روسيا.. ودورها في سوريا

من الأسئلة المشروعة التي يطرحها الكثير، والتي حاول الإعلام المغرض أن يستثمرها في تبرير العدوان الإسرائيلي أو الأمريكي على سورية: دور روسيا فيها؛ فهم يرددون كل حين: ما دامت روسيا تضرب في سوريا، فيمكن لأمريكا وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا أن يضربوا.
ونحن ـ كما نحترم السائل ونحترم السؤال ـ نطلب منه أن يستمع للجواب أيضا، لأن الكثير للأسف، وبسبب الاستعجال في علاج القضايا المصيرية، صار يطرح الأسئلة، ثم لا يريد الجواب عنها، أو يريد أجوبة بوليسية لا قيمة علمية لها، أو يريد أن يجاب له بما يشتهي لا بما هو واقع.
والجواب على ذلك أن هناك فرقا كبيرا بين وجود روسيا في سورية، ووجود أمريكا أو غيرها، وهو فرق تقره الأعراف والشرائع والقوانين الدولية.. ذلك أن سورية دولة ذات سيادة، وتنمتي لهيئة الأمم المتحدة، ولذلك لا يحق لأي دولة في العالم أن تتدخل في شؤونها دون طلب من حكومتها، وبما أن روسيا تدخلت بطلب رسمي من حكومتها؛ فإن هذا يضع مشروعية لدور روسيا بخلاف أمريكا وغيرها، ويمكن لأي شخص دارس للقوانين الدولية عبر التاريخ أن يعرف هذا.
ومع ذلك يبقى السؤال موجها.. ونحن نحترم السائل، لأن الجواب السابق، مرتبط بالقوانين، وليس بالقيم، وقد يقنع القانوني، ولكنه لن يقنع غيره، ولذلك فإنا نقول لهذا الغير: هناك سببان جعلا سوريا تلجأ إلى روسيا، وتستفيد من تواجدها في سورية، وهما سببان وجيهان وأخلاقيان جدا:
أما أولهما، فهو أن الحرب على سورية حرب كونية، وقد عقدت الاجتماعات الكثير ة في بداية الأزمة السورية، لمن يسمون بأصدقاء سورية، وخطط لها ولتدميرها، مثلما حصل لليبيا والعراق.. لكن ذكاء النظام السوري، جعله يبحث عن حليف قوي، يمد يده إليه، ويكون له حق النقض في الأمم المتحدة، ويكون له في نفس الوقت سلطة وسطوة بحيث لا يمكن تجاوزه، ويكون له بعد ذلك عداوة مع أعداء سورية، كما يقال [عدو صديقي صديقي]
وقد وجدوا أن هذه المواصفات لا تنطبق إلا على روسية؛ فهي حليف قديم لسورية، ولها عداوة مع أعدائها، ولذلك استثمر النظام السوري كل هذه الصفات لينقذ نفسه وشعبه من أي حملة عدوانية قد يوجهها المجرمون ابتداء من الشيطان الأكبر إلى الشياطين الصغرى التي تمده بالمال والفتوى والتبرير ونحو ذلك.
وأما الثاني، فهو أن المجرمين أمدوا الإرهابيين بأنواع كثيرة من الأسلحة المتطورة، وكانوا سندا لهم، بالمدربين والخبراء وغيرهم.. ولم يكن الجيش السوري يملك بعض تلك الإمكانيات، فلذلك استعان بروسيا لتمده بما يحتاج إليه من ذلك، في ظل السيادة السورية، وهو تصرف مشروع جدا.. وفي كل البلاد نجد الخبراء والمدربين من الجيوش المختلفة..
وبناء على هذا، فوجود روسيا في سورية وجود مشروع وأخلاقي، وهو يفيد سائر بلاد المسلمين لا سورية وحدها، ذلك أن كل المصائب التي حصلت في بلاد الإسلام، سببها ما سماه بوش [النظام العالمي الجديد]، وهو تحول أمريكا إلى شرطي العالم، الذي يملي أوامره على من يشاء دون أن يكون هناك من يحاسبه أو يواجهه.. لذلك كانت الفتنة السورية سببا في بروز القطب الجديد، ومعه دول عالمية كبرى كالصين وغيرها، وهذا كله في مصلحة المسلمين جميعا.. فالتوازن لا يحصل إلا بتعدد الأقطاب.
هذا الجواب.. وهو يكفي لمن يتدبر ويتأمل ويستعمل عقله.. أما الذي لا يفعل ذلك، فلا يمكن إقناعه بأي جواب.. ذلك أنه يظل يردد ما أملته عليه الجزيرة وقنوات الفتنة، ناسيا أن ضرب سورية تم من البلاد التي تُبث منها تلك القنوات.. وهي نفس البلاد التي ضربت من قواعدها الأمريكية أفغانستان والعراق وكل بلاد العالم الإسلامي.. وهي التي وصفت في الحديث الشريف بكونها [قرن الشيطان]، وهي كذلك، فقد اجتمع فيها الشيطان الأكبر والشياطين الصغرى.