المقدمة

يحاول هذا الكتاب ـ من خلال النماذج السبعة المختارة، ومن خلال العودة للمصادر التاريخية ـ أن يدرس الواقع الحقيقي لتلك الأمجاد التي يفتخر بها الكثير من الناس من غير وعي لحقيقتها المزيفة، والتي لم تزد المسلمين إلا تخلفا، ولم تزد القيم الإسلامية إلا تشويها.
وقد دفعنا إلى ذلك عوامل كثيرة منها:
أولا ـ نحن مطالبون شرعا وأخلاقا بأن نشهد بالحق، ولو على أنفسنا، وألا نطفف في الموازين، وألا نحكم إلا بالمعايير التي رسمتها لنا الشريعة، وقد رأيت أن كل ذلك للأسف قد غُيب في التعامل مع الأحداث التاريخية، مثلما غيب في غيرها، ذلك أن أكثر المسلمين يتغنون بأمجاد شخصيات كانت ـ كما تنص المصادر التاريخية ـ ممتلئة بالفسوق والفجور وجميع أنواع الانحلال الأخلاقي، في نفس الوقت الذي تمارس فيه كل أنواع الاستبداد والظلم والتشويه للحقائق، ومع ذلك نجد اعتبار كتمان تلك الحقائق دينا وعدلا.
ولست أدري كيف يكون الكتمان الذي وقع فيه بنو إسرائيل ونهينا عنه دينا، في نفس الوقت الذي نشيع فيه جرائم غيرنا، ونفخر عليهم بأننا أفضل منهم، وكل ذلك تزوير وكذب، فما وقع فيه غيرنا، وقعت فيه أمتنا، وبصورة لا تقل شراسة..
ولذلك كان العدل يقتضي منا ـ كما أشعنا الجرائم التي أثبتها التاريخ لغيرنا ـ أن نشيع الجرائم التي أثبتها التاريخ لنا.. فنحن لسنا أمة معصومة، ومن الخطأ أن نتعامل مع غيرنا بذلك الكبرياء المزيف الذي يمكن لأي عاقل يعود للمصادر أن يكشفه بسهولة.
ثانيا ـ أني رأيت أن التاريخ الإسلامي ـ بدل أن يكون مجرد أحداث وقعت في زمن ما ـ أصبح دينا يتعبد به الناس، وأصبحت شخصياته رموزا مقدسة، وذلك ما جعل الدين الإلهي في خطر، لأن الآخر عندما ينظر إلى تاريخنا وسواده واستبداده، ثم يرى فخرنا به، يتصور أنه حقيقة الدين الذي نؤمن به مع المسافة الشديدة بينهما، ولهذا أدرجنا الكتاب ضمن سلسلة [دين الله.. ودين البشر]، والتي تحاول التمييز بين دين الله الأصيل، وبين ما زاده البشر من تلقاء أنفسهم.
ثالثا ـ أن المصادر المقدسة أخبرت بالانحراف الذي ستقع فيه الأمة، مثلما وقعت فيه الأمم قبلها، ولذلك كان هذا الكتاب محاولة لإثبات ما ورد فيها حول الواقع التاريخي للأمة الإسلامية في فترة الملك العضوض، أو في الفترة التي تتخاذل فيها عن تنفيذ وصايا نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، أو في الدورة التاريخية التي تتحرك فيها باجتهادها بعيدا عن الوحي..
ونحن لا نعتقد أن هذه الدورة هي نهاية تاريخ المسلمين، بل نعتقد
أنها تجارب في تاريخ المسلمين.. ليصلوا بعد تدبرها والاعتبار بها إلى تصحيح مسيرتهم وفق المنهج القرآني الأصيل، لا وفق ذلك التاريخ المزيف.
رابعا ـ أن النصوص المقدسة كما دعتنا إلى اعتماد الصدق في الأخبار، دعنا إلى الاعتبار بها، والاستفادة منها، ولذلك كان هذا الكتاب محاولة لعرض الأحداث التاريخية على المنهج القرآني في التعامل مع التاريخ.. بعيدا عن الهوى، وذلك الخيلاء الكاذب.
هذه أهم الدوافع التي جعلتنا نهتم بمثل هذه الأحداث التاريخية، والتي حاولنا أن تكون نماذج متفرقة، نتعلم من خلالها دراسة التاريخ وفق المنهج الإسلامي الأصيل، لا وفق ذلك المنهج التبريري الذي يحاول أن يضع ركاما من الرمال على أخطاء الملوك الذي سموا أنفسهم خلفاء.. وعلى أخطاء المستعمرين الذين سموا أنفسهم فاتحين.. وعلى أخطاء المجرمين الذين لبسوا لباس الإسلام، وهم يتصورون أنهم يدافعون عنه، بينما لهم يكن لهم من دور سوى تشويهه، وتحويله إلى الصورة التي نراه عليها اليوم.
وقد اخترنا هذه النماذج السبعة لتكون دليلا على غيرها، وقد عنوناها كما يلي:
- لماذا يحب الصهاينة صلاح الدين الأيوبي.. ويتمنون عودته؟
- هل كان هارون العباسي رشيدا.. أم سفيها؟
- هل كان المتوكل ناصرا للسنة.. أم عدوا لها؟
- هل كان دخول المسلمين إلى الأندلس فتحا؟
- أيهما أكثر جرما: العثمانيون أم الصفويون؟
- من أسقط بغداد: الخليفة أم وزيره؟
- الملك العضوض.. والصياغة البشرية للدين
وقد اعتمدنا فيها جميعا المصادر التاريخية التي يعتمدها المتغنون بالأمجاد المزيفة، فلم نرجع لكتب المستشرقين، ولا الحداثيين، ولا غيرهم، بل اكتفينا بكل تلك المصادر التي يعتبرونها تجمع أحداث التاريخ الإسلامي بإنصاف واعتدال.