د. أحمد حسن المقدسي.. والشعر المقاوم

د. أحمد حسن المقدسي.. والشعر المقاوم

من الشعراء الذين كان لهم شرف النضال عن القضايا الإسلامية الكبرى، وخصوصا ما يحدث الآن في سورية الجريحة الشاعر الفلسطيني المقاوم البطل [د. أحمد حسن المقدسي] الذي كتب القصائد الطوال يهاجم فيها الإرهاب والعنف، ويهاجم محركيه من الظلاميين والرجعيين الذين باعوا أنفسهم لأمريكا وإسرائيل، وأصبحوا مجرد أدوات لتنافيذ مشاريعها.

وقد كان في إمكان هذا الشاعر الفلسطيني بسبب موهبته الفذة، أن يتحول مثل الكثير من الشعراء الذين يجثون بين يدي الملوك والأمراء يلتمسون منهم الصلات، ويبيعوهم ذممهم وكرامتهم وكلماتهم ليرتزقوا منها، كما فعل الكثير.. لكن شاعرنا المقاوم لم يفعل، وأبى أن يبيع كلماته وكرامته، فثمنها لا حد له.

وكان من آثار ذلك الزهد والعفاف عن صحبة الأمراء والملوك ذلك التعتيم الإعلامي عليه؛ فهو لا يكاد يعرف حتى أن صورته ـ بعد بحثي الطويل عنها في النت لم أجدها ـ فهو زاهد متواضع يؤدي دوره في المقاومة، وبدون أن ينال أي ثمن.. وحسبه بذلك كله شرفا.

لكن الإعلام إن لم يعرفه، فقد عرفه رجال سورية الكبار، حتى أن سفير سوريا في الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري ذكر جزءا من قصيدة له عند رده على السفير السعودي دون أن يشير طبعا إلى اسمه.

وسأنقل هنا للمتذوقين للشعر بعض ما قاله من شعر مقاوم، دون أن أعلق عليه، فشعره من الوضوح والسلاسة والجمال ما يكتفى معه بمجرد القراءة.

فمن قصيدة له بعنوان [يا شــــام صــــبرا ً]، والتي قدم لها بقوله: (هذه القصيدة هي تحية.. وكلمة شكر للشعب وللجيش السوريين على وقوفهما وصمودهما الرائعين في وجه المؤامرة العربية الامريكية الإسرائيلية التركية المستمرة على سوريا وشعبها، وسوريا منتصرة بإذن الله والمتآمرون إلى زوال قريب)

يا شام ُ صبرا ً إذا ما خانك ِ العرب ُ

   يا شام ُ لا تعتبي، لا ينفع ُ العتب ُ

فهذه القدس ُ كم خانوا مآذنها

   ومسجد ُ القدس ِ في الأصفاد ِ مغتصَب ُ

هذي قبائل ُ عهْر ٍ لا أمان َ لها

   ودينها العهْر ُ.. والتعريص ُ.. واللعب ُ

غير ُ التآمر ِ لا ميثاق َ يجمعها

   فليس َ يردَعُهُم ْ خلق ٌ ولا أدب ُ

ألنفط ُ أفسَدَهم.. والجبْن ُ دَيدَنهم

   إذا بصَقت ِ عليهم كلهم هربوا

يا شام ُ لا تعتبي، لن يجْدي َ العتب ُ

   بغداد ُ قبلك ِ ” يا ما ” خانها العرب ُ

يا شام ُ غزَّة ُ بالنيران ِ غارقة ٌ

   وأنت ِ يسكن ُ في أثوابك ِ اللهب ُ

في غزة ِ الفخر ِ تقتيل ٌ ومذبحة ٌ

   في غزة ٍ: جُثث ٌ ضاقت ْ بها الترَب

 ومما جاء فيها عن التآمر العربي قوله:

يا حادي َ العيس ِ للأعراب ِ وجهَتنا

   حيث ُ الخيانة ُ.. والتدليسُ.. والكذب ُ

في دوحة ِ العهْر أقنان ٌ يُلاط ُ بهم

   فيخرج َ المسخ ُ يعلو وجهَه شنب ُ

فمسجد ُ القدس ِ لا يَحظى بمؤتمر ٍ

   أو بائتِلاف بغايا وهو مستلب ُ

كيف استحال َ عميل ُ الغرب ِ مُنقِذنا

   وكُلما زاد َ طعنا ً زادت ِ الرُّتب ُ

فلست ُ أعجب ُ ممَّن ْ خان َ والدَه ُ

   إذا الخطايا بأهل ِ الشام ِ يرْتكِب ُ

وكيف َ يرْأف ُ بالأطفال ِ في حلب ٍ

   وهو الذي في جرْدَة ِ الموساد ِ مكتتِب ُ

لم يبق َ مرْتزِق ٌ في أي ِّ مزْبلة ٍ

   إلا رموه ُ لأرض الشام ِ يحْتطِب ُ

كل ٌّ أعدَّ لذبح ِ الشام ِ خنجرَه

   كل ٌّ يُحرِّكه في ذبحها أرَب

أما حديثه عن المعارضة، فهو وصف دقيق في منتهى الروعة والجمال، فقد قال فيها:

هذي معارضة ُ الشذ َّاذ ِ تائهة ٌ

   بين َ الموائد ِ.. والأذناب ِ تغترب ُ

يا شام ُ كم حضروا للنصر أكؤسهم

   فما سقطت ِ.. ولا أنخابَهم ِ شربوا

وليشربوا اليوم َ من ْ أنخاب ِ خبَتهم

   فالحق ُّ حصْحص َ.. والعدوان ُ ينقلب

وقال فيها مخاطبا الجيش السوري البطل:

يا جيشنا، أنت َ سيف ُ الله ِ منتصِب ٌ

   ومن ْ سواك َ لردْع الظلم ِ ينتصب ُ

طهر ْ بلادَك َ ممن خان َ تربتها

   فللخيانة ِ.. أ ُمٌّ أنجَبَت ْ… وأب ُ

رأس ُ البَلاء ِ طويل ُ العمْر ِ في قطر ٍ

   فلتقطع ِ الرأس ُ حتما ً يَنفق ِ الذنب ُ

أعد ْ عروبَتنا والدين َ يا بطلا ً

   أنت َ العروبة ُ.. والإسلام ُ.. والعرَب

ومن قصائده الجميلة قصيدته المعنونة بـ [الاوثان تأكل بعضها]، وهي قصيدة تتناول القمة الفضيحة لترامب في الرياض والأزمة الطاحنة بين شركاء التآمر بالأمس وأعداء اليوم: قطر وكل من السعودية والامارات والبحرين، ومما جاء فيه قوله:

مِن أين أبدأ مَعشر َ القرَّاء ِ

   فالجرح ُ جرحي.. والدماء ُ دمائي

شرَف ُ القصيدة ِ أن تعرِّي خائنا ً

   يختال ُ فوقَ جماجم ِ الشهداء

قالوا: سَتُعقد ُ قِمَّة ٌ.. فإذا بها

   بيع ٌ.. وتعريص ٌ.. ووكر ُ بغاء ِ

جاء المُخلِّصُ فاتحا ً.. فاصْطفت ِ

   الأبقار ُ عارية ً.. بغير ِ كِساء ِ

شرِه ٌ هو اللصُّ الجديد ُ.. شَهية ٌ

   خرقاء ُ تستعصي على الإرْواء

حَلَب َ الجميع َ: من المليك ِ إلى الأمير ِ

   لِجَوْقة ِ المُفتين َ والعلماء

ومما جاء فيه قوله:

يا رب ُ، إني بالعوائل ِ شامِت ٌ

   فلتضْرِب ِ العُملاء َ بالعُملاء

أنا شامت ٌ فيهم، فماذا سوفَ نخسر ُ؟

   إن ْ خسرنا شِلة َ البُلهاء

ماذا سَنخسر ُ إن ْ خسرناهم؟ سوى

   جيش ٍ مِن الأصنام ِ.. واللقطاء

ماذا ستفتقد الرجولة ُ إن ْ توارَوا

   غير َ أكوام ٍ من الجبناء ِ

ماذا ستفتقد ُ الثقافة إن ْ أُزيلوا

   غير َ طوفان ٍ من الجُهلاء

كم مرة طعنوا العروبة َ بالمُدى

   وتنادموا فرَحا ً معَ الغرَباء ِ

كم مرة خانوا فلسطينا ً.. لتنعُم َ

   بالعُروش ِ حُثالة ُ الزعماء ِ

ما مر َّ في جسَد ِ العروبة ِ خِنجر ٌ

   إلا وكانوا خنجر َ الأعداء

 ومما جاء فيها قوله:

