لماذا يستهدف الجيش السوري؟

هذا السؤال الوجيه هو أول سؤال يخطر على بال أي عاقل ليفهم جيدا ما يجري في الواقع، وقبل أن يجيب عليه لا يمكنه أن يفهم أبدا ما يجري من أحداث على أرض سورية الحبيبة.. ذلك أن لهذا الجيش، وفي تلك المنطقة الحساسة من العالم الإسلامي خصوصيات كثيرة جعلته مستهدفا دون سائر الجيوش العربية.
فالجيش السعودي لم يستهدف في يوم من الأيام، بل إن أمريكا وأوروبا تتنافسان على تسليحه بكل أنواع الأسلحة، بل تستعمله وسيلة لكسب الأموال الكثيرة، والقضاء على البطالة، وتدخره لأي فتنة تريد إيقاعها في أي بلد إسلامي، كما يحصل الآن في اليمن.
والجيش الأردني، لم يستهدف لأن قيادة بلده تقوم بتطبيع مع إسرائيل، تجعلها في مأمن من كل فتنة، فصمام الأمان هو العلاقة مع أمريكا وإسرائيل، وأذنابهما في المنطقة.
والجيش التركي لم يستهدف، لعلاقته الوطيدة بالناتو؛ فهو رابع أقوى جيش في حلف الناتو، بالإضافة إلى ذلك، فإن له علاقة استراتيجية كبرى وقديمة مع إسرائيل، وهو كذلك لم يقم بأي حرب في وجهها، فالعلاقات بين إسرائيل وتركيا تأسست عام 1949 عندما أصبحت تركيا تعترف بدولة إسرائيل، ومنذ ذلك الوقت، أصبحت إسرائيل هي المورد الرئيسي للسلاح لتركيا، وحصل بينهما الكثير من التعاون في المجالات العسكرية، والدبلوماسية، والاستراتيجية، وغيرها.
وهكذا نجد الكثير من الجيوش لم تستهدف لهذه الأسباب.. إلا الجيش السوري، وهذا يدعونا إلى التساؤل عن سر ذلك.. وعند البحث الموضوعي عنه، نجد ثلاثة أسباب كبرى([1]):
أولها.. أنه الجيش الذي لم يغب عن أي حرب وقف فيها العرب ضد إسرائيل ابتداء من حرب 1948 (الحرب العربية الإسرائيلية)، ومرورا بحرب 1967 (حرب حزيران أو حرب الأيام الستة)، وبعدها ما يسمى بحرب الاستنزاف (ضد إسرائيل)، وانتهاء بحرب تشرين التحريرية (حرب أكتوبر) عام 1973.
وفي كل هذه الحروب بذل الدماء الكثيرة وقدم التضحيات الكثيرة، وحقق الانتصارات الكثيرة، وحمى الأمة من مشروع إسرائيل الكبرى الذي لم يكن يطمع فقط بفلسطين، بل كانت عينه تمتد لكل دول المنطقة.
أما ما حصل من هزائم لتلك الجيوش؛ فهو لا يتحملها، والجيش لا يحاسب على الهزائم، وإنما يحاسب على القعود وعدم المواجهة.. وإسرائيل كانت أكثر تطورا في المجال العسكري، وكان معها أمريكا وأوروبا وتركيا.. وجميع البلاد التي تشن الحرب الآن على سورية وجيشها البطل.
وثانيها.. أن هذا الجيش، وإن توقفت حروبه مع إسرائيل إلا أنه لم ينه المعركة معها؛ فقد استفاد من تجاربه السابقة، وهو لا يريد أن يخوض معها استعراضا عسكريا، ومجازفة غير محسوبة، ولهذا راح يحضر نفسه ليوم الملحمة الكبرى، وعقيدته المقاومة لا تزال هي نفس العقيدة، وهذا ما يغضب أعداءه الذين يريدون منه أن يصير حرسا ملكيا، مثل جيوش الدول المجاورة.
وثالثها.. أن هذا الجيش كان حليفا للمقاومة بكل أطيافها وألوانها حتى أنه ساهم في تدريب المقاومة الإسلامية مع كون بعضها يتبنى أيديولوجيات يختلف معها، وخاصة تلك التي كان لها علاقة بالإخوان المسلمين، ولكن الجيش السوري يجعل من الصهيونية العدو الوحيد، والأكبر الذي يستهين معه بكل عداوة أخرى.
ورابعها.. أن هذا الجيش كاسمه [الجيش العربي السوري] جيش موجه لخدمة الأمة جميعا، وليس لسورية وحدها، ولذلك ناضل مع جميع القضايا العربية.. فقد ساهم في رد العدوان عن لبنان عام 1982، وساهم في حفظ الأمن والاستقرار فيها عقب الحرب الأهلية اللبنانية (قوات الردع العربية)، والتي حققت استقرارا دام أكثر من 20 عاما في لبنان.
وهو لا يعني بالعربية تلك العنصرية المقيتة التي يتبناها قرن الشيطان، بدليل حلفه الاستراتيجي مع إيران، وعدم وقوفه مع العرب الذين حاربوها، وإنما يعني بها الوقوف مع المنطقة العربية التي كانت عرضة لمطامع الاستعمار والاستكبار العالمي بغض النظر عن أعراقها ولغاتها.
هذه بعض الأسباب التي جعلته مستهدفا من قديم.. ولعل
أهمها هو أنه لم يمد يده بالتحالف مع أي عدو من أعداء الأمة، لا الناتو ولا
الصهيونية ولا أذنابها في المنطقة.. ولو أنه فعل ذلك لحمى نفسه من تلك التشويهات
التي شوه بها، ومن تلك الحروب التي أعلنت عليه.
([1]) انظر المعلومات الواردة هنا من مقال بعنوان: محطات من البطولة والتضحية دفاعاً عن الوطن ووحدته..وملاحم تاريخية في دحر الإرهاب، مقال بجريدة الثورة، 1-8-2016..