سورية.. والمعارضة العميلة

سورية.. والمعارضة العميلة

لم يكن مصدر البلاء في سورية خارجيا فقط، بل كان أوله وأكثره ذلك المصدر الداخلي المقيت الذي تشبث ببعض المطالب المشروعة، ليرمي بلده في أحضان أعدائها؛ فيصبح عميلا مقيتا، بدل أن يكون معارضا وطنيا يخدم أهل بلده من غير أن يتسبب في أي أذى يلحق بهم.

فنحن لا ننكر المعارضة السلمية الخلوقة التي تنطلق من الحكمة لتؤدي دورها في إصلاح النظام لا في إسقاطه، وفي نصيحة الحاكم، لا في الإفتاء بقتله، وفي سد الثغرات التي قد يقع فيها، لا في إضافة ثغرات جديدة.

ولكنا ننكر على تلك المعارضة المستكبرة التي تضع يدها في يد أعداء بلدها، ثم ترفض الحوار، ثم تطلب من العدو أن يتدخل في شؤون بلدها.. وهذا ما فعلته المعارضة السورية من أول أيامها:

فهي لم تكتف بإملاء مطالبها، ولا الحوار من أجل تحقيقها، بل رفضت كل دعوة للنظام السوري من أجل ذلك.. ورفضت معها تلك الصيحات الكثيرة التي صاحها علماء الشام، وأولهم شهيد المحراب الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، بالجلوس على قاعدة الحوار، لرؤية المطالب والعمل على تحقيقها.

بل كانت تستمع بدل ذلك إلى القرضاوي والعريفي والقرني وغيرهم من دعاة الفتنة الذين كانوا يحرضونها على إسقاط النظام، وعدم الجلوس معه، وحرمة الجلوس معه.. وقتل كل سوري موال للنظام لأنه [شبيح]

كانت المعارضة حينها في أوج كبرها، وقد تلقت وعودا من ممالك الجور العربي بأنها إن بدأت في معركة مسلحة مع النظام، فإن الناتو وأمريكا والغرب ستتدخل، وسيحصل في سورية مثلما حصل في ليبيا، وأنه ليس عليهم سوى أن يبدأوا المعركة فقط..

ولكن كل تلك الوعود خابت.. فراحت المعارضة تبيع نفسها، كل إلى جهة من الجهات، فبعضهم باع نفسه لقطر، وآخر لتركيا، وآخر للسعودية.. وهكذا انقسمت المعارضة إلى ولاءات مختلفة.. ثم سرعان ما دب الصراع بينها، وراح يقاتل بعضها بعضا من أجل إدارة أحياء أو مؤسسات أو مدن.

كان الجميع لا يملك أي مشروع للدولة، بل كان مشروعهم الوحيد هو إسقاط النظام.. وكان الجميع لا يملكون قيادة موحدة، بل كانت القيادة تفرض عليهم من جهات أجنبية.. وكانت تركيا وقطر والسعودية وغيرها تجمعهم كل حين لتصلح بينهم، ثم سرعان ما يعود الصراع بينهم.

فكيف تريد هذه المعارضة من الرئيس السوري أن يعتزل أو يترك الحكم، ولمن يتركه، وهم لم يسموا شخصا واحدا يتفقون عليه.. ولم يضعوا مشروعا واحدا للدولة يمكن أن تسير عليه.. بل كان مشروعهم الوحيد فقط هو التخلص من النظام للدخول في عصر الفوضى.

هذه بعض مظاهر عمالة المعارضة السورية.. وإلا فإن خياناتها لا حدود لها..وأول خياناتها ذلك التحريض لمحور الشر العالمي على ضرب بلدها.. فأي وطنية لهذه المعارضة، وأي أخلاق لها.. وكيف يمكن لدولة محترمة أن تقبل بأن يحكمها عملاء وخونة.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *