علي الظفيري.. وأولياء الأمور

علي الظفيري.. وأولياء الأمور

ربما تعرفون ذلك الإعلامي السعودي المدعو [علي الظفيري]، ذلك الذي كان يعمل في قناة الجزيرة، وكانت له برامج فيها، ولم يترك كلمة نابية في حق سورية إلا ونطق بها، ولم يترك تهديدا ولا وعيدا إلا رمى به في وجوه الملايين أو عشرات الملايين الذين كانوا يجلسون بين يديه كما يجلس المريد مع شيخه، متأثرين بشهامته ونبله ودفاعه عن الشعب السوري المظلوم، وحنقه الشديد على نظامه وجيشه ومؤسساته.

وكانوا يرون ملامح وجهه، وهي تمثل كل أدوار النفاق والخداع، وربما الكثير بنى من كلماته ركاما من المواقف..

وكان مع الجزيرة، ومع قطر التي تديرها في كل مواقفها، فحيثما أرادت أن تثير الفتنة في دولة من الدول استدعته مع طاقمها ليمارس دوره بكل احترافية..

وبقي على هذه الحال خمسة عشر عاما، يمارس دور المرتزق في فن النفاق والخداع.. لكن وبعد أن حصل الشقاق بين المملكة التي ينتمي إليها مع الإمارة التي يرتزق منها، وينفذ مشاريعها، راح يقدم استقالته، لأن بلاده قررت أخيرا أن قطر دولة إرهابية..

والعجيب أن هذا الصحفي الذي كان يصرح كل حين بضرورة التخلص من الرئيس السوري والليبي والمصري.. وكل رئيس لا يرضى عنه أمير قطر، أو أمراء الخليج، هو نفسه كتب في تغريدة يقول: (طاعةً لله وولاة الأمر حفظهم الله، وانحيازاً للوطن والتزاماً بسياساته وقوانينه، أستقيل من قناة الجزيرة، متمنيا التوفيق لكل أهلي وزملائي هناك)

لا تستغربوا من هذه التغريدة، فهذا هو نفسه الذي كان يدعو كل الشعوب لتتمرد على حكامها.. وتثير الفوضى في سبيل ذلك حتى تنال حريته..

لكنه لم يكن يقصد بلده، ولا بلاد الخليج تلك البلاد التي لا يصح أن يطالب أحد فيها بالحرية، لأن قدر أهلها أن يستعبدوا طاعة لله ورسوله وأولياء الأمور.

هذا مجرد مثال عن قذارة من قذارات تلك الجزيرة التي كنتم ولا زلتم تعبدونها وتتفرجون عليها كل مسرحيات الكذب والخداع على سورية وعلى ليبيا وعلى كل البلاد المستضعفة.. فهل يمكنكم أن تثقوا في أحد آخر بعد هذا؟

للأسف مرت تغريدته واستقالته وعودته إلى حضن ملكه وأمرائه، وكأنه لم يفعل شيئا.. لأن شعوبنا تعودت أن تنسى كل الجرائم التي ارتكبت في حقها، بل تستضيف مجرمين جددا، لتعاود الكرة معهم، فالقابلية للإجرام أصبحت طبعا، لا يمكن الفكاك منه، ولا تهنأ الحياة إلا به.

وإذا طلبت من أحدهم أن يذهب إلى قنوات أخرى، ليكتشف الحقيقة، يقول لك بلسان طويل: تلك قنوات موالية للنظام، أو للأنظمة، وكأن قناة الجزيرة، وتلك القنوات التي تصدر لها الأوامر من البيت الأبيض والقواعد الأمريكية قنوات معصومة، وكل من فيها أنبياء مرسلون، أو أولياء محفوظون، أو أئمة مطهرون.. وكأنهم يستقون معلوماتهم من اللوح المحفوظ لا من شهود العيان وشهود الزور.

طبعا لم يكن علي الظفيري وحده من فعل ذلك.. بل كل من كان يعمل في تلك الجزيرة من السعودية وغيرها راح يقدم استقالته، ذلك أن طاعة أولياء الأمور عندهم واجبة، باعتبارهم ملوكا ورثوا الملك كابرا عن كابر، أما طاعة الشعوب لحكامها، فحرام، بل الخروج هو الواجب عليهم، حتى لو دمروا كل شيء يملكونه، فحريتهم أغلى من كل شيء.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *