوجته! ذلك يشكل أكبر ضربة للمرأة؛ فالمرأة ترغب مع شريك حياتها، وأن تكون بينهما علاقات عاطفية صادقة، وأن يكون الأقرب إلى بعضهما من العالم كلِّه) ([36])
وهكذا تحدث عن الاختلاط السلبي وآثاره التي لا تتناسب مع الشريعة الإسلامية؛ فقال: (في الإسلام هناك حجاب بين المرأة والرجل، إنه أمر لا يمكن إنكاره، فهذا الحجاب موجود، وهو موجود لحكمة ما، وحقيقة لا بد من وجوده. وعندما يقال أن انفراد الرجل والمرأة داخل غرفة مغلقة لوحدهما حرام، فإن لذلك التحريم معنى عميق وحكيم، وهو أمر صحيح، وكل رجل وامرأة إذا عادا إلى أنفسهما فسيؤيدان هذا الحكم، والحكم الذي يحرّم على المرأة أن تظهر بزينتها أمام الرجال وفي جمع من الرجال، حكم صحيح؛ فالثقافة الإسلامية تذمّ ُ التبرُّج لغير الزوج) ([37])
لكنه ينبه إلى أن حرمة الاختلاط ليست مطلقة، بل هي خاصة بما ذكرته الشريعة، وفي المحال المحددة المضبوطة، أما ما عداها مما لا علاقة له بالفتنة؛ فإن الشريعة تسامحت في ذلك، يقول الخامنئي: (ومن جملة ذلك (الأحكام الإسلامية) مسألة الحجاب، ومسألة وجود حد بين الرجل والمرأة، وذلك الحد في منطقة خاصة ولا يشمل كل الأماكن) ([38])
هذا مثال عن بعض مواقف السيد الخامنئي من حقوق المرأة المرتبطة بهذا الجانب، وعلى أساسه شرعت القوانين الإيرانية التي حفظت المجتمع من التهتك وإثارة الغرائز؛ فالذي يتحرك في الشوارع الإيرانية لا يرى إلا الطهارة والعفاف، الذي تفتقده أكثر المجتمعات الإسلامية.
وهذا لا يعني عصمة المجتمع جميعا؛ فذلك مستحيل؛ فليس هناك مجتمع معصوم، ولكن العبرة بالعموم، وللأسف نجد المغرضين ينقلون صورا لتبرج بعض الإيرانيات أو كونهن في أوضاع مخلة بالحياء، وفي أماكن مغلقة، أو ربما اختلاسا عن الشرطة المكلفة برعاية الأخلاق، ثم يذكرون أن هذا هو واقع المجتمع الإيراني، أو الواقع الذي يطالب به الشعب الإيراني.
2 ـ حقوق المرأة المرتبطة بالتربية والتعليم:
وهي من أهم الحقوق التي أكد عليها قادة الثورة الإسلامية قبل انتصار الثورة وبعدها، وقد كفلها الدستور وجميع القوانين، ولذلك نرى للمرأة حضورا قويا في المؤسسات العلمية والتربوية في جميع المراحل، بل نراها تفوق الرجال في الكثير من المؤسسات العلمية، سواء في مراحل التعليم العادي أو التعليم العالي.
وربما يكون سر ذلك في تلك الدعوات الحثيثة من قادة الثورة الإسلامية للمرأة بالمشاركة الفاعلة في تحقيق أهداف الثورة، ومن أهم نشر العلوم والمعارف بين جميع أفراد الشعب.
وقد سبق أن ذكرنا بعض النصوص عن الإمام الخميني، واهتمامه بهذه الجوانب، وسنذكر هنا باختصار بعض تصريحات السيد الخامنئي، وتصوراته لكيفية تحقيقه في الواقع.
فمن ذلك قوله في خطاب موجه للنساء، يدعوهن إلى التعلم، وجعله مقصودا لذاته، لا وسيلة لغيره: (إني أؤكد لكنّ أيتها النسوة المسلمات والمؤمنات اللواتي اجتمعتنّ اليوم هنا: من كانت منكنّ تدرس فلتدرس بجدّ، لكن الدراسة ليست مقدمة للعمل فقط، ليست من أجل العمل وكسب المال إنّ ِ دراسة النساء أمر مهم جداً بهدف اكتساب المعرفة، ومهمة من أجل رفع مستوى الرشد الفكري. أما العمل فإنّه يأتي في الدرجة الثانية)([39])
وبين أهمية دخول المرأة للمؤسسات العلمية في مراحلها جميها؛ فقال: (إن المجتمع الذي تدرس فيه النساء والرجال، فإن عدد المتعلمين فيه يكون ضعف عدد المتعلمين في المجتمع الذي لا يدرس فيه إلا ذكوره. وعندما تدرّس النساء في المجتمع، فإن عدد المعلمين سيتضاعف عما هو عليه عندما يكون الرجال وحدهم معلمون)([40])
ويضرب مثلا على ذلك؛ فيقول: (على فرض أن لدينا بين الخمسين مليون إنسان في مجتمعنا، لدينا مثلاً ثلاثين أو خمسة وثلاثين مليون إنسان في عمر يناسب تقديم الثمار لهذا البلد، فمن الطبيعي أن نصف هذا العدد هو من النساء، فهل من المعقول أن نغفل بسهولة عن كل هذه الطاقات الكامنة؟ وهل يعقل أن نتغاضى عن هذه الخزانة الإلهية المتمثلة بوجودهنّ ِ؟ لا بد أن يكون بينهنّ العالمات) ([41])
وهكذا نراه يدعو المسؤولين إلى تشجيع النساء، لا على الدراسة فقط، وإنما على مواصلة البحث والتعليم إلى آخر مراحله؛ فيقول: (ادفعن النساء للدراسة، شجّعن الفتيات على الدراسات العليا، أمّنّ َ وسهلن وسائل دخول الفتيات إلى المراكز العليا من خلال الطرق القانونية. إذا حصل ذلك فستحل كل الأمور برأيي) ([42])
وهو يدعو إلى ربط العلم بالتربية والسلوك الأخلاقي، والاهتمام بالحكمة، باعتبارها الوسيلة التي يحقق بها الإنسان إنسانيته، يقول: (إن الجوهر الإنساني عزيز لدى المرأة والرجل، وعندما يتعلّمان العلم والحكمة، فإنهما يسعيان إلى إبراز وجلاء ذلك الجوهر أكثر فأكثر. فإذا كانت هناك امرأة ما قد بلغت مستوى عالياً من العلم، لكنها غفلت عن جوهرها الإنساني، ولم تعتني به، وقللت من احترامه، فما هي قيمتها حينئذٍ؟ إن الجوهر الإنساني يجب أن ينمو لدى المرأة والرجل، وهي مسألة ذات قيمة) ([43])
وهو يدعو النساء كذلك إلى الاهتمام بالمطالعة، وعدم الاكتفاء بما يدرسنه في المؤسسات الدراسية؛ فيقول: (إن من جملة الأمور الأساسية جداً تعليم النساء القراءة والكتابة، ومن جملة الأعمال المهمة جداً دفع النساء للمطالعة، جدن أساليب مبتكرة لجعل النساء يمارسن المطالعة داخل بيوتهنّ ِ. للأسف إن نساءنا لا يأنسن كثيراً بالمطالعة، آلاف الكتب تصدر في الأسواق وتنفذ دون أن يطّلعن عليها. هذه الكتب تمثل المعارف البشرية، وهي توقد الأذهان لفهم أفضل وفكر أحسن وابتكار أكثر، وتجعلها في موقع أفضل وأسلم) ([44])
ويقول: (عليهم أن يسمحوا لبناتهم بالدراسة والمطالعة وقراءة الكتب، وأن يطّلعن على المعارف الدينية والإنسانية، لتقوى أذهانهنّ ِ وعقولهنّ ِ وتنشط، إنه أمر ضروري جداً) ([45])
وهو يدعوهن إلى الاهتمام بتعلم كل ما يرتبط بالحياة، وخاصة الأسرية منها؛ فيقول: (من جملة الأمور الأخرى الهامة جداً تعليمهنّ ِ الأساليب الصحيحة للعمل والتصرّف داخل البيت، أي كيفية التعامل مع الزوج والأبناء، فهناك نساء جيدات، يمتلكن الصبر والعفو والأخلاق، لكنهنّ ِ يجهلن الأساليب الصحيحة للتصرف مع الزوج أو الأولاد. علّموهنّ ِ الأساليب العلمية والأمور التي تطوّرت من خلال التجربة البشرية يوماً بعد يوم، حتى بلغت مراحل جيدة. ومنكنّ ِ من خاضت تجارب جيدة، عليكنّ أن تجدن الأساليب المناسبة لإرشاد السيدات إلى هذه المسائل) ([46])
وهكذا يدعوهن إلى التعرف على الأحكام والقوانين التي تتيح لها أن تحافظ على حقوقها، حتى لا يظلمها أحد، يقول: (على المرأة نفسها أن تعرف قبل غيرها شأنها الإسلامي وتدافع عنه. عليها أن تعرف ما هو حكم اللّه والقرآن والإسلام حول قضاياها، وما يُراد منها، وتفرضه عليها مسؤوليتها. وعليها أن تؤمن بما قال الإسلام وأراد، وأن تدافع عن ذلك. لأنها إن لم تفعل ذلك فإن الذين لا يلتزمون بأي مبدأ سيسمحون لأنفسهم بظلم المرأة. كما هو الحال اليوم في العالم الغربي حيث يلحق الرجل الغربي أفدح الظلم بالمرأة تحت ظل الأنظمة المادية لتلك الديار، ورغم كل الشعارات التي يطلقونها حول المرأة. حيث الأب يظلم ابنته، والأخ أخته، والزوج زوجته، وحيث تؤكد الإحصاءات التي ينشرونها أن أكبر ظلم وتعرّض وتعدٍ يلحق بالنساء والزوجات والأخوات بل وحتى البنات يرتكبه الرجال الذين يعيشون في الأنظمة الغربية. أي أنه عندما يكون النظام غير محكوم للقيم المعنوية، ولا تعمر قلوب أهله باللّه؛ فإن الرجل يجد الطريق أمامه مفتوحاً ليظلم المرأة ويعتدي عليها، معتمداً بذلك على قدرته الجسدية، إن الذي يمنع ذلك أمران: الخوف من اللّه واحترام القانون وعمران القلب بالإيمان وما إلى ذلك، وأن تكون المرأة مطلعة جيداً على حقها الإنسان والإلهي، وأن تدافع عنه، وأن تجد نفسها بالمعنى الحقيقي للكلمة) ([47])
ومع أن هذا القول طبيعي، بل يدل على حرص أبوي كبير من السيد الخامنئي على المرأة الإيرانية، ودعوته إلى الترقي والتربية والتحضر، لكن المغرضين راحوا ينقلون حديثه هذا، مبتورا عن سائر الأحاديث، ويشيعون بأن النظام الإيراني يمنع المرأة من التعلم إلا في المجالات التي تختص بالأسرة ونحوها.
ومن الأمثلة على ذلك ما كتبته صحفية تونسية تحت عنوان [دور المرأة المتعلمة في إيران يقتصر على تربية الأبناء]، والذي قالت فيه: (تؤمن الطبقة الحاكمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأن المرأة خلقت لتنجب وتربي الأبناء وبأن تقبّل خروجها للتعلم ليس إلا لتمكينها من المؤهلات والثقافة التي تسهل عليها أداء هذه المهمة، ويترجم هذا الإيمان في كل ما يتصل بالمرأة في إيران) ([48])
وكان دليلها على هذا هو أنه طهران ـ كما تذكر ـ نظمت ندوة بعنوان [مكانة المرأة العالمة في إيران والعالم العربي]، وهي لم تشغل نفسها كثيرا بالاطلاع على المحاضرات التي ألقيت، ولا البحوث التي كتبت، وإنما اكتفت ببند من التوصيات، يذكر (دور المرأة العالمة في تنشئة الأجيال)، والذي علقت عليه بقولها: (لا تتغير نظرة السلطات الإيرانية للمرأة بحسب مستواها التعليمي، فلا فرق بين التي تحصلت على أعلى الشهادات العلمية أو الأمية أو ذات المستوى التعليمي المتواضع لأن دورها الأول والأخير يظل تربية الأبناء وتقديم فروض الطاعة للرجل، هذه هي عقيدة الساسة الإيرانيين المتشددة والمحافظة إزاء المرأة والتي عملوا على ترسيخها وتكريسها في ثقافة ووعي المجتمع الإيراني)
وللأسف؛ فإنها تردد هذه المغالطة الخطيرة مع كونها تقر بالنسب المرتفعة لتعليم النساء في إيران، وأنه ليس هناك حواجز تحول دون تعليمين، بل هناك المحفزات التي ترغب في ذلك، قالت: (.. ورغم أن نسب تسجيل الإيرانيات بالمدارس والجامعات مرتفعة، وقد تفوق أعداد الطالبات في العديد من الجامعات أعداد الطلاب الذكور، وكذلك ترتفع نسب المتحصلات على شهادات التعليم العالي إلا أن ذلك لا يترجم في أدوارهن في المجتمع والاقتصاد كقوى عاملة مؤثرة كما لا يسجلن حضورا بارزا في التمثيل السياسي، وفي مواقع القرار في مختلف أجهزة الدولة)
ثم عللت ذلك برؤيتها العلمانية التي اكتسبتها من الأنظمة التي حكمت تونس؛ فأصبحت من حيث لا تشعر تنظّر للدول الإسلامية، وكأن تونس ووضع النساء فيها نموذج ينبغي أن تحتذيه سائر الدول الإسلامية، تقول: (يفسر واقع المرأة في إيران بما تراه الحكومة الإيرانية تطبيقا لقراءتها للشريعة الإسلامية القائمة على التمييز بين الرجال والنساء، وفي حال وجدت فعاليات تركز على المرأة فإنها لن تأتي بما يخالف هذه النظرة، لذلك فإن طرح موضوع حول مكانة المرأة العالمة لا ينتظر منه غير التأكيد على أن تعليم المرأة لا يندرج ضمن تكوينها لتلعب أدوارا كثيرة وفعالة في بناء الاقتصاد ولا التأثير على السياسة بل هو فقط ينير عقلها ويمنحها الثقافة التي تلزمها عندما تصبح مسؤولة عن تربية الناشئة)
ولو أن هذه الصحفية كلفت نفسها بالانتقال إلى الواقع الإيراني، أو بمطالعة خطب قادة الثورة الإسلامية، لصححت نظرتها القائمة على إسقاط نموذج طالبان وغيره على النظام الإسلامي في إيران.
ومن الأمثلة على ذلك قول السيد الخامنئي مطالبا النساء بالتخصص في جميع فروع الطب، وعدم الاكتفاء بأمراض النساء؛ فيقول: (وأشير هنا إلى ضرورة تخصص النساء في كافة الفروع والتخصّصات الطبية، وعدم الاكتفاء بالطب النسائي، فما دمنا نعتقد بضرورة وجود فاصلة في العلاقة والارتباط الاجتماعي بين المرأة والرجل، ونؤكد على رفض الاختلاط الحر بين المرأة والرجل، ونعتقد بالحجاب بمعناه الواقعي والكامل؛ لذلك لا يمكننا إهمال المسألة الطبية. أي أنه يلزمنا وجود نساء طبيبات بنفس النسبة الموجودة من الأطباء الرجال، حتى تتمكن المرأة من مراجعة الطبيبة في أي اختصاص أرادت، ولا داعي للمساس بتلك الفاصلة. بل علينا أن نرتب الأمر لتتمكن المرأة من مراجعة الطبيبة دون أي إشكال، الطبيبة المرأة وليس الطبيب الرجل، بعض النسوة يعتقدن أن على المرأة أن تدرس التخصصات النسائية فقط، وأن يبقى تخصصهنّ محصوراً بأمراض الحمل والولادة، لكن الأمر ليس كذلك، على النساء أن يدرسن جميع أنواع وأقسام الفروع التخصصية مثل: القلب والأمراض الداخلية والأعصاب وغير ذلك، إن ذلك فريضة عليهنّ ِ، وهو تكليف على النساء أكثر من الرجال حالياً. فرغم حاجة مجتمعنا لدراسة الفروع المختلفة للعلوم من أجل بناء المجتمع) ([49])
ويدعوهن إلى الدخول في كل الفروع العلمية؛ فيقول: (اسعين إلى تشجيع الجامعيات وقمن بإعدادهنّ في مختلف الفروع العلمية. فإن هذا العمل سيحقق أهداف الثورة والبلاد، والناس بحاجة لخدماتكنّ، كما إنهم بحاجة لأسلوب ولطريقة تعهدكنّ ِ والتزامكنّ ِ بالدين)([50])
ويقول في محل آخر: (إن العلم أمر عزيز جداً، وإني أؤيد أن تتعلم النساء في مجتمعنا جميع الفروع العلمية. في اللقاء السابق قبل عام أو عامين أكدت على أولوية الفروع الطبية، ذلك لأن الطب ضرورة نقدية وفورية لنا، لكن على النساء أن يقبلن على جميع الفروع والاختصاصات، ويستثمرن طاقاتهنّ) ([51])
وهكذا نراه يدعو النساء إلى مواجهة ظاهرة توقيف البنات على الدراسة في سن مبكر لغرض تزويجهن، وهو ما يرد ردا حاسما على ما يشاع عن مواقف النظام الإيراني في هذه الجوانب؛ يقول: (لقد قلت عدة مرات أن جزءاً مهماً من هذا الأمر يقع على عاتق واضعي القوانين، لكنّ ِ الجزء المهم الآخر يقع على عاتق النساء أنفسهنّ، أولاً من خلال الدراسة واكتساب المعارف الدينية والعلمية وعدم الاكتفاء بالدراسة الرسمية فقط، وقراءة الكتب والأنس بها. ومن خلال الإطلاع على الحقوق التي ضمنها الإسلام للمرأة المسلمة، وحقوق المرأة داخل أسرتها. فإذا سرنا في هذا الطريق الذي أشار إليه الإسلام، فسيختفي الظلم الذي لحق بالمرأة طوال التاريخ في سائر المجتمعات، ومن بينها مجتمعاتنا الإسلامية مع الأسف)([52])
وهو يدعو إلى التزام القيم الأخلاقية عند التعلم، وخاصة ما يرتبط بالصيانة وكرامة المرأة، يقول: (إن على نساء إيران، وخاصة اللواتي استطعن أن يدرسن العلوم المختلفة في إطار الإسلام وأحكامه، وأهم من ذلك أنهنّ فعلن ذلك وهنّ ِ ملتزمات بالحجاب، عليهنّ ِ أن يفهمن النساء والفتيات والجامعيات في العالم أن العلم لا يعني التهتك، وليس من شروط طلب العلم التهتك في الموازين الأخلاقية وفي المعاشرة بين المرأة والرجل؛ بل يمكن تحصيل العلم مع الالتزام الكامل بهذه الموازين، والوصول إلى درجات ومستويات عالية. وإن وجودكنّ ِ يمكنه أن يشكل نموذجاً من ذلك النداء العالمي للإسلام) ([53])
بل إنه يدعو المسؤولين للتفكير في إنشاء جامعات خاصة بالنساء؛ فيقول: (بلغني أن هناك نية وحديث لإيجاد جامعة خاصة بالنساء إن شاء اللّه، أي أن يكون الأستاذ فيها والمدير والطلاب، بل وحتى الجهاز الإداري من النساء، خاصة في الجامعات الطبية. إنها فكرة جيدة جداً. إني أنظر للأمر من بعيد، دون أن أتابع جوانب القضية بشكل مفصّل، لعدم وجود فرصة لذلك، لكنّي أرى بشكل إجمالي أن هذا الأمر جيد جداً، ويتناسب بشكل كامل مع الأهداف العامة والقيمة لحركة المرأة في مجتمعنا. أسأل اللّه أن يوفقكنّ ِ ويؤيدكنّ ِ في ذلك) ([54])
وقد آتت تعليمات قادة الثورة الإسلامية آثارها في المجتمع الإيراني؛ فوسائل الإعلام تنشر كل حين أخبار تفوق النساء الإيرانية في المجالات العلمية المختلفة، وهو أكبر رد على ذلك الإعلام المغرض الذي يحاول أن ينقل صورة مختلفة تماما ممتلئة بالتزوير والكذب.
ومن تلك الأخبار ما ورد في مقال بعنوان [المرأة المتفوقة تحدٍّ إيراني]، جاء فيه: (الدراسة الجديدة – التي قام بها مركز الشورى الإيراني حول التحولات التي طرأت على تعليم المرأة خلال العقد الماضي تشير إلى ارتفاع أعداد الطالبات المقبولات في مرحلة الاستعداد لدخول الجامعة من 32 بالمائة إلى 65 بالمائة، وقد تبين أن نسبة كبيرة من هولاء المقبولات هن متفوقات، ما ينعكس على مسيرة حياتهن الجامعية، وبالتالي يفرض على الحكومة توفير فرص عمل للاستفادة من خبراتهن. الأمر الآخر هو أن الهيئات المشرفة على توزيع المقاعد الجامعية اضطرت خلال العامين الماضيين إلى اتباع سياسة جديدة في توزيع المقاعد الجامعية بحيث خصصت 30-40 بالمائة للذكور، و30-40 بالمائة للإناث، فيما تركت حوالي 25 بالمائة للتنافس الحر بين الجنسين) ([55])
3 ـ حقوق المرأة المرتبطة بالعمل والإنتاج:
وهي من الحقوق الأساسية التي كفلها الدستور، ودعا إليها كل قادة الثورة الإسلامية؛ بل إن دعواتهم للمرأة بأن تؤدي واجبها في المجتمع، وفي جميع المجالات التي تطيقها لا نكاد نجد مثلها في أي نظام آخر.
ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره قائد الثورة الإسلامية الحالي السيد علي الخامنئي من ضرورة مشاركة المرأة في كل مجالات الحياة؛ فقال: (إنّنا نعتقد أنّ ِ النساء في كلّ ِ مجتمعٍ بشري سالمٍ قادرات وعليهنّ ِ أن يجدن الفرصة لبذل الجهد والتسابق في مجال التقدّم العلمي والاجتماعي والبناء والإدارة في هذا العالم في حدود سهمهنّ. وفي هذا المجال ليس هناك أيّ ُ فرق بين المرأة والرجل)([56])
ويقول في موضع آخر: (في الساحة الثانية، أي ساحة النشاطات الاجتماعية والسياسية والعلمية وباقي النشاطات المتنوعة، يحق للمرأة المسلمة كما يحق للرجل المسلم أن تقوم حسب مقتضى الزمان بمل ء الفراغ المحسوس وأداء المهام الملقاة على عاتقها)([57])
ويقول: (لذلك ليس هناك أي تفاوت بين المرأة والرجل في مجالات الإعداد والاقتصاد والتخطيط والتفكير ووضع الدراسات لشؤون البلد والمدينة والقرية والجماعة والشؤون الشخصية للأسرة، فالكل مسؤول وعلى الكل أن يؤدي المسؤولية) ([58])
ويرد على المتشددين الذين قد ينكرون هذا؛ فيقول: (لا يوجد تفاوت بين الرجل والمرأة في مزاولة النشاطات المختلفة في شتى المجالات في نظر الإسلام؛ فمن يقول إن الرجل يمكنه أن يدرس والمرأة لا يمكنها ذلك، والرجل يمكنه أن يدرّس والمرأة لا يمكنها ذلك، والرجل يمكنه أن يمارس نشاطاً اقتصادياً والمرأة لا يمكنها ذلك، والرجل يمكنه أن يمارس العمل السياسي والمرأة لا يمكنها ذلك؛ فإنه لا يبين المنطق الإسلامي، وكلامه مخالف لكلام الإسلام؛ فإن رأي الإسلام هو أن للرجل والمرأة أن يمارسا جميع النشاطات المتعلقة بالمجتمع البشري ونشاطات الحياة، وهما في ذلك سواسية) ([59])
وهو يذكر دائما الأدلة الشرعية التي ترد على أولئك الذين يقزمون دور المرأة، ويحصرونه في ممارسة نشاطاتها الأسرية؛ ومن ذلك قوله: (فالساحة مشرّعة أمام الرجال والنساء في المجتمع الإسلامي، والشاهد على ذلك جميع الآثار الإسلامية الموجودة في هذه المجالات، وجميع التكاليف الإسلامية التي تجعل المرأة والرجل متساويين في مسؤولياتهما الاجتماعية) ([60])
ومن الأدلة التي يستدل بها عادة على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم)، ويعلق عليه بكونه (لا يختصّ بالرجال، بل على النساء أيضاً أن يدركن مسؤولياتهنّ ِ تجاه أمور المسلمين والمجتمع الإسلامي وأمور العالم الإسلامي وكل ما يجري في العالم، وأن يبدين اهتماماً بذلك، لأنه واجب إسلامي)([61])
وهو يرى أن منع المرأة من ممارسة نشاطاتها التي تطيقها ظلم، يقول: (إذا كانت المرأة تمتلك طاقات علمية مثلاً، أو قدرة على الاختراعات والاكتشافات، أو كانت مؤهلة لأداء نشاط سياسي أو عمل اجتماعي، ولم يسمح لها أن تستغلّ طاقتها تلك، وأن تنمّي قدراتها تلك، فذلك ظلم)([62])
ويقول: (نعم إطرحن هذا السؤال وهو: لماذا لا تتولى النساء مسؤوليات ومديريات أساسية؟ فهو سؤال مقبول. فحيث تمتلك المرأة مؤهلات جيدة يمكنها ذلك، لا أن يأخذكنّ التعصّب وتقلن يجب أن تتولى المرأة المنصب الفلاني، نعم في الأماكن التي لا يمنع الإسلام منها لابأس، فهناك أماكن قد يمنع الإسلام منها، وفي غيرها لا ضير من تولّي المستويات العليا، عندما يريدون اختيار الأصلح لتولي هذه الأمور يجب أن ينظر إلى النساء إلى جانب الرجال، ويرون من هو الأصلح منهم دون أي تعصّب)([63])
وهذه التصريحات التي ذكرها الخامنئي، والتي نجد نظائر لها كثيرة في كلمات الخميني، وقد سبق ذكر بعضها، لم تكن مجرد كلمات، بل كان الواقع الإيراني كله يدل عليها.
وقد ورد في مقال بعنوان [المرأة الإيرانية ودورها الرسالي في الأمة] ذكر مختصر لبعض الأدوار التي ساهمت بها المرأة في خذمة الثورة الإسلامية الإيرانية قبل الانتصار وبعده، ومما ورد فيه: (اضطلعت المرأة الإيرانية بدور مهم وأساسي في حركة النهضة الإسلامية المباركة منذ انطلاقها، وواكبت مسيرتها، وقدمت لها دعماً كبيراً حتى تحقق النصر المنشود، فكان النصر نتيجة بطولات وتضحيات المرأة المسلمة. حتى إن مفجر الثورة الإسلامية الإمام الخميني الراحل أشاد بدور المرأة في الثورة الإسلامية وخاطبها بالقول: (أنتن أيتها النساء الأبطال، كنتن وما زلتن في طليعة هذا النصر).. وقال: (لقد أثبتن أيتها النساء أنكن دائماً في الصفوف الأمامية، وأنكن سباقات على الرجال، وأن الرجال يستلهمون عزيمتهم منكن، إن رجال إيران استلهموا بطولاتهم من النساء وتعلموا منهن)([64])
وذكر صاحب المقال أن ذلك النشاط الذي مارسته المرأة الإيرانية قبل الانتصار وبعده، لم يتعارض أبدا مع القيم الأخلاقية والإيمانية التي جاءت بها الشريعة، بل كان منطلقا منها، يقول: (بالطبع إن النشاط الذي قامت به المرأة الإيرانية في فترة الثورة الإسلامية وبعدها لم يتعارض مطلقا مع حجاب المرأة واحتشامها والتزامها الديني والأخلاقي، فقد كانت القيم والأخلاق حاضرة بتفاصيلها مع المرأة الإيرانية أينما حلت وأثناء حركتها وثورتها مما جعلها نموذجاً للمرأة المسلمة الواعية بملابسات الحياة والمدركة لتقلبات الزمن وأهمية المرحلة الراهنة وآفاق المستقبل)
وأشار صاحب المقال إلى بعض الأدوار التي قامت بها المرأة الإيرانية بعد انتصار الثورة الإسلامية؛ فقال: (لقد قامت المرأة الإيرانية بعد الثورة الإسلامية بأدوار مهمة أيضاً على صعيد بناء المجتمع وإنشاء المؤسسات الإجتماعية والإقتصادية والمدنية وأدت رسالتها على أفضل وجه ممكن مما دفع الإمام الخميني إلى القول: (إن نساء إيران يمارسن اليوم نشاطاتهن في كل المجالات، سواء الثقافية أو الاقتصادية حيث تعمل شريحة كبيرة منهن في الزراعة وأخرى في الصناعة، وثالثة تمارس نشاطها في حقل الثقافة والأدب والفن، إن جميع هذه الجهود مشكورة عند الله تبارك وتعالى وهي في عنايته ورعايته إن شاء الله)
وذكر أدوار المرأة في الخدمة الاجتماعية، والمؤسسات المرتبطة بها؛ فقال: (قامت المرأة الإيرانية بدور فاعل في رفع الحرمان عن الطبقات الفقيرة في المجتمع من خلال نشاطاتها في مؤسسات دعم المستضعفين التي تأسست بعد انتصار الثورة الإسلامية، بل إن هذه المرأة حملت هم المستضعفين في أقصى نقاط البلاد فقامت بتقديم ما تملكه من المدخرات والأموال من أجل تحقيق بعض الرفاهية والسعادة لهم، وقد أشار الإمام الخميني إلى هذا المعنى في إحدى خطبه فقال: (فئات كثيرة ومختلفة من النساء جاءت لتقدم ما ادّخرته في حياتها إلى المستضعفين ليبنوا لهم بيوتا)
وذكر أدوار المرأة على صعيد التعليم خصوصا؛ فقال: (شكلت ساحة العلم والتعليم مجالاً لتمارس المرأة الإيرانية دورها الرسالي بشكل واسع، فازدحمت المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية والمراكز الثقافية بالنساء اللاتي قدمن إليها من كل حدب وصوب من أجل أداء رسالتهن المقدسة)
وما ذكره صاحب المقال يدل عليه الواقع الإيراني، والذي تشارك فيه المرأة مشاركة واسعة، قد تفوق في بعض المحال الرجل نفسه.
وهي مع كل هذه المشاركة لا تتخلى عن قيمها الإيمانية والأخلاقية، وأولها التزامها بالحجاب الشرعي، والآداب المرتبطة به، التزاما بتوجيهات قادة الثورة الإسلامية الذين يتحدثون كل حين أن حقيقة الإنسان وجوهره منوط بتلك القيم، وليس بالحقوق التي ينالها.
ومن ذلك قول السيد الخامنئي، وهو يخاطب مجمعا نسويا: (افترضن أن امرأة قد تقلَّدت منصباً حكومياً كبيراً، وكان ذلك المنصب مهماً جداً، ويراجعه رجال كثيرون، فلا إشكال في ذلك، ولا مانع من تولي امرأة لذلك المنصب، فيمكن للمرأة أن تستقبل في منصبها آلاف الرجال والمراجعين، وبشكل حكيم، وكذلك الأمر في ساحة المواجهة وفي ساحة الحرب، كالساحة التي شاركت فيها السيدة زينب، والسيدة الزهراء، والسيدة حكيمة، أو أخت الإمام الصادق عليه السلام حيث طلب الإمام من سائليه أن يسألوه)([65])
وقال ـ يحث النساء على الاهتمام بالمشاركة في الوظائف المرتبطة بالمرأة خصوصا ـ: (ما دمنا نعتقد بضرورة وجود فاصلة في العلاقة والارتباط الاجتماعي بين المرأة والرجل، ونؤكد على رفض الاختلاط الحر بين المرأة والرجل، ونعتقد بالحجاب بمعناه الواقعي والكامل؛ لذلك لا يمكننا إهمال المسألة الطبية، أي أنه يلزمنا وجود نساء طبيبات بنفس النسبة الموجودة من الأطباء الرجال، حتى تتمكن المرأة من مراجعة الطبيبة في أي اختصاص أرادت، ولا داعي للمساس بتلك الفاصلة. بل علينا أن نرتب الأمر لتتمكن المرأة من مراجعة الطبيبة دون أي إشكال، الطبيبة المرأة وليس الطبيب الرجل) ([66])
وهو يدعو النساء إلى عدم إهمال أهم نشاط تزاوله المرأة، وهو اهتمامها بأسرتها، يقول: (البعض يعيش الإفراط، والبعض الآخر يعيش التفريط، فالبعض يقول بما أن النشاط الاجتماعي لا يسمح لي بالاهتمام بالبيت والزوج والأولاد، لذا عليّ ِ ترك النشاط الاجتماعي، والبعض تقول بما أن البيت والزوج والأولاد لا يسمحون لي بمزاولة النشاط الاجتماعي، إذاً عليّ ِ أن أتخلى عن الزوج والأولاد. وكلا النظرتين خطأ، فلا يجوز ترك هذا لذاك، ولا ذاك لهذا)([67])
ويقول: (أن يربّين في أحضانهنّ ِ بشراً دون عقد، وإنساناً صحيحاً وسالماً، تلك هي أهم قيمة لعمل المرأة، وهو لا يتنافى مع العمل العلمي والعملي، وهو أحب عمل لدى النساء)([68])
ومع كل هذه التصريحات التي دل عليها الواقع الإيراني نجد ـ للأسف ـ الإعلام المغرض يصور الأمر بصورة مختلفة تماما؛ فهو يصورها بصورة المظلومة، لا لكونها لم تشارك في كل نشاطات الحياة، وإنما لكونها تمارسها وهي ملزمة بالالتزام والحشمة والحجاب، وكأنه يتصور أنه لا يمكن أن تمارس أي وظيفة إلا بخلع تلك القيم الأخلاقية.
ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في مقال مغرض بعنوان [المرأة الإيرانيّة.. أنصفها التاريخ أكثر من الحاضر]، والذي يقر صاحبه بمشاركة المرأة الإيرانية في كل شؤون الحياة، حتى السينما، لكنه يحاول أن يصور بأن كل ذلك يمارس تحت ضغوط كبيرة.
يقول في ذلك: (باستثناء السينما، تشارك المرأة الإيرانية في الفنون بمختلف أشكالها. في الموسيقى، نرى نساء يعزفن في حفلات عامة على مختلف الآلات الموسيقية. لكن لا يمكنهن الغناء بشكل منفرد. يستطعن فقط الغناء ضمن مجموعة. بعض الإيرانيات لم يحرمن أنفسهن من شغفهن بالفن التشكيلي. صحيح أنه ما من قانون يمنع ذلك، إلا أن الدولة تفرض عدداً من القيود بحق الفنانين والفنانات على حد سواء. على سبيل المثال، تحدد الجامعات المواضيع التي يمكن للطلاب العمل في إطارها، وتمنع رسم جسد امرأة أو نحته حتى لو كان الأمر خدمة للفن التشكيلي. وإن برزت المرأة الإيرانية كعنصر أساسي على لوحة أو تمثال، فذلك لأنها تمثل الأم أو زوجة الشهيد. ويرى البعض في ذلك تكريماً للمرأة في هذا المجتمع، بعدما كانت تظهر في السابق كجارية أو غير ذلك. وخلال الأعوام التي تلت الثورة الإسلامية، شهدت السينما الإيرانية انحداراً كبيراً، وغابت المرأة عن معظم الأفلام. لكن مع وصول السينما الإيرانية إلى العالمية في تسعينيات القرن الماضي، أصبحت المرأة المخرجة والممثلة والمصورة جزءاً من جميع الأفلام. في البداية، لم تتطرق الأفلام إلى مشاكلها همومها وطموحاتها، علماً أن أفلام اليوم باتت تتناول مشاكل وهموم وتطلعات المرأة)([69])
وما ذكره صاحب المقال من القيود المفروضة على المرأة في مجالات عملها صحيح، ذلك أن النظام الإسلامي في إيران لا يريد أن يكسب سمعة طيبة لدى حقوق الإنسان على حساب قيمه ومبادئه وأخلاقه، لأن تلك المبادئ هي الأساس الذي تقوم عليه كل النشاطات.
وقد نبه السيد الخامنئي إلى هذا المعنى عند استعراضه للمجالات التي يمكن أن تعمل فيها المرأة، والمتناسبة مع طبيعتها؛ فقال: (إن أهم عمل تقوم به المرأة هو ذلك العمل الذي ينسجم ويتناسب مع خلقتها النسوية، ويتلاءم مع أحاسيسها وعواطفها التي أودعها الله في وجودها، إن من المهم محاكاة العواطف الجيّاشة والتفاعل مع المحبّة التي أودعها الله تعالى في وجود المرأة كله)([70])
ويضرب مثالا على ذلك؛ فيقول: (لنفترض أن بعض النساء قد يشكين من عدم تولي المرأة من قيادة الشاحنات مثلاً، ومن أمثال ذلك، تلك الأمور ليست هامة، وليس لها القيمة التي تجعل الإنسان يكافح لتحقيقها) ([71])
ويذكر حادثة وقعت له في هذا؛ فيقول: (أذكر أني حللت ضيفاً على أحد الطلاب الجامعيين في الهند، أردنا أن نستريح بعد الظهر، فسمعنا صوتاً يأتي من الشباك لاصطدام شيء، نظرت من الشباك فرأيت داخل ساحة من خمسمائة متر تقريباً سيدة في العقد الخامس من عمرها، تحمل مطرقة في يدها، وتحطّم الأحجار التي تملأ الساحة تلك.. فسألته: لماذا تتولّى تلك المرأة هذا العمل؟.. قال: إنها عاملة.. سألته: كم تتقاضى من الأجر يومياً؟.. قال: 4 أو 5 روبيات يومياً.. وكان ذلك عام 1980 م بعد انتصار الثورة) ([72])
ثم علق على هذه الحادثة بقوله: (أعتقد إنه لمن بواعث الفخر أننا لا نجد في الأجواء الإسلامية من يكلّف المرأة بمثل تلك الأعمال الشاقة. نعم لدينا نساء يعملن في مزارعهنّ، إنهنّ ِ يعملن في الشمال لحسابهنّ، لكنهنّ ِ لا يعلمن كأجيرات للآخرين! فهل من المعقول أن يخوض الإنسان نضالاً مريراً من أجل أن تصل المرأة إلى القيام بمثل تلك المهام الشاقة؟! ليست تلك الأمور بذات بال) ([73])
ومن هنا؛ فإن القوانين والواقع الإيراني يمنع المرأة من ممارسة بعض الوظائف التي لا تنسجم مع طبيعتها، وليس في ذلك إلا مزيد احترام لها، يقول الخامنئي: (هناك بعض الأعمال التي لا تناسب المرأة، ولا تتلاءم مع تركيبها الجسدي. كما أن هناك بعض الأعمال التي لا تناسب الرجل، ولا تتلاءم مع وضعه الأخلاقي والجسدي. لكن لا علاقة لذلك بقدرة المرأة على التواجد في ساحة النشاطات الاجتماعية أو عدم قدرتها. فإن تقسيم الأعمال يتم حسب الإمكانات والرغبة واقتضاء كل عمل) ([74])
بل إنه يعتبر ممارسة المرأة لما لا يتناسب مع طبيعتها وقيمها وأخلاقها ظلم لها، وليس حقوقا تطالب بها، يقول: (إذا كانت الظروف بشكل يسلب المرأة قدرتها على الاهتمام بأخلاقها ودينها ومعرفتها بسبب كثرة عملها وضغط المشاغل المتنوعة، فذلك ظلم) ([75])
وهي من الحقوق التي دل عليها الواقع الإيراني حيث نرى المرأة تمارس كل النشاطات السياسية مثل الرجل تماما؛ فلها حق الترشح، وحق الانتخاب، وحق الدخول في الأحزاب السياسية، بل ترأسها، وهكذا نجدها كل المجالات السياسية متاحة لها.
وهي وإن لم يكن عددها كبيرا في مجلس الشورى مثلا؛ فذلك لا يعود للقيود التي تفرض عليها، وتحول بينها وبين الترشح، وإنما لطبيعة المجتمع الإيراني الذي لا يختلف عن سائر المجتمعات الإسلامية في النظر إلى هذا الجانب، ولذلك قد لا تترشح المرأة في بعض المناطق المحافظة جدا، وقد لا تنجح في حال ترشحها، وذلك لا يدل على كون النظام الإيراني ضد ممارسة المرأة حقها السياسي.
وهذا نجده حتى في الدول المتطورة، والتي يسيطر الرجال فيها على أكثر المناصب السياسية، بل لا نكاد نجد امرأة تتولى المناصب الحساسة فيها، مع كون القوانين تسمح بذلك.
فلذلك لا يصح ما يذكره الإعلام المغرض عن الحقوق السياسية للمرأة الإيرانية، ذلك أنه لا يعتمد التنظيرات التي نص عليها قادة الثورة، ولا الحقوق التي نص عليها الدستور والقوانين الإيرانية، وإنما يعتمد الواقع، ويحسب الأمر حسابا كميا؛ فيتصور أن قلة عدد النساء في البرلمان دليل على القيود التي تفرض عليهن، وذلك غير صحيح.
ولو طبقنا هذا المقياس لذكرنا أن أمريكا لا تجيز للمرأة أن تتولى رئاسة الجمهورية، وأنه محجور عليها، ونستدل لذلك بعدم تولي أي امرأة هذا المنصب، وهذا غير صحيح، ولا علمي.
ولهذا؛ فإن المنهج الصحيح في التعرف على الموقف الحقيقي في أمثال هذه القضايا هو النظر في الرؤية الفكرية للقادة السياسيين، لأنها تشكل القاعدة التي تنبني عليها القوانين.
وعند مطالعة ما قاله الخميني، الذي يعتبر الأب الروحي للنظام الإيراني، ومن توصياته تشكلت أكثر القوانين، نجد أنه يتيح للمرأة ممارسة كل النشاطات السياسية التي تقدر عليها، بشرط الكفاءة التي تؤهلها لذلك، لأن الهدف ليس هو أن تتولى المرأة المنصب، وإنما أن يكون المنصب حقيقا بها، وهي حقيقة به.
وقد ذكر الخميني رؤيته في هذا المجال قبل انتصار الثورة الإسلامية، أثناء جوابه على سؤال يقول: (تشغل النساء تجمعاً كبيراً بين المسلمين فما لهنّ وما عليهن في ظل النظام الإسلامي؟)؛ فأجاب بقوله: (تشارك نساء إيران المسلمات الآن في المقاومة والنضال السياسي والمظاهرات على الشاه، وقد أُعلمت أنهن يعقدن اجتماعات سياسية في المدن الإيرانية. وللمرأة في ظل النظام الإسلامي نفس الحقوق التي يتمتع بها الرجل: حق التعليم والعمل والتملك والانتخاب والترشيح. وفي كل المجالات التي للرجل حق فيها لها حق. ومن الأمور والمرافق ما يحرم على الرجل لظهور المفاسد فيها، وهكذا على المرأة. فالإسلام يريد المحافظة على مكانة كل من الرجل والمرأة، ولا يريد أن تكون المرأة ألعوبة بيد الرجل، وما يشيع في الخارج من أن المرأة تعامل في الإسلام بقسوة وخشونة هو أمر غير صحيح وشائعات باطلة، فكلا المرأة والرجل يتمتعان بصلاحيات في الإسلام على الرغم من اختلافات الاثنين المتعلقة بطبيعتهما)([76])
وهكذا نجد الخامنئي يرغب النساء في الثقافة والعمل السياسي في جميع مجالاته؛ فيقول مخاطبا لبعض التجمعات النسوية: (أدعوكن إلى زيادة الحضور في القضايا الإجتماعية والسياسية، والصمود والصبر والمقاومة والحضور السياسي والإرادة السياسية، والإدراك والوعي السياسي ومعرفة البلد والأهداف الوطنية الكبرى والأهداف الإسلامية للدول والشعوب الإسلامية، ومعرفة مؤامرات الأعداء، ومعرفة العدو وأساليبه. عليها أن تقدم في ذلك يوماً بعد يوم)([77])
ويذكر لهن الأمثلة على ذلك من النساء الصالحات المؤمنات، اللاتي كن يشاركن في كل قضايا الأمة؛ فيقول: (أما الإسلام فكان قبلهم بكثير قد أثبت للمرأة حق البيعة والتملك والتواجد في الساحات الأساسية السياسية والإجتماعية {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ} [الممتحنة: 12]؛ فكانت النساء تأتي لتبايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يرفض النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك، ويقول ليأتي الرجال فقط للبيعة، ولم يأخذ برأي الرجال فقط، ولم يجبر النساء على ما قرره الرجال، بل قال للنساء البيعة أيضاً، لهنّ ِ إبداء رأيهن بقبول حكومتي هذه، والمشاركة في قبول هذا النظام الإجتماعي والسياسي)([78])
ويضرب الأمثلة على مدى كفاءة النساء، وقدرتهن على ممارسة العمل السياسي؛ فيقول: (وفي الساحات السياسية أيضاً، رأينا وما زلنا نرى سيدات يمتلكن القدرة على التحليل وخطيبات، ومستعدّات لتولّي المسؤولية في النظام الإسلامي. طبعاً إن هذا الأمر يشهد اتّساعاً، ويجب أن يتطوّر) ([79])
ويضرب المثل لهن بالنساء المؤمنات في زمن النبوة وبعده؛ فيقول: (أولسنا نقول أنها ـ أي الزهراء ـ كانت تذهب إلى المسجد رغم ضعفها، لتحقّ الحقّ؟ إذن علينا أن نسعى لإحقاق الحق في جميع الحالات، علينا أن لا نخاف من أحد أيضاً. أَوَلسنا نقول أنها وقفت وحيدة في مواجهة مجتمع ذلك الزمان؟.. علينا أن نقف في مواجهة عالم الظلم والاستكبار، ونواجهه دون خوف على رغم قلة عددنا) ([80])
وهو يعتبر أن العبرة في كل ذلك بالكفاءة، فهي التي تحدد نوعية العمل، وكيفيته، ولا علاقة لذلك بكون العامل رجلا أو امرأة؛ فيقول: (إني أرى أن أهمية هذا العمل الذي تقوم به السيدات اليوم لا يقلّ أهميّة عن المشاغل الأخرى التي يقمن بها في البلاد، بل إن أهميته أكبر من معظم تلك المشاغل. نعم إطرحن هذا السؤال وهو: لماذا لا تتولى النساء مسؤوليات ومديريات أساسية؟ فهو سؤال مقبول؟.. والجواب عليه هو أنه إذا كانت المرأة تمتلك طاقات علمية مثلاً، أو قدرة على الاختراعات والاكتشافات، أو كانت مؤهلة لأداء نشاط سياسي أو عمل اجتماعي، ولم يسمح لها أن تستغلّ طاقتها تلك، وأن تنمّي قدراتها تلك؛ فذلك ظلم) ([81])
أما بالنسبة للاختلاط الذي قد تفرضه أمثال هذه الأدوار؛ فيجيب عنه بقوله: (لقد وضع الإسلام حدوداً لهذه النشاطات، لكن تلك الحدود لا علاقة لها بالمرأة والسماح لها بالنشاط، بل إنها متعلقة بمسألة الاختلاط بين المرأة والرجل حيث يبدي الإسلام حساسية تجاهها؛ فالإسلام يعتقد أن على الرجل والمرأة أن يحافظا على حدٍّ بينهما في كل مكان، في الشارع والدائرة والمتجر. لقد عيّن حجاباً وحدّاً بين المرأة والرجل المسلمين؛ فإنّ ِ اختلاط المرأة والرجل ليس كاختلاط الرجال مع بعضهم واختلاط النساء مع بعضهنّ، وعليهم أن يراعوا تلك الحدود. على الرجل مراعاة ذلك، وعلى المرأة أيضاً مراعاة ذلك، وإذا روعيت حساسية الإسلام هذه حول العلاقة ونوع الاختلاط بين الرجل والمرأة، عندها ستتمكن النساء من مزاولة جميع الأعمال التي يمارسها الرجال في المجالات الاجتماعية، إن كنّ ِ يمتلكن القدرة الجسدية لأدائها، وكانت لديهنّ ِ الرغبة نحوها، وأتيحت لهنّ ِ الفرصة المناسبة) ([82])
ويقول: (افترضن أن امرأة قد تقلّدت منصباً حكومياً كبيراً، طبعاً لا أذكر اسم المنصب، لأن خصوصيات أيّ منصب قد لا تكون واضحة جداً ودقيقة، ولا داعي لأن يضع الإنسان أصبعه على منصب خاص، وكان ذلك المنصب مهماً جداً، ويراجعه رجال كثيرون، فلا إشكال في ذلك، ولا مانع من تولّي امرأة لذلك المنصب، فيمكن للمرأة أن تستقبل في منصبها آلاف الرجال والمراجعين وبشكل حكيم، وأن تقضي لهم ما يتوقعونه من ذلك المنصب من مطالب مشروعة ومحقّة. لا مانع من ذلك) ([83])
وهو ينبه دائما إلى أن الهدف ليس وجود المرأة في تلك الوظائف السياسية وغيرها، ليقال بأن المجتمع الإيراني يراعي حقوق النساء في هذا الجانب، وإنما الهدف هو تحقيق المصالح الشرعية، ولذلك لا يهم أن يكون عدد النساء في تلك المؤسسات أكبر أم عدد الرجال؛ فالعبرة بالكفاءة، وليس بالعدد، يقول في ذلك: (إني مسرور جداً لرؤيتي الأخوات النواب وقد شكّلن بحمد الله كتلة كيفية وكميّة مهمة في مجلس الشورى الإسلامي. ولا أعني بذلك مثلاً أن يكون من بين مائتين وسبعين نائباً، أن يكون هناك مائة وكذا نائب من النساء، كلا ليس المطلوب أن تحدد أعداد المسؤوليات التي تتولاها النساء وأعداد ما يتولاّه الرجال.. بالمناسبة فإني أرى الاهتمام بذلك أمراً سلبياً، أن نظنّ ِ أن عدد النساء يجب أن يساوي عدد الرجال في كل ساحة ومجال! فذلك فكر ابتدائي وبسيط وطفولي. إني لا أقول أنني مسرور من هذا المجال، بل إني مسرور لشعوري أن هناك حركة جدية وحقيقية تجري لحسن الحظ من أجل إعادة الاعتبار لشخصية المرأة) ([84])
ثانيا ـ العمال وحقوقهم في الرؤية السياسية الإيرانية:
للعمل في الرؤية السياسية الإيرانية قيمة كبيرة، سواء قبل انتصار الثورة الإسلامية، أو بعدها، لأنها ثورة قامت ضد الأرستقراطية والرأسمالية التي بنى عليها الشاه حكمه، لذلك كان يرمي الثوار الإسلاميين بكونهم يساريين وشيوعيين، نتجية مطالابتهم بحقوق المستضعفين، بمن فيهم العمال.
ولهذا نلاحظ كثيرا تبرؤ قادة الثورة الإسلامية من النظام الشيوعي، واعتبار ثورتهم ثورة إسلامية خالصة، لا شرقية ولا غربية، وأن أهدافها أهداف تنسجم مع الإسلام وتنطلق منه حتى لو تقاطعت مع الشيوعيين أو غيرهم في بعض المطالب.
ولنرى مدى تشرب قادة الثورة الإسلامية بالرؤية الإسلامية في التعامل مع العمال، ننقل نصوصا من خطاب مهم للخميني بمناسبة يوم العمال، ألقاه بعد الانتصار، والذي قدم له ببيان مشروعية الاحتفال في هذا اليوم من باب تكريم العمال؛ فقال: (إن اختصاص يوم بالعمال لعله بلحاظ التكريم والتعظيم، وإلّا فإن كل يوم هو يوم العمل والعمال، بل العالم قد تشكل من العمل والعامل.. وإن تخصيص يوم للعالم كمن يخصص يوماً للنور، تخصيص يوم للشمس، إذ النور موجود في كل يوم، والنهار نور. كل يوم هو يوم الشمس، ولكن لعل ذلك كان من أجل التعظيم والتكريم، ولهذا فلا يوجد إشكال في هذا الأمر)([85])
ثم بين أهمية العمل في الرؤية العقدية الإسلامية، وكونه واجبا وشرفا لا يمكن الاستغناء عنه، وفي كل المحال؛ فقال: (إذا أردنا الواقعية؛ فإن العمل والعامل موجودان في جميع عوالم ما قبل الطبيعة وفي عالم الطبيعة وفي عوالم ما بعد الطبيعة. فالعمل والعامل موجودان في كل مكان، وجميع موجودات العالم سواء موجودات ما قبل الطبيعة، أم الموجودات الطبيعية أم موجودات ما بعد الطبيعة فإن جميعها قد تحققت بسبب العامل. فالعمل نظير (الوجود) حاضر في جميع شؤون العالم)([86])
ثم ذكر بعض تفاصيل ذلك، فقال: (لقد وجد العالم من فعالية الله، ووجدت أجزاء العالم من الفعاليات لبعض الموجودات. إنكم لا تستطيعون العثور على موجود إلّا والعامل والعمل موجودان فيه، بل هو بنفسه عمل، العمال أيضاً هم بأنفسهم عمل، وقد وجدوا من العمل.. إن ذرات الكائنات في عالم الطبيعة فعالة من أجل إيجاد جميع كائنات هذا العالم حتى الجمادات والأشجار جميعاً حية، جميعها عاملة، فالعمل محيط بكل العوالم، ومنذ البداية إنما وجد العالم بالعمل، فالعامل مبدأ جميع الموجودات)([87])
وبناء على ما ورد في النصوص المقدسة من أن الجنة مبنية بالأعمال الصالحة، والنار مبنية بالأعمال الخبيثة، يذكر الخميني أن العمل يمتد إلى عوالم ما بعد الطبيعة نفسها، فيقول: (إن عالم ما بعد الطبيعة- الجنة والنار- أيضاً قد ظهر بالعمل، الجنة والنار تتحققان من عمل الإنسان؛ فعمل الإنسان إما عمل صالح وعمل حسن وهو مبدأ تحقق الجنة، وإما عمل غير صالح وفاسد وهو مبدأ النار)([88])
وبعد هذه المقدمات العقدية التي تعود كل قادة الثورة الإسلامية أن ينطلقوا منها في توضيح الحقائق ليربطوا الدنيا بالآخرة، والغيب بالشهادة، يذكر أن الشرف العظيم للعمال مرتبط بالمسؤوليات العظيمة المناطة بهم، ذلك أنهم ـ كما يذكر ـ هم وراء تقدم الدول وانحطاطها، وحال أعمالهم كحال الأعمال التي تنتج إما نارا أو جنة؛ يقول: (إذا اتجه بلد نحو التقدم، فإنه يسير باتجاه التطور بيدكم أنتم أيها العمال، وإذا سار بلد باتجاه الانحطاط، فهو أيضاً يبدكم أنتم، إذ بعدم العمل أو بقلة العمل أو بعدم الرغبة في العمل يسير البلد نحو الانحطاط؛ فالحكومة اليوم منكم، من العمال، والبلد بلدكم. فلم يعد للأجانب تدخل فيه. لم يعد هناك كبت. لم يعد هناك اختناق. لم يعد هناك نهب. البلد اليوم بلدكم، وأنتم مسؤولون عنه مباشرة. فإذا لم تبذلوا الجهد في هذه المسؤولية، إذا لم تبذلوا الجهد في هذا الأمر الذي بعهدتكم، وإذا لم تؤدوا ذلك الدّين الذي عليكم تجاه بلدكم وتجاه الإسلام، ستتحملون مسؤولية ذلك)([89])
وهو ـ خلافا لما عليه الفكر المادي، الذي تبنى عليه الأنظمة الوضعية ـ والتي تنطلق من إغراءات مادية أو معنوية تقدمها للعمال قصد تحفيزهم، ينطلق الخميني من ذلك الفضل العظيم الذي ورد في النصوص المقدسة حولهم، وتلك الأجور العظيمة التي ينالونها؛ فيقول:(إذا بذلتم جهدكم وأدرتم عجلة البلد، فإن لكم قيمة كبيرة عند الله تبارك وتعالى؛ فالإسلام يجعل لكم قيمة كبيرة، ويعتبركم خُزَّان الأرض، فأنتم الأمناء على خزائن الأرض، وعليكم إحياء الأرض)([90])
وهو يحذرهم من تلك الصرخات التي تحرضهم، وتدعوهم إلى الثورة، ليستعيد النظام البائد بعد ذلك عافيته، ويحكم السيطرة عليهم؛ يقول: (لاتصغوا إلى الذين لايريدون لهذه العجلة أن تدور. إنهم لايحبونكم، الإسلام العزيز هو الذي يهتم بكم ويحترمكم ويطالب بحقوقكم ويعمل على إحقاقها. دعوا الإسلام يحكم، دعوا الجذور الفاسدة للاستبداد والاستعمار تستأصل وتتلاشى، وليمنى الذين يريدون خدمة الأجانب بالخيبة والفشل)([91])
وهو يذكر لهم أن الحكم الإسلامي لا يعني تهميشهم ـ كما يشيع المغرضون ـ بل إنه يعطي الأولوية لهم، بل يجعل زمام الأمور بأيديهم، يقول: (إنكم إخوتنا، إنكم أعزتنا، عليكم إدارة هذا البلد، أنتم من يستطيع الأخذ بهذا البلد إلى برّ الأمان. أنتم من يستطيع في المصانع ادارة عجلة المصانع وانقاذ البلد. أنتم أيها الفلاحون من يستطيع أن يحرك عجلة الزراعة، وفعاليتكم هي التي تستطيع تحقيق الزراعة بشكلها الصحيح، فكما تعلمون أنهم خربوا الزراعة ودمروها، وعليكم أنتم الآن، بعد أن أصبح البلد بأيديكم وقطعت أيدي الأجانب، أن تهتموا بزراعتكم، وأعطوا الحكومة الفرصة حتى تساعدكم، تساعدكم بالمقدار الذي تستطيعه. وأنتم اخوتنا العمال، دعوا المعامل تعمل ليمكن إعمار هذه البلد للجميع، أعطوا الفرصة لتعمل هذه المصانع وتدور عجلة البلد، وإنكم جميعاً إخوة لنا، ونحن جميعاً في خدمتكم. أنتم من يستطيع إدارة البلد والقضاء على هذه الفوضى)([92])
ثم يذكر لهم الواقع المادي الذي تعيشه إيران بعد ثورتها، وأنه لا يسمح لها بالوفاء بالحقوق المادية التي يستحقها العمال كما ينبغي، ولذلك يحتاجون إلى الصبر حتى تستعيد البلد عافيتها، يقول: (كما تعلمون أن هؤلاء قد رحلوا تاركين البلد مضطراً. نهبوا ورحلوا، أفرغوا خزائننا ورحلوا. فيجب علينا الآن جميعاً. وليست فئة واحدة، علينا جميعاً أن نسعى ونحرك عجلات هذا البلد حتى تتحسن أوضاعه، إن الإسلام جعل لكم حقوقاً، وسوف يعطي حقوق الجميع. الإسلام جعل حقوقاً للعمال من الرجال والنساء. لجميع النساء والرجال المزارعين. وهو يكرمهم وسوف يرد لهم، دعوا الإسلام يحكم، لتتحقق جمهورية الإسلام وأحكام الإسلام النورانية. لا تعبأوا بأولئك الذين لا يريدون لهذه العجلات أن تدور، ولا يريدون لزراعتنا أن تسير أمورها، ومعاملنا أن تعمل، لاتصغوا إليهم ولا تنخدعوا بهم ولا تفسحوا لهم المجال ليعملوا ما يريدون. إنهم يريدون خداعكم لينهبوا ثروات هذا البلد، لينهبوا خزائن هذا البلد، ليكون الطريق مفتوحاً أمام من يريد مدّ يده لينهب من هذه الخزائن. يجب أن تحولوا دون ذلك. علينا جميعا أن نمنع وقوع ذلك)([93])
وما ذكره الخميني في تلك الأيام التي بدأت بها الثورة الإسلامية، ينطبق على فترات كثيرة بعدها، حيث أن المستكبرين استعملوا كل وسائل التضييق على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حتى تُتهم لاحقا بالتفريط في حقوق العمال، مع أن المشكلة ليست في النظام، ولا في العمال، ولكن في الاستكبار العالمي الذي مارس كل أنواع الحصار.
ومع ذلك، ومع الحصار المرير، والحرب الضروس استطاع العمال الإيرانيون أن يوفروا حدا أدنى من المعيشة أفضل بكثير أيام الشاه، الذي كانت تذهب أكثر الثروة الإيرانية فيه لجيبه وجيب الاستكبار العالمي الذي خضع له خضوعا مطلقا.
وقد أشار الخميني في خطاب له بعد أكثر من ست سنوات على انتصار الثورة الإسلامية ـ وبحضور الخامنئي حين كان رئيسا للجمهورية ـ فقال ـ يعدد إنجازات الثورة في تلك الفترة القصيرة المملوءة بكل أصناف التضييق ـ: (إنَّ ما أريد قوله للسادة القادمين من الخارج أن لاتشاهدوا وتجلسوا ساكتين إلى النهاية، تعالوا انظروا هنا، اذهبوا وانظروا وضع السجناء والأسرى العراقيين وأوضاع فئات الشعب ووضع الفلّاحين في القرى والأرياف البعيدة في أقاصي البلاد كيف كانت في العهد السابق وكيف هي الآن؟ ففي الوقت الذي نواجه الآن هذه المعارضة من قبل كل البلدان إلّا القليل منها، ومع ذلك فإننا خلال هذه السنوات المعدودة من انتصار الثورة وبدء الحرب التي شُنَّتْ علينا من قبل أمريكا، فانظروا إلى هذا الشعب بما أن حكومته شعبية ومنبثقة من الشعب، فإن رئيس وزرائه كان كاسباً في السوق، وافترضوا أن فلّاحاً جاء وتسلّم المنصب الفلاني، ففي أيّ مكان من الدنيا تجدون مثل هذا؟ إين تجدون طالب علم يصبح رئيساً للجمهورية؟.. وأين تجدون كاسباً يصبح رئيساً للوزراء؟ وفلّاحاً يكون ما يكون؟ فهذا نموذج لا مثيل له في الدنيا، وما هذا إلّا تحوّل الناس وتغييرهم، وهؤلاء جزء من الناس)([94])
وهو يطلب منهم أن يوضحوا للعالم مزايا النظام الإسلامي، والتي تحققت في الواقع العملي، ولم تبق مجردا نظريات، يقول: (اعترضوا على هؤلاء الذين يبثون الدعايات المغرضة ضد إيران، فأنتم عند ما تتجوّلون في شوارع البلاد هل رأيتم أحداً يقتل الناس في الشوارع؟ وهل انزوت النساءفي إيران وحجزن في البيوت، أم يشاركن الرجال في إعمار البلاد ويسرن معهم جنباً إلى جنب؟ هل ترون أن تتهتّك النساء هنا وتتحلل من كل قيد؟ أن هذا خلاف التحوّل الذي ظهر لدى النساء، وخلاف التحوّل الذي طرأ علىشعبنا، لا تكونوا متفرجين فقط تأتون وتشاهدون ثم تعودون إلى أعمالكم ولا شأن لكم في شيء حتى العام القادم لتُدْعَوا للحضور هنا مرة أخرى، إذ لو تكرر هذا الأمر بهذا الشكل مئة عام فلا يساوي شيئاً ولن ينتهي بنتيجة مثمرة. عند ما تأتون إلى هنا وتعودون إلى بلدانكم إذكروا لأبناء شعبكم وغيرهم مارأيتم، ولاتظنّوا أن هذا غير ممكن فقد رأينا أنه ممكن وقد حصل)([95])
ثم يذكر لهم وضع الشعب الإيراني سابقا، فيقول: (هل تظنون أن إيران كانت في السابق هكذا؟ كلّا، لم تكن هكذا من قبل، فكم تحمّل هذا الشعب من الآلام وكم ضحّى من الشبّان، وكم ضحّى هذا الشعب بكل شيئ وما يزال يضحّي، وما ذلك إلّا لأن هذا الشعب قد وعى واستيقظ وتقدم خطوة من أجل الله فتفضل الله تبارك وتعالى عليه بعنايته) ([96])
وهكذا نرى الخميني في كل خطاباته يشجع العمال، ويرفع معنوياتهم، ويدعوهم إلى العمل بإخلاص في خدمة بلادهم، ويخاطب في كل ذلك الإيمان في قلوبهم، ويضرب لهم الأمثال على ذلك بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول:(لا بد أنكم سمعتم ما ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من أنه قبل يد العامل، أي تلك اليد التي أصبحت خشنة بسبب العمل، وهذه الحادثة تعكس مكان العامل على طول التاريخ، فالنبي الأكرم الذي هو أعظم إنسان كامل، وهو أول أفراد الإنسان، تواضع للعامل بهذا الشكل، وقبّل يده التي هي علامة للعمل، وقد قبّل باطن اليد لا ظهر اليد، وهذه ملاحظة مهمة إذ أن آثار العمل تظهر في باطن اليد، وإنه يريد من ذلك أن يبين قيمة العمل لبني الإنسان، ويقول للمسلمين بأن قيمة العمل تتجلى هناك حيث عمل العامل، وقد ظهرت علامة بسبب العمل، وأنا أقبّل ذلك المكان لكي تدرك الشعوب الإسلامية والبشرية قيمة هذا العمل)([97])
ويضرب لهم مثلا آخر عن الإمام علي، فيقول: (كان الرجل الثاني في الإسلام وهو علي بن أبي طالب عاملاً، أي كان يحفر بئراً ويستخرج منه الماء، كان عاملاً، وكان يعمل من أجل إعاشة نفسه أيضاً، ورغم أنه قد حفر تلك الآبار بيده فإنه قد حمل في نفس اليوم بحسب النقل الذي بايعوه فيه بالخلافة والإمامة وعندما انتهت البيعة، فقد حمل المسحاة بيده وذهب للعمل)([98])
ويضرب المثل على حرمة العمل وأهميته وشموله لجميع الناس، حتى الأئمة أنفسهم، فيقول: (لم يقتصر ذلك على الإمام علي بن أبي طالب، بل إن الإمام الصادق والباقر كانوا كذلك؛ فقد نقلوا أنهما كانا يعملان في مكان، ونُقل عن الإمام الصادق أنه كان يعمل في مكان ما رغم عمله الكثير، رغم عمله المعنوي الكثير وعمله الإعلامي، فقالوا له ـ كما يُنقل ـ: اترك لنا هذا العمل لكي نقوم به، لكنه أجابهم: إنني أحب أن أشعر بحرارة الشمس في بدني إزاء ذلك العمل الذي أريد أن أقوم به بنفسي، ويا لها من قيمة كبرى أن يقوم الرجل الأول في زمانه ورغم امتلاكه لتلك المنزلة بممارسة العمل بنفسه، مما يعلمنا قيمة العمل)([99])
هذا بالنسبة للدعم المعنوي الذي أولاه الخميني أهمية كبرى، حتى يجعل من شعبه شعبا عقائديا يقوم بأداء مهامه بإخلاص وتفان، ولوجه الله تعالى.
لكنه مع ذلك لم يغفل الدعم المادي، لكنه لا يربطه بوعود قد لا تتحقق، وإنما يربطه ويعلقه بما يقوم به العمال أنفسهم.. فهم ـ باجتهادهم وعملهم وصدقهم ـ يمكنهم أن يحققوا المكاسب التي لا تخدم بلدهم فقط، وإنما تخدمهم هم أيضا، يقول في خطاب الانتصار: (لقد رحل هؤلاء الخونة من إيران وتركوا لنا بلداً خرباً ومقابر عامرة، دمروا بلادنا وعمروا مقابرنا بقبور شبابنا، ولا نستطيع في سنة أو سنتين أو خلال مدة قصيرة أن نبني هذا الخراب وأن نحفظ بلدنا من هذا الوضع المتأزم. نحتاج إلى اتحاد كل الشعب الإيراني لكي نبني معاً ما خربوه، ولذلك لا تنتظروا من الحكومة أن تعمِّر كل شيء، الحكومة لوحدها غير قادرة على ذلك. لا تنتظروا من رجال الدين أن يعمروا الخراب، رجال الدين لوحدهم لا يستطيعون البناء، يجب أن يساعد الواحد منا الآخر، من الفلاح والعامل والصانع والعالِم، رجل الدين والجامعي، حتى الموظف والعسكري. الثورة الآن في وسط الطريق.. لقد طردتم اللصوص فقط من بلادكم.. طردتم المفسدين، لكن الخرائب لا زالت باقية. المهم أن هذه الخرائب التي تركوها لنا، نعمرها من جديد بالاستعانة بهممكم العظيمة وعزائمكم الراسخة)([100])
وهو ينبه العمال خصوصا إلى أنهم مستهدفون، وأن هناك جهات خارجية تريد أن تستعملهم لينفذوا أغراضها، غير مراعين لوضع البلد؛ فيقول: (انتبهوا.. كونوا على حذر.. المفسدون قد نصبوا لكم المكامن، الأجانب مترصدون لكم. إنهم لن يغفلوا عنكم، وعليكم أن لا تغفلوا عنهم، إنهم يرسمون لكم الخطط بطرق وأشكال مختلفة. بعد أن سقط النظام الشاهنشاهي المنحط، يريدون أن يعودوا ولكن بشكل آخر، ويجددوا الاستثمار ويبدأوا النهب والإرهاب من جديد.. علينا أن نحفظ ثورتنا بالوعي واليقظة. إذا مالت هذه النهضة نحو الجمود ـ لا سمح الله ـ فانتظروا إعادة تلك المصائب. إذا أردتم إنقاذ إيران.. إذا أردتم إنقاذ الإسلام.. إذا أردتم إنقاذ القرآن الكريم فيجب أن تحتفظوا بهذه النهضة قوموا بالمظاهرات عند الحاجة، أقيموا الاجتماعات. المظاهرات اليوم ليست مظاهرات غير سلمية. يجب أن تبقى هذه النهضة، يجب أن يحيى هذا الشعب، لقد ولى ذلك العصر الذي يحكمنا فيه شرطي واحد.. لقد ولى ذلك اليوم الذي يحكمنا فيه ضابط واحد. اليوم جميعاً (المسؤولون) في خدمتكم.. في خدمة الإسلام. اعرفوا جميعاً قدر هذه النعمة، لا تستسلموا إلى اليأس. لا تقولوا ولى ذلك الشخص (الشاه) وانتهى كل شيء) ([101])
وهكذا نجد القائد الحالي للثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي يواصل المسيرة، ويخاطب العمال، ليبث فيهم الإيمان والوعي الذي يجعلهم بمنأى عن كل المؤامرات التي تستهدف النظام الذي تكفل بحقوقهم في حدود ما أتيح له من إمكانات.
ففي خطاب له عند لقائه حشداً من عمال الجمهورية الإسلامية بمناسبة عيد العمال لسنة 2018، ذكر أهمية العنصر البشري في أي نظام، وأنه أهم بكثير من الثروات وغيرها من الأشياء التي تتوفر للدولة؛ فقال: (تعتبر القوى البشرية واحدة من أكبر وأهم ثروات أي بلد. أي إنَّ قيمة وجود العامل والمصمّم والمهندس والناشط للإنتاج في أي مجال في البلاد أكبر بكثير من قيمة المصادر الجوفية ومن الذهب ومن النفط ومن الماس وما شاكل؛ فهذا هو ما يمكنه أن يعمّر بلداً. لاحظوا الآن أنَّ هناك بلداناً ينتج فيها كل أو أكثر ماس العالم لكنهم يعيشون في تعاسة وفقر، لماذا؟ لأنهم لا يمتلكون الطاقات البشرية الكافية ولا يمتلكون القوى الإنسانية، لا يمتلكون القوى الإنسانية المفكرة. القوى الإنسانية هي أكبر ثروة في أي بلد، وأنتم هي تلك القوى الإنسانية. أنتم العمال وأنتم صانعو فرص العمل، وأنتم المهندسون، وأنتم المصممون، وأنتم الناشطون في مختلف المجالات، أنتم القوى الإنسانية. هذه هي القيمة العالية للقوى الإنسانية، وطبقة العمال هي جزء من هذه القيمة الراقية وهذه الثروة العظيمة)
ثم أشاد بما يقوم به العمال الإيرانيون رغم الظروف الصعبة التي تمر البلاد بسبب الحصارات الكثيرة المتعاقبة، والتي لم يرضخ لها العمال، ولم يستسلموا، يقول: (جهود عمّالنا جهود تفوق الحدّ المألوف والمتوسط في العالم من حيث القيمة. هذا ما قلته مراراً حول القطاعات المختلفة، حول الطلبة الجامعيين، وحول المحققين والباحثين، ثم إنَّ التقارير التي يرفعونها تؤيد كلها هذا المعنى، وهذا ما أعتقده بخصوص العمال أيضاً. العامل الإيراني من أفضل العمال في العالم؛ أي إنَّ يده الفنانة وفكره ودوافعه العالية أرقى من المتوسط العالمي. وهذا في حين لم يكن هناك اهتمام بالعمل والعامل والمجتمع العمالي والإنتاج والقضايا الوطنية خلال عهد القمع وفترة الظلم البهلوي وقبل ذلك خلال حقبة الغفلة والنوم الدائم)
وبناء على هذه التوجيهات من قادة الثورة الإسلامية، نص الدستور الإيراني على كافة الحقوق المرتبطة بالعمال، والتي لا تقل عن نظيراتها في البلاد التي تدعي الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، بل قد تفوقها في رعاية الأخلاق والقيم التي لا نجد أي اهتمام بها في الدول الغربية، بل حتى في الكثير من الدول الإسلامية.
ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في المادة الثامنة والعشرون، والتي تضبط أنواع الأعمال التي يمكن أن يمارسها العامل الإيراني، ونصها: (لكل شخص الحق في اختيار المهنة التي يرغب فيها ما لم تخالف الإسلام أو المصالح العامة، أو حقوق الآخرين، والحكومة مسؤولة عن توفير فرص العمل للجميع، وإيجاد الظروف المتكافئة للحصول على العمل، وذلك مع ملاحظة حاجة المجتمع للمهن المختلفة)
وهي مادة مهمة تبين مدى هيمنة الشريعة الإسلامية على الواقع الإيراني، ذلك أن أكثر الأنظمة العالمية تعطي حرية كبيرة للعمال في ممارسة ما يشتهون من وظائف، ولو على حساب القيم والأخلاق، مثلما هو حاصل للأسف في بعض الدول التي يدعمها الإسلاميون، كتركيا أو قطر أو الإمارات وغيرها، في نفس الوقت الذي يصبون فيه كل أحقادهم على إيران ونظامها الإسلامي.
ومن المواد الضامنة لحقوق العمال في الدستور الإيراني المادة التاسعة والعشرون، والتي تنص على ما يلي: (الضمان الاجتماعي من الحقوق العامة، ويتمتع به الجميع في مجال التقاعد، والبطالة والشيخوخة، والعجز عن العمل، وفقدان المعيل، وحالة ابن السبيل، والحوادث الطارئة، والحاجة إلى الخدمات الصحية والعلاجية والرعاية الطبية كالضمان الصحي وغيره، والحكومة مسؤولة حسب القانون عن تقديم هذه الخدمات وتقديم المساعدات المالية المذكورة آنفاً لكل فرد من أبناء الشعب من مواردها المالية العامة، ومن المساهمات الشعبية)
ومنها المادة الثلاثون، والتي تنص على ما يلي: (على الحكومة أن توفر وسائل التربية والتعليم بالمجان لكافة أبناء الشعب حتى نهاية المرحلة الثانوية، وعليها أن توسع وسائل التعليم العالي بصورة مجانية، لكي تبلغ البلاد حد الاكتفاء الذاتي)
وتنص المادة الحادية والثلاثون على ما يلي: (امتلاك المسكن المناسب للحاجة حق لكل فرد إيراني، ولكل أسرة إيرانية، والحكومة ملزمة بإعداد مقدمات تنفيذ هذه المادة حسب أولوية الأكثر حاجة إلى السكن، لا سيّما سكان القرى والعمال)
وتنص المادة الرابعة بعد المئة على ما يلي: (بهدف تحقيق العدل الإسلامي والمساهمة في إعداد البرامج وتوفير التنسيق لتطوير مرافق الإنتاج والصناعة والزراعة، يتم تشكيل مجالس شورى من ممثلي العمال والفلاحين وسائر العاملين والمدراء في هذه المرافق، أما في المؤسسات التعليمية والإدارية والخدمية ونحوها فيتم تشكيل مجالس شورى من ممثلي أعضاء هذه المؤسسات)
هذه بعض المواد التي تقرر وتنظم الحقوق التي تكفلها
الدولة للعمال، ولجميع طبقات الشعب، وهي وحدها كافية في الرد على ما ينشره الإعلام
المغرض، والذي يحاول أن يصور العامل الإيراني بصورة الأسير المسخر، لا بصورة
العامل الحر المخلص الذي يتفانى في عمله، ولو بأدنى الأجور، ليخدم بلده، لأنه يعلم
أن ما أصابها من شدائد، ليس بسبب الفساد، وإنما بسبب الحصار الشديد، الذي يراد منه
تقويض النظام، ليعود المستبدون من جديد.
([1]) حقيقة روجيه جارودي، الشيخ عبد الحق التركماني، موقع الراصد، 20 يونيو 2012.
([2]) نقلا عن مقال بعنوان: الثورة الإسلامية في ايران وقيمها الثقافية، محمد سالار، موقع إذاعة طهران العربية.
([3]) ثورة الإمام الخميني، روجيه غارودي، ص3..
([4]) انظر مقالا بعنوان: تواضع الإمام الخميني حيًّر الأعداء.
([5]) الأربعون حديثاً، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 95 ـ 96..
([6]) صحيفة الإمام، ج4، ص: 218.
([7]) المرجع السابق، ج4، ص: 221.
([8]) المرجع السابق، ج4، ص: 222.
([9]) المرجع السابق، ج4، ص: 222.
([10]) المرجع السابق، ج4، ص: 224.
([11]) المرجع السابق، ج4، ص: 224.
([12]) المرجع السابق، ج4، ص: 225.
([13]) المرجع السابق، ج4، ص: 225.
([14]) المرجع السابق، ج4، ص: 225.
([15]) المرجع السابق، ج6، ص: 360.
([16]) المرجع السابق، ج6، ص: 360.
([17]) المرجع السابق، ج6، ص: 368.
([18]) المرجع السابق، ج1، ص: 345.
([19]) المرجع السابق، ج1، ص: 163.
([20]) صحيفة الإمام، ج3، ص: 401.
([21]) المرجع السابق، ج5، ص: 166.
([22]) المرجع السابق، ج3، ص: 274.
([23]) المرجع السابق، ج3، ص: 274.
([24]) المرجع السابق، ج5، ص: 201.
([25]) المرجع السابق، ج5، ص: 203.
([26]) دور المرأة في الأسرة، ص16.
([27]) ما لا تعرفه عن معدّلات التحرّش والاغتصاب في الغرب، محمد هاني صباغ، موقع تبيان لصنع الوعي، 20 رمضان 1438ﻫ.
([28]) المرجع السابق.
([29]) المرجع السابق.
([30]) المرجع السابق.
([31]) المرأة حقوق وحرية وحجاب (ص: 56).
([32]) المرجع السابق، ص 57.
([33]) المرجع السابق، ص 58.
([34]) المرجع السابق، ص 63.
([35]) المرجع السابق، ص 59.
([36]) المرجع السابق، ص 60.
([37]) المرجع السابق، ص 60.
([38]) المرجع السابق، ص 60.
([39]) المرأة علم وعمل وجهاد، ص: 22..
([40]) المرجع السابق، ص12.
([41]) المرجع السابق، ص12.
([42]) المرجع السابق، ص13.
([43]) المرجع السابق، ص13.
([44]) المرجع السابق، ص14.
([45]) المرجع السابق، ص14.
([46]) المرجع السابق، ص14.
([47]) المرجع السابق، ص18.
([48]) دور المرأة المتعلمة في إيران يقتصر على تربية الأبناء، سماح بن عبادة، موقع العرب، 2017/01/25.
([49]) المرجع السابق، ص17.
([50]) المرجع السابق، ص18.
([51]) المرجع السابق، ص18.
([52]) المرجع السابق، ص19.
([53]) المرجع السابق، ص19.
([54]) المرجع السابق، ص20.
([55]) المرأة المتفوقة تحدٍّ إيراني!، محجوب الزويري، مجلة الغد الالكترونية، 14 شباط / فبراير 2008..
([56]) المرأة علم وعمل وجهاد (ص: 11)
([57]) المرجع السابق، ص25.
([58]) المرجع السابق، ص25.
([59]) المرجع السابق، ص25.
([60]) المرجع السابق، ص26.
([61]) المرجع السابق، ص27.
([62]) المرأة حقوق وحرية وحجاب (ص: 30).
([63]) المرأة حقوق وحرية وحجاب (ص: 31).
([64]) المرأة الإيرانية ودورها الرسالي في الأمة، موقع براس الإيراني الإخباري، 7 مارس 2018..
([65]) المرأة حقوق وحرية وحجاب (ص: 62).
([66]) المرجع السابق، (ص: 29).
([67]) المرجع السابق، (ص: 30).
([68]) المرجع السابق، (ص: 30).
([69]) المرأة الإيرانيّة.. أنصفها التاريخ أكثر من الحاضر، العربي الجديد، 24 نوفمبر 2014.
([70]) المرأة علم وعمل وجهاد (ص: 35)
([71]) المرجع السابق، ص35.
([72]) المرجع السابق، ص35.
([73]) المرجع السابق، ص35.
([74]) المرجع السابق، ص37.
([75]) المرجع السابق، ص40.
([76]) صحيفة الإمام، ج5، ص: 130.
([77]) المرأة علم وعمل وجهاد (ص: 33)
([78]) المرجع السابق، ص34.
([79]) المرجع السابق، ص34.
([80]) المرجع السابق، ص35.
([81]) المرجع السابق، ص35.
([82]) المرجع السابق، ص38.
([83]) المرجع السابق، ص40.
([84]) المرجع السابق، ص28.
([85]) صحيفة الإمام، ج7، ص: 131.
([86]) المرجع السابق، ص131.
([87]) المرجع السابق، ص131.
([88]) المرجع السابق، ص132.
([89]) المرجع السابق، ص132.
([90]) المرجع السابق، ص132.
([91]) المرجع السابق، ص132.
([92]) المرجع السابق، ص133.
([93]) المرجع السابق، ص134.
([94]) المرجع السابق، ج19، ص: 412.
([95]) المرجع السابق، ج19، ص: 419.
([96]) المرجع السابق، ج19، ص: 419.
([97]) العمل والعمال في فكر الإمام الخميني (ص: 3).
([98]) المرجع السابق، ص4.
([99]) المرجع السابق، ص5.
([100]) خطاب الانتصار.
([101]) خطاب الانتصار.