عزمي بشارة.. والصهيونية العربية

عزمي بشارة.. والصهيونية العربية
لم يكن برنار هنري ليفي ـ الفيلسوف الفرنسي اليهودي ـ وحده الصهيوني الذي اخترق الإعلام العربي والحركات الإسلامية، بل هناك أيضا [عزمي بشارة]، وهو أخطر منه بكثير، ذلك أن ليفي اقتصر على نخبة محدودة، وشعوب معينة، أما عزمي بشارة، فقد دخل كل بيت، وساهم في غسل كل العقول التي أدمنت على الجزيرة، واستسلمت لتوجيهاتها.
وعزمي بشارة هو ذلك الفلسطيني الذي تخلى عن فلسطينيتة وعروبته، منذ أقسم على الولاء لإسرائيل([1]) في شبابه الباكر عندما انضم للحزب الشيوعي الإسرائيلي، فى مطلع سبعينات القرن الماضى.. ثم حين أصبح بعدها عضوا في الكنيست الإسرائيلي ولثلاث مرات.. وكل هذه المناصب لا تتاح إلا لمن أظهر ولاءه التام للصهيونية، وتبناها، لأنها لا تتبنى إلا من تبناها.
بالإضافة إلى ذلك، فقد ولد في عائلة آثرت أن تقيم الكثير من أواصر المودة مع الصهاينة المغتصبين للأرض الفلسطينية، وقد ورد في السيرة الذاتية لحياته([2]) أن أباه [أنطوان] كان نشيطا في الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وكان متحمسا لقرار التقسيم، أما أمه المدرسة، فقد عُرفت بعلاقاتها المشبوهة مع أجهزة الأمن الصهيونية.
وقد عمل عزمي ـ أثناء حصوله على عضوية الكنيست الصهيوني ـ نائباً لرئيس معهد فان لير الصهيوني، وهو معهد متخصص في الواقع الصهيوني ومستقبله، ورسم السياسات ودراسات الهوية وقضايا المجتمع.
وكان المعهد، وقبل تولي عزمي بشارة ذلك المنصب الحساس فيه، أصدر دراسة شهيرة بعنوان (إسرائيل على مشارف القرن الـ21)، حددت الغايات والأهداف القومية للكيان الصهيوني.
ومن الأيديولوجيات التي تبناها: (العمل على زرع ونشر عوامل الفرقة والتشتت والتحزب الفكري في البلدان العربية، وبما يؤدي إلى زيادة التطرف الديني والطائفي والعرقي، والقضاء على فكرتي القومية العربية والتضامن الإسلامي وإحلالهما بفكرة التعاون الإقليمي الشرق أوسطي، وتوظيف الأصولية الإسلامية وأيديولوجيات الأقليات في المنطقة لصالح الكيان الصهيوني، وذلك في تعاون وثيق مع قوي التطرف الصليبي في العالم)
وتنسب التقارير له الكثير من الأطروحات التي تبناها الإسلاميون إبان الحراك العربي، بل إنه سبق وأن تحدث عنها خلال عمله في المعهد الصهيوني، في مقالة له بعنوان: [الفوارق بين السياسة الدينية والتدين السياسي]
ولذلك فإن كل الطروحات التي نسمعها من الجزيرة وغيرها من القنوات، كان قد خطط لها سابقا، قبل أن تقوم بعملية غرس ثقافي لعقول الذين يجلسون أمامها ويسلموها عقولهم، ثم يتصورون أن تلك الطروحات التي جاء بها عزمي بشارة وغيره طروحات إسلامية.
وقد ورد في بعض التسجيلات المسربة بين بشارة ووضاح خنفر المدير العام المقال لقناة «الجزيرة» خلال شجار بينهما بحضور اثنين من العاملين في الجزيرة، عندما احتج وضاح بشدة على تدخلات بشارة في إدارة قناة الجزيرة وقيامه بتوجيه العاملين فيها، وهو ما اعتبره وضاح استخفافا مباشرا به كمدير عام للقناة.
