رسالة إلى خديجة

لاشك أنك ـ يا خديجة ـ قد نلت أموالا كثيرة، ونلت معها جاها عريضا، ونلت قبلهما رضى تاما من كل أمراء الخليج وملوكه، بل كل محاور الشر في العالم؛ فقد كنت الأمة والمحظية التي استطاعت أن تجلب لسادتها كل ألوان السعادة والسرور.. وتعيد إحياء امرأة أبي لهب من جديد، لتجمع من الحطب، وتنشر من اللهب ما لم تنشره أم جميل نفسها.
ما عساي أقول لك.. نحن الذين امتلأنا خزيا وعارا بسببك.. كنا نفخر على العالم بجميلة بن حيرد التي وقفت طول عمرها مع المقاومة، وعندما حلت الأزمة بسورية وقفت معها، ومع المقاومة في لبنان وفي العراق وكل أرض.. وكان الأجدر بك أن تتشبهي بها، وبكل ثوار بلدك الذين وقفوا مع الشعب السوري، وضد أي تدخل في شؤون أي بلد.
كان الأجدر بك أن تتشبهي بتلك الإعلاميات اللاتي تركن قناة الجزيرة، بمجرد أن فاحت روائحها المنتنة.. ومثلهم أولئك الإعلاميون الأبطال الذين تركوها، وأسسوا إعلاما بديلا استطاع أن يقوض الكثير من مشاريعها.. كان يمكنك أن تلتحقي بهم، وتعيدي الكرامة التي انتزعتها منا بسبب حرصك على ذلك المال الكثير والجاه العريض.
كان الأجدر لك، وأنت بنت البلدة الجزائرية التي عضها الإرهاب بنابه، إلى أن خلصها الجيش الجزائري البطل، أن تتذكري تلك الأيام القاسية، التي كان لصوص الإرهاب يقطعون فيها الطرق، ويسلبون فيها الأموال، ويقطعون فيها الرؤوس.
كان يمكنك أن تتذكريها لتعلمي أن ما يحدث في سورية وليبيا ومصر والعراق وكل أرض الله ليس إلا نسخة متطورة من ذلك الإجرام الذي مس بلدك.. فإن كنت قد استنكرت الإرهاب في بلدك، فلم ترضينه في بلاد أخرى؟
كان يمكنك ـ حتى تعلمي حقيقة ما يجري ـ أن تخرجي خارج المدينة التي تقيمين فيها لتري أكبر قاعدة عسكرية أمريكية، وتري الطائرات التي تضرب كل حين كل بلاد تريد أن تخرج من العباءة الأمريكية.
وكان يمكنك ـ حتى تعرفي مظلومية الرئيس السوري ـ أن تقارنيه بأولئك الأمراء والملوك الذين تعيشين بينهم، والبذخ الذي يعيشونه، وأموال الأمة التي يصرفونها ويوزعونها بالمجان لكل قوى الشر، بينما يرسلون الدمار وكل أنواع الأسلحة لإخوانهم في الدين والإنسانية.
هم يزعمون وأنت معهم بأن الرئيس السوري قمع المظاهرات التي قامت بها المعارضة السورية، فهل يسمحون في البلاد التي تقيمين فيها بالمظاهرات، وهل يسمحون بوجود معارضة، وهل يمكن أن تعتبر المعارضة سلمية، وشعارها [الشعب يريد إسقاط النظام]؟
ربما تكونين من أولئك الذين يتصورون أن صكوك الغفران بيد أولئك الشيوخ الذين صاروا عبيد للملوك والأمراء.. كذبوا.. فأولئك ليسوا سوى مجرمين لا يختلفون عن مجرمي السياسة، والدين الذي تأخذينه عنهم دين ضلالة، وليس دينا إلهيا، فالدين الإلهي يحث على المحبة والحكمة والسلام.. ولا يشجع على أي عنف، بل يقول المؤمن فيه بقلبه ولسانه: { لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } [المائدة: 28]
لست أدري ما أقول لك.. لكني أذكرك فقط بالنخوة العربية التي ربما قد فقدتها.. ولاشك أنك فقدتها.. خاصة وقد سمعت وزير الخارجية القطري يهدد بلدك بنقل الحرب إليها، كان يمكنك حينها أن تستعيدي نخوتك، وتهتزي لما قيل عن بلدك.. لكنك لم تفعلي.. ولست أدري.. ربما بريق الذهب، والأضواء اللامعة، وأولئك الذين يكذبون عليك جعلوك لا تبصرين الحقيقة.
في نهاية رسالتي إليك، أذكرك بأنك لا تقلين عن أولئك الإرهابيين لأنك واحد من الذين صنعهم.. فأنت وزميلاتك وزملائك من نشر الأحقاد، وملأ القلوب بالضغائن إلى أن انفجرت بكل أنواع المظالم.. فكل طفل يقتل، وكل امرأة تشرد، وكل بيت يهدم، تتحملين أنت وكل ذلك الطاقم الشيطاني مسؤوليته وجريرته.
لست أدري هل بقي في قلبك شيء يمكنه أن يستوعب مثل هذه الكلمات، أم أن الران قد طبع عليه، والختم قد أغلقه، ولم يبق فيه محل لاستماع أي كلمة، أو التنور بأي حقيقة.