المقدمة

المقدمة

هذه مجموعة مقالات تنويرية تحاول أن تخاطب الضمائر التي لا تزال فيها بعض الحياة، لعلها تستوعب حقيقة ما جرى لسورية من أنواع العدوان الآثم، والذي استخدمت فيه كل ألوان الظلم والجور والكراهية.

وقد التقى في هذه الحرب كل الحاقدين والانتهازين من رجال السياسة والدين والإعلام، وضخت لأجلها آلاف الأطنان من الأسلحة الفتاكة بمختلف أنواعها، واستقدم لها كل مرتزقة الحروب من أصحاب العقول المعطلة والتدين المزيف.

لذلك لم يحصل في التاريخ أن توفر لأي دولة مثل هذا العدوان، الذي يمكن اعتباره [حربا كونية] حقيقة لا مجازا.. لأن المحاربين لسورية لم يستخدموا فقط تلك الأسلحة التقليدية المعتادة، وإنما استخدموا فيها الدين المزيف، والعقل المعطل، والإعلام المغرض.

لذلك كانت الكتابة التنويرية نوعا من أنواع المواجهة لتلك الحرب، فهي قد بدأت ثقافية قبل أن تصبح عسكرية، وهي قد وفرت القابلية للحرب الناعمة قبل أن تمارسها، وقبل أن تحولها إلى حرب صلبة.

وبناء على هذا، حاولنا في هذه المقالات أن نجمع الأطروحات المختلفة التي نشرت الفتنة بسببها على سورية، وبينا حقيقتها، وحقيقة ما جرى بالضبط.

وقد حاولنا تبسيطها الاختصار فيها قدر الإمكان، لأن الهدف المرجو منها ليس أن تبقى بين يدي خاصة الناس، وإنما أن تصير بين يدي عامتهم، وخاصة أولئك الذين ضللهم الإعلام الحاقد، والذين يحتاجون أن يسمعوا الحقائق بطريقة تتناسب معهم، ومع الحقيقة نفسها.

وأحب أن أجيب أولئك الذين سألوني ـ عند نشري لهذه المقالات ـ عن سر تخصيصي لهذا الوقت بالضبط دون غيره لنشر هذا الكتاب، بأنني كتبت قبل هذه الفترة المقالات الكثيرة، والتي نشرتها في الصحف والكتب المختلفة، بل إن الكثير مما كتبته في سلسلة [الدين والدجل] كان في الرد على المنظومة الفكرية التي تبنت الحرب على سورية، وعلى مثلها من البلاد العربية والإسلامية.

أما دفاعي عنها في هذه الفترة بالضبط، وخروجي عن التلميح في نواح كثيرة إلى التصريح، فالفضل فيه يعود لذلك الاعتداء الثلاثي الأمريكي والبريطاني والفرنسي، وقبله الاعتداء الإسرائيلي، من دون أن أرى أي تنديد لا عربي، ولا إسلامي، ما عدا بعض الدول القليلة المحدودة، والتي تلقى من الحرب ما تلقاه سورية نفسها.

بل إن بعض الدول العربية راحت تعلن تأييدها وتطالب بالمزيد من الاعتداءات.. وعندما اجتمعت الدول العربية في قمة الظهران لم تتحدث عن تلك الاعتداءات، بل راحت تقرها وتؤكدها وتدعو لنظائر لها.

وعندما رحت لمواقع العلماء والمتنورين منهم خصوصا وجدتهم لا يعطون الأمر أي قيمة، بل وجدت منهم من حزن، لا للاعتداء، وإنما لعدم استمراره وتحقيقه لأغراضه.

حينها رحت أعاتب نفسي، بل أوبخها.. لأني صرت مثل كل أولئك الساكتين الذين آثروا الحياد.. والحياد في أمثال هذه المواقف خيانة وجريمة.

لقد عرفت أن الله تعالى اختبرنا بتلك الاعتداءات، وهل نسكت، أم نجامل، أم نهادن أولئك الأصدقاء الذين لا يحترموننا إلا إذا جاملناهم، وفكرنا بالطريقة التي يفكرون بها، ووقفنا المواقف التي يقفونها.

لقد صرت بين أمرين: إما أن أؤثر مرضاة الله بمناصرة سورية الجريحة التي تئن من كثرة أعدائها، أو أولئك الذين يثنون علينا، ويذكرون أنهم يستفيدون منا، ولكنهم في نفس الوقت يريدون منا أن نكون عبيدا لمواقفهم وأفكارهم.. لذلك آثرنا أن نجهر بالحقيقة تصريحا بعد أن كنا نجهر بها تلميحا.

ولذلك حيينا الرئيس السوري والجيش السوري وكل الذين وقفوا مع سورية، لأن الوقت الآن وقت تُحفظ فيه الوحدة، ويُحفظ فيه الأمن القومي، ولا يجوز فيه قلب الأوراق التي تثير الفتنة وتطمع الأعداء.

ومثل ذلك شددنا الحملة على أولئك الذين يتاجرون بالدين، ويستعملونه مطية لضرب الأمة، وإعطائها لقمة سائغة لأعدائها.

لقد كانت صواريخ ترامب دفعة قوية لنا لنرسل أمثالها من الصواريخ التي تضاد كل فكر يحارب الأمة، ويهدد وحدتها.. فقد ظهر الصباح، وبان لذي عينين، ومن آثر أن يظل أعمى، فليبق أعمى.

وأحب أن أوجه نصيحة لكل أولئك الذين آثروا الحياد والعافية والحرص على السمعة الطيبة بأنهم في موقف مفصلي؛ ذلك أن من سمع بتكالب الغرب على سوريا وضربهم لها، ولم يتحرك له جفن، أو يتأثر، فهو إما ميت أو عميل..

ومن لم يقف مع إخوانه في سورية هذه الايام لينتصر لهم، ويتألم لآلامهم، فقد باع نفسه للشياطين.

ومن لم يستفق لحقيقة ما يجري، وهو يرى المعارضة السورية العميلة تفرح بالضربة الثلاثية لبلدها، بل تتألم لأنها لم تحقق أهدافها فلن يستفيق أبدا.

ومن لم يفطن للجزيرة والعربية وغيرهما من قنوات الفتنة حين يرى تغطيتها للاحداث الجارية وتشجيعها لترامب ولكل المجرمين على ضرب سورية، فسيبقى عقله دائما موضعا لقمامتها.

ومن لم يميز بين العلماء العاملين الصادقين في هذه الفترة التي يضرب فيها قلب العروبة الاسلام، فلن يميز بينهم أبدا.

ومن لم يعجبه هذا الحديث.. واراد مني ان اتركه حتى احافظ على صداقتي معه فهو لا يعرفني وأنا لا حاجة لي بصداقته ولا صداقة اي احمق أو مغفل، وأقول لهم ما قال الشاعر:

إني لآمن من عدو عاقل

   وأخاف خلا يعتريه جنون

فالعقل فن واحد وطريقه

   أدرى فأرصد والجنون فنون

وقول الإمام علي:

فلا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه

   فكم من جاهل أردى حليما حين آخاه

يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ما شاه

   وللشيء من الشيء مقاييس وأشباه

***

وبناء على طبيعة هذه المقالات والأغراض التي تهدف إليها، فقد قسمتها إلى ثلاثة أقسام على الرغم من كونها متداخلة فيما بينها، لأن الهدف منها جمياع هو التنوير، وذكر الحقائق كما هي، وهذه الأقسام هي:

القسم الأول ـ ما الذي يحدث في سورية: وقد حاولت أن أوضح فيه حقيقة ما يجري فيه سورية، وكونه مؤامرة خارجية تهدف إلى تمزيق سورية وتقزيمها وإخراجها من محورها المقاوم، حتى يتاح المجال لأعدائها للتحكم في قضايا الأمة المصيرية.

القسم الثاني ـ سورية والحرب الدينية: وقد رددت فيه على تلك الطروحات التي لبست لباس الدين المزيف، لتوفر القابلية للشعوب الإسلامية للحرب الناعمة، وما يعقبها من الحرب الصلبة والقذرة والكونية.

القسم الثالث ـ سورية والمواجهة الشريفة: وقد ذكرت فيه بعض النماذج عن الشرفاء الذين كان لهم الدور الكبير في حماية سورية، ومواجهة المشاريع الظلامية التي استهدفتها.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *