المبحث الأول: المنهج الاستدلالي

المبحث الأول

المنهج الاستدلالي

يمكن تعريف المنهج الاستدلالي بما عرف به العلماء الفقه نفسه، وهو أنه (العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية، أو هو مجموعة من الأحكام الشرعية العلمية المستفادة من أدلتها التفصيلية)([1])

ففي هذا التعريف نلاحظ أن الأحكام الشرعية تستنبط من الأدلة التفصيلية، وهي الأدلة المستنبطة من المصادر الكبرى للتشريع الإسلامي من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وغيرها.

يقول الدهلوي: (حقيقة الاجتهاد – على ما يفهم من كلام العلماء – استفراغ الجهد في إدراك الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية الراجعة كلياتها إلى أربعة أقسام الكتاب والسنة والإجماع والقياس ويفهم من هذا أنه أعم من أن يكون استفراغا في إدراك حكم ما سبق التكلم فيه من العلماء السابقين أو لا وافقهم في ذلك أو خالف)([2])

 ولذلك فإن هذا المنهج يعتمد أصحابه في استنباط الأحكام الشرعية على تلك المصادر الأصلية والتبعية من غير نظر أو اهتمام لما توصل إليه غيرهم من الفقهاء من أصحاب المذاهب أو غيرهم، بل يعتبرون التقيد بأقوال الفقهاء والالتزام بها من غير نظر في الأدلة بدعة حادثة في الملة لا يستحق صاحبها أن يوصف بالمجتهد ولا الفقيه، ولا يحق له بالتالي أن يتصدر لمنصب الإفتاء إلا على سبيل النقل لقول غيره.

وأصحاب هذا المنهج إذا عرضت لهم حادثة يبدؤون أولا بالنظر فيما ورد حولها في المصدرين الأساسيين للدين من الكتاب والسنة.

وربما يكون هذا هو موضع الاتفاق الوحيد بينهم([3])، ذلك أن لكل منهم بعد ذلك مصادره الخاصة به، والتي يؤسس عليها رؤيته للاستنباط من مصادر الشريعة.

ويبدأ الخلاف من اعتبار الإجماع أو عدم اعتباره، وفي حال اعتباره يحصل الخلاف الطويل أيضا في كون المسألة التي ادعي فيها الاجماع مجمع عليها حقيقة أم لا، فلا يهم أصحاب هذا المنهج أن يقفوا مع جماهير الفقهاء أو يخالفوهم، لأن العبرة عندهم بالدليل، لا بكثرة الفقهاء أو قلتهم ([4]).

ثم يتسلسل الخلاف بعد ذلك في اعتبار ما يطلق عليه بالأدلة المختلف فيها كالاستحسان وشرع من قبلنا، وغيرها، فإن أداهم الاجتهاد إلى صحة شيء منها أفتوا به، وإن تعارضت عندهم الأدلة فإنهم يفتون بما يترجح لديهم منها.

وهذا المنهج ينتقد بشدة سائر المناهج، وخاصة المناهج التي تعتمد التقليد، أو تعتمد الرأي المجرد، أو تعتمد أحوال المكلفين من التيسير والتشديد ومراعاة المصالح ونحو ذلك، لأنها تعتبر أن الأصل في الفتوى هو الإخبار عن مراد الله من عباده، وهذا المراد لا يمكن التعرف عليه إلا من المصادر الأصلية أو ما انبنى عليها.

انطلاقا من هذه الخلاصة المختصرة للرؤية العامة لأصحاب هذا المنهج، نحاول هنا باختصار أن نتعرف على كبار ممثليه من أعلام الفقهاء، ثم على الأدلة التي يعتمدون عليها في التأسيس لمنهجهم، ثم على الآليات العملية التي يعتمدونها في الفتوى.

أولا ـ أعلامه:

ليس من الصعب التعرف على العلماء الذين يتبنون هذا المنهج، ذلك أنهم جميعا كتبوا أو صرحوا بما يدل على ضرورة العودة إلى الاجتهاد وعدم غلق بابه، وعلى النهي عن التقليد وخاصة إذا تعارض التقليد مع النص، ولكنا مع ذلك نذكر كبار من يتبنون هذا المنهج ابتداء من العصر الأول إلى عصرنا:

أولا ـ أعلام القرون الفاضلة الأولى من الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة المذاهب الفقهية وغيرهم من الفقهاء الذين لم يكن لهم من التلاميذ من ينشر آراءهم ومذاهبهم، فأبو حنيفة كان يقول: (إذا صح الحديث فهو مذهبي) ([5])

والإمام أحمد كان يقول: (لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الثوري ولا الأوزاعي وخذ من حيث أخذوا)([6])

والشافعي كان يقول: (إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط، وإذا رأيت الحجة موضوعة على الطريق فهي قولي)([7]).

وقال المزني صاحب الشافعي في أول مختصره: (اختصرت هذا من علم الشافعي، ومن معنى قوله، لأقربه على من أراده، مع إعلامية نهيه عن تقليده وتقليد غيره،لينظر فيه لدينه ويحتاط فيه لنفسه)([8])

أما ابن حزم، وهو من أكبر أعلام المذهب الظاهري، فقد كان من كبار المتشددين على المقلدين، وخاصة مقلدي المذاهب الأربعة، وحصلت بينه وبينهم مناظرات، بل حصلت له بسبب ذلك محنة([9]).

وقد عاتب في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام) المقلدين لأئمة المذاهب عتابا شديدا، وعندما وصلت نوبة الحديث إلى الظاهرية، قال: (وأما أصحاب الظاهر فهم أبعد الناس من التقليد، فمن قلد أحدا مما يدعي أنه منهم فليس منهم، ولم يعصم أحد من الخطأ، وإنما يلام من اتبع قولا لا حجة عنده به، وألوم من هذا من اتبع قولا وضح البرهان على بطلانه، فتمادى ولج في غيه، وبالله تعالى التوفيق، وألوم من هذين وأعظم جرما من يقيم على قول يقر أنه حرام، وهم المقلدون الذين يقلدون ويقرون أن التقليد حرام، ويتركون أوامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقرون أنها صحاح، وأنها حق، فمن أضل من هؤلاء، نعوذ بالله من الخذلان ونسأله الهدى والعصمة فكل شيء بيده لا إله إلا هو)([10])

ثانيا – بعض أتباع المذاهب الأربعة وغيرهم من الذين لم يمنعهم انتماؤهم في الظاهر لمذاهبهم عن التشدد مع المقلدين، ذلك أن اتباعهم للمذاهب ليس على سبيل التقليد، وإنما على سبيل الاتباع.

ومن الأمثلة على ذلك ابن عبد البر المالكي (ت 364ه)، وهو من كبار المتشددين على المقلدين، وإن كان مالكي المذهب، وقد ضمن رأيه في التقليد قصيدة في كتابه (جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله) جاء فيها:

يا سائلي عن موضع التقليد

   خذ عني الجواب بفهم لب حاضر

واصغ إلى قولي ودن بنصيحتي

  واحفظ علي بوادري ونوادري

لا فرق بين مقلد وبهيمة

   تنقاد بين جنادل ودعاثر([11])

ومنهم العز بن عبد السلام، والذي كان شافعي المذهب، ومع ذلك كان يتعجب من المقلدين الذين يعرضون عن الأدلة، ويكتفون بما ذهب إليه أئمتهم، ومن تصريحاته في ذلك قوله: (ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه بحيث لا يجد لضعفه مدفعا ومع هذا يقلده فيه، ويترك من الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة لمذهبه جمودا على تقليد إمامه، بل يتحلل لدفع ظواهر الكتاب والسنة، ويتأولهما بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالا عن مقلده، وقد رأيناهم يجتمعون في المجالس فإذا ذكر لأحدهم في خلاف ما وظن نفسه عليه تعجب غاية التعجب من استرواح إلى دليل بل لما ألفه من تقليد إمامه حتى ظن أن الحق منحصر في مذهب إمامه أولى من تعجبه من مذهب غيره)([12])

ثم ذكر حال الفقهاء في عصره وغيره، فقال: (فالبحث مع هؤلاء ضائع مفض إلى التقاطع والتدابر من غير فائدة يجديها، وما رأيت أحدا رجع عن مذهب إمامه إذا ظهر له الحق في غيره بل يصير عليه مع علمه بضعفه وبعده، فالأولى ترك البحث مع هؤلاء الذين إذا عجز أحدهم عن تمشية مذهب إمامه قال: لعل إمامي وقف على دليل لم أقف عليه ولم أهتد إليه، ولم يعلم المسكين أن هذا مقابل بمثله ويفضل لخصمه ما ذكره من الدليل الواضح والبرهان اللائح، فسبحان الله ما أكثر من أعمى التقليد بصره حتى حمله على مثل ما ذكر، وفقنا الله لاتباع الحق أين ما كان وعلى لسان من ظهر)([13])

ثم قارن ذلك الوضع بما كان عليه السلف الصالح، فقال: (وأين هذا من مناظرة السلف ومشاورتهم في الأحكام ومسارعتهم إلى اتباع الحق إذا ظهر على لسان الخصم، وقد نقل عن الشافعي رحمه الله أنه قال: ما ناظرت أحدا إلا قلت اللهم أجر الحق على قلبه ولسانه، فإن كان الحق معي اتبعني وإن كان الحق معه اتبعته) ([14])

ثالثا – ظهر في العصور التي ترسخ فيها التقليد بعض الأعلام الكبار الذين دعوا إلى العودة إلى الدليل وترك التقليد، وقد كان من كبار هؤلاء ابن تيمية، فقد ألف الكتب والرسائل الكثيرة في الرد على التقليد، بل كانت له اجتهاداته الكثيرة في الفتوى، والتي جعلته يواجه الكثير من فقهاء المذاهب بسببها.

وقد ذكر في الفتاوى الكبرى بعض الجهد الذي بذله في ذلك، والأقوال التي انفرد بها عن أهل عصره، فحصل له بسببها من المحنة ما حصل: (ومن أقواله المعروفة المشهورة التي جرى بسبب الإفتاء بها محن وقلاقل قوله: بالتكفير في الحلف بالطلاق، وأن الطلاق الثلاث لا يقع إلا واحدة، وأن الطلاق المحرم لا يقع، وله في ذلك مصنفات ومؤلفات. منها قاعدة كبيرة سماها: (تحقيق الفرقان بين التطليق والأيمان). نحو أربعين كراسة. وقاعدة سماها: (الفرق بين الطلاق واليمين). بقدر نصف ذلك. وقاعدة في (أن جميع أيمان المسلمين مكفرة) مجلد لطيف. وقاعدة في تقرير أن الحلف بالطلاق من الأيمان حقيقة. وقاعدة سماها: (التفصيل بين التكفير والتحليل). وقاعدة سماها: (اللمعة)، وغير ذلك من القواعد والأجوبة في ذلك لا تنحصر ولا تنضبط) ([15])

وقريب منه الشاطبي (ت 790) الذي لم يمنعه انتماؤه للمذهب المالكي من التصريح بضرورة العودة إلى الدليل وترك التقليد لأئمة المذاهب، يقول في (الاعتصام): (والرابع: رأي المقلدة لمذهب إمام يزعمون أن إمامهم هو الشريعة، بحيث يأنفون أن تنسب إلى أحد من العلماء فضيلة دون إمامهم، وحتى إذا جاءهم من بلغ درجة الاجتهاد وتكلم في المسائل ولم يرتبط إلى إمامهم رموه بالنكير، وفوقوا إليه سهام النقد، وعدوه من الخارجين عن الجادة، والمفارقين للجماعة، من غير استدلال منهم بدليل، بل بمجرد الاعتياد العامي)([16])

وضرب مثالا لذلك بما حصل لبقي بن مخلد، فقال: (ولقد لقي الإمام بقي بن مخلد حين دخل الأندلس آتيا من المشرق من هذا الصنف الأمرين، حتى أصاروه مهجور الفناء، مهتضم الجانب، لأنه من العلم بما لا يدي لهم به، إذ لقي بالمشرق الإمام أحمد بن حنبل وأخذ عنه مصنفه وتفقه عليه، ولقي أيضا غيره، حتى صنف المسند المصنف الذي لم يصنف في الإسلام مثله، وكان هؤلاء المقلدة قد صمموا على مذهب مالك، بحيث أنكروا ما عداه، وهذا تحكيم الرجال على الحق، والغلو في محبة المذهب، وعين الإنصاف ترى أن الجميع أئمة فضلاء، فمن كان متبعا لمذهب مجتهد لكونه لم يبلغ درجة الاجتهاد فلا يضره مخالفة غير إمامه لإمامه، لأن الجميع سالك على الطريق المكلف به، فقد يؤدي التغالي في التقليد إلى إنكار لما أجمع الناس على ترك إنكاره)([17])

رابعا – ظهر في القرون المتأخرة بعد ابن تيمية بعض الأعلام الكبار الذين أحيوا الدعوة إلى فقه الدليل، وكتبوا في ذلك المؤلفات الكثيرة، وتعرضوا لبعض المحن بسبب ذلك.

ومن كبار هذه الطبقة الشوكاني صاحب المؤلفات الكثيرة في نصرة فقه الاستدلال بدل فقه التقليد، ومن تصريحاته في هذا الباب قوله بعد إيراده الخلاف في (قول الصحابي هل هو حجة أم لا): (والحق: أنه ليس بحجة ([18])، فإن الله سبحانه لم يبعث إلى هذه الأمة إلا نبينا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، وليس لنا إلا رسول واحد، وكتاب واحد، وجميع الأمة مأمورة باتباع كتابه، وسنة نبيه، ولا فرق بين الصحابة وبين من بعدهم، في ذلك، فكلهم مكلفون بالتكاليف الشرعية، وباتباع الكتاب والسنة، فمن قال: إنها تقوم الحجة في دين الله عز وجل بغير كتاب الله، وسنة رسوله، وما يرجع إليهما، فقد قال في دين الله بمالم يثبت، وأثبت في هذه الشريعة الإسلامية شرعا لم يأمر الله به، وهذا أمر عظيم، وتقول بالغ، فمن حكم لفرد أو أفراد من عباد الله بأن قوله، أو أقوالهم حجة على المسلمين يجب عليهم العمل بها وتصير شرعا ثابتا متقررا تعم به البلوى، مما لا يدان الله عز وجل به، ولا يحل لمسلم الركون إليه، ولا العمل عليه، فإن هذا المقام لم يكن إلا لرسل الله، الذين أرسلهم بالشرائع إلى عباده لا لغيرهم، وإن بلغ في العلم والدين عظم المنزلة أي مبلغ)([19])

ثم ختم قوله: (فاعرف هذا، واحرص عليه، فإن الله لم يجعل إليك وإلى سائر هذه الأمة رسولا إلا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يأمرك باتباع غيره، ولا شرع لك على لسان سواه من أمته حرفا واحدا، ولا جعل شيئا من الحجة عليك في قول غيره، كائنا من كان)([20])

بالإضافة إلى الشوكاني، فقد ذكر السيوطي في كتابه المهم (الرد على من أخلد إلى الارض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض)([21]) الكثير من أقوال الفقهاء المتأخرين الذين دعوا إلى فتح باب الاجتهاد والرجوع إلى المصادر الأصلية مباشرة، وأنه في الإمكان أن يظهر المجتهدون في العصور المختلفة.

ومن العلماء الذين ذكرهم([22]):

1 – (الماوردي) في أول كتابه (الحاوي)

2- و(الروياني) في أول (البحر)

3- والقاضي (حسين) في (تعليقه)

4- و(الزبيري) في كتاب (المسكت)

5- و(ابن سراقة) في كتاب (الأعداد)

6- و(إمام الحرمين) في كتاب السير من (النهاية)

7- و(الشهرستاني) في (الملل والنحل)

8- و(البغوي) في أوائل (التهذيب)

9- و(الغزالي) في (البسيط)، و(الوسيط)

10- و(ابن الصلاح) في (أدب الفتيا)

11- و(النووي) في (شرح المهذب) و(شرح مسلم)

12- والشيخ (عز الدين بن عبد السلام) في (مختصر النهاية)

13- و(ابن الرفعة) في (المطلب)

14- و(الزركشي) في كتاب (القواعد)، و(البحر)

وممن نص على ذلك من أئمة المالكية القاضي (عبد الوهاب) في (المقدمات)، و(ابن القصار) في كتابه في أصول الفقه، ونقله عن مذهب (مالك) وجمهور العلماء، و(القرافي) في (التنقيح)، و(ابن عبد السلام) في (شرح مختصر ابن الحاجب)، و(أبو محمد بن ستاري) في (المسائل المنثورة) و(ابن عرفة) في كتابه (المبسوط) في الفقه.

خامسا – نتيجة للدعوات السابقة إلى فقه الدليل، فإن المنهج الغالب على الكثير من الباحثين والفقهاء في عصرنا الحاضر هو هذا المنهج، وإن كانوا يختلفون في امتلاك الآليات التي تتيح لهم ممارسته.

ثانيا ـ أدلته:

أفرد أصحاب هذا المنهج أو الدعاة له الكثير من المؤلفات في نصرته، والرد على المخالفين لهم، وخصوصا من أصحاب المنهج المذهبي أو المذاهبي، ومن أهم تلك المؤلفات (المختصر المؤمل في الرد إلى الأمر الأول) لأبي شامة المقدسي، و(شرح قول المطلبي، إذا صح الحديث فهو مذهبي) للسبكي، و(جزء التمسك بالسنن) للذهبي، و(الاتباع) لابن أبي العز، و(فيض الشعاع، الكاشف للقناع، عن أركان الابتداع) للحسن بن أحمد الجلال اليماني، و(الوجه الحسن، المذهب للحزن، لمن طلب السنة ومشى على السنن) لإسحاق بن يوسف الصنعاني، و(إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد) للأمير الصنعاني، و(إيقاظ همم أولى الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار) لصالح الفُلاَّني، و(إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن) لمحمد بن علي السنوسي (مالكي)، و(القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد) و(أدب الطلب، ومنتهى الأرب) كلاهما للشوكاني، و(كشف الغمة عن سبب اختلاف الأمة) و(الاكتناف لأحكام الاختلاف) للأمير صديق حسن خان القنوجي، و(القول السديد في أدلة الاجتهاد والتقليد) لأبي النصر علي بن حسن خان القنوجي، و(الطريقة المثلى في ترك التقليد واتباع ما هو الأولى) لأبي الخير نور الحسن بن حسن خان القنوجي، وغيرهم كثير.

وبما أن استيعاب كل ما ذكروه يحتاج إلى مجلدات ضحمة، فسنقتصر هنا على مجامع الأدلة دون تفاصيلها:

الدليل الأول:

ما ورد في النصوص الداعية إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة مطلقا أو في حال النزع، وهي كثيرة جدا نقتصر منها على ما يلي:

من القرآن الكريم: وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تدعو إلى العودة المباشرة إلى الكتاب والسنة، منها قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}([23])

وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ }([24])

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}([25])

من الحديث الشريف: وردت أحاديث كثيرة في الحث على العودة المباشرة إلى المصادر الأصلية منها ما حدث به العرباض بن سارية، قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، قلنا: يا رسول الله، إن هذه لموعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: (قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، ومن يعش منكم، فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وعليكم بالطاعة، وإن عبدا حبشيا عضوا عليها بالنواجذ، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما انقيد انقاد)([26])

الدليل الثاني:

ما ورد من الأدلة الكثيرة من القرآن الكريم والسنة المطهرة والآثار عن الصحابة والتابعين على حرمة التقليد، وقد جمع ابن عبد البر الكثير منها كتابه (جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله) في (باب فساد التقليد ونفيه والفرق بين التقليد والاتباع)([27])، ومن الأدلة التي أوردها:

1 – ذم الله تبارك وتعالى التقليد في غير موضع من القرآن الكريم، كقوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) }([28])، وقد ورد في تفسير هذه الآية عن عدي بن حاتم: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي عنقي صليب فقال لي: يا عدي بن حاتم، ألق هذا الوثن من عنقك)، وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة حتى أتى على هذه الآية {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}([29]) قال: قلت: يا رسول الله إنا لم نتخذهم أربابا، قال: (بلى، أليس يحلون لكم ما حرم عليكم فتحلونه، ويحرمون عليكم ما أحل الله لكم فتحرمونه؟)، فقلت: بلى، قال: (تلك عبادتهم)([30])

2 – قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24)}([31])، فمنعهم الاقتداء بآبائهم من قبول الاهتداء فقالوا: إنا بما أرسلتم به كافرون.

3 – قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168)}([32])

وقد علق ابن عبد البر على هذه الآيات وغيرها بقوله: (وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد ولم يمنعهم كفر أولئك من جهة الاحتجاج بها؛ لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر وإنما وقع التشبيه بين التقليدين بغير حجة للمقلد كما لو قلد رجل فكفر وقلد آخر فأذنب وقلد آخر في مسألة دنياه فأخطأ وجهها، كان كل واحد ملوما على التقليد بغير حجة؛ لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا وإن اختلفت الآثام فيه، وقال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }([33])، وقد ثبت الاحتجاج بما قدمنا في الباب قبل هذا وفي ثبوته إبطال التقليد أيضا، فإذا بطل التقليد بكل ما ذكرنا وجب التسليم للأصول التي يجب التسليم لها وهي الكتاب والسنة أو ما كان في معناهما بدليل جامع بين ذلك)([34])

الدليل الثالث:

الاستدلالات العقلية، وكثير منها صيغ بشكل مناظرات وحوارات مع المخالفين من القائلين بالتقليد معاملة لهم بالمناهج التي يعتمدون عليها في الاستدلال، ومن الأمثلة على ذلك ما نقله الزركشي وغيره عن المزني من قوله: (يقال لمن حكم بالتقليد: هل لك من حجة فيما حكمت به؟ فإن قال: نعم أبطل التقليد؛ لأن الحجة أوجبت ذلك عنده لا التقليد، وإن قال: حكمت فيه بغير حجة قيل له: فلم أرقت الدماء وأبحت الفروج وأتلفت الأموال وقد حرم الله ذلك إلا بحجة؟ قال الله عز وجل: { إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا}([35]) أي من حجة بهذا، فإن قال: أنا أعلم أني قد أصبت وإن لم أعرف الحجة؛ لأني قلدت كبيرا من العلماء وهو لا يقول إلا بحجة خفيت علي، قيل له: إذا جاز تقليد معلمك لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت عليك فتقليد معلم معلمك أولى؛ لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت على معلمك، كما لم يقل معلمك إلا بحجة خفيت عليك، فإن قال: نعم ترك تقليد معلم معلمه، وكذلك من هو أعلى حتى ينتهي إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن أبى ذلك نقض قوله وقيل له: كيف يجوز تقليد من هو أصغر وأقل علما ولا يجوز تقليد من هو أكبر وأكثر علما وهذا يتناقض، فإن قال: لأن معلمي وإن كان أصغر فقد جمع علم من هو فوقه إلى علمه، فهو أبصر بما أخذ وأعلم بما ترك قيل له: وكذلك من تعلم من معلمك فقد جمع علم معلمك وعلم من فوقه إلى علمه؛ فيلزمك تقليده وترك تقليد معلمك، وكذلك أنت أولى أن تقلد نفسك من معلمك؛ لأنك جمعت علم معلمك وعلم من هو فوقه إلى علمك، فإن فاد قوله جعل الأصغر ومن يحدث من صغار العلماء أولى بالتقليد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك الصاحب عنده يلزمه تقليد التابع، والتابع من دونه في قياس قوله والأعلى الأدنى أبدا وكفى بقول يؤول إلى هذا قبحا وفسادا)([36])

ومثل ذلك ما روي عن سحنون، قال: كان مالك بن أنس، وعبد العزيز بن أبي سلمة، ومحمد بن إبراهيم بن دينار وغيرهم يختلفون إلى ابن هرمز، وكان إذا سأله مالك وعبد العزيز أجابهما وإذا سأله ابن دينار وذووه لم يجبهم، فتعرض له ابن دينار يوما فقال له: يا أبا بكر لم تستحل مني ما لا يحل لك؟ قال له: يا ابن أخي وما ذاك؟ قال: يسألك مالك وعبد العزيز فتجيبهما وأسألك أنا وذوي فلا تجيبنا؟ فقال: (أوقع ذلك يا ابن أخي في قلبك؟) قال: نعم، قال: إني قد كبر سني ورق عظمي، وأنا أخاف أن يكون خالطني في عقلي مثل الذي خالطني في بدني، ومالك وعبد العزيز عالمان فقيهان إذا سمعا مني حقا قبلاه، وإذا سمعا مني خطأ تركاه، وأنت وذووك ما أجبتكم به قبلتموه، قال محمد بن حارث: هذا والله هو الدين الكامل والعقل الراجح لا كمن يأتي بالهذيان، ويريد أن ينزل من القلوب منزلة القرآن)([37])

ومثل ذلك هذه المناظرة الافتراضية التي صاغها ابن عبد البر بقوله: (يقال لمن قال بالتقليد: لم قلت به وخالفت السلف في ذلك؟ فإنهم لم يقلدوا فإن قال: قلدت؛ لأن كتاب الله عز وجل لا علم لي بتأويله، وسنة رسوله لم أحصها والذي قلدته قد علم ذلك فقلدت من هو أعلم مني قيل له: أما العلماء إذا اجتمعوا على شيء من تأويل الكتاب أو حكاية سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو اجتمع رأيهم على شيء فهو الحق لا شك فيه، ولكن قد اختلفوا فيما قلدت فيه بعضهم دون بعض، فما حجتك في تقليد بعض دون بعض، وكلهم عالم ولعل الذي رغبت عن قوله أعلم من الذي ذهبت إلى مذهبه، فإن قال: قلدته لأني علمت أنه صواب قيل له: علمت ذلك بدليل من كتاب أو سنة أو إجماع، فإن قال: نعم، فقد أبطل التقليد وطولب بما ادعاه من الدليل وإن قال: قلدته لأنه أعلم مني، قيل له: فقلد كل من هو أعلم منك فإنك تجد من ذلك خلقا كثيرا ولا يحصى من قلدته إذ علتك فيه أنه أعلم منك وتجدهم في أكثر ما ينزل بهم من السؤال مختلفين فلم قلدت أحدهم؟ فإن قال: قلدته لأنه أعلم الناس قيل له: فهو إذا أعلم من الصحابة وكفى بقول مثل هذا قبحا وإن قال: إنما قلدت بعض الصحابة قيل له: فما حجتك في ترك من لم تقلد منهم؟ ولعل من تركت قوله منهم أعلم وأفضل ممن أخذت بقوله على أن القول لا يصح لفضل قائله وإنما يصح بدلالة الدليل عليه)([38])

وكثيرا ما نرى أصحاب هذا المنهج يحاجون المخالفين لهم من المقلدين بما ذكره أئمتهم الذين يقتدون بهم، فالأئمة الأربعة، قد نهوا الناس عن تقليدهم في كل ما يقولونه كما رأينا ذلك سابقا.

بل يذكر ابن القيم أن غير المقلدين أكثر احتراما للعلماء من المقلدين، فيقول في فصل بعنوان (الفرق بين تجريد متابعة المعصوم وإهدار أقوال العلماء وإلغائها): (فمن عرض أقوال العلماء على النصوص ووزنها بها وخالف منها ما خالف النص لم يهدر أقوالهم، ولم يهضم جانبهم، بل اقتدى بهم، فإنهم كلهم أمروا بذلك، فمتبعهم حقا من امتثل ما أوصوا به، لا من خالفهم، فخلافهم في القول الذي جاء النص بخلافه أسهل من مخالفتهم في القاعدة الكلية التي أمروا ودعوا إليها من تقديم النص على أقوالهم، ومن هنا يتبين الفرق بين تقليد العالم في كل ما قال وبين الاستعانة بفهمه والاستضاءة بنور علمه، فالأول يأخذ قوله من غير نظر فيه، ولا طلب لدليله من الكتاب والسنة، بل يجعل ذلك كالحبل الذي يلقيه في عنقه يقلده به، ولذلك سمي تقليدا بخلاف ما استعان بفهمه واستضاء بنور علمه في الوصول إلى الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فإنه يجعلهم بمنزلة الدليل إلى الدليل الأول، فإذا وصل إليه استغنى بدلالته عن الاستدلال بغيره، فمن استدل بالنجم على القبلة فإنه إذا شاهدها لم يبق لاستدلاله بالنجم معنى)([39])

الدليل الرابع:

الرد على ما استند إليه المخالفون من أدلة، وأشهر ما انصب عليه اهتمامهم ما يستدل به المخالفون من أصحاب المناهج المذهبية أو المذاهبية كثيرا، وهو حديث (اختلاف أمتي رحمة)([40])، فقد جعل أصحاب المنهج المذهبي هذا الحديث شعارهم وقاعدتهم التي يحتمون بها([41])، وقد رد هؤلاء على هذا الحديث – أولا – ببيان وضعه([42])، و– ثانيا – بمعارضته الواضحة لما ورد في النصوص القطعية من القرآن والسنة من ذم الاختلاف، كقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}([43])، وقوله: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}([44])، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض)([45])

ومن السابقين من أصحاب هذا المنهج الذين اشتدوا في رد هذا الحديث ابن حزم، فقد قال بعد أن أشار إلى أنه ليس بحديث: (وهذا من أفسد قول يكون، لأنه لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق سخطا، وهذا ما لا يقوله مسلم، لأنه ليس إلا اتفاق أو اختلاف، وليس إلا رحمة أو سخط…)([46])

ومن الذين اشتدوا في بيان وضعه، ونشر ذلك بين الناس الشيخ الألباني، ومن ردوده عليه ما ذكره في تعليقه على هذا الحديث في الضعيفة: (لا أصل له، ولقد جهد المحدثون في أن يقفوا له على سند فلم يوفقوا)([47])

ثم ذكر الآثار السيئة لهذا الحديث، فقال: (وإن من آثار هذا الحديث السيئة أن كثيرا من المسلمين يقرون بسببه الاختلاف الشديد الواقع بين المذاهب الأربعة، ولا يحاولون أبدا الرجوع بها إلى الكتاب والسنة الصحيحة كما أمرهم بذلك أئمتهم، بل إن أولئك ليرون مذاهب هؤلاء الأئمة إنما هي كشرائع متعددة يقولون هذا مع علمهم بما بينها من اختلاف وتعارض لا يمكن التوفيق بينها إلا برد بعضها المخالف للدليل، وقبول البعض الآخر الموافق له، وهذا مالا يفعلونه، وبذلك نسبوا إلى الشريعة التناقض، وهو وحده دليل على أنه ليس من الله عز وجل لو كانوا يتأملون قوله تعالى في حق القرآن {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}([48])، فالآية صريحة في أن الاختلاف ليس من الله، فكيف يصح إذن جعله شريعة متبعة، ورحمة منزلة؟)([49])

ثالثا ـ منهجه في الفتوى:

كما عرفنا سابقا فإن هذا المنهج ينطلق من الدليل في أي مسألة يبحث فيها، وهذا لا يعني عدم استفادته من آراء الفقهاء السابقين، بل هو يستفيد منها، بل قد ينطلق منها في بحثه عن الجواب الشرعي في المسائل الحادثة أو غير الحادثة، ولكنه لا يكتفي بذلك كما يفعل المقلدون، بل يعرض تلك الفتاوى على المصادر الأصلية أو التبعية للدين.

وبذلك فإن هذا المنهج يعتمد على مصدرين كبيرين:

الأول: هو النظر في النصوص والاجتهاد في فهمها أو استنباط الحكم الشرعي من خلال منطوقها أو مفهومها، أو من خلال القياس عليها، ونحو ذلك، ويستدلون لهذا:

1 ـ بما ورد في الحديث المشهور أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن،: (كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟)، قال: أقضي بما في كتاب الله. قال: (فإن لم يكن في كتاب الله؟) قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: أجتهد رأيي، لا آلو. قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدري، ثم قال: (الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله)([50])

2 ـ بما ورد عن الصحابة من منهجهم في الفتوى، ومن ذلك ما روي عن حريث بن ظهير- قال: أحسب- أن عبد الله قال: قد أتى علينا زمان وما نسأل، وما نحن هناك، وإن الله قدر أن بلغت ما ترون، فإذا سئلتم عن شيء فانظروا في كتاب الله، فإن لم تجدوه في كتاب الله ففي سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن لم تجدوه في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما أجمع عليه المسلمون فإن لم يكن فيما أجمع عليه المسلمون فاجتهد رأيك ولا تقل: إني أخاف وأخشى، فإن الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمور مشتبهة، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك)([51])

ومثله ما روي عن شريح، أن عمر بن الخطاب كتب إليه: (إن جاءك شيء في كتاب الله، فاقض به ولا تلفتك عنه الرجال، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله فانظر سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فاقض بها، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن فيه سنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فانظر ما اجتمع عليه الناس فخذ به، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يتكلم فيه أحد قبلك، فاختر أي الأمرين شئت: إن شئت أن تجتهد برأيك ثم تقدم فتقدم، وإن شئت أن تتأخر، فتأخر، ولا أرى التأخر إلا خيرا لك)([52])

الثاني: هو الاستفادة من اجتهادات المجتهدين من الفقهاء من أصحاب المذاهب وغيرهم من غير تقليد لها، ولهذا فإن هذا المنهج لا ينكر التمذهب مطلقا، بل ينكر ترك الدليل لأجل المذهب، كما جاء في الدرر السنية: (ونحن أيضا في الفروع، على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ولا ننكر على من قلد أحد الأئمة الأربعة، دون غيرهم، لعدم ضبط مذاهب الغير، الرافضة، والزيدية، والإمامية، ونحوهم، ولا نقرهم ظاهرا على شيء من مذاهبهم الفاسدة، بل نجبرهم على تقليد أحد الأئمة الأربعة.. ولا نستحق مرتبة الاجتهاد المطلق، ولا أحد لدينا يدعيها، إلا أننا في بعض المسائل، إذا صح لنا نص جلي، من كتاب، أو سنة غير منسوخ، ولا مخصص، ولا معارض بأقوى منه، وقال به أحد الأئمة الأربعة: أخذنا به، وتركنا المذهب، كإرث الجد والإخوة، فإنا نقدم الجد بالإرث، وإن خالف مذهب الحنابلة.. ولا نفتش على أحد في مذهبه، ولا نعترض عليه، إلا إذا اطلعنا على نص جلي، مخالف لمذهب أحد الأئمة، وكانت المسألة مما يحصل بها شعار ظاهر، كإمام الصلاة، فنأمر الحنفي، والمالكي مثلا، بالمحافظة على نحو الطمأنينة في الاعتدال، والجلوس بين السجدتين، لوضوح دليل ذلك، بخلاف جهر الإمام الشافعي بالبسملة، فلا نأمره بالإسرار، وشتان ما بين المسألتين، فإذا قوي الدليل أرشدناهم بالنص، وإن خالف المذهب، وذلك يكون نادرا جدا. ولا مانع من الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض، فلا مناقضة لعدم دعوى الاجتهاد، وقد سبق جمع من أئمة المذاهب الأربعة، إلى اختيارات لهم في بعض المسائل، مخالفين للمذهب، الملتزمين تقليد صاحبه)([53])


([1]) علم أصول الفقه وخلاصة تاريخ التشريع، عبد الوهاب خلاف، مطبعة المدني، المؤسسة السعودية بمصر، ص13.

([2]) عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد، أحمد بن عبد الرحيم المعروف بـ «الشاه ولي الله الدهلوي»، تحقيق: محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية – القاهرة (ص: 3).

([3]) بل هم يختلفون أيضا في هذا من حيث آليات الاستنباط كما هو معروف في مظانه من كتب أصول الفقه، وكما ذكر العلماء ذلك بتفصيل في الكتب التي بينت أسباب خلاف الفقهاء، ومن أهمها: أسباب اختلاف الفقهاء، د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، تقديم : حسن بن عبد الله آل الشيخ وعبد الرزاق عفيفي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 3، 1431 هـ / 2010 م.

([4]) انظر تفاصيل الخلافات الواردة حول الإجماع في كتب أصول الفقه، وكمثال على ذلك: أصول الفقه، محمد بن مفلح، أبو عبد الله الصالحي الحنبلي (المتوفى: 763هـ)، حققه وعلق عليه وقدم له: الدكتور فهد بن محمد السَّدَحَان، مكتبة العبيكان، ط1، 1420 هـ – 1999 م، ج2، ص366، فما بعدها.

([5]) ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار في فقه مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج1ص64.

([6]) محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله ابن القيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق : طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل – بيروت، 1973، ج2، ص201.

([7]) المرجع السابق، ج 2، ص 421.

([8]) نقلا عن: الدرر السنية في الأجوبة النجدية، علماء نجد الأعلام، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ط6، 1417هـ/1996م، ج 5، ص 297.

([9]) يقول ابن حيان واصفا المحنة التي تعرض لها ابن حزم: (استهدف إلى فقهاء وقته، فتألّبوا على بغضه، وردّ قوله، وأجمعوا على تضليله، وشنّعوا عليه، وحذّروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا أعوامهم عن الدنوّ إليه، والأخذ عنه، فطفق الملوك يقصونه عن قربهم، ويسيّرونه عن بلادهم، إلى أن انتهوا به، منقطع أثره بتربة بلده من بادية لبلة، وبها توفي غير راجع إلى ما أرادوا، به يبثّ علمه فيمن ينتابه بباديته من عامّة المقتبسين منه من أصاغر الطلبة الذين لا يحسّون فيه الملامة بحداثتهم، ويفقّههم ويدرسهم، ولا يدع المثابرة على العلم والمواظبة على التأليف والإكثار من التصنيف حتى كمل من مصنّفاته في فنون العلم وقر بعير، حتى لأحرق بعضها بإشبيلية) (انظر: الإحاطة في أخبار غرناطة، محمد بن عبد الله الغرناطي الأندلس، أبو عبد الله، الشهير بلسان الدين ابن الخطيب، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1424 هـ، ج4، ص 91.

([10]) الإحكام في أصول الأحكام، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم لأندلسي القرطبي الظاهري، تحقيق: الشيخ أحمد محمد شاكر، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ج2، ص 120.

([11]) جامع بيان العلم وفضله، أبو عمر يوسف عبد البر النمري القرطبي، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، ط1، 1414 هـ – 1994 م، ج2، ص988.

([12]) قواعد الأحكام في مصالح الأنام، أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، راجعه وعلق عليه: طه عبد الرؤوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية – القاهرة، 1414 هـ – 1991 م، ج2، ص159.

([13]) المرجع السابق،، ج2، ص159.

([14]) المرجع السابق،، ج2، ص159.

([15]) الفتاوى الكبرى، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، دار الكتب العلمية، ط1، 1408هـ – 1987م، ج4، ص161.

([16]) الاعتصام، إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي، تحقيق: سليم بن عيد الهلالي، دار ابن عفان، السعودية، ط1، 1412هـ – 1992م.ج2ص865.

([17]) المرجع السابق، ج2، ص865..

([18]) رد أبو زهرة بشدة على الشوكاني في هذه المسألة بقوله: ( ولا شكَّ أن هذه مغالاة في ردِّ أقوال الصحابة، ومن الواجب علينا أن نقول : إنَّ الأئمة الأعلام عندما اتبعوا أقوال الصحابة لم يجعلوا رسالةً لغير محمد a ، ولم يعتبروا حجَّةً في غير الكتاب والسنَّة، فهم مع اقتباسهم من أقوال الصحابة مستمسكون أشدَّ الاستمساك بأن النبي واحدٌ، والسنَّةَ واحدةٌ، والكتابَ واحدٌ، ولكنهم وجدوا أن هؤلاء الصحابة هم الذين استحفظوا على كتاب الله سبحانه وتعالى، ونقلوا أقوال محمد a إلى من بعدهم، فكانوا أعرف الناس بشرعه، وأقربهم إلى هديه، وأقوالهم قبسةٌ نبويةٌ، وليست بدعاً ابتدعوه، ولا اختراعاً اخترعوه، ولكنها تلمُّسٌ للشرع الإسلامي من ينابيعه، وهم أعرفُ الناس بمصادرها ومواردها، فمن اتبعهم فهو من الذين قال الله تعالى فيهم : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) } [التوبة:100] ( أصول الفقه، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، ص 218)، ونحب أن ننبه هنا بأن الشوكاني أيد القول بحجية الصحابي في كتابه (التقليد والإفتاء والاستفتاء)(انظر: التقليد والإفتاء والاستفتاء (ج 1 / ص 51) فما بعدها)

([19]) إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، محمد بن علي الشوكاني اليمني، تحقيق: الشيخ أحمد عزو، دار الكتاب العربي، ط1، 1419هـ – 1999م، ج2، ص188.

([20]) المرجع السابق، ج2، ص189.

([21]). طبع في دار الكتب لعلمية سنة 1403 هـ في مجلد بتحقيق (خليل الميس)، وأهمية هذه الرسالة تكمن في تتبع السيوطي لكل أقوال العلماء الذين أيدوا هذا المنهج، وقد ذكر أقوالهم، وبعض المصادر التي اعتمد عليها مفقودة.

([22]) انظر كتاب: الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض، تحقيق:(خليل الميس، دار الكتب لعلمية، 1403 هـ من (ص68) إلى (ص96).

([23]) سورة النساء: 59.

([24]) سورة المائدة: 92..

([25]) سورة محمد: 33.

([26]) مسند الإمام أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، ط1، 1421 هـ – 2001 م، ج28، ص367.

([27]) جامع بيان العلم وفضله، ج2، ص975.

([28]) سورة التوبة: 30، 31.

([29]) سورة التوبة: 31.

([30]) المعجم الكبير، سليمان بن أحمد ، أبو القاسم الطبراني، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية – القاهرة، ط2، ج17، ص92.

وانظر: سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سَوْرة ، الترمذي، أبو عيسى، تحقيق وتعليق: أحمد محمد شاكر ومحمد فؤاد عبد الباقي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي – مصر، ط2 ، 1395 هـ – 1975 م، ج5، ص278.

([31]) سورة الزخرف: 23، 24.

([32]) سورة البقرة: 166 – 168.

([33]) سورة التوبة: 115.

([34]) جامع بيان العلم وفضله، ج 2، ص 977.

([35]) سورة يونس: 68.

([36]) نقلا عن: البحر المحيط في أصول الفقه، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي، دار الكتبي، ط1، 1414هـ – 1994م، ج8، ص329، وانظر: جامع بيان العلم وفضله ج2، ص 992، وانظر: إعلام الموقعين عن رب العالمين ج2، ص 136.

([37]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، ج2، ص 137.

([38]) جامع بيان العلم وفضله: ج2، ص 994.

([39]) الروح في الكلام على أرواح الأموات والأحياء بالدلائل من الكتاب والسنة، محمد بن أبي بكر بن ابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية – بيروت، ص264.

([40]) باعتبار هذا الحديث محل خلاف بين المناهج، فسنتحدث عنه بتفصيل هنا، وفي محال أخرى من هذه الدراسة.

([41]) نظر على سبيل المثال: شرح النووي على صحيح مسلم، النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، 1392هـ ، ج 11 ص 91، وفيض القدير، المناوي، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، 1356، ج 1 ص 210.

([42]) من المراجع التي حققت في بيان وضعه: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألباني، دار المعارف، الرياض، الممكلة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1412 هـ / 1992 م، ج1، ص141، وصفة صلاة النبي ، الألباني، السعودية مكتبة المعارف، د ت، : ص: 49.

([43]) سورة الأنعام: 153.

([44]) سورة الأنفال: 46.

([45]) صحيح مسلم (1/ 81)

([46]) الإحكام في أصول الأحكام، ج5، ص64.

([47]) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، ج1، ص141.

([48]) سورة النساء: 82.

([49]) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، ج1، ص142.

([50]) مسند أحمد، ج36، ص 333، قال محققه: إسناده ضعيف لإبهام أصحاب معاذ وجهالة الحارث بن عمرو، لكن مال إلى القول بصحته غير واحد من المحققين من أهل العلم، منهم أبو بكر الرازي وأبو بكر بن العربي والخطيب البغدادي وابن قيم الجوزية.

وقال ابن القيم: (حديث وإن كان عن غير مسمين فهم أصحاب معاذ فلا يضره ذلك؛ لأنه يدل على شهرة الحديث وأن الذي حدث به الحارث بن عمرو عن جماعة من أصحاب معاذ لا واحد منهم، وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم لو سمي، كيف وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى؟ ولا يعرف في أصحابه متهم ولا كذاب ولا مجروح، بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم، لا يشك أهل العلم بالنقل في ذلك، كيف وشعبة حامل لواء هذا الحديث؟ وقد قال بعض أئمة الحديث: إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به) (إعلام الموقعين عن رب العالمين، ج1، ص 155.

([51]) مسند الدارمي المعروف بسنن الدارمي، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، التميمي السمرقندي، تحقيق: نبيل هاشم الغمري، دار البشائر (بيروت)، ط1، 1434هـ – 2013م، ص 136.

([52]) المرجع السابق، ص135.

([53]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية، ج 1 ، ص 227.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *