من صنع الإرهاب في سورية؟

ليس من الصعوبة أن نجيب على هذا السؤال، فهو من أوضح الواضحات، وكل شيء يدل عليه، ومن شاء أن يعود للتاريخ، ويبحث في الوثائق المتوفرة فيه، فسيجد الصانعين الحقيقيين لداعش وجبهة النصرة والجيش الحر وجيش الإسلام.. وغيرها من الجيوش التي تأسست، لا لتحرير فلسطين، والدفاع عن المستضعفين في بورما وغيرها، وإنما لإزالة رئيس شرعي لدولة ذات سيادة.
والذي تولى ذلك بالدرجة الأولى علماء الفتنة والضلالة، أولئك الذين أفتوا بإسقاط النظام السوري، وطلبوا من الجيش الانشقاق، وجعلوا حرب النظام فرضا عي على كل سوري، وعندما لم تفلح كل تلك الفتاوى في القضاء على النظام، راحوا يعلنون النفير العام، ويحرضون كل شباب العالم على أن يذهب لسورية حيث ستستقبله الحور العين وملائكة الجنان.
ولعلكم رأيتم بأعينكم، وسمعتم بآذانكم ذلك المؤتمر المشؤوم الذي عقد في القاهرة لنصرة الحرب على سوريا، والذي نظمه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورابطة علماء المسلمين، ورابطة علماء أهل السنة، ومنظمات إسلامية أخرى في أواخر العهد الذي استلم فيه الإخوان المسلمين زمام الحكم في مصر([1]).
وهو مؤتمر موثق، وكل تسجيلاته لا تزال موجودة، وهي حجة على كل أولئك الذين ألغوا عقولهم، واعتبروا النظام السوري نفسه أو حلفاءه، هم الذين صنعوا الإرهاب.
ويغفلون عن أن ذلك المؤتمر جمع كبار العلماء المثيرين للفتن، ليقوموا بالدعوة إلى النفير العام من أجل نصرة الإرهاب في سوريا، وكان على رأسهم يوسف القرضاوي، وصفوت حجازي، والأمين الحاج، ومحمد العريفي، والدكتور عماد عبدالغفور مساعد الرئيس المصري حينها، والشيخ عبدالله شاكر رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية، والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق مؤسس المدرسة السلفية في مصر، والفريق عبدالرحمن سوار الذهب الرئيس السودانى السابق، وعدد من العلماء والمشايخ من كافة أرجاء العالم الإسلامي.
ومن الكلمات التي ألقيت في ذلك المؤتمر كلمة الشيخ الأمين الحاج رئيس رابطة علماء المسلمين، وهي الرابطة التي يتولى أمانتها العامة الشيخ ناصر بن سليمان العمر، والذي أفتى بأن الجهاد في سوريا واجب على كل مسلم، وعلى كل الشعوب والحكام.. كما دعا إلى تسيير القوافل الجهادية إلى سوريا، مؤكدا أنها قضية الأمة كلها وليست قضية سوريا وحدها.
وهكذا عندما جاء دور القرضاوي للحديث، باعتباره رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، طالب بنفس ما طالب به الأول، ودعا إلى تسيير قوافل المجاهدين، وأكد أن الحرب في سوريا هي حرب ضد الإسلام وأن الجهاد فيها واجب، وأن على على البلاد العربية أن يظهروا عروبتهم وإسلامهم في دعم سوريا، منتقدًا حكام العرب في صمتهم على الإبادة التي تحصل في سورية، وكان من ضمن حديثه قوله: (حزب الشيطان دخل سوريا علنًا جهارًا ليقتل أهل السنة بالقصير، ولابد أن يقف العرب موقفًا رجوليًّا ضد الطائفية التي تريد قتل السنة، فكيف نقبل ذلك يا عرب، يجب أن يكون موقفكم صريحًا، وأن تتحملوا المسئولية؟)
بل إنه لم يكتف بالنفير العام من المسلمين، بل طلب من جميع دول العالم أن تسير جيوشها لسورية، وحثها على التحرك العسكري في سوريا، مؤكدًا أنه واجب على أحرار العالم والأمم المتحدة والمنظمات الدولية الوقوف بجانب الشعب السوري، وأشار إلى أن الأمة الإسلامية مستعدة للتضحية والجهاد، وأنه لابد للشعوب الإسلامية من المناداة بالجهاد للدفاع عن دين الله وشريعته.
وحينها، وحين امتلأت القلوب أحقادا وضغائن، قام صفوت حجازي نائب رئيس رابطة علماء أهل السنة حينها؛ فدعا إلى قافلة للجهاد في سبيل الله، مؤكدا أن نظام بشار الأسد (مجرم وكافر، خرج من الإسلام بمكفرات)
بل إنه راح يستعرض عضلاته بين أعضاء المؤتمر، فذكر أن لرابطة علماء أهل السنة التي يتولى نيابة رئاستها قصب السبق في تشكيل كتائب للجهاد على أرض سوريا، داعيًا جموع المسلمين لتشكيل هيئات لدعم سوريا بالسلاح والرصاص والمال قائلا: (نحن لسنا أقل من الرافضة أو المنظمة الإرهابية المسماة بـ [حزب الله] والمرتزقة الذين يحتلون أرض سوريا الآن)
وبعده تحدث العريفي بنفس ما تحدث به سابقوه، وراح على طريقته في التحريض والإثارة يقول: (إن الصحابة والتابعين سكنوا في الشام ومنهم خالد بن الوليد وعبادة بن الصامت ومعاذ بن جبل وعبيدة بن الجراح وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عمرو بن العاص ومعاوية بن أبى سفيان و900 صحابى إما سكنوها أو دفنوا فيها واليوم مساجد سوريا تهدم وأطفال سوريا تقتل)
وكان الرئيس المصري الإخواني محمد مرسي حينها حاضرا، وكان يستعد لإدخال الجيش المصري في مثل تلك المعارك، ليجتمع مع كل أولئك الإرهابيين في معركة واحدة..
هذا مجرد نموذج عن تلك الأحقاد التي كان الإسلاميون يوزعونها في تلك الفترة التي أتيح لهم فيها الحكم في مصر وتونس وغيرها.. وكان الشباب الغر المسكين يستمع لتلك التوجيهات، وتغره تلك الدعاوى، فيترك أهله المشفقين عليه، ودراسته التي لم يكملها، وعمله الذي يحتاجه، ثم يذهب لسورية.
وفي سورية طبعا لن يذهب إلى أولئك السكارى المنحرفين الذين لا علاقة لهم بالدين، وإنما خرجوا لحرب سورية طمعا في أموال الخليج، وإنما يذهب إلى أولئك المتدينين أصحاب اللحى الطويلة، فالحور العين عندهم لا عند غيرهم من العلمانيين والليبراليين.
وبعد أيام قليلة يجد نفسه تابعا لداعش أو النصرة أو لواء الإسلام أو جيش الإسلام.. وبعد فترة قصيرة يسمع القرضاوي نفسه وكل أولئك الدجالين الذين حرضوه على ترك أهله وعلمه وعمله، يعتبرونه إرهابيا، ويعتبرون النظام السوري والإيراني هو الذي جاء به، وهو الذي دربه، ليقوم بتشويه الثورة السورية.
لست أدري المنطق الذي يفكر به هؤلاء.. فكل
شيء عندهم مقلوب.. فهم يبرئون كل أولئك المحرضين الذين ملأوا القلوب أحقادا على
النظام السوري وجيشه ومؤسساته، وأصدروا الفتاوى في ذلك، بل جندوا الجنود لذلك.. في
نفس الوقت الذي يتهمون فيه النظام السوري، بكونه جاء بأولئك الشباب من كل أنحاء
العالم ليخرب بلده، ويملأها بالفوضى.
([1]) انظر: مؤتمر العلماء لنصرة سوريا: قوافل جهاد وقوافل دعاة إلى سوريا، موقع المسلم، 4 شعبان 1434..