لماذا فشل الإخوان في الوصول إلى الحكم؟

لماذا فشل الإخوان في الوصول إلى الحكم؟

أبادر الذين يستاءون من أمثال هذه العبارات، ويتصورون أنني أتحامل على من يسمون أنفسهم [إسلاميين] أو [حركيين] أو [إخوان مسلمين]، بأنني لست متحاملا، ولا حاقدا، ولا أحمل لهم في تلك العبارة أو غيرها من العبارات إلا كل معاني الرحمة والمودة واللطف والنصيحة.. وأني لا أفعل معهم سوى دور ذلك الطبيب الذي يصف الحالة، ويشخصها، ليستعمل المريض بعدها ما يعيد به إلى نفسه الصحة، فهل يكون الطبيب ناصحا إن كذب على مريضه، وكتم عنه مرضه، وأخبره أنه بصحة جيدة؟

وقد كان الأولى بأن يكتب هذه العبارة الإخوان أنفسهم، ليتساءلوا عن سر ذلك التأخر عن تحقيق هدفهم في إحياء الخلافة، أو في تأسيس الدولة القطرية ذات الصبغة الإسلامية، وليحددوا من خلال ذلك مسارهم الجديد وفق مراجعات علمية منضبطة بضوابط الشريعة.

وطبعا هم لم يقصروا في ذلك.. لكن مشكلتهم أنهم عندما يكتبون في ذلك ينظرون إلى سياط الخارج التي كانت تمتد إليهم كل حين، ويعتبرونها العائق الذي حال بينهم وبين الوصول إلى السلطة، وينسون ثغرات الداخل وعقباتها التي كانت تقوض مشروعهم كل حين.

وأول عقبة من عقبات الداخل هي نياتهم وإرادتهم التي لم تنطلق من الدعوة إلى الله، وإنما انطلقت من الدعوة إلى الأنا.. ويستحيل أن ينصر الله من يدعو إلى الأنا.. وهذا يتجلى واضحا في كل شيء، وأولهم اسمهم [الإخوان المسلمون]، فهذا الاسم عام لكل المسلمين، مهما اختلفت مذاهبهم ورؤاهم، لكنهم حولوه إلى أنفسهم، وذواتهم وجماعتهم.

ولم يكتفوا بذلك.. بل كانت كل دعوتهم إلى أنفسهم.. فهم لا يريدون من الناس أن يلتزموا بالدين عقيدة وشريعة فقط، وإنما يريدون منهم فوق ذلك متابعتهم، والتحول إلى عضو من أعضاء جماعتهم، ليكثر سوادهم؛ فهم لا يفرحون لشيء كما يفرحون بتكثير سوادهم، ولهذا كانوا يخرجون في كل حين إلى الناس بكل زينتهم، ليظهروا أنفسهم، ويبينوا مدى قوتهم وشعبيتهم.

وقد كان ذلك سببا في توجس أهل السلطة منهم، خاصة وهم لا يكتفون بالدعوة إلى الإسلام، وأخلاقه وشرائعه وشعائره، وإنما يضمون إليه التحذير من الحكام وسبهم وشتمهم، واعتبارهم مناوئين لشريعة الله.

وذلك طبعا مما يثير الحكام، وحق لهم أن يستثاروا، لأن ذلك سيهدد السلم الاجتماعي، بل قد يهدد الأمن القومي.. ولذلك كانوا يبادرون كل حين إلى اعتقالهم، لإسكاتهم، وإخماد ذلك الشغب الذي يثيرونه حيث حلوا.

وقد كان في إمكانهم بدل ذلك كله أن يكتفوا بتوعية الناس وتربيتهم، من غير أن يصارعوا أحدا من الناس، ولا أن يسجلوا أحدا معهم في قوائمهم التي يسرت على الحكام الوصول إليهم كلما أرادوا.

وكان في إمكانهم أن يطرحوا مشاريعهم بكل هدوء على كل الأحزاب، وأي حزب وقف معهم ناصروه، وأيدوه، وانتخبوا عليه.. لكنهم لم يفعلوا لأن هدفهم ليس وصول مشروعهم إلى السلطة، وإنما وصولهم هم بأعيانهم إليها.

ولهذا لم ينصرهم الله تعالى، فالله لا ينصر إلا من ينصره، ويتخلى عن ذاته، وتخلص دعوته إليه، لا يريد منها جزاء ولا شكورا، فإن شاء الله أن يمكنه مكنه، وإن لم يشأ أكمل دوره الدعوي الإصلاحي المملوء بالسلام.

طبعا هذا الكلام لن يروق الإخوان لأنهم يريدون دائما أن يصوروا أنفسهم مظلومين لا ظالمين، ومحقين لا مبطلين، مع أنه لم يشوه سماحة الإسلام، مثلما شوهوها؛ فهم الذين استعملهم الغرب لضرب الداخل الإسلامي، ففي سورية ألوية من ألويتهم، وجيوش من جيوشهم، وفي مصر لا تزال أحقادهم على الجيش المصري غضة طرية، لم يمكنهم إخفاؤها، فقد تخلوا عن شعار [الإسلام هو الحل]، وصار الشعار عندهم هو [مرسي هو الحل]

هذه الأسباب الجوهرية المتمثلة في غلبة الأنا، وحب الصراع هي السبب في كل ما حصل لهم من أنواع الفشل على مدى ما يقرب من قرن من الزمان، فهل آن لهم بعد كل هذه المحن أن يراجعوا أنفسهم، ويستعيدوا وعيهم، ويجنبوا المسلمين جرائر أعمالهم، ويكتفوا من الدعوة إلى الله بالدعوة لله في إطار الأخوة الإسلامية العامة، بعيدا عن الصراع مع أي كان إلا الصراع مع الشيطان.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *