سورية.. والجامعة العربية

سورية.. والجامعة العربية

أعتذر للقراء الكرام أولا على استعمالي لهذا المصطلح [الجامعة العربية]، فهو مصطلح شائع قد ألفناه مثلما ألفنا الأسماء الكثيرة المرتجلة التي لا حقيقة لها.

فالجامعة العربية ليست جامعة، وليست عربية.. ذلك أنها في حقيقتها التي دلت عليها كل مواقفها أو أكثرها مجرد بوق لجهات خارجية لا علاقة لها بالعرب، ولا بوحدتهم، ولا بقضاياهم.

والدليل على ذلك موقفها من القضية الفلسطينية، فهو موقف باهت ضعيف هزيل، لا يرقى لأن يسمى موقفا أصلا.. بل هو مجرد وضع ملح على الجروح، وهي بقراراتها تكاد تعترف بإسرائيل وقوتها وهيمنتها على المنطقة، بل تكاد تتوسل إليها أن تتركهم يعيشون هانئين بينها.

لكنها عندما تعلق الأمر بالفتنة في الدول التي لا ترضى عنها، راحت تتحول أسدا هصورا تغرز أنيابها، بدل أن تستعمل الحكمة والرفق والأناة التي تعودت أن تستعملها مع العدو الأكبر للأمة.

فهي أولا لم تتدخل عندما تعلق الأمر بالحراك التونسي والمصري، ذلك أن أمراء الخليج وملوكهم، لم تكن لهم عداوة مع كلا الرئيسين، فلذلك لم يصدروا أي موقف سلبي تجاههما، بل اكتفوا بالحكمة والصمت والأناة التي أدمنوا عليها.

لكن عندما تعلق الأمر بليبيا التي يختلفون مع رئيسها، وبعد أن كاد يقضى على الفتنة فيها، راحوا يجتمعون، لا لإيجاد قنوات للحوار، تحاول أن تعالج المشاكل بين الأطراف بالحكمة والهدوء والرفق، وإنما راحوا يجتمعون ليسنوا أخطر سنة في تاريخ العرب، وهي تأليب الأعداء عليها، ودعوتهم للتدخل فيها، ومن ثم حربها، حتى تصل إلى الحالة التي نراها عليها اليوم.

ومنذ ذلك الحين بدأ السقوط الحر للجامعة العربية التي هيمنت عليها جهات معينة، أصبحت تصيغ قراراتها، وتفرض على الجميع التصويت عليها، ومن لم يوافق يهدد بأن تنقل المعركة إلى عقر داره.

وإن نسينا، فلن ننسى أبدا تلك المواقف المخزية التي أبداها حمد بن جاسم، ونبيل العربي عندما نقلا ملف سورية إلى الأمم المتحدة، وراحا يخفيان تقرير الفريق الدابي عن مجلس الأمن، ويزوران الحقائق بدل ذلك.

ثم توالت القرارات الجائرة من هذه الجامعة الظالمة على سورية، حيث راحت تجمد عضويتها، بل راحت تطالب بوضع الإرهابيين بدلها، ولم تكتف بكل تلك المهازل التي كانت تقوم بها كل حين، بل كانت تقوم بدور الشرطي مع كل الدول التي تخالف قراراتها أو تدعوها إلى بعض الأناة والحكمة والرفق.

ولذلك نهنئ سورية على خروجها من ذلك الوكر الذي تدار فيه المؤامرات على الأمة.. فهي أشرف من أن تكون طرفا فيه، أو جزءا منه.. وندعو كل شريف من البلاد العربية أن يتبرأ من هذه الجامعة الظالمة التي لم تقف في حياتها سوى المواقف المخزية التي لا علاقة لها بالعروبة وقضاياها، ولا علاقة لها بجمع الكلمة أو توحيد الصف.. بل هي كما قال الشاعر:

هون عليك فإن الجمع منهزمُ

   وكيف ينصر قوم ربهم صنمُ

عميٌ بصائرهم غفلٌ ضمائرهم

   غلفُ القلوب وفي آذانهم صمم

الخمر غايتهم والجبن صبغتهم

   والذل وحدهم والهون والسَّلَم

دمىً على رقعة الإفساد حركهم

   سم الخيانة والأحقاد فاحتكموا

للغدر والتنكيل والهوى سفها

   إن الذئاب إذا ما استؤمنوا نقموا

يا قادة السوء كم لطختمو صحفا

   بيضاء سطرها دمع لنا ودم

يا راحة الغدر كم أطفأتمو مقلا

   كانت شموسا لما أطبقت ظلم

يا عصبة الإفك كم ألبستمو رجسا

   ثوب الفضيلة حتى ضاعت القيم

يا صحبة الشيطان لم يعد لكمو

   عهد ولا شرف كلا ولا ذمم

يا سادة التهريج لن نهادنكم

   وهل يهادن نذل صاغه العجم

هذي مثالبكم في كل واقعة

   هذي مخازيكم ضاقت بها الأمم

 من قال إننا سوف ننسى أن هذه الجامعة شرعت تقسيم السودان، والعدوان على العراق، وقتل الليبيين، والسوريين واليمنيين؟! ومن قال إن السوريين سوف ينسون قرارات الحصار الاقتصادي، والعقوبات الظالمة! أو إننا سوف ننسى اجتماع الوزراء العرب لمعاقبة الإعلام السوري- وليس الصهيوني؟!

ومن قال إننا سوف ننسى السعي المحموم لشبه دولة قطر التي اشترت رئاسة القمة العربية فقط لتُجلس سورياً معارضاً على مقعد الجمهورية العربية السورية، وتضع علماً آخر لسورية لتمارس النكاية السياسية؟

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *