صفوت حجازي.. والخصومة الفاجرة

صفوت حجازي.. والخصومة الفاجرة

من الصفات التي كان للربيع العربي والإعلام التابع له دور كبير في نشرها وتغذيتها وتربية رعاته ودعاته عليها صفة [الخصومة الفاجرة]، تلك التي اعتبرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من صفات المنافقين، وذمها الله تعالى قبل ذلك، فقال: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾ [البقرة: 204]

وأَلَدُّ الْخِصَامِ ـ كما ورد في التفاسير ـ هو صفة ذلك الذي يلجأ إلى كل طرق الكذب والافتراء والزور والبهتان، لكي يكيد خصمه، ويتغلب عليه.. ولا يتورع في سبيل ذلك من ارتكاب أي جريمة أو كبيرة من الكبائر.. فالغاية عنده تبرر الوسيلة.

وألد الخصام أيضا هو ذلك الذي يصيح في المجالس، ويرتفع صوته مهددا ومتوعدا، ومستعملا كل القنابل الصوتية التي يرميها في وجه خصمه لينهار انهيارا كليا، من غير أن يستعمل معه حجة عقلية، ولا براهين منطقة، فيكفي تلك الترددات العالية التي يقذفها في وجهه.

ولمن يلتمسون نموذجا عن هذا يبسط لهم هذه المفاهيم، ويظهرها لهم على أرض الواقع، فإنه يمكنهم أن يبحثوا في سيرة [صفوت حجازي] ذلك الذي اعتبر نفسه عالما، بل نائبا لرئيس رابطة علماء أهل السنة، وكان أمينا عاما لدار الأنصار للشئون الإسلامية، وإماما وخطيبا بمسجد دعوة الحق، وعضو المجمع العلمي لبحوث القرآن الكريم والسنة المطهرة.. بل كان من المرشحين لانتخابات الرئاسة المصرية عام 2012، حيث أعلنت الجماعة الإسلامية أنها قررت دعمه كممثل لحزب البناء والتنمية المعبر عن الجماعة الإسلامية في سباق الانتخابات الرئاسية، ثم انسحبت من ذلك بعد توجهه للجنة انتخابات الرئاسة وإكماله كافة الأوراق اللازمة للترشح.

بالإضافة إلى ذلك كله كان وجها إعلاميا بارزا، يبرزه الإسلاميون كممثل لهم، وناطق باسمهم، فهو يظهر في جميع القنوات، ويتاح له الحديث في كل المواضيع، بل كانت له برامج خاصة، وكان لها جمهورها العريض.

وكان الأصل في الذي يتاح له كل هذا أن يكون هادئا، وحريصا على كل كلمة تخرج من فمه، خشية أن تؤثر على تلك الجهات الكثيرة التي ينطق باسمها، ويدعي أنه يمثلها..

لكنه لم يكن يفعل.. بل لم يكن يستطيع أن يضبط نفسه، فهو يرمي بقنابله الصوتية المشتملة على كل ألوان السباب والتكفير والتبديع والعنف في وجوه مخالفيه دون مراعاة لأي حرمة، فهو يعتبر نفسه ـ بفعل ذلك التضخيم الذي حصل لشخصه ـ عالما حقيقيا مع أنه لم يدرس في مدرسة دينية، بل تخرج من الجامعة في تخصص المساحة والخرائط من جامعة الإسكندرية، وكل دراساته الدينية كانت من مشايخ معظمهم إن لم يكونوا كلهم من ذوي التوجه السلفي، المختلط بالتوجه الحركي.

ولهذا كان يظهر في كل مناسبة، بل يختاره القائمون على المحافل ليكون الطبل الذي يحدث الضجة، وترقص له القلوب التي لا تحب إلا الضجيج.

فقد ظهر في ذلك المؤتمر المشؤوم لنصرة المشاريع الصهيونية والأمريكية الموجهة لسورية بصورة البطل الذي يدعو إلى النفير العام؛ فقد دعا في ذلك اليوم إلى إرسالة قافلة للجهاد إلى سورية، بسبب كون النظام السوري ـ كما يذكر ـ (مجرم وكافر، خرج من الإسلام بمكفرات)

بل إنه راح يستعرض عضلاته بين أعضاء المؤتمر، فذكر أن لرابطة علماء أهل السنة التي يتولى نيابة رئاستها قصب السبق في تشكيل كتائب للجهاد على أرض سوريا، داعيًا جموع المسلمين لتشكيل هيئات لدعم سوريا بالسلاح والرصاص والمال قائلا: (نحن لسنا أقل من الرافضة أو المنظمة الإرهابية المسماة بـ [حزب الله] والمرتزقة الذين يحتلون أرض سوريا الآن)