حينها قال خنفر أثناء الشجار بعد أن وصل غضبه حدا فقد فيه السيطرة على نفسه: (أنا باعرف أنك يا عزمي تمثل الموساد في قطر، وأن انتقالك إلى قطر جاء نتيجة اتفاق بين الأمير حمد ورئيس الوزراء الإسرائيلي لتنفذ دورا ما!)
فما كان من بشارة إلا أن رد بهدوء قائلا: (لاتتقوى بسادتك في المخابرات الأمريكية فسوف أربيك وأعلمك الأدب، وعدم ترك لسانك الوسخ يتلفظ بكلام سوف يؤدي إلى قصة)
فرد عليه وضاح بعصبية أشد وهو لا يعلم حجم ومدى تغلغل الموساد في قطر قائلاً: (سنرى من سيبقى في قطر أنا أم أنت؟)
وبعد يومين اتصلت شخصية إسرائيلية كبيرة بأمير قطر هاتفيا، وأبلغته انزعاجها من قيام وضاح خنفر باتهام عزمي بشارة بأنه عميل للموساد أمام اثنين من العاملين في الجزيرة، وقال له: (إن وضاح أرعن وأنه -أي المسئول الإسرائيلي- اتصل بالمخابرات الأمريكية وأبلغها احتجاجها على ما قام به وضاح خنفر من تعريض عزمي بشارة للخطر الشديد، وبعد الاتصال مباشرة أمر أمير قطر بإقالة وضاح خنفر فورا وطرده من قطر، إلا أن وزير الخارجية حمد بن جاسم توسط لأجل إبقائه والمحافظة على كرامته فقبل أمير قطر مقترح وزيره)
والتقارير الدالة على كونه عميلا صهيونيا كلف بإدارة الحراك العربي، كثيرة جدا لا يمكن ذكرها في هذا المقال القصير، ولذلك نكتفي بوصف بعض المقربين منه، والعارفين به قبل أن يتبوأ ذلك الدور الخطير في تحريك الشعوب العربية، وهي كلها تتفق على أنه ـ ككل شخصية تستثمر في هذا المجال ـ (شخصية متعجرفة وأنانية وتستغل الأبعاد الطائفية لمصلحة بقائه رأساً في سلم التجمع)
وقد وصف عبد الله نمر تجربته معه أثناء الترتيب للانتخابات المحلية للأحزاب العربية داخل الكيان الصهيوني، فقال: (تجربتي مع هذا الرجل عزمي بشارة أنه سريع الغضب، متكبر، استعلائي، دكتاتوري في قراره، لا يلتزم بالأخلاق، أخلاق الصحبة، ولا يرد المعروف لأصحابه إلا بالنكران)
ووصف الدكتور عادل سمارة أخطر ما فيه، فذكر (قدرته على اكتساب الشخصية الأكثر سوقاً ورواجاً وفي الوقت المناسب. ناهيك عن استعداده وقدرته بحكم الثقافة على التلون والتكيف بشكل عام. هنا تعود إلى الذهن مسألة المثقف العضوي الثوري، والمثقف المرتشي والمنسلخ عن طبقته وحتى أمته بحيث يصبح مثقفاً عضوياً بالمعكوس أي لصالح نظام الحكم والطبقة التي كان يفترض أن يكون معادياً لها. هذا اللون من المثقفين هو مثقف المرحلة المهزومة ومقتضياتها)
أما الكاتب عاطف الجولاني، فقد وصفه بقوله: (إن بشارة الذي كان عضواً في حزب راكاح (الحزب الشيوعي الإسرائيلي)، الذي يعترف بالكيان الصهيوني بكل فخر، وبالتالي فهو حزب غير قومي بغض النظر عن وجود عناصر كثيرة طيبة في أوساطه، لكن بشارة غادر هذا الحزب ليولد من جديد كقومي متحمس! ولكنه قومي من طراز عضوية الكنيست التي تقسم الولاء لدولة اليهود، وتظل قومية تطالبنا بالتصفيق لها.. وفوق هذا وذاك يرأس بشارة نفسه منظمة [مواطن] في رام الله وهي منظمة غير حكومية ممولة من الإدارة الأمريكية وحكومة ألمانيا. ومن المهم الإشارة إلى أنها أدوات تطبيع مع الكيان وتسويق الهيمنة الامبريالية في الوطن العربي، وهكذا يجمع د.بشارة بين التمويل الصهيوني لحزبه كونه عضو كنيست، وبين القومية العربية، والتمويل الأمريكي، وتقديم تقارير عن الوساطة بين الحكومة الصهيونية والنظام السوري، والمنظمات غير الحكومية والصداقة مع السوريين)
أما الأستاذ [زاهد عزت]، وهو من المقربين جدا من بشارة، بل هو ساعده الأيمن، فقد قال عنه: (إن هناك الكثير من الأخطاء الكامنة المستترة في مسيرته تحت ستار [المخفي أعظم]، لقد حصل الدكتور عزمي على أول دفعة دعم دولاري من صندوق فورد وهو صندوق أمريكي له زبانيته الخصوصيين… كانت الدفعة الأولى على ما جاء على لسان مقربيه بقيمة 4 ملايين دولار…)
وقال: (إن من عملوا وما زالوا يعملون مع الدكتور عزمي في حزبه وجمعياته يعرف أن هناك الكثير من علامات الاستفهام حول النجاحات الإعلامية الخارقة التي حققها خلال عشر سنوات ظهوره السياسي المباشر.. إن من عملوا أو ما زالوا يعملون مع د.عزمي في حزبه وجمعياته المنتشرة في الجليل، الناصرة وحيفا خاصة، يعرف الكثير مما قد يقوم به أو يرتكبه هذا المفكر العربي الكبير وكواحد ممن عاصروه وعملوا إلى جانبه فيما بين 1995 – 1996.. أي أيام التحالف بين الجبهة وحزبه.. إذ وصفه أمامي بأنه تحالف استراتيجي، جاء ليصد الهجمة الأصولية للحركة الإسلامية)
أما الكاتب [نارام سرجون]، فقد اعتبر دوره في الحراك العربي، وخصوصا في سورية بأنه لا يقل عن دور الفوهرر الألماني في برلين، حيث أن الفوهرر يعتبر نفسه الزعيم المفكر للأمة الذي يقودها إلى السعادة والخلاص، ويتحمل وحده مسؤولية القرار..
هذه بعض شهادات المقربين منه، والتي تصف شخصيته بدقة،
وهي الشخصية التي طبع عليها المواطن العربي، لأن عزمي بشارة عبر توجيهاته
المباشرة، أو من خلال تدريبياته لصحفيي الجزيرة، لم يكن ينقل للجمهور إلا صورة عن
شخصيته الممتلئة بالصراع، ولذلك صرنا لا نرى إلا الصراع، ولا نسمع إلا صراخ
المتصارعين.
([1]) نص القسم هو: (أقسم أن يكون ولائي فقط لدولة إسرائيل وأن أخدم وبولاء الكنيست الإسرائيلي.. أقسم أن يكون انتمائي وبكل أمانة لدولة إسرائيل وأن أقوم وبكل أمانة بواجباتي في الكنيست الإسرائيلي)، هذا هو القسم الذي أقسمه القومي العربي عزمي بشارة حينما فاز في عضوية الكنيسة لعام 1996..
([2]) انظر: عزمي بشارة .. واللعب بين المتناقضات، أ. إعداد مجلة البيان، و«عزمي بشارة».. الشيطان المحرض للدويلة القطرية والمخطط الفعلي لسياستها الخارجية، شبكة فراس..