دمشق.. والسيدة زينب

دمشق.. والسيدة زينب

دمشق.. والسيدة زينب

سيكتب التاريخ في المستقبل القريب، وبأحرف من نور، أن السيدة زينب حفيدة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تلك الطاهرة البتول التي حمت المسيرة الإيمانية لأخيها الحسين، وكانت منبره الإعلايم الذي حفظ الإسلام المحمدي الأصيل، هي نفسها التي حمت ـ بمقامها المضمخ بعطر الإيمان ـ مدينة دمشق، بل سورية جميعا، من الحملات التكفيرية والإرهابية التي كانت تمارس عليها، والتي كان يمكن أن ينهدّ النظام من خلالها لولا ذلك المقام الطاهر.

وسيذكر أيضا أن تلك السيدة الطاهرة من آل بيت النبوة، استطاعت أن تنادي من عرشها في ضواحي دمشق كل العاشقين لها، ومن كل أرجاء الدنيا، ليقفوا حماة مدافعين عنها، وبدفاعهم عنها حميت دمشق، وحميت معها كل سورية.

لقد كان شعارهم الذي يرددونه كل حين، والذي اهتزت له القلوب المؤمنة، واقشعرت له جلود العاشقين لآل بيت النبوة (لن تسبى زينب مرتين)، وبذلك أتيح لهم أن ينصروها بعد موتها، بعد أن حال الزمن بينهم وبين نصرتها في حياتها.

لقد كان أولئك الأبطال المتيمون بحبها، والذي سكبوا دماءهم الغزيرة على ثراها الطاهر، يدركون جيدا أن المشروع الذي يحمله الأمويون الجدد، ليس سوى امتداد لذلك المشروع القديم الذي حمله أسلافهم من الأمويين الأوائل الذين حرفوا الدين، وسفكوا الدماء، واستهانوا بكل أنواع القيم، بل حولوا الدين إلى أداة للدمار والحقد والكراهية.

وكان الأمويون الجدد يمارسون كل ذلك؛ فيقتلون ويدمرون ويحرقون باسم الدين.. بل إن من فصائلهم من كان يطلق عليه [أحفاد يزيد]، ومنهم من يطلق عليه [أحفاد الأمويين]، بل إن منهم من مارس حربه على الأموات، كما مارسها سلفه على الأحياء، فمنهم من راح يعبث بالمقام الطاهر للصحابي الجليل [حجر بن عدي] ذلك العاشق المتيم للإمام علي، والذي قتله معاوية بسبب ذلك العشق والهيام الذي جعله لا يستطيع أن يلبي ما دعاه إليه من سبه ولعنه.

ومن هؤلاء من راح يدمر كل مقام يجده أمامه، ليمحو من سورية تاريخها المجيد، حتى لا يبقى فيه إلا أولئك الصعاليك شذاذ الآفاق، أصحاب العقول المعطلة، وليس قبر النووي عنا ببعيد.. ذلك الذي أتيح له أن يكون مجاورا لبعض القرى التي احتلها الإرهابيون بريف درعا.

وقد كان قدوتهم في كل ذلك شيخهم محمد بن عبد الوهاب الذي سار مع تلاميذه وإخوانه وأحفاده لكل أثر من الآثار في الجزيرة العربية يمت للإسلام بصلة، يهدمونه، ويطمسون آثاره، حتى تأتي الأجيال اللاحقة، فلا تجد أي أثر للتاريخ الإسلامي.. بل إن منهم من هم بإخراج قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفسه.. بل إن منهم من أراد تفجير غار حراء وغيره من الآثار..

وهكذا كانت سنة الأمويين الجدد في الشام، لا تختلف عن مثيلتها في الجزيرة العربية، ذلك أن المبادئ واحدة، والمشروع واحد.. فالدولة عندهم هي تلك الدولة التي تحطم الآثار، وتبيح الرق، وتستبيح الأعراض، ثم تكتفي من الإسلام بأن ترفع شعار الوحدانية ملفوفا في خرقة سوداء كسواد قلوبهم.

ولا يظنن ظان أن ذلك الوعيد الذي وجه لمقام السيدة زينب كان خاصا بالسلفيين الذين يعتبرون المقامات والأضرحة أصناما يجب تحطيمها، بل إن الإخوان المسلمين السوريين أيضا أدلوا بدلوهم في هذا، وتوعدوا ذلك المقام الطاهر، بنفس ما توعد به السلفيون، ولا أزال أذكر جيدا الناطق الرسمي باسم الإخوان المسلمين في سورية، وهو يطل على بعض القنوات، مستعملا كل وسائل الدهاء، ليبين أن ذلك المقام ليس مقامها، ولا صلة لها به، وكأنه يشجع الإرهابيين الذين قد يكون فيهم بعض الورع حتى لا يتوروعوا في هدمه ونبشه..

لا أملك في الأخير إلا أن أهنئ سورية بذلك المقام الطاهر الذي حفظته وأكرمته عبر الأجيال الطويلة، حتى جاء اليوم الذي رد لهم فيه ذلك الجميل، فكان سببا في حمايتهم، والدفاع عنهم.

وهنيئا للمصريين عشاق بيت النبوة بذلك المقام الآخر لزينب ببلادهم، والذي كان سببا أيضا في حمايتهم، ولفترات طويلة من التاريخ كان آخرها ذلك المشروع الذي دبر بليل، واستطاعت مصر بأوليائها وأهل بيتها أن تخرج منه من غير أن يصيبها أي أذى.

أما نحن في بلادنا، فحتى ولو لم يكن لنا الشرف باحتضان تلك الأجساد الطاهرة؛ فإن قلوبنا جميعا تمتلئ بمقاماتهم وأضرحتهم وأجسادهم وأرواحهم، ولا يزال الجزائريون يرددون في زواياهم مخاطبين أهل بيت النبوة كل حين بما قاله الولي الصالح أبو مدين التلمساني:

تحيا بكم كل أرض تنزلون بها

   كأنكم في بقاع الأرض أمطار

وتشتهي العين فيكم منظراً حسناً

   كأنكم في عيون الناس أزهار

ونوركم يهتدي الساري برؤيته

   كأنكم في ظلام الليل أقمار

لا أوحش الله ربعاً من زيارتكم

   يا من لهم في الحشا والقلب تذكار

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *