حسان.. والأكل من جميع الموائد

حسان.. والأكل من جميع الموائد

من المشايخ الذين استعملهم الإعلام المغرض في التحريض على سورية ذلك الذي يدعى الشيخ محمد حسان، صاحب القناة الفضائية، وصاحب الجاه العريض، والذي كان يستقبل في السعودية استقبال الأمراء، ويستقبل بين الشعوب العربية استقبال الأنبياء.. والذي كانت تنهال عليها الهدايا والأموال من كل مكان، حتى من القذافي نفسه([1])، إلى أن استطاع أن يؤسس قناة فضائية خاصة به، لا يزاحمه فيها غيره.. ذلك ما ظهر، وما خفي أعظم.

ولم نكن لنتحدث عنه، أو نهتم به، لولا ولوغه في الدم السوري، ذلك أنه كان يحرض عليه كل حين، بل إنه من قام بقراءة بيان الدعوة للنفير العام في ذلك المؤتمر المشؤوم الذي أقامته مصر إبان حكم الإخوان المسلمين.

وقد اختاروه خصوصا، لأن الجماهير تطرب لسحر بيانه، وقعقعة ألفاظه، كما يطرب غيرها لصوت أم كلثوم أو عبد الحليم حافظ، لكن الفرق بينهما أن صوت عبد الحليم يحرك المشاعر العاطفية والوجدانية، أما صوت حسان، فيحرك مشاعر العدوانية والكراهية.

والعجيب أن هذا الرجل، الذي يكثر من استعمال المفردات والتراكيب، ويمزج بينها بطريقة عجيبة كما يفعل الكهان، ثم يستنتج منها نتائج مملوءة بالغرابة.. وعندما يكتشف غرابتها يروح يقسم ويكرر القسم، حتى ينطلي قسمه لا أفكاره على أولئك الذين استسلموا للألفاظ، ولم يستسلموا للمعاني.

ويذكرني موقف أتباعه ذلك بشخص رؤي منبهرا بخطبة بعض المشايخ، فقيل له: هل فهمت شيئا مما يقول؟ فرد على البديهة: ومن أنا حتى أفهم كلمات هذا الشيخ الجليل؟

وهكذا أتباع هذا الشيخ ومقدسوه وعابدوه، فهم لا يحللون مواقفه ولا تصرفاته، وإنما يطربون فقط لكلماته التي تسحرهم، وتجعلهم مسخرين كما يسخر الجن للكهان.

ولو أنهم تساءلوا عن سر تلك الثروة العريضة التي يملكها، ومن أين له بها.. وتساءلوا معها عن ذلك الاستقبال الخاص الذي يلاقى به لدى ملوك السعودية وأمرائها.. لعرفوا القصة من أولها، وعرفوا أن التجارة بالدين لا تقل عن التجارة بالمخدرات، ففوائدها أكثرها، وريعها أعظم، بالإضافة إلى ذلك الجاه لا يمكن لتاجر المخدرات أن يحصل عليه حتى لو غسل نفسه بمياه البحار جميعا.

لو أن هؤلاء قارنوا موقفه التحريضي على الرئيس السوري بموقفه اللين مع الكيان الصهيوني لعرفوا الحقيقة التي خبأها سحر بيانه.. فأثناء الحرب الصهيونية على غزة عام 2008 والتي أطلق عليها الصهاينة اسم [الرصاص المصبوب] وأطلقت عليها المقاومة [معركة الفرقان]، والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من ألف ومئتين من الفلسطينيين، كانت قناته [قناة الرحمة] تتبنى وجهة النظر الإسرائيلية التي حملت المقاومة المسئولية عن هذه الحرب، مثله في ذلك مثل الموقف السعودية الذي ظهر واضحًا في قناة العربية ([2]).

فقد كانت قناته حينها تتبنى نفس المنطق، وتستضيف من يهاجم المقاومة، مبررًا العدوان الصهيوني على غزة، بل إنها كانت تصف صوايخ المقاومة الفلسطينية بالصواريخ العبثية.

وهكذا كان موقفه من الرئيس المصري [حسني مبارك] الذي انتفض عليه الملايين من شعبه، وكان الأصل فيه لو كان صادقا أن يقف منه موقفه من الرئيس السوري، لكنه لم يفعل، بل آثر الصمت في انتظار النتائج التي تسفر عنها تلك المظاهرات، فهو مثل التجار الذين يخافون أن يقدموا على شراء سلعة قد تتسبب لهم في خسارة كبيرة، ولذلك استدعاه الرئس مبارك حينها، وطلب منه أن يهدئ الثوار، ويصرفهم من ميدان التحرير، فخرج الشيخ مطالبًا الثوار بالعودة لبيوتهم وترك الميدان مع وعود بتلبية مطالبهم.

ولذلك حين قرر مبارك قبيل ثورة يناير إغلاق القنوات الإسلامية كانت قناة الرحمة الوحيدة التي سمح لها بالاستمرار مع تغيير الاسم فقط بنفس المحتوى الذي كانت تقدمه مما يدل على رضا النظام عنه.

لكنه وبعد صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة تحول إلى إخواني أكثر من الإخوان أنفسهم، وصار صديقا لمرسي، وصار يدعو بدعوتهم، يصيح بلسانهم، ولذلك اختير في ذلك اليوم المشؤون ليدعو للنفير العام للجهاد في سورية، لعلمهم بسحر كلماته، وتخديرها للعقول.

لكنه ما لبث أن أدار ظهره لللإخوان، بعد أن احترقت ورقتهم، بل صار ناقدا لهم، وصار يهددهم بأنه لو شاء أن يكشف أوراقهم، لفضحهم بها.. وسكتوا.. واستسلم الكثير منهم لتهديداته.. وراح بعضهم ينتقد طروحاته، وهم يتصورون أنها طروحات يمكنهم تحليلها ومناقشتها، ولا يعلمون أنهم يناقشون تاجرا استفاد من الجميع، وباع الجميع.

فهو قد استفاد من القذافي تلك الملايين الكثيرة، وبعدها راح يبيع فتوى لأعدائه بقتله والتحريض عليه.. واستفاد من الرئيس مبارك، ثم راح يبيعه بعد أن احترقت أوراقه.. واستفاد من مرسي.. ثم باعه.. وهكذا مارس التجارة الدينية بكلمات يرددها، وسجعات كهان يأسر بها القلوب، ويقيد بها العقول التي تستسلم للكلمات، ولا تحللها ولا تفكر في مضامينها.


([1])  تداول عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي صورة للرئيس الليبي الراحل معمر القذافي ومعه كل من الشيخ محمد حسان وصفوت حجازي وعمر عبد الكافي والشيخ أبو اسلام، كما عرضوا شيكات، قدمها القذافي لكل من لمحمد حسان بمبلغ 3 ملايين دولار أمريكي والثاني بمليون ونصف دولار للشيخ صفوت حجازي والشيك الثالث لعمر عبد الكافي بمليون ونصف دولار، وتكشف الشيكات العطايا المالية التي حصل عليها الشيوخ الكبار من القذافي، قبل سقوط نظامه، وكلها عبارة عن خطابات صادرة عن بنك ليبيا المركزي. انظر: بالمستندات..أموال حصل عليها حسان وعبدالكافي وحجازي من القذافي، فهمي غالي، موقع البوابة، 17/08/2014.

([2])  انظر مقالا بعنوان: حول الغضب من ولأجل الشيخ محمد حسان.. لا عصمة لبشر في الإسلام، عبد الله النجار، موقع ساسة.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *