هل هؤلاء هم العرب؟

هل هؤلاء هم العرب؟

يفخر المسؤولون ورجال الدين السعوديون والخليجيون كل حين، أنهم حماة العروبة، والممثلون لها، وأنهم لذلك يضربون اليمن وسورية وغيرهما ليحموا العروبة، ويحموا معها الإسلام.

وكذلك يفعلون، حين يفخرون بين جميع الأمم أنهم أصحاب الرسالة الخاتمة، وأن رسالة الله الأخيرة التي أرسلها لعباده نزلت بين أيديهم، وبلغتهم، وأنهم أكثر الشعوب فهما لها، وأنهم فوق ذلك أكثر الناس حظوة بها.

وقد جعلهم هذا يرددون من حيث لا يشعرون ما قالته بنو إسرائيل من قبلهم: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18]، ونحن شعب الله المختار، ونحن المصطفون من بين البشر جميعا.

أما القرني والعريفي وهيئة كبار العلماء وعلماء نجد، فهم لا يكتفون بمثل هذا، وإنما يضيفون إليه كونهم المستحوذين على الحرمين الشريفين، وأن الوحي نزل بين ظهرانيهم، وأن الله اختارهم من بين الأمم الجميع لذلك التنزل الشريف.. وأن أرضهم هي الأرض التي وطئتها قدما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأقدام أصحابه من بعده، وأن بلادهم هي النقطة التي توسعت ليتشكل منها جميع بلاد العالم الإسلامي.

وما كان لنا أو لغيرنا أن ننكر كل هذا، ولكنا نتعجب أن يفخر الشخص بما لم تكسب يداه، أو يتصور أن عدالة الله تعالى تفرق بين الناس بسبب أعراقهم التي هو خلقها، أو بسبب بلادهم التي هو أنبتهم فيها.

ولذلك إن تركنا كل تلك المقدسات التي يفخرون بها، وعدنا إلى واقعهم، وحظ حياتهم من تلك المقدسات، فماذا نجد؟

طبعا لا يمكننا أن نفعل ما يفعله الكثير منهم من قراءة البواطن، والبحث عما وراء الكواليس، أو ما تحت الطاولات.. بل نكتفي فقط بما ظهر منهم، ونترك الخفي لله الذي يعلم السر والأخفى.

ونبدأ بقنواتهم الفضائية التي ينشرونها عبر جميع أقمار العالم، ليرى العالم تلك المقدسات التي يفخرون بها، ويتصورون أنهم اختيروا من دون العالم جميعا لتكون من نصيبهم.

وأول تلك القنوات وأشهرها وأكثرها غزوا للبيوت هي القنوات السعودية التي يفخر رجال دينها أن أرضهم هي الأرض التي بثت إشعاع الهداية للعالم أجمع، وينسون أنهم صاروا الأرض التي تبثت جميع إشعاعات التضليل والانحراف والفسوق.

فقنوات الرذيلة [باقة روتانا]([1]) التي يملكها الأمير الملياردير الوليد بن طلال، والتي تغذي كل أذواق الفجور والانحرافات، من أمثال (روتانا سينما، زمان، طرب، خليجية، موسيقى، كليب).. هي الواجهة التي يرى العالم من خلالها صورة العربي، والسعودي والخليجي على وجه الخصوص، ذلك الذي يفخر كل حين أنه يملك الحقيقة المطلقة، ومعها القيم المطلقة، ويصور للعالم أجمع أنه وبدون شك سيكون في الآخرة في جنات النعيم، بينما يكون غيره في نار الجحيم.

وهي بالإضافة إلى قنواتها الفضائية تملك أضخم شبكة إذاعية في المنطقة من خلال توقيع عقود واتفاقيات مع أبرز الإذاعات العربية، ومن خلال إطلاق إذاعات روتانا على الـFM.

وتملك مجلة روتانا للقرّاء الذين يتابعون أخبار المشاهير وآخر الإصدارات، إضافةً إلى دليل الأفلام السينمائية والمقابلات وأحدث المستجدات على الساحة الفنية.

وتملك روتانا كافيه، والذي يعتبر بمثابة موعد يومي للقاء الفنانين ولإطلاق الأسطوانات والإصدارات الجديدة ولتصوير البرامج والعرض المستمر لأحدث الفيديو كليبات، أثناء تناول فنجان من القهوة.. وفي وسط هذا الكافيه، خصّصت روتانا جناحاً لبيع البضائع التي تحمل شعار روتانا كافيه إضافةً إلى آخر الإصدارات والأفلام والأسطوانات والـ CDs لحفلات فنانيها.

وهي بالإضافة إلى ذلك كله تملك علاقات حميمية مع اليهود، فقد كان لها شراكة حقيقية مع إمبراطور الإعلام اليهودي [روبرت ميردوخ]، فالوليد بن طلال ثالث أكبر مساهم في شركة ميردوخ الإعلامية [نيوز كورب] بالإضافة إلى امتلاكه حصصاً لا يستهان بها في شركات إعلامية كبرى كتايم وارنير وديزني.

ويوجد الكثير من أمثال الوليد بن طلال، والذين نهبوا أموال الشعب السعودي والخليجي وراحوا يعبثون بها في أمريكا وأوروبا، وقد أتاح لهم ذلك أن يعيشوا بالقيم الوجودية العبثية بعيدا عن كل الأخلاق العربية الأصيلة.

ثم يأتي بعد ذلك من يكذب علينا، ويقول لنا: إن هؤلاء هم العرب، وهم الذين يمثلون الإسلام.. وهم الذين يمثلون السنة.. أما غيرهم فعجم وفرس ومجوس، ولا يجوز لهم أن يتحدثوا باسم الإسلام، لأنهم لم يدخلوا فيه أصلا.

بينما أصحاب قنوات الفجور والفسوق والانحلال الأخلاقي، ومثلها تلك القنوات الأخبارية التي تبث كل ألوان الفجور السياسي وتدرب عليه، فإنها عندهم قنوات محترمة، لأن أصحابها عرب، ومن أرض الجزيرة، وفي سمائهم نزل جبريل عليه السلام، ومن أرضهم انطلق شعاع الإسلام..

ويأتي أولئك الأئمة المغفلون لا ليحذروا الشعوب المسكينة من تلك القنوات المدمرة للأخلاق، وإنما ليحذروهم من القنوات الإيرانية التي ينعتونها بكونها قنوات الرافضة المجوس، والتي لا نرى فيها إلا مظاهر الاحتشام والأدب والتدين..

وإذا تركنا القنوات الفضائية والعالم الافتراضي، ورحنا إلى أرض الواقع؛ فإننا سنجد العجب العجاب، فقد تحولت بعض المدن العربية إلى مناطق للسياحة اللاأخلاقية، حيث يفد إليها كل المنحرفين والشواذ ليستمتعوا بالإشعاعات الجديدة التي اخترعها العرب بديلا عن تلك الإشعاعات العالية الهادية.

وإذا تركنا ذلك، وذهبنا إلى تلك الجيوش المجيشة، والأسلحة، لنرى لمن توجه، فسنرى العجب العجاب أيضا، فتلك الأسلحة جميعا، والتي اشتريت بمئات المليارات من الدولارات، لم تسقط رصاصة واحدة منها على إسرائيل، وإنما سقطت على سورية والعراق واليمن وليبيا وكل البلاد العربية التي شقيت بكونها عربية.

بعد هذا لا يزال المغفلون يتصورون أن العرب هم بيضة الإسلام وحصنه الحصين وممثلوه الشرعيون والناطق باسمه.. وأنه من دونهم لن تقوم له قائمة.. وينسون فعله تعالى ببني إسرائيل عندما تولوا، فاستبدل بهم غيرهم، وينسون قوله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } [محمد: 38]


([1])  انظر مقالا بعنوان: قنوات mbc – روتانا أدوات الفسق والرذيلة ومحاربة الدين والفضيلة، الشيخ كاظم الصالحي، المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية، نيسان 2016.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *