ولاية الفقيه.. والأخوة الإنسانية

ولاية الفقيه.. والأخوة الإنسانية
من القيم الكبرى التي قامت عليها الجمهورية الإسلامية الإيرانية ـ بحسب ما نص عليه قادتها ودستورها، ودل عليه واقعها ـ قيمة [الأخوة]، سواء الأخوة الداخية مع جميع الأعراق والأديان والمذاهب، أو الأخوة الخارجية مع جميع شعوب العالم، وخصوصا المستضعفين منهم.
ومن النصوص الدستورية الدالة على ذلك ما ورد في المادة التاسعة عشرة من الدستور الإيراني، والتي تنص على ما يلي: (يتمتع أفراد الشعب الإيراني من أي قومية أو عشيرة كانوا، بالمساواة في الحقوق، ولا يعتبر اللون والعنصر أو اللغة وما شابه ذلك سببا للامتياز)
ومثلها المادة الثامنة والأربعون، والتي تنص على ما يلي: (لا يجوز التمييز بين مختلف المحافظات والمناطق في مجال استغلال المصادر الطبيعية للثروة والموارد الوطنية العامة وتنظيم وتقسيم النشاط الاقتصادي في مختلف المحافظات ومناطق البلاد، بحيث يوظف في كل منطقة رأس المال والإمكانات الضرورية في حدود حاجاﺗﻬا واستعدادها للنمو)
هذا فيما يخص الأخوة الداخلية، أما الخارجية، فتنص المادة الرابعة والخمسون بعد المئة على هذه الأخوة كما يلي: (تعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية سعادة الإنسان في المجتمع البشري كله قضية مقدسة لها، وتعتبر الاستقلال والحرية، وإقامة حكومة الحق والعدل حقاً لجميع الناس في أرجاء العالم كافة، وعليه فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية نقطة من العالم، وفي الوقت نفسه لا تتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى)
وتنص المادة الخامسة والخمسون بعد المئة على بعض مقتضيات هذه الأخوة كما يلي: (تستطيع حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية منح حق اللجوء السياسي إلى الذين يطلبون ذلك باستثناء الذين يُعتبرون وفقاً للقوانين الإيرانية مجرمين وخونة)
أما قادتها ومفكروها وسياسيوها؛ فتصريحاتهم في ذلك كثيرة جدا، سنرى بعض نماذجها في هذا المبحث، ومنها ما ورد في مقابلة للخميني حول [وضع الأقليات في الحكومة الإسلامية] أجراها معه مراسلون أفارقة وآسيويون وغيرهم في 27 محرم 1400 هـ، فمما جاء فيها: (تارة نطلق كلمة الأقليات على الأقليات الدينية في إيران، وهؤلاء مشتركون مع سائر الإيرانيين في كل شيء، ويُمنحون حقوقهم حسب القانون، وهم يعيشون في رفاه ودعة وحرية في الحكومة الإسلامية. وتارة يُراد بها القوميات الموجودة في إيران كالكرد واللُر والترك والفرس والبلوش وامثال ذلك، وأنا لا أرغب في أن أُسمِّي هؤلاء أقليات، لأنه قد يفهم من ذلك فصلٌ بين الأخوة، ومثل هذا الفصل غير مطروح في الإسلام إطلاقاً، فلا فارق بين اثنين من المسلمين يتكلّمان بلغتين. مسلم عربي ومسلم أعجمي)([1])
وذكر أن التفريق بين المسلمين على هذا الأساس ليس القصد منه رعاية حقوق من يسمون الأقليات، وإنما يقصد منه تفريق المسلمين وتشتيتهم وصدع وحدتهم، يقول: (من المحتمل جدّاً أن يكون أساس هذه الأمور الأيدي التي لا تريد للبلدان الإسلامية أن تتحد بعضها مع بعض. يثيرون قضية العرب والعجم، وقضية الكرد والعرب والفرس داخل البلدان. يثيرون في بلدنا قضية الكرد والعرب واللر والتركمن والبلوش وأمثال ذلك، يثيرها معارضونا وهم أصحاب دراسات جمّة لبلداننا، لقد توصّلوا إلى أن الإسلام إذا طُبَّق كما هو، وتحقق كلّ ما يدعو إليه فسوف تعزل كل هذه القوى الموجودة في العالم، وستقع أكبر القوى في أيدي المسلمين وهم الاكثر عدداً والاكثر خيرات، ولذلك يريدون التفريق على نطاق واسع بين عرب هذه الناحية وترك تلك الناحية، وفرس هذه الناحية. ولهذا يثيرون النزعات القومية خلافاً لمنطق الإسلام مثل: نحن إيرانيون ونحن ترك، وما إلى ذلك. ومرادهم أن لا يكون الإسلام ومنطقه هاهنا، وأن يمزّقوا قوميات الإسلام) ([2])
ثم بين سبب هذه الظاهرة وعلاقتها بنظام الشاه، ومنافاتها التامة مع الشريعة الإسلامية؛ فقال: (الأصل والقاعدة في إيران هي أن لا تطرح قضية الأقليات كالكرد أو الترك، ولا يقال: هذه أقلية وتلك اقلية، إنما هم أكثرية، فهل تراهم منفصلون بعضهم عن بعض؟ أليست إخوتهم الإسلامية واحدة؟ يجب أن أُذكِّرَ بنقطة أخرى، وهي أن ما يُطرح من أَنّ الكرد يقولون: أعطوا كردستان حقها. ولنفترض أن البلوش يقولون أيضاً أعطوا البلوش حقِّهم، وهكذا، هذا سببه أن الحكومة التي حكمت إيران كانت ظالمة. ولأن هذه الحكومات كانت في الغالب أو دائماً من شريحة واحدة هم الفرس مثلًا، لذلك لم يعطوا الكرد ما يحتاجونه، أو أعطوهم القليل. كما لم يعطوا البلوش حاجتهم أو أعطوها منقوصة، وكذلك البختياريون وسائر الأقوام. كانت تلك أنظمةً غير إسلامية. كان النظام الشاهنشاهي نظاماً طاغوتياً غير إسلامي، ولذلك ظهرت هذه الخلافات والتمييزات داخل البلد مع الأسف) ([3])
وبين موقف الحكومة الإسلامية من هذه التفرقة العنصرية؛ فقال: (لو كانت الحكومة إسلامية كما أرادها الله تبارك وتعالى، وكانت الأحوال السائدة إسلامية، وكذلك وضع القائمين على الحكومة، وكيفية الحكومة كما قرّرها الإسلام، ومثلما كان الأمر في صدر الإسلام تنظر الحكومة نظرة واحدة لكل الافراد، والقانون يطبق على الجميع بشكل واحد.. إذا ظهرت مثل هذه الحكومة الإسلامية التي في آمالنا وطموحاتنا، وفي آمال الإسلام وآمال ائمة الإسلام وخلفاء الإسلام منذ البداية، فأنا واثق أن هذه الأقوال حول حقي وحقك ستزول لأنهم جميعاً على منوال واحد لهم حق واحد. ليس من حق الحاكم وولي أمر الزمان أن يعتني بمنطقة أكثر من منطقة أخرى. ليس من حقه إعمار جانب من البلد أكثر من جانب آخر. ليس من حقه حتى أن يرجّح مكاناً على مكان كأن يمد فيه الشوارع والاسفلت مثلًا. إذا انبثقت مثل هذه الحكومة التي هي مطمحنا، فلا أظن الكرد ولا الترك ولا الفرس ولا العرب ولا غيرهم سيطرحون هذه الأمور. لقد اثيرت هذه الأمور لأن الحكومات لم تكن إسلامية، وكانت مجحفة. حينما لا يكون فرق بين طهران وباوة، ولا بين اصفهان وتركمن ولا يكون فرق في أماكن التركمن من حيث الحكومة والقضاء وتطبيق القوانين وتنفيذ البرامج، يزول داعي القول بأن المكان في أيدينا أو أيديهم)([4])
وبين المواقف العملية التي ستنتهجها الحكومة الإيرانية لتطبق هذه المعاني، وهو ما حصل بالفعل؛ فقال: (حتى لا يتصور السادة أن المفروض هو أن تفعل الحكومة المركزية كل ما تريده، تفعل كل ما تريده مع شريحة، نحن ننوي أن نحيل شؤون كل منطقة وكل مكان لأهالي ذلك المكان، للذين يعينون هناك، ليباشروا هم شؤون الإعمار وشؤون الزراعة وشؤون البلدية مثلًا وتعيين بعض المسؤلين الفرعيين، وأنا اقول هذا للجميع، طالما لم تنبثق الحكومة الإسلامية بالشكل الذي نريده، انتم ترغبون ونحن نُقدّم. ولكن اعلموا انه اذا انبثقت الحكومة الإسلامية يوماً، سيقول حتى الكرد أنفسهم ليأتِ أيَّاً كان. وسيقول الفرس ليحكم كائناً من كان. وسيقول العرب هذا أيضاً. سيقول الجميع هذا. هل كانت مثل هذه الأمور مطروحةً أصلًا في صدر الإسلام بأن يعين الناس في منطقة معينة لأنفسهم شخصاً ما؟ لم يكن مثل هذا، لأنه لم يكن ثمة اجحاف. لم يكن الحاكم إذا حكم يفرّق بين منطقة وأخرى، إلّا إذا وقع الانحراف) ([5])
وهكذا ذكر في خطاب تاريخي له بمناسبة إعلان النظام الجمهوري الإسلامي في إيران الموافق 1/ 4/1979 م؛ والذي اهتم فيه كثيرا بهذه القيمة، ومن ذلك قوله: (لا بد من أن أقول لجميع طبقات الشعب: لا يوجد في الإسلام تمييز بين الأغنياء وغير الأغنياء، ولا بين البيض والسود، ولا يوجد امتياز أبداً بين السنة والشيعة، والعرب والعجم والأتراك وغير الأتراك، لقد جعل القرآن الكريم العدالة والتقوى ميزاناً، فالامتياز لمن يملك التقوى.. الامتياز لمن يملك النفس الطيبة، ولا يوجد امتياز في الماديات، ولا ميزة في الثروات، يجب أن تزال هذه الامتيازات؛ فالناس كلهم سواسية وحقوق كل الطبقات تمنح لها، فالجميع متساوون مع البعض، والأقليات الدينية تراعي حقوقهم، فالإسلام يكن لهم الاحترام.. الإسلام يكن الاحترام لكل الطبقات)
ومنها قوله في ذكر بعض النماذج التفصيلية حول الأعراق التي ينتظم منها المجتمع الإيراني: (الأكراد وسائر الطبقات الموجودة مع لغاتهم المختلفة، كلهم إخواننا ونحن معهم وإنهم معنا وكلنا شعب واحد ولنا دين واحد. وبالنسبة إلى بعض العناصر المفسدة الذين يذهبون إلى مناطق مختلفة من إيران ويقومون هناك بالدعايات السيئة ويحرضون الناس المساكين على الفوضى وقتل الإخوة، إني آمل من الناس أنفسهم أن ينتبهوا ولا يسمحوا لهؤلاء الخونة بالقيام بمثل هذه الأعمال فنحن جميعاً إخوة)
وذكر عن موقفه من أهل السنة وغيرهم: (نحن إخوان لأهل السنة، ويجب أن نلاحظ حقوق الجميع. نحن جميعاً متساوون في الحقوق والقانون الذي سوف يصادق عليه الشعب فيما بعد، وقد لوحظ فيه حقوق جميع الطبقات وحقوق الأقليات الدينية والنساء وسائر الفئات ولا يوجد فرق بين فئة وأخرى في الإسلام إلا بالتقوى والاتكال على الله. ونحن نرجو أن يوفقنا الله تعالى ما دمنا حتى الآن قد أوصلنا الأمر إلى هنا وأعلنا الجمهورية الإسلامية)
ومع كل هذا، ومع كون الواقع الإيراني قبل الثورة الإسلامية كان ممتلئا بالعنصرية، ويفرق بين الأعراق والمذاهب والأديان، بل كان يحلم بإعادة الإمبراطورية الفارسية، ويريد أن يقصي الدين ليحل بدله القومية، ولذلك استعمل كل الوسائل لبعث التراث القديم، وجعل رمز الدولة الأسد والشمس باعتبارهما يشيران للدولتين الأكمينية والساسانية.
ومع كل هذا، ومع كون إيران في ثوبها الإسلامي ضحت بمكاسب مادية ومعنوية كثيرة في سبيل الحفاظ على هذه القيمة إلا أننا نجد المتربصين من قوى الاستكبار العالمي، وأذنابهم من الدول العربية، بل وأتباعهم من الذين يسمون أنفسهم إسلاميين، يستعملون كل الوسائل لتشويه هذه القيمة، وتحريض جميع الإثنيات الموجودة في إيران لتتمرد على الولي الفقيه، وعلى الحكومة، وعلى كل مؤسسات الدولة.
وقد استعملوا لذلك كل أنواع الحيل، بل صرحوا بأنهم لا يمكنوا أن يتغلبوا على إيران، ويسقطوا نظامها إلا بالتلاعب بالإثنيات الموجودة فيها.
وللأسف، رأيت من الدعاة لهذا المنهج في مواجهة الخطر الإيراني ـ كما يذكر ـ دعاة إسلاميون يرون أنه لا يمكن أن يتحقق النصر على إيران إلا بتحريض العرقيات والطوائف الدينية والمذهبية فيها، وهم يعلمون أن ذلك حرام، بل هو سنة اليهود الذين استعملوا هذه الوسيلة في عهد النبوة ليحدثوا الصراع بين المسلمين في الدولة الفتية الجديدة.
ومن الأمثلة على ذلك الداعية والمفكر الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي، والذي لا يدع مناسبة إلا ويحذر فيها من الخطر الإيراني، ويوصي معها بتحريض الإثنيات الموجودة فيها لتطالب بالانقسام، بل إنه دعا إلى تموين مليشيات للقيام بهذا العمل، فقد صرح لصحيفة المرصد داعيا دول مجلس التعاون الخليجي إلى مواجهة ما يسميه [الغطرسة الإيرانية] بإشراك شعوبها في الدفاع عن أوطانهم.
وأوضح في تدوينات له عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن هناك طريقتين لتأسيس الميلشيات، إما عبر التجنيد الإجباري، أو عن طريق تشكيل ميليشيات تطوعية يتم نثرها عبر الحدود.
وهكذا نجد الكثير من الدعاة للأسف ينسون القضية الفلسطينية، ليتحدثوا عن قضية جديدة مبتدعة اسمها القضية الأحوازية، ومن الغريب أنهم في غمرة حديثهم عنها ينسون أن أكثرية الأحواز شيعة لا سنة.
وقد نبههم إلى هذا الخطأ بعضهم في مقال بعنوان [يتحدثون عن سنة إيران.. دون علم!]، ومما ورد فيه: (على هامش زيارة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد مؤخرا للقاهرة خرج علينا نفر من الكتاب ومحللي الفضائيات ومعهم أيضا رجال دين من الأزهريين والسلفيين ليعترضوا على ما يلاقيه [السنة في الأحواز] من مظالم وانتهاكات لأبسط حقوقهم، ولو أن هؤلاء تناولوا مظالم سنة ايران بصفة عامة دون تحديد مكانهم لما كان هناك داع لكتابة هذا المقال، ذلك أن تشديدهم على سنة الأحواز تحديدا كطرف يتعرض للظلم يكشف عن قصور فاضح لديهم في فهم الأوضاع والسياسات والتقسيمات الديموغرافية في إيران. وهذا، بطبيعة الحال، ناجم عن خلو جامعاتنا وكلياتنا من مراكز بحثية متخصصة بالشأن الايراني، مقابل العديد من المراكز الفارسية المتبحرة في كل ما له علاقة بالأوضاع والشؤون الخليجية والعربية السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية) ([6])
ثم بين موضع الخطأ الذي يدل على الجهل المطبق، بل على الحقد الدفين: (.. فالأحواز وإن كان أكثرية سكانها من العرب، فإن غالبيتهم من الشيعة وليس السنة، وهم يتكلمون اللهجة الأحوازية الشبيهة باللهجة العراقية، وبالتالي فإن سنة الأحواز لا يشكلون سوى أقلية، شأنهم في ذلك شأن الأقلية السنية في كرمانشاه، ولارستان، والمدن المركزية الكبرى)
وهكذا راح يصحح لهم الكثير من الأخطاء التي يقعون فيها، بذكر المناطق التي يتواجد فيها أهل السنة، وإن كان هو الآخر قد وقع فيما وقع فيه غيره من الأخطاء، ذلك أنه راح يذكر التهميش الذي يعانيه أهل السنة ومعاناتهم المادية دون أن يكلف نفسه بمعرفة معاناة غيرهم من الشيعة، والذين يوجد بينهم الفقراء كما يوجدون في سائر المناطق.
وقد رد الخميني على هذه الشبهات التي تثار بانتقاء بعض مظاهر الفقر الموجودة في تلك المناطق، والحكم عليها لا انطلاقا من أسبابها الحقيقية، وهي الحصار، والحروب، ونحوها، وإنما انطلاقا من كون هذه المناطق بالذات مهمشة مرات كثيرة في خطبه وكتبه ولقاءاته.
ومنها ما ذكره في حديث له في بدايات انتصار الثورة الإسلامية حول الدور الهام للإذاعة والتلفزيون في مواجهة المؤامرات التي تواجهها الدولة الفتية؛ فقد جاء فيه: (لقد عانينا في الفترة الأخيرة ومازلنا من مشكلة كردستان ومن وجود بعض المنحرفين والمفسدين هناك، وهؤلاء هم من الخونة العملاء والساعين إلى إثارة الفوضى والإضطربات في هذه المحافظة، وفي الحقيقة إن هؤلاء يهدفون للقضاء على الأكراد وعلى الاتراك والفرس أيضاً. لقد ذكرنا من قبل ومراراً لجميع الأخوة الأكراد الذين حضروا إلى هنا، وللأخوة البلوش أيضاً، أن الإسلام لا يعترف بهذه التقسيمات والتصنيفات، بل يعتمد على مبدأ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، ولا يعترف بعرب وعجم وكرد بل عمل الإنسان وتقواه هو الأساس والمعيار، فالله سبحانه وتعالى لم يفرّق بين طائفة وأخرى بل أنزل على الجميع نعمه وطالبهم بالعمل والسعي ولم يفرق في ذلك بين العرب والترك والعجم، وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أنه عربي، ولكنه يقول بصراحة أن لا فضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي فكلكم من آدم. وكما يولي الإسلام هذا الأمر أهمية فإن الجمهورية الإسلامية تهدف إلى وضع هذا الامر في طليعة أولوياتها، ولكن المهمة صعبة لشراسة الإعلام المعاكس)([7])
ثم ذكر بعض الأساليب التي استعملها الإعلام المغرض في ذلك الوقت، وهي نفس الأساليب التي تستعمل الآن، وبتركيز أشد؛ فقال: (إنهم يبلّغون ضدنا داخل البلاد وخارجها، وبأشكال وصور مختلفة؛ ففي خارج البلاد يصوروننا كنظام دكتاتوري مثل هتلر أو أكثر فظاعة، وأن فلاناً أمر ببتر أثداء النساء، وفي داخل البلاد ككردستان مثلًا يشيعون الدعايات المغرضة ضدنا، وللأسف الشديد فإن الكثير من السذّج يصدقونهم ويتأثرون بمزاعمهم هذه)([8])
ثم ذكر موقفه وموقف قادة الثورة الإسلامية من الأكراد الإيرانيين؛ فقال: (إن أهلنا في كردستان هم أخوة لنا وأعزاء علينا. إنهم يهاجمون أهلنا في كردستان ويقتلون أخوتنا. وفيما تسارع القوات الحكومية للدفاع عن كردستان وعدم السماح للمفسدين القادمين من الخارج أفواجاً أفواجاً والذين يرسلون المال والعتاد والمبلغين والجواسيس لإشعال المنطقة، وقتل أخوتنا الأكراد، فإن هؤلاء المفسدين يحاولون خداع السذج بأن القوات الحكومية عازمة على قتل الأكراد! ولكنهم أنفسهم يقومون بذلك ويقتلون إخوتنا الأكراد. وفي المشافي أيضاً أثاروا سلسلة من الفضائح، كما أنهم وجّهوا إليّ اتهامات مختلفة! فيوم أمس أحضروا لي بياناً يحمل توقيع (ميليشيا فدائيي خلق) يكيلون فيه سيلًا من الاتهامات وينسبون الكثير من الفضائح إلى الجمهورية الإسلامية) ([9])
ثم رد على تلك الدعايات التي تصور التهميش المرتبط بالأكراد وغيرهم، ودور النظام البائد في ذلك؛ فقال: (لقد أشرت إلى هذه النقطة كثيراً وهي أن الأخوة في كردستان مثلًا غير مطلعين على الأوضاع في المناطق الأخرى ويظنون أن كردستان وحدها التي تعاني من الحرمان ونقص الخدمات، والشي ء نفسه بالنسبة لأهالي بختياري حيث يظنون بأنهم من أكثر المناطق معاناة وتخلفاً، وهكذا أهالي بلوجستان يفكرون بالطريقة نفسها، لأن هؤلاء جميعاً مطلعون على الأوضاع في مناطقهم فحسب. فمن يذهب إلى كردستان سيرى بأم عينه عدم توفر أي نوع من الخدمات، فلا مستشفيات ولا طرق معبدة ولا مدارس، وبلوجستان كذلك تعاني من نفس المشاكل، وإن السبب في كل ذلك يكمن في الدعايات الإعلامية التي يمارسها البعض والتي تدفع أهالي كل منطقة للظن بأنهم وحدهم الذين يعانون وأن أهالي المناطق الأخرى ينعمون برفاهية ورخاء، وبعد عودتنا إلى إيران ولقاءنا مندوبين عن الكثير من مناطق البلاد، أخبرتهم بإنهم على حق لأنهم يرون شيئاً ويسمعون شيئاً آخر. فلقد مارس نظام الشاه سياسة اعلامية موجهة تهدف إلى اعتبار ايران بلد الحضارة الكبرى وبوابة التحضر وهذا ما صدقه الكثيرون واعتبروا أن مناطقهم وحدها التي تعاني بينما تتمتع المناطق الأخرى بخدمات وافرة، وبما أن البلد بلد الحضارة الكبرى، فبقية المناطق حتماً تمتلك هذه الحضارة التي يتكلم عنها النظام ماعدا منطقتنا نحن. ولكن لو أمعنّا النظر جيداً لوجدنا أن الحرمان والتخلف كان منتشراً في كل بقعة من البلاد) ([10])
ثم ضرب لهم مثالا على ذلك بالوضع المعيشي لسكان العاصمة طهران؛ فقال: (اذهبوا إليها وقارنوا بين الأوضاع التي يعيش فيها سكان المناطق النائية في طهران والأوضاع في كردستان وبلوجستان، ستجدون أن هؤلاء الذين يعيشون في طهران أسوأ حالًا وأشد فاقة، وقد عرض التلفاز مؤخراً مشاهد للحفر والكهوف التي يقطنها هؤلاء! وصوراً من حياتهم اليومية المدقعة في الفقر والحرمان، ولا بد من القول إن الظروف التي يعيشها هؤلاء هي اسوأ حالًا من كردستان وبلوجستان. لقد تم التخطيط والبرمجة لكل هذا التخلف والحرمان والوقوف أمام تنمية البلاد وتطورها ونهب ثرواتنا وممتلكاتنا ليعيش الشعب في بؤس وفقر وحرمان) ([11])
ثم بين أن الوضع في جميع المناطق الإيرانية واحد، وأنه وليد لسياسات الشاه الذي وهب كل ممتلكات البلاد لأمريكا والغرب؛ فقال: (لا تظنوا أن المناطق التي تعيشون فيها هي وحدها المحرومة، بل جميع المناطق على درجة واحدة من الفقر والحرمان وجميعكم محقون بأن مناطقكم محرومة. لقد كان البعض يخبرني عن الحالة المأساوية التي يعيشها سكان المناطق النائية في طهران منذ أن كنت في النجف ولمست ذلك أيضاً من خلال المشاهد التي بثها التلفاز.. إن كل هذا البؤس والحرمان الذي ترونه جاء نتيجة لمخططات مدروسة وأهداف خبيثة) ([12])
ثم بين الهدف الأكبر الذي يسعى له هؤلاء المحرضون، وهو ليس المطالبة بحقوق الأعراق والمذاهب والأديان، وإنما هو القضاء على الحكم الإسلامي الذي ارتضته إيران نظاما لها، يقول في ذلك: (واليوم أيضاً يهدفون إلى عرقلة تقدم الثورة ومنع تحقيق الأهداف الإسلامية. فتارة يصوّرون للناس أن هذا الإسلام الذي ترونه هو أسوأ من النظام السابق بكثير! وتارة أخرى يزعمون أن هؤلاء المعممين هم أكثر دكتاتورية من الآخرين! وأن دكتاتور العمامة أسوأ من الدكتاتور الفلاني! أي دكتاتور! أنا أيضاً أعتم العمامة فأي واحد منا تقصدون؟ وعن أي دكتاتورية تتحدثون؟ الجميع يرى اليوم حجم هذا الإعلام الموجه والتشويه الخطير لعقول الناس، لأن هؤلاء قد فقدوا كل شي ء ولم يبق أمامهم إلا دس سمومهم هنا وهناك لتشويه صورة الجمهورية الإسلامية والنيل من رجالاتها) ([13])
بناء على هذا، سنحاول في هذا المبحث النظر في مدى موضوعية هذه الشبهة، وبيان المدى الذي وصلت إليه قيمة الأخوة في نظام ولاية الفقيه، مقارنة بنظام الشاه، وغيره من الأنظمة، وذلك من خلال الموقف من الإثنيات العرقية والدينية والمذهبية الموجودة في إيران، بالإضافة إلى الموقف من الأخوة الخارجية مع سائر الدول الإسلامية وغيرها.
أولا ـ ولاية الفقيه والتعامل مع الاختلاف العرقي:
بناء على ما تقتضيه المصادر الشرعية التي يعتمد عليها نظام [ولاية الفقيه] يذكر الدستور الإيراني، وكل المفكرين والفقهاء المؤمنين بهذا النظام أنه لا محل للاختلاف العرقي في التعامل مع الاثنيات الموجودة في إيران، بل إن الصراع بينهم وبين القوميين الذين كان يمثلهم الحكم البائد كان شديدا بسبب الفرق بين كلا الرؤيتين: الرؤية الدينية، والرؤية القومية.
ولذلك بمجرد أن انتصرت الثورة الإسلامية أزيلت كل الشعارات القومية، وحل بدلها شعار الإسلام، باعتباره دين الأغلبية، وباعتباره كذلك يحمي جميع الاثنيات، ولا يفرق بينها.
بل إن الخميني يدعو في خطاباته وبياناته وفتاواه الكثيرة إلى تعميم هذا التعامل مع جميع المسلمين، ويعتبر التفريق بينهم على أساس أعراقهم ولغاتهم نوعا من الجاهلية التي أجج نيرانها أعداء الأمة ليفرقوا بينها.
ومن ذلك قوله في خطاب ألقاه على جمع من المسلمين الباكستانيين قاموا بزيارته بعد انتصار الثورة الإسلامية [في 28 ذي الحجة 1400 هـ]: (منذ سنوات طويلة ونحن نسعى للمّ شمل المسلمين وتوحيد كلمتهم، لأن جميع المصائب والمشاكل التي يعانون منها، سببها التفرقة التي يعيشونها والتي أوجدتها أيدي القوى الأجنبية الطامعة بإستغلال بلاد المسلمين ونهب ثرواتهم الغنية، والساعية لإخضاعهم لسيطرتها. فقد سعى هؤلاء جاهدين لبث التفرقة بين المسلمين، وما هذا الكلام الذي تبجح به هذا الخبيث إلا تنفيذاً لما يريدون. أن يضع العرب في كفة، وجميع المسلمين الآخرين في كفّة أخرى، فقط العرب مسلمون، أمّا الباكستانيون، الإيرانيون فليسوا بمسلمين، فقط العربي هو المسلم الحقيقي! وعلى هؤلاء جميعاً- حسب بعض العبارات التي ذكرها في كلامه- أن يقبلوا بسيادة العربي عليهم، إن هذا ما يعارض الإسلام، إن هذا ما يعارض تعاليم القرآن، القرآن يجعل الميزان في الكرامة التقوى.. إن هذا ما كانت تصبو إليه القوى الكبرى، أن تفرق بين القوميات، أن تفصل العربي عن غير العربي، فتضع العربي في جانب، والفارسي في جانب آخر. حتى أنهم يريدون أن يزرعوا الفرقة بين العرب أنفسهم عبر التفريق بين طوائفهم، وكذلك الأمر بالنسبة للفرس وغيرهم من القوميات، ومحمّد رضا كان موظفاً لتنفيذ هذه المهمة في إيران، وكل من يعزف على هذه الأوتار؛ وتر القومية والطائفية هو موظفٌ لتنفيذ مآرب الأجانب الشريرة، والتي تهدف إلى بث التفرقة بين المسلمين)([14])
واعتبر في خطابه أن كل الهزائم التي لحقت بالمسلمين سببها ذلك التمييز العنصري الذي أفلح الأعداء في استثماره وتأجيج الصراع بسببه بين المسلمين، يقول: (إن المسألة المهمة التي جعلت البلاد الاسلامية مغلوبة على أمرها وأبعدتها عن ظلال القرآن الكريم هي مسألة التمييز العرقي: فهذا من أصل تركي، ويجب أن يُصلِّي صلاته بالتركية، وهذا من أصل ايراني ويجب أن تكون حروفه الهجائية كذا، وذلك من أصل عربي، ويجب أن تحكم العروبة وليس الاسلام، ويجب أن يحكم الأصل الآري وليس الاسلام متناسين ما يرتكز عليه المسلمون جميعاً! ويؤسف على أنهم جرّدوا المسلمين من هذا المرتكز، ولا أدري الى أين سيؤول الأمر؟! لعبة القومية هذه هي التي جاء الاسلام وشطب عليها بخط أحمر، ولم يفرق بين الأسود والأبيض، وبين الترك والعجم، وبين العرب وغير العرب الا بالتقوى والخوف من الله، والتقوى بمعناها الحقيقي: التقوى السياسية والمادية والمعنوية.. ليس هناك ترك وفرس، وعرب وعجم، فالمرتكز هو الإسلام)([15])
ويبين أن من أهداف الثورة الإسلامية القضاء على التفرقة العرقية التي كان نظام الشاه يعتبرها هدفا من أهدافه، يقول: (وأما قضية التفرقة العرقية، فإنها رجعية، إن السادة يعتبروننا رجعيين في حين أنهم يريدون أن يعودوا القهقرى إلى الفين وخمس مئة عام، فهل نحن رجعيون؟! لماذا يجب أن تَغفُل البلاد الاسلامية عن هذه الأمور؟! لماذا يجب أن تواجه البلاد الاسلامية بعضها بعضاً؟ أولئك أقاموا تحالفاً ثلاثياً مقابل هؤلاء، فليشكل هؤلاء تحالفاً آخر مقابل أولئك. لمَ يتقاتلُ المسلمون؟ وما الذي دفع المسلمين ليتحاربوا؟ أليست هي أيدي الاستعمار؟ فارفعوا يد الاستعمار عن البلاد الاسلامية، ثم شاهدوا أي صداقة تحصل، فإنْ يحكمْ الدين الإسلامي تُحفظ جميع الثغور ولا تعتد حكومة على أخرى، لأنّ الجميع مسلمون)([16])
وللأسف، فإن هذه الطروحات الممتلئة بالصدق، والتي تمثل العقل والحكمة كما تمثل الإسلام المحمدي الأصيل وجدت من يرفضها، ويشوه شخصية قائليها، في نفس الوقت الذي يُلمع فيه أولئك القوميون الذين قامت الثورة الإسلامية لمواجهتهم.
وقد تولى القيام بهذا الدور القذر طرفان: أما أحدهما؛ فمشبع بالفكر الغربي، وبالرؤية الغربية، ولكنه مع ذلك متناقض مع نفسه؛ فهو يدعو القوميات الإيرانية لأن تنتفض على نظامها، وتؤسس كيانات هشة ضعيفة، يدب الصراع بينها كل حين، في نفس الوقت الذي يرى فيه دول العالم المتقدم تمتلئ بالإثنيات، وترى كمالها في ذلك التنوع، وترى أن المواطنة هي الأصل، لا العرق، ولا الطائفة.
أما الثاني؛ فأولئك الإسلاميون الذين قرأوا النصوص المقدسة، وقرأوا معها المواقف الشرعية المتشددة من كل دعوة للعنصرية والعرقية، لكنهم يتجاهلونها جميعا، ويطلبون من الأعراق المختلفة في إيران أن تنتفض، بل يطلبون منها أن تشكل ميليشيات لتقاوم النظام، وتحصل على استقلالها.
ومن الأمثلة على ذلك ما كتبه بعضهم تحت عنوان [تركيبة الشعوب في إيران ما قبل التاريخ المعاصر]([17])، والذي تحدث فيه عن التعدد في الأعراق الإيرانية، وتوزعها على مناطقه المختلفة من أزمنة قديمة، وعلاقة ذلك بدول الجوار، وعلاقته بالاقتصاد، حيث أن بعض المناطق غنية جدا، وأخرى فقيرة جدا، بحيث لو حدث الانفصال، سيحدث انقلاب عجيب للأعراق المختلفة، بل يحصل الصراع بينها وبين دول الجوار.
ولكن مع ذلك كله ظل مثل غيره مصرا على الدعوة للانفصال والمقاومة، لأن الغرض ليس تحقيق مصالح تلك الأعراق، وإنما الغرض انهيار النظام الإيراني، ولو على حساب تلك الشعوب.
وسنحلل هنا بعض ما قاله من معلومات، لنرى أن مجرد التأمل فيها وحدها كفيل بالرد عليه وعلى طروحات جميع القوميين ودعاة الانفصال، وذلك في النقاط التالية:
1 ـ قدم التركيبة السكانية للأعراق الموجودة في إيران:
كما هو معلوم؛ فإن تاريخ التركيبة السكانية للأعراق الموجودة في إيران يسبق الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يعني أن الثورة الإسلامية لم تقم بأي تغيير ديمغرافي كالذي قامت به أمريكا عندما أبادت السكان الأصليين، وأحلت أعراقا أخرى بدلهم، وإنما تعاملت مع الوضع بحسب ما وجد عليه في فترات تاريخية قديمة ليست مسؤولة عنها.
يقول في ذلك: (يعود شكل الدولة الايرانية المعاصرة إلى أوائل القرن السادس عشر الميلادي، وتحديدا الى العام 1501، وذلك مع تأسيس الدولة الصفوية على يد الشاه إسماعيل الصفوي، وفي الحقيقة لم تكن الدولة في تلك الفترة قائمة على قومية بعينها، إنما كانت تتكون من أقاليم مختلفة ومجموعات عرقية غير متجانسة ومستقلة عن بعضها البعض وتعيش دون أي ارتباط عضوي.. بالإضافة الى الشعوب المختلفة التي كانت تعيش في هذه الواحة قبل الاسلام كانت هناك ديانات مختلفة مثل المانوية والمزدكية والميترائية والزرادشتية حيث بقت تعيش في هذه المنطقة حتى بعدالفتح الاسلامي وهزيمة الساسانين على يد المسلمين العرب في معركةالقادسية)([18])
2 ـ وحدة التركيبة السكانية وارتباطها بمصالحها:
ذكر الكاتب المعلومات التاريخية ـ بناء على المراجع التي يعتمدها ـ والتي تدل على أن هذه الأقوام والشعوب بمكوناتها العرقية واللغوية والدينية والثقافية كانت مجموعات غير متجانسة، ولم يكن بينها في أي مرحلة أي انسجام، لا من الناحية التاريخية، ولا من الناحية السياسية إلى أن جاء دور الصفويين؛ فتوحدت هذه الشعوب تحت مظلة الدولة الصفوية.
ولست أدري أي عيب في هذا التوحد، بل المصالح فيه؛ فقوة الشعوب في وحدتها لا في تفرقها، وإن ذكر أن الدولة الصفوية كانت دولة ظالمة؛ فقد كان العثمانيون لا يقلون عنهم ظلما واستبدادا، وقد انتشروا في جميع البلاد الإسلامية، ومارسوا استبدادهم فيها، ومع ذلك نرى الإسلاميين خصوصا يثنون كثيرا على العثمانيين في نفس الوقت الذي يشنون فيه حملتهم على الصفويين، ويربطونهم بنظام ولاية الفقيه مع الفرق الشديد والواسع بين النظام الذي اعتمده الصفويون، والنظام الذي اعتمدته إيران بعد الثورة الإسلامية.
3 ـ الأوضاع المزرية للتركيبة السكانية قبل الثورة الإسلامية:
وهي من القضايا المهمة جدا، والتي يحاول المغرضون التكتم عليها، وقد ذكر الكاتب بعض تلك الأوضاع التي سبقت الثورة الإسلامية بالنسبة لتلك الشعوب، وهي أوضاع مزرية جدا، وممتلئة بالعنصرية.
وكان الأصل عند ذكر مثل هذا أن يقدم الثناء للثورة الإسلامية لقضائها على تلك العنصرية، لكن نرى العكس من ذلك، حيث يُثنى على الشاه العنصري القومي في نفس الوقت الذي يسب فيه الخميني الذي يدعو إلى الأخوة بين جميع الأعراق والشعوب.
يقول الكاتب: (بدأ حكم الشاه رضا بهلوي بتنفيذ مشروع القوميين الفرس المتطرفين بتبني مشروع الدولة الأمة، وهو نسخة مشوهة لمشروع الدولة الأمة في أروبا في القرن التاسع عشر، حيث أنه خلق كيانا سياسيا جديدا وهوية جديدة لهذا الكيان، بعيدة كل البعد عن الوضع الذي كان قائما قبل إنقلابه، وكان مشروع الدولة الأمة الذي تبناه البهلوي متناقض تماما مع المشروع الأروبي الذي شكلت الديمقراطية أساسه، حيث قام نظام الشاه على مجموعة من القرارات تضمنت تعديل بعض بنود الدستور الذي كان حصيلة الحركة الدستورية (ثورة المشروطة) وتعطيل بعضها الآخر، وانتهى أمده الى إفراغ الدستور من محتواها الأساسي وانحصرت مهمته في التصديق على القرارات التي يصدرها النظام تمهيداً لقيام دولة مركزية قوية قائمة على الاستبداد)
وذكر أن النظام الشاهنشاهي وضع نظرية التعصب القومي والثقافي الإيراني الفارسي على (فرضية تاريخية خاطئة، مفادها أن الحضارة في الأراضي الإيرانية هي من إبداعات الآريين دون سواهم، بالإضافة إلى تأكيدها على وحدة الدم والعرق. وهذه النظرية تستثني العرب والأتراك في إيران لأنهم غير آريين، في حين تعتبر الأكراد والبلوش هم من الشعب الآري)
ونقل عن أحد اهتمام الشاه بالتنظير للفكر القومي العنصري، ونقل عن أحد منظريه [محمود أفشار] حديثه عن ضرورة تبني الفكر القومي الفارسي، مقابل الفكر القومي العربي، والفكر القومي التركي، حيث كتب قائلاً: (إننا مضطرون لتبني الفكر القومي المتشدد وأن يكون لنا إيران موحدة، وإلغاء الوجود القومي للقوميات الإيرانية نهائياً)
وذكر أن وجود العرب في إقليم عربستان يشكل خطراً على إيران، واقترح على رضا شاه وحكومته حلاً يتمثل باستئصال جذور اللغة العربية من إيران وإحداث تغيرات كبرى على التقسيمات الإدارية، حتى تتغير حدود عربستان كلياً، بالإضافة إلى تهجير العرب إلى نقاط خارج عربستان وإسكانهم في مختلف المناطق الإيرانية.
وذكر أن رضا شاه كان يتعاطف مع مثل وجهات النظر هذه؛ لأنه كان متأثراً إلى حد كبير بالأفكار القومية الإيرانية التي طرحت في القرنين التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
وذكر أن ذلك كله أدى إلى معاداة لغة القوميات، وخصوصا العربية التي أهملت إهمالا شديدا، بل ظهرت الدعوات إلى كتابتها بالحروب اللاتينية مثلما حصل مع اللغة التركية.
4 ـ اهتمام النظام الإسلام في إيران باللغة العربية:
أغفل الكاتب للأسف ذكر ذلك الاهتمام الكبير باللغة العربية الذي أبداه جميع قادة الثورة الإسلامية، بل نص عليه الدستور نفسه، لدرجة أن القوميين الفارسيين ـ بعد نجاح الثورة الإسلامية ـ راحوا يتهمونها بكونها ثورة على الفارسية لصالح العربية، وأنها بذلك تريد أن تستأصل المقومات الفارسية.
ومن أمثلة ذلك ما ورد في مقال بعنوان [حضارة إيران التي تتآكل وتصبح عربية: شوارع طهران تتكلم عربي]([19])، وهو مقال مهم جدا يقارن فيه كاتبه بين الوضع الذي كانت عليه العربية إبان الشاه، والوضع الذي صارت إليه بعد نجاح الثورة الإسلامية، وقد قال في مقدمته: (يعلن كثيرون بلا تحفظ أنّ إيران تسعى إلى إحياء امبراطورية فارس ونشر نفوذها على مناطق العالم العربي خصوصا، وفي هذا الإعلان المجاني سوء فهم تاريخي، بل وجهل شاسع بحقيقة الوضع في جمهورية إيران الإسلامية، فإيران الإسلامية ستذوب في العالم العربي كما ذابت عشرات الأمم فيه تحت راية القرآن والإسلام)
وبين أسباب ذلك، فقال: (في اسمها الذي تُصرّ عليه دولة إيران، فقدت إيران (وتعني الكلمة أرض الآريين) ثلثي هويتها الفارسية وتحولت إلى مجرد جمهورية إسلامية أخرى؛ فحين قامت ثورة الشعب ضد شاه إيران الذي حرص على بناء مجد بهلوي يستلهم المجد الساساني القاجاري، أراد الشعب أن يغادر النظام الملكي إلى نظام جمهوري بأيّ ثمن، وما إن ركب الإسلاميون ظهر الثورة حتى سقط الشاه، ووجد الشعب والإسلاميون أنفسهم أمام فراغ سياسي، لا بد من سده، فولدت جمهورية ارتجالية سريعة، سماها روح الله الخميني بسرعة [جمهوري إسلامي] مستعيرا المصطلح العربي لملء الفراغ اللغوي في الفارسية التي لا توجد فيها كلمة تصف النظام الجمهوري إلا الكلمة العربية، فيما لا يجادل أحد أن كلمة [إسلامية] عربية، وهكذا بات ثلثا العنوان الرسمي للدولة عربيا (جمهوري إسلامي إيران)
ثم يذكر ـ متأسفا ـ أن الأمر لم يقتصر على اسم الجمهورية الإسلامية الذي تعرب، بل وصل إلى كل المحال، يقول: (قس على ذلك، فإن اللغة الرسمية التي سارت عليها الجمهورية الفتية في مؤسساتها الثورية الوليدة نحت في الغالب إلى الفضاء اللغوي العربي لسد الثغرات في اللغة الفارسية التي لم تعرف مؤسسات ودستور دولة جمهورية إسلامية من قبل ولم تصغ لها مفردات تناسبها، اختارت الجمهورية الإسلامية لنفسها دستورا أسماه المشرعون [قانون أساسي كشور]، وهكذا فإن ثلثي الوصف للدستور [قانون أساسي] عربي وما تبقى هي كلمة [كشور])
ويذكر المدى الذي وصل إليه استعمال اللغة العربية في المحافل الرسمية؛ فقال: (لست بصدد أن أؤسس هنا لبحث لغوي متخصص يرصد كل تحولات اللغة الفارسية وذوبانها عبر أربعة عقود من عمر الجمهورية الإسلامية في اللغة العربية إلى درجة أنّ المصطلح الرسمي والسياسي الإيراني بات في خطابه الرسمي يتعامل بنحو 65 بالمئة بلغة ومصطلحات عربية، فهذا متروك لمراكز الأبحاث المتخصصة بالشأن الإيراني عبر العالم وهي كثيرة ولكنها مؤسسات غائبة في العالم العربي الذي ما فتئ ساسته يحذرون من التمدد الفارسي في الخليج وغيره!)
وبناء على هذا راح يذكر متأسفا الكثير من الأمثلة التي حولت الإيرانيين إلى اللغة العربية؛ فقال: (أريد أن أعرض بشكل سريع طيفا من التغيرات التي يتعامل بها الإيرانيون كل يوم، ومن خلالها فقدوا أغلب هوية اللغة الفارسية الجميلة الثرية بسبب حرص المؤسسة الإسلامية القائمة على السلطة على ترويج المصطلح الإسلامي والذي هو بالتأكيد مصطلح عربي ينتمي غالبا إلى القرون السادس والسابع والثامن ميلادية حيث ولدت الدولة الإسلامية وامتدت وتوسعت)
ومن الأمثلة على ذلك ما أورده في من نصوص وردت في مدخل الدستور الإيراني بين من خلالها (أفول اللغة الفارسية وتآكلها منهزمة أمام المصطلح العربي الذي يغزو مؤسسات الدولة في الجمهورية الإسلامية حاملا معه بالطبع آثارا عربية لا يدركها الإيرانيون في حماسهم المنقطع النظير لنشر الجمهورية الإسلامية كما تصورها السيد الخميني ربيب الحوزة الشيعية العراقية في النجف)
ثم أورد هذا النص: (أصل 1: حکومت إيران جمهوری إسلامي است که ملت إيران، بر اساس اعتقاد دیرینهاش به حکومت حق وعدل قرآن، در پی انقلاب إسلامي پیروزمند)، وبين المدى الذي وصل إليه استعمال اللغة العربية في أهم قانون رسمي في البلاد، مع أنه كان يمكن أن تستعمل كلمات فارسية بدل العربية.
ففي ذلك النص السابق نجد كلمات (حكومت، جمهوري، إسلامي، ملت (مله)، أساس، اعتقاد، حق، عدل، قرآني، انقلاب (وتعني بالفارسية الإسلامية ثورة) في هذا السطر ونصف السطر المكون من 21 كلمة، ظهرت 11 كلمة عربية.
وهكذا ذكر الأمثلة التي تبين أن الذي وضع الدستور كان في إمكانه أن يجد مفردات في الفارسية لكنه تركها واستعمل العربية، فكلمة [أصل 1] العربية (لو شاء المشرّع الفارسي أن يستفيد من مفردات لغتهم لاستخدم كلمة [رشته] في هذا المكان، لكنه لم يفعل.
وقد ذكر الكاتب تململ القوميين الفارسيين من ذلك التوجه العربي الذي تميل إليه إيران في عهدها الجديد؛ فقال: (التوجه لأسلمة المجتمع يثير حفيظة الفرس في إيران على وجه الخصوص، إذا يرون فيه سياسة تعريب تتبعها حكومة السادة وهم يقولون علنا في كل مكان: إذا كان الخميني، والخامنئي وخاتمي من السادة، فهم هاشميو النسب، والهاشميون عرب قريشيون لا شك فيهم، وهكذا فحكامنا هم من العرب الساعين إلى تعريب إيران الفارسية)
وهكذا يذكر الكاتب متأسفا الحملة الشديدة التي قامت بها الثورة الإسلامية على الثقافة الفارسية؛ فيقول: (إذا تأملنا أثر سياسة الأسلمة التي انتهجتها وماتزال الجمهورية الإسلامية في إيران سنجد في المحصلة انحسارا حادا للحضارة الفارسية ولغتها وحتى مواريثها، ففي إيران الإسلامية لا يحبذ المسؤولون إحياء عيد نوروز وهو الأساس الذي تحوم حوله حضارة فارس ومن يحيط بها (طاجيكستان، أذربيجان، كردستان بأقسامها الأربعة، أفغانستان، أجزاء من باكستان وغيرها)، ويحاولون جاهدين تحوليه إلى عيد الربيع (بهار) وإضفاء ملامح إسلامية عليه تقصي رمزيته وطقوسه الزرادشتية (النار، والقفز فوق النار، إحياء رسم جهارشنبه سوري، وسفرة هفت سين التي أضاف إليها إسلاميو إيران القرآن، الاحتفال لمدة 13 يوما بموجب الطقوس الزرادشتية)
وذكر كيف غيرت الثورة الإسلامية كل العادات والتقاليد القديمة لتصبها بالصبغة العربية الإسلامية؛ فيقول: (يسعى الإسلاميون في إيران إلى نشر الاحتفال بمواليد الأئمة والمعصومين (من آل الرسول) لتحل محل أيام نوروز الثلاثة عشر، وعيد الشتاء، كما يسعون جاهدين إلى تغيير التقويم الفارسي، إلى تقويمهم الجديد الذي يسمونه (هجري شمسي)، محاولين محو كل الكلمات الفارسية التي تثبّت هذا التقويم.
ومع كل هذا نرى المغرضين، وخصوصا الإسلاميين منهم، يتهمون نظام ولاية الفقيه بالعصبية الفارسية مع كونه يتلقى العداء من القوميين من الفرس بسبب ذلك الانصهار الشديد مع اللغة العربية والإسلام، وكأنهم يريدون من إيران التي كانت في كل تاريخها تتكلم الفارسية، وتتعلم بها، أن تتحول فجأة إلى دولة عربية، وتجعل اللغة العربية لغتها الرسمية.
5 ـ اهتمام الدستور الإيراني باللغات المحلية واللغة العربية:
أغفل الكاتب ـ مثل غيره ـ ذكر ما ورد في الدستور الإيراني في تعامله مع اللغات المختلفة، واحترامه لها؛ ففي المادة الخامسة عشرة: (اللغة والكتابة الرسمية والمشتركة، هي الفارسية لشعب إيران، فيجب أن تكون الوثائق والمراسلات والنصوص الرسمية والكتب الدراسية بهذه اللغة والكتابة. ولكن يجوز استعمال اللغات المحلية والقومية الأخرى في مجال الصحافة ووسائل الإعلام العامة، وتدريس آدابها في المدارس إلى جانب اللغة الفارسية)
وهذا ما يفسر حديث الخميني والخامنئي في خطبهما ودروسهما بالفارسية مع إتقانهما الشديد للعربية؛ وهو ليس تعصبا ضد العربية كما يفهم المغرضون، وإنما هو مراعاة لقانون البلاد، الذي يراعي اللغة السائدة فيها.
وفي المادة السادسة عشرة: (بما أن لغة القرآن والعلوم والمعارف الإسلامية هي العربية، وأن الأدب الفارسي ممتزج معها بشكل كامل، لذا يجب تدريس هذه اللغة بعد المرحلة الابتدائية حتى نهاية المرحلة الثانوية في جميع الصفوف والاختصاصات الدراسية)، وبذلك يجعل الدستور الإيراني اللغة العربية لغة ثانية وضرورية، وفي فترة كافية لإتقانها خصوصا مع اختلاطها الشديد بالفارسية.
وهكذا نرى في سائر المواد اهتماما شديدا بكل ما يصبغ الدولة بالصبغة الإسلامية، وهي صبغة تجمع بين جميع القوميات الموجودة في إيران، وتوحد بينها، وفي ذلك ما يرد على أولئك الخصوم الذين يريدون تمزيقها لتعيش الفوضى والصراع الداخلي والخارجي مع جميع الدول المحيطة.
6 ـ موانع الانقسام لدى التركيبة السكانية:
وقد ذكرها بتفصيل، نراه كافيا للرد على هذه الشبهة، والرد على كل المغرضين، وسنذكر هنا باختصار ما ذكره عن بعض تلك الأعراق:
الأتراك الأذربايجانيين: ويذكر أنهم أكبر قومية في إيران، وأنهم يسيطرون على [البازار]، أي اقتصاد السوق، وأنهم نافذون في الجيش والحرس الثوري ومؤسسات الدولة، وهذه الامتيازات ترد على تلك الطروحات التي تصور إيران بالامبراطورية الفارسية، والعنصرية المرتبطة بها، وكيف يكون ذلك، وهو يقر بما لهذه القومية من امتيازات؟
لكنه يغفل عما ذكره، ويبين نقاط ضعف هذه القومية، والمتمثل حسب رأيه في (فقدانهم تنظيمات قومية قوية، وتشتت صفوفهم، وعدم وجود قيادة سياسية منسجمة لديهم، كما أنهم قياسا بالشعوب الإيرانية الأخرى يعيشون نوعا من الرفاه المعيشي والاقتصادي النسبي. وبما ان الكثير منهم يسيطر على اقتصاد السوق، فإن خوفهم من فقدان هذه الامتيازات تدفعهم إلى عدم التفكير او طرح مطلب الانفصال او الاستقلال أو حتى تقسيم السلطة والثروة)
وكأنه يريد من هؤلاء مع كل هذه الامتيازات أن يتمردوا، وينفصلوا ليشكلوا دولتهم الخاصة، وهو يحرضهم على ذلك، ويبين أن (النظام يحاول استمالتهم بشتى الطرق منها على سبيل المثال السماح لهم بتشكيل تكتل في مجلس الشورى (البرلمان) من قبل حوالي 100 نائبا من المناطق التركية في ايران)
وفوق كل هذا يذكر أن من الموانع التي تحول بينهم وبين الانفصال (خلافاتهم التاريخية مع الأكراد حول الحدود الادارية لاقليمي آذربيجان وكردستان، حيث يتنازع الطرفان حول بعض المناطق المختلطة بالكسان الاتراك والكراد أو بعض المدن والقرى ذات الاغلبية الكردية في حدود محافظات اقليم آذربيجان أو مناطق يقطنها الأتراك في مناطق تتبع اداريا لكردستان وتصاعد هذه الخلافات من شأنها أن تؤدي إلى حرب أهليه وبالتالي إضعاف الجبهة المعادية للنظام)
وبالتالي يمكننا أن نستبعد هذه القومية الكبيرة من كونها تهدد إيران بالتمزق والانفصال، ونستبعدها كذلك من القوميات المضطهدة حسبما يصور الإعلام المغرض.
الأكراد: وهم ـ كما يذكر ـ مع كونهم أصحاب تاريخ نضالي طويل، (بالإضافة إلى وجود انسجام تنظيمي وقيادة قوية نسبيا إلا أن الغالبية العظمى من الشعب الكردي ملتفة حول هذه الأحزاب التي لا يتجاوز عددها أصابع اليد، بالإضافة إلى أن قربهم العرقي واللغوي مع الفرس جعلهم يميلون إليهم، (حيث أن معظم مثقفي الشعبين يعتبرون أنفسهم من الآريين، ويضعون أنفسهم في مواجهة الشعوب الأخرى غير الآرية، خاصة العرب والأتراك. ومن هذه الناحية كان الفرس دائما يحاولون كسب الأكراد وبناء تحالفاتهم معهم على أساس خطاب تفوق العرق الآري على باقي شعوب المنطقة)
وبذلك أيضا يمكن استبعاد هذه التركيبة، التي لو فسح لها المجال، وانفصلت؛ فستحدث فتن كبرى في كل الدول المحيطة، والتي تحوي جميعا على العرق الكردي.
عرب الأهواز: وهم بالإضافة إلى كونهم شيعة، وهو ما يجعلهم قريبين جدا من النظام الإيراني، ومؤمنون بطروحاته، مثلهم مثل أكثر شيعة العالم، يوجد على أرضهم أكبر آبار النفط، والذي أصبح حائلا بينهم وبين المطالبة بالانفصال، لا منهم فقط، ولكن من الغرب نفسه؛ ذلك أن (الشركات النفطية الكبرى ولاعتبارات اقتصادية والحفاظ على إيران كسوق استهلاكية فضلت التعامل مع حكومات مركزية قوية بعينها بدلا من التعامل مع عدد من الدويلات، ولهذا السبب حافظت الدول الغربية وبشكل حازم على وحدة إيران وعدم تجزئتها، وقد حصل ذلك كله لاعتبارات اقتصادية بحتة. من جهة أخرى، فإن احتمال عدم الاستقرار والفوضى الأمنية بسبب الموقع الجيواستراتيجي للبلد ومن اجل الحافظ على مصالح الاقتصاد تعارض هذه الدول أي دعوة لتفكيك ايران)
اللور والبختيارية: والذين يرى الكاتب أن نقاط ضعفهم تكمن في (شراء ذمم الكثير منهم من قبل النظام الذي منحهم امتيازات مادية وسياسية باعتبارهم ينتمون إلى العراق الآري، ويستخدمهم في مخطط التغيير الديمغرافي في منطقة الاهواز حيث يقوم الجنرال محسن رضائي، أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام والقائد السابق الثوري الإيراني والذي ينتمي للبختياريين، بتهجير عدد كبير من اللور والبختياريين من مناطقهم وأسكنهم في وسط الإحياء والمدن العربية)
وهكذا يمكن أن نستبعد هذه التركيبة أيضا، باعتبارها نالت كل ما تحتاجه من امتيازات بإقرار الكاتب نفسه، وفوق ذلك ساهمت في تلاحم الشعب الإيراني واختلاط بعضه ببعض.
البلوش: وهو يذكر أن من أهم نقاط ضعفهم تفرقهم مثل الأكراد في دول مختلفة كباكستان وأفغانستان، وانفصالهم يؤدي إلى صراع مرير مع تلك الدول، بالإضافة إلى كون العديد منهم موظفين كبارا، ورجال أعمال ومسؤولين في عدد من دول الخليج، وبذلك تنتفى حاجتهم وفقرهم واضطهادهم كما يزعم.
بالإضافة إلى انتشار الحركات السلفية والمتشددة بينهم، وهو ـ كما يذكر ـ (ما أعطى النظام الايراني الحجج لشن حرب |إعلامية واسعة وقوية ضد نضال الشعب البلوشي)
التركمان: ومن نقاط ضعفهم وعدم قدرتهم على الاستقلال ـ كما يذكر ـ قلة عددهم بالنسبة للقوميات الأخرى، بالإضافة إلى أن (أرضيهم الزراعية الخصبة تمنحهم القدرة على الاكتفاء الذاتي)، بالإضافة إلى كونهم (محاصرين بعدة محافظات فارسية بالإضافة الى فقدانهم للتجربة التنظيم السياسي السياسية)
وبهذا التفصيل الذي آثرنا أن نذكره لنثبت من خلاله أن مصلحة جميع الأعراق التي تتكون منها إيران في توحدها، بالإضافة إلى كونها جميعا تُحكم بنظام واحد، وقوانين واحدة، وليس هناك أي قوانين تميز جنسا عن جنس، أو منطقة عن منطقة.
وإن ظهر في أي منطقة من المناطق بعض مظاهر الحاجة والفقر؛ فذلك لا يعود للنظام بالدرجة الأولى، بل قد يعود لأهل المنطقة، وجدهم واجتهادهم وعملهم، كما نرى ذلك في كل مدن العالم التي تتفاوت بحسب نشاط أهلها، لا بحسب تقصير الدولة.
وقد ذكرنا سابقا ما أجاب به الخميني على من يتهمون النظام الإسلامي بالتقصير في حق الأكراد، وقوله: (لقد أشرت إلى هذه النقطة كثيراً وهي أن الأخوة في كردستان مثلًا غير مطلعين على الأوضاع في المناطق الأخرى ويظنون أن كردستان وحدها التي تعاني من الحرمان ونقص الخدمات، والشي ء نفسه بالنسبة لأهالي بختياري حيث يظنون بأنهم من أكثر المناطق معاناة وتخلفاً، وهكذا أهالي بلوجستان يفكرون بالطريقة نفسها، لأن هؤلاء جميعاً مطلعون على الأوضاع في مناطقهم فحسب. فمن يذهب إلى كردستان سيرى بأم عينه عدم توفر أي نوع من الخدمات، فلا مستشفيات ولا طرق معبدة ولا مدارس، وبلوجستان كذلك تعاني من نفس المشاكل، وإن السبب في كل ذلك يكمن في الدعايات الإعلامية التي يمارسها البعض والتي تدفع أهالي كل منطقة للظن بأنهم وحدهم الذين يعانون وأن أهالي المناطق الأخرى ينعمون برفاهية ورخاء) ([20])
ثانيا ـ ولاية الفقيه والتعامل مع الاختلاف الديني:
من الاختبارات التي اختبرت بها الثورة الإسلامية من أول أيام انتصارها إلى الآن الموقف من الأقليات الدينية، ذلك أن إيران تحوي كثيرا من الأقليات الدينية مثلما تحوي الكثير من الأقليات القومية والعرقية؛ فمن الأقليات الموجودة فيها المسيحيون ـ من الأشوريين، والكلدانيين، والأرمن ـ بالإضافة لليهود والزرادشتيين، والصابئة.
وقد أشار الخميني إلى هذا الموقف عندما كان في منفاه في باريس أمام جمع من الطلبة الجامعيين والإيرانيين المقيمين في الخارج؛ فقال: (إننا كثيراً ما نُسأل كيف ستتعاملون مع الأقليات الدينية إذا ما أقيم الحكم الإسلامي؟ وإن سر تكرار هذا السؤال هو كثرة ما لقن هؤلاء بأنه إذا ما اقيم الحكم الإسلامي فسيقتلون اليهود والنصارى والزرادشتيين دون تمييز وبشكل جماعي)([21])
ثم راح يفند هذه الشبهة بقوله: (متى وقعت مثل هذه المجازر في ظل الإسلام وفي بلد إسلامي لم تكن الاقليات الدينية في حالة حرب ضده؟! بل ومتى قتل في ظله احد منها؟! فمن هذه الاقلية الدينية كانت تلك المرأة اليهودية الذمية التي سلبوها خلخالها، ولما سمع امير المؤمنين (الامام علي) بالخبر، قال: (لو أن امرؤا مسلماً مات من بعد هذا أسفاً، ما كان به ملوماً). لانه وقع في ظل حماية الإسلام، فهل هذا الإسلام ومثل هذا الحكم الإسلامي، يسيء إلى الاقليات الدينية؟!)([22])
ثم بين مصدر هذه الإشاعات؛ فقال: (هذه كلها دعايات يروج لها الشاه وانصاره عبر أبواقهم من أجل تشويه صورة الإسلام وحكومته وعلمائه في أذهان الناس، أو على الاقل في أذهان الاجانب خارج إيران من غير المسلمين واللادينيين، والإيحاء لهم بأن علماء الإسلام يريدون إقامة حكومة رجعية، رجعية إسلامية!) ([23])
وبين سبب إشاعة مثل هذه الشائعات؛ فقال: (إنهم يروجون لهذه الأقوال وهذه الشعارات في الخارج، كي يزرعوا الخوف من الحكم الإسلامي في نفوس بعض شبابنا فيقعوا – لا سمح الله – في هذا الخطأ، ويخشون إقامة الحكم الإسلامي لأنه بزعمهم سيقفل الابواب على النساء كي لا يخرجن من البيت أبداً، في حين أن نساء صدر الإسلام كن حاضرات في ميادين القتال وفي الحروب الإسلامية للقيام بمهام التمريض وغيره، وكنّ يتعرضن للقتل. من قال يجب الحجر على النساء؟ انهن حرّات كالرجال. ومن قال: ان الحكم الإسلامي يسيء معامله الاقليات الدينية؟)([24])
ثم بين محال مخاوفهم الحقيقية، والتي يذكرون تلك الإشاعات للتستر عليها؛ فقال: (أجل، إن أحد مخاوفهم الحقيقة هو من إغلاق محال لعب القمار والبغاء والملاهي الفاسدة، فالإسلام لا يسمح ببقائها لأنها هي التي جرت شبابنا إلى هذه الحالة البائسة، وإذا كان أدعياء الثقافة والتحديث يؤيدون بقاء مراكز المفاسد هذه، فإن الحكم الإسلامي وحفاظاً على كرامة الشعب، يعارضها ويغلق أبوابها، ويعمل على تصحيح توجهات دور السينما اذ أنها تقوم بإفساد شبابنا وجرّهم إلى الفحشاء) ([25])
ولهذا كان في لقاءاته مع ممثلي الأقليات الدينية يطمئنهم إلى أنه لا فرق بينهم في كل حقوقهم مع جميع المسلمين، ويدعوهم إلى المساهمة في خدمة بلدهم مثل إخوانهم من المسلمين، ومن ذلك ما قاله في لقاء له مع ممثلي [جمعية الزرادشت الإيرانيين] في بدايات انتصار الثورة الإسلامية، حيث قال: (أطمئن السادة من جميع الأقليات الدينية بأن الاسلام تعامل دوما مع الأقليات الدينية تعاملا إنسانيا وعادلا، وكانوا جميعا مرفهينن إنهم كسائر الأقليات جزء من شعبنا، ونحن وإياهم نعيش معا في هذه البلاد وسوف يتحقق الرفاه لنا جميعا ان شاء الله)([26])
وذكر الدعايات الإعلامية التي تحرض هذه الأقليات، وتحاول أن تشوه صورة الإسلام، وصورة الحكم الإسلامي؛ فقال: (الدعايات الإعلامية كثيرة، وهي ترتبط بأمور مختلفة، وقد رددناها في أحاديثنا، لكنهم يواصلون إثارتها في الصحف الحكومية المنتشرة داخل إيران أو المنتشرة هنا، أو في أماكن أخرى، ومن هذه الدعايات التي يروجونها في إعلامهم هي المتعلقة بالأقليات الدينية إذ يقولون: إن الحكومة الإسلامية- إذا أقيمت- ستفعل كذا وكذا باليهود والنصارى والزرادشت، وسترتكب المذابح الجماعية لهم وأمثال ذلك، وهذا ادعاء خاطئ جداً، فإذا أقيم الحكم الإسلامي- إن شاء الله- واستقرت حكومة عادلة- بمشيئة الله- سندعو حتى اليهود الإيرانيين المخدوعين الذين خرجوا من إيران، وذهبوا إلى اسرائيل بدافع من أوهام خدعوهم بها فوقعوا بأيدي اليهود والإسرائيليين القادمين من أميركا وغيرها فأنزلوا بهم الأذى وهم الآن في ضيق وعسر شديد، سندعوهم للعودة إلى وطنهم إيران، وستعاملهم الحكومة الإسلامية بأفصل صورة، لأن الإسلام لا يريد العسر لأحد من بني الإنسان، وأحكامه تحترم جميع الفئآت، وبالطبع ثمة حالات استثنائية فيه ترتبط بمثيري الفتن والمخربين الذين لا يوجد من يقر التسامح في التعامل معهم، أما أمثال اليهود وسائر أهل الكتاب من النصارى والمجوس فهم من أهل الذمة الذين يعيشون في ظل الدولة الإسلامية برفاهية واحترام، فما يقال من إقامة الحكم الإسلامي تعني تعريضهم للأخطار دعايات إعلامية تحريفية، والهدف حفظ الملك وضرب هذه النهضة)([27])
وبناء على هذا الموقف المستمد من الشريعة الإسلامية نص دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواد كثيرة على كافة الحقوق التي تتعلق بهذه الأقليات، ومنها ما ورد في المادة الثالثة والعشرون، والتي تنص على أنه (يمنع محاسبة الناس على عقائدهم، ولا يجوز التعرض لأحد أو مؤاخذته لمجرد اعتناقه عقيدة معينة)
وتنص المادة الرابعة والعشرون على أن (الصحافة والمطبوعات حرة في بيان المواضيع ما لم تخل بالقواعد الإسلامية والحقوق العامة)
وتنص المادة السادسة والعشرون على أن (الأحزاب، والجمعيات، والهيئات السياسيّة، والاتحادات المهنية، والهيئات الإسلامية، والأقليات الدينية المعترف بها، تتمتع بالحرية بشرط ألا تناقض أسس الاستقلال، والحرية، والوحدة الوطنية، والقيم الإسلامية، وأساس الجمهورية الإسلامية، كما أنه لا يمكن منع أي شخص من الاشتراك فيها، أو إجباره على الاشتراك في أحدها)
وتنص المادة المادة الرابعة والستون على الحقوق السياسية لهذه الأقليات الدينية، وهي تتناسب مع أعدادهم، حيث ذكرت أن (عدد نواب مجلس الشورى الإسلامي هو مئتان وسبعون نائباً وابتداءً من تاريخ الاستفتاء العام سنة 1368 هجرية شمسية (1989 ميلادية) وبعد كل عشر سنوات مع ملاحظة العوامل الإنسانية والسياسيّة والجغرافية وأمثالها يمكن إضافة عشرين نائباً كحد أعلى، وينتخب الزرادشت واليهود كل على حدة نائباً واحداً، وينتخب المسيحيون الآشوريون والكلدانيون معاً نائباً واحداً، وينتخب المسيحيون الأرمن في الجنوب والشمال كل على حدة نائباً واحداً)
انطلاقا من هذا سنذكر هنا باختصار الديانات الثلاث الكبرى التي تتكون منها الأقليات الدينية في إيران، وبيان واقعها الحقيقي الذي يحاول الإعلام المغرض تشويهه، وهي المسيحية، واليهودية، والزرادشتية.
وقبل ذلك ننقل هذا النص من مقال يبين الواقع الحقيقي لتلك الأقليات، وهو من مصدر موثوق ومعايش، لا كأولئك الذين يهرفون بما لا يعرفون، ولا ينقلون إلا ما تمليه عليهم أهواؤهم، وهو بعنوان [ما لا تعرفونه عن الحريات الدينية في إيران؟!]([28])؛ فقد جاء فيه: (تمييع وتضييع الوجه الحقيقي لإيران، بات الشغل الشاغل للماكينات الإعلامية الغربية والعربية، ففي غياهب التسلح النووي والأقليات وغيرها من مفردات وجوقات إعلامية ما أنزل الله بها من سلطان، يخيَّل للبعض أن إيران بما فيها وكل ما فيها ليست سوى صورة طبق الأصل، لكن خيال الإعلام وفبركاته يجافيا الواقع، واقع أثبتت فيه إيران على مدى الأربعين عاما منذ انتصار الثورة الاسلامية أن صورتها النقية ساطعة، وشمس حضارتها لا تحجبها غيوم حملات عابرة غايتها تشويه الصورة واختزالها، بهدف إخفاء التنوع الثقافي والحضاري في هذا البلد، والذي تجلى ويتجلى بالقيم والمثل العليا التي تنتهجها القيادة الإيرانية الحكيمة، سواء من خلال التعايش الاسلامي المسيحي النموذجي في زمن التكفير والاقصاء، أو حرية ممارسة الأقليات لشعائرها الدينية، أو من خلال عاصمتها طهران التي كانت وما تزال ملتقى الحوارات بين الأديان والمذاهب، أو لجهة دعم المستضعفين في العالم ضد الجور والظلم والمستمد من مبادئ الثورة التي حاربت ظلم الشاه ومن خلفه قوى الاستعمار والاستكبار، والمتجسد اليوم بمساندة إيران للمقاومة في لبنان وفلسطين ضد العدوان والاحتلال الصهيوني، او مساندة دول المنطقة ضد الإرهاب التكفيري) ([29])
ثم ذكر موقف النظام الإيراني بمؤسساته المختلفة من الحريات الدينية، والأديان؛ فقال: (احترام المذاهب والديانات الأخرى ومعتقدات الأقليات في إيران من المقدسات والمسلمات الوطنية، التي لا غبار عليها، واندماج اتباع هذه الديانات في المجتمع الإيراني كامل لناحية ممارسة كافة حرياتهم وحقوقهم المدنية والسياسية بلا تمييز أو انتقاص يجعلهم موضع غبن أو تخوّف على وجودهم كما هو الحال في دول أخرى، وضمان هذه الحريات والحقوق، والحفاظ على خصوصيات الأقليات، ليس بالامر المستحدث في إيران، ولا هو منّة من أحد، ولا هم أهل ذمة في هذا البلد، بل هو مكرّس دستوريا وبشكل عصري وصريح، في طيات نصوص الدستور الإيراني ما بعد الثورة، ولا يزال مطبقا حتى اليوم، بما يحويه من مواد خصصت للحديث عن الحريات، تتماثل الى حد بعيد مع دساتير الدول الغربية وشرع حقوق الانسان الدولية) ([30])
ثم ساق بعض النصوص في الدستور الإيراني، والمتضمنة لحرية المعتقد، وعلق عليها بقوله: (ميزة هذه الحريات الدينية المنصوص عنها في الدستور الإيراني انها تضمن التنوع والحفاظ على مكونات المجتمع الإيراني، الذي بينت آخر احصائية سكانية رسمية إيرانية صادرة عن مركز الاحصاءات الإيراني عام 2011، أنه يتكون على الأساس الديني كالتالي: المسلمون:74682938، المسيحيون:117704، الزرادشتيون:25271، اليهود:8756، بقية الاديان مثل الصائبة49101، وهذا التنوع في التركيبة الديموغرافية يعتبر مصدر غنى لإيران، على أكثر من صعيد، لا سيما في ظل اندماج الأقليات الدينية الكامل في المجتمع الإيراني ومؤسسات الدولة، ما دفع كثيرين ممن زارو إيران للذهول حيال هذا التعايش والتكامل في النسيج الاجتماعي داخل إيران، وللتنويه بهذه الميزة الإيرانية المتمثلة بالحفاظ على التركيبة الدينية المتنوعة للمجتمع، باعتبارها نقطة قوة لصالح النظام الاسلامي في إيران، لا نظير لها في دول عربية وخليجية مجاورة) ([31])
1 ـ الأقلية المسيحية في إيران ومظاهر التعامل المتسامح معها:
تتشكل التركيبة المسيحية في إيران، من عدة طوائف، ولكل منها حريته الكاملة في أداء طقوسه وشعائره، بالإضافة إلى حقوقه المادية والمعنوية، وحتى السياسية.
ومنها [طائفة الأرمن] الذين يتوزعون جغرافيا على ثلاث مناطق هي أصفهان وأذربيجان وطهران، ومن مظاهر التسامح معهم، واعتبارهم مثل سائر المواطنين الإيرانيين كما يذكر صاحب المقال السابق أن (لديهم حزبا سياسي (الطاشناق)، ويمثلهم عضوان في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني، وهم يعملون بشكل أساسي في الصناعة والتجارة، من بينهم تجار أغنياء. ويمارس الأرمن طقوسهم وتقاليدهم الدينية بحرية، ومرجعيتهم هي المطرانية في إيران، ولديهم عشرات الكنائس، معظمها مسجل في فهرس الآثار الإيراني الوطني، ولهم مدارسهم (50 مدرسة ليس للمسلمين الحق بدخولها، أما الطلبة الأرمن فلا مانع من تسجيلهم في مدارس المسلمين)، التي يدرس فيها تاريخ أرمينيا ولغتها، ولهم عطلاتهم الرسمية، ويمنحون أيام الآحاد إذنا خاصا لثلاث ساعات لحضور القداس، كما لهم نواديهم الرياضية، وجمعياتهم ومراكزهم الثقافية (19 جمعية)([32])
ومنها [طائفة الأشوريين]، والتي تتواجد في طهران وأرومية غرب إيران، وهي ـ كما يذكر صاحب المقال السابق ـ (مركز الثقل للديانة المسيحية، ولديهم عدد من الكنائس (حوالي 59 كنيسة في مدينة أروميا فقط، و6 في طهران)، ويمارسون نشاطهم السياسي في البلاد، ولهم ممثل خاص بهم في مجلس الشورى الإسلامي، فضلا عن مراكز ثقافية واجتماعية (20) وجمعيات (12) واتحادات مثل اتحاد الطلبة الجامعيين الآشوريين واتحاد الشبيبة الآشورية، ومدارس أهمها مدرسة مريم للبنات، ومدرسة بهنام للبنين)([33])
ومنها [طائفة الكلدان]، وتتواجد في أورميا وسلماس وطهران، و(لديهم 8 كهنة، اثنان من أصل إيراني و3 أتوا من العراق، و2 من فرنسا وواحد ينتمي إلى كنيسة سيرو مالنكار في الهند)([34])
ومنها [طائفة الكاثوليك]، و(لديهم عدد من الكنائس تتوزع بحسب تنوعهم (ثمان كنائس للارمن الكاثوليك، ثمان كنائس للاشوريين الكلدانيين، 9 كنائس للكاثوليك اللاتين)، كما لديهم جمعيات خاصة، وهم يديرون عددا من المدارس من بينها ثلاث مدارس تعلم فيها التعاليم الكاثوليكية)([35])
ومنها [طائفة الإنجيليين]، و(لها سبع كنائس إنجيلية في مقاطعة رزايه وحولها، في شمال غربي إيران)([36])
ومنها [طائفة الأرثوذكس]، و(يوجد في إيران كنيستان ارثوذكسيتان، الكنيسة الارثوذكسية الروسية، والارثوذكسية اليونانية، والكنيستان يعود تاريخهما الى بداية هجرة الروس واليونانيين الى إيران، ولا تزال الكنيستان قائمتين تمارسان نشاطاتهما الدينية حتى اليوم)([37])
والمسيحيون ـ كما تذكر المصادر الموثوقة ـ يعيشون مثل غيرهم من المسلمين، وبنفس الحقوق، ولهم فوق ذلك بين الإيرانين (مكانتهم الخاصة وحضورهم يتجلى في شتى الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والقيادة الإيرانية سعت جاهدة على مدى سنوات طوال للحفاظ على هذا التواجد وصيانته، وإلى إشراكهم في السلطة والقرار، وهم قدموا بالمقابل للوطن الكثير وقدموا شهداء في الحرب المفروضة على إيران، في أنموذج راق يحتذى لقتال المسلم والمسيحي جنبًا الى جنب دفاعًا عن العرض والوطن، ولم تكن زيارة الامام الخامنئي الاخيرة (والتي سبقها زيارات مماثلة) في عيد الميلاد الذي مضى لعائلة شهيد مسيحي سوى أنموذج جلي لمدى الاحترام الذي تكنه القيادة الإيرانية للمسيحيين ليس في إيران فحسب بل في العالم كله، ولعل ذلك ما جعل الرئيس الإيراني حسن روحاني يضع زيارة الفاتيكان ولقاء البابا على رأس اولويات زيارته الاوروبية مؤخرًا) ([38])
ومن يتابع القنوات الفضائية المعتدلة وغير المغرضة يسمع ويرى الكثير من المشاهد الدالة على ذلك التسامح، يقول صاحب المقال السابق: (مظاهر الحرية الدينية، تبرز على لسان زائري طهران، ومنهم رجال دين مسلمون ومسيحيون وإعلاميون، فيتحدثون عن نموذج التكامل والتآلف الديني في إيران، وكيف أنهم شاهدوا بأم العين في عيد الميلاد إيرانيين مسلمين يشاركون إخوتهم المسيحيين الاحتفال في مناسباتهم الدينية، ويتصورون قرب شجرة الميلاد، كما يتحدثون بوقار عن عشرات الكنائس في هذا البلد(24 كنيسة جنوب إيران وحدها منها كنيسة فانك في منطقة جلفا بمدينة أصفهان والتي تعتبر من أجمل الكنائس في إيران)، وكذلك عن تمثيل المسيحيين في البرلمان الإيراني بعدد من النواب، ومشاركة أبناء هذه الأقليات الدينية في ادارات الدولة ووظائفها بفعالية تامة) ([39])
ولم تكتف القوانين الإيرانية بإتاحة حرية الاعتقاد والتعبد وبناء الكنائس فقط؛ بل أتاحت فوق ذلك (للمسيحيين الإيرانيين أن يكون لهم أحوال شخصية خاصة بهم، من هنا فإن القرار الفعلي في أمور الزواج والطلاق والإرث هو بيد الكنيسة المسيحية باختلاف طوائفها، كما أنهم يملكون محاكم دينية تهتم بأمورهم) ([40])
ولتأكيد هذه المعلومات أنقل هنا تصريحات وشهادات لبعض الشخصيات الرسمية عن واقع المسيحيين في إيران، والحريات المتاح لهم.
وأبدؤها بالسفير الإيراني في لبنان [غضنفر ركن أبادي]، والذي صرح لجريدة النهار اللبنانية عن مدى التسامح الذي يلقاه المسيحيون في إيران، والرؤية العقدية والفقهية التي ينطلق منها؛ فقال: (لقد تبلورت الثورة الاسلامية الإيرانية على أسس إنسانية وأخلاقية، وإسلامية النظام تقتضي أن تقف الجمهورية الاسلامية الإيرانية إلى جانب الإنسان بما هو إنسان، وأن تنظر إلى الجميع نظرة واحدة. فاحترام الإنسان، بصرف النظر عن دينه وطائفته وقوميته، يشكل أصلا أساسيا في السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية الإيرانية، وهذا الاصل لا ينحصر داخل إيران، بل ان الجمهورية الاسلامية الإيرانية تعتمده كأصل عالمي، وعليه فان نظرة الجمهورية الاسلامية الإيرانية إلى البشر من أي دين وطائفة، هي نظرة متعادلة، وتتمايز هذه النظرة عندما يطرح بحث الحق والباطل والظالم والمظلوم والمعتدي والمعتدى عليه، في مثل هذه الحال فان الجمهورية تقوم بواجبها طبق الاصول الإنسانية والاخلاقية والاسلامية المذكورة، وتعتبر أن من واجبها ان تقف الى جانب الحق والمظلوم والمعتدى عليه، وفي مواجهة الباطل والظالم والمعتدي) ([41])
وبعد ذكره للرؤية العقدية التي تنطلق منها الجمهورية الإسلامية في نظرتها للآخر راح يذكر الواقع المسيحي في إيران، والحريات التي يتمتع بها، فقال: (يوجد في الجمهورية الاسلامية الإيرانية حوالى ثلاث مئة الف مواطن مسيحي، تشمل الآشوريين والكلدانيين والارمن والكاثوليك والبروتستانت والانجيليين، وأكثرية مسيحيي إيران هم من الأرمن، والمسيحيون في الجمهورية الاسلامية الإيرانية، رغم انهم يعتبرون أقلية، لكنهم في الحقيقة مكون أساسي في نسيج المجتمع الإيراني، ويتمتعون بالحرية الكاملة والحقوق السياسية والاجتماعية. ففي مجال الشؤون الاجتماعية يدير المسيحيون جميع شؤونهم المتعلقة بالزواج والطلاق والوصية وتقسيم الارث طبق الاحوال الشخصية المسيحية.. وفي مجال التعليم والثقافة توجد في إيران أكثر من 50 مدرسة خاصة مسيحية، ومن جملة النشاطات التي يمارسها المسيحيون في إيران: نشر الصحف والمجلات المتعددة مثل: ارارات، اراكس وغيرها، اضافة الى طباعة الانجيل باللغة الفارسية وغيرها. كما يوجد اكثر من 50 مركزا ثقافيا مسيحيا في طهران وحدها. اضافة الى وجود مجتمعات ثقافية ورياضية باسم ارارات ومراكز عدة لرعاية كبار السن والايتام الخاصة بالمسيحيين، ويتمتع مسيحيو إيران بحرية اقامة المراسم الدينية والعبادية في شكل كامل. وللمسيحيين في طهران وباقي المدن الإيرانية كنائس. وإحدى اقدم كنائس العالم موجودة في محافظة آذربايجان الغربية في إيران، واسمها كنيسة قره، ويعتقد ان هذه الكنيسة هي مزار تاديوس أحد تلامذة السيد المسيح وحوارييه، وقد بنيت في القرن السابع الميلادي، وسجلت هذه الكنيسة العام 2008 في منظمة الاونيسكو كتراث ديني عالمي)([42])
وبالإضافة إلى هذا الواقع يرد على ما يروجه الإعلام المغرض من تجاهل الحقوق السياسية والاجتماعية؛ فيقول: (في المجال السياسي أيضا للمسيحيين دور فعال، ففي مجلس الشورى الاسلامي (البرلمان) للمسيحيين ثلاثة نواب، للآشوريين والكلدانيين نائب، وللارمن نائبان، ودستور الجمهورية الاسلامية الإيرانية لحظ موضوع تزايد عدد السكان ومنهم المجتمع المسيحي في إيران، لذلك ورد في المادة 64 من الدستور زيادة عدد نواب المسيحيين في المجلس أيضا، تقول المادة 64 من الدستور: (للآشوريين والكلدانيين نائب في المجلس، ولأرمن الشمال والجنوب سويا نائبان، وعند زيادة تعداد أية أقلية مسيحية يضاف لنوابها نائب واحد في المجلس كل عشر سنوات وعن كل 150 الف نسمة)، ولمسيحيي إيران نشاطات واسعة في المجالين الاجتماعي والسياسي، وكان لهم دور اساسي في انتصار الثورة الاسلامية الإيرانية أيضا، الى جانب المسلمين في اسقاط نظام الشاه الملكي الاستبدادي، كما كان للمسيحيين حضور فاعل في ثماني سنوات من الحرب العراقية المفروضة على إيران، وقدموا للثورة الاسلامية الإيرانية أكثر من مئة شهيد خلال هذه الحرب) ([43])
ويقارن بين الحرية السياسية للمسيحيين في إيران مقارنة بالحرية السياسية المعطاة للمسلين في الدول الغربية؛ فيقول: (98 في المئة من سكان الجمهورية الاسلامية الإيرانية هم من المسلمين، ورغم أن المسيحيين اقل من 2 في المئة إلا أن حصتهم في البرلمان أكثر بكثير، في حين أن الدول الغربية ورغم وجود 20 – 30 في المئة من عدد السكان من المسلمين في بعض تلك الدول، إلا أنهم لم يمنحوا المسلمين أي نائب في المجلس) ([44])
هذه الشهادة أو التصريح الأول، والذي يعبر عن الموقف الرسمي الإيراني، ويصور الواقع بدقة، ويؤكده شهادات الكثير من رجال الدين المسيحيين الذين أجمعوا على أن الحقوق التي أعطاها النظام الإيراني للمسيحيين لا يوجد مثلها في أي دولة إسلامية أخرى.
ومنهم أمين عام الاتحاد العالمي للأشوريين [يوناتن بت كليا]، والذي صرح أثناء مراسم أقيمت بمناسبة ذكرى ميلاد السيد المسيح عليه السلام في أروميه بشمال غرب إيران بقوله: (إن المسيحيين في إيران لايحتاجون إلى الوصي وشفقة دعاة حقوق الإنسان الكاذبين)([45])
وأشاد بمواقف قادة الثورة الإسلامية تجاه المسيحيين؛ وقال: (إن لدينا قائدا يتفقد منزل شهيد مسيحي.. فأي زعيم في العالم يقوم بمثل هذا الإجراء؟)، ونوه بأن (مفجر الثورة الاسلامية الامام الخميني أكد بعد انتصار الثورة الاسلامية بأن الشعب الإيراني، شعب موحد وكلامه هذا يدل على اننا نعيش في بلد لا يمكن لأحد أن يفصلنا عنه، ونحن إيرانيون بكل ما في الكلمة من معني) ([46])
وأشار الى وقوف المسؤولين ومراجع الدين في إيران إلى جانب المسيحيين الإيرانيين وتقديم التهاني لهم بمناسبة ذكرى ميلاد السيد المسيح عليه السلام، وقال: (ليت دعاة حقوق الإنسان يدركون هذه الحقائق)، كما أشار إلى مشاركة المسيحيين في فترة الدفاع المقدس، وقال: (إن عددا منهم استشهدوا في تلك الحرب مؤكدا أن المسيحيين شاركوا في الدفاع عن أرضهم)
ومثله يذكر المطران سيبوه مدى التسامح الذي يعيشه المسيحيون؛ فيقول:(عند التطرق إلى موضوع حرية الأقليات الدينية في إيران أو في أي بلد آخر ينبغي أن نميز بين مفهومين لحرية الأديان كي لا نقع في الخطأ: الأول: هي حرية العبادة؛ وفي سياق حديثنا عن حرية العبادة نحن الأقليات الدينية في إيران لدينا أكثر من حرية في التعبير عن عقائدنا الدينية وممارسة طقوسنا المقدسة، ومن هذا المنطلق أقول إن للأقليات حرية تامة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك، أما المفهوم الثاني: يخص حرية التبشير بالنسبة للديانات التي تعتبر أقلية في هذا البلد والتي يخضع فيها المسيحيون إلى جانب أتباع الديانات السماوية الأخرى، للدستور الإيراني وما ينصه القانون المعتمد في البلاد وهو أمر محترم لدينا)([47])
ومثله يشهد زعيم طائفة الأرمن الأرثوذوكس في لبنان [آرام الأول كشيشيان] بعد اطلاعه على أحوال الأرمن في إيران، قائلاً: (إن المسيحيين لا يحظون بالحرية والاحترام في منطقة الشرق الأوسط مثلما يحظون بهما في إيران) ([48])
ومثله يشهد صاحب كتاب (المسيحية في إيران) [سركيس أبو زيد] قائلا:(مع بداية الثورة الإسلامية خاف الكثيرون، ودفع البعض ثمن علاقاتهم بالشاه، لكن الآن الوضع مستتب، ويوجد ما يقارب المئة وخمسين ألف مسيحي يعيشون في إيران، ليس هناك من اضطهاد ولا إلغاء، للمسيحيين كنائس ومؤسسات وأندية ومدارس وجرائد ومجلات وجمعيات خيرية، يعلمون لغاتهم، لهم احترامهم المكرس في الدستور، ولديهم ثلاثة نواب، اثنان أرمن وواحد آشوري، ينضوون في الجيش، ولديهم قانون أحوال شخصية خاص بهم، زواج، طلاق وإرث، ويوجد في إيران أكثر من 50 مدرسة خاصة مسيحية،و أكثر من 50 مركزا ثقافيا مسيحيا في طهران وحدها، ويحق لهم طباعة الإنجيل باللغة الفارسية وغيرها)([49])
ومثله [روبيرت بيغلاريان]، وهو نائب إيراني أرمني، والذي سئل في برنامج حواري في قناة الميادين عن مدى اندماج المسيحيين في المجتمع الإيراني، ومع الناس، فقال: (أعتقد أن عملية اندماج المسيحيين في المجتمع الإيراني قد مرّت تاريخياً بمراحل متعددة وظروف متفاوتة ولكنها كانت إيجابية وجيدة بشكل عام. ونرى أن المجتمع المسيحي، في الوقت الذي استطاع أن يحافظ فيه على هويته الثقافية واللغوية والأدبية وكذلك الدينية، نجح في إقامة علاقات اجتماعية واقتصادية مؤثرة مع المجتمع. مثلاً، عندما يطرح عليّ هذا السؤال أجيب بأننا نرى أدواراً للأرمن في كافة المجالات ومنها قيامهم بأدوار مهمة على الساحة السياسية خصوصاً منذ الثورة الدستورية وحتى الآن، وهذا يدل على أن الأرمن لم يتجاهلوا مصير وطنهم، بل رأوا أن هذا الوطن يشكّل جزأً من هويتهم. فلو كانوا غير مبالين لما وجدناهم في مختلف المجالات ومنها السياسية أو أن نشاطهم كان ليقتصر على الحد الأدنى، في حين أننا نجدهم حاضرين في الرياضة والفنون وفي العلوم وفي مختلف المجالات الثقافية منها السينما والهندسة المعمارية، وهذا يدل على أنهم أوجدوا رابطاً مع المجتمع) ([50])
وعن سؤال حول مدى حرية المسيحيين في إيران لأداء طقوسهم الدينية وشعائرهم وأعيادهم، أجاب النائب المسيحي بقوله: (بالنسبة إلى ممارسة الحريات الدينية فإنه، وفي ما يتعلق بالشعائر الدينية والتقاليد الدينية والأنشطة المقامة داخل الكنيسة أو بشكل فردي، لا يوجد محظورات من أي نوع، بطبيعة الحال، ونظراً للأصول الشرعية والقانونية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإن التبشير بالمسيحيّة ممنوع، ولكن أن يجري التعامل بسلبية مع أي من الآثار المسيحية، فلا وجود لشيء من هذا القبيل. وعلى سبيل المثال، لدينا كنائس في (أذربيجان) صنّفتها الأونسكو ضمن التراث العالمي وذلك بجهد ومساعدة النظام الحالي. وهذا النظام يعمل على حفظها وصيانتها كما الآثار الأخرى. وبالتالي، نحن نتمتع بحرّية تامة لإقامة الشعائر الدينية داخل الكنيسة وخارجها، أي داخل البيئة المسيحية)
وعن سؤال حول ما ورد في القوانين الإيرانية من إجبار النساء على ارتداء الحجاب، وعن شرب النبيذ المحرم على المسلمين، أجاب النائب المسيحي بقوله: (لا توجد موانع فيما يخص إقامة الشعائر الدينية أو الاحتفالات داخل الكنيسة أو حتى في الصالات الخاصة بنا، نعم هناك حساسية تجاه الكحول بشكل عام، لكنه أمر غير مرتبط بالشعائر بحد ذاتها، أما بالنسبة للحجاب الذي ذكرته، فإذا اعتبرناه شكلاً من أشكال القيود فإن نظرة المجتمع إليه كالتالي: المجتمع يعرّفه ضمن القوانين العامة للبلاد، وليس تضييقاً على الحرّيات الدينية أو منعاً لممارسة الشعائر كما أنه يجاري تقاليدنا أيضاً؛ فالمرأة أو الفتاة المسيحيّة عندما تريد دخول الكنيسة يجب أن تضع منديلاً على رأسها، وهذا من ضمن التقاليد التي ورثناها، ولا يمكن القول إنه أمر حديث جرى بعد انتصار الثورة. هذه هي الخصائص العامة) ([51])
وعن سؤال حول الدور الذي يقوم به النائب المسيحي، وهل هو مرتبط بالمسيحيين فقط، أم لا أجاب بقوله: (بناء على المادة 86 من الدستور الإيراني، يعتبر النائب المنتخب نائباً عن كل الشعب وبالتالي، ورغم أننا نتخب من قبل المسيحيين وضمن صناديق اقتراع منفصلة إلاّ أننا عندما ندخل البرلمان ونؤدي القسم، نعتبر نواباً عن كل الشعب الإيراني، كما أن لدينا مراجعات من أناس مسلمين يراجعون مكاتبنا لحل مشكلاتهم، وفي داخل المجلس أيضا،ً على صعيد التشريع والرقابة والمشاركة في اللجان، فإننا نبحث في مسائل البلد والقضايا العامة ككل وليس في القضايا المرتبطة بالشريحة المسيحية وحسب) ([52])
وعن سؤال حول ما يتداول في بعض وسائل الإعلام من عمليات اضطهاد واعتقال لبعض الأشخاص وزجّهم في السجون وعن العقاب والتعذيب أجاب بقوله: (أنا أرفض مثل هذه الإتهامات التي توجه إلى الحكومة أو النظام.. وطبعاً بما أنني إنسان مسيحي مؤمن بحريّة المعتقد وحقوق الإنسان، أدين أي نوع من أنواع السلوك السيىء مع الناس، هذا رأيي الشخصي، لكن أن نقول أن المسيحي في إيران مضيق عليه لمجرد مسيحيته، فهذه تهمة أرفضها سوى ما كررته حول النشاط التبشيري وشددت عليه) ([53])
هذه بعض الشهادات الدالة على مدى التسامح الذي يعيشه المسيحيون بطوائفهم المختلفة في إيران، تحت ظل ولاية الفقيه، وهناك الكثير من الوثائق المصورة التي تثبت ذلك.
وهي كلها تدل على المدى الذي يتعامل به فقهاء المسلمين مع المسيحيين، وكان الأجدر بوسائل الإعلام أن تعتبر هذا التسامح هو المقياس الذي يتعامل به الإسلام مع الأديان المختلفة، لكنها للأسف راحت تعتبر ما تقوم به الحركات المسلحة كداعش والقاعدة وغيرها هي المقياس، وتقوم بتعتيم كبير على التسامح في إيران، لتسيء بذلك إلى الإسلام.
2 ـ الأقلية اليهودية في إيران ومظاهر التعامل المتسامح معها:
كما هو معلوم؛ فإن الأقلية اليهودية في إيران تعتبر من أقدم الأقليات في العالم؛ فهي موجودة فيها ـ كما تذكر المصادر التاريخية ـ قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام، حيث وصلوا إليها بعد استيلاء الملك بخت نصر على القدس، وقيامه بسبي الآلاف من اليهود ونقلهم إلى بلاد ما بين النهرين، ومن بابل إلى إيران.
وخلال فترة إقامة اليهود في بابل، قدمت هذه الجماعات المساعدة للفرس الذين احتلوا العراق في ذاك الوقت، ونقلوا لهم المعلومات المهمة عن الجيش والتحصينات، لتسقط المدينة عام 539 قبل الميلاد، ومقابل مساعدتهم للفرس سمح لهم الملك كورش مؤسس الإمبراطورية الفارسية، بالمغادرة إلى أي مكان يريدونه، وجزء كبير منهم فضل البقاء في إيران.
ولذلك يعتبر اليهود إيران [أرض كورش] الذي حررهم،وهم يعتزون بهذه الحادثة، (التي تعبر عن البقاء ونجاة اليهود من الموت في زمن الإمبراطورية الفارسية، وغالبًا ما تسرد هذه الحكاية خلال احتفالاتهم تقديسًا لهذا الملك الذي جعل بعض اليهود يرتبطون بإيران أكثر من ارتباطهم بإسرائيل)([54])
وبما أنه كان لليهود علاقة طيبة بالشاه، بحكم علاقته مع أمريكا والكيان الصهيوني، وإقامته سفارة لها في طهران، فقد كان ذلك مثار رعب للجالية اليهودية، والتي تصورت أن الثورة الإسلامية ستقوم بإبادتها، وعمل الإعلام المغرض عمله في إشاعة ذلك، وإشاعة المعاملات السيئة التي ستلقاها جميع الأقليات في ظل الحكم الإسلامي.
ولذلك نرى قادة الثورة الإسلامية يستثمرون كل مناسبة للرد على هذه الدعايات المغرضة، ومن ذلك قول الخميني في لقاء له مع جمع من أعضاء الطائفة اليهودية في إيران عقب انتصار الثورة الإسلامية: (عندما كنا في باريس كانت سوق الدعايات رائجة في مختلف المجالات، ومن جملة تلك الدعايات كان يقال إذا انتصر المسلمون في إيران سوف يوقعون المجازر باليهود والنصارى لأن المسلمين يخططون لقتل جميع اليهود، وقد أوضحت مراراً في مقابلاتي التي أجريتها الحقيقة التي يؤمن بها الإسلام، وقد أتاني ممثل الطائفة اليهودية وتحدثت معه عن منهج الإسلام) ([55])
وبعد حديث طويل عن حقيقة الإسلام، وعلاقته بالإنسان، راح يطمئنهم، بأنه لم يحدث أبدا وأن تعرضت الأقليات الدينية في ظل الحكم للإسلام، لأي ممارسات عنف، ثم راح ينفصل بين موقف الثورة الإسلامية من اليهود في مقابل موقفها من الصهاينة؛ فيقول: (إننا نفصل بين اليهود وبين الصهاينة، فالصهيونية لا علاقة لها باليهودية، لأن تعاليم موسى سلام الله عليه تعاليم إلهية، وقد ذكر القرآن الكريم موسى أكثر من بقية الأنبياء، كانت تعاليمه قيمة، وذكر القرآن تاريخ موسى وسيرته مع فرعون.. كان راعياً للغنم ولكن كان معه عالَمٌ من القوة والإرادة وقد نهض لمواجهة طغيان فرعون وقضى عليه، لقد كان الاعتماد على القدرة الإلهية والاهتمام بمصالح المستضعفين في مواجهة المستكبرين وعلى رأسهم فرعون والنهوض في وجه المستكرين، منهج موسى سلام الله عليه، وهذا المعنى مخالف تماماً للمشروع الصهيوني، إذ ارتبط الصهاينة بالمستكبرين، إنهم جواسيسهم وأجراء عندهم، ويعملون ضد المستضعفين، خلافاً لتعاليم حضرة موسى عليه السلام الذي اعتمد على هؤلاء الناس العاديين، مثل بقية الأنبياء من أبناء السوق والأحياء الشعبية، ونهض بهم ضد فرعون وجبروت فرعون، وكان المستضعفون هم الذين تصدوا للمستكبرين وأسقطوهم عن استكبارهم خلافاً لسلوك الصهاينة المرتبطون بالمستكبرين، ويعملون ضد المستضعفين)([56])
وهكذا راح يطنب في المقارنة بين اليهودية الحقيقة، والصهيونية التي استعملت اليهودية وسيلة للتغرير والخداع، يقول: (إن هذا التعداد من اليهود الذي خدع وجُمع من أقطار العالم في فلسطين، لعلهم الآن نادمون، إن من كان يهودياً ولا يريد أن يتبع غير تعاليم موسى السامية، لعلهم نادمون الآن لذهابهم إلى فلسطين، وذلك لأن من يذهب إلى هناك ويشاهد سلوك هؤلاء وكيف يقتلون الناس بلا مبرر باسم اليهودية، لا يمكن أن يقبل بذلك؛ فهذه الممارسات تتعارض مع تعاليم موسى عليه السلام، إننا نعلم أن حساب المجتمع اليهودي غير حساب الصهاينة، وإننا معارضون لهم ومعارضتنا نابعة من كونهم يعارضون جميع الأديان إنهم ليسوا يهوداً، بل هم أناس سياسيون يقومون بأعمالهم تحت غطاء اليهودية؛ فاليهود يكرهونهم، وجميع الناس يجب أن يكرهوهم) ([57])
وبعد هذه الأحاديث الدعوية التي أراد الخميني من خلالها أن يعرفهم بعظمة الإسلام، وعلاقته بموسى عليه السلام، راح يطمئنهم بأن الدولة الفتية لن تضيع حقوقهم، وسيعيشون فيها مثل سائر المواطنين الإيرانيين الذين تجمعهم المواطنة؛ يقول: (وأما الطائفة اليهودية، وسائر الطوائف الموجودة في إيران؛ فهي من هذا الشعب، فإن الإسلام يتعامل معهم كما يتعامل مع بقية طوائف هذا الشعب، إن الإسلام لا يجيز الإجحاف بحقهم أبداً، ولا محاربتهم في معيشتهم، فهذا مخالف لأصل التربية الإسلامية، مخالف لما يريده الله تبارك وتعالى من الرفاهية لجميع الناس.. إن الإسلام يتبع الأحكام الإلهية، فكما أن الله تبارك وتعالى يفرض الاحترام لجميع طوائف الشعوب، كذلك الإسلام يفرض احترامهم. اطمئنوا لهذا، إنني قد ذكرت هذا حينما كنت في باريس للشخص الذي جاءني ممثلا عنهم، وقلت له بأن الإسلام لا يرضى بإيذاء أحد، الإسلام للجميع، وينشد السعادة للجميع، فلا معنى لما يثار من أن المسلمين سيفعلون باليهود كذا وكذا. لقد شاهدتم كيف انتصر المسلمون ومع ذلك لم يتعرضوا لليهود، ولم يتعرضوا للزردشتيين، لم يتعرضوا لبقية الطوائف، وقد رأيتم ذلك بأعينكم… هل تعرض أحد ليهودي بعد انتصارنا؟ هل تعرض لنصراني؟ هل تعرض لزردشتي؟ لم يكن هناك تعرض في البين. وبعد هذا أيضاً عندما تقام وتستقر الحكومة الإسلامية- إن شاء الله- بالشكل الذي يريده الله تبارك وتعالى، فسوف ترون أن الإسلام أفضل من جميع المناهج الأخرى فيما يرتبط بمراعاة حقوق جميع فئات الشعب، وسوف يعمل بشكل أفضل من الجميع) ([58])
وبعد ختام جلسته معهم راح يرفع يديه بالدعاء كعادته مع المسلمين، ويلقي عليهم تحية الإسلام، ومن دعائه المختلط بخطابه لهم: (أسأل الله تبارك وتعالى أن يكون جميع الناس في رفاهية، وأن تتحقق لهم السعادة والهداية. هداهم الله جميعاً للصراط المستقيم، منَّ الله على الجميع بالسعادة.. واطمئنوا إنه لا يوجد ظلم في الجمهورية الإسلامية. إننا لا نَظلم ولا نُظلم، هذا ما علمنا الإسلام: لا تَظلموا ولا تُظلموا، فبمقدار ما نستطيع لا نقع تحت الظلم، ولا نَظلم في أي وقت أبداً، وفقكم الله تعالى. احرصوا على مساهمتكم في هذه النهضة، كي يتسنى لها تحقيق أهدافها. إن هذه النهضة نهضة انسانية لذا يجب على جميع الناس تأييدها. منّ الله تعالى عليكم بالسعادة جميعاً.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)([59])
وقد صدّق الواقع الإيراني ما ذكره الخميني، حيث عاش اليهود كل هذه الفترة في استقرار مثلهم مثل سائر المواطنين الإيرانيين.
ومن الشهادات الدالة على ذلك ما ورد في تقرير بعنوان [قصة يهود إيران التي لا تصدّق]، في موقع يهودي، جاء فيه: (وفي الحقيقة، تضاءلت الجالية اليهودية في إيران منذ الثورة الإسلامية الإيرانية، وقد هاجر نحو 70 ألف يهودي من إيران إلى إسرائيل في أعقابها. إلا أنّ وضع الجالية اليهودية اليوم في إيران يعتبر جيدا.. حتى أن هناك ممثلا دائم للجالية اليهودية في مجلس الشورى الإيراني.. ويعيش 80 مليون نسمة في إيران، ويقدّر عدد الجالية بنحو 20 ألف شخص على الأكثر، رغم ذلك، لديها مقعد في مجلس الشورى باعتبارها أقلية معترفا بها)([60])
ونقل الموقع بعض شهادات اليهود على ذلك، ومنها شهادة الناشطة الاجتماعية الإسرائيلية التي وُلدت وترعرعت في إيران، [أورلي نوي] التي ذكرت أنه (اليوم تتعامل السلطات الإيرانية مع الجالية اليهودية من وجهة نظر معادية لإسرائيل جدا، ولكن ليست معادية للسامية)
ونقل شهادة ممثل الطائفة اليهودية في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني [سيامك مره صدق]، وهو بروفيسور في الطب، وزوجته دكتورة في علم الوراثة، وذلك في مقابلة أجريت معه، ومما جاء فيها: (لدينا [يهود إيران] كُنس ومدارس ومقابر ومتاجر جزارة حلال ومطاعم حلال.. ويُسمح لليهود التعلم والتعليم في الأكاديمية الإيرانية أيضا)
وعندما سُئل عن هويته، وهل هي اليهودية أم الإيرانية، قال: (أنا يهودي وإيراني. أصلّْي بالعبرية، ولكنني أفكر بالفارسية)
وورد في تقرير صحفي آخر أجري مع الطائفة اليهودية في إيران، وهو بعنوان: [كيف يعيش يهود إيران في ظل حكم الجمهورية الإسلامية؟]، جاء فيه: (لأكثر من 35 سنة واليهود في إيران يعيشون تحت ظل الأحكام الإسلامية، وتبدو هذه المسألة مشوقة لمعرفة كيف كانت أوضاعهم وأحوالهم في هذه الفترة وما حقوقهم وما العواقب التي يعيشونها داخل بلدهم الأم إيران؟)([61])
وقد نقل هذا التقرير بعض شهادات رجال الدين من اليهود الإيرانيين، ومنهم [روبرت خالدر]، وهو أحد أعضاء مجلس إدارة المعبد اليهودي، الذي قال: (الثورة الإسلامية عام 1979 كانت خطوة مهمة في حياة يهود إيران، لأن هذه الثورة منحتنا حقوقنا الكاملة في ممارسة عقائدنا وشعائرنا، كما أنها جعلت الشعب اليهودي في إيران أكثر تدينًا وتمسًكا بعقائدهم بسبب الحرية الدينية والثقافية التي منحت لهم)([62])
ومنها شهادة مسؤولة إدارة مستشفى خيري في جنوب طهران ـ يعتبر واحدا من أربع مستشفيات خيرية لليهود في العالم ـ [فارنغيس حاسيدم]، والتي قالت فيها: (عندما يأتي مريض للمعالجة فإننا نسأله بماذا يشعر وما الذي يؤلمه، ولا نسأله ما دينه وما عقيدته، 95 بالمائة من مرضانا وطاقمنا الطبي غير يهود) ([63])
وذكرت أن هذا هذا المستشفى يعتمد بشكل أساسي على التبرعات التي يقدمها يهود إيران أو الخارج، لكن في السنوات الأخيرة قام الرئيس أحمدي نجاد بتقديم تمويل مادي لهذا المستشفى بمبلغ 32 ألف دولار أسترالي، (والذي اعتبر رسالة إيجابية جدًا من الحكومة لليهود والتي كان لها مكانة وأهمية معنوية عظيمة، هذا بحسب ما قاله المدير العام للمستشفى سياماك مورسيديغ)
ومن الأمثلة على حرية إبداء الرأي لليهود الإيرانيين موقفهم مما ذكره الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد من المحرقة اليهودية واعتباره إياها خرافة، مما أثار غضب الجالية اليهودية في إيران، وقد عبر ممثل اليهود في البرلمان الإيراني [موريس معتمد] في فيلم وثائقي عن يهود إيران، عن رأيه في ذلك قائلًا: (عندما نفى السيد نجاد حقيقة الهولوكوست في فترة استلامه الحكم، قمت أنا بإصدار تصريح معترضًا على خطابه، ولقد لقي هذا الاعتراض صدى كبيرا في دول العالم المختلفة، والتي زاد تعاطفها مع الشعب اليهودي الذي شعر بالإهانة بسبب وجهة نظر الرئيس)
وعندما سئل هذا النائب عن شعور المجتمع اليهودي في إيران بالتهديد بسبب هذا التصريح المعادي للسامية قال معتمد: (لحسن الحظ، لم نشعر بأي تهديد، فالسياسية العامة للحكومة الإيرانية لم تكن معادية للسامية)
وأشار إلى أن التميز الوحيد الذي يطبق ضدهم هو وجود قانون يذكر أنه في (حال اعتنق اليهود الدين الإسلامي؛ فإن أملاكه تورث للحكومة وليس لعائلته اليهودية إلا إذا أسلمت)
وهذا مبني طبعا على حكم فقهي تبنته الجمهورية الإسلامية، وهو في حقيقته في صالح اليهود، لأنه يجعلهم يمنعون أتباعهم من اعتناق الإسلام، ونتمنى أن يعيد فقهاء الجمهورية الإسلامية النظر في هذا القانون، لأن هناك أقوالا أخرى في المسألة، بالإضافة إلى عدم وجود نص صريح في القرآن الكريم يمنع ذلك، ونجد نفس القول في كتب الفقه السني، بل تعتبره قولا راجحا.
3 ـ الأقلية الزرادشتية في إيران ومظاهر التعامل المتسامح معها:
تعتبر الديانة الزرادشتية، والتي يطلق عليها أيضا لقب [المجوسية] من الديانات الموجودة في إيران منذ القديم، وهي تنتسب لمؤسسها زرادشت، وتعتبر من أقدم الديانات الموحدة في العالم، وقد تأسست قبل 3500 سنة تقريبا.
وهي من الديانات التي وقع فيها الخلاف بين علماء المسلمين؛ فمنهم من يعتبرها من الديانات السماوية، وأن الزرادشتيين المجوس من أهل الكتاب، ولذلك يرون جواز الزواج منهم، وهو القول الذي انتصر له ابن حزم، وذكر الأدلة عليه، وذكر أنه مذهب الكثير من العلماء.
وقد كان لابن حزم من العلم بالملل والنحل ما يؤهله لمعرفة ذلك، وقد قال في الفصل: (أما زرادشت فقد قال كثير من المسلمين بنبوته) ([64]) ثم عقب على ذلك بقوله:(ليست النبوة بمدفوعة قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمن صحت عنه معجزة، قال تعالى: { وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ}(فاطر:24)، وقال تعالى:{ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ }(النساء:164)([65])
ثم بين أن الذي ينسب إليه المجوس من الأكذوبات باطل مفترى منهم، واستدل على ذلك بالتحريفات الواقعة في الديانات المختلفة،، ثم بين قاعدة جليلة في ذلك فقال:(وبالجملة فكل كتاب وشريعة كانا مقصورين على رجال من أهلها، وكانا محظورين على من سواهما فالتبديل والتحريف مضمون فيهما، وكتاب المجوس وشريعتهم إنما كان طول مدة دولتهم عند المؤبذ، وعند ثلاثة وعشرين هربذا، لكل هربذ سفر قد أفرد به وحده لا يشاركه فيه غيره من الهرابذة ولا من غيرهم، ولا يباح بشيء من ذلك لأحد سواهم، ثم دخل فيه الخرم بإحراق الإسكندر لكتابهم أيام غلبته لدارا بن دارا، وهم مقرون بلا خلاف منهم أنه ذهب منه مقدار الثلث ذكر ذلك بشير الناسك وغيره من علمائهم) ([66])
ونفس ما دفع به ابن حزم عن زرادشت ما نسبه إليه المجوس ذكره غيره من العلماء، قال الباقلاني:(وكذلك الجواب عن المطالبة بصحة أعلام زرادشت إما أن نقول إنها في الأصل مأخوذة عن آحاد، لأن العلم بصدقهم غير واقع لنا، أو نقول إنه نبي صادق ظهرت على يده الأعلام، ودعا إلى نبوة نوح وإبراهيم، وإنما كذبت المجوس عليه في إضافة ما أضافته إليه من القول بالتثنية وقدم النور والظلام وحدوث الشيطان من فكرة وشكة شكها بعض أشخاص النور، وهو بمنزلة كذب النصارى على المسيح عليه السلام من دعائه إلى اعتقاد التثليث والاتحاد والاختلاط، وأن مريم ولدت مسيحا بلاهوته دون ناسوته وغير ذلك) ([67])
وقد ذكر ابن حزم أن هذا القول ليس بدعة للمتأخرين، بل أن من السلف من قال بذلك، قال:(وممن قال أن المجوس أهل كتاب علي بن أبي طالب وحذيفة رضي الله عنهما، وسعيد بن المسيب وقتادة وأبو ثور وجمهور أصحاب أهل الظاهر، وقد بينا البراهين الموجبة لصحة هذا القول في كتابنا المسمى الإيصال في كتاب الجهاد منه وفي كتاب الذبائح منه وفي كتاب النكاح منه) ([68])، ثم قال:(ويكفي من ذلك صحة أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجزية منهم، وقد حرم الله عز وجل في نص القرآن في آخر سورة نزلت منه وهي براءة أن تؤخذ الجزية من غير كتابي)
وأحببنا أن نشر إلى هذا للرد على تلك الإهانات الكبيرة التي يوجهها الإعلام المغرض، والكثير من الإسلاميين للديانة المجوسية، وينسبون الثورة الإسلامية إليها، ويرون أنها امتداد للمجوسية، وكلا الموقفين خاطئ، أما الأول؛ فالمجوسية لا تختلف عن الديانات السماوية، وهي ديانة توحيدية، والواجب احترامها.
وهي بالإضافة إلى ذلك لا تتواجد في إيران وحدها، حسبما يعتقد الكثير، بل هي تتواجد في مناطق كثيرة، وقد قدر عدد الزرادشتيين في العالم بين 124،000 إلى 190،000 نسمة حسب إحصاء عام 2004، وهم ينتشرون في المناطق التالية: (69،601 زرادشتي في الهند حسب إحصاء 2001 يتكونون من قوميتين وهما بارسي وإيراني، و5،000 زرادشتي في باكستان يتركزون في مدينة كراتشي، وازداد عددهم في السنوات الأخيرة بشكل كبير بعد هجرة الكثير من زرادشتي إيران إلى باكستان، وما بين 18،000 إلى 25،000 زرداشتي في قارة أمريكا الشمالية، و21،400 زرادشتي في إيران، حيث يتواجدون بشكل خاص في مدن يزد وكردمان إضافة إلى العاصمة طهران كما يوجد لهم نائب في البرلمان الأيراني وهو من أصول كردية، و10،000 زرادشتي في مناطق آسيا الوسطى وخصوصا في منطقة بلخ الواقعة في شمال أفغانستان، وفي جمهورية طاجيكستان، والتي كانت موطن الديانة المجوسية سابقا، وتوجد جالية كبيرة في أستراليا يقدر عددهم 3،500 وخصوصا في مدينة سيدني، و40،000 نسمة في شمال سوريا بمنطقة تسمى عفرين في مدينة حلبو أيضا في الشمال الشرقي من سوريا في مدين قامشلي وجوارها، وعدد كبير منهم في مدن شمال عراق وخاصة مدينة موصل وكلهم من الأكراد) ([69])
وأما الثاني؛ فعجيب جدا، وقد رددنا عليه بتفصيل في الجزء الأول من هذه السلسلة، وقد أشار إليه الخميني في خطاباته متأسفا، ومن ذلك قوله عن دعاوى صدام حسين التي كان يطلقها، ويزعم فيها أن حربه على إيران هي حرب على المجوس: (ماذا نعمل مع مثل هذا الفاسد الذي يريد تدمير العراق وإيران كما يتصور؟ ولا ندري ماذا نعمل مع مثل هذا الرجل الذي يقول منذ البداية بأننا نريد مواجهة النظام الزرادشتي أو المجوس رغم أن الشعار الذي نرفعه هو شعار (الله اكبر)؟.. إن كل العمارات الاسلامية الموجودة في العراق أو معظمها هي من صنع الإيرانيين، فكيف يحارب هذا الرجل إيران باسم محاربة الزرادشتية أو الفارسية؟ وهل يعتبر كون إيران فارسية منقصة؟ ويدعي انه يحارب الإيرانيين لانهم مجوس ثم علم ان الصفعة جاءته من الاسلام بشعار [الله اكبر])([70])
بل إن من أهداف الثورة الإسلامية التي أعلنتها في كل محل الوقوف ضد تلك السياسات التي كان ينتهجها الشاه، ويريد من خلالها إعادة إيران إلى ما قبل الإسلام، وقد أشار الخميني إلى هذا في مواضع كثيرة من كتبه وخطبه، ومنها قوله: (هل يعلم هؤلاء الذين يتذرعون بالذرائع المختلفة، ويواصلون صمتهم بل يأمرون أحياناً بالصمت، ما هي التطورات التي ستحدث لاحقاً؟ هل قرأوا جريدة (اطلاعات) رقم 15575 التي نشرت ورقة شكر قدمها الزرادشتيون إلى الشاه جاء فيها: إن المجتمع الزرادشتي فيالعالم يرى من واجبه تقديم الشكر والعرفان للشاه وشعر بالمسؤولية لذلك، لأن أحداً لم يعمل من أجل إحياء وحفظ التاريخ والثقافة والدين الزرادشتي، ولم يقدم الدعم لهم، كما فعل الشاه، وذلك منذ أن هاجر الباريتون الأرض الإيرانية.. أعَلِمَ هؤلاء أن تغيير التاريخ الإسلامي إلى تاريخ المجوس كان إحياء للزرادشتية ومذهبها ومعابد نيرانها على حساب الإسلام؟ ألهم عِلم أنّه قال في لقاء خارج البلاد: (إنّه ليس للمذهب دور في حكومتي)؟.. اليوم وبعد ممارسة الوان الكبت وسلب الحريات بأشكاله المختلفة وممارسة الضغوط التي لا تطاق، فإن إيران الواعية على اعتاب انفجار عظيم، وتمضي قدماً بخطى حثيثة)([71])
بعد هذا التوضيح الذي رأينا ضرورته، نذكر أن إيران تحت ظل ولاية الفقيه، تعاملت مع الزرادشتيين بنفس معاملتها مع سائر أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين، وسمحت لهم بأداء شعائرهم وطقوسهم بكل حرية، بل سمحت لهم بأن يمثلهم نائب خاص بهم في مجلس الشورى.
وقد كان هذا الموقف مثار سخط لدى المغرضين، الذين لم ينظروا إلى هذا باعتباره خلقا إسلاميا، وهو من حقوق الإنسان التي جاء الإسلام بالدعوة لمراعاتها، بل رأوا فيه تأكيدا لما يطلقون عليه [مجوسية إيران]
وكمثال على هذا، ما ورد في مقال بعنوان [الزرادشتية في إيران: الأصل الثقافي والتوظيف السياسي]، والذي راح صاحبه يفسر كل تلك المواقف المتسامحة من الإيرانيين مع الزرادشتية باعتبارها إحياء لها؛ فمما جاء فيه قوله: (الظهور العلني لطائفة من أعضاء الكهنوت الزرادشتية في حديقة شرق إيران في حفل يسمى [ساد] بداية شهر فبراير الجاري، واستعدادهم لتنظيم عيد النوروز والاحتفال بمولد زرادشت، هي مظاهر متظافرة على الوجود العلني لأتباع الديانة الزرادشتية، وجود يثير مفارقة متصلة بدواعي تغاضي نظام سياسي ديني منغلق مثل النظام الإيراني عن تواصل وجود هذه الديانة القديمة، ويدفع إلى البحث في العوامل الكامنة وراء تواصل بقاء هذا المكون الديني في ظل نظام يقصي كل ما يختلف عن صياغته للدين والمذهب)([72])
ثم راح يردد ما يذكره الإعلام المغرض، وما يردده معهم بعض الإسلاميين الذين ملأ الحقد على إيران قلوبهم؛ فجعلهم يحولون الحق باطلا، والحسنة سيئة، يقول: (إيران تحرص على إعلاء قوميتها على الآخرين، وتتكئ على تاريخها وتبحث في ثناياه عما يفيد الأيديولوجية الحاكمة، والفتح العربي الإسلامي لإيران حول المجتمع الفارسي إلى مجتمع مسلم وأحال الديانة الزرادشتية إلى مجوسية إلا أن المجتمع الفارسي تشبث بفارسيته، بل أضاف لها صنوفا شتى من العداء للآخر، وعندما قرر إسماعيل الصفوي، في القرن السادس عشر، اعتماد المذهب الشيعي الإثني عشري مذهبا رسميا لدولته، فقد تنكر للأصل التاريخي للإسلام وانطلق في سعي محموم لاستئصال الوجود السني في إيران، وحاول نشر التشيع الرسمي بحد السيف. ثم جاءت الثورة الإيرانية عام 1979 لتكرس التصور الصفوي وتطوره إلى ثورة إسلامية بمذاق شيعي سعت إلى تصديره خارج مجالها السياسي، وفي كل هذه المحطات كانت الزرادشتية حاضرة في المخيال الشعبي الإيراني، بل كانت مستفيدة من هذا التعاقب، فبعد الفتح الإسلامي كانت الزرادشتية بالنسبة إلى الفرس (حتى من غير المؤمنين بها) تمثل ضربا من الانتماء إلى مرحلة ما قبل العرب، أي أنها كانت إحالة على الماضي الفارسي التليد بالنسبة إليهم، ذلك أن العصبية الإيرانية ولئن استوعبت الإسلام إلا أنها واصلت عنصريتها تجاه العرب. تشبثت بالإسلام وحاولت احتكاره وفي ذات الوقت كانت تنظر إلى الزرادشتية باعتبارها منهلا حضاريا يحق لها أن تفخر به)([73])
وهكذا راح يردد مثل هذا الهراء، ويبني الكثير من الاستنتاجات التي لا تستند لأي معطيات علمية، ولو أنه كلف نفسه، وقرأ ما كتبه قادة الثورة الإسلامية، ومواقفهم لاحترم نفسه، ولما ردد أمثال هذه الدعاوى.
وهو يدعو في مقاله ـ مثل الكثير من الإسلاميين ـ النظام الإيراني إلى استئصال شأفة كل المجوس في إيران، وربما الذهاب إلى مواطنهم في البلاد الأخرى للقضاء عليهم، حتى يثبت أنه ليس مجوسيا، يقول في ذلك: (النظام القائم بعد الثورة الإيرانية مارس غض نظر واضح عن الديانة الزرادشتية، كان النظام الإيراني يحارب أصحاب البدع الدينية ويصدر أحكاما بالإعدام بتهمة محاربة الله وتهديد الأمن القومي الفارسي، وفي الوقت نفسه كانت الديانة الزرادشتية تحظى بممثل في مجلس النواب من منطلق الحريات الدينية، وكان النظام الإيراني بهذه الازدواجية يضرب عصافير عديدة بحجر واحد، فهو يقدم صورة للعالم على أنه متسامح مع الأديان والمذاهب، وهو يغازل المجتمع الإيراني بتصالحه مع ما تمثله الزرادشتية من إرث لدى عموم الشعب، وهو يقدم ما يثبت وفاءه للحظة إسماعيل الصفوي وعنصرية المجتمع الفارسي، أي أنه لا يلبس تهمة محاربة الله لكل ما يصدر عن الثقافة الفارسية)([74])
ويستنتج نتائج أخرى أكثر غرابة؛ فيقول: (الحضور المتزايد للديانة الزرادشتية القديمة في إيران، هو تعبير عن تداخل العوامل التاريخية والقومية والدينية والمذهبية والاجتماعية، والثابت أن العقل الإيراني توصل إلى صياغة متصور ثقافي مركب يسعى إلى التوفيق بين الأصل الزرادشتي والتشيع الرسمي، فاللغة الفارسية والتقويم والأشهر والعادات والاحتفالات وحتى مكان دفن الإمام علي الرضا الإمام الثامن المجاور لمدفن زرادشت، كلها مظاهر دالة على التشبث الإيراني بالمنطلق الزرادشتي، بل توجد العديد من القراءات التي تعتبر أنه تم تطويع العادات الزرادشتية القديمة لخدمة التشيع السياسي الإيراني، ومثلها الاحتفالات السنوية بعيد النوروز هي في حقيقتها احتفال زرادشتي، تمارس علنا وبتشجيع رسمي إيراني وتمارس خلالها تقاليد القفز فوق النار، لتتاح الفرصة بعد ذلك للزرادشتيين لإحياء مولد زرادشت بعد أيام قليلة من رأس السنة الفارسية)([75])
هذا مثال عن النظرة العجيبة التي يتعامل بها الإسلاميون وغيرهم مع إيران؛ فهي لا تنجو منهم في حال من الأحوال؛ فلو أنها قمعت الزرادشتية، وأساءت إليها لصوروها بصورة المجرم، وراحوا ينقلون لها النصوص التي تدعو إلى التسامح، وإذا ما تسامحت راحوا يتهمون بالدعوة للمجوسية، بل للتدين بها..
ثالثا ـ ولاية الفقيه والتعامل مع الاختلاف المذهبي:
من أهم القضايا التي استثمرها أعداء الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأعداء نظامها الإسلامي قضية الاختلاف المذهبي، أو ما يسمى [الخلاف السني الشيعي]؛ ولذلك نرى الكثير من المغرضين، بما فيهم الحركات الإسلامية نفسها، لا تعتبر النظام الإيراني نظاما إسلاميا، بل لا تعتبر إيران نفسها مسلمة، لسبب بسيط، وهي أن قادتها ليسوا من المدرسة السنية، بل من المدرسة الشيعية.
ولهذا نجدهم يفضلون الحكم الملكي المتواجد في المنطقة، المعروف بولاءاته للغرب، ولأمريكا خصوصا، على النظام الإيراني، ويعتبرونه حكما إسلاميا راشدا، بل يعتبرون كل نظام في الدنيا أفضل من النظام الإيراني، حتى لو كان مستبدا ظالما ولا علاقة له بالإسلام، بل إن الحقد وصل بهم إلى اعتبار نظام الشاه أفضل من النظام الذي يسمونه [نظام الملالي]
وقد ترجموا عن هذا الحقد بكل اللغات، وألبسوه جميع الألبسة، فاستعملوا اللغة الأكاديمية التي تحتال لتحول من النظام الإيراني مؤامرة غربية خفية لضرب الإسلام السني، ويستعملون اللغة الخطابية والعاطفية ليجعلوا من إيران مجوسا، لا علاقة لهم بالإسلام، وأنهم لم يدخلوا إلى الإسلام، وإنما تظاهروا به، حتى يخربوه من داخله.
ولن نحتاج إلى ذكر الأدلة على ذلك هنا، ذلك أن الكتب ([76]) والمحاضرات والأشرطة الوثائقية وكل ما في الدنيا من وسائل استثمر ليغرس هذه المفاهيم، لتمتلئ القلوب أحقادا على النظام الإيراني، بل على الشعب الإيراني نفسه.
ويحتجون لذلك كله بالتضييق على أهل السنة، ومنعهم حقوقهم، ومنعهم من بناء المساجد أو الصلاة فيها، والنهي عن أن يسموا أنفسهم بأسماء الصحابة، ومنعهم من الدخول للبرلمان في نفس الوقت الذي يسمحون فيه لليهود بالدخول إليه، وغيرها من الأيقونات الحاقدة التي صار الجميع يرددها من غير أن يتحقق منها.
ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في كتاب تحريضي مملوء بالمغالطات التي لا يقصد منها إلا الشحن العاطفي والتحريض الطائفي، ألقاه بشكل محاضرات الشيخ ممدوح الحربي، وجمعت في كتاب باسم [موسوعة الشيعة]، ذكر فيه ما توهمه من مؤامرات على أهل السنة، وحاول أن يقارن فيه بين الوضع أيام الشاه، والوضع الجديد، ليفضل فيه أيام الشاه على الوضع الجديد، وكأنه يدعو الإيرانيين إلى الانتفاضة على النظام الجديد، وإعادة النظام الشاهنشاهي.
يقول في كتابه، تحت عنوان [أهل السنة قبل الثورة الإيرانية وبعد الثورة الإيرانية]: (لا شك أن أهل السنة في زمن شاه إيران السابق وقبل الثورة الخمينية كانوا يتمتعون بحرية البيان في عقيدتهم، ومزاولة جميع النشاطات من بناء المساجد والمدارس وإلقاء المحاضرات وطباعة الكتب في خارج البلاد، ولكن في نطاق المذهب بل كان محظوراً وممنوعاً منعاً باتاً التعرض من الشيعة لمذهب السنة أوالسنة للشيعة) ([77])
ويذكر من الأمثلة على ذلك أن (رجلاً من الشيعة وزع كتاب فيه مساس بأم المؤمنين الطاهرة عائشة؛ فمسكه بعض الغيورين من أهل السنة وضربوه ضرباً موجعاً، ثم قبضت عليه حكومة الشاه، وأدخلته السجن؛ فمن هنا كان لأهل السنة والجماعة حرية تامة في نشر المعتقد السني، وتوعية الناس، وبيان التوحيد الصافي ورد الشرك، الذي صار محظوراً الآن في حكومة الملالي والمعممين، بل يعتبر الداعي إلى التوحيد الآن في إيران وهابياً يقبض عليه فوراً، كما أن أهل السنة كانوا يتمتعون بالأمن والأمان في أموالهم وأعراضهم ودمائهم في عهد شاه إيران وقبل الثورة الخمينية، كما كان يتمتع أهل السنة أسوة بالشيعة في الحصول على المواد الغذائية وبسهولة ويسر ودون تعب، أما بعد الثورة الخمينية فقد صارت كل هذه الموارد الغذائية بيد الحكومة والتي لا تقدمها إلا بعد الانقياد والخضوع أمامها للحصول على المواد المعيشية كلها)([78])
ويتطرق في كتابه إلى تفسير كل قانون يقنن في إيران باعتباره قانونا لمحاربة أهل السنة، ولا ينسى أن يختلق الأكاذيب الكثيرة من أجل ذلك، مثل المؤامرة التي عبر عنها تحت عنوان [تزويج الشيعيات الإيرانيات من أبناء السنة]، ثم بين كيفية تنفيذ هذه المؤامرة بقوله: (لقد اتخذت الحكومة الإيرانية وسائل أخرى للقضاء على أهل السنة والجماعة في إيران، منها تزويج السنة بالنساء الشيعيات، واللاتي يرسلن من قبل الحكومة بعد إعطائهن دروساً مكثفة وإقناعهن بأنهن داعيات إلى التشيع، وعليهن دعوة الأزواج وأهل بيوتهم وذريتهم إلى التشيع، وإظهار حسن الأخلاق والمعاملة الحسنة مع الزوج وأن تساير الزوج في طبيعته وشخصيته، فأحياناً تعلن الحكومة الإيرانية في أحدى مدن أهل السنة مثلاً، عن وصول امرأة [أي شيعية]؛ فمن يرغب بالزواج؛ فليبادر قبل فوات الفرصة، فيبادر أهل السنة إلى الزواج، وذلك بقصد الشهوة وقضاء الوطر من البيض الحسان، وهذا التزاوج كثيراً ما يتأثر به الأزواج وأهلهم؛ فيميلون إلى معتقدات الشيعة، وأما الأبناء الذين يولدون من هذه المجندة الشيعية فيتشيعون حتماً ولا بد)([79])
ومن تلك المؤامرات [مخططات لتغيير خارطة أهل السنة في إيران]، وبين كيفية تنفيذها، فذكر أنهم (قاموا بإنشاء مستوطنات في مناطق السنة، وبناء بيوت حكومية في المدن السنية وتوزيعها على الشيعة القاطنين بعيداً عن مدن أهل السنة، إضافة إلى جلب الأيد العاملة الشيعية إلى مناطق السنة، وذلك لتكثيف العدد السكاني الشيعي؛ فمن زار مثلاً مناطق أهل السنة في إيران يلاحظ نشاط الشيعة الرهيب في إقامة المستوطنات وخاصة في كردستان وتركمان وبلوشستان، فمثلاً كانت مدينة زاهدان قبل 15 عام لا يسكنها شيعي واحد لا يوجد فيها شيعي واحد؛ والآن يبلغ تعداد الشيعة إلى قرابة 1.% من تعداد سكان مدينة زهدان، ومع تشجيع الحكومة الإيرانية للشيعة في سكنى المناطق السنية، ففي المقابل يمنعون السنة القادمين من خارج إيران من الإقامة والاستيطان في أماكن السنة وخاصة المهاجرين الأفغان السنة)([80])
ومن تلك المؤامرات ـ كما يذكر ـ أنهم (قاموا بشراء بعض ذمم علماء السوء من أهل السنة، وذلك بإعطائهم بعض المناصب وبناء المساكن وإجراء المرتبات الشهرية لهم، ومن المحاضرات التي كان يلقيها هذا النوع من العلماء محاضرة لأحدهم كانت بعنوان [واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا] بيّن في هذه المحاضرة أن الخلاف بين السنة والشيعة خلاف سطحي، ثم يقول وإننا نؤمن أن ما يقولونه الشيعة حق، وأن القول بولاية الفقيه قول حق، يجب علينا أتباعه، وأن الخلاف الوحيد بيننا وبين إخواننا الشيعة هوفي إرسال اليد وقبضها، وهذا خلاف قد وقع بين أهل السنة أيضاً كما هورأي عند بعض المالكية) ([81])
أما حال [علماء أهل السنة في إيران]، فيذكرهم بحسرة قائلا: (كم من علماء أفاضل ألقت عليهم الحكومة القبض بدعوى أنهم يحملون المعتقد الوهابي، وكم أغلقت مدارس بدعوى أن مؤسسيها وهابيون، وبلغ الحد بهم أن هدموا إحدى المدارس بالجرافات ليلاً بدعوى أن الذي أسسها ممن يحمل العقيدة الوهابية) ([82])
وهو يختم كل محاضرة من محاضراته بمثل هذا الدعاء الذي يمتلئ بالعبرات، مما يثير عواطف الحاضرين: (اللهم انصر المستضعفين من أهل السنة في إيران، اللهم احفظ نساءهم وأبنائهم ودينهم وأعراضهم وأموالهم ومدارسهم ومساجدهم من كيد الحاقدين الخبثاء، اللهم احفظ أهل السنة في كل مكان فإنهم غرباء، اللهم وأنصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم عليك باليهود والشيعة والنصارى والهندوس والعلمانيين والشيوعيين والصوفية وكل فرق الضلال الذين تحزبوا على الموحدين القائمين بدينك يا عزيز يا قهار، اللهم وفق ولاة أمورنا من العلماء والأمراء لينصروا أهل السنة في كل مكان، اللهم ارفع سيف الحق بيد الأمراء ليدفعوا الظلم والشرك عن البلاد والعباد)([83])
ولا ينسى في نهاية كل محاضرة أن يحملق في وجوه الحاضرين، ويقول لهم: (اللهم هل بلغت اللهم فأشهد، اللهم هل بلغت اللهم فأشهد، اللهم هل بلغت اللهم فأشهد) ([84])
هذه مجرد نماذج عن هذه الموسوعة التي جمعت من محاضرات الداعية الكبير الشيخ ممدوح الحربي، والتي يعتبرها الكثير مصدرا أساسيا لهم في التعرف على كيفية تعامل النظام الإيراني مع أهل السنة.
ونحب أن نذكر أن هذا الداعية الكبير، والذي جمعت محاضراته في هذا الكتاب، واعتبرت مصدرا للمعلومات حول المؤامرات التي يقوم بها النظام الإيراني في حق أهل السنة، له موسوعة أخرى حول الطرق الصوفية، كفرها فيها جميعا، وبين فيها مواضع انتشارها، وحرض عوام الناس عليها.
وهو من خلال كتبه ومواقفه يقصر أهل السنة على المدرسة السلفية، أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولذلك عندما يذكر أنه لا توجد مساجد لأهل السنة في إيران، يقصد بذلك عدم وجود مساجد للوهابية، لأنه لا يعتبر مساجد المذاهب الأربعة، ولا مساجد الصوفية، بل يسميها مساجد شرك، كما هي عادة السلفية، حيث نراهم في كل مدينة يقيمون مساجد خاصة بهم، ويعتبرون ما عداها مساجد مشركين.
بناء على هذا، نحاول في هذا المطلب الرد على هذه الشبهة، وبيان المغالطات التي تحملها، والتي يرفضها الواقع، وذلك عبر نوعين من الأدلة:
الأول: المواقف النظرية لقادة الثورة الإسلامية من العلاقة بين السنة والشيعة، ومن الخلاف السني الشيعي.
الثاني: المواقف العملية من حقوق أهل السنة في إيران، والامتيازات المعطاة لهم، والشهادات الدالة على كذب تلك الشبهات المثارة ضدهم.
وسنتناول هذين الموقفين من خلال العنوانين التاليين:
1 ـ الموقف النظري من الاختلاف المذهبي:
من خلال بحثي المتأني في كتب قادة الثورة الإسلامية، وخطاباتهم، وبياناتهم، وفي أدق التفاصيل لم أجد ولو كلمة واحدة تدل على الطائفية، ولا على كون الثورة الإسلامية ثورة شيعية، بل نجدهم جميعا يتحدثون عن الإسلام، لا عن الطائفة، ولا عن المذهب، ويعتبرون انتصار الثورة في إيران انتصارا للإسلام وليس انتصارا لأي جهة.
وهم في كل محل ينبهون إلى هذا، ويعتبرون الإسلام فوق الطائفية، وفوق المذاهب، لكن المغرضين لا ينظرون إلى هذا، وإنما ينظرون إلى بعض اقتباسات قادة الثورة الإسلامية من كتب الشيعة، ويعتبرون ذلك طائفية ومذهبية وتحيزا.
ولست أدري كيف يفكر هؤلاء، وهل يريدون منهم، وهم في البيئة الشيعية أن يقتبسوا أقوال مالك والشافعي، ويواجهوا جمهورهم الملتف حولهم بما لا يعرفونه، ولا يتمذهبون بمذهبه؟
ثم ما الضرر في أن يذكر قادة الثورة الإسلامية في أحاديثهم واقتباساتهم أقوال الإمام علي والحسن والحسين وسائر الأئمة ومواقفهم، وهم محل إجماع من الأمة جميعا؛ فهل يعتبر ذكر مالك والشافعي إسلاما، بينما ذكر الإمام علي والحسن والحسين مجوسية وطائفية وتحيزا؟
لا يمكن أن نفسر هذه المواقف إلا بالجهل والأنانية والكبرياء، ذلك أن الصادق ينظر إلى القيم، ولا ينظر إلى ما يرتبط بها؛ فسواء أخذنا مبادئ الحكم الإسلامي، ومعانيه من كلمات الإمام علي، أو من كلمات غيره، المهم أن تكون هذه الكلمات متوافقة مع القرآن الكريم، ومع قيم الدين، التي هي محل اتفاق الأمة جميعا.
ولذلك كان العاقل هو الذي يسأل عن توفر القيم في القوانين وصلتها بالشريعة الإسلامية، ولا يسأل من أي كتاب اقتبست، ولا في أي مذهب وردت، ولهذا فإن ما نص عليه الدستور الإيراني من مراعاة المذهب الجعفري في تطبيق الشريعة، لا يعني إلا مراعاة البيئة التي ستطبق فيها الشريعة، مثلما هو حاصل في جميع البلاد الإسلامية التي تستند في أحوالها الشخصية إلى الشريعة، ثم تربطها بالمذهب السائد في البلد.
مع العلم أن إيران ـ كما سنرى ـ تترك للمناطق السنية فيها الحرية في أن تطبق المذاهب المرتبطة بها في فروع الشريعة، أما في القضايا المرتبطة بالحكم والسياسة والاقتصاد؛ فهي محل اتفاق الأمة، والخلاف فيها بسيط، لأنها أكثرها من النوازل العصرية.
بناء على هذا سنذكر هنا بعض مواقف قادة الثورة الإسلامية، ابتداء من الخميني الذي كان يتحدث باسم الإسلام، لا باسم الطائفة، بل يحذر كل حين من الإيمان بالطائفة وتقديمها على الإسلام.
ومنها ما صرح به في مقابلة صحفية مع بعض وسائل الإعلام الأجنبية، حين كان منفيا في باريس؛ فقد سأله الصحفي الأمريكي قائلا: (كيف ستعاملون الأقليات الدينية في الحكومة الإسلامية، وهم المسلمون السنة، الصوفيون، الآشوريون، المسيحون والأرمن واليهود والبهائيون؟)
فأجاب الخميني على البديهة: (أولًا الإخوة أهل السنة ليسوا بأقلية مذهبية قط، ونحن قلنا مراراً بأن سلوكنا مع الأقليات الدينية جيد جداً، فالإسلام يحترمهم، ونحن سنعطيهم جميع حقوقهم. فلهم الحق أن يكون لهم ممثل في المجلس ولهم الحرية في ممارسة النشاطات السياسية والاجتماعية، وعباداتهم. إنهم إيرانيون مثل جميع الإيرانيين يعيشون بأمان في ظل الحكومة الإسلامية)([85])
وهذا يفسر عدم وجود نص في الدستور يتعلق بحقوق أهل السنة، بخلاف النصوص الواردة حول الأقليات الدينية، ذلك أن الدستور الإيراني يعتبر أهل السنة مثل الشيعة تماما، وهم في حقوقهم ينتخبون على مرشحيهم بحسبب أعداد مدنهم، ولا علاقة لذلك بالمذهب والطائفة، وهذا من ذكاء واضع الدستور وحكمته، لأنه لو وضعت مواد تتعلق بهذا، لاعتبرها الجميع شماعة لاعتبار إيران دولة طائفية، ويحكمها دستور طائفي، ولهذا نرى النواب من أهل السنة يفوزون في مناطقهم، لا باعتبارهم أهل سنة، وإنما باعتبارهم مرشحين زكاهم الشعب.
وقد أشار الخميني في نداء له قبل الاستفتاء الشعبي العام، إلى تلك الحرب الناعمة التي تستعمل الاثنيات الموجودة في إيران لاستثمارها في انهيار الحكم الإسلامي من بدايته، وقبل تجربته، فقال مخاطبا الشعب الإيراني: (تصل وبمنتهى الأسف أخبار مزعجة من كنبد وزاهدان واردبيل تتحدث عن قيام بعض المجموعات المنحرفة ببث الفرقة والسموم بين أهالي تلك المناطق، وترويج شائعة مفادها أن علماء الدين سيحرمون الإخوة من أهل السنة من حقوقهم المشروعة)([86])
ثم بين وجه التناقض الذي يحمله مثيرو تلك الفتن، والذين لا يعتقد أكثرهم بصلاحية الإسلام بمذاهبه جميعا للحكم أصلا، يقول: (إنني أقول وبمنتهى الأسف أن هؤلاء المنحرفين الذين يستلهمون أمريكا، ويتلبسون بلبوس اليسار، يسعون إلى إعادة عمليات النهب التي كانت رائجة في عهد النظام البائد، ولكن بأسلوب آخر) ([87])
ثم يذكر العلاقة التي تربط قادة الثورة الإسلامية مع جماهير أهل السنة، والذين تشكل الطرق الصوفية أغلبهم: (إننا لانرى لنا أي خلاف مع إخواننا المسلمين من أهل السنة، ونطمئنهم بأن جميع الفئات الاجتماعية في البلاد ستنال حقوقها، سواء أكانوا من السنة أو الشيعة؛ فليس هناك من فرق بين طوائف المسلمين في الحقوق السياسية أو الاجتماعية أو غيرها، إنني اهيب بجميع الإخوة والأخوات في جميع أنحاء البلاد ألايكترثوا إلى السموم التي تبثها تلك العناصر الفاسدة وأن يتوجهوا في الغد إلى مراكز الاقتراع، ويدلوا بأصواتهم لما يريدون)([88])
وفي خطاب آخر له، في المدرسة العلوية بطهران دعا فيه جميع الاثنيات الإيرانية إلى المساهمة في إعمار البلاد، وقد استهله بقوله: (نحن والمسلمون من أهل السنة جسم واحد، لأننا مسلمون وإخوة، وإذا قال أحد كلاما يبعث على الفرقة بين المسلمين؛ فاعلموا أنه إما أن يكون جاهلا أو أنه من أولئك الذين يريدون الوقيعة بين المسلمين، فليس هناك مسألة سنة وشيعة أبدا، الجميع إخوة)([89])
وعندما نجح بعض المغرضين في إثارة الفتن في بعض المناطق بعد انتصار الثورة الإسلامية، وخصوصا في منطقة الأكراد، راح الخميني يذكرهم بالأخوة التي تجمع بين السنة والشيعة، وقال في ندائه: (إلى اهالي كردستان المحترمين، علمنا بأن مجموعة تتحرك خلافاً للإسلام وتثير أعمال شغب في كردستان العزيزة، ولا تترك فرصة للمسلمين أن ينعموا براحة البال.. إن هذه المجموعة تنفذ هجمات على الجيش وتوجه الإهانات إلى منتسبيه بعد أن عاد إلى أحضان الشعب المسلم وتبعه في نهضته. إن مثل هذه الممارسات تناهض الإسلام ومصالح المسلمين.. وليعلم أهالي كردستان وسائر المناطق، بأن أي تعرض للجيش والجندرمة أمر مرفوض من قبلنا، كما أننا لانعتقد بوجود أي خلاف بيننا وبين إخواننا من أهل السنة فجميعنا شعب واحد ولنا قرآن واحد)([90])
وفي خطاب مفصل له مع بعض علماء أهل السنة، وفيهم الشيخ أحمد مفتي زاده وجمع من اهالي كردستان، راح الخميني يبسط لهم مسائل الخلاف بين السنة والشيعة، ويربطها بالأنظمة السياسية الجائرة، التي حاولت أن تثير الفتن بين مكونات المسلمين؛ فقال: (إن الاختلاف بين أتباع الطائفتين والمذهبين يعود في جذوره إلى صدر الإسلام، إذ سعى آنذاك الخلفاء الأمويون والعباسيون إلى إيجاد الفرقة والخلاف؛ فكانوا يعقدون المجالس لتكريس الاختلاف، ورويدا رويدا أدى هذا الاختلاف إلى ظهور حالة التنافس بين عوام السنة وعوام الشيعة، وإلا فلا عوام السنة عملوا ويعملون بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا عوام الشيعة اتبعوا الأئمة الأطهار)
ثم بين مدى التعالي على الطائفية الذي مثله أئمة أهل البيت، والذين كانوا يعبرون عن الإسلام وحده، لا عن أي طائفة؛ فقال: (لقد سعى أئمتنا الأطهار إلى وضع الجميع في إطار المجتمع، فكانوا يصلون معهم، ويمشون خلف جنائزهم، ولكن الأمور اختلفت تدريجيا، وقام المتجبرون بمثل هذه الأعمال لإشغال الطائفتين ببعضهما كي يتسنى لهم أن يفعلوا ما يشاءون)([91])
ثم ذكر المؤامرات الشيطانية للمستعمرين، والتي طبقوها في إيران، كما طبقوها في سائر بلاد العالم الإسلامي لينشغل المسلمون بالصراع الداخلي عن مواجهتهم؛ فقال: (قبل ما يقرب من ثلاثمائة عام تم تنفيذ سياسة أجنبية في إيران وفي الشرق استهدفت في الغالب تحقيق مثل هذه الأمور.؛ فقد عكف خبراؤهم على دراسة الطائفتين وبعض الشخصيات ونفسيات الناس بالإضافة إلى جوانب القضايا المادية المتعلقة بنا، وحاولوا استغلالنا من طريقين: ماديا وكما ترون فقد استغلونا، ونفسياً من خلال التركيز على توسيع شقة الخلاف بيننا، وترون كيف أنه اذا تفوه أحد بكلمة واحدة؛ فإنهم يجعلونها نارا على علم، فينشرونها ويطبعونها، وهذا ليس من فعل شخص عادي، إنه عمل الحكومات والأجانب الذين يسعون إلى نشر ذلك وتوسيع نطاقه) ([92])
ثم ذكر المشتركات الكثيرة التي تجمع بين السنة والشيعة، ودعا إلى التركيز عليها، وتهميش الخلافات الفرعية؛ فقال: (نحن معا كيان واحد غير قابل للتفكيك، والاختلاف بين المذهبين لا ينبغي أن يتحول إلى خلاف في أساس الإسلام، فالإسلام أسمى من أن يؤدي الاختلاف فيه إلى ظهور مسلك كذائي فيه.. إننا نرى الأخطار تهدد الإسلام، لذا علينا جميعا أن نتكاتف ونتجنب تلك الاشتباهات التي ارتكبت في الماضي، وأن نقطع الايدي التي تريد أن تفرقنا عن بعضنا) ([93])
ثم دعا جميع المدارس السنية والشيعية إلى الدعوة إلى المشتركات للحيلولة دون تحقق المؤامرات الخارجية؛ فقال: (إنني آمل أن نتمكن من تجاوز هذه الفرقة بمساعيكم وجهودكم أنتم أيها العلماء في مناطقهم، وجهودنا نحن طلبة العلوم الدينية هنا) ([94])
ولم ينس أن يذكر أن الخلافات الموجودة بين المدرستين يوجد مثلها بين كل مدرسة، ولذلك لو طبق ما يريده الأعداء؛ فسيتحول الصراع بين المدارس إلى الصراع بين كل مدرسة وأتباعها؛ يقول: (إن الاختلافات موجودة حتى بيننا نحن: كالاختلاف بين الإخباريين والمجتهدين، وهو باب من أبواب الاختلاف، والاختلاف بين الصوفية والمتشرعة، وأخيرا بين الأحزاب بعضها مع بعض، أو بين الجامعيين وطلبة العلوم الدينية، كل هذا موجود وهم يسعون إلى تكريس تلك الاختلافات كي نبقى مشغولين بأنفسنا، وهم يقضون على ما لدينا من اعتبار، فهم ينهبون ثرواتنا على الصعيد المادي وما لدينا من معنويات على الصعيد المعنوي، إلا أن شعبنا قد استيقظ الآن، سواء في أوساطكم وذلك ببركة وجودكم أنتم، أو في أوساطنا ببركة وجود علماء الدين هنا) ([95])
وهكذا نرى القائد الحالي للثورة الإسلامية، والولي الفقيه لإيران، السيد علي الخامنئي، يعتبر كل داعية للطائفية بين المسلمين عميلا للأعداء، وهو يذكر أن الإسلام للجميع، وحتى [السلفية] التي يدعيها المغرضون للجميع، يقول في خطبه صلاة الجمعة بطهران، بتاريخ 03/02/2012: (.. و[السلفية] إذا كانت تعني العودة إلى أصول القرآن والسنة والتمسك بالقيم الأصيلة ومكافحة الخرافات والانحرافات وإحياء الشريعة ورفض التغرّب فلتكونوا جميعًا سلفيين، وإذا كانت بمعنى التعصّب والتحجّر والعنف في العلاقة بين الأديان أو المذاهب الإسلامية فإنها لا تنسجم مع روح التجديد والسماحة والعقلانية التي هي من أركان الفكر والحضارة الإسلامية، بل ستكون داعية لرواج العلمانية والتخلّي عن الدين)([96])
ثم راح يحذر كعادته من الإسلام الذي يدعو إليه الغرب، فيقول: (كونوا متشائمين من الإسلام الذي تطلبه واشنطن ولندن وباريس، سواء من النوع العَلماني المتغرّب، أو من نوعه المتحجّر والعنيف. لا تثقوا بإسلام يتحمّل الكيان الصهيوني لكنه يواجه المذاهب الإسلامية الأخرى دونما رحمة، ويمدّ يد الصلح تجاه أمريكا والناتو لكنه يعمد في الداخل إلى إشعال الحروب القبلية والمذهبية. وراء هذا الإسلام من هم أشداء على المؤمنين رحماء بالكافرين.. كونوا متشائمين من الإسلام الأمريكي والبريطاني إذ أنه يدفعكم إلى شَرَك الرأسمالية الغربية والروح الاستهلاكية والانحطاط الأخلاقي)([97])
وهو يدعو في كل خطاباته إلى تجاوز كل ما يثير الفتنة والفرقة بين المسلمين، وقد عبر عن ذلك في فتاواه وخطبه، ومن ذلك قوله: (على المسلمين أن يجابهوا أيّ عامل من العوامل الناقضة والمضادة للوحدة؛ هذا واجب كبير علينا جميعاً؛ الشيعة يجب أن يقبلوا هذا، والسنة أيضاً يجب أن يقبلوه، وكذلك الفرق والشعب المتنوعة داخل الشيعة وأهل السنة يجب أن تتقبّل هذا الشيء)([98])
ومن ذلك فتواه الشهيرة بحرمة المساس بمقدسات المسلمين، وهي ليست مجرد فتوى، بل هي من الأصول التي نشأت عنها الفروع الفقهية الكثيرة، والتي تقطع كل الحجج التي يتشبث عادة دعاة الفتنة من سب الصحابة ولعنهم والتبري منهم؛ ففي سؤال حول معنى التبرّي، أجاب مقرر فتاواه: (التولي والتبرّي الذان يعدان أحياناً ضمن أصول الدين، ويعتبران في أحيان أخرى من فروع الدين، وكلا الرأيين صحيح، لهما جانب عقيدي وجانب عملي. من الناحية العقيدة هو أن نعتقد بولاية الأولياء الإلهيين ورسل الله والأئمة الأطهار، وأن نحبّهم ونحبّ أتباعهم وموالیهم، وهناك جانب عملي يتمثل في إطاعتهم، والتبرّي هو الحالة المعاكسة للتولي، بمعنى معاداة أعداء الله وأعداء أولياء الله، وعلى المكلفين أن يؤمنوا بهذين الأصلين من الناحية العقيدية ويتمسكوا بهما من الناحية العملية)([99])
وهذا من المتفق عليه بين المسلمين جميعا، وهو ما يسمى بالولاء والبراء، وقد قرره القرآن الكريم في آيات كثيرة منها قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } [المجادلة: 22]، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1]
لكن الخلاف في كيفية تطبيق هذا الأمر الإلهي، وقد كان من الشيعة، وخاصة الإخباريين منهم من يلزم أتباعه بتسمية المتبرأ منهم، ولعنهم، وهو ما يثير الفتن، لكن تطبيق فتوى الخامنئي تتجاوز هذه المشكلة؛ فقد قال فيها مقررها: (وليس هناك لزوم بالنسبة للشخص الذي يريد التبرّي بأن يرفق تبرّيه هذا باللعن والشتائم وسوء القول، كان هناك الكثير من المسلمين منذ صدر الإسلام وإلى العصر الحاضر، ونموذجهم سماحة الإمام الخميني وسماحة قائد الثورة الإسلامية نفسه، هؤلاء كانوا طبعاً من أهل التولي والتبرّي بحق، لكنهم ليسوا من أهل السباب واللعن. إذن، بوسع الإنسان أن يكون صاحب تبرّي، من دون أن يوجّه الإهانات والسباب واللعن لمقدسات الآخرين. سماحة السيد القائد لا يعتبر توجيه الإهانات لمقدسات الآخرين جائزاً، بل يعتبره حراماً)([100])
وعن سؤال حول (تنافي حکم الوحدة مع التبرّي)، أجاب المقرر بقوله: (من المؤکد أن وحدة المسلمین لا تتنافى مع التبرّي، أي إن الأفراد بوسعهم معاداة أعداء الله وأعداء أولیاء الله، ومجابهة الذین یحاربون المسلمین، ویکونوا في الوقت نفسه متحدین مع غیرهم من المسلمین، إذن وحدة المسلمین لا تتنافى إطلاقاً مع التبري من أعداء الله وأعداء أولیاء الله، وکمثال على ذلك أن الإمام الخمینی كان ولائیاً ومتبرئاً من أعداء الله وأعداء أولیاء الله، ولا یوجّه في الوقت نفسه الإهانات واللعن لمقدسات سائر المسلمین والأشخاص الذین یحترمونهم، وکان هناك الکثیر من الأعاظم والأجلاء یدعون الناس إلى الوحدة ویتبرأون في الوقت ذاته من أعداء الله)([101])
وهو يوجب هذا الأمر بحكم على ولايته على المسلمين حتى على غير مقلديه، وقد جاء في تقرير الفتوى: (والوحدة بین المسلمین وتجنب التفرقة حالة واجبة، وإیجاد التفرقة والخلافات بین المسلمین لصالح الأعداء ولصالح الاستکبار العالمي والصهیونیة الدولیة أمر محرم، أما أنهم یجب أن یراعوا هذه الوحدة حتى لو لم یکونوا من مقلدي سماحة القائد فنعم یجب على الآخرین أیضاً أتباع هذه الأوامر حسب فتاوى کل مراجع التقلید الأجلاء الأعمال غیر الواجبة علینا، حتى لو کانت مستحبة، إذا کان أداؤها یؤدي إلى استغلالها من قبل الأعداء ضد مذهب أهل البیت، وتؤدي إلى توجیه الإهانات لأتباع مذهب أهل البیت أو تؤدي إلى الخلاف بین المسلمین، فهي غیر جائزة، ولا فرق في ذلك بین أن یکون الإنسان من مقلدي سماحة السید القائد أو من مقلدي سائر المراجع، یجب علیهم مراعاة ذلك) ([102])
وعن سؤال حول موقف الخامنئي من مراسم اللعن التي تقام في أيام خاصة في بعض المناطق، أجاب المقرر بقوله: (قال سماحة السيد القائد مراراً لا توجهوا الإهانات لمقدسات سائر المذاهب، إذن يجب اجتناب هذه الممارسات، والنقطة الجديرة بالملاحظة هي أن البعض يقولون: لا إشکال في أن نعلن في المجالس الخاصة، لكن سماحته لم يقيّد الأمر بأن يكون المجلس عاماً أو خاصاً، بل قال على نحو العموم: لا توجّهوا الإهانات لمقدسات سائر المسلمين، أي سائر الفرق الإسلامية، وقال سماحته في موضع من المواضع: (ذلك الشيعي الذي تدفعه جهالته وغفلته، أو المغرض أحياناً – ولدينا مثل هذه الحالات أيضاً ونعرف أفراداً من الشيعة مشكلتهم ليست مجرد الجهل، بل لديهم أوامر ومأموريات بزرع الخلافات – لتوجيه الإهانات لمقدسات أهل السنة، أقول: إن سلوك كلا الفريقين حرام شرعاً وبخلاف القانون)، إذن، توجيه الإهانات لمقدسات سائر المذاهب الإسلامية حرام شرعاً في رأي سماحة السيد القائد) ([103])
وحول المجالس العلمية التي تعقد حول الخلاف في القضايا بين السنة والشيعة وعن الشروط المرتبطة بها حتى لا تصطدم بفتوى مراعاة المقدسات، أجاب بقوله: (إما أن يكون هناك نقاش علمي فهذا من آراء سماحة السيد القائد، وهو يوافقه. الأمور التي توجد حولها اختلافات علمية في وجهات النظر بين فرق المسلمين، وبين الشيعة والسنة، فليجتمعوا في جلسات واجتماعات علمية بشكل محترم وينقدوا آراء بعضهم، ولكن بشكل علمي وفي المحافل العلمية وبين أهل الفن والاختصاص، وأسلوب ذلك هو الجدل بالتي هي أحسن على حد تعبير القرآن الکریم. مثل هذا النقاش العلمي الذي لا يؤدي إلى الخلافات والنزاعات والتفرقة والفتن بين المسلمين لا إشكال فيه. الشيء الذي فيه إشكال وهو حرام إيجاد التفرقة بين المسلمين وبين المجتمعات الإسلامية) ([104])
وقد ذكر نص فتوى الخامنئي في هذا المجال، وهي: (إذا أرادوا أن يناقشوا نقاشاً مذهبياً فلا إشكال في ذلك إطلاقاً. إنني أوافق النقاش المذهبي. إذا أرادوا إقامة نقاش علمي مذهبي بين العلماء وأصحاب الخبرة والاختصاص فليجتمعوا وليقوموا بذلك، ولكن لا على مرأى الناس وأمامهم، بل ليتناقشوا علمياً في جلسات علمية) ([105])
والخامنئي في مناسبات كثيرة يعتبر المخالفين لهذه الفتاوى، والذين يصرون على إثارة الفتن، من أتباع [التشيع البريطاني]، ومثلهم من يضاهيهم من أهل السنة، الذين ينافسونهم في الشقاق والصراع، ويسميهم أتباع [التسنّن الأمريكي]، ذلك أنه يوجد (في المنطقة اليوم إرادتان متعارضتان: إحداهما إرادة الوحدة والأخرى إرادة التفرقة، إرادة الوحدة تختصّ بالمؤمنين، ونداء اتحاد المسلمين واجتماعهم يعلو من الحناجر المخلصة التي تدعو المسلمين إلى الاهتمام بقواسمهم المشتركة؛ فلو حدث هذا وتحققت الوحدة لما بقيت أوضاع المسلمين الراهنة على ما هي اليوم عليه، ولاكتسب المسلمون العز.ة. لاحظوا كيف أن المسلمين اليوم، من أقصى شرق آسيا في ميانمار إلى غرب أفريقيا في نيجيريا وأمثالها، وفي كل مكان، يُقتلون؛ في بعض الأماكن على يد البوذيّين، وفي أماكن أخرى على يد بوكوحرام وداعش ومن شاكلهم. وهناك من يصبّ الزيت على هذه النيران؛ التشيّع البريطاني والتسنّن الأمريكي متشابهان، وهما شفرتان لمقصّ واحد، حيث يسعيان لتنازع المسلمين وتقاتلهم. هذه هي رسالة إرادة الفُرقة التي هي إرادة شيطانية؛ لكن نداء الوحدة يدعو إلى تجاوز هذه الاختلافات، والاصطفاف معًا والتعاون بين المسلمين كافة)([106])
2 ـ الموقف العملي من الاختلاف المذهبي:
لم تكن تلك الكلمات التي أرسلها قادة الثورة الإسلامية وفقهاؤها حول احترام جميع المذاهب الإسلامية، واعتبارها وأهلها جزءا أصيلا من الأمة الإسلامية، مجرد كلمات لا معنى لها، بل كانت كلمات ذات معنى، ودلالتها تحققت في الواقع بأجمل صورها التي لا نجد مثلها للأسف في واقع المدارس السنية نفسها.
وكمثال على ذلك؛ فإن إيران تتواجد فيها ـ مثل جميع الدول الإسلامية ـ الكثير من الطرق الصوفية، وفيها الكثير من الأضرحة المرتبطة بهم، ذلك أنها كانت مهدا للتصوف في جميع مراحل تاريخها، ومع ذلك لم نسمع أن ضريحا فُجر، أو أن شيخا من مشايخ الصوفية أوذي، أو ذبح، مثلما يحصل في الواقع السني، بل نجدهم على عكس ذلك يؤدون أورادهم، ويقيمون مجامعهم بحرية لا يجدون لها مثيلا في كل الدول الإسلامية التي ينتشر فيها العنف والتطرف.
وهكذا نجد في المناطق السنية في إيران المدارس الفقهية، وبجنبها المدارس العقدية، التي لا تزال تؤدي دورها كما أدته في سائر مراحل التاريخ، ولم يفرض عليها أحد أن تترك تدريس مذاهبها، أو أن تتركها لتلتزم غيرها، ولم يرمها أحد بالبدعة مثلما يفعل المتطرفون عندنا، والذين يرمون الزوايا والأزهر والقرويين والزيتونة بكونها مدارس بدعة.
وسر ذلك الأمن الذي تعيشه تلك المناطق هو تشدد النظام الإيراني مع المتطرفين، الذين يحتكرون لقب [السنة] لهم؛ فلذلك يُمنعون من انفرادهم بمساجد خاصة بهم، حتى لا تصبح تلك المساجد مساجد ضرار، وهذا ما يفسر موقف السلطات الإيرانية من مسجد طهران الذي أغلق بسبب تحوله إلى مسجد ضرار، يجتمع فيه السلفيون، مثلما يجتمعون في المساجد الخاصة بهم في بلادنا ليثيروا الفتن.
وذلك التصرف الذي أثار ضجة كبيرة من المغرضين مبني على حكم الفقهي مرتبط بأمثال هذه المساجد عند جميع المدارس الإسلامية، وهو غلقها أو منعها أو هدمها، ائتمارا بما ورد في القرآن الكريم عن مسجد الضرار، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)} [التوبة: 107، 108]
وورد في الكثير من المصادر السنية ما يبين كيفية تعامل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع هذا النوع من المساجد؛ فقد جمع الحافظ ابن كثير في تفسير الآيتين السابقتين الروايات الكثيرة في ذل؛، فقال: (سبب نزول هذه الآيات الكريمات: أنه كان بالمدينة قبل مَقدَم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليها رجل من الخزرج يقال له أبو عامر الراهبُ.. فلما قَدم رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم مهاجرًا إلى المدينة، واجتمع المسلمون عليه، وصارت للإسلام كلمة عالية، وأظهرهم الله يوم بدر، شَرِق اللعين أبو عامر بريقه، وبارز بالعداوة، وظاهر بها، وخرج فارًّا إلى كفار مكة من مشركي قريش، فألَّبهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. ورأى أمرَ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ارتفاع وظهور، فذهب إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فوعده ومَنَّاه، وأقام عنده، وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويُمنَّيهم أنه سيقدمُ بجيش يقاتل به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويغلبه ويرده عما هو فيه، وأمرهم أن يتخذوا له مَعقلا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كُتُبه، ويكونَ مرصدًا له إذا قدم عليهم بعد ذلك، فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء، فبنوه وأحكموه، وفرغوا منه قبل خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى تبوك، وجاءوا فسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم، ليحتجوا بصلاته عليه السلام فيه على تقريره وإثباته، وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية، فعصمه الله من الصلاة فيه فقال: (إنا على سفر، ولكن إذا رجعنا إن شاء الله)، فلما قفل عليه السلام راجعًا إلى المدينة من تبوك، ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم، نزل عليه الوحي بخبر مسجد الضِّرار، وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء الذي أسس من أول يوم على التقوى، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذلك المسجد من هَدَمه قبل مقدمه المدينة)([107])
هذا ما ذكره ابن كثير، وما ذكره قبله وبعده الكثير من العلماء الذين اعترفوا بصحة هذه القصة، وقد تعمدنا ذكرنا هنا لنبين أن المساجد ليست ببنائها، وإنما بالتقوى والإيمان الذي وجد فيها؛ فإذا تحول المساجد إلى أداة للفتنة، فإنه لا خير فيه، بل إن دور الملاهي والفجور حينها تكون أفضل منه.
لهذا، فإن الصور التي يبثها البعض حول مسجد مهدوم في إيران، نجد مثلها في كل بلاد المسلمين؛ فلا يمكن لأي دولة تحترم نفسها أن تغض الطرف عن دعاة الفتن والتحريض الطائفي دون أن تقطع دابرهم، أو تصد فتنتهم، حتى لو اتخذوا المساجد ملاجئ لهم، مثلما فعل أولئك المنافقون الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهدم مسجدهم، وجعل ذلك سنة يتولاها كل حاكم صالح بعده، حتى لا يُتخذ الدين، وشعائر الله محال للفتنة.
ولذلك؛ فإن الذين يصيحون بأن إيران تمنع مساجد السنة محقون في ذلك إن قصدوا مثل تلك المساجد التي لا تمت للسنة بصلة، وإنما هي مساجد فتنة، وأما غيرها من المساجد التي يجتمع فيها عامة المسلمين يحترم بعضهم بعضا؛ فلا أحد يمنع ذلك.
وفوق ذلك كله نرى المساجد في إيران لا تمنع مرتادا لها سواء كان من السنة أو الشيعة؛ فالمساجد لله، ومتى أدركت المصلي الصلاة صلى من غير أن يسأل: هل هذه مساجد سنة، أم مساجد شيعة؟
وقد ورد في الشهادات الكثيرة المتواترة ما يدل على هذا، وسننقل هنا بعضها، ولمن شاء أن يتورع في الحكم على ما نقول لا ينبغي أن يبت بشيء، لا سلبا ولا إيجابا، بل عليه قبل أن يفعل ذلك أن يذهب إلى إيران، وإلى المناطق التي يتواجد فيها السنة، ليستعلم حقيقة الأمر.
وأول الشهادات، هو ما ذكرته وكالات الأنباء؛ فقد أفادت [وكالة مهر للأنباء] أنه عقب انتشار شائعة عدم وجود مسجد لأهل السنة بطهران، وهدم مسجد ومصلى لأهل السنة في العاصمة، أوضح مركز متابعة شؤون المساجد بأنه يوجد 9 مساجد لأهل السنة في طهران([108])، وقال: (ان هدم مركز باسم مصلى كان بسبب نقض القانون وتغيير استخدامه، وأن هذا المركز كان يعمل لترويج بعض الأفكار المتطرفة، وحسب عقيدة الناشطين الدينيين، فإن المسجد يطلق على مكان العبادة الذي تقام فيه الصلوات، ويكون مركزا لمراجعة جميع الاشخاص، فالمسجد بيت الله وهو مكان العبادة، وإطلاق تسمية مسجد الشيعة أو مسجد السنة هي تسمية خاطئة، لأن الشيعة يصلون في مساجد السنة، وكذلك أهل السنة يصلون في مساجد الشيعة، لذا فان نشر الشائعات وتلفيق الاخبار، يؤدي إلى الخلافات المذهبية)([109])
كما ذكرت الوكاله أنه (يوجد لأهل السنة في إيران اكثر من 15 ألف مسجد، وهي أكثر من مساجد الشيعة، وعلى هذا الأساس يجب الالتفات إلى أن تخريب مركز متطرف جاء بعد عدة إنذارات وجهتها بلدية طهران إلى هؤلاء الاشخاص الذين ارتكبوا المخالفة القانونية، ففي العام الماضي تم اغلاق هذا المصلى الكائن في منطقة بونك من قبل المراجع القانونية، بسبب نقض القوانين وتحوله إلى مركز للأجانب، وبالرغم من توجيه إنذارات العام الماضي فإن هذا المصلى عاود نشاطه غير القانوني حيث تم تخريبه بحكم قضائي، فالمصلى المذكور تشكل من عدد من الوحدات السكنية حيث تم تأجيره من قبل بعض الاشخاص على أنها مكان سكني، ثم تم تغيير استخدامه وتحول إلى مصلى، وأن هؤلاء كانوا يبغون من وراء ذلك ترويج بعض الافكار المتطرفة، وفي السنوات الماضية قامت الأجهزة المعنية باغلاق أو هدم بعض الاماكن الدينية حسب الظاهر ولكنها في الحقيقة متطرفة، وكان من بينها حسينية في مدينة قم)([110])
وهذا ما يذكرنا بما وقع في الجزائر أيام الفتنة، حيث كانت المساجد للأسف مراكز لها، مما اضطر السلطات إلى هدمها، ومثله يحصل في جميع البلاد الإسلامية، فلا يمكن لأي دولة تحترم نفسها أن تغض الطرف عمن يهدد السلم العام.
وورد في خبر آخر ذكره موقع تابناك الاخباري الإيراني نقلا عن محمد صادق عرب نيا ـ مدير هيئة التخطيط للمدارس الدينية السنية في إيران ـ أن هناك ما يقارب 13000 مسجدا لأهل السنة في إيران، و13000 رجل دين سني يقومون بإقامة الفرائض في هذه المساجد.
وذكر أن المقارنة البسیطة بين عدد مساجد السنة والشيعة في إيران تظهر أن هناك مسجدا واحد لكل 2500 مواطن شيعي، وبالمقابل مسجد واحد لكل 500 مواطن سني.
وذكر أن الدستور الإيراني لا ينظر إلی أهل السنة كأقلية دينية لأنهم مسلمون، وبلدنا إسلامي، والمسلمون هم الأكثرية في هذا البلد، وهناك محافظات في البلاد أغلبيتها شيعة، لكن أهل السنة هم الأكثرية في مجالسها البلدية، لأن الترشيح والانتخابات لا تتم على أسس طائفية([111]).
قد لا يقبل البعض هذه الأخبار بحجة كونها من وكالات أنباء إيرانية، مع أنهم للأسف يقبلون من وكالات الأنباء الفرنسية والأمريكية والبريطانية بل حتى من الإسرائيلية، ولكن إيران عندهم دائما كاذبة، وكل ما تفعله خذاع، ولهذا سننقل شهادات من جهات أخرى ربما تكون صادقة عندهم.
وأولها تلك الرسالة التي أرسلها جمع من علماء أهل السنة في إيران إلى مفتي مصر الأعلى الشيخ شوقي علام ردا على الشبهات التي أثيرت بشأن أوضاع أهل السنة في إيران؛ فقد اعتبرت هذه الشخصيات البارزة من السنة الإيرانيين أن تلك الشبهات تنجم عن عدم الإحاطة بحقائق الأمر وأحوال أهل السنة في إيران، تأثرا بما تعكسه وسائل الإعلام المعادية للجمهورية الإسلامية في إيران.
وهذا نص الرسالة، والتي ذكروا في آخرها أسماء مرسليها ([112]): (بعد أطیب التحیات، نحن علماء أهل السنة في إیران نفتخر بالأزهر الشریف ونعتز بدار إفتاء الدیار المصریة وذلک لما شاهدنا من المواقف الحکیمة والمعتدلة لها حول الحوادث المتعددة التي وقعت في مصر وسائر بلاد العالم الإسلامي حیث نتابع البیانات الصادرة منهما إلی الآن، کما نری من واجبنا تقدیم الشکر لکم علی إصدار البیان حول إدانة الهجوم الإرهابي الذي ارتکبه التکفیر الداعشي المجرم في مجلس الشوری الإسلامي ومرقد الإمام الخمیني في طهران)
ثم ذكروا ما فعله المتطرفون بهم، والذين لا يفرقون في هجماتهم بين السنة والشيعة، فكتوا: (طیلة سنوات ونحن نعاني من الفکر التکفیري والذي یستهدف بالتفجیرات والعملیات الإرهابیة السنة والشیعة معا، فإن هولاء المجرمین التکفیریین اغتالوا کثیرا من علماءنا في ایران والذي کان منهم سماحة المفتي الکبیر لأهل السنة الشوافع في محافظة کردستان الشیخ الشهید محمد شیخ الإسلام وزمیله الشیخ الشهید برهان عالي إمام جمعة الشافعیة)
ثم راحوا يفندون ما أورده المفتي المصري من دون علم عن أوضاع أهل السنة في إيران، فكتبوا يقولون: (ولکن ما یؤسفنا هو أننا نری أن البیان الصادر عن دارالإفتاء حول الهجمات الإرهابیة في طهران یحمل معلومات خاطئة خاصة حول أوضاع أهل السنة في ایران، والذي هو غیر موافق للواقع، وبالطبع لم یکن ذلک إلا عن الشفقة علینا، ولکن من الواضح والجلي أننا أهل السنة في وطننا إیران أعرف وأدری بأحوالنا ممن یعیش في الخارج ولیس له معلومات صحیحة إلا عبر الأخبار الظنیة والدعایات الإعلامیة المفبرکة وأن { الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا } [النجم: 28] وإذا أساء مسلم بأخیه ظنا غیرواقع ربما یصیر مصداقا له {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } [الحجرات: 12])
ثم راحوا يضربون له بعض الأمثلة على الأخطاء التي وقع فيها المفتي وغيره ممن يتحدثون عن أهل السنة في إيران؛ فقالوا: (فعلی سبیل المثال منطقة الأهواز محافظة یسکنها العرب الشیعة في ایران [وسكانها ليسوا سنة]، وهذا یدل علی أن المصدر الذي یرسل إلیکم المعلومات حول ایران وأهل السنّة هو بعید کل البعد عن المعلومات الصحیحة حیث یزودکم بمعلومات خاطئة أو مفبرکة وفي نفس الوقت یتجاهل محافظة کردستان التي تعتبر العمود الفقري لأهل السنة في ایران)
ثم راحوا يذكرون له الأوضاع الحقيقة لأهل السنة في إيران؛ فقالوا: (نحن أهل السنة في ایران یصل عدیدنا إلی عدة ملایین نسمة نسکن في محافظات متعددة، ویوجد عندنا أکثر من 16000 مسجد، وعدد طلابنا في المدارس الدینیة یتجاوز 12000 طالبا، حیث یدرس جمیعهم فقه أهل السنة والجماعة من الشافعیة والحنفیة، وهذا العدد من المساجد والمدارس والطلاب ارتفع إلی عشرة أضعاف بالنسبة إلی ما کنا علیه قبل إنتصار الثورة الإسلامیة بقیادة الإمام الخمیني، ولاریب أن کل ذلک لم یتیسر إن لم یکن الدعم من حکومة الجمهوریة الإسلامیة)
ثم ذكروا له الحقوق السياسية التي يتمتعون بها؛ فقالوا: (نحن أهل السنة نتمتع بکامل الحریة في ترشیح النواب للبرلمان، وکذلک مجلس الخبراء لاختیار ولی الفقیه، حیث لنا الآن أکثر من 20 نائبا في البرلمان، وکذلک القضاة في محاکم المحافظات التي نسکن فیها نحن الغالبیة السنیة هم من علمائنا یقضون بیننا بالفقه الشافعي أو الحنفي)
ثم ختموا رسالتهم بدعوته إلى الإنصاف والتحري قبل إطلاق الفتاوى والبيانات، وألا يعتمد الإعلام المضلل، فقالوا: (هذا نموذج من مواقف رؤساء الجمهوریة الإسلامیة قبال مواطنیهم من أهل السنة؛ فهل من الإنصاف أن نصف هذا العمل بالظلم!؟ وهل تتوقعون من العالم الحکیم المعتدل أن ینسب الظلم إلی الحکام في نظامنا الإسلامی الإیرانی، وینشر ذلک في الجرائد والعالم فقط بناء علی ما سمعه في الإعلام!؟)
وفي آخر الرسالة دعوه لزيارتهم، وزيارة المناطق السنية ليتأكد بنفسه؛ فقالوا: (في نهایة المطاف ندعوا سماحتکم باسم علماء السنة والجماعة في الجمهوریة الإسلامیة الایرانیة لتشرفونا، أو من یمثلکم بالزیارة إلی إیران للإطلاع بصورة مباشرة علی مدی الحریة الدینیة والإجتماعیة والثقافیة التي نتمتع بها السنة في وطننا إیران)
ونفس هذه الخاتمة نقولها لكل من يدعي الورع والتقوى بأن يذهب إلى المناطق السنية في إيران، وهناك يعاين الوضع بنفسه، وحينها يحكم بما يشاء.
ومن الشهادات المرتبطة بهذا شهادة رئيس هيئة علماء السُنة في إيران الشيخ عبدالرزاق البخاري، فقد أوردت الصحف المختلفة هذا الخبر: (نفى رئيس هيئة العلماء السُنة في إيران الشيخ عبد الرزاق البخاري ([113]) أن يكون السنة في إيران مضطهدين، مؤكداً بانهم يعيشون جنباً إلى جنب مع الشيعة في ظل من العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات.. وأن لديهم مراكز دينية وحوزات علمية مناهجها تطابق المناهج الدراسية في الأزهر الشريف والمدينة المنورة وسورية، وأبدى البخاري استياءه في لقاء مع «الوطن» خلال مشاركته في «ملتقى الإخوة الإسلامية الثالث»، من الاشاعات التي تطلق جزافاً دون التحقق من بعض ما يدور في الساحة مطالباً بالتحقيق والتدقيق، مشيراً إلى أن السُنة والشيعة يعيشون تحت راية التوحيد والشهادتين والإخوة في الإسلام، حيث أن الحكومة الإيرانية بعد الثورة الإسلامية استطاعت التأليف بين المسلمين وإذابة المشاكل التي كانت فترة الشاه)
وعن سؤال حول وضع المسلمين سنة وشيعة بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران، أجاب بقوله: (هناك الكثير من الايجابيات بعد انتصار الثورة الإسلامية، فقد ذابت الخلافات التي كانت بين السُنة والشيعة خلال حكم الشاه، ولكن بعد انتصار الثورة الإسلامية أعلن السيد الخميني في كافة الصحف بأن المسلمين سُنة وشيعة جميعهم إخوة متساوون في الحقوق والواجبات، ومنع اهانة البعض معتبراً ان من يقوم بهذا العمل ليس سنيا ولا شيعيا، حيث أن الأمة الإسلامية تجتمع على كلمة التوحيد والشهادتين «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وأن من دخل الإسلام ونطق الشهادتين فقد عصم نفسه وعرضه وماله وجميعهم إخوة في الإسلام ويجب عليهم التآلف والمحبة وفقاً لما جاء في القرآن الكريم وكذلك الاحاديث النبوية الشريفة)
ثم ذكر كثرة المشتركات التي تجمع جميع المسلمين سنتهم وشيعتهم؛ فقال: (والجميع يدرك بأن هناك اختلافاً في المذهب السني وبين المذاهب الاربعة، ولكن نلتقي ونجتمع على كلمة التوحيد والعقيدة الواحدة، كما أن الجميع يؤدون العبادات والفرائض، وهذا ما هو موجود بين السنُة والشيعة، والمعروف أن الاختلافات الفرعية الاجتهادية لا تدخل ضمن الخلافات والنزاع بين الإخوة المسلمين السنة والشيعة، ويمكن الوصول لحل هذه الخلافات الفرعية عن طريق الحوار والمناقشة وإبداء الرأي، ولكن المهم ان الجميع متفقون على المحور الاساسي ألا وهو كلمة التوحيد)
ودعا في الأخير إلى الموضوعية والأناة والبعد عن التعصب؛ فقال: (أناشد الإخوة في الإسلام الابتعاد عن التعصب والتحجر في الرأي، وأجزم بأن هذه الخلافات أو من يقوم بها تأتي عن طريق الجهل، لأن العقلاء ملتزمون بالأخوة الإسلامية، كما جاء في القرآن الكريم {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52]، إذا الاساس هو التقوى والعبادة وليس السُنة أو الشيعة، فالمنزلة عن طريق التقوى كما قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [الحجرات: 13]، لذا الأساس هو التقوى حيث أنه لا فرق بين عربي أو أعجمي، ولا أسود ولا أبيض الا بالتقوى، ولذلك وبرغم كون الحكومة الإيرانية شيعية إلا أن الجميع سواسية أمام القانون؛ فالسنة والشيعة جميعهم إخوان في الدين والوطنية)
ومع صدق هذه الشهادة وأمثالها كثير، نجد المغرضين يتفلتون منها، ويحتجون بأن النظام الإيراني استطاع أن يخدع علماء إيران، وأن يشتري ذممهم، وهكذا لا ينجو النظام الإيراني مهما فعل، مع العلم أن شهادة الشيخ عبد الرزاق البخاري التي ذكرنا بعضها أدلى بها في الكويت، ومن غير أن يغصبه أحد عليها.
هذا بالنسبة لشهادات علماء الدين من المدرسة السنية في إيران، أما شهادات السياسيين، فكثيرة نذكر منها شهادة رئيس تكتل أهل السنة في مجلس الشورى الإيراني([114])، والذي صرح في حوار أجري معه أنه (أن الجماعات التكفيرية، التي باتت أداة رئيسية في الحرب التي تشهدها المنطقة، لا یربطها أي علاقة بأهل السنة)([115])
وذكر في تصريحه الذي أدلى به في لبنان عن أوضاع أهل السنة في إيران؛ فقال: (نحن أهل السنة في ایران لدینا رؤیة مشتركة عن الإسلام مع إخواننا الشیعة، ولا نشعر بفرق كبیر بیننا، هناك 31 محافظة في ایران، ونری في جمیع هذه المحافظات انتشاراً لأهل السنة حتی في بعض المحافظات كمحافظة «سیستان وبلوشستان» أو محافظة «آذربیجان» أو «غلستان» أو محافظة «فارس» أو حتی في محافظة «خراسان» عدد أهل السنة یفوق عدد إخواننا الشیعة، ولم نشهد طوال التاریخ حتی الیوم أي خلافات بین السنة والشیعة، لأننا نلتزم بشعار ومنهج وفكر مفاده أنه لو قلنا إن الشیعة تعني الحب لآل بیت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فنحن جمیعنا شیعة، ولو قلنا إن السنة تعني العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجمیعنا من أتباع السنة، نحن نری أن الخلاف بین السنة والشيعة یسبب في إضعاف الإسلام برمته)
ثم ذكر مدى التسامح والفكر الوحدوي لدى الشيعة في إيران مقابل التشدد الذي يبديه الكثير من أهل السنة؛ فقال: (قبل عدة أسابیع حدثت عدة تفجیرات في السعودیة وباكستان وأفغانستان والعراق، راح ضحیتها عدد من إخواننا الشیعة الذین كانوا مجتمعین في المساجد من أجل الصلاة، وهذه العملیات الانتحاریة لم تؤد إلی ردود فعل من قبل إخواننا الشیعة داخل ایران ضد أهل السنة. نحن نعتبر أنفسنا ایرانیین أولاً قبل أن ننقسم الی قومیات ومذاهب)
وذكر الحقوق السياسية لأهل السنة في إيران؛ فقال: (لأهل السنة ممثلون في المجلس الشوری الإسلامي، وبحسب الدستور، یصل عدد نواب السنة في مجلس الشوری الیوم إلى عشرین نائبا من أصل 290، وهؤلاء یشكلون تكتل أهل السنة في المجلس، نحن في ایران حاولنا أن نتجاوز الأمور السطحیة وابتعدنا عن الدخول في التفاصیل التي لا جدوی من الدخول فیها، بالوحدة نستطیع أن نصل إلى الانتصارات الكبیرة)
وعن سؤال حول الجماعات التكفيرية، وعلاقتها بأهل السنة، قال: (الجماعات التكفیریة كداعش وما شابه لا یربطها أي علاقة بأهل السنة، فلیس في قلوب هؤلاء أي مودة أو شفقة تجاه أهل السنة. قتلوا المئات بل الآلاف وارتكبوا مجازر في مناطق تواجد أهل السنة في سوریا، في الموصل، في الأنبار، في صلاح الدین. في اقلیم كردستان العراق. انتهكوا حرمات المسلمین السنة، اقدموا على بیع البنات الكردیات في الأسواق. من هم الأكراد؟ ألیسوا من السنة ویتبعون المذهب الشافعي؟ قابلت بعض الذین قدموا من إقلیم كردستان، وسألتهم من هؤلاء الداعشیون وماذا یریدون؟ قالوا لي إنهم جماعة یختصرون الإسلام بصرخة [الله أكبر]، ولا یعرفون شیئاً آخر عن الدین غیر ذلك. أيّ دفاع عن أهل السنة هذا؟ هؤلاء أهرقوا ماء وجه أهل السنة.. علینا أن نسأل انفسنا من أین یأتي السلاح والتجهیزات لهؤلاء؟ لماذا یریدون بث الفتنة في بلاد المسلمین ویتركون الغرب وأعداء الإسلام؟ أعتقد لأن الغرب مركز القیادة لهذه الجماعات)
وفي الأخير ننقل شهادة من عالم من علماء السنة خارج إيران، زار إيران، والمناطق السنية فيها بالتحديد، وأدلى بشهادته في ذلك، وهو الناطق الرسمي لمجلس علماء فلسطين في لبنان الشيخ محمد الموعد([116])، ومما ذكره في شهادته التي أدلى بها لموقع العهد الإخباري أن (النظام الإسلامي في إيران لم يحفظ خصوصية الأديان الاخرى فحسب (مسيحية، يهودية، زرادشت..)، بل حفظ اوضاع وخصوصية اصحاب المذاهب الإسلامية الاخرى، والذين يمارسون طقوسهم الدينية بكل حرية وأريحية، ولهم أيضا أحوال شخصية ومدنية خاصة بهم، ولهم تعاليمهم، ومدارسهم الدينية الخاصة حسب دياناتهم. ومن هؤلاء أهل السنة والجماعة، الذين يمارسون عبادتهم الدينية حسب فقههم (المذهب الحنفي، والشافعي..) بكل حرية في إيران، ولديهم أكثر من 15000 مسجد، منها 9 في العاصمة طهران، أكبر مسجد في إيران موجود في مناطق السنة،، الذي زار إيران مؤخرا يشير إلى انهم يتبعون مدارسهم الدينية وشؤون احوالهم الشخصية الخاصة (كالزواج والطلاق وغيره..) بحسب فقههم، ولهم مفتون في مناطقهم، ويتقاضون أمام محاكمهم الشرعية الخاصة التي تتمتع باستقلالية كاملة في مناطقهم.. ولهم حقوق كاملة بوظائف الدولة والتمثيل على المستوى الحكومي، والنيابي، ولديهم ممثلون في مجلس الخبراء الذي يختار القائد وفي جميع المجالس الأخرى، وأبعد من ذلك ليس هناك فقط نواب يمثلون المحافظات التي يتواجدون فيها، بل هناك نواب من أهل السنة ببعض المحافظات يمثلون المسلمين (سنة وشيعة..) وهناك سفراء ودبلوماسيون ومحافظون للمدن الإيرانية من أهل السنة)
وأكثر ما يلفت الشيخ الموعد، في حديثه لموقع العهد الاخباري، أن المعاهد الشرعية السنية موجودة في إيران بالمئات، وانها مدعومة مباشرة من قبل القائد، ولها ميزانية خاصة من الدولة، ما يدفعه للاشارة إلى ان ذلك يبرز مدى اهتمام الجمهورية بكل أبناء الدولة، واصفا هذا الامر بأنه بمنتهى الحضارة والتقدم الفكري، أن يتم تشجيع العلم واعطاء رواتب لطلاب العلم في المعاهد الشرعية السنية لاستكمال دراستهم المجانية بالكامل، ودراسة المذهب السني.
وذكر الشيخ الموعد الجامعات الكبرى في إيران كجامعة الحديث، وجامعة المصطفى التي تدرس المذهب السني، وأشهار إلى أن عدد الطلبة الذين يدرسون فيها مهول، كما أن هناك قسمًا خاصًا بالمكتبة يحوي آلاف الكتب السنية، ما يؤكد على مدى حرية الاعتقاد والبحث، فضلا عن أن عدد الذين تخرجوا من جامعة المصطفى وحدها يزيد عن 7000 طالب وهم درسوا على مذاهبهم (حنفي، شافعي..)، ليخلص إلى ان كل ذلك يعتبر بمثابة تكريس للوحدة بكل معانيها، وأن الحرية الدينية الموجودة في إيران ملموسة وليس دعاية وهي تعطي الناس كامل حقوقها، بينما هناك اشاعات تطمس هذه الحقائق.
وهكذا نجد الشهادات الكثيرة من أعلام السنة، بل من أعلام الحركات الإسلامية، ولكنهم للأسف، وبمجرد أن يدلون بشهاداتهم يصنفون ضمن الشيعة، وتسقط عدالتهم، لأنه لا يمكن لأحد يشهد بشهادة حق عن إيران إلا ويرمى بكل أصناف التهم.
ومن أمثلة ذلك ما حصل للدكتور كمال الهلباوى، والذي كان قياديا بارزا في حركة الإخوان المسلمين، وكان يستضاف في كل القنوات ليدافع عنهم، لكنه بمجرد أن زار إيران، وشهد بحقيقة ما رأى فيها، أسقط، وصار متهما.
ففي مقال بعنوان [هجوم سلفى على «الهلباوى» بعد زيارته إيران]([117]) ورد هذا الخبر: (كشف علاء السعيد، المتحدث باسم ائتلاف الدفاع عن الصحب وآل البيت، عن تفاصيل زيارة الدكتور كمال الهلباوى القيادى الإخوانى السابق، لإيران، الأسبوع الماضى، وقال السعيد لـ«الوطن»: «الزيارة تمت خلال مؤتمر الوحدة الإسلامية، وشهدت تكريم الهلباوى لمجهوداته السابقة فى التقريب بين الشيعة والسنة، وهناك صور له أثناء تكريمه، وهى ليست الأولى، فكان له العديد من الزيارات السابقة لأنه شيعى، حيث يرى أن الشيعة مذهب من مذاهب أهل السنة، وصرح بأنه ضد تنفيذ حكم الإعدام على نمر باقر النمر، رجل الدين الشيعى فى السعودية، مع أن الأمر شأن داخلى، وحسب الأعراف والقوانين الدولية، لا يحق لأحد التدخل فى السياسة الداخلية للدول.. وهو قد باع نفسه للشيعة وإيران.. وهو يسعى ليكون فى الصورة والمشهد كى لا يفقد الدعم الإيرانى، وأنا أسأله: بكم باع نفسه للشيعة؟)
وهي نفس العبارات التي تردد مع كل عالم ينصف إيران، أو ينصف الشيعة، أو يدعو إلى الوحدة الإسلامية، وهو ما يذكرنا للأسف بما ورد في السيرة النبوية المطهرة عند إسلام عبد الله بن سلام، وكيف كان محترما صاحب جاه وكلمة عند اليهود، ولكن بمجرد إسلامه تغير ذلك كله؛ ففي الرواية أنه لما أسلم رجع إلى أهل بيته فأسلموا وكتم إسلامه، ثم خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت؛ فإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني، فأحب أن تدخلني بعض بيوتك، فأدخله بعض بيوته فجاءت اليهود إليه فقال: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا، قال: أرأيتم إن أسلم عبد الله؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك؛ فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، يا معشر اليهود اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به، فو الله إنكم لتعلمون أنه لرسول الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة باسمه وصفته، فإني أشهد أنه رسول الله، وأومن به وأصدقه وأعرفه، قالوا: كذبت، أنت شرنا وابن شرنا، وانتقصوا. قال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله، ألم أخبرك أنّهم قوم بهت، أهل غدر، وكذب وفجور([118]).
ونفس الشيء يمارسه هؤلاء الذين يبنون مواقف سلبية من إيران، ثم يفسرون كل شيء بعدها على ضوء ذلك؛ فإن شهد شاهد بظلم إيران قبلوا شهادته، من غير أن يسألوا أو يحققوا، وإن شهد شاهد عكس ذلك اتهموه في دينه، واعتبروه من أزلام النظام، أو من الذين اشتراهم النظام.
رابعا ـ ولاية الفقيه والتعامل مع الشعوب الإسلامية:
على الرغم من تلك العداوة التي تبديها الكثير من الشعوب العربية والإسلامية للنظام الإيراني، بل حتى لإيران نفسها بسبب تلك الحملة الشرسة عليها من طرف رجال الدين والإعلام والسياسة إلا أن النظام الإيراني، والشعب الإيراني، يقفان على النقيض من ذلك الموقف السلبي؛ وهو موقف يجسد حقيقة قوله تعالى عن القوم الذين يستبدل بهم العرب حال التقصير:{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [المائدة: 54]
فهذه الآية الكريمة لا تكاد تنطبق على أحد كما تنطبق على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فهي مع مواقفها المتشددة الممتلئة بالعزة مع العتاة المتمردين من المستكبرين، تقف موقفا متواضعا إلى حد الذل مع الشعوب الإسلامية، حيث أنها تصفح عن كل تلك المواقف السلبية التي تقفها، وتدعوها كل حين إلى الوحدة الإسلامية، وترك الخلافات المذهبية، وترك التنابر بالألقاب، وتنصر قضاياها في كل المحافل، بل تشارك فيها بكل قوة.
انطلاقا من هذا سنحاول في هذا المبحث التركيز على ناحيتين مهمتين أولاهما النظام الإيراني أهمية كبرى، وهما:
1 ـ الدعوة للوحدة الإسلامية.
2 ـ الدعوة لإصلاح الواقع الإسلامي، وعودته إلى الدين.
وقد أسيء فهم كلا الدعوتين من طرف الساسة والإعلاميين والمفكرين ورجال الدين، حيث اعتبروا الدعوة الأولى دعوة للتشيع، مع أن إيران لم تتحدث إلا عن وحدة المسلمين بغض النظر عن مذاهبهم، ولو أرادت تشييع العالم الإسلامي، لبدأت بالملايين من أهل السنة الذين يتمتعون بجميع الحقوق، ويدرسون مذاهبهم بكل حرية.
أما الدعوة الثانية، فقد اتهمت بالتمدد الفارسي، والمؤامرة على العالم الإسلامي، مع أن إيران لم تتحدث عن كل ذلك، بل كل مطالبها هي الدعوة إلى الثورة على الطاغوت، وعلى الاستكبار العالمي، والعودة للدين الأصيل.
من خلال هذه المقدمة نحاول في هذا المطلب بيان موقف إيران من كلا الجانبين من خلال تصريحات قادة ثورتها، ومن خلال ممارساتها الواقعية.
مع ظهور الكثير من الدعوات للوحدة الإسلامية، ابتداء من جمال الدين الأسدأبادي الإيراني، ومن بعده من المفكرين والدعاة، لا نجد جهة اهتمت بالوحدة الإسلامية، واعتبرتها هدفا من أهداف نظامها مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي ضحت بمصالح كثيرة من أجل هذا الهدف النبيل.
وذلك شيء طبيعي؛ فلا يمكن لنظام يزعم أنه نظام إسلامي، أن يتخلى عن الوحدة، أو يناقش فيها، وهي مطلب قرآني كما قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]
ولذلك لا نرى في خطابات قادة الثورة الإسلامي ذلك البعد العنصري المرتبط بالقومية، ولا الجغرافي المرتبط بالوطن، ولا المذهبي المرتبط بالتشيع، وإنما نلاحظ اهتماما بكل المسلمين، وبقضاياهم جميعا، وكأنهم جسد واحد.
ومن الأمثلة على ذلك قول الخميني في وصيته السياسية، والتي ذكر في مقدمتها أنها موجهة للعالم الإسلامي جميعا، ومما ورد فيها من الدعوة إلى الوحدة الإسلامية قوله: (ليبادر العلماء الاعلام، والخطباء الموقرون في الدول الإسلامية إلى دعوة الحكومات لتحرير أنفسها من التبعية للقوى الاجنبية الكبرى، وليتفقوا مع شعوبهم فإنهم إذا فعلوا عانقوا النصر لا محالة، عليهم أيضاً أن يدعوا الشعوب إلى الوحدة ونبذ العنصرية المخالفة لتعاليم الإسلام، ومد يد الإخوة إلى اخوانهم في الايمان في أي بلد كانوا ومن أي عرق فإن الإسلام يعد الجميع إخوة، ولو أن هذه الإخوة تحققت يوماً ما بهمة الحكومات والشعوب وبتأييد الله العلي، فسيظهر للعيان كيف أن المسلمين يشكلون أكبر قوة في العالم. عسى أن يمنّ الله سبحانه وتعالى علينا بهذه الإخوة والمساواة في يوم قريب)([119])
وهو يذكر بألم تلك الحرب المغرضة الموجهة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع سعيها في خدمة جميع المسلمين، ودعوتها إلى الوحدة بينهم، يقول: (لماذا يقوم البعض في الحجاز والكويت والأماكن الأخرى بتأويل كلامنا وتوجيه التهم الباطلة إلى دولة إسلامية تسعى لإيجاد الوحدة بين المسلمين، وتناضل من أجل طرد الغرب من أرض المسلمين. إن هؤلاء يخدمون الغرب من جهة، ويفرقون المسلمين من جهة أخرى.. ألا يعلمون أنه لا تجوز إثارة التفرقة بين المسلمين وأن ذلك مخالف للنص القرآني؟.. ألا يعلمون ذلك حقاً أم أنهم يعملون على خدمة الغرب عن عمد وقصد لا سمح الله؟)([120])
ويذكر أن من أهداف الجمهورية الإسلامية الإيرانية السعي لتحقيق الوحدة الإسلامية، من غير أن يلغي حق أي حكومة في استقلالها، على عكس ما يشيع المغرضون، يقول: (إننا نسعى للوصول إلى وحدة المسلمين جميعاً من خلال تضامن الحكومات مع شعوبها واتحاد الدول مع بعضها البعض، ولقد شاهد الجميع كيف تمكن الشعب الإيراني من سحق قوة كبيرة نتيجة الإتحاد ورص الصفوف، هدفنا هو إتحاد مليار مسلم مع بعضهم البعض، فباتحادهم هذا لن نسمع بمشكلة فلسطين وأفغانستان ثانية. ولو يدعنا وعاظ السلاطين بحالنا ولا يعرقلوا مسير وحدتنا فإننا سننتصر وجميع البلدان الإسلامية ستنتصر أيضاً) ([121])
وفي لقاء له مع بعض الوزراء والسفراء العرب، قال: (آمل أن تكون علاقاتنا علاقات أخوة مع الجميع لاسيما شعوبنا الإسلامية، وأن تتمتع الحكومات الإسلامية بعلاقات طيبة مع بعضها البعض. وعلى هذه الحكومات أن تعزز روابط الإخوة فيما بينها حتى تقطع دابر الطامعين الأجانب، وآمل أن نكون إخوة وأشقاء دائماً، وأن لايحدث نفاق فيما بيننا أبدا)([122])
وهكذا نرى القائد الحالي للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي الخامنئي لا يدع مناسبة إلا ويدعو فيها للوحدة الإسلامية، وخاصة في المناسبة السنوية التي تستضيف فيها إيران مؤتمر الوحدة الإسلامية المرتبط بمناسبة ولادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والذي يدعى له النخبة المثقفة من العالم الإسلامي.
ومن خطاباته في بعض تلك المؤتمرات، والتي يذكر فيها تصوره للوحدة الإسلامية قوله: (اليوم يُعدّ الاتّحاد في الأمّة الإسلامية أكثر ضرورة من أي شيء آخر. فعلينا أن نصنع الوحدة ونوحّد كلمتنا ونجعل قلوبنا واحدة، فهذا تكليف كلّ من يمكن أن يكون له تأثير في هذه الأمّة الإسلامية الكبرى، سواء الحكومات أو المثّقفون أو العلماء أو الفاعلون على المسرح السياسيّ أو الاجتماعيّ. وكل واحد من هؤلاء، في أي دولة من الدول الإسلامية، مكلّفٌ باستنهاض الأمّة الإسلامية وبيان هذه الحقائق، فليبيّنوا هذه الأوضاع المرّة التي أوجدها أعداء الإسلام للناس ويدعوهم لتحمّل مسؤوليّتهم، فهذه وظيفة الجميع)([123])
ثم بين أن ما يحصل من خلاف بين المسلمين هو بسبب المؤامرة الكبرى التي قام بها الأعداء، ولا يزالوان، يقول: (اعلموا أنّ أعداء الإسلام والمسلمين يعتمدون بشكلٍ أساس اليوم على إيجاد الخلافات والتفرقة. إنهم لا يريدون أن تتقارب القلوب، لأنّهم يعلمون أنّ الأيادي إذا تماسكت والقلوب إذا تقاربت فإنّ الأمّة الإسلامية ستبدأ بالتفكير في معالجة مشاكلها الكبرى. وإنّ منشأ أكثر هذه المشاكل ـ التي تُعدّ قضيّة فلسطين منها، ومنها قضيّة هذه الدولة الصهيونية المختلَقة ـ هم هؤلاء المقتدرون في هذا العالم. فالعدو يعلم أنّنا سنتمركز، وأنّ كلّ الأمّة الإسلامية في جميع قواها سوف تتحرّك على هذا الطريق حتى نواجه هذا الاعتداء السافر الذي يجري، لهذا لا يسمحون بتقارب القلوب)([124])
وهو يذكر ـ كمثال على الوسائل التي يستعملها الأعداء لنشر الفرقة بين المسلمين ـ ما استعملوه من [الخلاف السني الشيعي] والذي انطلى على الكثير من المسلمين، يقول: (واليوم نداء التفرقة يرتفع من قبل أعداء الإسلام. وقضيّة الشيعة والسنّة يطرحها اليوم الأمريكيون والإنكليز، وهذا عارٌ. فالمحلّلون الأمريكيون والإنكليز والغربيّون، من جملة القضايا التي يطرحونها ويتباحثون بشأنها ويؤكّدون عليها هي قيامهم بالفصل بين الإسلام السنّي والإسلام الشيعيّ وإيجاد النزاعات بينهم. إن هذا ما يريده العدوّ وهذا ما كان يفعله دوماً. وقد سعى أعداء عالم الإسلام دوماً إلى أن يستغلّوا بأقصى ما يمكن هذه الخلافات المذهبية والقومية والجغرافية والإقليمية. وهم اليوم يستخدمون الوسائل الحديثة من أجل هذا العمل. وعلينا أن نلتفت إلى هذا الأمر ونكون يقظين. يريدوننا أن ننشغل ببعض لكي ننصرف عن تلك المسألة الأساس التي ينبغي أن نتوجّه إليها. يريدون أن ينشغل المسلمون، شعوباً ومذاهب شيعة وسنّة وغيرهما، ببعضهم بعضاً حتّى ينسوا قضيّة إسرائيل. يجب أن تقرّبنا حادثة اغتصاب فلسطين إلى بعضنا بعضا. وها هم اليوم يستغلّون هذه القضيّة من أجل إبعادنا عن بعضنا بعضاً. إنّهم يُحدثون الاختلاف في العالم الإسلاميّ حول نفس هذه القضيّة الفلسطينية، ويجعلون الدول في مواجهة بعضها بعضاً. إنّ قضيّة فلسطين قضيّة واضحة ولا يوجد عند أي مذهب من المذاهب الإسلامية أي شك بأنّه إذا تعرّضت أراضي الإسلام والمسلمين في أي وقت من الأوقات للهجوم والاعتداء فإنّ الدفاع واجبٌ على جميع المسلمين. فإنّ كلّ المذاهب الإسلامية تُجمع على هذا الأمر. وهو ليس محلّ اختلاف. ومثل هذه القضيّة المتّفَق عليها يجعلونها مورد شكٍّ ويفرّقون المسلمين ويشتتونهم، ويزيدون من العصبيات المذهبية والطائفية في القلوب ويؤجّجون نيرانها، حتى يقوموا بما يريدون بسهولة)([125])
ويذكر اهتمام الجمهورية الإسلامية منذ نشأتها بالوحدة الإسلامية، ودعوتها لها بكل الوسائل، يقول: (علينا أن نستيقظ، وهذه هي كلمة الجمهورية الإسلامية. فالجمهورية الإسلامية منذ بداية تأسيسها جعلت في الأسطر الأولى الأساس من أهدافها اتّحاد المسلمين وتقارب قلوبهم ومنها قضية فلسطين، وفي كلمات إمامنا الراحل قدس سره تظهر هاتان القضيّتان بوضوح تامّ وجلاء: إحداهما قضيّة إتّحاد المسلمين في جميع القضايا والتقليل من خلافاتهم والتخفيف من اختلافاتهم ومنع الخلافات الفكرية والفقهية والكلامية وأمثالها من أن تجرّ هاتين الفئتين إلى العداوة والتناحر، والقضيّة الأخرى هي قضية فلسطين، وقد التزمت الجمهورية الإسلامية بهذا الكلام. ونحن ندفع أثمانه باهظة. إنّ شعبنا ينظر إلى هذه القضيّة كواجبٍ ومسؤولية شرعية ويعلم أنّنا إذا استطعنا أن نُخرج هذا السرطان المهلك والخطر من جسد المجتمع الإسلاميّ فإنّ الكثير من مشاكل مجتمعاتنا الإسلامية سوف تُحلّ وسوف يحلّ مكانها الكثير من التعاون)([126])
2 ـ الدعوة لإصلاح الواقع الإسلامي:
2 ـ الدعوة لإصلاح الواقع الإسلامي:
انطلاقا من الأخوة التي يستشعرها النظام الإيراني تجاه جميع المسلمين؛ فإنه لم يكتف فقط بالدعوة للوحدة بين الحكومات والشعوب الإسلامية، وإنما دعا كذلك إلى خروج المسلمين من هيمنة الغرب، والفكر الغربي عليهم، وذلك بالعودة إلى الإسلام في جميع مجالاته، والاستفادة من التجربة الإيرانية في ذلك، والتي استطاعت التخلص من الهيمنة الأمريكية، والاستقلال التام عن الشرق والغرب، والتمسك بالإسلام وحده، باعتبار النظام الإلهي الذي يملك المنظومة الإصلاحية الشاملة المستغنية بذاتها، والمتوافقة مع الفطرة.
وهذا ما أطلق عليه مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفيلسوفها الإمام الخميني [تصدير الثورة]، والذي أسيء فهمه كثيرا، لا من الحكام الخائفين على عروشهم فقط، بل من رجال الدين أنفسهم الذين راحوا يؤولون هذا بكونه تصديرا للتشيع، مع أن الخميني لم يتذكر التشيع أبدا، بل تحدث عن قضايا مشتركة، يتفق عليها المسلمون جميعا.
وقد فسر الخميني مراده من تصدير الثورة، ورد على الشبه التي يلفقها الأعداء حولها في مناسبات كثيرة، ومن ذلك قوله: (إن الهدف من تصدير الثورة إلى الدول الإسلامية وكافة الدول التي يناضل فيها المستضعفون ضد المستكبرين هو الوصول إلى حالة معينة تكون فيها الحكومة غير مستبدة وغير ظالمة، ولا يكون الشعب فيها عدواً للحكومة. فهدفنا الأصلي هو المصالحة بين الشعوب والحكومات؛ فلو قامت حكومات بلدان العالم بدراسة التجربة الإيرانية واطلعت على حقيقة العلاقة بين الحكومة والشعب لتأثرت أيما تأثر)([127])
ويذكر بأسف ما تقوم به ما يسميها (الأقلام المأجورة ووكالات الأنباء والقنوات المغرضة التي تعادي إيران حكومة وشعباً) من تشويه (صورة الثورة في الخارج، والجميع هنا يعرف الهدف من ذلك. فحكومتنا وشعبنا ملتحمين متحدين ويقف فيها الجامعيون مع رجال الدين جنباً إلى جنب وكذلك بقية فئات الشعب كما ينصهر الجيش والعسكر مع عامة الشعب في بوتقة واحدة، ومع وجود هذا التلاحم لا يمكن للغرب أن يصل إلى أهدافه ولا يمكن لحكومة خائنة أن تصل للسلطة وتعمل على خدمة المصالح الغربية. فلو أدلى وزير أو رئيس الوزراء بكلمة تصب في مصالح الغرب لواجه معارضة شديدة من الشعب)([128])
وهو يذكر بأسف الدور الذي قام به رجال الدين في الدول الإسلامية من تشويه إيران، بدل أن يدعموها، ويستفيدوا من تجربتها، فيقول: (إننا فضلًا عن المعاناة التي تسببها لنا أمريكا والاتحاد السوفيتي فإننا في مواجهة فتنة عظيمة تتمثل بأولئك الذين يدّعون التدين ويتحدثون باسم الدين، والكثير من هؤلاء يتربع على رأس الهرم الديني ومؤسسات الإفتاء في العالم الإسلامي، حيث يفسر هؤلاء كلامنا كما يحلو لهم، ومن ثم يتهموننا بالكفر ويعتبرونا من الخارجين عن الدين. فإن كان ذلك ناتجاً عن سوء فهم فإني أنصح هؤلاء بالدراسة المعمقة والاطلاع الدقيق على الحقائق ليدركوا فداحة الخطأ الذي ارتكبوه وبطلان التهم التي انهالوا بها علينا، وأن الغرب هو الرابح الوحيد لانعكاسات هذه الفتنة، وإن كان في ذلك تعمداً مغرضاً فليعلم هؤلاء بأنهم يواجهون دولة إسلامية سعت ومازلت تسعى لرص الصفوف والمصالحة بين الإخوة في سبيل اتحاد الدول الإسلامية بعيداً عن أسلوب التكفير الذي يتبعه الجبناء ولكن البعض ممن يرتدي لباس الإفتاء ويلقب بالمفتي الأعظم والشيخ الأكبر راح ينشر سمومه ويغرس مخالبه))([129])
ثم يتساءل متعجبا من المصادر التي يستقي منها هؤلاء مواقفهم، وعن علاقتها بالدين؛ فيقول: (لماذا يقوم البعض في الحجاز والكويت والأماكن الأخرى بتأويل كلامنا وتوجيه التهم الباطلة إلى دولة إسلامية تسعى لإيجاد الوحدة بين المسلمين وتناضل من أجل طرد الغرب من أرض المسلمين؟ أن هؤلاء يخدمون الغرب من جهة ويفرقون المسلمين من جهة أخرى.. ألا يعلمون أنه لا تجوز إثارة التفرقة بين المسلمين وأن ذلك مخالف للنص القرآني؟.. ألا يعلمون ذلك حقاً أم أنهم يعملون على خدمة الغرب عن عمد وقصد لا سمح الله؟.. ألا يعلم هؤلاء بأن أفعالهم وتصرفاتهم هذه مخالفة للإسلام وتعاليمه وتصب في مصلحة الغرب ليس إلا؟.. ألا يعلم هؤلاء أنهم بأفعالهم وأقوالهم هذه يخدمون الغرب عن قصد أو غير قصد؟)([130])
وهو يذكر الشبه التي يوردها المغرضون من أجل تشويه الثورة الإسلامية، حتى لا تستفيد منها سائر البلاد الإسلامية، ومن الأمثلة على ذلك قوله: (عندما نتحدث نحن عن الإمام المهدي، وهو القوة التنفيذية في الإسلام؛ فإننا نقصد أنه سيملأ الأرض بالعدل ولديهم هم نفس المعنى (يملأ الأرض قسطاً وعدلًا بعد أن ملئت ظلماً وجوراً)، ونحن نقول إن الأنبياء لم يوفقوا في الوصول إلى أهدافهم بشكل كامل، وسيرسل الله سبحانه وتعالى في آخر الزمان من يتابع طريق الأنبياء ويحقق أهدافهم المنشودة بشكل كامل، لكن هؤلاء الناس ولا أدري أن كانوا متعمدين أم غافلين راحوا يؤولون كلامنا ومعتقداتنا وقالوا بأن فلان يزعم بأن الإمام المهدي سيتمم الشريعة، إن هذا الأمر يبعث على الأسف الشديد وهو مخالف لما نعتقده فنحن نعتبر الإمام المهدي (عليه السلام) خادماً للإسلام وتابعاً لرسول الإسلام وهو في نفس الوقت نور عين رسول الله، وسيجري كل ما أمر به الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم)([131])
وهو يبين المنهج الذي تصدر به الثورة؛ فيقول: (كونوا على ثقة بأنه لو تحقق الإسلام بكل معانيه في ايران، فإن الدول سوف تقتفي هذا النهج الواحدة تلو الأخرى، إن كل فئة تأتي إلى هنا تقول بأن شعبها مهتم بإيران ويسعى لتحقيق هذا الهدف هناك، في العراق والكويت ومصر وفي كل مكان، فلو أدّينا هذا الدور بشكل جيد وطبقنا الإسلام كما هو في ايران، فإنه بالاضافة إلى انتصارنا حتى النهاية بإذن الله، سينتقل منا إلى الشعوب الإسلامية. ونحن نطمح أن تقام حكومة العدل الإسلامي في جميع البلاد الإسلامية! لقد كان حب مختلف الفئات من أبناء الشعب لهذا النظام الإسلامي حباً إلهياً ووجد بيد غيبية لدى كل الناس بحيث أن الأطفال الذين أخذوا ينطقون حديثاً وحتى الشيوخ الذين هم على عتبة القبر، كانوا صوتاً واحداً ويريدون الإسلام!)([132])
وهو يبين للعالم الإسلامي السبب الذي جعل الثورة الإسلامية في إيران تنتصر، ليقوموا بنفس العمل، فيقول: (إن حب الإسلام هو الذي نصرنا، وعلينا الآن أن نحفظ هذه الكرامة وهذا الحب! فلنعلم أن كل شيء مرتبط بالله وكل شيء يتم بيده وأن إرادته هي التي أوصلتنا إلى منتصف طريق النصر. وإذا ما حفظنا الجهات التي ينبغي حفظها، فإن هذه الإرادة ستبقى محفوظة- إن شاء الله- وستوصلنا إلى النصر النهائي! والنصر النهائي هو انتصار كل البلدان والمستضعفين على جميع المستكبرين)([133])
وهكذا نرى الخميني في لقاءاته مع المسؤولين، وخصوصا ممن لهم علاقة بالخارج، ينصحهم بأن يعطوا صورة حسنة عن الإسلام، حتى يتبعهم غيرهم، ويقتدوا بهم.
ومن أقواله في هذا المجال، وهو يخاطب سفراء الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وجمع من أعضاء الاتحادات الطلابية الإسلامية في الخارج: (إن التزام السادة المقيمين في الخارج أصعب بكثير من التزامنا نحن المقيمين في الداخل، وذلك لأن شعبنا مطلع على الموازين والمعايير الإسلامية، وعلى فرض قيام بعض الفئات والأشخاص بأفعال منافية للإسلام فإن الشعب سيدين ذلك ويستنكره، وأمّا من في الخارج فإنهم يقيمون في بيئة غير إسلامية ويعيشون وسط شعوب غير مسلمة، وحتى إن كانوا مسلمين فإن اهتمامهم بمسائل الإسلام ليس كما يجب، ولهذا فإن أي سلوك أو تصرف يصدر عنكم ويكون مخالفاً للإسلام، سيعتبره هؤلاء الجاهلون بالإسلام، من الإسلام، ويكوّنون تصوراً عن الإسلام من خلالكم. فلو كانت سفاراتنا في الخارج لا تزال تعيش الأجواء الطاغوتية أو ما هو قريب منها، فهذا يعني أن الإسلام لم يدخلها أبدا)([134])
وينصحهم قائلا: (من أهم الأمور التي تقع في دائرة مسؤوليتكم ومسؤوليتنا، مسألة تجسيد قيم الإسلام والثورة من خلال سلوككم وطريقة تعاملكم مع العاملين في السفارة والناس الذين يراجعونها، لإعطاء صورة مشرقة عن الإسلام، مما يسهم في تصدير ثورتكم إلى البلد الذي تقيمون فيه. فالالتزام بالقيم الأخلاقية ورعايتها، يسري تأثيره في نفوس الناس، وذلك لأن المسائل الأخلاقية ذات جذور فطرية، ونفوس الناس مجبولة على تقبلها، ففطرة الناس سليمة ولكن طريقة التربية هي التي تفسدها.. وعليكم أن تمارسوا دوركم التربوي والتوعوي في البلدان التي أنتم فيها، كما لو أنكم في بلدكم، وأن تصدروا الإسلام إليها وذلك من خلال الالتزام العملي بتعاليم الإسلام وآدابه وقيمه الأخلاقية، وتجسيد ذلك في سلوككم وتعاملكم مع الناس من حولكم)([135])
ويقول: (عليكم أنتم السادة في السفارات أن تحافظوا على البساطة فيها قدر الإمكان وأن تعاملوا من هم تحت أيديكم من الموظفين معاملة أخوية، على رغم إطاعتهم لكم، لابد أن تعاملوهم معاملة أخوية. كذلك ينبغي أن تكون معاملة ضيوفكم، بحيث يشعر كل قادم بتجسد الإسلام عملياً في سلوككم. فنحن مهما ادعينا بأننا مسلمون وأننا جمهورية إسلامية، فلن يصدقنا أحد ما لم يطابق قولنا فعلنا وما لم نجسد الإسلام في سلوكنا وتصرفاتنا وما لم تكن سفاراتنا سفارات إسلامية. ولابد من ذلك حتى تصدر الثورة إلى البلدان الأخرى فإنه لا يمكن تصديرها بالقوة والإكراه، وهذه مهمتكم التي يمكن إنجازها من خلال سلوككم وكتاباتكم وإصداركم لمجلات فكرية إسلامية مصورة. واعلموا أنه لو سعيتم في تبليغ الثورة الإسلامية من موقعكم وكذلك قام الطلبة الإيرانيون في الخارج بتبليغ الثورة من موقعهم وقاموا بالرد على ما يكتب وينشر في الصحف والمجلات هناك وأثبتوا كذب إدعاءاتهم المغرضة ضد الثورة، فإن عملهم هذا سيسهم كثيراً في تصدير الثورة وتبيين حقائقها)([136])
وفي لقاء له مع بعض الوفود من الهند والباكستان وضح لهم مقصوده من تصدير الثورة؛ فقال: (إن المسألة الأخري هي تصدير الثورة، وقد قلت مراراً: إننا لانحارب أحداً لقد تم تصدير ثورتنا اليوم. ففي كل مكان نجد أن الإسلام يذكر، وأن المستضعفين يتطلعون إلى الإسلام يجب تقديم الإسلام إلى العالم كما هو من خلال الدعايات الصحيحة، وعندما تعرف الشعوب حقيقة الإسلام فانها ستقبل عليه لامحالة، ونحن لانريد شيئاً إلا تطبيق أحكام الإسلام في العالم)([137])
وهكذا نرى الخميني يقوم بنفس الدور من دعوة الشعوب الإسلامية كل حين لإصلاح حالها، والعودة للإسلام للتخلص من كل أشكال الهيمنة الغربية، ومن خطاباته في ذلك قوله في بعض مؤتمرات الوحدة الإسلامية: (الأمّة الإسلامية بلحاظ تعداد السكّان تمثّل مجموعة عظيمة ـ حوالي المليار ونصف المليار نسمة هم مجموع الأمّة الإسلامية ـ وإنّ مناطق وجود هذه المجموعة العظيمة من حيث الوضع الجغرافّي والخصائص الطبيعية والثروات الحيوية هي من أهمّ مناطق العالم وأكثرها حساسيّة، وبالرغم من أنّه لا ينقصها شيء على صعيد القابليّات الإنسانية والإمكانات الطبيعية فإنّ هذه الأمّة اليوم هي مجموعة حائرة. وعلامة حيرتها هو ما تشاهدونه. إنّ المصائب الكبرى في العالم تحدث بشكلٍ أساس في هذه الدول الإسلامية. فالفقر في هذه الأمّة والظلم والتمييز فيما بيننا والتخلف العلميّ والتكنولوجيّ والانهزام الثقافيّ والضعف الثقافيّ كلّه يمثّل حال الأمّة الإسلامية. والمقتدرون في هذا العالم يضيّعون حقّ هذه الأمّة بكلّ بساطة وصراحة، ولا تستطيع هذه الأمّة الإسلامية أن تدافع عن حقّها)([138])
ويضرب لهم المثل على ذلك بما يحصل في فلسطين، فيقول: (انظروا اليوم إلى أوضاع فلسطين، فهي نموذج. ولا شكّ بأنها نموذج هام جداً، لكنّه لا يختصّ بفلسطين. فانظروا إلى فلسطين، سترون أنّ الأمّة الإسلامية تعاني من جرحٍ كبير في جسدها، وهو قضيّة شعب فلسطين العظيم وأرض فلسطين التاريخية المقدّسة. ماذا أنزلوا بهذه الأرض؟، وعلى رأس هذا الشعب؟ وماذا يفعلون بهؤلاء الناس؟ وهل يمكن نسيان ما جرى على غزّة؟ وهل يمكن محوه من ذاكرة الأمّة الإسلامية؟.. لقد آلت أوضاع الأمّة الإسلامية مقابل هذه الظاهرة إلى حدّ وكأنّ ما يحصل لا علاقة لها به، وكأن ما يُغصب ليست حقّها وكأنها ليس هي التي تتعرّض للظلم. فلماذا نحن هكذا؟ ولماذا ابتُليت الأمّة الإسلامية بهذه الحالة؟ لقد أوجد أعداء الإسلام والأمّة الإسلامية ذلك السرطان المهلك الخطِر المسمّى دولة إسرائيل الصهيونية المزعومة في هذه المنطقة. والداعمون لهذا الكيان شركاء له في الظلم والجرائم الكبيرة التي يرتكبها. وها هم يدافعون عن إسرائيل ولا يمكن للأمّة الإسلامية أن تدافع عن نفسها، فهذا ضعفنا. لماذا؟ علينا أن نجبر هذا الضعف بالرجوع إلى الإسلام وبجعل تعاليم الرسول المكرّم محوراً لكافة اهتماماتنا) ([139])
هذه تصورات قادة الثورة الإسلامية لمعنى تصدير الثورة الذي أسيء فهمه، لا من السياسيين فقط، وإنما من المتدينين، بل من رجال الدين أنفسهم، الذين لم يقرؤوا ولو كلمة واحدة مما قاله هؤلاء القادة، واكتفوا بما يملى عليهم، أو بما تذكره وسائل الإعلام، أو بما يذكره سادتهم من السياسيين.
خامسا ـ ولاية الفقيه والتعامل مع العالم:
سادسا ـ ولاية الفقيه والتعامل مع العالم:
الرؤية المبدئية التي ينطلق منها النظام الإيراني في تعامله مع العالم هي ما نص عليه الإمام علي في وصيته لمالك الأشتر حين ولاّه مصر وقال له: (لا تكوننَّ عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان؛ إمّا أخّ لك في الدين، أو نظيرٌ لك في الخلق)([140])
أو ما نص عليه قبل ذلك ما ورد في القرآن الكريم من الأمر بلزوم رعاية العدل، وعدم التجاوز بالنسبة إلى أي إنسان ـ مسلماً كان أو غير مسلم ـ كما في قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]
ولهذا، فإن قادة الثورة الإسلامية لم ينظروا إلى العالم غير المسلم بكونه كافرا، يجب استئصاله كما تؤمن الحركات الإسلامية المتطرفة، وإنما ينظرون إليه باعتباره عالما محترما يحتاج منا أن نعرض له الإسلام بصورة حسنة، وأن نعايش قضاياه ومشاكله، ونحاول علاجه من منطلق الأخوة الإنسانية، لا من منطلق الهيمنة والاستبداد.
ولهذا نلاحظ الإمام الخميني يصحح للحركة الإسلامية تعاملها مع العالم، فهو يرى أن الصراع ليس صراعا عقائديا بين الكفر والإيمان، وإنما هو صراع بين المستكبرين والمستضعفين، كما نص على ذلك القرآن الكريم في آيات كثيرة كقوله تعالى حكاية عن قوم صالح عليه السلام: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) } [الأعراف: 75 – 77]
وقد نص على المبادئ التي تقوم عليها العلاقة بين إيران ودول العالم الإمام الخميني حين سئل عن سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه الدول الأوروبية، فأجاب بقوله: إننا نريد أن تكون لنا علاقات ودية حسنة مع جميع شعوب العالم ودوله تقوم على أساس الاحترام المتبادل ما عدا الدول التي تعاملنا معاملة عدائية، وتريد أن تظلمنا، وتحاول السيطرة علينا، فإننا نرفض ذلك، ولن نسمح لأحد أن يتدخل في أمور بلادنا، ويتحكم فيها، كما كان يتحكم فيها في العهد البائد. فنحن ـ طبعاً ـ لا نستطيع أن نقيم علاقات ودية مع هؤلاء. أما الدول التي لها معنا علاقات حسنة، فلنا معها علاقات حسنة أيضاً. فإذا احتاجت هذه الدول إلى شيء نمتلكه نحن، واحتجنا نحن إلى شيء يمتلكونه هم، فلا مانع من التبادل، فمثلًا: إذا كان هؤلاء يحتاجون إلى النفط، ونحن نحتاج إلى أشياء محدودة، فهذا تبادل يمكن أن يحصل بشكل طبيعي بين الأفراد كما يمكن أن يحصل بين الدول. وأمر ذلك يعود طبعاً إلى مجلس الثورة، ثم إلى الحكومة)([141])
وانطلاقا من النصوص المقدسة الداعية إلى البراءة من المستكبرين، وتحديهم، وعدم الركون إليهم نرى الخميني يوجه نداءاته المتتالية للمسلمين للوقوف في وجه الاستكبار العالمي، وإظهار البراءة منه، وهو ما أثار عليه غضب كل أذناب الاستكبار الذين يعتبرون أنفسهم حلفاء لهم، مع أنهم ليسوا سوى عبيد بين يديه.
وقد رد الخميني على هؤلاء، وخصوصا رجال الدين الذين وقفوا ضد دعوة الخميني، بل راحوا يصورونها بصورة التمدد الشيعي، لا بصورة النهضة الإسلامية، يقول الخميني: (من المسلم به أن المستعمرين وأعداء الشعوب لن يقر لهم قرار بعد هذه المراسم، وسوف يتوسلون بكافة المكائد والحيل ويحوكون المؤامرات ويستنجدون بعلماء البلاط وأجراء السلاطين والقوميين والمنافقين، ويتجهون نحو الفلسفة والتفسير المغلوط والمنحرف، ويقدمون على أي عمل يضمن لهم نزع أسلحة المسلمين وتوجيه ضربة قاصمة لأبهة واقتدار أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وربما يقول الجهال المتنسكون أنه لايجب هتك حرمة بيت الله وكعبة الآمال بالشعارات والمظاهرات والمسيرات وإعلان البراءة، وأن الحج عبادة وذكر وليس ميدان استعراض وقتال، وربما يوحي العلماء المتهتكون بأنّ القتال والحرب والبراءة من عمل رجال الدنيا، وولوج السياسة وفي أيام الحج بالذات دون شأن علماء الدين.. إنّ هذه الإيحاءات تعد من خفي سياسات المستعمرين وتحريضاتهم، لذا ينبغي على المسلمين أن يهبوا للدفاع عن القيم الالهية ومصالح المسلمين ويواجهوا الأعداء بكل الامكانيات والسبل المتاحة، وأن يرصوا صفوفهم لهذا الدفاع المقدس، وألا يفسحوا المجال لهؤلاء الجهلة والمستائين وأتباع الشيطان للانقضاض على عقيدة وعزة المسلمين)([142])
ثم يبين المغزى من الدعوة إلى البراءة من المستكبرين والوقوف في وجههم، فيقول: (إنّ صرختنا بالبراءة من المشركين اليوم هي صرخة من جور الظالمين، وصرخة شعب ضاق ذرعاً من تطاول الشرق والغرب عليه وعلى رأسهم أمريكا وأذنابها، ونهب بيته ووطنه وثروته) ([143])
ثم يذكر نماذج عن المستضعفين، وما قام به المستكبرون تجاههم، يقول: (تمثل صرختنا بالبراءة صرخة الشعب الأفغاني المظلوم، وأنا متأسف من عدم إصغاء الاتحاد السوفيتي لتحذيري بشأن افغانستان، فقام بمهاجمة هذه الدولة الإسلامية؛ قلت مراراً وأنا الآن أقول: دعوا الشعب الأفغاني وشأنه، دعوه يحدد مصيره بنفسه ويتكفل باستقلال بلده؛ أنه ليس بحاجة لولاية من الكرملين أو وصاية من أمريكا، ومن المسلم أنه لن يستسلم لسلطة أخرى بعد خروج الجنود الأجانب من وطنه، وسوف يقصمون ظهر أمريكا فيما لو نوت التدخل في شؤون بلدهم.. وتمثل صرختنا كذلك صرخة الشعب الإفريقي المسلم، صرخة إخواننا وأخواتنا في الدين الذين يتحملون سياط ظلم الأشقياء العنصريين لا لشيء إلا لاسوداد بشرتهم.. إنّ هتافنا بالبراءة هو هتاف الشعب اللبناني والفلسطيني وكافة الشعوب الأخرى التي نهبت القوى العظمى نظير أمريكا واسرائيل ثرواتها وترنو إليها بطمع، فنصبت عملائها ومأجوريها على تلك الشعوب، وأمسكت بمقاليد الأمور في بلدانهم وهي تبعد آلاف الكيلو مترات، وأحكمت قبضتها على حدودها البرية والبحرية.. إن صرختنا بالبراءة هي صرخة البراءة من جميع الشعوب التي ضاقت ذرعاً بتفرعن أمريكا وغطرستها، والتي لاترغب بكظم غيظها في حناجرها إلى الأبد، وأزمعت أن تعيش حرة وتموت حرة) ([144])
وهو يرى أن هذه البراءة ليست خاصة بالمستضعفين من بلاد العالم الإسلامي، بل هي تشمل المستضعفين في جميع العالم، يقول: (تمثل صرختنا بالبراءة صرخة الدفاع عن المذهب والشرف والعرض، وصرخة الذود عن الأموال والثروات،و الصرخة المؤلمة للشعوب التي مزقت حربة الكفر والنفاق قلوبهم الطاهرة.. إنّ صرختنا بالبراءة هي صرخة الفقر والفاقة للجائعين والمحرومين لما ابتز المموهون واللصوص المحترفون حاصل عرق جبينهم وأتعابهم، وأقدموا على سلب ممتلكات الشعوب الفقيرة والفلاحين والعمال والكادحين باسم الراأسمالية والاشتراكية والشيوعية، فربطوا شريان الاقتصاد العالمي بأنفسهم، وحرموا الناس من بلوغ أقل الحقوق) ([145])
وانطلاقا من هذه المعاني حملت الثورة الإسلامية شعار [لا شرقية ولا غربية] لتبين عدم انحيازها لأي جهة أو دولة أو نظام، ولتعطي النموذج للمستضعفين حتى يتحرروا من التبيعة للشرق والغرب، يقول الخميني: (كان شعار [لاشرقية ولا غربية] الشعار المبدئي للثورة الإسلامية في عالم الجياع والمستضعفين، وراسم معالم السياسة الواقعية لعدم الانحياز في الدول الإسلامية، تلك الدول التي ستجعل الإسلام في القريب العاجل المدرسة الوحيدة لإنقاذ عالم البشرية، ولن تعدل عن هذه الاسياسة قيد أنملة، فلا يجب أن تعلق الدول الإسلامية والشعوب المسلمة في العالم آمالها على الغرب وأوربا وأمريكا أو الشرق وروسيا)) ([146])
وهو يذكر أن من مقتضيات هذه الشعارات الخروج من أي تبعية ولأي جهة، يقول: (لا يتصور متصور أن هذا الشعار مقطعي، بل هذه سياسة أبدية لنا ولشعبنا وللجمهورية الإسلامية ولكافة المسلمين في العالم؛ لأنّ شرط دخول صراط النعمة حق البراءة والابتعاد عن صراط الضالين، ويجب أن يطبق ذلك في كل المجتمعات الإسلامية وعلى كافة الأصعدة.. يجب على المسلمين أن يفكروا في طرد الاستعمار من بلدانهم الإسلامية ويوظفوا كل طاقاتهم لذلك، وألا يجعلوا المستعمرين يستثمرون إمكانياتهم لصالحهم ولضرب الدول الإسلامية، فمن الخزي والعار على البلدان الإسلامية ورؤسائها أن يتوغل الأجانب إلى المراكز السرية والعسكرية للمسلمين، وعلى المسلمين أن لا يخشوا الضجيج والصخب والدعايات المغرضة، فإنّ صروح الاستكبار العالمي وقدراته العسكرية والسياسية أوهن من بيت العنكبوت وتؤول إلى الانهيار.. يجب على المسلمين في العالم أن يعملوا على إصلاح القادة العملاء لبعض الدول، وأن يوقظوهم من هذا النوم العميق الذي يجعل مصالحهم ومصالح االشعوب الإسلامية في مهب الريح عن طريق النصيحة أو التهديد؛ وعليهم أن لايغفلوا عن خطر المنافقين ووسطاء الاستكبار العالمي، وأن لايقفوا مكتوفي الأيدي ويتفرجوا على مشهد اندحار الإسلام ونهب ثرواته وانتهاك أعراض المسلمين) ([147])
وهو يتحدث في كل مناسبة عن ضرورة وقوف الأمة جميعا مع فلسطين، ومواجهة العدو الصهيوني، وعدم الجلوس معه في أي مفاوضات، يقول: (يجب أن تفكر الشعوب الإسلامية على إنقاذ فلسطين، وأن تعبر عن استنكارها الشديد من مساومة بعض القادة العملاء الذين أضاعوا أهداف مسلمي هذه المنطقة، وألا تسمح بجلوس هؤلاء الخونة على طاولة المفاوضات ليصبح ذلك وصمة عار في جبين الشعب الفلسطيني الباسل.. عجباً لهؤلاء البشر، فكل يوم يمضي على الكارثة المروعة لاغتصاب فلسطين يزداد صمت ومساومة قادة الدول الإسلامية ومجاراة إسرائيل الغاصبة، حتى وصل الأمر إلى أن شعار تحرير بيت المقدس لا يتناهى إلى الأسماع؛ ولئن قامت دولة كإيران التي تمر بحالة من الحرب والحصار بمساندة الشعب الفلسطيني لاستنكروا وشجبوا ذلك، حتىأنّهم يفزعون من تسمية أحد الأيام بيوم القدس.. أخشى أن يتصور أولئك أن مرور الزمن سيلمع صورة اسرائيل والصهيونية، أو أن الذئاب الصهيونية الضارية قد تخلت عن فكرة تكوين بلد يمتد من النيل إلى الفرات) ([148])
وهو يبين أن سياسة إيران نحو فلسطين مثل سياستها نحو جميع المستضعفين سياسة ثابتة ومستمرة حتى لو خالفها في ذلك جميع المسلمين، يقول: (لن يقلع المسؤولون الايرانيون المحترمون وشعبنا الأبي والشعوب الإسلامية عن قتال هذه الشجرة الخبيثة حتى استئصالها، فتجب الاستفادة من عزم أنصار الإسلام والقدرة المعنوية لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإمكانيات الدول الإسلامية، وجعل إسرائيل نادمة عما ارتكبته من جرائم، وتحرير الأراضي المغتصبة عبر تشكيل خلايا للمقاومة في جميع أنحاء العالم.. إنني أحذر مجدداً من خطر استشراء الغدة السرطانية للصهانية في جسد الدول الإسلامية، وأعلن مساندة ايران شعباً وحكومة لنضال جميع الشعوب الإسلامية لا سيما الفتية الغيارى في طريق تحرير القدس، وأعرب عن جزيل شكري لشباب لبنان الأعزاء الذين رفعوا هامة الأمة الإسلامية عالياً بإذلالهم المستعمرين، وأدعو لنصرة كافة الأحبة في داخل الأراضي المحتلة وخارجها الذين يوجهون ضربة قاسية لإسرائيل ومصالحها مستندين إلى سلاح الايمان والجهاد) ([149])
وعلى هذا النهج استمر القائد الحالي للثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي الذي لا يكاد تخلو خطاباته من الدعوة لمواجهة المستكبرين ونصرة المستضعفين، وبكل الوسائل، ومن ذلك قوله في بعض خطبه: (إننّا نقول الشيء الذي في قلوبنا، ونعلم أنّه حديث قلوب الشعوب وقلوب الكثير من الحكومات. إنّنا نعارض الاستكبار ونعارض نظام الهيمنة ونعارض بشدّة تسلّط بضعة بلدان على مصير العالم ونكافح هذا التسلّط ولا نسمح لهم بالتلاعب بمصير العالم)([150])
وهو ـ مثلما ذكر الخميني ـ يذكر أن هذا الخطاب لن يعجب قوى الاستكبار العالمي، لهذا تلفق التهم كل حين، والتي لا تنطلي إلا على المغفلين، يقول: (ومن الواضح أن تعارضنا تلك الحكومات فتتذرع بذرائع الملفّ النوويّ وما يتّصل بحقوق الإنسان والديمقراطية. والكلّ في العالم يعلم أنّهم يكذبون ويمارسون الرياء والنفاق. وقد بعثوا مأمورهم ثانية إلى هنا يجول في أطراف الخليج الفارسيّ ويكرّر نفس تلك الأكاذيب والهذيان ضدّ الجمهورية الإسلامية: إيران تروم الحصول على قنبلة نووية! من الذي يصدّق كلامكم؟ من يصدّق أنّكم تفكّرون بمصالح شعوب هذه المنطقة؟ أنتم الذين سحقتم شعوب هذه المنطقة، ما استطعتم وبمقدار ما سُمح لكم، تحت أقدام مصالحكم غير المشروعة.. أنتم مثيرو الحروب، أنتم هاجمتم العراق وهاجمتم أفغانستان وتهاجمون باكستان وتعيدون جرائمكم هذه في أيّ مكان آخر استطعتم، ثم تأتون لتصرّحوا ضد الجمهورية الإسلامية؟ جميع شعوب المنطقة تعلم والكثير من حكومات المنطقة تعلم أنّ الجمهورية الإسلامية تناصر السلام وتناصر الأخوة وتناصر عزّة بلدان هذه المنطقة وعزّة البلدان الإسلامية)([151])
هذه نماذج بسيطة عن موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية من دول العالم وشعوبها، فهي تقسمها بحسب التقسيم القرآن إلى المستضعفين والمستكبرين، وتدعو إلى مواجهة المستكبرين مهما كان دينهم، حتى لو ادعوا الإسلام، وتدعو إلى مناصرة المستضعفين، حتى لو كانوا من غير المسلمين.
وذلك كله ليس سوى تطبيق لما ورد في القرآن الكريم من
الدعوة لاحترام الشعوب بعضها لبعض، وحوار بعضها مع بعضها، وتعاونها جميعا على نصرة
المستضعفين، ومواجهة المستكبرين، كما قال تعالى:، وهو ما نص عليه قوله تعالى: {وَمَا
لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ
الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا
أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ
لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75) الَّذِينَ آمَنُوا
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ
الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ
كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 75، 76]
([1]) صحيفة الإمام: ج11 ، ص 243.
([2]) المرجع السابق: ج11 ، ص 243.
([3]) المرجع السابق: ج11 ، ص 244.
([4]) المرجع السابق: ج11 ، ص 244.
([5]) المرجع السابق: ج11 ، ص 244.
([6]) يتحدثون عن سنة إيران.. دون علم، عبد الله المدني، موقع الإسلاميون.
([7]) صحيفة الإمام، ج 10، ص: 213.
([8]) المرجع السابق، ج 10، ص: 213.
([9]) المرجع السابق، ج 10، ص: 214.
([10]) المرجع السابق، ج 10، ص: 215.
([11]) المرجع السابق، ج 10، ص: 215.
([12]) المرجع السابق، ج 10، ص: 216.
([13]) المرجع السابق، ج 10، ص: 216.
([14]) صحيفة الإمام: ج 1 ، ص344 ..
([15]) المرجع السابق، ج 1 ، ص345 . .
([16]) المرجع السابق، ج 1 ، ص345 . .
([17]) تركيبة الشعوب في إيران ما قبل التاريخ المعاصر، د.کریم عبدیان بنی سعید، موقع الأحواز.
([18]) تركيبة الشعوب في إيران ما قبل التاريخ المعاصر، د.کریم عبدیان بنی سعید، موقع الأحواز.
([19]) حضارة إيران التي تتآكل وتصبح عربية: شوارع طهران تتكلم عربي ، ملهم الملائكة، موقع العرب، 7/2/ 2016..
([20]) صحيفة الإمام، ج 10، ص: 215.
([21]) صحيفة الإمام، ج4 ، ص 303 .
([22]) المرجع السابق، ج4 ، ص 303 .
([23]) المرجع السابق، ج4 ، ص 303 .
([24]) المرجع السابق، ج4 ، ص 303 .
([25]) المرجع السابق، ج4 ، ص 304 .
([26]) المرجع السابق، ج6، ص: 155.
([27]) المرجع السابق، ج5، ص: 180.
([28]) ما لا تعرفونه عن الحريات الدينية في ايران؟! ، علي عوباني، موقع العهد، 10/02/2016.
([29]) المرجع السابق.
([30]) المرجع السابق.
([31]) المرجع السابق.
([32]) المرجع السابق.
([33]) المرجع السابق.
([34]) المرجع السابق.
([35]) المرجع السابق.
([36]) المرجع السابق.
([37]) المرجع السابق.
([38]) المرجع السابق.
([39]) المرجع السابق.
([40]) المرجع السابق.
([41]) المسيحيون في إيران مكوّن أساسي للمجتمع، غضنفر ركن أبادي (السفير الإيراني في لبنان)، المصدر: النهار، موقع الجمل بما حمل..
([42]) المرجع السابق.
([43]) المرجع السابق.
([44]) المرجع السابق.
([45]) أمين عام الاتحاد العالمي للاشوريين:المسيحيون في إيران لا يحتاجون إلى شفقة دعاة حقوق الإنسان، قناة العالم نقلا عن وكالة إرنا، الثلاثاء ٢٦ ديسمبر ٢٠١٧.
([46]) المرجع السابق.
([47]) المسيحيون في إيران، موقع السكينة، 6 أبريل، 2012..
([48]) المرجع السابق.
([49]) المرجع السابق.
([50]) المسيحيون في إيران اندماج أم اضطهاد، قناة الميادين، حصة استضافت فيها زينب الصفار، روبيرت بيغلاريان – نائب إيراني (أرمني)، بتاريخ: 09 حزيران 2013 ..
([51]) المرجع السابق.
([52]) المرجع السابق.
([53]) المرجع السابق.
([54]) انظر مقالا بعنوان: كيف يعيش يهود إيران في ظل حكم الجمهورية الإسلامية؟، نور علوان، موقع نون بوست، 26 أغسطس 2017..
([55]) صحيفة الإمام، ج7، ص: 218.
([56]) المرجع السابق، ج7، ص: 220.
([57]) المرجع السابق، ج7، ص: 221.
([58]) المرجع السابق، ج7، ص: 222.
([59]) المرجع السابق، ج7، ص: 222.
([60]) قصة يهود إيران التي لا تصدّق، يردين ليخترمان، موقع المصدر، 05 نوفمبر 2016.
([61]) انظر مقالا بعنوان: كيف يعيش يهود إيران في ظل حكم الجمهورية الإسلامية؟، نور علوان، موقع نون بوست، 26 أغسطس 2017.
([62]) المرجع السابق.
([63]) المرجع السابق.
([64]) الفصل في الملل والأهواء والنحل :1/90.
([65]) المرجع السابق :1/90.
([66]) المرجع السابق:1/90.
([67]) تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل:203.
([68]) الفصل في الملل والأهواء والنحل :1/90.
([69]) انظر مقالا بعنوان: الديانة الزرادشتية، اعداد وتقديم : سيد مرتضى محمدي، القسم العربي، موقع تبيان.
([70]) صحيفة الإمام، ج16، ص: 368.
([71]) المرجع السابق، ج3، ص: 330.
([72]) الزرادشتية في إيران: الأصل الثقافي والتوظيف السياسي، عبدالجليل معالي، موقع العرب، 17/2/2017.
([73]) المرجع السابق.
([74]) المرجع السابق.
([75]) المرجع السابق.
([76]) انظر على سبيل المثال: ماذا يجري لأهل السنة في إيران. من منشورات مجلس علماء باكستان عام (1986)، وأحوال أهل السنة في إيران. لعبد الرزاق البلوشي طبع (عام 1989)، أحوال أهل السنة في إيران. لعبد الله محمد الغريب طبع (عام 1989)..
([77]) موسوعة الشيعة، ممدوح الحربي، ص110.
([78]) المرجع السابق ، ص110.
([79]) المرجع السابق، ص118.
([80]) المرجع السابق، ص118.
([81]) المرجع السابق، ص115.
([82]) المرجع السابق، ص119.
([83]) المحاضرات المسموعة للشيخ ممدوح الحربي في موقع طريق الإسلام، وهي مفرغة أيضا في نص بعنوان [إخواننا أهل السنة في إيران]، موقع فيصل نور، 10/22/2012.
([84]) المرجع السابق.
([85]) صحيفة الإمام، ج5، ص: 202.
([86]) صحيفة الإمام، ج6، ص: 342.
([87]) المرجع السابق، ج6، ص: 342.
([88]) المرجع السابق، ج6، ص: 342.
([89]) المرجع السابق، ج6، ص: 111.
([90]) المرجع السابق، ج6، ص: 305.
([91]) المرجع السابق، ج6، ص: 81.
([92]) المرجع السابق، ج6، ص: 81.
([93]) المرجع السابق، ج6، ص: 81.
([94]) المرجع السابق، ج6، ص: 81.
([95]) المرجع السابق، ج6، ص: 82.
([96]) انظر: وثائق الربيع العربي والصحوة الإسلامية، تحرير حسن الزين، ص343.
([97]) المرجع السابق، ص344.
([98]) وذلك في كله له بتاريخ 19/01/2014. تزامناً مع أيام أسبوع الوحدة الإسلامية.
([99]) فتاوى الإمام الخامنئي فيما يخص أحكام أصحاب المذاهب والأديان الأخرى، مقرر الفتاوى، فلاح زاده – عضو مکتب استفتاءات سماحة آیة الله العظمى السید الخامنئي و رئیس مرکز علم مواضیع الأحکام الفقهیة، موقع الخامنئي، بتاريخ: 12/12/ 2016.
([100]) المرجع السابق.
([101]) المرجع السابق.
([102]) المرجع السابق.
([103]) المرجع السابق.
([104]) المرجع السابق.
([105]) المرجع السابق.
([106]) من خطاب ألقاه الخامنئي بمناسبة ولادة الرسول الأكرم a، بتاريخ 17/12/2016، موقع الخامنئي.
([107]) تفسير ابن كثير (4/ 211)
([108]) هذه محال مساجد لأهل السنة في طهران لمن يريد أن يتأكد:
1- مسجد صادقية، الكائن في الساحة الثانية بحي الصادقية
2- مسجد طهران بارس، الكائن في شارع دلاوران
3- مسجد مدينة قدس، الواقع في الكيلومتر ٢٠ على طريق كرج القديم
4- مسجد الخليج الفارسي الواقع في طريق فتح السريع
5- مسجد النبي، الكائن في حي دانش
6- مسجد هفتجوب، الواقع في طريق ملارد
7- مسجد وحيدية، الكائن في شهريار
8- مسجد نسيم شهر، الكائن في حي اكبرآباد
9- مسجد رضيآباد، الواقع في مفترق طرق شهريار.
([109]) انظر: مركز متابعة شؤون المساجد: اهل السنة لديهم 9 مساجد في طهران واكثر من 15 الف مسجد في إيران، وكالة مهر للانباء، ٥ أغسطس ٢٠١٥ – ١٨:٥٩..
([110]) المرجع السابق.
([111]) مقارنة بين مساجد السنة والشيعة في إيران، موقع تحرير، انشأ بتاريخ: 28 تشرين2/نوفمبر 2016..
([112]) وهذه أسماؤهم لمن شاء الاتصال بهم للتأكد:
-المولوی الدکتور نذیر أحمد سلامی؛ ممثل اهل السنة فی محافظة سیستان وبلوتشستان
-الماموستا فایق رستمی؛ ممثل محافظة کردستان فی مجلس خبراء القیادة
-الماموستا عبدالرحمن خدایی؛ الممثل السابق لمحافظة کردستان فی مجلس خبراء القیادة وامام الجمعة لأهل السنة فی سنندج.
-الشیخ قربان محمد اونق؛ عضو مجلس التخطیط لمدارس العلوم الدینیة لأهل السنة والعضو البارز فی الهيئة الفقهیة لأهل السنة فی شمال ایران.
-المولوی الدکتوراسحاق مدنی؛ المستشار السابق للرئیس الایرانی لشوءون أهل السنة.
-الماموستا ملا قادر قادری؛ عضو مجلس التخطیط لمدارس العلوم الدینیة لأهل السنة وامام الجمعة لأهل السنة فی مدینة باوة.
-المولوی الدکتورعبدالرحمن سربازی؛ عضو مجلس التخطیط لمدارس العلوم الدینیة لأهل السنة وامام الجمعة فی مدینة تشابهار.
-الشیخ خلیل افرا؛ عضو مجلس التخطیط لمدارس العلوم الدینیة لأهل السنة ورئیس هیئة الافتاء وعلماء السنة فی محافظة بوشهر.
-المولوی شرفالدین جامی الاحمدی؛ عضو مجلس التخطیط لمدارس العلوم الدینیة لأهل السنة وامام الجمعة تربت جام.
المصدر: وكالة مهر للأنباء.
([113]) الشيخ عبد الرزاق البخاري: مفتي وخطيب الجامع، وعضو المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب، ورئيس الجالية الشرعية العرفانية لأهل السُنة والجماعة..
([114]) هو د. عابد فتاحي، طبیب عیون، ورئیس لتکتل أهل السنة في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني. ممثل مدینة أرومیة، مركز محافظة أذربیجان الغربیة، في المجلس..
([115]) رئيس تكتل أهل السنة في إيران: لا علاقة للتكفيريين بالسنة ولم نختلف مع الشيعة يوماً، موقع المنار، 04-06-2015.
([116]) ما لا تعرفونه عن الحريات الدينية في ايران؟!، علي عوباني، موقع العهد، 10/02/2016.
([117]) هجوم سلفى على «الهلباوى» بعد زيارته إيران، سعيد حجازى، جريدة الوطن، العدد : 1347، 06-01-2016.
([118]) سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (12/ 54)
([119]) صحيفة الإمام، ج21، ص: 381.
([120]) المرجع السابق، ج13، ص: 80.
([121]) المرجع السابق، ج13، ص: 80.
([122]) المرجع السابق، ج9، ص: 160.
([123]) خطابات الخامنئي 2010، ص75.
([124]) خطابات الخامنئي 2010، ص75.
([125]) المرجع السابق، ص75.
([126]) المرجع السابق، ص76.
([127]) صحيفة الإمام، ج13، ص: 79.
([128]) المرجع السابق، ج13، ص: 79.
([129]) المرجع السابق، ج13، ص: 79.
([130]) المرجع السابق، ج13، ص: 80.
([131]) المرجع السابق، ج13، ص: 79.
([132]) المرجع السابق، ج10، ص: 132.
([133]) المرجع السابق، ج10، ص: 132.
([134]) المرجع السابق، ج13، ص: 379.
([135]) المرجع السابق، ج13، ص: 380.
([136]) المرجع السابق، ج13، ص: 381.
([137]) المرجع السابق، ج15، ص: 273.
([138]) خطابات الخامنئي 2010، ص73.
([139]) خطابات الخامنئي 2010، ص73.
([140]) نهج البلاغة الكتاب (53).
([141]) صحيفة الإمام، ج11، ص: 135.
([142]) المرجع السابق، ج20، ص: 260.
([143]) المرجع السابق، ج20، ص: 260.
([144]) المرجع السابق، ج20، ص: 261.
([145]) المرجع السابق، ج20، ص: 261.
([146]) المرجع السابق، ج20، ص: 262.
([147]) المرجع السابق، ج20، ص: 262.
([148]) المرجع السابق، ج20، ص: 260.
([149]) المرجع السابق، ج20، ص: 263.
([150]) خطابات الخامنئي 2010، ص49.
([151]) المرجع السابق، ، ص49.