المبحث الثاني: المشروع الإصلاحي لجمعية العلماء

المبحث الثاني: المشروع الإصلاحي لجمعية العلماء
بعد التعرف على التوجه الفكري الذي يكاد يجمع أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عليه، والذي رأينا أنه مزيج من المدرستين السلفيتين: التنويرية والمحافظة، نحاول في هذا المبحث التعرف على المشروع الإصلاحي الذي حاولت الجمعية تحقيقه على أرض الواقع، فلا يمكن التعرف التام على التوجه الحقيقي لأي تيار إلا من خلال مبادئه الفكرية ومشاريعه العملية.
ونرى أن أحسن محل يمكن من خلاله التعرف على مشاريع أيا تيار أو مدرسة هو النظر في أهدافه التي يريدها سواء عبر هو عنها، أو عرف بها في الواقع، ولعل المعرفة الواقعية أخطر، لأنها تدل على المنجزات أكثر من دلالة التصريحات النظرية، والتي كثيرا ما تتلبس بلباس المثل، فلذلك لا يمكن الاعتماد عليها اعتمادا حقيقيا.
وقد عبر (فرحات عباس)، الذي عرفنا أنه من النخبة المثقفة ثقافة فرنسية عن أهداف الجمعية، فذكر أنها تنحصر في الرجوع إلى العربية والإسلام، ومحاربة أصحاب الطرق الصوفية المتواطئين مع الاستعمار، وتكوين إطارات اجتماعية مشبعة بالثقافة العربية، لا تنكر فضل الثقافة الفرنسية([1]).
وهكذا الأمر بالنسبة للمؤرخين الأجانب فـ (شارل أندريه جوليان) حدد أهداف الجمعية على أنها دينية ثقافية في آن واحد، فمن الناحية الدينية أرادت الرجوع بالإسلام إلى نقاوته الأصلية عن طريق محاربة الطرقية التي اتبعت أمورا لا صلة لها بالقرآن والسنة، أما من الناحية الثقافية فقد قامت على جمع الشتات والهيئات الإسلامية بالتقريب قصد خلق كتلة واحدة من المسلمين([2]).
و(جوزيف ديبارمي) لخص أهداف الجمعية في (فهم لغة القرآن، والرجوع إلى الثقافة الإسلامية القديمة، وجعل المغرب العربي كقلعة للعبقرية الشرقية في وجه الغرب وتنقية وتبسيط الدين الإسلامي)([3])
هذا بالنسبة لما عرفت به في الواقع عند الكثير، أما تصريحات الجمعية نفسها، فقد عبر عنها الإبراهيمي عندما وصفها بأنها (جمعية علمية دينية تهذيبية)، أي أنها تهدف إلى نشر العلم، وإحياء الدين، وتهذيب المجتمع.
وقد شرح هذه الأهداف بقوله: (فهي بالصفة الأولى (علمية) تعلم وتدعو إلى العلم، وترغب فيه وتعمل على تمكينه في النفوس بوسائل علنية واضحة لا تتستر، وهي بالصفة الثانية تعلم الدين والعربية لأنهما شيئان متلازمان وتدعو إليهما وترغب فيهما وتنحو في الدين منحاها الخصوصي، وهو الرجوع به إلى نقاوته الأولى وسماحته في عقائده وعياداته، لأن هذا هو معنى الإصلاح الذي أسست لأجله ووقفت نفسها عليه، وهي تعمل في هذه الجهة أيضًا بوسائل علنية ظاهرة.. وبمقتضى الصفة الثالثة تدعو إلى مكارم الأخلاق التي حض الدين والعقل عليها لأنها من كمالهما، وتحارب الرذائل الاجتماعية التي قبح الدين اقترافها وذم مقترفيها، وسلكت في هذه الطريق أيضًا الجادة الواضحة.. وبهذه الصفة تعمل لترقية فكر المسلم بما استطاعت، وترشده إلى الأخذ بأسباب الحياة الزمنية، وتريه ما يتعارض منها مع الدين وما لا يتعارض.. فالجمعية- بهذا الوصف الحقيقي لها- أداة من أدوات الخير والصلاح، وعامل لا يستهان به من عوامل التربية الصالحة والتهذيب النافع، وعون صالح لأولي الأمر على ما يعملون له من هناء وراحة، تشكر أعماله ولا تنكر)([4])
ولتبسيط هذه الأهداف وضبطها لخصها الإبراهمي، أو فصلها بعد إجمال في هذه البنود الثمانية:
1- تنظيم حملة جارفة على البدع والخرافات والضلال في الدين، بواسطة الخطب والمحاضرات، ودروس الوعظ والإرشاد، في المساجد، والأندية، والأماكن العامة والخاصة، حتى في الأسواق، والمقالات في جرائدنا الخاصة التي أنشأناها لخدمة الفكرة الإصلاحية.
2-الشروع العاجل في التعليم العربي للصغار، فيما تصل إليه أيدينا من الأماكن، وفي بيوت الآباء، ربحًا للوقت قبل بناء المدارس.
3-تجنيد المئات من تلامذتنا المتخرجين، ودعوة الشبان المتخرجين من جامع الزيتونة للعمل في تعليم أبناء الشعب.
4-العمل على تعميم التعليم العربي للشبان، على النمط الذي بدأ به ابن باديس.
5-مطالبة الحكومة برفع يدها عن مساجدنا ومعاهدنا التي استولت عليها، لنستخدمها في تعليم الأمة دينها، وتعليم أبنائها لغتهم.
6-مطالبة الحكومة بتسليم أوقاف الإسلام التي احتجزتها ووزعتها، لتصرف في مصارفها التي وُقِفَت عليها. (وكانت من الكثرة بحيث تساوي ميزانية دولة متوسطة).
7-مطالبة الحكومة باستقلال القضاء الإسلامي، في الأحوال الشخصية مبدئيًا.
8-مطالبة الحكومة بعدم تدخلها في تعيين الموظفين الدينيين.
وقد كانت مقالات وخطب أعضاء الجمعية كلها تنص على هذه الأهداف، وتذكر بها كل حين حتى ترفع تلك الشبهات التي كانت ترمى بها كل حين، فهذا الشيخ فرحات بن الدراجي([5]) الذي يقول في خطبة له: (أيها الإخوة الكرام إن غايتنا التي نسعى في الوصول إليها وهدفنا الذي نرمي إليه أن ننهض بالإسلام ونعمل على تنقيته مما ألصق به؛ ولن يكون ذلك إلا بالرجوع لأصوله الأولى ومصادره الصحيحة حتى يرجع إليه جماله وجلاله؛ وأن نعمل على إحياء لغة القرآن حتى يرجع إليها سالف مجدها، وغابر عزها وحتى تصبح منتشرة في المدن والقرى، وبين الأفراد والجماعات. هذه هي الغاية التي لها نعمل ما دام فينا عرق ينبض؛ ولن يصدنا عنها تهديد ولا وعيد، لنبرهن بأقوالنا وأعمالنا للذين يحاولون أو يعملون بالفعل على قطع كل صلة تربطنا بالإسلام الصحيح والعربية الفصيحة، لنبرهن لهؤلاء أن الإسلام روح المسلم، والعربية لسانه، وليس في الإمكان أن يعيش إنسان بلا روح ومن غير لسان)([6])
بناء على هذا يمكن تقسيم أهداف الجمعية إلى أربعة أهداف هي:
أولا ــ الإصلاح الديني
ثانيا ــ لإصلاح السياسي
ثالثا ــ لإصلاح الاجتماعي
رابعا ــ لإصلاح التربوي
وقد خصصنا كل هدف منها بمطلب خاص.
المطلب الأول: الإصلاح الديني عند جمعية العلماء
كشأن جميع الحركات الإسلامية، والسلفية منها خصوصا، فإن الإصلاح الديني([7]) هو المنطلق الذي تنطلق منه العملية الإصلاحية جملة وتفصيلا، وذلك لاعتقاد المصلحين في هذه التيارات أن الانحراف الديني أو الانحراف عن الدين كلاهما سبب لكل الانحرافات.
فالانحراف الديني يعني إيجاد منظومات جديدة مبتدعة تلبس لباس الدين لتنحرف به عن مساره الصحيح.
والانحراف عن الدين يعني إيجاد بدائل عن الدين قد تلبس لباس الهوى المجرد، وقد تلبس ألبسة أيديولوجية أخرى شبيهة بالدين.
وقد عبر الشيخ ابن باديس عن حاجة الإصلاح لمواجهة كلا الانحرافين، فقال: (قد رأينا ونحن نخدم أمَّة مسلمة أن نسعى لتهذيبها من طريق الإسلام، ولم نشكّ قطُّ أنّ الإسلام ليس هو ما تمثِّله بسيرة مجموعها وأفرادها، وأنَّ الإسلام إنَّما هو في كتاب الله وسنَّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما كان عليه سلفُها من أهل القرون الثَّلاثة المشهود لهم بالخيريَّة على لسان الصَّادق المصدوق، فصمدنا ندعو الأمَّة إلى الرجوع إلى هذه الأصول وطرحِ كلِّ ما يخالفها من قول وعمل واعتقاد)([8])
فهذا النص يدل على تبني الجمعية على لسان رئيسها الإسلام أولا كمرجع للإصلاح، ثم تحديدها إسلام أهل القرون الثلاثة، أو إسلام الاتجاه السلفي بكل مقوماته، لترد من خلاله كل انحراف عنه.
هذا من الناحية الفكرية النظرية، أما من الناحية الواقعية، فنجد اهتمام الجمعية بالجانب الثاني قد طغى على الجانب الأول، فكان اهتمامها بالانتقاد أكثر من اهتمامها بالبناء.
ولهذا لا نجد في فكر الجمعية أو تراثها أو منجزاتها العلمية عرضا للإسلام يوازي ما قامت به من تهديم لما تراه من انحرافات، ولعل هذا ما تتفق عليه جميع التيارات السلفية، وخاصة المحافظة منها نتيجة تغليبها المذهبية والطائفية على الإسلام.
فابن باديس أو غيره من المصلحين عند ذكر الإصلاح الديني يربطه دائما بالتوجه السلفي، وكأنه يظن أن الإسلام وحده – والمتضمن في مصادره المقدسة- لا يكفي إلا إذا قيد بفهم السلف وفعل السلف وختم السلف.
فلفظة (السلف) عنده –كما هي عند غيره من أعضاء الجمعية- لازمة مرتبطة بالكتاب والسنة لا يمكن التنازل عنها بحال من الأحوال، فقد كتب – مثلا- في جريدته (الشهاب)؛ في فاتحة السَّنة الثَّالثة عشرة، يقول: (وسنخطو هذه الخطوة – إن شاء الله تعالى – على ما عرفه النَّاس من مبدئنا في الإصلاح الدِّينيّ من ناحية العقائد والأخلاق والأفكار والأعمال، تصحيحاً وتهذيباً وتنويراً وتقويماً، كلُّ ذلك في دائرة الإسلام كما نزل به القرآن، وبيَّنته السُّنَّة، ومضى عليه – علماً وعملاً – السَّلف الصَّالح من هذه الأمَّة)([9])
وعندما عرض دعوة جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين وأصولَها ذكر من بينها: (الإسلام هو دين الله الذي وضعه لهداية عباده، وأرسل به جميع رسله، وكمَّله على يد نبيِّه محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا نبيَّ بعده.. القرآن هو كتاب الإسلام.. السنّة – القوليّة والفعليّة – الصَّحيحة، تفسيرٌ وبيان للقرآن.. سلوك السَّلف الصَّالح – الصَّحابة والتَّابعين وأتباع التَّابعين – تطبيقٌ صحيح لهدي الإسلام.. فهوم أئمَّة السَّلف الصَّالح، أصدق الفهوم لحقائق الإسلام ونصوص الكتاب والسُّنَّة..)([10])
وليس هذا خاصا بالفترة التي تولى فيها رئاسة الجمعية، بل كان هذا هو أسلوبه الإصلاحي، فقبل تشكيل الجمعيّة، أنشأ جريدة (المنتقد)، واسمها يدل عليها، ولذلك عُطِّلت بعد فترة وجيزة، فأتبعها بجريدة (الشهاب) التي عرفها بكونها (شهابٌ رصد على الدِّين الصَّحيح من أن تلمَسه أيدي دجاجلة السُّوء وأنصار البدعة بأذى، وشهابٌ ثاقب يُقذف به كلُّ شيطان رجيم وأفَّاك أثيم..)([11])
وقد جاء في هذه الجريدة التَّصريح الصَّريح بالدَّعوة إلى هذه الأصول العظيمة: (إنّ من أهمِّ ما أُسِّست له هذه الصَّحيفة: الإصلاحَ الدِّيني وتطهيرَ العقائد من نزعات الشِّرك وباطل الخرافات ودحضَ أنواع البدع القوليَّة والفعليَّة، والإشادةَ بلزوم الاهتداء بالكتاب والسنَّة وعمل السَّلف الصالحين، والأخذَ بكلِّ ما وافق هذه الأصول، والطّرحَ لكلِّ ما خالفها)([12])
حتى وصيته الجامعة أشار فيها إلى هذا: (اعلموا – جعلكم الله من وعاة العلم، ورزقكم حلاوة الإدراك والفهم، وجمَّلكم بعزَّة الاتِّباع، وجنَّبكم ذِلّة الابتداع – أنَّ الواجب على كلِّ مسلم في كلِّ زمان ومكان، أن يعتقد – عقدا يتشرَّبه قلبه، وتسكن له نفسه، وينشرح له صدره، ويلهج به لسانه، وتنبني عليه أعماله – أنَّ دين الله تعالى – من عقائد الإيمان وقواعد الإسلام وطرائق الإحسان – إنّما هو في القرآن والسنّة الثابتة الصحيحة وعمل السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وأنّ كلَّ ما خرج عن هذه الأصول، ولم يحظَ لديها بالقبول – قولا كان أو عملا أو عقدا أو حالا – فإنّه باطل من أصله، مردود على صاحبه، كائنا من كان، في كلِّ زمان ومكان.. هذه نصيحتي لكم ووصيَّتي أفضيت بها إليكم، فاحفظوها واعملوا بها، تهتدوا وترشدوا – إن شاء الله تعالى -؛ فقد تضافرت عليها الأدلة من الكتاب والسنّة وأقوال أساطين الملة من علماء الأمصار، وأئمة الأقطار، وشيوخ الزهد الأخيار، وهي – لعمر الحقّ – لا يَقبلها إلا أهل الدِّين والإيمان، ولا يردُّها إلا أهل الزيغ والبهتان)([13])
وعلى هذا المنهج سار جميع المصلحين – للأسف – فقد غلب عليهم الإسلام المذهبي، والصراع مع الآخر وإلغائه، بل حتى الصراع مع التراث الإسلامي عن بيان الإسلام الحقيقي بجميع منظوماته.
فهذا الشيخ مبارك الميلي يقول: (فالدَّاعي إلى الكتاب والسُّنَّة وتفهُّمِهما إنَّما هو داعٍ لتحقيق كلمتَيْ الشَّهادة، ولهذا نجد فيهما وفي كلام سلف الأمَّة الحثَّ على تعلُّمهما واتِّباعهما وتحكيمهما عند النِّزاع، والتَّحذيرَ من مخالفتهما وارتكابِ ما أنكراه على من تقدَّمَنا من مشركين وكتابيِّين)([14])
وهذا الشَّيخ العربي التبسي يقول: (فإنَّ الدَّعوة الإصلاحية التي يقوم بها دعاة الإصلاح الإسلاميّ في العالم الإسلاميّ عامّة، وتقوم بها (جمعيّة العلماء) في القطر الجزائريّ خاصّة، تتلخَّص في دعوة المسلمين إلى العلم والعمل بكتاب ربِّهم وسنَّة نبيِّهم، والسَّير على منهاج سلفهم الصَّالح في أخلاقهم وعباداتهم القوليّة والاعتقاديّة والعمليّة، وتطبيق ما هم عليه اليوم من عقائدَ وأعمال وآداب على ما كان في عهد السَّلف الصَّالح، فما وافقه عدَدْناه من دِين الله فعمِلنا به، واعتبرنا القائم به قائماً بدِين الله، وما لم يكن معروفاً في عهد الصَّحابة عدَدْناه ليس من دين الله، ولا علينا فيمن أحدَثه أو عمل به؛ فالدِّين حُجَّة على كلِّ أحد وليس عمل أحد حُجَّةً على الدِّين..)([15])
وليس هذا خاصا بابن باديس أو مبارك الميلي، أو غيرهما، بل هو شأن جمعيّة العلماء جميعا، فقد نصت في قانونها الدَّاخلي على أن (الجمعيّة تريد أنْ ترجع بهذه الأمَّة – من طريق الإرشاد – إلى هداية الكتاب والسُّنَّة وسيرة السَّلف الصَّالح، لتكون ماشية في رقيِّها الرُّوحيّ على شعاع تلك الهداية)([16])
ولكن مع هذا، نذكر أن هناك اهتماما، وإن شابه قصور كبير بالناحية الأولى، وهي الانحراف عن الدين، فقد اهتمت الجمعية بظاهرتي الإلحاد والتبشير اهتماما لا يتناسب مع خطرهما.
وقد ذكره الشيخ البشير الإبراهيمي متأسفا، فقال: (الإلحاد ضيف ثقيل حل بهذا القطر منذ انتشرت بين أبنائه الثقافة الأوروبية من طريق التعليم اللاديني أو من طريق التقليد الأعمى، وغذته غفلة الآباء والأولياء عن هذه الناحية الضعيفة من أبنائهم)([17])
ثم ذكر كيفية سريان الإلحاد من خلال التعليم في المدارس اللائكية، فقال: (ذلك أن الناشئ الذي يتلقى التعليم في هذه المدارس اللايكية يحس من أول أيامه في التعليم بمنافرة ما يتعلمه في المدارس من حقائق الكون مثلًا لما تعوّد سماعه من أهليه، ثم يزداد ما يسمعه في المدارس رسوخًا في نفسه بما يقام عليه من الدلائل فيزداد على قدر ذلك نفورًا من كل ما يسمعه من أهليه، ثم ينقلب ذلك النفور منهم ومما يسمعه منهم احتقارًا لهم وله، ولكل ما يلابسهم من عوائد وأزياء حتى ينتهي به الأمر إلى الدين إذ يجد أبويه وأقاربه لا يعرفون منه إلّا قشورًا ممزوجة بالخرافات، ثم هم لم ينشئوه على احترام الدين ولم يشربوه حبه من الصغر ولم يروضوه على إقامة شعائره، فإذا تمادت به مراحل التعليم وهو على هذه الحالة، شب على الوحشة من قومه ولغته ودينه وملك الالحاد عليه أمره إلّا من رحم ربك، وهذه عاقبة طبيعية للإهمال المتفشي في مثل الأوساط الجزائرية)([18])
ويذكر دور الجمعية في مواجهة الإلحاد، فيقول: (وقد كان لجمعية العلماء الآثار المحمودة في مقاومة الالحاد بما يبثه رجالها من حقائق الدين، وبما يشرحونه في دروسهم ومحاضراتهم من مطابقته للعقل واتفاقه مع قضايا العلم ومسايرته للحياة المدنية، وبما أرشدوا إليه الآباء من رعاية الأبناء والظهور أمامهم بمظهر القدوة الصالحة في الدين والخير والفضيلة)([19])
وهو يذكر اهتمام أعضاء الجمعية بهذا الصنف من الناس، بل يعتبر أنهم أقرب إلى الإصلاح من غيرهم، فيقول: (ولكن رجال جمعية العلماء يعلمون أن هذه الطائفة المعرضة للإلحاد هي زهرة الأمة وأنها جديرة بكل عناية واهتمام، وأنها- وإن لم تسلم من طائف الإلحاد- سالمة من الجمود والتخريف، وأنها أقرب إلى الإصلاح والرجوع إلى الحق بما معها من إدراك صحيح وبما فيها من ملكات الاستدلال، لذلك مازجوا هذه الطائفه وخلطوها بأنفسهم، وعرفوا كيف يجذبونها إلى المحاضرات والدروس الدينية، فكان لهذه الطريقة الرشيدة أثرها الصالح في تقويم زيغ الزائغين منها وإرجاعهم إلى حظيرة الدين بكل سهولة)([20])
وهو يعود إلى توجهه السلفي حين يعتبر مقاومة التصوف والطرق الصوفية سدا لباب من أبواب الإلحاد، فيقول: (أرأيت أن القضاء على الطرقية قضاء على الإلحاد في بعض معانيه وحسم لبعض أسبابه؟)([21])
ويرد على من عاتبهم على إهمالهم الإلحاد وانشغالهم بالطرق الصوفية، فيقول: (وقد قرأت في هذه الأيام لكتاب تونسي مقالًا يَنْعَى فيه على جمعية العلماء إهمالها لهذه الجهة من جهات الفساد وهي جهة الإلحاد.. وفات هذا الكاتب الفاضل أن جمعية العلماء لم تسكت عن الالحاد بل هاجمته في أمنع معاقله، ونازلته في أضيق ميادينه، كما فاته أن صرعى الالحاد لا يغشون المساجد، فما تأثير الخطب الجمعية التي تلقى على المصلين؟ وهل يداوى المريض بتحذير الأصحاء من المرض أو أسباب المرض؟ ألا إن العالم المرشد كالطبيب، لا ينجح في إنقاذ المريض من الموت إلا بغشيان مواقع الموت ومباشرة جراثيم الموت)([22])
وهو لا شك يعتبر جراثيم الموت هي تلك الطرق الصوفية، ولسنا ندري مدى دقة هذا أو صحته، فقد استطاع بديع الزمان النورسي في بيئة كانت ممتلئة بالطرق الصوفية أن يقهر الإلحاد، وأن يربي جيلا مؤمنا من غير أن يصطدم مع أي طريقة من الطرق الصوفية، بل على العكس من ذلك استغل أتباع الطرق لينشر مبادئه الإيمانية فيهم بعيدا عن الصراع مع أي طرف من الأطراف إلا الإلحاد نفسه.
وقد عرفنا في الفصل الأول أن واضع أساسه في الجزائر هو (الكردينال لافيجري) الذي أسس مراكزه المهمة، ثم أتمت الجمعيات التبشيرية ما بدأ به، وهي جمعيات قوية يمدها الأغنياء من المسيحيين بالملايين من المال، ويمدها رجال الكهنوت ونساؤه بالأعمال، وتمدها الحكومات بالمعونة والتأييد([23]).
وقد ذكر الإبراهيمي في تحليله لدوافع التبشير بأنه ليس سوى نتيجة (من نتائج التعصب المسيحي المسلح، ومولود من مواليد القوّة الطاغية التي تسمي كل ما ترضى عنه من الأعمال المنكرة حرية دين أو حرية فكر، أو حرية تجارة، وأداة من أدوات السياسة في ثوب ديني وشكل كهنوتي، دفعته أولًا ليكون رائدها في الفتح وقائدها إلى الاستعمار، وأمدته بالمعونة والحماية، والصيانة والرعاية، فمد اشطانه، وأصبحت جميع الأوطان أوطانه، حتى إذا صاح صائح بالويل أو صرخ مستغيث بالليل، قالت السياسة: اسكت فعمل التبشير من عملي، هو حر وأنا حامية الحرية، وهو (انساني) وأنا منقذة الإنسانية)([24])
ولكنه يرى مع ذلك أن التبشير لم ينجح في الجزائر، وأرجع أسباب ذلك (لعدة اعتبارات، أولًا: تقادم عهده، وثانيًا: صولة الاستعمار الذي يحميه، ثالثًا: فشوّ الجهل والأمية والفقر في الأمة التي هي فريسة التبشير، رابعًا: انتشار الطرقية التي هي ظئر التبشير وكافلته والممهدة له حسًا ومعنى، وإن جهل هذا قوم فعدوا من حسناتها مقاومة التبشير، خامسًا: قعود علماء الدين عن المقاومة وسكوتهم عن المعارضة قبل جمعية العلماء)([25])
والسبب الأكبر في تصوره هو (تصلب الجزائري في دينه مهما بلغت به العامية والأمية والفقر)([26])
بعد هذا العرض لتصور الشيخ البشير الإبراهيمي، والذي هو تصور جمعية العلماء نفسه نتساءل: ما سر الصلابة التي منعت الجزائري الفقير الأمي من الذوبان في الآخر، والخضوع للمبشرين مع كثرة المغريات التي كانوا يوعدون بها؟
ثم لماذا يعتبر الإبراهيمي أن الطرق الصوفية ظئر التبشير وكافلته والممهدة له حسًا ومعنى، مع ذكره بأن هناك من اعتبرها الحصن الحصين ضد التبشير؟
ثم إن الإسلام الجزائري قبل الجمعية -كما يذكر الإبراهيمي وغيره – كان الغالب عليه الإسلام الطرقي، وبالتالي ألا يمكن اعتبار هذا الإسلام مهما كان مشوبا ببعض الانحرافات إسلاما قويا استطاع أن يحفظ الشخصية الجزائرية من الردة عن دينها، والتحول عن هويتها؟
طبعا الإجابة على هذا، وعن سر تجاهل الجمعية على لسان الإبراهيمي لدور الطرق الصوفية في هذا الباب ناتج عن توجههم السلفي الذي يغلب المذهبية على الدين نفسه.
والأشد خطرا من ذلك تعليل الإبراهيمي بأن السبب في تقصير الجمعية عن مقاومة التبشير هو أنه (إلى الآن لم تتوفر لديها الوسائل الكافية لتنظيم مقاومة منتجة، وأهم عنصر في هذا الباب هو المال.. (فـ) السلاح الماضي الفتاك في هذا الميدان هو المال. ولعمري كيف تستطيع أن تقاوم جمعيات منظمة من ورائها أمم غنية تغدق عليها المال، مجهزة بالجيوش الوفيرة من الرهبان والراهبات والأطباء والممرضات، يوحد الجميع أخلاق ممتازة من الصبر والثبات والإيمان الجازم بحسن عاقبة ما وقفوا أنفسهم له)([27])
ونرى أن هذا التعليل ليس سوى مبرر للتقصير، وإلا فما الذي يمنع دعاة الجمعية الذين انتشروا في مناطق القطر الجزائري يحذرون الناس من الطرق الصوفية أن يرسلوهم إلى المناطق المتعرضة للتبشير ليحموهم من الخروج من الدين، وينشروا فيهم في نفس الوقت مبادئ الإصلاح؟
ولكن ذلك لم يحصل، وإن حصل فقد كان أقل من المستوى لأن الجمعية انشغلت – كما ذكرنا – بصراعات هامشية حالت بينها وبين الاهتمام بالقضايا الكبرى للدين، وهو منهج السلفية عموما من الغرق في الجزئيات وترك الكليات، ومن انهيار سلم الأولويات.
بالإضافة إلى هذا، فقد كان للجمعية أن تستغل صحفها في نشر الوعي الديني والتعريف بالإسلام، ومناقشة اللادينيين والمبشرين وغيرهم، ولكنها لم تفعل، فقد انشغلت مع كثرتها بقضايا الهدم أكبر من انشغالها بقضايا البناء.
بالإضافة إلى هذا، فما الذي كان يمنع الإبراهيمي وأعضاء الجمعية الذين استنكفوا من مناظرة الطرق الصوفية بحجة أنهم أقل منهم علما وشأنا([28]) أن يناظروا المبشرين واللادينيين، أم أنهم أيضا لا يرقون إلى مرتبتهم؟
المطلب الثاني: الإصلاح التربوي عند جمعية العلماء
ربما يكون أنجح مشروع للجمعية، بدأت به، وكان أساس انطلاقتها الإصلاحية هو ما بذلته من جهود للإصلاح التربوي، فقد تأسست على أساس أنها جمعية تعليميّة تهذيبيّة، ولذلك فقد ألزمت نفسها – منذ إنشائها – بتعليم الجزائريِّين – صغارا وكبارا – ونشر العلم في جميع ربوع الوطن، وإعدادِ العلماء الذين يقومون بتوجيه الأمَّة في دينها ودنياها، وحفظ مقوِّماتها من لغة ودين وأدب.
وقد جاء في قانونها الأساسي عِدَّة موادّ، تدلُّ على اهتماماتها بهذا الباب بدءًا من تعليم القراءة والكتابة والحروف، إلى محاربة الأمِّية، إلى التبحُّر في علوم الكتاب والسنة:
ففي المادة 77: (تسعى الجمعية في تكثير عدد المكاتب القرآنية على التدريج في أهمِّ مراكز القطر، ويحتوي برنامجها على تعليم الخطِّ العربي والنحو والصرف وحفظ القرآن مع تفهيم مفرداته، وضروريات الدِّين والأخلاق الإسلامية، وتختار من كتب التعليم أقربَها للإفادة، وتأخذ الأساتذة بتنفيذ ذلك البرنامج على وجه الدِّقَّة)([29])
وفي المادة 80: (تحارب الجمعية داء الأمِّية بكل ما تملك من قوَّة. ومن وسائل هذه الغاية أن تُعنى بتعليم ما تستطيع من اليتامى الذين عُدِموا الكافل…)([30])
وفي المادة 81: (من غايات الجمعية النبيلة تأسيس كلية دينية عربية بمدينة الجزائر، تُدَرَّس فيها علوم الدِّين من وسائل ومقاصد، والغاية الكبرى من هذه الكلية هي تقريب العلوم التي يهاجر أبناء الوطن لتحصيلها في الأقطار الأخرى)([31])
وفي المادة 74: (تُعنى الجمعية بترغيب أعضائها العاملين في اقتناء الكتب النافعة كأمَّهات التفسير والحديث وفقهه واللغة والأدب والأخلاق والتصوُّف العملي([32]) والتاريخ..)([33])
وانطلاقا من هذا سنذكر هنا باختصار بعض ما اهتمت به الجمعية في هذا الجانب، ونرتب الكلام فيها بحسب المراحل الدارسية:
أوْلت الجمعيّة عناية كبيرة لمحو الأمِّية لدى الصغار والكبار. يقول الإبراهيمي: (إنِّي أظنُّ أنّ أوَّل هيئة اجتماعيّة فكَّرت في محاربة الأمِّية بصورة منظَّمة في هذا الوطن هي جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريِّين، وأن أول رجل أعرفه فكّر في مقاومة الأميّة بصورة جدّية هو رئيسها المحترم. وأذكر أنني تحادثت معه في هذا المعنى، وقلّبنا وجوه الرأي فيه منذ سنوات، وربما كان ذلك قبل تأسيس الجمعية)([34])
وبما أن هذا المشروع من مشاريع الجمعية الناجحة، فإنا نحب أن ننقل هنا باختصار تجربتها فيها، وذلك من خلال تقريرها لها عنها ألقي في مؤتمر الجمعية الذي انعقد بنادي الترقي بالعاصمة في سبتمبر (1935)([35]):
وقد بدأ هذا التقرير بمقدمة عن الكمال الإنساني، وضرورته للخروج من التخلف والاستعباد، وهي بذلك تتبنى مقولة القابلية للاستعمار، فالمستعمر لم يستعمر الجزائر إلا لانتشار الجهل فيها، يقول التقرير: (ومن الأمثلة الصريحة التي لا تحتاج إلى ترتيب الأقيسة في الاستدلال عليها، نقيصة الأميّة. فإنها لا تفشو في أمة وتشيع بين أفرادها إلا فتكت بها وألحقتها بأخس أنواع الحيوانات، ومكنت فيها للجهل والسقوط والذلة والمهانة والاستعباد)([36])
والتقرير يذكر مخاطر الأمية، وما تسببه من قابلية للاستعباد، فيقول: (فإذا كنا نعرف من شؤون الأفراد أن من يصاب منهم بشلل تتعطل منه وظيفة العضو المصاب، كذلك يجب أن نعرف من شؤون الأمم هذه الآثار السيئة التي تنشأ عن الأمّية، وهي تعطيل المواهب والقوى مع الفرق العظيم بين تعطيل وظائف أجزاء الجسم وبين تعطيل أجزاء الأمّة)([37])
وبين التقرير تصور الجمعية للأمية، وهو (الجهل بالقراءة والكتابة)، ولكنه يضيف إليه في موضع آخر (الأمية الفكرية) حين يذكر أن (أكبر جناية تجنيها الأميّة على الأمم هي القضاء على التفكير.. والتفكير هو المعيار الذي توزن به القيم العقلية في الأمّة سموًّا وإسفافًا. ومحال أن يسمو تفكير الأمي لأن فكره في قفص من أمّيته)([38])
ويعرج التقرير من المقدمات المنطقية العامة إلى الواقع الجزائري، فيذكر أن (فيما نراه سائدًا في أوساطنا الجزائرية من بساطة التفكير وتدلّيه خصوصًا في الشؤون العامة.. لدليلًا على أن هذه الأميّة هي أخت الوثنية في الفتك بالعقول وتعطيل مواهبها. فلا كانت الأميّة ولا كانت الوثنية، من رضيعتي لبان واحد، وربيبتي حجر واحد)([39])
بعد هذا يذكر التقرير المقترحات الخاصة بعلاج الأمية سواء تعلقت بالصغار أم الكبار:
أما الصغار: فيذكر التقرير أن المصل([40]) الواقي لهم من هذه العلة (هي تلقينهم مبادئ القراءة والكتابة من الصغر.. وأقل ما يجب على الجمعية في هذا السبيل الوصايا والتحذيرات المؤكدة لآباء الناشئين لئلا يتراخوا أو يفرطوا في هذا الواجب..ثم عناية خاصة مضاعفة بالتعليم الذي تقوم به الجمعية، يكون أساسه والقصد منه رفع الأميّة وحماية الناشئة منها)([41])
وأما الكبار: الذين فاتهم سن التعليم بحكم أعمارهم، فيذكر التقرير لتعليمهم اقتراحين([42]):
الأول: أن تتقدم لكل أعضائها العامدين، وتأخذ عليهم عهد الله وميثاقه على أن يعلم كل واحد منهم أميّا أو كثر من أقاربه مبادئ الكتابة والقراءة والعمليات الأربع في الحساب، ويحفظه سورًا من القرآن على صحتها، وتتوسل الجمعية لهذا بطبع حروف الهجاء مركّبة ومفردة على صحائف من المقوى وبطبع الأرقام الحسابية كذلك، وبطبع سور من القرآن بالحرف الغليظ، وبطبع جمل تتضمن معاني مستقلة في العبادات والعقائد والفرائض.
الثاني: أن تعمد الجمعية إلى الجمعيات القانونية، وإلى المجموعات التي يجتمع أفرادها في حرفة أو عمل كسائقي السيارات أو صانعي الأحذية، فتتقدم إليهم بالنصيحة والإرشاد أولًا، ثم بالعمل ثانيًا، لأن مثل هذه المجموعات أقرب إلى النظام والضبط لأنهم يجتمعون في الغالب في ساعة معيّنة وأكثر ما تكون في الليل.
وكيفية العمل مع هؤلاء أن تلزمهم بدفع مبلغ معيّن من المال في كل شهر، ثم تلزم طالبًا من الطلبة أن يعلّمهم مبادئ القراءة والكتابة وأرقام الحساب وبسائط عملياته في ساعتين من كل ليلة، في مقابل ذلك المبلغ الشهري الذي يجمعونه.
نظرا لتفشي الأمية كما ذكرنا، وقلة المدارس العربية، وخطر المدارس اللائكية، فقد اهتمت الجمعية بالتعليم الابتدائي، وإخراجه من دائرته الضيقة المحدودة إلى دائرة أوسع لتشمل أكبر عدد من الجزائريين، وذلك عن طريق الخطوات التالية، وكلها مما نص عليه تقرير الجمعية السابق([43]):
1 ـ إحداث مكاتب حرة للتعليم المكتبي للصغار، وتنظيم دروس في الوعظ والإرشاد الديني في المساجد، وتنظيم محاضرات في التهذيب وشؤون الحياة العامة في النوادي.
ويذكر التقرير أن مساعي الجمعية نجحت في هذا الباب نجاحًا عظيمًا، وأنه لولا عراقيل الإدارة الاستعمارية المتمثلة في غلق بعض المكاتب، والتضييق في إعطاء الرخص، وإيصاد المساجد في وجوه الوعاظ لكانت النتيجة أكبر.
2 ـ إصلاح أساليب التعليم بقسميه المكتبي والمسجدي، وإبعاده عن الأساليب العتيقة العقيمة التي كان يباشر بها، والتي كانت محل شكوى وتذمر في مكاتب التعليم ومعاهد العلم بغير الجزائر، ولم تستطع تلك المكاتب والمعاهد التخلص منها مع ظهور فسادها.
وربما يشير التقرير بهذا إلى ما قام به الشيخ محمد عبده من إصلاح للتعليم في الأزهر، وما دعا إليه من إصلاح المناهج التعليمية في العالم الإسلامي، وهنا يبرز تأثير السلفية التنويرية واضحا على الجمعية.
3 ـ إصلاح الوعظ والتذكير بحيث يصير على (طريقة السلف، تذكر بكتاب الله، تشرحه وتستجدي عبره، وبالصحيح من سنّة رسول الله، تبينها وتنشرها، وبسيرته العملية، تجلوها وتدل الناس على مواضع التأسي منها، ثم سير الصحابة وهديهم، ثم سير حملة السنة النبوية، وحملة الهدي المحمدي في أقوالهم وأعمالهم كذلك)([44])
ولعل التقرير يريد من هذا استنساخ منهج ابن باديس في التدريس في المساجد، لينفذ على مستوى أوسع.
ونلاحظ كذلك هنا غلبة التوجه السلفي المحافظ على الجمعية كاختيار (سير الصحابة وهديهم، ثم سير حملة السنة النبوية، وحملة الهدي المحمدي في أقوالهم وأعمالهم)، دون أن تذكر غيرهم ممن مثل الإسلام بسلوكه وعلمه من الخلف.
4 ـ اختيار أقرب الأساليب في التعليم الديني في المساجد، وذلك بالتركيز على المعنى والنفوذ إلى صميمه من أقرب طريق يؤدي إليه، وتجليته للسامعين بالصور العملية التطبيقية، والإعراض عن اللفظيات والخلافات وكل ما يشوش أو يبعد عن تصور المعنى المقصود.
5 ـ الاهتمام في التعليم المكتبي باللغة العربية، وذلك بتلقين التلامذة أبسط القواعد في أسهل التراكيب، ثم تمكينها من نفوسهم بالتمرينات التطبيقية، والحرص على اشرابهم معنى ما يقرأون والاجتهاد في تربية ملكة الذوق والاستنتاج في نفوسهم، وفي إصلاح اللهجات التي حرفتها العامية عن سبيلها العربي وتقويم اللسان على الحروف وهيأتها ومخارجها، والتشجيع على التكلم أمام الناس بما يمليه الخاطر من غير اعتماد على وحي معلم أو كتاب.
6 ـ الاهتمام بالتعليم القرآني، وذلك بتبيين حقائقه للناس، ونشر فضائله بينهم، وتحبيبه إلى نفوسهم، وشرح مزاياه فيهم، وجعله أساسًا في التذكير والوعظ لتنشئ من أبناء الأمة جيلًا قرآنيًا يتقن حفظ القرآن وأداءه، ويحسن فهمه والعمل به ويتخلق بأخلاقه ويتربى على هديه، ثم ينشر بواسطته دين الله في أرض الله.
7 ـ الاهتمام بالتربية الخلقية، وذلك باعتماد أسلوب الخطابيات المؤثرة في العقول، الحافزة للنفوس، المنبهة للمشاعر على طريقة الترغيب والترهيب.
8 ـ إصلاح الكتب المقررة، وذلك باعتماد الكتب الصحيحة الموثوقة كأمهات كتب التفسير الموثوق بها، وكتب الحديث الصحيحة.
9 ـ بث الاهتمام بالبحث والمطالعة في نفوس الناشئة، وذلك عن طريق الترغيب في المطالعة النافعة، والبحث العلمي السديد، وتعليمهم كيفية المطالعة وطرائق البحث في التاريخ والاجتماع والأدب، والرجال والكتب.
لم تكتف الجمعية بالاهتمام بالتعليم الابتدائي ونحوه في المساجد والكتاتيب، بل راحت تبحث في تأسيس معاهد ومدارس عليا لتخريج الإطارات التي تساهم في نشر الإصلاح.
ولعلها استلهمت هذه الفكرة كما ذكرنا سابقا من المدرسة الشرعية التي أسسها محمد رشيد رضا، والتي أراد منها أن تنشر الدعاة في العالم الإسلامي.
ولهذا الغرض أنشأت الجمعيّة دار الحديث بتلمسان، والتي أريد لها أن تكون مدرسة عليا تضاهي مدارس الإسلام التاريخية، وقد قال البشير الإبراهيمي في حفل افتتاحها: (لقد حملني إخوانكم التلمسانيون أمانة يجب علي أن أبلغها إليكم وهي أنهم يسلّمون عليكم ويعاهدونكم على التفاني في خدمة الجمعية ونشر مبادئها، ويبشّرونكم بأنهم شيّدوا للإسلام والعربية معهدًا لم يكن له نظير في تاريخ الجزائر الحديث، كما أنهم يتشوّقون ويتشرّفون أن يكون فتح هذا المعهد لأوّل مرّة بيد علامة الجزائر وزعيم نهضتها الأستاذ عبد الحميد بن باديس، وهذا المعهد هو مدرسة (دار الحديث)، المسمّاة على دار الحديث الأشرفية التي أسّست منذ قرون في دمشق الشام، تلك المدرسة التاريخية التي تخرّج منها أئمة في العلم وفحول في الأدب، والتي كان من مدرّسيها الإمام الحافظ محي الدين النووي والإمام النظار تقي الدين السبكي)([45])
وأنشأت الجمعية لهذا الغرض كذلك معهد ابن باديس بقسنطينة، وقد دعا إلى تأسيسه الشيخ الإبراهيمي بعد أن أهمه مصيرُ التلاميذ الذين أنهوا مرحلة التعليم الابتدائي بمدارس الجمعية، ففكر في تأسيس معهد يكون عنوان مرحلة جديدة في جهاد الشعب الجزائري الحضاري، يستكمل فيها أولئك التلاميذ دراستهم.
وقد سعى لربطه بجامع الزيتونة، وذلك لإيجاد علاقة ثقافية علمية بين المؤسسات العلمية العربية، كما حصل ذلك من إنشاء الأزهر فرعًا له في لبنان، وإنشاء جامعة القاهرة فرعًا لها في السودان.
والغرض الثاني لهذا هو تمكين حاملي شهادة المعهد من الالتحاق بالمؤسسات التعليمية العليا في المشرق العربي، زذلك لأنه كان ينوي توجيه النوابغ إلى استكمال دراستهم في جهة أخرى غير الزيتونة ([46]).
وقد كان الإبراهيمي يولي المعهد عناية خاصة، ويزوره باستمرار، ويسهر على حسن سيره، ويذلل ما يعترضه من عقبات، ويوفر له الإمكانات، ويختار له الكفاءات، ويكثر عنه الكتابات، ولم يكتف بجهوده الخاصة؟ فأسس له حركة سماها (حماة المعهد)([47])
المطلب الثالث: الإصلاح الاجتماعي عند جمعية العلماء
كسائر الحركات السلفية، اعتبرت جمعية العلماء الإصلاح الاجتماعي ركنا من أركان العملية الإصلاحية التي نهضت لها، وقد عبر الشيخ الإبراهيمي في خطبة مهمة له ألقاها في الاجتماع العام الخامس لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذي عُقد بنادي الترفي بعاصمة الجزائر في سبتمبر 1936، وكان عنوانها (الإصلاح الدّيني لا يتمّ إلا بالإصلاح الاجتماعي)([48]) عن هذه المعاني وفلسفتها والممارسات العملية التي قامت بها الجمعية لأجل تحقيقها.
وبما أن هذه الخطبة تعرف – على الأقل – بالجانب الاجتماعي في المشروع الإصلاحي للجمعية، فسنجعلها مصدرنا الوحيد في هذا الجانب، أما ما حصل في الواقع العملي، وهل يتناسب مع ما ذكره الشيخ من نجاحات كبرى، فإن ذلك متروك للقراء، من خلال ما يدل عليه الواقع الجزائري قبل الاستقلال وبعده، ومتروك كذلك للباحثين، فالموضوع بحاجة إلى دراسات مستفيضة في بيان مدى ونوع تأثير الجمعية في المجتمع الجزائري بعيدا عن النظرة التقديسية.
بدأ الشيخ الإبراهيمي خطبته ببيان أهمية الجانب الاجتماعي لدى الجمعية، فقال: (أيها الإخوان: من الغلط أن يقال إن جمعية العلماء جمعية دينية يجب أن ينحصر عملها في الإصلاح الديني بمعناه الذي عرفه الناس، ومن فروع هذا الغلط ما رماها به بعض مرضى العقول وصرعى الجهل من أنها خرجت عن مدارها حين زجّت نفسها في بعض شؤون الحياة غير الدين.. والحقيقة أن هذه الجمعية تعمل من أول يوم من تكوينها للإصلاح الديني وللإصلاح الاجتماعي، وكل ذلك يسع الإسلام، وكل ذلك يسعه مدلولها وموضوعها وقافونها)([49])
ثم أخد يبين المصادر الشرعية التي جعلت الجمعية تختار هذا المنهج، وهو علاقة الجانب الاجتماعي بالدين، (وأن الإسلام دين واجتماع..وأن الإصلاح الديني لا يتمّ إلا بالإصلاح الاجتماعي، ولهذا الارتباط بين القسمين، فإن جمعية العلماء- وهي الجمعية الرشيدة العالمة بحقائق الإسلام- عملت منذ تكوينها في الإصلاحين المتلازمين، وهي تعلم أن المسلم لا يكون مسلمًا حقيقيًا مستقيمًا في دينه على الطريقة حتى تستقيم اجتماعيته)([50])
ثم أخذ يسرد ما يتصوره من خصال المسلم الذي استقامت اجتماعيته، فاعتبره ذلك الذي (يحسن إدراكه للأشياء وفهمه لمعنى الحياة وتقديره لوظيفته فيها وعلمه بحظه منها وينضج عقله وتفكيره ويلم بزمانه وأهل زمانه ويتقاضى من أفراد المجموعة البشرية ما يتقاضونه منه من حقوق وواجبات، ويرى لنفسه من العزّة والقوّة ما يرونه لأنفسهم وتربط بينه وبينهم رابطة الأخوة والمساواة والمصلحة لا رابطة السيادة عليه والاستحسار دونه)([51])
انطلاقا من هذه التصورات النظرية أخذ الشيخ الإبراهيمي يعدد المكاسب التي استطاعت الجمعية أن تحققها في تلك الفترة الوجيزة، فترة 5 سنوات، ونستطيع أن نحصر هذه المكاسب – كما ذكرها الإبراهيمي- في النقاط التالية([52]):
1 ــ نجاح الجمعية إلى حدّ بعيد في إفهام الأمة المعاني الاجتماعية الصحيحة، وتوجيهها إلى مجاراة السابقين، وتهيئتها لأن تكون أمّة عزيزة الجناب مرعية الحقوق ثابتة الكيان محفوظة الكرامة صالحة للحياة مساوية للاحياء.
2 ــ نجاحها في تحقيق العزة في أفراد المجتمع، بحيث أصبحوا لا يلينون لمن يريد استعبادهم، أيا كان ذلك المستعبد، وقد عبر عن غرض الجمعية من تحقيق هذا الهدف، موجه كلمته لمن ينكر على الجمعية اختيارها هذا السبيل: (يا ويح الجاهلين، أيريدون من كلمة الإصلاح أن نقول للمسلم قل: لا إله إلا الله مذعنًا طائعًا وصلّ لربّك أواهًا خاشعًا، وصم له مبتهلًا ضارعًا، وحج بيت الله أوّابًا راجعًا، ثم كن ما شئت نهبة للناهب، وغنيمة للغاصب، ومطية ذلولًا للراكب، ان كان هذا ما يريدون فلا ولا قرة عين، وإنما نقول للمسلم إذا فصلنا: كن رجلًا عزيزًا قويًا عالمًا هاديًا محسنًا كسوبًا معطيًا من نفسك آخذًا لها عارفًا بالحياة سبّاقًا في ميادينها، صادقًا صابرًا هيّنًا إذا أريد منك الخير، صلبًا إذا أردت على الشر.. ونقول له إذا أجملنا: كن مسلمًا كما يريد منك القرآن وكفى)([53])
ونحسب أن الذين وجه إليهم الإبراهيمي هذا العتاب هم من أنكر على الجمعية منهجها في مواجهة الطرق الصوفية وعدم اهتمامها الكبير بإقامة المجتمع لشعائره التعبدية.
3 ــ نجاحها في تصحيح عقائد المجتمع، وقد ذكر الإبراهيمي النسبة الكبيرة من النجاح التي حققتها الجمعية في هذا الجانب، فقال: (ونجحت الجمعية- كذلك- نجاحًا جليًا مشهودًا ظهرت آثاره للعيان وَلَمَسَهُ الموافق والمخالف والمعتدل والمتجانف، في تصحيح عقائد الأمّة الجزائرية وتطهيرها من شوائب الشرك القولي والعملي التي شابتها، فصحّت العقائد وصحّت لصحّتها الإرادات والعزائم)([54])
وذكر نماذج عن هذا النجاح، وهي نفس النماذج التي يذكر الوهابيون عندما يسردون كرامات النجاح العجيبة التي حققها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فقال: (أصبح المنتسبون إلى الإصلاح ولو من العامة يخلصون لله في عباداتهم وإيمانهم ونذورهم وأدعيتهم، ونبذوا كل ما كانوا عليه من عقد فاسد أو قول مُفْتَرى أو عمل مبتدع في هذه الأبواب كلها، وأصبحوا يفرقون بين السنّة والبدعة والمشروع وغير المشروع ويعتقدون أن الإنسان مجزي بعمله رهين بكسبه، وليست هذه النتيجة بالأمر اليسير)([55])
ثم بين الوسائل التي استطاعت بواسطة الجمعية تحقيق هذا النجاح، فقال: (الحق أن هذه الآثار الجليلة كلها راجعة إلى المقالات التي نشرتها صحف الإصلاح والدروس والمحاضرات التي ما زال يلقيها دعاة الإصلاح المنتشرون في القطر. ولما كان الحق بينًا في نفسه سهل على الداعين إليه بيانه والاستدلال عليه ونقض الشبهات القائمة حوله وإن اختلفت مراتب المدعوين في سرعة التلقّي بالقبول)([56])
4 ــ نجاحها في توجيه الأمة إلى القرآن الكريم، وحملها على التدبّر في معانيه بعد أن كانت معرضة (مشغولة عنه بما لا يفيد، معتقدة فيه العقائد السخيفة مستغنية عن فهمه بحفظه مع تقصيرها في أداء لفظه، مستعيضة عن تلاوته بتلاوة الأوراد والأذكار، وعن دراسته بدراسة كتب جافّة من وضع المخلوق لا تبعث في النفس نشاطًا ولا تنشر في القلوب حياة ولا تغرس في الأفئدة فضيلة، ولا تقتلع منها رذيلة، ولا تشرف على القلوب المظلمة بنور، ولكنها بدأت اليوم ترجع إلى القرآن وتستجلي أنوار الهداية وأسرار الكائنات من آياته، وتأخذ الحياة قوية من تعاليمه، وكأنها برجوعها إلى القرآن تجدد نفسها وتستأنف في الحياة تاريخها، وعسى أن تنتهي من هذه الوجهة الجديدة إلى غايتها، فتنتهي إلى السعادة والخير)([57])
5 ــ نجاحها في توحيد المجتمع وجمع طوائف عظيمة منه على الحق (بعد أن كانت كلها متفرقة على الباطل، واستطاعت أن تعلمهم معنى الاجتماع على الحق والخير وكيفية الاجتماع على الحق والخير، وتحبّب إلى نفوسهم كلمة الاجتماع وحضور المجتمعات بعد أن كانت لا تجتمع إلا على شر أو مأثم..) ([58])
6 – نجاحها في غرس الأخلاق الفاضلية في (نفوس الأمة الجزائرية، فجمعية العلماء هي التي علمت الأمّة خلق التضحية في الصالح العام، وخلق الصبر عليه ومطاولته وخلق القصد في الاعتقاد والتفكير وخلق الاعتماد على النفس، وخلق الصراحة في القول والجرأة في الرأي والكلام إلى ما يتصل بهذه الأخلاق من فروع ولوازم) ([59])
المطلب الرابع: الإصلاح السياسي عند جمعية العلماء
مع أن القانون الأساسي للجمعية ينص على ابتعادها عن السياسة إلا أن ذلك لم يكن إلا لتمرير الجمعية أمام السلطات الفرنسية، أما الحقيقة الواقعة فهي أن من أهداف الجمعية الكبرى تحقيق مشاريع ومكاسب سياسية مثلما حققتها في الجوانب الدينية والتربوية والاجتماعية.
وهي تنطلق في هذا من الدين نفسه، وقد عبر ذلك الإبراهيمي، فقال: (إذا كان الإسلام دينًا وسياسة، فجمعية العلماء دينية سياسية، قضية مقنعة لا تحتاج إلى سؤال ولا إلى جواب، وجمعية العلماء ترى أن العالم الديني إذا لم يكن عالمًا بالسياسة ولا عاملًا لها فليس بعالم، وإذا تخلّى العالم الديني عن السياسة فمن ذا يصرفها ويديرها؟ لا شك أنّه يتولاها الجاهل المتحلل فيغرق السفينة ويشقي الأمة، وكثيرًا ما غلطنا الاستعمار حين يضيق ذرعًا بنا، فيقول أنتم علماء دين فما لكم وللسياسة؟ إن الدين في الإسلام سياسة، وإن السياسة دين، فهما- في اعتباره- شيئان متلازمان، أو هما شيء واحد، وقد جاراه في النغمة الممجوجة بعض ضعفاء الأميين من سماسرة السياسة منّا، والغرضان متقاريان: فالاستعمار يريد أن يزيحنا عن طريقه فيزيح خصمًا عنيدًا يمنعه العلم أن يخدع ويمنعه الدين أن يساوم في حق قومه، وضعفاء الإيمان من قومنا يريدون أن يخلو لهم الجو فيعبثوا ما شاء لهم العبث ولا علم يصدع ولا دين يردع)([60])
ثم بين أن هذا الذي ذكره قد دفع الجمعية إلى دخول جميع المجالات السياسية، فقال: (لجمعية العلماء في كل نقطة من السياسة الجزائرية رأي أصيل، تجهر به وتدافع عنه وتذيعه في الناس وتخالف رأي غيرها بدليل، وتوافقه بدليل، لأنها لا تقبل التقليد في الدين وكيف تقبله في الدنيا؟)([61])
ثم بين القبلة التي تتوجه إليها جميع المواقف السياسية للجمعية، فقال: (وصفوة رأي الجمعية في السياسة الجزائرية تحرير الجزائر على أساس العروبة الكاملة والإسلام الصحيح والعلم الحي، وعلى ذلك فهذه الجهود الجبّارة التي تبذلها جمعية العلماء في سبيل العربية والإسلام والتعليم كلها استعداد للاستقلال، وتقريب لأجله، ولكن كثيرًا من قومنا لا يفقهون، أو لا يريدون أن يفهموا، ولو أرادوا أن يفهموا لحكموا المحسوس الذي لا يرتابون فيه، وهو أن جمعية العلماء حرّرت العقول وصقلت الأفكار وأيقظت المشاعر. والنتيجة الطبيعية لذلك كله هي تحرير الأبدان، لأن الأول مدرجة إلى الثاني)([62])
ومثل هذا الموقف نجده عند ابن باديس الذي اعتبر أن بوصلة الجمعية متوجهة لخدمة مصالح الهوية الجزائرية، فمن كان في خدمة هذه المصالح كانت الجمعية معه، ومن كان على خلافه كانت على خلافه، يقول عند بيان موقف الجمعية من الأحزاب: (إن الإسلام عقد اجتماعي عام فيه جميع ما يحتاج إليه الإنسان في جميع نواحي الحياة لسعادته ورقيه، وقد دلت تجارب الحياة كثيراً من علماء الأمم المتمدنة على أن لا نجاة للعالم مما هو فيه إلا بإصلاح عام على مبادئ الإسلام فالمسلم الفقيه في الإسلام غني به عن كل مذهب من مذاهب الحياة فليس للجمعية إذاً من نسبة إلا إلى الإسلام، وبالإسلام وحده تبقى سائرة في طريق سعادة الجزائر، والبلوغ بها – إن شاء الله- إلى أرقى درجات الكمال.. وإلى هذا فنحن نشكر ونعترف بالجميل لكل من يؤيدنا في سيرنا نصرة للمظلوم ومقاومة وخدمة للإنسانية في جميع أجناسها)([63])
وبناء على هذا القانون الذي التزمته الجمعية نبه ابن باديس إلى أن (الجمعية لا توالي حزباً من الأحزاب ولا تعادي حزباً منها، وإنما تنصر الحق والعدل والخير من أي ناحية كان وتقاوم الباطل والظلم والشر من أي جهة أتى. محتفظة في ذلك كله بشخصيتها ومبادئها محترسة في جميع مواقفها مقدرة للظروف والأحوال بمقاديرها) ([64])
وذكر موقفها من المؤتمر الإسلامي، وأنها (أوكلته لمن شاء من رجالها ليحافط فيه على اللغة والقومية والمطالب الدينية والعلمية، يعمل فيه على مسئوليته لا على مسئوليتها)([65])
أما مواقف مع خصومها السياسيين، فقد ذكر ابن باديس أن (الأمة اليوم تجتاز طوراً من أشق أطوارها وأخطرها فهي تتناسى كل خصومة وتعمل لجمع الكلمة وتوحيد الوجهة ولا تنبذ إلا أولئك الرؤوس رؤوس الباطل) ([66])
بعد التعرف على الناحية النظرية في المشروع الإصلاحي للجمعية نحب أن نذكر أنها مارست في الواقع بعض النشاطات السياسية – كما عرفنا ذلك في الفصل الثاني- ومن الأمثلة على هذه النشاطات مشاركتها في المؤتمر الإسلامي سنة 1936م، والذي سبق أن ذكرناه بتفصيل، وذكرنا الانتقادات الموجهة للجمعية بسببه.
بالإضافات إلى نشاطات كثيرة لا يسمح هذا المقام بذكرها، ولكنا مع ذلك نذكر نموذجين مهمين، ربما تكون قد نجحت الجمعية في تحقيقهما بمعونة الكثير من الحريصين على الهوية الجزائرية، بمن فيهم الطرق الصوفية، وهما قضية التجنيس، وقضية الإدماج.
أما التجنيس، والذي أصدرت فرنساقانونهفي 14 جوان 1865، وكان من واضعيه والمخططين له الوالي العام (موريس فيوليت)، والذي سمحت بموجبه فرنسا للجزائريين الراغبين في الحصول على الجنسية الفرنسية، وكانت فرنسا تدعو بكل الأساليب له، وتدعو معه إلى الأخذ بأسباب الحضارة الأوربية ونبذ التعصب الديني.
وقد رأت الجمعية خطورة هذا الطرح على الهوية الجزائرية، فلذلك انصبت جهودها على مواجهة التجنيس، ونشر الفتاوى المحرمة له.
بل إن مواجهتها له سبقت تأسيسها، ولعل أشد أعضاء الجمعية لهجة في مواجهة التجنيس رائد الصحافة الإصلاحية أبو اليقظان الذي كتب – قبل تأسيس الجمعية – بجريدة (وادي ميزاب) مقالا تحت عنوان (رأينا في التجنيس) يقول فيه: (كنا نرى أن الكلام في مسألة التجنيس، وبأن فسادها وتطورها من الجهة الدينية والمالية والوطنية، كالكلام عن ظلال الليل ومرارة الحنظل وسم العقرب وفرقعة الديناميت.. التجنيس بالمعنى الذي عرفوه، الاعتراف بفساد الشريعة الإسلامية، وعدم الالتزام بأحكامها والاعتراف بصلاحية التشريع الفرنسي الوضعي، والالتزام بأحكامه وبعمله هذا فقد جني على نفسه وعلى ذريته من بعده) ([67])
ومن الفتاوى المهمة في هذا الباب، والتي كان لها تأثيرها في المجتمع الجزائري فتوى الشيخ الطيب العقبي الذي كتب مقالا في جريدة (البصائر) تحت عنوان (كلمتي الصريحة في التجنس والمتجنسين)، ومما جاء فيه قوله: (التجنس بمعناه المعروف في شمال إفريقيا حرام، والإقدام عليه غير جائز وجه من الوجوه،ومن استحل استبدال حكم واحد من أوضاع البشر، وقوانينهم بحكم من غير أحكام الشرع الإسلامي، فهو كافر مترد عن دينه بإجماع المسلمين، لا يرجع إلى دائرة الإسلام، وحظيرة الشرع الشريف، حتى يرفض رفضا باتا كل حكم وكل شريعة تحالف حكم الله وشرعه المستبين) ([68])
ومن ذلك فتوى الشيخ ابن باديس، والتي اعتبر فيها المتجنس بالجنسية الفرنسية مرتدا، قال: (التجنيس بجنسية غير إسلامية يقتضي رفض احكام الشريعة الإسلامية ومن رفض حكما واحدا من احكام الشريعة الإسلامية عد مرتدا عن الإسلام بالإجماع، فالمتجنس مرتد بالإجماع)([69])
ويقول: (المتجنس بحكم القانون الفرنسي يجري تجنسه على نسله فيكون قد جنى عليهم بإخراجهم من حظيرة الإسلام، لا وتلك الجناية من شر الظلم وأقبحه وإثمها متجدد عليه ما بقي له نسل في الدنيا خارجا عن شريعة الإسلام بسبب جنايته)([70])
ومثل هذا نجده في مقال للشيخ الأمين العمودي تحت عنوان (التجنس والتفرنج) جاء فيه: (إن المسألة لأهميتها الكبرى ليست من المسائل التي يرجع النظر والحكم فيها لفرد واحد أو لقليل من الأفراد، بل من الأمور التي يجب على جمهور الأمة تدقيق النظر فيها وﺇناطة الحكم فيها بعهدة عدد وافر من أصحاب العلوم الدينية والعقول المستنيرة والأفكار الراقية والكفاءة التامة…هؤلاء يقتصرون على الحكم في تجنس الأفراد وهذا النوع لا يعم بالخير العاجل ولا الأجل على الأمة، بل يجب عليهم أن يبحثوا في التجنيس ولباقته وحليته وحرمته ومنافعه أو مضاره من حيث تعميمه وتطبيقه على كافة الشعب)([71])
وبفضل هذه الفتاوى وغيرها استطاعت الجمعية أن تحمي الجزائريين من آثار التجنيس، بحيث بقي محصورا في فئة محدودة جدا من المثقفين المتفرنسين، وإذا ما قورنت بجهود الحكومة الفرنسية والكنيسة الكاثوليكية التي بذلت جهدا كبيرا في هذا المجال، فإننا يمكن أن نعتبر هذا نصرا سياسيا للجمعية([72]).
ومثل هذا الموقف الصلب أمام التجنيس نجده أمام قضية الإدماج، والتي أثارتها جماعة النخبة الجزائرية المثقفة بالثقافة الفرنسية، والتي رأت أنه لا سبيل للجزائريين للتخلص من السياسة الاستعمارية وقانون الأهالي سوى الاندماج بفرنسا مع الاحتفاظ بالشخصية الإسلامية العربية، وكان على رأس هؤلاء الدكتورابن جلول وفرحات عباس وأغلب النواب.
إلا أن علماء الجمعية واجهوا هذه الأفكار الخطيرة، واعتبروها من المخططات الاستعمارية التي تريد أن تشتت المجتمع الجزائري بذوبانه في الكيان الاستعماري.
وقد جعلهم هذا الموقف يقفون في وجه الإدماجيين بكل قوة، ومن الأمثلة على ذلك ردهم على موقف فرحات عباس الذي أنكر وجود جزائر مستقلة، بل أكثر من ذلك راح يقول: (أنا فرنسا)، وقد رد عليه الشيخ ابن باديس في مجلة الشهاب (عدد أفريل 1936م) تحت عنوان: (كلمة صريحة) ابتدأ فيه بالإنكار على من يتكلمون باسم الأمة دون أن يكون لهم تمثيل حقيقي في وسطها، ومصرا على مجابهة أصحاب هذه التوجهات ليشير بعدها إلى دعوى فرحات التي رد عليها مؤكدا أصالة الأمة الجزائرية التي لم تكن في حاجة إلى الاندماج في فرنسا لتثبت وجودها وقد جاء في هذا المقال كلمته المشهورة التي أصبحت شعارا للجزائريين: (إن هذه الأمة الجزائرية ليست هي فرنسا،ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تريد أن تصير فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا ولو أرادت)([73])
ومع هذه الصلابة التي أبدتها الجمعية في وجه من يحاول العبث بالهوية الوطنية، إلا أنها لم تؤسس حركة سياسة على غرار ما فعله الأمير خالد، ولعلها أرادت من خلال ذلك أن تتفادى الأخطاء التي وقع فيها من قاموا بالعمل السياسي المباشر الذي يمكن أن يعطي للإدارة الفرنسية الحجج للقمع والحظر، وهو ما يضر بالمشاريع الإصلاحية الأخرى.
ولذلك نرى الجمعية تستعمل مرونة كبيرة، ولغة دبلوماسية قوية لتحقيق مطالبها السياسية حتى لا تصطدم بالمستعمر، كهذه اللغة التي استعملها الإبراهيمي عندما قال: (يا حضرة الاستعمار إن جمعية العلماء تعمل للإسلام بإصلاح عقائده وتفهم حقائقه وإحياء آدابه وتاريخه وتطالبك بتسليم مساجده وأوقافه إلى أهلها وتطالبك باستقلال قضائه.. وتطالبك بحرية التعليم العربي… وتعمل لتوحيد كلمة المسلمين في الدين والدنيا…)([74])
وقد ذكر خير الدين عن ابن باديس ما يشير إلى هذا، فقد ذكر أنه في إحدى لقاءات الشيخ بالشباب المتحمس للثورة، والذين طلبوا منه المطالبة بالاستقلال علنا، فكان جواب الشيخ بحكمة، حين وضح لهم أن هدف الجمعية لا يتم بهذه الصورة قائلا: (هل رأيتم إنسانا يشيد سقفا دون أن يقيم الجدران؟)، فقالوا: كلا لا يمكن ذلك، فقال: (إذا من أراد أن يبني داره فعليه أن يبني الأسس، ويقيم الجدران ومن أراد أن يبني شعبا ويقيم أمة فإنه يبدأ من الأسس لا من السقف)
وقدم لهم الشيخ أروع مثل لهذا، وهو هو الاقتداء بسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي بلغ الرسالة في ثلاث عشر سنة، فبعد الدعوة سرا إلى أن اشتد ساعدهم أعلنوها جهرا.
انطلاقا من هذا بين لهم أنه لا يكفي طلب الاستقلال، فيصبح الشعب مستقلا، بل وضح لهم أن منهج الجمعية يتم وفق الأسس التالية:
1 ـ التربية والتعليم اللذان بهما تصبح الأمة جديرة على نيل حريتها، لأن الاستقلال كما قال لا يتوجب بالكلام والشعارات بل يفتك فتكا.
2 ـ إعداد المجاهدين ليصبحوا على استعداد للجهاد، بعدها يتجه لتحقيق الاستقلال([75]).
وبناء على هذا، وبسبب الظروف القاسية التي كانت تمر بها الجزائر لم يكن أعضاء الجمعية يتهورون في التصريح بمشروعهم السياسي الكبير، بل كانوا يلامسونه كل حين ملامسة خفيفة تؤدي الغرض من غير أن تسبب في أي أذى.
من النتائج المهمة التي يمكننا استخلاصها من هذا الفصل:
1 ــ يتفق معظم الدارسين لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين على تصنيفها ضمن (الحركات السلفية) التي كانت في ذلك الحين في أوج نشاطها، وهذا التصنيف ليس قاصرا على الدراسات الحديثة، بل كل من تحدث عن الجمعية في ذلك الوقت كان يعتبر توجهها توجها سلفيا محضا لا يختلف عن التوجهات السلفية في ذلك الحين.
2 ــ مع ورود التصريحات الكثيرة من أعضاء الجمعية تنص على توجهها السلفي، بل وتفتخر بهذا التوجه، وتدعو إليه، وتعتبر الدعوة إليه من صميم أهداف الجمعية الذي أسست لأجله إلا أنها لا يمكن من خلالها وحدها أن نتعرف على التوجه الفكري لجمعية العلماء المسلمين، وذلك لأن أن اسم السلفية تتنازعه تيارات مختلفة، بل أحيانا متناقضة، بالإضافة إلى هذا، فقد ظهرت على الساحة الإسلامية الكثير من المناهج، والتي تعتبر نفسها جميعا مناهج سلفية على الرغم من التناقضات الكثيرة بينها.
3 ــ أن هناك خلافا شديدا بين الكتاب المعاصرين حول مدى سلفية الجمعية أو أعضائها، فبينما نجد بعضها يحاول أن يثبت (سلفية ابن باديس) مثلا، نجد في المقابل من يكتب الكتب والمقالات المطولة التي لا تمنحه هذه النسبة، ونفس الشيء يقال عن سائر أعضاء جمعية العلماء إلا من ندر منهم.
4 ــ من خلال أدلة كثيرة رأينا أنه يمكن تحديد التوجه الفكري لأعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ضمن صنفين من التوجهات كلاهما يطلق عليه – اصطلاحا- (سلفية)، وهما (السلفية التنويرية)، و(السلفية المحافظة)، فبعض أعضاء الجمعية، وخصوصا ابن باديس كان أميل إلى السلفية التنويرية منه إلى السلفية المحافظة، وفي المقابل نجد الطيب العقبي أكثر ميلا إلى السلفية المحافظة منه إلى السلفية التنويرية.
5 ــ يمكننا – بشيء من التحفظ – أن نذكر بأن جمعية العلماء – وخصوصا في موقفها من الطرق الصوفية – حاولت أن تمزج بين كلتا السلفيتين، فهي ترد على التخلف الطرقي والخرافة الطرقية باعتبارها سلفية تنويرية، وترد على تفاصيل الممارسات الطرقية بالأدلة التي تراها باعتبارها سلفية محافظة، ولهذا نراها تستعير من رسائل الوهابية وكتبها ما تدعم به مقولاتها.
6 ــ كشأن جميع الحركات الإسلامية، والسلفية منها خصوصا، فإن الإصلاح الديني هو المنطلق الذي تنطلق منه العملية الإصلاحية جملة وتفصيلا، وذلك لاعتقاد المصلحين في هذه التيارات أن الانحراف الديني أو الانحراف عن الدين كلاهما سبب لكل الانحرافات، فالانحراف الديني يعني إيجاد منظومات جديدة مبتدعة تلبس لباس الدين لتنحرف به عن مساره الصحيح، والانحراف عن الدين يعني إيجاد بدائل عن الدين قد تلبس لباس الهوى المجرد، وقد تلبس ألبسة أيديولوجية أخرى شبيهة بالدين.
7 ــ ربما يكون أنجح مشروع للجمعية، بدأت به، وكان أساس انطلاقتها الإصلاحية هو ما بذلته من جهود للإصلاح التربوي، فقد تأسست على أساس أنها جمعية تعليميّة تهذيبيّة، ولذلك فقد ألزمت نفسها – منذ إنشائها – بتعليم الجزائريِّين – صغارا وكبارا – ونشر العلم في جميع ربوع الوطن، وإعدادِ العلماء الذين يقومون بتوجيه الأمَّة في دينها ودنياها، وحفظ مقوِّماتها من لغة ودين وأدب.
8 ــ كسائر الحركات السلفية، اعتبرت جمعية العلماء الإصلاح الاجتماعي ركنا من أركان العملية الإصلاحية التي نهضت لها، ونجاحها في هذا أو عدمه متروك للباحثين، فالموضوع بحاجة إلى دراسات مستفيضة في بيان مدى ونوع تأثير الجمعية في المجتمع الجزائري بعيدا عن النظرة التقديسية.
9 ــ مع أن القانون الأساسي للجمعية ينص على ابتعادها عن السياسة إلا أن ذلك لم يكن إلا لتمرير الجمعية أمام السلطات الفرنسية، أما الحقيقة الواقعة فهي أن من أهداف الجمعية الكبرى تحقيق مشاريع ومكاسب سياسية مثلما حققتها في الجوانب الدينية والتربوية والاجتماعية.
10 ــ مارست الجمعية في الواقع بعض النشاطات السياسية، ومن
ذلك مشاركتها في المؤتمر الإسلامي سنة 1936م، والذي سبق أن ذكرناه بتفصيل، وذكرنا
الانتقادات الموجهة للجمعية بسببه، بالإضافات إلى نشاطات كثيرة من أهمها مواجهتها
للتجنيس والإدماج.
([1]) عباس فرحات، ليل الاستعمار، مطبعة فضالة محمد، المغرب، ص 155.
([2]) شارل أندريه جوليان، إفريقيا الشمالية تسير، ترجمة المنجي سليم وآخرين، تونس، 1976، ص131.
([3]) نقلا عن: الحركة الوطنية الجزائرية، للدكتور أبي القاسم سعد الله:3/91.
([4]) آثار الإبراهيمي: 1/199.
([5]) هو فرحات بن الدراجي (1909-1951) ولد ببسكرة، وبها حفظ القرآن الكريم، ثم توجه إلى جامع الزيتونة بتونس وتخرج منها سنة1931، رجع إلى الجزائر وصادف في عام رجوعه تأسيس (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) فكان من نخبة شبابها العاملين، قال عنه الشيخ مبارك الميلي: (الشيخ فرحات بن الدراجي مفخرة من مفاخر الزاب، وشخصية بارزة بين شبابنا المثقف الناهض، دؤوب على المطالعة والتحصيل، صبور على البحث ولتحليل، وهو من اضواء مصابيح المستقبل. (انظر: (من أعلام الإصلاح في الجزائر، للأستاذ/ محمد الحسن فضلاء، طبعة/2000- دار هومة بالجزائر: 1/154)
([6]) سجل الجمعية، ص:204.
([7]) عرف محمد البهى الإصلاح الديني بأنه (محاولة رد الاعتبار للقيم الدينية، ورفع ما أثير حولها من شبه وشكوك قصد التخفيف من وزنها في نفوس المسلمين، ونعني به كذلك محاولة السير بالمبادئ الإسلامية من نقطة الركود التي وقفت عندها حياة المسلمين إلى حياة المسلمين المعاصرة حتى لا يقف مسلم اليوم وحاضره عندما يصبح في غده) (محمد البهى، الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، مكتبة وهبه الطبعة العاشرة، ص 421)
([8]) جريدة الشهاب: (2/3)
([9]) جريدة الشهاب: (13/3).
([10]) آثار ابن باديس: (5/154).
([11]) جريدة الشهاب: (1/3)..
([12]) جريدة الشهاب: (2/474).
([13]) جواب سؤال عن سوء مقال، لابن باديس: ص (97-98)..
([14]) رسالة الشرك ومظاهره (ص: 63)
([15]) تقديم لرسالة (الشرك ومظاهره): ص (27).
([16]) من المادة (66) من القانون الداخلي للجمعية، آثار الإبراهيمي: (1/84).
([17]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 194)
([18]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 194)
([19]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 195)
([20]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 195)
([21]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 195)
([22]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 195)
([23]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 196)
([24]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 196)
([25]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 196)
([26]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 196)
([27]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 197)
([28]) علل الإبراهيمي دوافع رفض المناظرة التي طلبها رجال الطرق الصوفية بقوله: (إن المناظرة في الشيء تستدعي نظيرين، أي مثيلين في المعنى الذي يتناظران فيه، والمناظرة المطلوبة هنا في مسائل علمية دينية لابسها تاريخ المسلمين الطويل، وداخلتها عوائدهم واجتماعياتهم وأثر فيها هذا وذاك.. وإذا كنا نحن الطرف الأول في هذه القضية، ونحن علماء نقول في الدين بدليله المعتبر، ونتكلم في التاريخ بعلله وأسبابه، ونقول في العادات بمناشئها وآثارها، ونرجع كل شيء إلى أصله، ونرد كل حادثة إلى سببها، ونربط بين الدليل ومدلوله والعلة ومعلولها، فإن الطرقيين بالطبع هم الطرف الثاني، وهل بلغ الطرقيون أن يكونوا نظراءنا بالعلم والدين والتاريخ والاجتماع؟ نحن نعرفهم حق المعرفة، ونعرف أنهم جهلاء ويفخرون بالجهل، وأنصاف أميين ويتباهون بالأمية، إذ ليس العلم ولا القراءة شرطا في طرقهم ولا في مشيختهم، ونعرف أنهم لا يملكون من أسلحة هذا الميدان إلا العناد والإصرار على الباطل.ولو كانوا علماء لما بلغ النزاع بيننا وبينهم إلى هذا الحد، ولرجونا- إن لم يزعهم الدين- أن يزعهم العلم) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 301)
([29]) آثار الإبراهيمي: (1/88).
([30]) آثار الإبراهيمي: (1/88).
([31]) آثار الإبراهيمي: (1/88).
([32]) يبدو أن هذا العلم بهذا المصطلح ذكر في الفترة التي كانت فيها الجمعية منفتحة على كل التيارات، وإلا فإنها بعد ذلك تشددت مع لفظ التصوف نفسه، فالإبراهيمي يقول عن هذه اللفظة بنبرة حادة: (ويمينًا، لو كان للمسلمين يوم اتَّسعت الفتوحات، وتكوَّنت المعامل الفكريّة ببغداد، ديوانُ تفتيش في العواصم ودروب الروم ومنافذ العراق العجمي؛ لكانت هذه الكلمة من المواد الأوَّليّة المحرَّمة الدخول( (آثار الإبراهيمي: (1/175)).
([33]) آثار الإبراهيمي: (1/88).
([34]) سجلّ مؤتمر جمعية العلماء: ص (99)..
([35]) انظر: كتاب سجل مؤتمر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، المطبعة الإسلامية الجزائرية، قسنطينة، ص:85 – 93، وقد استغنينا بهذا التوثيق هنا عن التوثيق في سائر الموضوع لأنا لخصناه من مواضع مختلفة كلها ضمن الصفحات المذكورة.
([36]) آثار الإبراهيمي: (1/202)
([37]) آثار الإبراهيمي: (1/202)
([38]) آثار الإبراهيمي: (1/202)
([39]) آثار الإبراهيمي: (1/202)
([40]) المصل: ما يؤخذ من دم حيوان محصَّن من الإصابة بمرض معيَّن، ثم يحقن به جسم آخر ليكسبه مناعة تقيهِ الإصابة بذلك المرض. المعجم الوسيط: ص (874).
([41]) آثار الإبراهيمي: (1/205)
([42]) آثار الإبراهيمي: (1/206)
([43]) انظر آثار الإبراهيمي: (1/191-193)، وقد استغنينا بهذا التوثيق هنا عن التوثيق في سائر الموضوع لأنا لخصناه من مواضع مختلفة كلها ضمن الصفحات المذكورة.
([44]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 191)
([45]) انظر: الشهاب، السنة 13، العدد 8، أكتوبر 1937: من افتتاحية (الشهاب) المخصصة للمؤتمر السنوي العام لجمعية العلماء، عنوانها (في عيد النهضة الجزائرية الحديثة) بقلم فرحات الدراجي، وانظر: آثار الإبراهيمي: 1/306.
([46]) انظر مقال (معهد عبد الحميد بن باديس: ما له وما عليه) الذي نشر بالبصائر، العدد 44، السنة الأولى من السلسلة الثانية، 21 جوان 1948م، وانظر: آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (2/ 214)
([47]) العربي التبسي، مقالات في الدعوة إلى النهضة الإسلامية في الجزائر، جمع: شرفي أحمد الرفاعي قسنطينة، دار البعث 1981، ج1 ص:171.
([48]) البصائر، السنة الأولى، العدد 37، الجمعة 16 رجب 1355هـ / 2 أكتوبر 1936م، وانظر: آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 281)
([49]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 283)
([50]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 283)
([51]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 284)
([52]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 284)
([53]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 284)
([54]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 284)
([55]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 284)
([56]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 284)
([57]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 284)
([58]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 286)
([59]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 286)
([60]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (4/ 171)
([61]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (4/ 171)
([62]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (4/ 171)
([63]) آثار ابن باديس (3/ 550)
([64]) آثار ابن باديس (3/ 550)
([65]) آثار ابن باديس (3/ 550)
([66]) آثار ابن باديس (3/ 550)
([67]) وادي ميزاب : العدد 70 بتاريخ 27 / 02 / 1928 م
([68]) البصائر : العدد 77، بتارخ 30/ 07 / 1937 م.
([69]) محمد الطاهر فضلاء : دعائم النهضة الوطنية الجزائرية، دار البعث للطباعة والنشر، قسنطينة، الجزائر، دت، ص160.
([70]) البصائر : ع 95، بتاريخ 14 / 01 / 1938 م..
([71]) الاصلاح ،العدد 06، بتاريخ 24 / 09 / 1929 م.
([72]) بوصفصاف : جمعية العلماء المسلمين وعلاقاتها، ص 134.
([73]) آثار ابن باديس (3/ 309)
([74]) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (3/ 62)
([75]) خير الدين، المذكرات، ص 348-349.