تلك َ الممالك ُ والمَهالك ُ كلها

   والعرْش ُ والتيجان ُ تحت َ حِذائي

فلطالما سَكِروا على أشلائنا

   باسم ِ الحقوق ِ..ولعْنة ِ الإفتاء ِ

مَن ذا الذي ذبح العراق َ وِشعبَه

   حتى غدا هرَما ً مِن الأشلاء؟؟

سكبوا جهنم َ في الشآم ِ خيانة ً

   لتعيش َ إسرائيل ُ في النعْماء ِ

مَن ْ حَوَّل َ اليمن َ الأبي َّ مقابرا ً

   ومنازلا ً.. تبكي على النزَلاء ِ؟؟

حتى الخيانة ُ أصبحت شَرفا ً لهم

   يتسابقون إليه ِ.. دون حياء ِ

خانوا القضية َ كي تدوم َ عروشهم

   باعوا النبي ِّ.. ومَوطن َ الإسراء

لا يمكنني أن أذكر هنا قصائده الكثيرة، ولكني سأختم بأبيات لواحدة منها، يتهكم فيها على المعارضة المسلحة، وهي حول الباصات الخضر، التي أصبحت رمزا لهزيمة الإرهاب، ومما جاء فيها قوله، وهو يخاطب الإرهابي الذي يريد أن يركب الباص الأخضر:

عَجّل ْ خطاك َ، فماذا أنت َ مُنْتظِر ُ

   فقد تُضِيْع ُ حياة ً ساقها القدَر

الباصُ أخضر ُ، حتما ً أنت َ تعرفه ُ

   يكاد ُ مِن ْ زحْمة ِ الركاب ِ ينفجر ُ

إصعد ْ، وإلا فجيش ُ الحق ِّ مُنتبه ٌ

   ورأسُمالِك َ طلق ٌ ثم َّ تنصهر ُ

إصعد ْ، فما مِن ْ فتاوى ً بَعْدُ تنقِذُكم

   وحولك َ الأُسْد ُ لا تبقي ولا تذر ُ

فلا أمامَك َ حُوْر ٌ سوف تنكِحُها

   ولا وراءَك َ غِلمان ٌ… ولا حَوَر ُ

كم كنت َ بَغلا ً وقد صَدَّقت َ كِذْبَتهم

   بأنها ثورة ٌ بالحق ِّ تدَّثِر ُ

كم أوهموك َ بأن َّ الله َ ناصِرُكم

   كأنما اللهُ بالإرهاب ِ ينتصِر ُ

كم أوهموك َ بنصر ٍ من ملائكة ٍ

   تحوم ُ حولك َ خيْلا ً ليس َ تنكسِر ُ

كم أوهموك َ بأن الشام َ ساقِطة ٌ

   وهُم ْ، أمام َ شموخ ِ الشام ِ قد صَغُروا

كم تاجروا بدِماكم مِن ْ فنادِقِهم

   حيث ُ العمالة ُ.. والتَّعريص ُ.. والبَطر ُ

أمامَك َ الباص ُ، حتى الآن َ مُنتظِر ٌ

   ومِن ْ ورائِك َ إرهاب ٌ سَيندثِر

إصعد ْ، فكل ُّ رفاق الدرب ِ قد صَعَدوا

   دع ِ التَّرددَ واذهب ْ، إنه القدَر ُ

فالجيش ُ بعثر َ في الميدان ِ كِذْبَتكم

   والثائرون َ كجُرذان ِ الثرى اندثروا

جيش ُ الشآم ِ أبابيل ٌ مُظفَّرَة ٌ

   فحيث ُ كانَ، يكون ُ النصْر ُ والظَّفَر

وفي الختام لم أقصد من هذا المقال ـ كما قد يُتوهم ـ تحليل قصائد الشاعر، ولا بيان لغته وأفكاره، وإنما أردت فقط أن أنبه إلى بطولته في زمن الخوف، وشجاعته في زمن الجبن، وزهده في زمن الطمع.. وأنبه كل مخلص لسورية ولأرض الإسلام جميعا أنه حتى ولو لم يتمكن من دحر الإرهابيين بالسلاح، فيمكنه دحرهم بالكلمة الشجاعة الطيبة، والتي عبرها عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تشجيعه لأحد شعراء الإسلام الأوائل، وقوله له: (اهْجُهُمْ، أَوْ هَاجِهِمْ، وَجِبْرِيلُ مَعَكَ.. إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ مَعَكَ ما هاجيتهم)([1])


([1]) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *