سورية.. والموقف الجزائري

سورية.. والموقف الجزائري

طالبنا بعض الكرام الطيبين في ثورة غضبه علينا بسبب وقوفنا مع النظام السوري، ورئيسه الحكيم، وجيشه البطل، بأن نعود للمرجعية الجزائرية، وأن نترك المرجعيات الأخرى، ولست أدري أين يعيش هذا الرجل، ولا أين يعيش عقله، وهل يعرف السياسة الجزائرية في هذا الباب؟

وسأجيبه باختصار، وعلى شكل نقاط، وإن شاء أن يتأكد فيمكنه أن يراجع أرشيف الأخبار من أي جريدة أو قناة فضائية ليتأكد مما أذكره:

1 ـ أن الجزائر، ومنذ بداية ما يسمى بالربيع العربي كانت ضد التدخل في شؤون الدول، ومن بينها سورية، وكانت لذلك محل انتقاد من الدول التي تثير الفتن، بل كانوا يهددونها إن لم تقف معهم في بعض المواقف بأن ينقلوا المعركة إليها، ولعلنا نعرف جيدا ذلك الحديث الشديد لوزير الخارجية القطري مع نظيره الجزائري بسبب رفضه لإخراج سورية من جامعة الدول العربية، ولهذا لم نسمع الرئيس الجزائري يطالب الرئيس السوري بالرحيل في الوقت الذي خرجت فيه تلك الموضة المعروفة، موضة مطالبة الرئيس السوري بالرحيل.. ولعل ذلك ما وقى رئيسنا المحترم ما أصاب غيره من رؤساء العالم الذين طردوا جميعا، وبقي الرئيس السوري.

2 ـ أن الجزائر وقفت مواقف معلنة وصريحة ضد التدخل الخارجي في ليبيا، في الوقت الذي أيدت فيه الكثير من الدول العربية ذلك التدخل، بل صاح فيه علماؤها ومفتوها بذلك.. ومثل ذلك كان في موقفها من سورية، لكن بلهجة أقل، لا بسبب كون الجزائر تؤيد تلك الدولة المجرمة في موقفها من سورية، ولكن لأن سورية ليست مجاورة للجزائر من جهة، ولكون تلك الدول كانت تفرض سطوتها على المجتمعين، وتوزع عليها البيانات من غير أن تستشيرهم.

3 ـ أن الجزائر بقيت تحافظ وفي أعلى المستويات مع الدولة السورية الشرعية، ولا يزال السفير السوري في محله لم يغادره في الوقت الذي طرد فيه من بعض البلاد العربية التي نجحت فيها المشاريع الإسلامية.. ولا تزال الراية السورية الحقيقية لا المزورة هي التي تجتمع مع أعلام الدول الأخرى.

4 ـ أن الجزائر رفضت استقبال أي فصيل معارض لسورية، حتى أن رئيس حزب من الأحزاب الإسلامية، وهو [أبو جرة سلطاني] طلب حينها من رئيس الجمهورية الجزائري أن يستقبل [المجلس الوطني السوري]، وأن يعترف به؛ فرفض ذلك.

5 ـ أنه في الوقت الذي عقدت فيه تونس الجارة اجتماعا لمن يسمون أصدقاء سورية، رفضت الجزائر ذلك الاجتماع، وكل ما انجر عنه.

6 ـ أن الجزائر ساهمت في خدمة الدولة الشرعية السورية بمسشتاريها في وزارة الخارجية، باعتبارها مرت بنفس الظروف التي مرت بها سورية، ومن بينها ما يسمى مشروع [الوئام المدني]

7 ـ أن الذين دمروا سورية وخربوها هم أنفسهم الذين تسببوا في العشرية السوداء في الجزائر؛ فقد كانت قطر وقناتها المجرمة تحرض على الجيش الجزائري في ذلك الوقت، بل كان القرضاوي نفسه يحرض عليه، وأذكر جيدا في ذلك الحين أني كنت جنديا في الجيش الجزائري، وكيف كانت تلك القناة تصفنا، وكيف كان ضيوفها من المجرمين يصفوننا.. ولذلك موقفي من قطر والدول الإجرامية قديم وليس حادثا، لأني أعلم أن تلك الدويلة الصغيرة ليست سوى مقر للمخابرات الأمريكية، وقاعدة عسكرية لها، وبوق إعلامي يصيح بمصالحها.

وفي الأخير أقول لهذا الصديق: إنني ـ كإنسان عاقل ـ لا يمكنني أن أثق في تلك الأيدي القذرة التي تشوه سورية، في نفس الوقت الذي تصافح فيه أعداء الأمة، وتضع خزائنها في حسابها.. ولا يمكنني أن أرفض الإرهاب في بلادي، ثم أقبله في بلاد أخرى.. ولا يمكنني أن أرضى من جيش بلدي، بل أطالبه بأن يساهم في تحرير بلادي من الإرهابيين، ثم أحرم على جيوش البلاد الأخرى أن تفعل ذلك.

أنا منسجم مع نفسي وديني انسجاما تاما.. فليس لدي مكاييل مزدوجة، وقد كان أول من أخذت عنه الموقف من سورية هم علماؤها وصوفيتها الكبار الذين أعتبرهم أساتذتي وشيوخي.. وليس من العقل ولا من الأدب أن أنقلب على شيوخي وأساتذتي، ثم أمد يدي لأولئك الوهابيين المتشددين أو الحركيين المتعطشين للسلطة، ولو بإبادة شعوب كاملة.

لذلك هذه مرجعيتي في مواقفي.. فما مرجعيتكم؟

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *