القابلية للإرهاب

من خلال التجربة والواقع المر الذي نعيشه يمكننا أن نكتشف نظرية مهمة تتعلق بتشخيص الإرهاب من ناحية، ومعالجته من ناحية أخرى.
وهي قاعدة يمكن صياغتها بهذه المعادلة: إرهاب + حاضنة = حاضنة إرهابية، أو إرهاب محتضن، أو إرهاب قوي بسبب كونه محتضنا، أو حاضنة تحولت إلى إرهاب..
والنتيجة الأخيرة لهذه المعادلات لو سرنا معها على هذا الاعتبار، هي أن تصبح جميع المنطقة التي حضنت الإرهاب منقطة إرهابية إجرامية، لأنها وافقت المجرمين على جرائمهم، بل دعمتتهم، والقوانين الدولية جميعا تنص على معاقبة أي مساعدة لأي مجرم، والقوانين كذلك تنص على أن القانون لا يحمي المغفلين.
ولذلك لا عتاب على أي جيش في العالم إن ضرب أي منطقة احتلها إرهابيون احتضنهم أهلها وساندونهم وناصروهم، وصاروا عيونا لهم.. ذلك أن الجيش لا يمكنه أن يميز بين الحاضن والإرهابي.. لأن كل حاضن في الحقيقة إرهابي.
وبناء على هذه المعادلة يمكننا أن نفهم سر وصول الإرهاب إلى بعض المناطق، واحتلالها، وعدم تمكنه من الوصول إلى مناطق أخرى.. فنبل والزهراء وفوعة وكفرية في سورية مثلا، ومع كونها قريبة جدا من مواطن الإرهابيين إلا أنها مع ذلك ولوعيها، لم يستطع الإرهاب أن يخترقها.
بخلاف الموصل وبعض المناطق العراقية التي احتلتها داعش، والتي كان القرضاوي والعريفي والضاري وغيرهم كثير يحرضونهم، ويشعلون نيران الفتن بينهم، إلى أن أصبحت لهم القابلية لقبول داعش واستقبالها، واحتضانها، ثم الاكتواء بنارها.
وقد حصل عندنا هذا في الجزائر، فأول من اكتوى بنار الإرهاب تلك التي المناطق التي خرج منها إرهابيون، أو كانت فيهم قابلية لاحتضان الإرهاب، أما المناطق المحافظة والواعية، والتي كانت تنتشر بينها الزوايا القرآنية والصوفية وغيرها؛ فإنها كانت بمنأى عن كل فتن، ولم يصلها شرارة أي نار.
لا أقول هذا، لنبكي على ما حصل في الماضي، وإنما لنستفيد منه في المستقبل، حتى نشكل وعيا عاما بكراهية الإرهاب وبغضه، ومحاربته.. فذلك وحده الذي يحمينا من الإرهاب.
وأحاديثي هذه الأيام عن سورية لا أقصد به سورية وحدها، بل أقصد كل منطقة في العالم، حتى لا يحصل لها ما حصل لسورية.. ذلك أنه لولا استماع بعض المغرر بهم في سورية لخطباء الفتنة، والقنوات التحريضية لحافظوا على بلادهم، ولم يقعوا فيما وقعوا فيه، ولم يكتووا بما اكتووا به.. فلذلك لا يلومن إلا أنفسهم.
وقد قال الله تعالى مبينا هذه القاعدة: { إِنَّ
اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}
[الرعد: 11]، وورد في الحديث: (ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن
يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب)، وفي رواية: (إن القوم إذا
رأوا المنكر فلم يغيروه عمهم الله بعقاب)([1])
([1]) رواه النسائي.