وعندما فطن الشعب والجيش المصري لخطورة المشاريع التي يخطط لها الإسلاميون، وراحوا يطالبونهم بالخروج من الحكم، استدعي هذا البطل ليؤدي دوره التهديدي للشعب المصري، بعد أن أداه مع الشعب السوري، وقد قال حينها كلمته المشهورة: (اللي يرش مرسي بالمية نرشه بالدم)

والعجب أن الحركيين والسلفيين فرحوا بكلمته هذه مع أن الله تعالى يعلمنا في فنون الحوار مع المخالفين أن نتأدب وندقق في الكلمات التي نستعملها، قال تعالى:﴿ وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ (يونس:41)

بل إن الله تعالى علمنا من الآداب ما يفوق ذلك بكثير، حيث قال مخاطبا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾ (سبأ:25-26)، فالله تعالى أضاف الإجرام إلى المؤمنين، ولم يذكره في حق غيرهم، بل ذكر بلفظ العمل احتراما للطرف الآخر، حتى لا يمنعه نسبة الإجرام إليه من النظر في الحق والبحث عنه.

لكن هؤلاء الذين توهموا أنفسهم يمثلون الدين، ويمثلون الكتاب والسنة، وهم أبعد الناس عن هذه الأخلاق.. ولهذا كرهتهم الشعوب.. بل كان منها من تبرأ من الدين نفسه بسبب تبرؤه منهم.. فقد كانوا الآلة التي استعملتها الشياطين لتشويه الدين.

ولم يقف صفوت حجازي عند هذا الحد، بل إنه ـ وفي الفترة التي أتيح فيها للإسلاميين أن يراجعوا أنفسهم، ويهذبوا خطاباتهم بعد أن زالت دولتهم ـ كان يواصل تحريضه من خلال منصة رابعة على اقتحام الحرس الجمهوري، مما أدى إلى اشتباكات راح ضحيتها 54 شخصاً، مع إصابة العشرات.

هذا هو الصنف الذي يراد له أن يمثل الإسلام.. وهو صنف لا علاقة له بالدين، ولا بالأخلاق، ولا بأبسط الآداب الإنسانية.. ولذلك انهار حكم الإخوان في فترة قصيرة، وكيف لا ينهار، وهذه القنابل الصوتية التي تنفجر كل حين، لا تنهد لها الأنظمة فقط، بل تنهد لها الجبال وكل شيء.

فلذلك لا يصحح للإسلاميين أن يتهموا غيرهم بإسقاطهم.. فالذي أسقطهم هي تلك الألسنة الحادة الممتلئة بكل أنواع السموم.. ولو أنهم عرفوا كيف يختارون ممثلهم والناطقين باسمهم لما وقعوا فيما وقعوا فيه.

لب أحد الصالحين من خادم له أن يحضر له الماء ليتوضأ، فجاء الخادم بماء، وكان الماء ساخنًا جدًّا، فوقع من يد الخادم على الرجل، فقال له الرجل وهو غاضب: أحرقْتَني، وأراد أن يعاقبه، فقال الخادم: يا مُعَلِّم الخير ومؤدب الناس، ارجع إلى ما قال الله -تعالى-. قال الرجل الصالح: وماذا قال تعالى؟!قال الخادم: لقد قال تعالى: {والكاظمين الغيظ}.قال الرجل: كظمتُ غيظي.قال الخادم: {والعافين عن الناس}.قال الرجل: عفوتُ عنك.قال الخادم: {والله يحب المحسنين}. قال الرجل: أنت حُرٌّ لوجه الله.

وعندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة منتصرًا، جلس صلى الله عليه وسلم في المسجد، والمشركون ينظرون إليه، وقلوبهم مرتجفة خشية أن ينتقم منهم، أو يأخذ بالثأر قصاصًا عما صنعوا به وبأصحابه. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟). قالوا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم.. قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) (14). قال تعالى: {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم} (15).

وهو من أهم الأسس النفسية، لأن المحاور الذي يحتقر غيره، ويتكبر عليه ولا يعترف به يمنعه كل ذلك من الإصغاء له أو تفهم حجته والإجابة عليها.

وقد علمنا القرآن الكريم أدبا أرفع من مجرد الاعتراف بالمحاور، هو أدب احترام المحاور، قال تعالى:﴿ قُلْ لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (سـبأ:25)

ومن آدب ختم الحوار التي نستنبطها من خلال نماذج الحوار المعروضة في القرآن الكريم هو ختم الحوار بتأكيد المحاور لرأيه، وتبيينه لمسؤولية غيره على ما رآه في حال عدم اقتناعه، ليكون في ذلك دعوة لمحاورة النفس، أو للتأمل فيما دار في الحوار من معاني، فتأثير الحوار لا يقتصر على مجلسه.

مؤلفات

تحقيق كتاب موسوعة الدماء للشيخ عطية محمد سالم مطبوع

تحقيق كتاب “العين والرقية” للشيخ عطية محمد سالم مطبوع

تحقيق كتاب شرح الأربعين النووية للشيخ عطية محمد سالم تحت الطبع

كتاب “في بيتنا مرابط” مطبوع

كتاب “نساء بيت النبوة” تحت الطبع

البرامج التليفزيونية

برنامج “رحمة للعالمين” في قناة اقرأ

برنامج “نساء مؤمنات” في قناة اقرأ

برنامج “جيل النصر” في قناة اقرأ

برنامج “فضفضة” في قناة الناس

برنامج “زمان العزة” في قناة الناس

ضيف في البرامج الآتية:

برنامج “عم يتسائلون” في قناة دريم2

برنامج “مجلة المرأة” في قناة اقرأ

برنامج “دنيا ودين” في القناة الثانية بالتليفزيون المصري

برنامج “الرحمن علم القرآن” القناة الأولى بالتليفزيون المصري

مجموعة شرائط كاسيت وCd

نساء بيت النبوة 12 شريط

نبينا 11 شريط

أبى وأمى أحبكما شريط

وقل الحمد لله شريط

الرباط شريط

أدب الاختلاف 2 شريط

النبى في بيته شريط

كيف نكون رجالا 2 شريط

حياة حلال 4 شرائط فيديو وCd

، قال الرازي تعليقا على الآية:(هذا إرشاد من الله لرسوله إلى المناظرات الجارية في العلوم وغيرها وذلك لأن أحد المتناظرين إذا قال للآخر هذا الذي تقوله خطأ وأنت فيه مخطىء يغضبه وعند الغضب لا يبقى سداد الفكر وعند اختلاله لا مطمع في الفهم فيفوت الغرض، وأما إذا قال له بأن أحدنا لا يشك في أنه مخطىء والتمادي في الباطل قبيح والرجوع إلى الحق أحسن الأخلاق فنجتهد ونبصر أينا على الخطأ ليحترز فإنه يجتهد ذلك الخصم في النظر ويترك التعصب وذلك لا يوجب نقصاً في المنزلة لأنه أوهم بأنه في قوله شاك ويدل عليه قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم:﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ ﴾ مع أنه لا يشك في أنه هو الهادي وهو المهتدي وهم الضالون والمضلون)([64])

ما وردت عدة آيات تخبرنا عن مقدار كيد هؤلاءِ للدعوة وللإسلام، وتحدثنا عما كانوا يدبِّرونه في الخفاء للنيل من الإسلام والمسلمين.

• قال تعالى: ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [النساء: 108]

نزلت هذه الآيات في رهط من المنافقين، فجروا في خصامهم لله ورسوله، وفي خصامهم للدعوة وأصحابها.

إن المنافقين أكل الحقد قلوبهم، واستولت الضغينة على نفوسهم، يستغلون كل فرصة للكيد للإسلام والمسلمين.

ولولا حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإيمان أصحابه لاندلعت نار الفتنة، ولَتَزَعَّمَ رأس المنافقين (ابن أُبيّ) حركة ثورية انتقامية [2].

فالفجور في الخصام: آفة من آفات النفاق، وخَصلة من خصال المنافقين ما بقيت السماوات والأرض. فإن كان الهدف منه تعطيل الرسالة وأعمال الدعوة، والكيد للإسلام، وهدم سيادته وأهدافه وأركانه، فهذا أشرُّ أنواعه وأقبحها.

[1] أخرجه مسلم: ك: صفات المنافقين وأحكامهم، ح (2779)، وقوله: {تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ} ويُروَى{تكفيهم}، ويُروَى{تكفتهم}، ومعناه: تميتهم وتغطيهم فى قبورهم، وقد فسَّر المراد بالدبيلة بما بعدها وهو (سراج من النار). انظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض (8/310)، وشرح النووي على مسلم (17/125).

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *