طارق سويدان.. والتدريب على الفتنة

طارق سويدان.. والتدريب على الفتنة

من الشخصيات التي كان لها تأثيرها السلبي في الحرب على سورية ومصر وليبيا وكل فتنة في البلاد الإسلامية ذلك الكويتي المدعو [طارق سويدان]الذي نال حظه من الشهرة قبل الفتنة وبعدها، وهيئ له الجو المناسب ليدلي بدلوه فيها.

وخطره أنه كان من دعاة الاعتدال والتحضر والسلمية، ولذلك نال كما محترما من الجماهير إلى الدرجة التي أصبح فيها محظيا عند الوليد بن طلال، وكلفه بإدارة قناة الرسالة، لتصبح هي الأخرى خنجرا مسموما تطعن به سورية، كما تطعن به كل البلاد التي لا يرضى عنها ملوك وأمراء الخليج.

وهو مثل أكثر الدعاة الجدد، لم يتفرغ لدراسة المطولات، ولا البحث العميق في المسائل الدينية، والتي تستدعي وقتا كثيرا، وتفرغا كبيرا لتفهم على وجهها الصحيح.. وإنما كان مهندس بترول، بل له دكتوراه في هندسة البترول نالها من الولايات المتحدة الأمريكية عام 1990، وهذا يعني أن جزءا مهما من حياته قضاه مع البترول ما يرتبط به من علوم.

ويعني كذلك أن جزءا من حياته قضاه بأمريكا، مثل الكثير من الدعاة الذين يصدرون لنا، بعد أن يهيأوا جيدا.. فقد نال بكالوريوس في هندسة البترول من جامعة بنسلفانيا، عام 1975، أي أنه درس في أمريكا أكثر من عشرين سنة.

وعندما عاد لبلده، لم يتفرغ أيضا لدراسة العلوم الشرعية والتحقيق فيها، وإنما عمل في المجال الاداري والتعليمي، فقد رأس مجلس إدارة مجموعة الإبداع منذ عام 2001 وبقي فيه فترة طويلة، كما رأس قبلها مجلس إدارة شركة الإبداع الخليجي للاستشارات الإدارية والاقتصادية منذ عام 1992 وحتى الآن.

وفوق ذلك كله كان من الشخصيات التي نقلت لنا من أمريكا مفهومها الخاص للتنمية البشرية، فلذلك عمل مدربا محترفا في مجالات التنمية الشخصية والإدارة العامة منذ عام 1992..

وله فوق ذلك كله الكثير من الوظائف التي لا علاقة لأي منها بالدين، وكلها تتطلب وقتا كبيرا، وجهدا ذهنيا عاليا.. فهو نائب رئيس مجلس إدارة شركة زاد للاستثمارات في أمريكا منذ عام 1997 وحتى عام 1999.. وعضو مجلس إدارة مجموعة أبرار للاستثمارات في ماليزيا منذ عام 1992 وحتى عام 1996.. وأستاذ مساعد بكلية الدراسات التكنولوجية في الكويت منذ عام 1977 وحتى عام 2001.. ومراقب هندسة المكامن في وزارة النفط الكويتية منذ عام 1975 وحتى عام 1977.. وغيرها من الوظائف الكثيرة التي لا يحلو له مثل شيخه القرضاوي إلا أن يكون رئيسا فيها.

بعد هذا التقديم لشخصيته لا ينتظر القارئ منا أن نذكر إنجازاته في هندسة البترول، ولا إنجازاته في المجالات التي عمل فيها.. فكل إنجازاته فيها هي كونه رئيسا.. ومسؤولا كبيرا..

ولذلك كانت إنجازاته مثل أكثر الفاشلين في وظائفهم ومعارفهم إنجازات مرتبطة بالدين، حيث راح يحشر أنفه في كل مسائل الدين، ويحلل ويحرم، ويكفر ويبدع، ويتحدث في كل شيء..

ومن الأشياء التي كانت له بصمته الواضحة فيها هي الدعوة للجهاد في سورية، حيث كان يحمل كل حين العلم السوري المزور، ثم يحرض الإرهابيين على القتال في سورية، ويعتبره جهادا في سبيل الله..

بل كان فوق ذلك من العلماء الموقعين على وجوب النفير العام.. ولست أدري كيف يتحول عالم بترول فجأة إلى عالم دين.. ثم كيف يفتي في تلك المسائل الخطيرة التي تقتضي بحثا مفصلا، ودراسة عميقة.

وكانت قناة الرسالة في بداية الأزمة السورية لا تختلف عن الجزيرة وجميع قنوات الفتنة، فقد كان يستضاف فيها رؤوس الإخوان والسلفية والدعاة الانتهازيين ليحرضوا الجيش السوري على الانشقاق، ويحرضوا عامة الناس على الفتنة، واعتبار أن من لم يخرج إلى المظاهرات عميلا وخائنا، وسيحرم في الآخرة من الجنة، وسيدخل جهنم.

وأذكر جيدا أنه في لقاء من اللقاءت التي أجريت معه في أوائل الفتنة في سورية سئل عن الوقت الذي تنتصر فيه الفتنة، فقال: (ثورة سوريا تحتاج الصبر، ووصلت لنقطة لا تراجع فيها، والجيش الحر سينهي حكم الأسد)([1])

ثم ذكر ـ مستشرفا المستقبل ـ أن (بشار الأسد وعصابته جبناء يكرهون الموت، لذا حين يضيق بهم الأمر سيفرون هرباً، وسيتركون ما يقاتلون شعوبهم من أجله، وسيفضلون النهاية التي حظي بها زين العابدين بن علي، الذي فر هارباً من ثورته التونسية، على أن تختم حياتهم كما ختمها صديقهم معمر القذافي في صحراء ليبيا)

وقال: (أعتقد أن المعارضة السورية لو استطاعت أن ترتب صفوفها وحصل الجيش الحر على دعم بسلاح نوعي ستنتهي الثورة في فترة قصيرة جداً.. وليس هناك حل للأزمة السورية إلا بالتخلص من بشار، ولا يبدو أن هذا سيحدث إلا على أيدي الجيش الحر المجاهد، فالواجب دعمه بالسلاح وتثبيت الشعب)

وقال: (قالوا: لن يسقط بشار، فقلت: قد سقط من هو أشد منه قوة، فقالوا: مازال معه أسلحة كثيرة، قلت: قد كان لدى القذافي أكثر منه، قالوا: معه روسيا، قلت: الله أكبر)

لكنه عندما سئل عن الربيع العربي والدول المستبدة في الخليج، ارتبك ارتباكا شديدا، ثم قال ـ متنصلا من الإجابة أو مخادعا ـ: (هناك قاعدة عامة، أن في الدولة الجمهورية تحدث ثورات، لكن في الدول الملكية تحدث تطورات تدريجية، لذا لا أعتقد أن تقوم ثورات في دول الخليج)

وعندما سئل عن ثورة البحرين راح يذكر موقف شيخه القرضاوي منها، ويقول: (الثورات لا تنجح في مثل هذه الدول، وحتى مع وجود هذه المؤشرات، فالدول الملكية لا تغيرها الثورات)

ثم عقب على ذلك بقوله: (ليس بالضرورة أن تتغير الملكية كاملة، بل يكفي أن تتحول إلى ملكية دستورية)

ثم راح يثني على الملكية في بلاده، فقال: (أقرب نموذج للملكية الدستورية هي الكويت، لأن الديمقراطية فيها أصيلة والشعب له دور والمنتخب منتخب حقيقي وليس بالتزوير والمجلس النيابي له صلاحيات ويمكنه تغيير الحكومات وإسقاطها، ومع ذلك سيأخذ هذا الأمر وقتا بين خمس إلى عشر سنوات، في الدول الأخرى المجالس غير منتخبة وليس لها دور)

وهكذ راح يستعمل كل ما درب عليه في أمريكا من فنون الاحتيال ليقلب الأمور، ويحولها إلى الاتجاه الذي يريده الوليد بن طلال وجميع أمراء الخليج.

ولكنه، وبعد أن أنهى مهمته بدقة، رمي في سلة المهملات كما فعل بغيره، وكان أول من رماه الوليد نفسه الذي كان محظيا لديه.. وعندما رمي كما ترمى النفاية والقاذورات، راح يغرد قائلا: (لا يخاف على الرزق إلا ضعيف التوكّل، ولا يتنازل عن المبادئ إلا من كان همّه الدنيا)

ثم رمي بالإرهاب بسبب انتمائه أو تعاطفه مع الإخوان المسلمين.. مع أنه طيلة الفترة التي كان يحرض فيها على سورية، كان يتكلم باسم الإخوان، ويخطب باسمهم، بل لا يستضيف غيرهم، وغير السلفيين ممن يرضون عنهم.

وقد كان من ابتلاءات الله لهذا الرجل أن خرجت ابنته ميسون ـ والتي درست هي الأخرى في بعض الجامعات الأمريكية ـ من عباءة أبيها، وراحت تصرح بما رأته من علماء الفتنة، حتى كفرت لذلك، فقد قالت عبارتها المشهورة: (لو أنّي بحثت عن الله في مكّة لكفرت من زمان)

وعندما حكم عليها بالكفر، من أولئك الذين كانوا أصدقاء لأبيها، راحت تغرد قائلة: (أتظنونني سأسكت عنكم يا مكفّرون؟.. لا والله لن أسكت.. لم أتمسّك بديني كل هذه السنين في الغرب حتى يأتي المسلمون ليسلبوني إياه.. لقد عدنا والله إلى الجاهلية،أنتم تعذّبون المسلمين بالشتم حتى تخرجوهم من دينهم.. وأنا والله لن أخرج من دين الله ولو كره المكفرون)

ثم راحت تصيح فيهم، وفي والدها بكل قوة: (هذا الدين الذي تدافعون عنه ليس بديني هذا صحيح. أنا ديني الإسلام والرحمة وأنتم دينكم التكفير والنَّقمة.. لم أذهب إلى مكة لأرى من يدَّعي أنَّه يمثِّل الدين يضرب أرجل النساء بالعصا ويهشّهن كالغنم.. أنا لست بعيراً بيد راعٍ أنا إنسانة جاءت لتقلى ربها.. لم أذهب إلى مكة كي أرى متاجر إسرائيل على بُعد خطوات من بيت الله الحرام.. لم أذهب إلى مكة لأرى آلاف الفقراءالمساكين يقفون بين يدي الله بأثوابهم البالية فيجبرهم الإمام أن يدعوا للملوك والسلاطين الذين لا يصلّون أصلاً.. لم أذهب إلى مكة ليبكي قلبي ما فعلتموه بهذه المدينة الطاهرة..بالمسجد الحرام، ذهبت إليها بحثاً عن الله..فلم أجدْه عندكم..نعم، ما وجدته إلا بقلبي.. لو أنّي بحثت عن الله في مكّة..أو في مذهبكم التكفيري العنيف الملطّخ بالدماء لكَفرتُ من زمان…هذا صحيح.. فالحمد لله أنّي لم أبحث عنه إلا بقلبي)([2])

هذا بعض ما قالته..وقد جعل الله بحكمته ولطفه هذه البنت الشجاعة الجريئة أكبر من رد على ذلك الدجل الذي مورس على سورية وعلى كل بلاد الإسلام.. وعلى كل طوائف المسلمين.


([1])  انظر: حوار مع الدكتور طارق السويدان، الكاتب : عيون نت، التاريخ: الأحد 13 يناير 2013.

([2])  انظر: مقالا بعنوان: أنا ديني الإسلام والرحمة وأنتم دينكم التكفير والنَّقمة، شبكة الاعلام في الدانمارك.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *