من سرق مصانع حلب؟

من سرق مصانع حلب؟

من أراد أن يعرف بعض أسباب الصراع الذي جرى في سورية، ويحقق فيه تحقيق الصادق، لا الكاذب أو المخادع، فليبحث في تاريخ حلب قبل الفتنة وبعدها.. ليرى حقيقة ما حصل في سورية، وهل كان ثورة وربيعا عربيا، أم كان مؤامرة إجرامية خطيرة، أشرفت عليها عصابات من الشياطين، ثم راحوا يدفعون رشاوى لرجال الدين والإعلام ليستروا على جرائمهم، ويحولوا الضحية مجرما، والمجرم بطلا.

كانت حلب الشهباء ـ كما يطلق عليها ـ قبل تلك المؤامرة الإجرامية أكبر المحافظات السورية من حيث تعداد السكان، وكان فيها علماء وصوفية كثيرون، وهي مشهورة في جميع البلاد العربية بأناشيدها الصوفية الممتلئة بالرقة والعذوبة والجمال.

وكان لها مع ذلك العلم والروحانية نشاط تجاري واقتصادي كبير، ولم تكن تستورد الصناعة كما تفعل الكثير من البلاد العربية، بل كانت تنتجها، وكان منتوجها يصل إلى مناطق كثيرة في العالم، بما فيها الجزائر، حيث كنا نتوافد على منتوجاتها المتقنة والمصممة بتصاميم غاية في الروعة.

وقد كانت كل تلك الصفات التي تتوفر عليها محل إعجاب الكثير، حتى قال نزار قباني فيها:

كل الدروب لدى الأوربيين توصل إلى روما

وكل الدروب لدى العرب توصل إلى الشام

وكل دروب الحب توصل إلى حلب

ومن مزايا أهل حلب أنه عند بدأ الفتنة، كان لهم من الوعي ما أبعدهم عنها؛ فلم يخرجوا في مظاهرات، ولم يرفعوا شعارات المطالبة بسقوط النظام.. حتى أن محمد حسنين هيكل قال لمذيع الجزيرة حينها: ما دامت دمشق وحلب لم تتظاهرا، فلن نتجح الثورة التي تحرضون عليها.. وذكر له أن حلب هي مستودع سكاني ضخم، وبالتالي هي الأولى بأن تمثل سورية لا غيرها من المناطق محدودة السكان.. والحديث موجود على النت لمن يريد أن يشاهده، ليتحقق من حقيقة ما جرى..

لكن المجرمين واللصوص الذين اتفقوا على أن يحولوا من سورية كعكعة يتقاسمونها، راحوا يرسلون بأولئك الحمقى المغفلين، وبأسلحة متطور جدا، إلى حلب وغيرها، وسرعان ما تحول جزء كبير من حلب إلى مقاطعة من مقاطعات القاعدة والنصرة وداعش وجيوش قطر والسعودية وغيرها، لتقام فيها الدولة الإسلامية الوهابية، بدل دولة الصوفية التي كانت قائمة بها.

وعانى الحلبيون الأمرين، خاصة وهم يرون مصانعهم تنهب، وأضرحتهم تدمر، وبشرهم يقتلون..

وكان لتركيا الطامعة في سورية اليد الطولى في ذلك، فقد ذكرت التحققات([1]) التي جرت قبل بضع سنوات، أنه نقل نحو 1500 مصنع من حلب إلى الأراضي التركية تشمل صناعات النسيج والأقمشة والملابس الجاهزة والأحذية والأدوية وغيرها، وكان ذلك سببا لتشريد الكثير من العمال، وخروجهم من سوريا، ليصبحوا متسولين في شوارع المدن العربية، ولتستفيد الصناعة التركية من القدرات الحلبية، وفي نفس الوقت تتخلص من المنافس القوي لها.

وكان قد سبق ذلك تدمير الصناعة السورية في حلب، بافتعال الحرائق ليتم تشريد آلاف العمال الذي كان معظمهم من أرياف إدلب لتقذف بهم إلى رصيف البطالة، فتتلقّفهم كتائب المجموعات الإرهابية مقابل راتب موعود، يموّل عبر خطف ونهب صناعيي وتجار حلب ومهنييها.‏

ثم توالت عمليات الاستيلاء على المعامل ونهبها وخطف الصناعيين لتكرّ السبحة بعد ذلك بخطف المئات من أثرياء حلب وأطبائها وأبنائهم وبناتهم مقابل الفدية، وقطع الطرقات، وتوقّف السكك الحديدية وأنابيب المشتقات النفطية، وتعرّض القوافل التجارية التي تحمل المواد الأولية والسلع المصنعة للنهب، لتبدأ مرحلة دفع [الخوات] لمتزعمي الإرهابيين، اتقاءً لحرقها ومقابل عدم التعرض لها أو لأصحابها.‏

وقد حصل هذا كله بالتزامن مع فتح الحدود التركية على مصراعيها للإرهابيين والسلاح، ولتبدأ بالتصاعد الهجمات على المعامل والمنشآت وفرض الأتاوات على أصحابها، والسطو على الأملاك الخاصة والعامة على محور حلب ـ إعزاز.‏

هذا ما فعلته تركيا الجارة الصديقة والشقيقة، والتي يسبح الإخوان المسلمون وغيرهم بحمدها صباح مساء، ويذكرون أن أردوغان بكى عندما سمع القرآن.. وعندما مر بيتيم مسح على رأسه.. وعندما رأى علم بلده في الشارع مرميا مسح عليه ووضعه في جيبه..

ويضحكون على الذقون بمثل هذه الكلمات، وينسون كل تلك الجرائم التي تسبب بها لحلب المظلومة المسكينة..

ولم تنته المسرحية عند هذا الحد.. بل إنه عندما أراد النظام السوري أن يستعيد حلب، وهو حق شرعي وطبيعي وأخلاق، واستعمل الوسائل المتاحة لذلك، قامت قيامة العالم، وذكروا أن بشارا يقتل شعبه، من غير أن يحققوا، ولا أن يبحثوا في الأسباب.. متناسين أن الجميع، وأولهم تركيا كانت تطمح لضم حلب إليها، أو إخراجها عن سورية، ليبتر عضو مهم من أعضاء سورية.

فتعسا للمجرمين الذين دمروا حلب وسرقوها.. وتعسا لأولئك الذين لا يزالون يغلقون عيونهم، ويصمون آذانهم عن الحقيقة.. وهنيئا لدماء شهداء الجيش السوري وحلفائه الأبطال الذين رووا بدمائهم أرض حلب حتى خلصوها من المجرمين.


([1])  انظر: مقالا بعنوان: آلاف المعامل في حلب سرقها الإرهابيون بتنسيق وإشراف مخابرات السفاح أردوغان، سائد الراشد، جريدة الثورة،  بتاريخ : 18-12 -2016.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *