رسالة هادئة إلى المعارضة السورية

رسالة هادئة إلى المعارضة السورية
إخواني في المعارضة السورية.. وخصوصا أولئك الذين لا يزالون يحافظون على استقرارهم في بلادهم على الرغم من كل ما أصابها من آلام ومصائب وجروح.
لا تتوهموا أني أكرهكم، أو أحقد عليكم، لكونكم خالفتم نظام بلادكم، أو لم تتفقوا مع رئيسه أو بعض مؤسساته أو مؤسساته جميعا، فذلك حقكم الشرعي، الذي لا يجوز لي ولا لغيري التدخل فيه.
وإن شئتم الحقيقة؛ فإنه يمكنكم اعتباري من المعارضة، ليس معارضة نظامكم فقط، بل كل أنظمة العالم؛ فالنظام الوحيد الذي أواليه ولاء مطلقا، وأعمل ليل نهار، وبكل الوسائل المشروعة لتحقيقه هو النظام المقدس الذي يخلص البشرية من جميع أنواع الجور، ويحقق لها جميع أنواع العدل.
وربما الخلاف بيني وبينكم هو في المنهج المعتمد، فأنا أعتمد المنهج السلمي الحضاري، الذي ينطلق من تصحيح المفاهيم، وتربية المجتمعات، وتوعيتها، ورفع مستواها إلى ذلك النظام الإلهي المنشود، لأنه لا يمكن تحقيق العدالة المطلقة في ظل شعب ممتلئ بكل ألوان الجور، فكل فرد فيه يمكنه أن يفسد كل شيء.
وهكذا كان النظام السوري، وكل أنظمة العالم، ليس ضحية لحاكمه فقط، وإنما لكل مدير مرتش، أو شرطي يتعسف في استعمال الحق والقانون، أو وزير يعقد الصفقات المشبوهة.. فالمشكلة ليست في عمود الخيمة، وإنما في الأعمدة الكثيرة المحيطة به، والتي لا يمكن تطهيرها إلا بالتربية والإصلاح، كما قيل: (كما تكونوا يول عليكم)
بل إن بلادنا، والتي أتاحت للإسلاميين الوصول إلى بعض مناصب الحكم، أو مهام كبيرة في الدولة، لم يكن الكثير منهم بمستوى المسؤولية، ووقعوا فيما وقع فيه غيرهم؛ فهل يمكن استئصال الإسلام أيضا، وحربه بحجة أن هناك من أساء استخدامه؟
لهذا، فإن الفرق بيني وبينكم هو في الأسلوب فقط.. أما الموقف السلبي من النظام، فلكم حريتكم فيه، لكني أتمنى فقط، ألا تنظروا للنظام السوري وحده، فهناك أنظمة مجاورة لكم، وتدعي أنها تساعدكم، ولو أنها ساعدتكم بعشر معشار ما تسلمه لأعدائكم من أموال لما وقعت في بلادكم أي ثورة أو أي فتنة.. ولو أنها بدل تلك الأموال التي اشترت بها الأسلحة وسلمتها لكم ليقتل بعضكم بعضها استثمرتها في بلادكم، لصار كل الشعب سوريا غنيا، مكتفيا بذاته، ولم يحتج إلى أي ثورة، ولا إلى أي عنف.
لأن العنف لا يمكن أن يؤدي إلى أي نتيجة، ولو أن دولتكم سقطت، وصار الأمر لتلك السرايا والأولية والجيوش التي يوالي كل واحد منها دولة من الدولة لتحولت دمشق وحلب وكل المدن السورية إلى مقاطعات ودويلات فاشلة.
لهذا، فأنا عندما دعوت إلى حفظ النظام، والحفاظ على الرئيس والمؤسسات والجيش لم أكن إلا ناصحا لكم، فالرئيس هو رمز الوحدة، وحتى لو اختلفتم معه، فإن الوضع غير مناسب لتصفية الحسابات.. فالأمن القوي أهم من كل شيء، وأنتم ترون بلادكم تضرب من أمريكا وإسرائيل.. وترون آبار نفطكم محتلة من أمريكا ومن مرتزقتها، فهل ترون أولئك اللصوص الذين يحجبون خيراتكم عنكم ناصحين لكم؟
عودوا إلى وعيكم، واستعملوا الطرق السلمية في المعارضة، وقبلها حافظوا على وحدتكم وانسجامكم، فأنتم في بلاد كريمة دعا لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالبركة، بل القرآن الكريم ذكر ذلك عنها.
ويشهد الله أنه قبل أن يحصل في بلادكم ما حصل من الفتن كان الكثير من بلادنا وبلاد العالم الإسلامي يفدون إليكم، ليتعلموا من علمائكم، ويستفيدوا من تجاربكم، وكانت أخبار منجزاتكم في كل المجالات تصلنا، وكانت سلعكم المتقنة التي تصنعونها بأيديكم وخبراتكم محل إعجاب منا؛ فالكل يشتريها، ولو بأبهض الأثمان.
لقد كنتم أملا في تطور هذه الأمة، ولم نكن نتصور أبدا أن تلك العقول الجبارة التي تحملونها، يمكنها أن تسمح لكم بالاستماع لدول لا تعرف انتخابات حرة ولا حرية إنسان، وهم يذكرون لكم أن رئيسكم قمع المظاهرات السلمية، فليجربوا أن يجروا مظاهرة واحدة في بلادهم التي تنهب ثرواتها على الملأ.. هم يحرّمون على أنفسهم مجرد الخروج والمطالبة بحقوقهم في نفس الوقت الذي يطالبونكم فيه بحمل السلاح.
هناك كلمات كثيرة كنت أود قولها لكم.. لكني أتركها لعقولكم، وتفكيركم السليم، فإنه وحده سيصل بكم إلى بر الحقيقة والأمان، لتعود سورية مشعلا من مشاعل الحرية يضيء للعالم أجمع.